عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري]

اشارة

سرشناسه : طباطبائي قمي، تقي، 1301 -

عنوان قراردادي : المكاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : عمده المطالب في التعليق علي المكاسب [انصاري]/ تاليف تقي الطباطبائي القمي.

مشخصات نشر : قم: محلاتي ، 1413ق. = -1371.

مشخصات ظاهري : ج.

شابك : 3000 ريال (ج. 1) ؛ 4500 ريال (ج. 2) ؛ 6000 ريال (ج. 3)

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1414ق. = 1372).

يادداشت : كتابنامه.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب -- نقدو تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1214-1281ق . المكاسب . شرح

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7037 1371

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : م 75-355

الجزء الأول

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ.

بمزيد من الأسي و الأسف حينما كنا نهيئ كتابنا هذا «عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب» للطبع و النشر فجعنا بفاجعة مولمة اثرت في عالم الشيعة اثرا عميقا فكأنها سحاب مظلم اطبق الجو و جامعة التشيع فكم من أعين ترقرقت و دموع همعت و صرخة و عويلة ارتفعت و هي ارتحال سماحة سيدنا الاستاد آية اللّه العظمي السيد الخوئي اعلي اللّه مقامه الشريف فقد فقدت الامة زعيمها و مرجعها و بما انه رحمه اللّه كان سببا لما علمناه رأينا جديرا أن نكتب في ترجمته هذا القليل من الكثير فانا استفدنا من بحار علومه سنوات عديدة و حل لنا غوامض طرق الاستنباط و الاجتهاد و كان لنا أبا روحيا رءوفا و للحوزات العلمية زعيما فذا فكم له من يد طولي في ترقي المراتب العلمية بشتي أنحاءها.

أما في الفقه فكان معلما للفقهاء و قطب رحي تحقيقه و مقدما فيه و هذب اصوله و قواعده و أما في التفسير فيكفيك كتابه

«البيان في تفسير القرآن» و أما الأصول فقد نقح و شيد مبانيها و هيهات أن يأتي الزمان بمثله و أما في الرجال فانظر كتابه «معجم رجال الحديث» يغنيك عن مراجعة ساير الكتب التي الفت في هذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 4

الموضوع و جاء بما بليق بشأنه فانه قدس سره كان خريط هذا الفن و استاده.

فما اقول في حق من ملأت تأليفاته مكاتب الامصار و المدن و تخرج من حوزة درسه جماعة كثيرة من الفضلاء و العلماء علي اختلاف درجاتهم في الفقه و الاصول و التفسير و الكلام و غيرها فينبغي أن يقال: ان الدهر عقيم أن يأتي بمثله و ان أردت كثير الاطلاع علي ترجمته و ماله من علو الشأن و رفعته فانظر ما كتبه في ترجمة نفسه في كتابه القيم «معجم رجال الحديث» فلهفي عليه رحمه اللّه و قد ارتحل في اليوم الثامن من شهر صفر المظفر في سنة 1413.

فهنيئا لك يا سيدي الاستاد عشت سعيدا و مت سعيدا و وصلت الي المدارج العالية في العلوم الاسلامية و تصديت لمنصب الفتيا و كنت مرجعا عاما في الأحكام الشرعية للشيعة في جميع أنحاء العالم و دفنت في قرب ضريح أبي الائمة و امام الامة خليفة الرسول و زوج البتول الامام علي بن ابي طالب عليه الصلاة و السلام فالسلام عليك يوم ولدت و يوم ارتحلت و يوم تبعث حيا.

تقي الطباطبائي القمي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 5

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و اللعن الدائم علي اعدائهم الي يوم الدين و بعد فان هذه شروح و تعاليق و هي

التي خطرت ببالي القاصر اثناء بحث كتاب المتاجر الذي الفه فخر العلماء و المجتهدين استاد الفقهاء و الأصوليين الذي يشار الي كلماته و افاداته في الفقه و الأصول الشيخ الأنصاري قدس سره و حيت ان طبعها و نشرها مفيد لاهل العلم و الفضل بنيت علي علي نشرها و سميتها «عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب».

و أهدي هذه البضاعة المزجاة الي غوث الشيعة و محي الشريعة مولاي و مولي الكونين ولي العصر عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و الهدايا علي مقدار مهديها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 6

[المكاسب المحرمة]

[و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار]

اشارة

«قوله قدس سره و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار الواردة علي سبيل الضابطة للمكاسب من حيث الحل و الحرمة … »

الظاهر ان الشيخ قدس سره في مقام ذكر جملة من الروايات التي يستفاد منها الضابط الكلي للمكاسب من حيث الحلية و الحرمة وضعا لا تكليفا فإن عمدة المقصود في باب المعاملات بيان الحكم الوضعي.

[رواية تحف العقول]

«قوله روي في الوسائل «1» و الحدائق «2»»

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما من حيث السند فهي ضعيفة أولا بعدم توثيق راويها و هو حسن بن علي بن شعبة قال سيدنا الأستاد في ترجمة الرجل قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين الشيخ ابو محمد الحسن بن علي بن شعبة فاضل محدث جليل له كتاب تحف العقول عن آل الرسول الخ «3». فان العبارة المذكورة لا تدل علي كون الرجل ثقة، مضافا الي انه لا اعتبار بتوثيقات المتأخرين و ثانيا ان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات فهي ساقطة عن درجة الاعتبار.

ان قلت سلمنا كون السند ضعيفا في نفسه لكن ينجبر ضعفه بعمل المشهور به قلت: يرد علي التقريب المذكور أولا ان عمل المشهور بالحديث اوّل الكلام و الأشكال و الذي يدل علي عدم عملهم بالحديث ان الفقهاء لم يلتزموا بحرمة بيع النجس علي الإطلاق و لم يلتزموا بحرمة امساكه و الحال أنهما يستفادان من الرواية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب الحديث 1

(2) ج 18 ص 67

(3) معجم رجال الحديث ج 5 ص 38

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 7

و ثانيا: لا دليل علي كون عمل المشهور بحديث ضعيف مقتضيا لاعتباره فان المستفاد من الدليل اعتبار خبر الثقة

فان خبر الثقة حجة و ان لم يعمل به و خبر غير الثقة لا يكون حجة و ان عمل به و صفوة القول انه لا دليل علي ان عمل المشهور بحديث ضعيف موجبا لاعتبار سنده و من الغريب انهم قائلون بعدم اعتبار الشهرة الفتوائية و مع ذلك يلتزمون بانجبار الخبر الضعيف بالعمل و ان شئت قلت ان الشهرة الفتوائية ان كانت معتبرة فلا بد من جعلها دليلا في قبال بقية الأدلة و الأمر ليس كذلك و ان لم يكن لها اعتبار فكيف تكون جابرة للرواية الضعيفة سندا و حل هذه العويصة ان ذهاب المشهور الي مذهب بمقتضي اجتهادهم لا اثر له و لا يفيد لغيرهم و بكفي لعدم الاعتبار احتمال الاجتهاد في عملهم بالرواية.

ان قلت: سلمنا ضعف سند الحديث، لكن يدل علي صحة سنده كونه موافقا في المفاد مع الروايات المعتبرة، مضافا الي أن آثار- الصدق ظاهرة منه.

قلت: مجرد كون الموافقة في المضمون لا يقتضي الاعتبار كما هو ظاهر، و اما ظهور آثار الصدق منه، فدعوي بلا دليل، اذ ليس فيه ما يدل علي صدوره عن مخزن الوحي، بل ربما يقال، ان الامر علي العكس، حيث ان المراد منه ليس واضحا ظاهرا، هذا تمام الكلام من حيث السند.

و اما من حيث الدلالة فلا اعتبار بها بعد سقوط سندها و ضعفها كما هو ظاهر فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و لكن يستفاد من الحديث امر لغوي ذو اهمية كثيرة في ابواب المعاملات و لذا نتعرض له و نقول قد جري ديدن الأصحاب في كثير من الموارد علي التمسك بإطلاق قوله تعالي (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ الآية) «1» لإثبات صحة المعاملة عند الشك

فيها و عدمها و هذا الاستدلال يتوقف علي كون التجارة بما لها من المفهوم لمطلق المعاملة و لا تكون مختصة بخصوص

______________________________

(1) النساء 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 8

البيع إذ لو كانت تختص بالبيع او تكون مجملة لا تكون قابلة للاستدلال اما علي الأول فظاهر و اما علي الثاني فلعدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية كما هو المقرر عند القوم، و كلمات اللغويين في تفسير التجارة مختلفة و يظهر من بعض الكلمات اختصاصها بخصوص البيع قال في المنجد التجارة البيع و الشراء و قال في اقرب الموارد تجر تجارة باع و اشتري و يستفاد الاختصاص من حديث ابن شعبة حيث جعل المقابلة بين التجارة و الإجارة و الصناعة و الولاية و قسم المعاملات الي هذه الأقسام الأربعة و التقسيم قاطع للشركة.

و أيضا يدل علي المدعي قوله عليه السلام في الحديث و اما تفسير التجارات في جميع البيوع الخ فان المستفاد من هذه الجملة ان عنوان التجارة يختص بالبيع و يمكن الاستدلال علي المدعي بصحة السلب اي سلب عنوان التجارة عن غير البيع فان التجارة بما لها المفهوم لا تصدق علي الإجارة او الزراعة أو المسافاة أو الحياكة أو النساجة و لا علي غيرها من المكاسب و صحة السلب آية المجاز فالنتيجة عدم جواز الاستدلال بالآية الشريفة علي صحة مطلق المعاملة عند الشك في الصحة و الفساد و هذه فائدة مهمة مترتبة علي ما ذكرنا فلا تغفل.

ان قلت: يستفاد من قوله تعالي (رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ الآية) «1» ان التجارة اعم من البيع فان العطف التفسيري خلاف الظاهر قلت: غاية ما في الباب ثبوت استعمال لفظ التجارة

في الأعم و من الظاهر ان الاستعمال اعم من الحقيقة.

«قوله معايش العباد»

قال في مجمع البحرين هو جمع معيشة علي وزن مفعلة و هو ما يعاش به من النبات و غيره الخ فالسائل يسأل الإمام عليه السلام عن حكم ما يعاش به.

______________________________

(1) النور 37

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 9

«قوله اربع جهات»

أي لها اربع وسائل و لها أسباب أربعة.

«قوله و العمل معه»

بأن يشترك معه في عمل في مقابل معونته و تقويته بدون المشاركة معه في العمل.

«قوله فالعمل لهم»

بأن يكون العامل من عواملهم و أيديهم.

«قوله و الكسب معهم»

علي نحو الاشتراك.

«قوله بجهة الولاية لهم»

أي بهذه الحيثية و بهذا العنوان.

«قوله و الكسب معهم»

بأن بكون عاملا للظالم في البيع و الشراء و الإجارة و نحوها.

«قوله فكل مأمور به»

لا يبعد ان يكون المراد بالمأمور به الواجب الكفائي الذي يقوم به حفظ النظام و لو لاه يختل النظام.

«قوله و ينكحون»

فان الوطي مع المملوكة مصداق للنكاح الحلال.

«قوله و يملكون»

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 10

فان العيش يتوقف علي وجود مملوك يملكه الإنسان لقضاء حوائجه.

«قوله او كسبه»

كبيع الخمر.

«قوله أو نكاحه»

كنكاح المحارم فاذا حرم نكاح أمة لا يجوز تملكها بالاشتراء لأجل هذه الغاية فتأمل.

«قوله او امساكه»

كحفظ كتب الضلال مثلا.

«قوله او هبته أو عاريته»

كهبة الخمر و عاريتها.

«قوله مما يتقرب به لغير اللّه»

كالصنم.

«قوله او يقوي به الكفر و الشرك»

يمكن ان يكون المراد بالكفر المفهوم العام الشامل لإنكار الصانع و يمكن ان يكون المراد بالشرك الخاص و هو الاعتقاد بوجود خالق شريك مع ذاته سبحانه و الا فالتقرب بغير اللّه نحو من الشرك و شرك المشركين في الصدر الأول كان بهذا النحو و يدل عليه قوله تعالي (لِيُقَرِّبُونٰا إِلَي اللّٰهِ زُلْفيٰ) «1».

«قوله من جميع

وجوه المعاصي»

______________________________

(1) الزمر/ 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 11

لا يبعد ان يكون الجار للتبعيض اي الشرك من بين جميع المعاصي.

[رواية فقه الرضا ع]
اشارة

«قوله و في الفقه المنسوب الي مولانا الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه اعلم رحمك اللّه ان كل ما هو مأمور به علي العباد … «1»»

هذه الرواية أيضا تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما من حيث السند فالظاهر انه لا دليل علي اعتبارها.

و قد ذكر في المقام وجوه لاعتبار سند الحديث
الوجه الأول: اخبار السيد أمير حسين قدس سره بكون الكتاب للإمام عليه السلام

و حيث ان الأمير حسين ثقة يكون اخباره حجة و يرد عليه ان دليل حجية خبر الثقة يختص بالأخبار الحسي و لا يشمل الأخبار الحدسي و شهادة السيد المذكور بكون الكتاب بخط الإمام عليه السلام لا تكون حسية كما هو ظاهر لاحظ ما ذكره المحدث النوري في هذا المقام «2» و قال الثاني (اي والد المجلسي) كما في فوائد العلامة الطباطبائي و مفاتيح الأصول من فضل اللّه علينا انه كان السيد الفاضل الثقة أمير حسين مجاورا عند بيت اللّه الحرام سنين كثيرة و بعد ذلك جاء الي هذا البلد يعني اصفهان و لما تشرفت بخدمته و زيارته قال اني جئتكم بهدية نفسية و هي الفقه الرضوي قال لما كنت في مكة المعظمة جاءني جماعة من اهل قم مع كتاب قديم كتب في زمان أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام و كان في مواضع منه بخطه صلوات اللّه و سلامه عليه و كان علي ذلك اجازات جماعة كثيرة من الفضلاء بحيث حصل لي العلم العادي بأنه تأليفه الخ.

فان اخبار السيد بكونه خط الإمام يكون حدسيا حيث يقول حصل لي العلم

______________________________

(1) الباب 2 من ابواب ما يكتسب به من المستدرك الحديث 1

(2) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 337

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 12

العادي يكون الكتاب تأليف الإمام و من الظاهر ان

علم السيد بكون الكتاب للإمام لا يكون حجة بالنسبة إلينا غاية ما في الباب ان السيد شهد بحصول العلم العادي له و حصول العلم العادي للسيد لا يقتضي الاعتبار و ان شئت قلت ان السيد يستند الي علمه في اخباره بأن الكتاب تأليف الإمام عليه السلام و بعبارة واضحة حصول العلم العادي يختلف بحسب اختلاف الأشخاص فربما يحصل العلم بامر لشخص و لا يحصل لغيره ذلك العلم بذلك الطريق فالنتيجة انه لا يكون اخبار السيد مشمولا لدليل الحجية فان السيد علم به لجملة من القرائن و اعتبار علمه يختص به و لا يفيد لغيره و مما يدل علي عدم تمامية شرائط حجية الخبر في اخبار أمير حسين ما نقل «1» عن المجلسي الأول و العمدة في الاعتماد علي هذا الكتاب مطابقة فتاوي علي بن بابويه في رسالته و فتاوي ولده الصدوق الخ اذ لو كان اخبار السيد أمير حسين جامعا لشرائط حجية الخبر لم يكن وجه لهذا البيان اضعف الي ذلك كله انه شهد بأن خط الإمام في مواضع من الكتاب فعلي تقدير تمامية اخباره و فرض اعتباره يثبت ان جملة من موارده بخطه عليه السلام فلا يثبت ان الكتاب بتمامه مستندا إليه فلا يترتب عليه الأثر المرغوب فيه فلاحظ.

الوجه الثاني اخبار شيخين ثقتين بأن الكتاب للامام عليه السلام

لاحظ ما افاده النوري في المقام قال «2» في جملة كلام له ثم حكي عن شيخين فاضلين صالحين ثقتين انهما قالا ان هذه النسخة قد اتي بها الي مكة المشرفة و عليها خطوط العلماء و اجازاتهم و خط الإمام في عدة مواضع الخ بتقريب ان اخبارهما بذلك يشمله دليل اعتبار الخبر الواحد.

و فيه أولا انه لو كان اخبارهما جامعا لشرائط الحجية لم يكن وجه لما

افاده

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 337

(2) نفس المصدر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 13

المجلسي الأول و تقدم كلامه.

و ثانيا اخبارهما مصداق للخبر المرسل و المرسلات لاعتبار بها و احتمال كونه مسندا بعيد اذ لو كان له طريق كان المناسب ان يذكر السند و لم يكن وجه للإرسال و عدم بيان الوسائط و ثالثا سلمنا تمامية اخبارهما و اعتبار خبرهما لكن مع ذلك لا يفيد اذ المذكور عنهما انهما قالا و خط الإمام عليه السلام في عدة مواضع فان غاية ما يستفاد ان عدة مواضع من الكتاب بخط الامام و ان شئت قلت نعلم اجمالا بكون بعض روايات الكتاب معتبرا لكن لا يترتب اثر علي هذا العلم و بعبارة واضحة انا نعلم اجمالا بأن جملة من الأحكام المذكورة في الكتاب مطابقة للواقع لكن لا اثر لهذا العلم بعد عدم دليل علي اعتبار جميع رواياته.

الوجه الثالث موافقة الكتاب لرسالة علي بن بابويه الي ابنه الصدوق

بتقريب انه يكشف ان الكتاب كان موجودا في زمان الصدوق و كان ما افتي به مستندا إليه و فيه انه يمكن ان الكتاب المسمي بالفقه الرضوي متخذا من تلك الرسالة بل هذا الاحتمال قوي و خلافه في غاية الضعف اذ كيف يمكن ان الصدوق و والده يأخذان الكتاب الذي الفه الإمام عليه السلام و ينسبان الي انفسهما أ فليس هذا العمل دسا و تدليسا و خيانة؟ و نقل عن ميرزا عبد اللّه افندي «1» في رياض العلماء الجزم بأن كتاب فقه الرضا عين الرسالة و ان اشتراك ابن بابويه مع الإمام عليه السلام في اسمه و اسم ابيه صار سببا لنسبة الكتاب الي الإمام. أضعف الي ذلك ان مجرد استناد الصدوق الي كتاب و العمل به لا يوجب الاعتبار

كما هو طاهر.

الوجه الرابع: ان احمد السكين «2» كان مقربا عند الإمام عليه السلام

و كان في زمانه و قد كتب عليه السلام كتاب الفقه لاجله و الكتاب موجود في مكتبة السيد

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري ج 1 ص 7

(2) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 14

عليخان بطائف و فيه: انه لا دليل علي ان الكتاب الذي بايدينا كان له عليه السلام و بعبارة واضحة ما الدليل علي ان هذا الكتاب الموجود عندنا هو الكتاب الذي كتبه عليه السلام لأحمد بن السكين خصوصا مع ملاحظة كون ظهوره من قم.

الوجه الخامس: ما افاده «1» العلامة الطباطبائي قدس سره

قال و مما يؤيده و يؤكده ان الشيخ الجليل منتجب الدين و هو الشيخ ابو الحسن علي بن عبيد اللّه بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي قال في رجاله الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي ما هذا لفظه:

السيد الجليل محمد بن احمد بن محمد الحسيني صاحب كتاب الرضا عليه السلام فاضل ثقة كذا في عدة نسخ مصححة من رجال المنتجب و في كتاب امل الامل نقلا عنه بتقريب ان الظاهر من هذا الكلام ان المراد بالكتاب فقه الرضا عليه السلام و المراد من الجملة وجود نسخة الأصل او انتهاء اجازة الكتاب إليه و ليس المراد أنه روي هذا الكتاب عنه عليه السلام بلا واسطة او انه عليه السلام صنفه له فانه من العلماء المتأخرين الذين لم يدركوا اعصار الائمة عليهم السلام و فيه ان الأشكال كله في نسبة الكتاب إليه عليه السلام و بكلمة واضحة انه لا دليل علي ان الكتاب الموجود بايدينا له عليه السلام و لا يترتب اثر علي كلام منتجب الدين فلاحظ.

الوجه السادس ما ذكره السيد نعمة اللّه الجزائري قدس سره

قال السيد: و كم قدر أينا جماعة ردوا علي الفاضلين بعض فتاويهما بعدم الدليل فرأينا دلائل تلك الفتاوي في غير الأصول الأربعة خصوصا في كتاب الفقه الرضوي الذي أتي به من بلاد الهند في هذه الأعصار الي اصفهان الي آخر كلامه بتقريب ان هذا الكلام يدل علي وجود هذا الكتاب بل يدل علي تعدد نسخه و فيه ان امثال هذه الاستدلالات اوهن من بيت العنكبوت فان غاية ما يستفاد من هذا الكلام ان السيد الجزائري

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 341

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 15

كان يعتقد

بانتساب الكتاب الي الإمام عليه السلام و من الظاهران اعتقاده بهذا الأمر لا يفيدنا.

الوجه السابع ما قاله ناصر خسرو الحكيم الشاعر

«1» فانه قال في جملة كلام له في ترجمة نفسه: و كتاب الشامل الذي صنفه جدي علي بن موسي الرضا عليهما السلام اخذته مصاحبا لنفسي بتقريب ان الظاهر من كلامه ان المراد من الكتاب المشار إليه كتاب فقه الرضا و فساد الاستدلال بهذا الوجه علي المدعي أوضح من ان يخفي فان قول الشاعر المشار إليه لا يكون حجة و علي فرض تماميته انما يدل كلامه علي ان مراده من الكتاب ما صنفه الإمام عليه السلام و لا دلالة في كلامه علي ان المراد منه الفقه الرضوي.

الوجه الثامن «2» ان هذا الكتاب اما للامام تأليفا او املاء

و اما موضوع مجعول و لا ثالث فان بطل الثاني تعين الاول و هو المطلوب و الدليل علي بطلان الثاني ان فيه ما لا ينبغي صدوره إلا عن الإمام المعصوم. و هذا الوجه أيضا فاسد و موهون اذ علي فرض الجعل و الوضع لا بدّ من ايراد الكلام و الجملات علي نحو يناسب صدورها عن الإمام عليه السلام مضافا الي اشتماله علي ما يدل علي عدم صدوره عن الإمام كما ستعرف الدليل عليه عن قريب فانتظر.

الوجه التاسع ما في كلام الرجاليين

«3» من الدلالة علي ان للامام عليه السلام كتابا و علي ان الراوي الفلاني له مسائل عن الإمام عليه السلام بتقريب ان هذه الكلمات بعد دلالتها علي وجود الكتاب يعلم ان المراد منه الفقه الرضوي. و فيه أن الظاهر انه لا يستفاد من هذه الكلمات وجود كتاب للإمام فان ثبوت مسائل

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 الطبع القديم ص 343

(2) نفس المصدر

(3) المستدرك ج 3 ص 345

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 16

لشخص عن الإمام لا تدل علي تحقق كتاب له عليه السلام مضافا الي ان وجود الكتاب لا يفيد اثبات المدعي فان المدعي ان الفقه الرضوي الكتاب الموجود عندنا للإمام اما تأليفا و اما إملاء.

الوجه العاشر «1» ان مأخذ جملة من فتاوي القدماء موجود في هذا الكتاب

فيظهر ان الكتاب المذكور كان مرجعهم في تلك الفتاوي و لا يكون لها مستند الا ما في الكتاب و فيه ان غاية هذا التقريب ان القدماء كانوا يعملون بالكتاب فلا بد من اثبات ان العمل جابر لضعف السند و لا دليل عليه فلا مجال لأن يقال ان الرواية و إن كانت ضعيفة سندا لكن ينجبر ضعفها بالعمل مضافا الي الخبر غير معمول به فانه يستفاد منه انه اذا نهي عن شي ء لما فيه الفساد يحرم جميع استعمالاته حتي امساكه فيحرم استعمال الدم علي الإطلاق حتي امساكه لحرمة شربه و الحال انه لم يثبت التزام احد من العلماء به بل واضح الفساد.

و بعبارة اخري جواز استعمال المحرم في الجملة في غير جهة الحرام من الواضحات التي لا يعتريه شك و لا ريب ثم انه لو اغمض عما تقدم لا يمكن الالتزام بكون الحديث قابلا للعمل به، اذ لا يبعد أن يستفاد من الحديث ان الملاك في حرمة المحرمات المذكورة

كونها ضارة للجسم و فسادا للنفس فان الحرمة و عدمها دائرتان مدار فساد النفس و ضرر الجسم و الحال ان الأمر ليس كذلك قطعا فان استعمال جملة من المحرمات بمقدار قليل لا يكون مضرا للجسم و هل يمكن الالتزام بحليتها؟ كلا.

ثم انه قد ذكرت وجوه لاستبعاد كون الكتاب للإمام عليه السلام منها عدم ذكره و التعرض له عند قدماء الأصحاب مع توغلهم في الأخبار و حرصهم في طلب الآثار الصادرة عن الأئمة الأطهار.

______________________________

(1) نفس المصدر ص 346

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 17

و منها انه قد تكرر فيه عنوان روي و يروي و أروي و نروي بل قد رويت جملة من رواياته عن جملة من الرواة كابن ابي عمير و صفوان و زرارة و الحلبي و كيف يمكن أن يبين الإمام الأحكام بهذا النحو و ان شئت قلت المعهود من ديدنهم عليهم السلام حتي من مولانا الرضا عليه السلام ليس كذلك.

و منها اشتمال الكتاب علي اخبار متعارضة من دون تعرض لحكم التعارض من الترجيح أو التساقط أو التخيير الي غيرها من الوجوه المذكورة في مستدرك النوري قدس سره هذا تمام الكلام في سند الحديث.

و اما من حيث الدلالة فمن الواضح انه لا اثر للدلالة بعد سقوط السند عن الاعتبار مضافا الي ما مر من عدم امكان الاخذ بدلالته مع قطع النظر عن السند أيضا لاشتماله علي ما لم يقل به احد و مخالفته مع القواعد المقررة و اللّه الهادي الي سواء السبيل.

«قوله عليه السلام ان كل مأمور به»

لا يبعد ان يكون المراد بالأمر في المقام الوجوب الكفائي لأجل حفظ النظام فان تعلق الوجوب من قبل الشارع بنحو الوجوب الكفائي منه علي العباد اذ

حفظ النظام يتوقف علي قيام من به الكفاية.

«قوله عليه السلام و مما يأكلون و يشربون و يلبسون و ينكحون و يملكون و يستعملون»

عطف تفسيري و بيان للإجمال السابق و المراد بالأكل و الشرب و اللبس ظاهر و اما النكاح فالظاهر ان المراد منه ملك اليمين لأجل التمتع و المراد بالملك ملك اليمين لأجل قضاء الحوائج فان العبد المملوك يترتب عليه الأثر المذكور و المراد بالاستعمال مطلق الانتفاعات المحللة المترتبة علي الأشياء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 18

«قوله عليه السلام من جهة اكله و شربه»

المراد الترديد و التنويع لا الجمع كما هو ظاهر بادني تأمل فان المأكول مقابل المشروب فكيف يمكن الجمع بين الأمرين في شي ء واحد.

«قوله عليه السلام و نكاحه»

كنكاح ذات المحرم.

«قوله عليه السلام و امساكه»

كامساك الخمر لأجل التخمير.

[رواية دعائم الإسلام]

«قوله و عن دعائم الاسلام عن مولانا الصادق عليه السلام «1»»

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة اما الكلام في الرواية من حيث السند فالظاهر ان سند الحديث لا اعتبار به أما أولا فلان قاضي نعمان لا يكون موثقا فلا اعتبار بأخباره و أما ثانيا فلان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات و عمل المشهور بالرواية علي فرض تسليمه لا اثر له لما ذكرناه من انه لا وجه لكون العمل جابرا للخبر الضعيف مضافا الي انه غير معمول به كما سيظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالي.

ان قلت ان قاضي نعمان مؤلف الكتاب قال «2» في اوّل كتابه نقتصر فيه علي الثابت الصحيح مما رويناه عن الأئمة عليهم السلام الخ و كلامه كما تري توثيق و تصحيح للطريق قلت لا اثر لتوثيقه و ان سلمنا وثاقته اذ

يمكن ان صحة الطريق عنده مورد الكلام و الأشكال عندنا و بعبارة اخري يمكن ان يكون ثابتا عنده و لا يكون كذلك عندنا فسند الرواية ساقط عن الاعتبار، و أما من حيث الدلالة فالظاهر انه لا يمكن الالتزام بمفاد الحديث اذ المستفاد منه انه اذا حرم شيئا لا يجوز بيعه و هل

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) مصباح الفقاهة للتوحيدي ج 1 ص 19.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 19

يمكن الالتزام بهذه الكلية فان التراب يحرم اكله فهل يكون حراما بيعه و أيضا يحرم أكل لحوم السباع و هل يحرم بيعها و هكذا و هكذا.

اضف الي ذلك ان الشيخ قدس سره في مقام بيان الضابط الكلي لجواز البيع و عدمه وضعا و المستفاد من الحديث حكم البيع تكليفا فلاحظ و لما انجر الكلام الي هنا نقول قد اشتهر فيما بين القوم أن النهي عن المعاملات ارشاد الي فسادها و لا يستفاد منه الحرمة التكليفية و الحال انا نري عدم الالتزام بهذه المقالة علي النحو الكلي فما الميزان و ما هو الضابط؟

فنقول الذي يختلج بالبال أن يقال أن النهي المتعلق بالمعاملة تارة يتعلق بما هو معنون بالعنوان الثانوي و اخري يتعلق به بما هو معنون بعنوانها الأولي و علي الثاني قد يتعلق بها لأجل أمر خارجي عنها و اخري يتعلق بها بما هي هي و قبل بيان المقصود نقول لا اشكال في أن النهي كما حقق في محله ظاهر في النهي المولوي و رفع اليد عن هذا الظهور يتوقف علي انعقاد ظهوره في الإرشاد و بعد هذه المقدمة نقول اذا تعلق النهي بالمعاملة بما هي معنونة

بالعنوان الثانوي فلا اشكال في ان المستفاد منه المولوية كما لو نذران لا يبيع داره او حلف أو اشترط في ضمن العقد أو أمر والده الي غير ذلك من العناوين الثانوية فانه لا اشكال في ان النهي يقتضي الحرمة التكليفية و أيضا الأمر كذلك فيما لو تعلق النهي بالمعاملة بملاك خارجي كالنهي عن بيع وقت النداء و امثاله فان المستفاد منه بحسب الفهم العرفي المولوية و الحرمة التكليفية و أما لو لم يكن كذلك كما لو قال المولي لا تبع ما ليس عندك و شككنا في ان النهي المذكور ارشادي أو مولوي فان علمنا من الخارج انه ليس مولويا نحمله علي الإرشاد و أما لو شككنا فلا وجه للحمل علي الارشاد و علي هذا الأساس لا وجه لحمل النهي في المقام علي الإرشاد فلاحظ.

[النبوي المشهور]

«قوله و في النبوي المشهور ان اللّه اذا حرم شيئا حرم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 20

ثمنه» «1»»

و هذه الرواية أيضا يقع الكلام فيها تارة من حيث السند و اخري من حيث الدلالة أما من حيث السند فالظاهر انه لا اعتبار بسندها اذ غايتها كونها منقولة عن النبي مرسلة و لا اعتبار بالمرسلات و لا يخفي ان الحديث كما تري روي في المستدرك بزيادة لفظ الأكل و علي تقدير تعدد النقل و الشك في الزيادة و النقصان يكون مقتضي القاعدة الأخذ بالزيادة و حمل النقيصة علي الاشتباه لأن الاشتباه في النقص اكثر و احتماله ارجح و علي كلا التقديرين لا يتم السند حتي علي الالتزام بكون عمل المشهور جابرا اذ لا اشكال في عدم التزام المشهور بما ورد في الرواية و الا يلزم ذهابهم الي حرمة فساد بيع جميع

المحرمات الإلهية بمقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه و هو كما تري و من هذا البيان ظهر الحال في دلالة الرواية فان المستفاد منها بطلان بيع جميع المحرمات أو بطلان بيع ما يحرم اكله و هذا الحكم غير قابل للالتزام به و الا يلزم تأسيس فقه جديد و اللّه العالم بحقايق الأمور فانقدح بما ذكر ان الرواية غير تامة دلالة و اللّه العالم.

[تقسيم المكاسب إلي الأحكام الخمسة]

«قوله قد جرت عادة غير واحد علي تقسيم المكاسب … »

المكاسب جمع المكسب و المناسب للمقام ان يراد من المكسب المصدر الميمي فانه بهذا المعني يمكن أن تعرض عليه الأحكام الخمسة.

«قوله الي محرم»

كبيع الخمر لاحظ ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 21

اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخمر و عاصرها و معتصرها و بايعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه «1».

«قوله و مكروه»

كبيع الأكفان علي ما هو المشهور عندهم و يدل عليه بعض النصوص لاحظ ما رواه ابن عمار قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فخبرته انه ولد لي غلام الي ان قال لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا و لا تسلمه بياع أكفان فان صاحب الأكفان يسره الوباء اذا كان الحديث «2» و الرواية مخدوشة سندا.

«قوله و مباح»

كما لو لم يكن حراما و لا مكروها.

«قوله بمثل الزراعة و الرعي مما ندب إليه الشرع»

و المقصود من البحث في المقام تقسيم المكسب

بما هو و ما ورد في الزرع يستفاد منه كونه بنفسه أمر مندوب إليه شرعا لاحظ ما رواه الواسطي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن الفلاحين فقال: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه و ما في الأعمال شي ء أحب الي اللّه من الزراعة: و ما بعث اللّه نبيا الا زراعا الا ادريس عليه السلام فانه كان خياطا «3» فالزراعة مندوبة في نفسها لا بعنوان كونها أحد المكاسب و الرعي أيضا كذلك لاحظ ما رواه محمد بن عطية قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان اللّه عز و جل أحب لأنبيائه من الأعمال الحرث و الرعي لئلا يكرهوا شيئا من قطر السماء «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 3

(4) البحار ج 103 باب 10 الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 22

«قوله و للواجب بالصناعة الواجبة كفاية»

الواجب بالصناعة علي نحو الكفاية حفظ النظام و الكلام في بيان حكم المكسب بما هو، لا بما يعنون بعنوان آخر و الا تجب المعاملة بالعناوين المتعددة.

«قوله خصوصا اذا تعذر قيام الغير به»

لم افهم وجه الخصوصية فان المقصود ان كان ذكر المورد للواجب كفائيا كان او عينيا فلا وجه للخصوصية. و ان كان المراد ذكر الوجوب العيني فلا يشمل الواجب بالكفاية فلا وجه لذكر الخصوصية أيضا مضافا الي ان الواجب الكفائي لا يصير عينيا كما ان الواجب التخييري لا يصير تعيينيا و انما الإلزام بحكم العقل لا من قبل الشارع و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

«قوله فتأمل»

يمكن ان يكون اشارة الي

جميع ما ذكر و يمكن ان يكون اشارة الي بعضه و اللّه العالم.

[و معني حرمة الاكتساب]

«قوله و معني حرمة الاكتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الاثر المحرم و اما حرمة اكل المال في مقابلها فهو متفرع علي فساد البيع لانه مال الغير وقع في يده بلا سبب شرعي، و ان قلنا بعدم التحريم لان ظاهر ادلة تحريم بيع مثل الخمر منصرف الي ما لو اراد ترتيب الآثار المحرمة اما لو قصد الاثر المحلل فلا دليل علي تحريم المعاملة الا من حيث التشريع»

.عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 23

المفروض ان الحرمة تتعلق بعنوان المعاملة كالبيع مثلا فنقول لا بدّ من بيان مفهوم البيع و الظاهر ان البيع عبارة عن اعتبار تمليك البائع المبيع في مقابل الثمن و ابراز هذا العنوان بمبرز لفظي او فعلي فاذا دل الدليل علي حرمه هذا المعني و تمت مقدمات الحكمة يكون مقتضي القاعدة حرمته علي الإطلاق و لا وجه لما أفاده المصنف قدس سره من اختصاص الحرمة بخصوص مورد قصد ترتب الأثر المحرم، ثم انه لا وجه لما افاده من الحرمة بعنوان التشريع لأن النسبة بين الحرمة التكليفية و الوضعية عموم من وجه فيمكن ان يكون البيع حراما وضعا و تكليفا كبيع الخمر و يمكن ان يكون حراما تكليفا و يصح وضعا كالبيع وقت النداء و يمكن ان يكون حراما وضعا و لا يكون حراما تكليفا كبيع ما ليس عنده و عليه نقول لو فرض كون البيع جائزا تكليفا و حراما وضعا فباع بقصد أنه حلال وضعا في وعاء الشرع يكون تشريعا فلا بد من التفصيل بالنسبة الي الموارد و صفوة القول انه يرد عليه أولا ان تخصيص الحرمة التكليفية

بخصوص قسم كما في كلامه بلا دليل و أيضا حرمته بعنوان التشريع تتوقف علي قصده أولا و كونه حراما وضعا ثانيا فلاحظ.

[فالاكتساب المحرم أنواع]

[النوع الأول الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني]
[و فيه مسائل ثمان]
اشارة

«قوله قدس سره: و كيف كان فالاكتساب المحرم انواع».

الظاهر ان مراده من الحرمة العارضة للاكتساب الحرمة الوضعية و ينبغي ان نذكر ميزانا كليا لموارد الشك في الحرمة الوضعية و التكليفية ليؤخذ به ما لم يرد دليل يقتضي تخصيص ذلك الميزان الكلي فنقول اما الحرمة الوضعية ففي كل مورد شك فيها يكون مقتضي الأصل العملي الفساد و الحرمة كما هو ظاهر مثلا لو شك في صحة بيع النجس يكون مقتضي الاستصحاب عدم الانتقال كما ان مقتضاه عدم جعل الشارع البيع في مورده صحيحا هذا بالنسبة الي الأصل العملي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 24

و اما مقتضي الأصل اللفظي فمقتضي اطلاق قوله تعالي (وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» صحة البيع في مورد الشك كما ان مقتضي قوله تعالي تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2» كذلك اذا قلنا بان التجارة اعم من البيع و اما ما اشتهر بين القوم من الاستدلال علي الصحة بقوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» فغير تام اذ لا اشكال في ان المراد بوجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا لعدم حرمة الفسخ تكليفا فيكون المراد بوجوب الوفاء الإرشاد الي لزوم العقد و عدم تأثير الفسخ فالآية تكون دليلا علي اللزوم و عدم كون الفسخ مؤثرا و من الظاهر ان اللزوم و الجواز حكمان مترتبان علي العقد فلا بد من فرض وجود العقد في الرتبة السابقة كي يترتب عليه الجواز او اللزوم فنقول لا اشكال في استحالة الاهمال في الواقع و في مقام الثبوت فاذا قال المولي يجب الوفاء بالعقد اما يكون العقد المفروض في

الرتبة السابقة خصوص العقد الفاسد و اما الجامع بين الفاسد و الصحيح و اما فرض مهملا و اما خصوص العقد الصحيح لا سبيل الي الأول و الثاني و الثالث كما هو ظاهر فالمتعين هو القسم الرابع و عليه لا يكون دليل اللزوم دليلا علي الصحة.

ان قلت الدليل علي اللزوم يدل علي الصحة بدلالة الاقتضاء قلت القضية اذا كانت علي نحو القضية الخارجية فما افيد تام فان الدليل علي اللزوم يدل علي الصحة اذ كيف يمكن ان يحكم المولي علي عقد خارجي باللزوم بلا اعتبار صحته و اما اذا كان علي نحو القضية الحقيقية كما هو كذلك فالتقريب غير تام اذ المفروض ان مرجع القضية الحقيقية الي القضية الشرطية مثلا لو قال المولي اكرم كل عالم معناه انه اذا كان في الخارج اكرمه فما دام لم يحرز عنوان العالم و صدقه علي فرد

______________________________

(1) البقرة/ 275

(2) النساء/ 29

(3) المائدة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 25

في الخارج لا يترتب عليه وجوب الاكرام فما دام لم يحرز عنوان العقد الصحيح و صدقه علي عقد في الخارج لا يشمله دليل اللزوم.

و ان شئت قلت ما دام لم يحرز الموضوع لا يترتب عليه الحكم و بعد احراز الموضوع لا مجال لتقريب دلالة الاقتضاء فلاحظ هذا كله بالنسبة الي الحلية و الحرمة الوضعيتين و اما بلحاظ الحكم التكليفي فما دام لم يقم دليل علي الحرمة يكون مقتضي الأصل الأولي هو الجواز هذا هو الميزان الكلي الجاري في جميع الموارد و الخروج عن هذه الكلية يتوقف علي قيام دليل علي التخصيص و التقييد.

[الأولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي يحرم المعاوضة علي بول غير مأكول اللحم … »

استدل المصنف قدس سره علي حرمة بيع البول بوجوه:
الوجه الأول عدم الخلاف

و من الظاهر ان عدم الخلاف بنفسه لا يكون دليلا علي الحكم الشرعي الا أن يرجع الي الإجماع و أما الإجماع فالمنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا فلا يترتب عليه اثر.

الوجه الثاني حرمة الأعيان النجسة

و فيه انه ما المرد من الحرمة فان كان المراد بها اكلها أو شربها فيرد عليه انه لا دليل علي حرمة بيع كل ما حرم أكله أو شربه فان كثيرا من الأشياء يحرم أكله أو شربه و مع ذلك لا يكون بيعها حراما نعم عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم مرسلا ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم أكل شي ء حرم حرم عليهم ثمنه «1» و من الظاهر انه لا اعتبار بالمرسلات حتي لو فرض عمل المشهور بها لعدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل فضلا عن مورد عدم العمل به كما في المقام

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 26

و ان كان المراد حرمته علي الإطلاق فيرد علي الاستدلال أولا انه لا دليل علي المدعي ظاهرا الا النبوي المشار إليه ببعض نسخه و قد مر ضعفه و عدم اعتباره و ثانيا انه لا دليل علي حرمة جميع الانتفاعات من الأعيان النجسة فلاحظ.

الوجه الثالث كونها نجسة بتقريب ان النجاسة بما هي تقتضي فساد البيع

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث تحف العقول حيث قال عليه السلام أو شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام و محرم لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان النجس يحرم الانتفاع به كأكل الميتة أو شرب الخمر فجميع التقلب فيه حرام فلا يجوز بيع النجس و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و عمل المشهور به ممنوع مضافا الي عدم انجبار السند الضعيف بعمل المشهور و ثانيا بانه لا اشكال في ان النهي

عن الأكل أو الشرب أو الانتفاع الأخر لا يوجب فساد البيع فلا مجال للعمل بمفاد الحديث فلاحظ.

الوجه الرابع عدم الانتفاع بالبول انتفاعا شرعيا

و يرد عليه أو لا انه يمكن ان يتصور الانتفاع الشرعي من البول كسقي الأشجار و النباتات و نحوه و ثانيا ما الدليل علي اشتراط وجود الانتفاع الشرعي في المبيع ان قلت مع عدم النفع الشرعي في المبيع لا مالية للعين و يشترط في المبيع ان يكون ما لا قلت لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع.

ان قلت اذا لم يكن ما لا يكون البيع سفهيا قلت أو لا يمكن ان يكون في البيع غرض عقلائي فلا يكون سفهائيا، و ثانيا لا دليل علي بطلان البيع السفهي و انما الدليل دل علي بطلان بيع السفيه لكونه محجورا عن التصرف.

ان قلت اذا لم يكن المبيع ذا مالية يكون مصداقا للتجارة الفاسدة و أكل المال

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 27

بالباطل قلت المستفاد من الآية الشريفة «1» عدم جواز أكل المال بالسبب الباطل كالقمار مثلا و بعبارة اخري الجار في قوله تعالي بالباطل لا يكون للمقابلة كي يتم هذا التقريب بل الجار للسببية أي لا تأكلوا أموالكم بالسبب الباطل و ببيان أوضح انه ليس المراد من الآية انه لا يجوز اكل المال في مقابل الباطل و صفوة القول ان المستفاد من الآية الشريفة حصر السبب الشرعي في التجارة عن تراض و لا فرق فيما ذكر بين كون الاستثناء متصلا أو منفصلا أما علي القول بكونه متصلا بان يكون المراد من الآية النهي عن الأكل بكل سبب لكونه فاسدا الا التجارة عن تراض فواضح و أما علي القول بالانفصال

كما لو كان المراد النهي عن الأكل بالسبب الفاسد فأيضا يستفاد الحصر اذ المولي في مقام بيان اعطاء الضابطة الكلية و مقتضي الإطلاق المقامي كون السبب المحلل منحصرا في التجارة عن تراض.

الوجه الخامس الحديث المروي عن الفقه الرضوي

«2» بتقريب ان المستفاد من الحديث انه اذا حرم شرب شي ء كالبول في محل الكلام يحرم بيعه و فيه أولا ان الحديث لا اعتبار به كما مر و ثانيا لا يبعد ان يستفاد من الرواية الحرمة التكليفية اذ بمقتضي الشرطية المذكورة فيها انه اذا حرم شربه يحرم بيعه و شرائه و من الظاهر ان الحلية أو الحرمة الوضعية غير قابلة للتفريق بين البيع و الشراء أي إن كان البيع صحيحا يكون الشراء كذلك و ان كان فاسدا فالشراء كذلك أيضا و أما الحكم التكليفي فيمكن أن يفصل فيه بين البيع و الشراء و بعبارة واضحة ان كان المراد من العبارة الحرمة الوضعية لم يكن ذكر الشراء لازما لان فساد البيع يستلزم فساد الشراء و أما الحكم التكليفي فليس كذلك فلاحظ.

الوجه السادس حديث الدعائم

«3» بالتقريب المتقدم المذكور في الحديث

______________________________

(1) النساء/ 29

(2) مستدرك الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 28

الرضوي و الجواب هو الجواب طابق النعل بالنعل.

«قوله فيما عدا بعض افراده كبول الابل»

الظاهر من العبارة ان قوله كبول الإبل الجلالة و ما بعده مثالان لما يجوز الانتفاع به نفعا حلالا و عليه يرد فيه انه مع الضرورة لا فرق بين انواع المحرمات و لا وجه للاختصاص و اما مع عدم الضرورة فأيضا لا فرق بينها و بعبارة اخري مع الضرورة يجوز الانتفاع بجميع المحرمات و مع عدم الضرورة لا يجوز مضافا الي ما قد مر من عدم الدليل علي اشتراط كون المبيع ذا منفعة محللة اضف الي ذلك كله انه قد مر انه لا دليل علي حرمة

الانتفاع بالبول علي نحو الإطلاق و العموم و قلنا بجواز الانتفاع به في الجملة كسقي الأشجار.

«قوله قدس سره ان قلنا بجواز شربها … »

وقع الكلام بين القوم في جواز شرب بول ما يؤكل لحمه و عدمه و علي ما يظهر من كلماتهم ان المسألة ذات قولين فذهب جماعة الي الجواز و نقل المصنف قدس سره عن المرتضي قدس سره دعوي الإجماع علي الجواز و من الظاهر انه لا اعتبار بالاجماع المنقول فالعمدة ملاحظة النصوص الواردة في المقام فمن تلك النصوص ما رواه عمار بن موسي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: ان كان محتاجا إليه يتداوي به يشربه و كذلك أبوال الإبل و الغنم «1» و هذه الرواية تامة سندا و مقتضي مفهوم الشرطية حرمة الشرب اختيارا.

و منها ما رواه ابو البختري عن جعفر عن أبيه ان النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: لا بأس ببول ما اكل لحمه «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه الجعفري قال: سمعت أبا الحسن موسي عليه السلام يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 59 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 29

أبوال الإبل خير من البانها و يجعل اللّه الشفاء في البانها «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا و منها ما رواه موسي بن عبد اللّه بن الحسن قال: سمعت أشياخنا يقولون ألبان اللقاح شفاء من كل داء و عاهة و لصاحب الربو أبوالها «2» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه موسي بن عبد اللّه مثله و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما روي عن أبي عبد

اللّه عليه السلام انه قال مثل ذلك و زاد: فيه شفاء من كل داء و عاهة في الجسد و هو ينقي البدن و يخرج درنه و يغسله غسلا «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه المفضل ابن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السلام أنه شكا إليه الربو الشديد فقال: اشرب له ابوال اللقاح فشربت ذلك فمسح اللّه دائي «4». و هذا الحديث ضعيف سندا أيضا.

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شرب الرجل ابوال الإبل و البقر و الغنم ينعت له من الوجع هل يجوز له ان يشرب؟ قال: نعم لا بأس به «5» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه ابو صالح عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال قدم علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قوم من بني ضبة مرضي فقال لهم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم أقيموا عندي فاذا برئتم بعثتكم في سرية فقالوا: اخرجنا من المدينة،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 3

(2) نفس المصدر الحديث: 4

(3) الوسائل الباب 59 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث: 8

(5) نفس المصدر الحديث: 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 30

فبعث بهم الي ابل الصدقة يشربون من ابوالها و يأكلون من البانها فلما برءوا و اشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل فبلغ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخبر فبعث إليهم عليا عليه السلام و هم في واد قد تحير و أ ليس يقدرون ان يخرجوا منه قريبا من ارض اليمن فاسرهم و جاء بهم الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

و سلم فنزلت هذه الآية إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ فاختار رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم القطع فقطع ايديهم و ارجلهم من خلاف «1».

و هذه الرواية علي تقدير تمامية سندها لا تكون معارضة لحديث عمار اذ فرض كونهم محتاجين الي شرب بول الإبل و مع الغض عما ذكر نقول مقتضي الصناعة تخصيص هذه الرواية بحديث عمار اذ غاية ما في الباب ان حديث ابي صالح يدل بإطلاقه علي الجواز علي الاطلاق و مقتضي القاعدة تخصيص العام و تقييد المطلق بالتخصيص و التقييد فالنتيجة انه لا يجوز شرب بول ما يؤكل لحمه في حال الاختيار و اللّه العالم.

«قوله لاستخباثها»

بتقريب ان البول و لو كان طاهرا يكون من الخبائث فيكون حراما لقوله تعالي (وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ) «2» فان المستفاد من الآية الشريفة حرمة جميع الخبائث.

و اورد سيدنا الاستاد «3» علي الاستدلال المذكور علي ما في التقرير بان المقصود من الخبيث ما فيه مفسدة و رداءة و لو كان من الأفعال المذمومة المعبر عنه في

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب حد المحارب الحديث: 7

(2) الاعراف/: 157

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 38

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 31

الفارسية بلفظ (پليد) الي ان قال فالآية ناظرة الي تحريم كل ما فيه مفسدة و لو الأعمال القبيحة فلا تعم شرب الأبوال الطاهرة و نحوها مما تتنفر عنها الطباع هذا ما افيد في المقام و يمكن ان يرد عليه بانه لا اشكال في ان البول و لو كان طاهرا يعد في العرف

من الخبائث فبمقتضي عموم الآية يكون حراما نعم الحرمة لا تتعلق بالذوات الخارجية فلا بد من تقدير الفعل كالأكل و الشرب و نحوهما و حيث ان التقدير خلاف الأصل يختص الحكم بالخبائث من الأفعال الخبيثة لعدم توقف الحكم علي التقدير و اما الذوات الخارجية فلا يصح تعلق الحكم بها الا مع التقدير.

«قوله قدس سره من عدم منفعة محللة … »

و قد تقدم انه لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع فلو فرض كون البول حراما لا تكون حرمته موجبة لفساد بيعها.

«قوله قدس سره لا يوجب قياسه علي الادوية»

اجراء حكم الأدوية علي البول النافع لبعض الأمراض لا يكون قياسا كي يكون باطلا بل تطبيق الكلي علي فرده و بعبارة واضحة: المفروض كون البول دواء لبعض الأمراض فيكون في عداد الأدوية بلا فرق.

«قوله قدس سره نعم يمكن أن يقال: ان قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه و كذلك الخبر المتقدم عن دعائم الاسلام»

قد مر ان الخبرين المشار إليهما ضعيفان سندا فالضابط المذكور لا دليل عليه و قلنا سابقا انه لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع فلو فرض عدم نفع في المبيع أو تكون جميع منافعه محرمة شرعا لا دليل علي بطلان بيعه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 32

«قوله لان حلية هذه في حال المرض … »

الظاهر انه لا فرق بين الموردين فان تبدل العنوان ان كان موجبا لصحة البيع فليكن كذلك في عروض عنوان النفع و كونه دواء للمرض لصحة بيع البول و لا يخفي ان الإضرار من العناوين الثانوية و الحرمة العارضة للشي ء بالعنوان الثانوي لا يكون مناطا لحرمة البيع قطعا و الا ما

من شي ء الا و هو يحرم بالعنوان الثانوي العارض عليه و عليه لا يكون حرمة البول كحرمة الأدوية فان البول حرام بعنوانه الأولي و الأدوية محرمة بالعنوان الثانوي و لكن مع ذلك يكون البول من مصاديق الأدوية فلا تكون حليته في حال المرض من باب الضرورة بل من باب كونه دواء و لكن الإنصاف ان ما افاده الشيخ قدس سره تام اذ المفروض كون البول بعنوانه الأولي حراما و كونه حلالا في حال المرض من باب الضرورة الا ان يقال ان كونه دواء لبعض الأمراض يوجب تعنونه بعنوان كونه من افراد الأدوية و لا اشكال في عدم دخوله في عنوان الضرورة بعنوانها العام الموجب لحلية كل محرم عند عروض عنوان الضرورة فلاحظ.

«قوله و دلالة»

يمكن ان يكون الوجه في ضعف الدلالة في نظر الشيخ قدس سره ان المتبادر من قوله في الرواية اكل شي ء ما يكون اكله من منافعه الظاهرة و الشحم لا يكون اكله من منافعه الظاهرة بخلاف لحوم السباع فان أكلها من منافعها الظاهرة فتكون الرواية قاصرة دلالة عن اثبات حرمة الشحوم و يمكن ان يرد عليه ان مقتضي الاطلاق شمول الحكم لكل ما حرم اكله و لو لم يكن الأكل من منافعه الظاهرة.

[الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان]
اشارة

«قوله قدس سره الثانية يحرم بيع العذرة النجسة من كل حيوان … »

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 33

ما يمكن ان يستدل به علي المدعي وجوه
الوجه الأول الاجماع

و حال الاجماع من حيث الاشكال المتوجه إليه معلوم فان المنقول منه لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به فان الروايات الخاصة الواردة في حكم العذرة و كذلك الأدلة العامة المستدل بها علي حرمة بيع النجس يمكن ان تكون مستندة للمجمعين فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني الروايات العامة

التي قد مر الكلام فيها و قلنا ان الروايات المشار إليها ضعيفة سندا و لا جابر لضعفها.

الوجه الثالث الروايات الخاصة

الواردة في المقام منها ما رواه يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ثمن العذرة من السحت «1» و هذه الرواية تدل علي فساد بيع العذرة لكن سندها مخدوش و غير قابل للاستناد و منها ما رواه محمد بن مضارب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال لا بأس ببيع العذرة «2» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع العذرة فعلي تقدير تمامية سندها يكون من ادلة الجواز لا من ادلة المنع.

و منها ما رواه سماعة قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر فقال:

اني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال حرام بيعها و ثمنها و قال: لا بأس ببيع العذرة «3» و هذه الرواية ضعيفة لأحتمال كون محمد بن عيسي الواقع في السند العبيدي و علي فرض تمامية السند لا تكون حجة لتنافي صدرها مع ذيلها و علي فرض تعدد الرواية و ان الصدر رواية مستقلة في قبال الذيل تدخل في التعارض و تسقط أيضا عن الاعتبار فعلي كل تقدير يكون المرجع ادلة صحه البيع كما ان مقتضي

______________________________

(1) الوسائل باب 40 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث: 3

(3) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 34

اصالة البراءة جواز بيعها تكليفا فالحق ان بيع العذرة صحيح وضعا و جائز تكليفا.

«قوله و لعله لان الاول نص … »

تارة يكون اللفظ نصا في المراد و اخري يكون بعض الأفراد معلوما و انه اريد من الدليل و بين المقامين فرق و بعبارة أخري مجرد كون فرد معلوما

من الدليل لا يوجب النصوصية و مجرد المعلومية لا يقتضي التقديم و الا يلزم عدم تحقق التعارض في كل دليلين متعارضين مثلا لو قال المولي اكرم العلماء و في دليل آخر قال يحرم اكرام العلماء يمكن رفع التنافي بأن يقال يحمل دليل الوجوب علي اكرام العلماء العدول و يحمل دليل الحرمة علي العلماء الفساق و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

كلا.

«قوله قدس سره هو الرجوع الي المرجحات الخارجية … »

قد ذكرنا أخيرا انه لا دليل علي الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامة بل الترجيح منحصر في كون احد الحديثين احدث و علي الجملة انه لا دليل صحيح علي الترجيح باحد الأمرين و ذكرنا التفصيل المذكور في قسم المستدركات في الجزء الثامن من كتابنا (مباني منهاج الصالحين).

«قوله و لهذا طعن علي من جمع بين الامر و النهي بحمل الامر علي الاباحة و النهي علي الكراهة»

و لقد اجاد فيما افاد فان الحق ان الدليلين داخلان في المتعارضين و لا وجه للجمع بينهما فان الجمع بينهما بالنحو المذكور ليس جمعا عرفيا.

«قوله قدس سره و فيه ما لا يخفي من البعد … »

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 35

لعل وجه البعد في نظره ان لفظ السحت لم يعهد استعماله في الكراهة و قد اورد عليه سيدنا الأستاد بان لفظ السحت قد اطلق في جمله من الموارد التي لا يمكن أن يراد منه الحرمة بل لا بد من حمله علي الكراهة لاحظ ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام السحت انواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط الحديث «1» فانه اطلق السحت علي كسب الحجام و الحال انه لا يكون حراما فلا مانع من استعمال لفظ

السحت في الكراهة هذا ما افاده سيدنا الاستاد و لكن يمكن ان يكون الشيخ ناظرا الي ان لفظ السحت ظاهر ان لم يكن صريحا في الحرمة و حمله علي الكراهة ليس حملا عرفيا فالجمع بالنحو المذكور بعيد و الإنصاف ان هذا البيان تام فانه ليس من الجمع العرفي و لا شاهد عليه.

قوله قدس سره و ابعد منه ما عن المجلسي»

ما أفاده حق فانه يكفي للجواز الانتفاع بها في بلد من البلاد مضافا الي أن السائل يقول اني رجل أبيع العذرة فلا يبعد ان يكون من البلاد الذي يكون الانتفاع بالعذرة متعارفا فيه بل يمكن أن يكون ان الظاهر من السؤال هكذا فتأمل اضف الي ذلك كله ان الانتفاع بالعين لا يشترط في صحه البيع كما مر.

«قوله و نحوه حمل خبر المنع علي التقية لكونه مذهب اكثر العامة»

لعل وجه البعد في نظره قدس سره انه لا مجال للحمل علي التقية مع وجود القول بالجواز فيهم لكن الظاهر كفاية ذهاب اكثرهم الي المنع في حمل الخبر الموافق لهم علي التقية و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 36

«قوله من وجوه لا تخفي»

الوجه الأول ضعف سند دليل الجواز الوجه الثاني ذهاب المشهور الي المنع الوجه الثالث موافقة دليل المنع مع الإجماع المنقول الوجه الرابع موافقة دليل المنع مع الأخبار العامة الدالة عليه.

«قوله قدس سره ثم ان لفظ العذرة في الروايات ان قلنا انه ظاهر في عذرة الانسان»

بل يشكل و ان لم تكن ظاهرا بأن كان مجملا و لا يكون شاملا بإطلاقه عذرة غير الإنسان اذ مع الإجماع لا يكون قابلا للاستدلال بل تصل النوبة الي

الاستدلال بادلة الجواز.

«قوله بالاخبار العامة المتقدمة و بالاجماع المتقدم»

قد تقدم انه لا اعتبار بالأخبار العامة لكونها ضعيفة سندا كما لا اعتبار بالإجماع المنقول كما حقق في محله.

«قوله هو الجابر لضعف سند الاخبار»

لا وجه لكون الإجماع المنقول جابرا لضعف السند الضعيف فان ضم غير حجة الي مثله لا يقتضي الاعتبار كما هو ظاهر، كما ان عمل المشهور بحديث ضعيف السند لا يوجب انجبار ضعفه فان استناد العاملين به يمكن ان يكون ناشيا عن وجه غير مقبول عندنا و لذا قلنا مرارا تبعا لسيدنا الأستادان عمل المشهور بالخبر الضعيف لا يجبره كما ان اعراضهم عن الخبر المعتبر لا يوجب سقوطه عن الاعتبار.

«قوله و فيه نظر»

قيل في وجه النظر ان الشيخ قدس سره صرح بعدم جواز بيع العذرة و سرجين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 37

ما لا يأكل لحمه و يمكن ان يكون وجه النظر ان حمل اخبار المنع علي خصوص عذرة الإنسان و حمل اخبار الجواز علي الأرواث النجسة من باب الجمع التبرعي كما سبق في كلام المصنف لا من باب الالتزام. بالجواز في غير عذرة الإنسان.

«قوله قدس سره الاقوي جواز بيع الارواث الطاهرة … »

الأمر كما افاده فان مقتضي اطلاق قوله تعالي (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و كذا قوله تعالي (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) جواز بيعها وضعا كما ان مقتضي اصالة الحل جواز بيعها تكليفا.

«قوله قدس سره التي ينتفع بها … »

قد ذكرنا انه لا دليل علي اشتراط جواز البيع بكون المبيع ذا منفعة مقصودة.

«قوله قدس سره الاكل لا مطلق الانتفاع»

بل و لو مع حرمة مطلق الانتفاع اذ لا دليل علي حرمة الوضعية في الصورة المفروضة.

[الثالثة يحرم المعاوضة علي الدم بلا خلاف]

«قوله قدس سره الثالثة يحرم المعاوضة علي

الدم … »

مقتضي القاعدة الأولية جواز بيع الدم وضعا و تكليفا و قد تقدم انه لا مجال لإثبات الحرمة للتمسك بالأخبار العامة و لا بالإجماعات المنقولة لعدم اعتبارها و أما حديث الواسطي رفعه قال مر امير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة اشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد الخ «1» فلا اعتبار به سندا فلا يترتب عليه اثر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 38

«قوله فالظاهر إرادة حرمة البيع للاكل … »

لا وجه لهذا التقييد بل مقتضي الإطلاق عموم الحكم فلاحظ.

«قوله لحرمة البيع بل بطلانه … »

ما يمكن ان يذكر في وجه حرمته تكليفا انه مصداق للإعانة علي الأثم و يرد عليه أولا انه لا دليل علي حرمة الإعانة و انما الدليل قائم علي حرمة التعاون و هو قوله تعالي (وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ) «1» و ثانيا انه لا ملازمة بين البيع و تسليم المبيع الذي تتحقق به الإعانة و ان شئت قلت بين عنوان البيع و الإعانة عموم من وجه هذا بالنسبة الي حرمته تكليفا و أما فساده وضعا فالظاهر انه لا دليل عليه حتي فيما يكون البيع للأكل بل و لو علي القول بحرمة الاعانة علي الاثم اذ النهي علي هذا الفرض تعلق بالعنوان الخارجي لا بعنوان المعاملة بما هي معاملة و بيع.

[الرابعة لا إشكال في حرمة بيع المني]
اشارة

«قوله الرابعة لا اشكال في حرمة بيع المني … »

في هذه المسألة فروع ثلاثة

الفرع الأول انه اذا وقع المني خارج الرحم فهل يجوز بيعه أم لا

فنقول القاعدة الاولية كتابا و سنة تقتضي جواز بيعه وضعا كما ان مقتضي اصالة الحلية جوازه تكليفا و ما يمكن ان يكون وجها لحرمته وضعا اما نجاسته و اما حرمة اكله و اما عدم ترتب نفع عليه فيكون بيعه سفهيا و اما كون اكل المال في مقابله اكل المال بالباطل و شي ء من المذكورات لا يصلح ان يكون وجها للمنع.

الفرع الثاني انه اذا وقع في الرحم فهل يجوز بيعه أم لا؟

أما جوازه تكليفا فهو علي طبق القاعدة الاولية و أما جوازه الوضعي فتارة نقول بانه بعد وقوعه في الرحم يكون ملكا لمالكه الاول و اما نقول بمجرد وقوعه في الرحم يصير ملكا

______________________________

(1) المائدة 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 39

لصاحب الحيوان بالتبع.

أما علي الاول فلا مانع من بيعه اعم من ان يكون المشتري صاحب الحيوان أو غيره و لا يتصور مانع عن الجواز أما بلحاظ النجاسة فمضافا الي عدم كونها مانعة لا يكون نجسا لفرض عدم خروجه و وقوعه خارج الرحم و النجاسات كالدم و المني و أمثالهما ما دام كونها في الداخل لا تكون نجسة و المفروض وقوعه في الداخل و أما الجهالة فلا تضر لعدم مدخلية الكم و الكيف في المقام فلا يلزم الغرر مضافا الي النقاش في كون الغرر مانعا عن الصحة و أما عدم القدرة علي التسليم فتسليم كل شي ء بحسبه و التسليم في المقام يكون الحيوان في يد المشتري فلو كان المشتري صاحب الحيوان فالامر ظاهر و أما لو كان غيره فأيضا يتم الامر بتسليم الحيوان الي المشتري مع رضا صاحب الحيوان.

و أما علي الثاني فأيضا لا مانع عن بيعه بالتقريب المتقدم ذكره و أما الحديث المروي عن الجعفريات عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال من

السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي و كسب الحجام الحديث «1» فضعيف سندا مضافا الي امكان النقاش في الدلالة.

الفرع الثالث بيعه قبل خروجه و هو الذي يعبر عنه بالعسيب
اشارة

و الكلام تارة يقع من حيث القواعد العامة و اخري من حيث النصوص الخاصة فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول فنقول مقتضي اصالة الحل جوازه تكليفا

كما ان مقتضي ادلة صحة البيع جوازه وضعا و الوجوه المتصورة لكونها مانعة عن صحته و جوازه قد ظهرت مما ذكرنا عدم تماميتها و قابليتها لاثبات المدعي.

و أما

المقام الثاني فقد وردت في المقام جملة من النصوص

منها ما روي عن الحسين بن علي عن أبيه عليهما السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 40

و سلم نهي عن خصال تسعة عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل و عن خاتم الذهب و عن ثمن الكلب و عن مياثر الارجوان «1».

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن عسيب الفحل و هو أجر الضراب «2» و منها ما روي عن الجعفريات «3» و منها ما روي في الجعفريات أيضا عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه نهي عن بيع الاحرار الي أن قال: و عن عسيب الفحل 4 و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا فلا اعتبار بها و يدل علي جواز اجارة الحيوان لهذه الفائدة ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أجر التيوس، قال: ان كانت العرب لتعاير به و لا بأس «5».

و مثلة في الدلالة علي المدعي ما رواه حنان بن سدير قال دخلنا علي أبي عبد اللّه عليه السلام و معنا فرقد الحجام الي أن قال: فقال له: جعلني اللّه فداك ان لي تيسا اكريه فما تقول في كسبه؟ قال: كل كسبه فانه لك حلال و الناس يكرهونه، قال حنان قلت

لاي شي ء يكرهونه و هو حلال، قال لتعيير الناس بعضهم بعضا «6».

فالنتيجة جواز بيع ما في الاصلاب وضعا و تكليفا و اللّه العالم و مما ذكرنا ظهر انه لا اشكال في جواز بيع المني.

«قوله قدس سره لا ينتفع به المشتري … »

بل ينتفع به اذا كان البائع صاحب الحيوان فان صاحب الحيوان اذا باع ما في رحم الحيوان بصير المبيع ملكا للمشتري فيكون ولد الحيوان له و ان شئت

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 13

(2) الوسائل الباب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(3) (3 و 4) راجع ص 39 و مستدرك الوسائل الباب 10 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(5) الوسائل الباب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(6) الوسائل باب 12 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 41

قلت انما التبعية فيما لا يتحقق النقل بالنسبة الي المني المتكون في الرحم.

«قوله و علل في الغنية»

قد ظهر مما ذكرنا عدم تمامية ما افيد.

[الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و أجزائها تحلها الحياة من ذي النفس السائلة]
اشارة

«قوله قدس سره الخامسة تحرم المعاوضة علي الميتة و اجزائها … »

يقع الكلام في هذه المسألة في عدة فروع:

الفرع الأول في انه هل يجوز الانتفاع بالميتة أم لا

فنقول مقتضي الاصل جواز الانتفاع بها الا فيما يقوم دليل علي الحرمة و المشهور بين الاصحاب حرمته و العمدة النصوص الوردة في المقام فيلزم ملاحظتها و استفاده الحكم منها.

منها ما رواه ابن ابي المغيرة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي ء فقال: لا قلت: بلغنا ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم مر بشاة ميتة فقال: ما كان علي أهل هذه الشاة اذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا باها بها (بجلدها خ) قال تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتي ماتت فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما كان علي اهلها اذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تذكي «1» فان هذه الرواية تامة سندا و مقتضي اطلاقها عدم الانتفاع بالميتة علي الاطلاق و منها ما رواه الصيقل قال كتبت الي الرضا عليه السلام اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلي فيها؟ فكتب عليه السلام الي: اتخذ ثوبا لصلاتك و كتبت الي أبي جعفر الثاني عليه السلام اني كنت كتبت الي أبيك عليه السلام بكذا و كذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية فكتب عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 61 من ابواب النجاسات الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 42

الي: كل أعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس «1» و الرواية ضعيفة

سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه ابن مسلم قال سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة اذا دبغ قال لا و ان دبغ سبعين مرة «2» و المستفاد من الحديث حرمة الانتفاع بها في الجملة.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: اذا رميت و سميت فانتفع بجلده و أما الميتة فلا «3» و المستفاد من الرواية حرمة الانتفاع بجلد الميتة.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- ان علي بن الحسين عليه السلام كان يبعث الي العراق فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة القاه و القي القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك، فقال ان اهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته «4» و الحديث ضعيف سندا فلا مجال للبحث في دلالته.

و منها ما رواه الوشاء قال سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: أن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنستصبح بها قال: أ ما تعلم أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام «5» و الحديث ضعيف سندا فلا اعتبار به.

و منها رواه الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها اذا كنت تصلح بها مالك ثم قال: ان في كتاب علي عليه السلام ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به «6» و المستفاد من الحديث حرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من ابواب النجاسات الحديث: 1

(2) الوسائل الباب 61 من ابواب النجاسات الحديث 1

(3) الوسائل الباب 49 من ابواب النجاسات الحديث 2

(4) الوسائل الباب

61 من ابواب النجاسات الحديث 3

(5) الوسائل الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 1

(6) الوسائل الباب 30 من ابواب الذبايح الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 43

الانتفاع بالميتة.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الفراء فقال: لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة «1» و الحديث يدل علي حرمة الانتفاع من الميتة في الجملة.

و منها ما رواه ابو إسحاق عن أبي الحسن عليه السلام قال كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كلما كان من السخال الصوف ان جز و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدي الي غيرها إن شاء اللّه «2» و الحديث دال علي حرمة الانتفاع بالميتة في الجملة.

و منها رواه الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر و صل فيها حتي تعلم انه ميتة بعينه «3» و المستفاد من الحديث حرمة الانتفاع بالميتة في الجملة.

و استدل علي جواز الانتفاع بجملة من النصوص منها ما رواه الصيقل و ولده قال كتبوا الي الرجل جعلنا اللّه فداك انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا و نحن محتاجون الي جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا فكتب: اجعل ثوبا للصلاة و كتب إليه

جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمي السفن نتخذها من جلود السمك فهل يجوز لي العمل و لسنا نأكل لحومها؟ فكتب عليه السلام لا بأس «4» و الحديث ضعيف سندا فلا مجال لملاحظة دلالته علي المدعي.

______________________________

(1) الوسائل الباب باب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 5

(2) الوسائل الباب باب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث: 7

(3) الوسائل الباب 50 من ابواب النجاسات الحديث: 2

(4) الوسائل الباب 38 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 44

و منها رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح أن ينتفع بما قطع؟ قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1» و الحديث علي فرض تمامية سنده يدل علي الجواز في الجملة فيرفع اليد عن الاطلاقات الدالة علي الحرمة بتقييدها بهذه الرواية.

و منها ما رواه ابو بصير «2» و قد مر ان الحديث ضعيف سندا فلا مجال لملاحظة دلالته و منها ما رواه سماعة قال سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت فرخص فيه و قال ان لم تمسه فهو أفضل «3» و المستفاد من الحديث جواز الانتفاع بالميتة في الجملة فلا وجه للحكم بعموم الجواز كما عليه سيدنا الاستاد مضافا الي انه يقع التعارض بين هذه الرواية و رواية اخري لسماعة «4» فان المستفاد من هذه الرواية عدم الجواز فيقع التعارض بين الحديثين و لا ترجيح لاحد الطرفين علي الاخر من حيث ان المتأخر منهما غير معلوم فالمحكم رواية المنع نعم مقتضي حديث البزنطي «5» جواز الاستصباح بالاليات المقطوعة من الغنم.

و مما يدل

علي حرمة الانتفاع بالميتة ما روي عن علي عليه السلام انه سئل عن شاه مسلوخة و أخري مذبوحة علي الراعي أو علي صاحبها، فلا يدري الذكية من الميتة قال يرمي بها جميعا الي الكلاب «6» فان الامر بالرمي بها الي الكلاب عبارة اخري عن عدم قابلية الميتة للانتفاع و صفوة القول ان مقتضي الادلة

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من ابواب الذبايح الحديث: 4

(2) راجع ص 42

(3) الوسائل الباب 34 من الاطعمة المحرمة الحديث 8

(4) راجع ص 43

(5) مر آنفا

(6) المستدرك الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 45

المتقدمة و النصوص المشار إليها عدم جواز الانتفاع بالميتة ففي كل مورد قام الدليل من اجماع تعبدي أو غيره علي الجواز كما دل النص «1» علي جواز الاستصباح بالاليات فالتزم بالجواز و الا فلا.

الفرع الثاني في انه هل يجوز بيع الميتة وضعا و يصح بيعها أم لا؟
اشارة

و لا يخفي ان مقتضي القواعد الاولية صحة بيعها و الفساد و الحرمة الوضعية يحتاج الي الدليل

و ما يمكن ان يستدل به علي حرمة بيع الميتة وضعا وجوه:
الوجه الأول الاجماع

و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض تحصيله يمكن ان يكون مدركيا و مستندا الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

الوجه الثاني ان الميتة من الأعيان النجسة و لا يجوز بيع النجس

و فيه انه قد مر انه لا دليل علي كون النجاسة بنفسها مانعة عن صحة البيع مضافا الي ان الكلام في مطلق الميتة لا في خصوص الميتة النجسة.

الوجه الثالث انه يحرم الانتفاع بالميتة فتدخل فيما لا مالية له

فيكون اكل المال في مقابلها اكلا للمال بالباطل و فيه انه قد مر ان الجار في الآية لا يكون للمقابلة بل للسببية.

الوجه الرابع النصوص العامة المتقدمة

كقوله صلي اللّه عليه و آله و سلم اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه فانها تقتضي فساد بيعها، و فيه انه قد مر ان الروايات المشار إليها ضعيفة سندا فلا اعتبار بها.

الوجه الخامس النصوص الخاصة

منها ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها قال: لا و ان لبسها فلا يصلي فيها «2»

______________________________

(1) راجع ص 44

(2) الوسائل الباب 34 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 46

فانه يستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع جلد الميتة اذ النهي عن عنوان المعاملة يكون ارشادا الي الفساد علي ما هو المقرر عند القوم.

و منها ما رواه البزنطي «1» فان المستفاد من الحديث حرمة بيع الأليات وضعا بالتقريب المتقدم و منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «2» فان مقتضي هذا الحديث فساد بيع الميتة علي الاطلاق لكن الرواية مخدوشة سندا.

و منها ما ارسله الصدوق محمد بن علي بن الحسين قال قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت «3». و تقريب الاستدلال بالرواية هو التقريب لكن المرسل لا اعتبار به.

و منها ما عن علي عليه السلام قال: من السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي «4» و الرواية ضعيفة سندا و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و

آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر الحديث «5» و السند ضعيف.

و منها ما ارسله في الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام انه سئل عن جلود الغنم يخلط الذكي منها بالميتة و يعمل منها الفراء، فقال: ان لبستها فلا تصل فيها و ان علمت انها ميتة فلا تشترها و لا تبعها، و ان لم تعلم فاشتر و بع «6» و السند

______________________________

(1) راجع ص 44

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(4) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(5) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

(6) مستدرك الوسائل الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 47

ضعيف بالإسال و استدل علي الجواز ببعض النصوص منها ما رواه قاسم الصيقل و ولده «1» و أيضا استدل برواية القاسم الصيقل «2» بتقريب ان الإمام عليه السلام قرر السائل علي ما في ارتكازه من الجواز و انما ارشده الي كون الميتة مانعة في الصلاة و قد مر ان الحديثين ضعيفان سندا.

و اما حديث ابي بصير «3» الدال علي شراء الفرو فضعيف سنده مضافا الي ان سوق المسلم او يده أمارة التذكية فالنتيجة عدم جواز بيع الميتة وضعا لكن مقتضي الصناعة اختصاص المنع بجلدها نعم يستفاد عموم الحكم من حديث البزنظي فانه لا يفهم العرف الفرق بين الاليات المقطوعة و غيرها من اعضائها فلاحظ.

الفرع الثالث في حكم بيع المذكي المختلط بالميتة
اشارة

و الكلام في هذا النوع يقع في مقامين

المقام الأول في حكم البيع بمقتضي القواعد العامة

المقام الثاني في حكم المسألة بمقتضي الروايات الواردة في خصوص المقام.

اما المقام الأول فنقول ان كان المذكي ممتازا عن الميتة و باع المجموع يصح البيع بالنسبة الي المذكي لوجود المقتضي و يبطل بالنسبة الي الميتة فان ضم احدهما الي الأخر لا يقتضي الصحة كما هو ظاهر و اما مع عدم التميز فلا يصح بيع الميتة علي ما تقدم من عدم جواز بيعها و اما بيع المذكي فان كان المدرك لعدم جواز بيع الميتة الإجماع و النص فلا يكونان مانعين عن صحة بيع المذكي لعدم شمول الدليل اياه كما هو ظاهر.

و اما لو كان المانع عدم جواز الانتفاع بالميتة فأفاد المصنف قدس سره بانه لا يجوز بيعه أيضا اذ قرر في محله ان العلم الإجمالي منجز و يجب الاجتناب عن

______________________________

(1) راجع ص 43

(2) راجع ص 41

(3) راجع ص 42

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 48

جميع الأطراف في العلم الإجمالي بل لا يجوز حتي علي القول بعدم وجوب الاجتناب عن تمام الأطراف و كفاية الاجتناب عن البعض و عدم وجوب الاجتناب عن بعضها الأخر لأن هذا يختص بما تجري في الأطراف اصالة الحل و اما في مثل المقام فلا لأن مقتضي اصالة عدم التذكية في كل من الطرفين كون كل واحد منهما ميتة ظاهرا فيجب ترتيب احكام الميتة عليها و اورد عليه سيدنا الأستاد بان اصالة عدم التذكية لا تثبت كون الحيوان ميتة الا علي القول بالمثبت لأن عنوان الميتة أمر وجودي لا يمكن اثباته باستصحاب عدم التذكية و بعبارة اخري الميتة عنوان مضاد للمذكي و لا يثبت احد الضدين باصالة عدم الضد الأخر فالحري بنا ان

نلاحظ كلمات اللغويين في المقام:

قال في المنجد الميتة مؤنث الميت الحيوان الذي مات حتف انفه او علي هيئة غير شرعية و قال الراغب في مفرداته و الميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية و عن تاج العروس عن ابي عمرو و الميتة ما لم تدرك تذكيته و عن المصباح المراد بالميتة في عرف الشرع ما مات حتف انفه او قتل علي هيئة غير مشروعة و عن تهذيب الأسماء و اللغات عن اهل اللغة و الفقهاء الميتة ما فارقته الروح بغير ذكاة فان المستفاد من اكثر العبائر المذكورة ان المراد من الميتة الحيوان الذي زالت روحه بسبب غير شرعي لا الحيوان الذي لم تحقق التزكية الشرعية بالنسبة إليه و عليه لا يمكن اثبات الميتة باستصحاب عدم التذكية الا علي القول بالمثبت بل لو شك في معني الميتة و احتمل ان الميتة عبارة عن الحيوان الذي زالت روحه بغير تذكية لا يمكن ترتيب احكام الميتة باستصحاب عدم التذكية اذ لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول حيث ان اصالة عدم التذكية غير جارية فلا يكون بيع كل واحد من الطرفين مقرونا بالمانع في صورة كون المشتري متعددا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 49

اذ لا يلزم العلم الإجمالي المنجز للتكليف فانه لو كان المشتري متعددا لا مانع من جريان اصالة البراءة للمشتري هذا بالنسبة الي المشتري و اما بالنسبة الي البائع فعلي القول بتنجز العلم الإجمالي لا يجوز له بل مقتضي اصالة الفساد في المعاملة فساد بيع كل واحد منهما و لا يلزم الا المخالفة الالتزامية و المفروض انها لا تمنع عن جريان الأصل في الأطراف هذا علي تقدير الالتزام بكون

العلم الإجمالي منجزا كما هو المشهور بين القوم و اما ان قلنا بعدم كونه منجزا فلا مانع من جريان الأصل في بعض الأطراف و يترتب عليه جواز التصرف في بعضها الأخر تكليفا و صحته وضعا فلاحظ و ما ذكرنا بالنسبة الي الأدلة مع قطع النظر عن النصوص الخاصة الواردة في المقام.

هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني فقد ورد في المقام حديثان يدلان علي جواز البيع

من المستحل للميتة احدهما ما رواه الحلبي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: اذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحل الميتة و اكل ثمنه «1» و ثانيهما ما عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل كان له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها و يعزل الميتة ثم ان الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع به؟ قال يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه فانه لا بأس 2 فان مقتضي هذين الحديثين جواز البيع من المستحل و يعارضهما بعض النصوص لاحظ ما عن الجعفريات «3» فان مقتضي الحديث المشار إليه عدم جواز الانتفاع بالميتة و عدم جواز البيع حتي من المستحل لكن الرواية ضعيفة سندا فالعمل علي طبق الحديثين الآخرين فالنتيجة جواز بيع المختلط من المستحل.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 7 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1 و 2

(3) راجع صفحه 44

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 50

ثم انه هل يجوز بيع الميتة مع التميز من المستحل افاد سيدنا الأستاد انه يجوز ضرورة ان الاختلاط و الاشتباه لا دخل له في الجواز فيقيد بدليل الجواز ما يدل علي الحرمة علي الإطلاق و الذي يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة انه لا وجه

لما ذكره لأن الأحكام الشرعية احكام تعبدية لا بدّ من الاقتصار فيها بمقدار دلالة الدليل و اما الزائد فلا مضافا الي ان المستفاد من الحديثين ليس جواز بيع الميتة بل المستفاد منه اما جواز بيع مجموع المختلط من المذكي و الميتة و اما جواز بيع المذكي فقط فان الضمير في قوله عليه السلام (باعه) في الحديث الأول و يبيعه في الحديث الثاني اما يرجع الي المختلط و اما يرجع الي المذكي و علي كلا التقديرين لا يرتبط كلامه عليه السلام ببيع خصوص الميتة فلاحظ.

الفرع الرابع هل يجوز بيع ميتة ما لا نفس سائلة له أم لا

مقتضي اطلاق بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما رواه الحلبي «1» و لاحظ ما رواه سماعة قال سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال. اذا رميت و سميت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا «2» فان مقتضي الإطلاق عدم الفرق بين الميتة الطاهرة و النجسة و دعوي ظهور الأدلة في خصوص النجسة بلا دليل.

الفرع الخامس انه هل يجوز الانتفاع بميتة ما لا نفس له أم لا

مقتضي اطلاق بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما رواه ابن مسلم «3» و لاحظ ما رواه سماعة «4» فان مقتضي الحديثين عدم الفرق بين الموردين فالجواز يحتاج الي الدليل فان ثبت اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام او اذا تحققت سيرة خارجية فهو و الا يشكل الجزم بالجواز و المرجع اطلاق دليل المنع.

______________________________

(1) لاحظ ص 49

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث: 4

(3) لاحظ ص 42

(4) تقدم آنفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 51

الفرع السادس: انه هل يجوز الانتفاع بالأجزاء التي لا تحله الحياة من الميتة أم لا؟

و الحق انه يجوز فانه يستفاد من جملة من النصوص ان ما لا تحله الحياة لا يكون محكوما باحكام الميتة منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح «1» فانه يستفاد من عموم العلة ان ما لا روح فيه لا يحكم عليه بحكم الميتة.

و منها ما رواه حريز قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لزرارة «عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه لزرارة» و محمد بن مسلم: اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان اخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه «2» فان المستفاد من الحديث ان المذكورات خارجة عن الميتة موضوعا الي غيرهما من النصوص المذكورة في مواردها فلا اشكال في الحكم.

الفرع السابع في انه هل يجوز بيع الأجزاء التي لا تحله الحياة أم لا؟

الحق هو الجواز لوجود المقتضي و عدم المانع فان المذكورات خارجة عن موضوع الحكم اذ المفروض عدم الحياة فيها فلا تشملها ادلة حرمة بيع الميتة اما موضوعا و اما حكما فلاحظ.

الفرع الثامن انه هل يجوز بيع الميتة تكليفا أم لا؟

الحق هو الجواز اذ لا دليل علي الحرمة التكليفية و مقتضي القاعدة الأولية الجواز كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره لا فرق بين الكافر المستحل للميتة و غيره … »

لا يبعد ان يكون عدم الفرق من باب ان الكافر مكلف بالفروع كما يكون مكلفا بالأصول فلا فرق بينه و بين المسلم و لكن هذا مع قطع النظر عن الدليل الخاص

______________________________

(1) الوسائل الباب 68 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) الوسائل الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 52

الوارد في المقام و اما مع لحاظه فلا يبقي لهذا البيان مجال كما انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا معارض لدليل الجواز و لا وجه للأشكال في الرواية بعد تمامية دلالتها و سندها و عدم عمل المشهور بها علي فرض تماميته لا يوجب التوقف فلا يمكن مساعدة المصنف في مقالته كما انه يظهر لمن يراجع ما ذكرنا موارد النظر في كلام الشيخ قدس سره و اللّه العالم.

[السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين]
اشارة

«قوله قدس سره السادسة يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين … »

يقع الكلام في فرعين

الفرع الأول في حكم بيع الكلب الهراش

و الكلام فيه تارة من حيث الحكم الوضعي و اخري من حيث الحكم التكليفي اما من حيث الحكم الوضعي فقد استدل بالإجماع و حال الإجماع في الأشكال ظاهر اذ علي تقدير تحقق الإجماع المحصل يمكن و يحتمل كونه مستندا الي النصوص الواردة في المقام و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص.

منها ما عن السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «1».

و منها ما عن أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت 2.

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت «3» الحديث.

و منها ما عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب الحديث 4

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5 و 7

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 53

و منها ما عن الحسين بن علي عن ابيه عليهم السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي

عن خصال تسعة عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل و عن خاتم الذهب و عن ثمن الكلب «1».

و منها ما عن ابي عبد اللّه العامري قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال سحت و اما الصيود فلا بأس «2».

و منها ما عن الحسن بن علي القاساني عن الرضا عليه السلام في حديث قال:

و ثمن الكلب سحت 3.

و منها ما عن عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر 4

و منها ما عن جراح المدائني قال قال ابو عبد اللّه عليه السلام من اكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب «5».

و منها ما عن ابي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه 6.

و منها بهذا الأسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت 7.

و منها عن الوليد العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال سحت و اما الصيود فلا بأس «8».

و منها ما عن الحسن بن علي الوشاء عن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول:

ثمن الكلب سحت و السحت في النار 9.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 13

(2) (2 و 3 و 4) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1 و 2 و

3

(5) (5 و 6 و 7) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 4 و 5 و 6

(8) (8 و 9) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 7 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 54

فان مقتضي هذه النصوص فساد بيع الكلب الهراش و النصوص المشار إليها و ان كان بعضها غير نقي السند لكن في المعتبرة منها كفاية.

و اما الكلام من حيث الحكم التكليفي فمقتضي القاعدة الأولية الجواز و الظاهر انه ليس في المقام ما يدل علي الحرمة و اللّه العالم.

الفرع الثاني في حكم بيع الخنزير وضعا و تكليفا

اما من حيث الحكم الوضعي فقال سيدنا الأستاد «1» المشهور بل المجمع عليه بين الخاصة و العامة عدم جواز بيعه قال في التذكرة و لو باع نجس العين كالخنزير لم يصح اجماعا الخ، و العمدة النصوص الواردة في المقام فنقول يستفاد من جملة من النصوص حرمة بيع الخنزير و فساده:

منها ما رواه معاوية بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره و يقضي دينه قال:

لا «2». و هذه الرواية ضعيفة بكلا سنديها

و منها ما رواه يونس في مجوسي باع خمرا او خنازير الي اجل مسمي ثم اسلم قبل ان يحل المال قال: له دراهمه و قال اسلم رجل و له خمر او خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين قال يبيع ديانه او ولي له غير مسلم خمره و خنازيره و يقضي دينه و ليس له ان يبيعه و هو حي و لا يمسكه «3» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا.

و منها ما عن الجعفريات عن علي

بن ابي طالب عليه السلام قال من السحت ثمن الميتة الي ان قال: و أجر القائف و ثمن الخنزير و اجر القاضي و اجر الساحر

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 79

(2) الوسائل الباب 57 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

(3) الوسائل الباب 57 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 55

الحديث «1». و هذه الرواية ضعيفة بموسي بن اسماعيل.

و منها مرسلة الدعائم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي عن بيع الأحرار و عن بيع الميتة و الخنزير و الأصنام و عن عسيب الفحل و عن ثمن الخمر و عن بيع العذرة و قال هي ميتة «2» و المرسل لا اعتبار به و منها النصوص العامة من تحف العقول و الفقه الرضوي و دعائم الإسلام و قد تقدم ضعف النصوص المشار إليها و عدم جابر لها و يمكن الاستدلال علي جواز بيعه و صحته بجملة من النصوص أيضا:

منها ما رواه ابن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا الي اجل فاسلما قبل ان يقبضا الثمن هل يحل له ثمنه بعد الإسلام؟ قال انما له الثمن فلا بأس ان يأخذه «3» فانه يستفاد من هذه الرواية جواز بيع الخنزير اذا كان البائع نصرانيا و لا يدل علي عدم الجواز فيما اذا كان البائع مسلما و قوله عليه السلام انما له الثمن معناه ان البائع بعد ما اسلم يكون الثمن له لا لغيره فالمستفاد من الحصر ان الثمن للبائع بعد اسلامه و ليس لغيره فلا يستفاد من الحديث انه لا يجوز له بعد الإسلام

بيع الخنزير لا وضعا و لا تكليفا فهذه الرواية تدل علي الجواز لكن في الجملة.

و منها ما رواه منصور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لي علي رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و انا حاضر فيحل لي اخذها، فقال انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك «4» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع الخنزير اذا كان البائع ذميا و منها ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل كان له علي رجل

______________________________

(1) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) المستدرك الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 61 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 56

دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه فقال: لا بأس به اما للمقتضي فحلال و اما للبائع فحرام «1» و هذه الرواية بإطلاقها تدل علي جواز بيع الخنزير.

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثم يقضي منها قال: لا بأس او قال: خذها «2» و هذه الرواية أيضا بإطلاقها تقتضي جواز البيع و صحته و صفوة القول ان مقتضي جملة من النصوص جواز البيع غاية الأمر يدل بعضها علي الجواز في الجملة و بعضها الأخر يدل علي الجواز علي الإطلاق و لا معارض لهذه النصوص اذ تقدم ضعف سند ما يمكن ان يذكر وجها للفساد لكن مع ذلك هل يمكن القول بالجواز مع دعوي الإجماع علي عدم الجواز من الخاصة و العامة و

اللّه العالم هذا تمام الكلام بالنسبة الي الحكم الوضعي.

و اما حكم بيع الخنزير تكليفا فيستفاد من حديث ابن مسلم «3» حرمته و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي انه عليه السلام حكم بالحلية للمقتضي و الحال ان البيع لو كان حراما لم يكن اخذ الثمن حلالا لكونه مال الغير مضافا الي ان قوله عليه السلام في جواب السائل لا بأس صريح في الجواز الوضعي و اما قوله عليه السلام و اما للبائع فحرام فيدل علي حرمة البيع تكليفا و اللّه العالم.

«قوله و كذلك اجزائهما … »

لا اشكال في انه لا يصدق عنوان الكلب او الخنزير علي جزئهما فلا يمكن الاستدلال علي الحرمة بما يدل علي حرمة بيع الكلب او الخنزير علي تقدير القول بحرمة بيعهما نعم يمكن أن يقال ان العنوان المأخوذ في الموضوع اي عنوان الخنزير او الكلب يصدق علي الميتة منهما عرفا و اما الجزء من الخنزير او الكلب

______________________________

(1) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 60 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(3) لاحظ ص: 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 57

فلا يصدق عليه العنوان نعم يصدق علي الأجزاء التي تحله الحياة عنوان الميتة لكن لو قلنا بجواز بيع الخنزير وضعا حيا كان او ميتة هل يمكن الالتزام بعدم الجواز بالنسبة الي اجزائه؟

«قوله قدس سره نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير … »

قد تقدم ان عدم جواز الانتفاع لا يوجب المنع و الفساد كما ان جواز الانتفاع لا يقتضي الجواز و قد ورد جواز الانتفاع بشعر الخنزير في جملة من النصوص منها ما عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال قلت له: ان رجلا

من مواليك يعمل الحمايل بشعر الخنزير قال: اذا فرغ فليغسل يده «1».

و منها ما عن يرد الإسكاف قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به قال خذ منه فاغسله بالماء حتي يذهب ثلث الماء، و يبقي ثلثاه، ثم اجعله في فخارة حديدة ليلة باردة، فان جمد فلا تعمل به و ان لم يجمد فليس له دسم فاعمل به و اغسل يدك اذا مسسته عند كل صلاة قلت و وضوء قال: لا اغسل يدك كما تمس الكلب 2.

و منها ما عن برد الإسكاف أيضا قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اني رجل خراز و لا يستقيم عملنا الا شعر الخنزير نخرز به قال خذ منه و بره فاجعلها في فخارة ثم او قد تحتها حتي يذهب دسمها ثم اعمل به «3».

و منها عن برد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام جعلت فداك انا نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلي و في يده منه شي ء فقال: لا ينبغي ان يصلي و في يده منه شي ء فقال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به و ما لم يكن له دسم فاعملوا به و اغسلوا ايديكم منه 4.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 58 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 58 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3 و 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 58

و منها عن سليمان الإسكاف قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به قال: لا بأس به و لكن يغسل يده اذا اراد أن يصلي «1» و حديث زرارة لا بأس

به سندا و بقية الروايات كلها ضعيفة سندا فالانتفاع بشعر الخنزير لا بأس به و اما الانتفاع ببقية اجزائه التي لا تحله الحياة فالظاهر انه لا مانع منه لعدم ما يقتضي الحرمة و اما اجزائه التي تحله الحياة فهي محكومة بحكم الميتة لصدق العنوان عليها.

[السابعة يحرم التكسب بالخمر و كل مسكر مائع و الفقاع اجماعا نصا و فتوي]
اشارة

«قوله قدس سره السابعة يحرم التكسب بالخمر … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول انه يحرم وضعا بيع الخمر

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام علي ما في التقرير «2» قد قامت الضرورة من المسلمين و اطبقت الروايات من الفريقين علي حرمة بيع الخمر و كل مسكر مائع مما يصدق عليه عنوان الخمر من النبيذ و الفقاع و غيرهما الخ و تدل علي المدعي جملة من النصوص:

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 58

منها ما عن محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا او عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال لا يصلح ثمنه ثم قال: ان رجلا من ثقيف أهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم راويتين من خمر فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فاهريقتا، و قال ان الذي حرم شربها حرم ثمنها ثم قال ابو عبد اللّه عليه السلام ان افضل خصال هذه التي باعها الغلام ان يتصدق بثمنها «3».

و منها ما عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الخمر و عاصرها و معتصرها و بايعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه 4 و منها ما عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 3

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 82

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 55 من

ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 59

قال لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم في الخمر عشرة غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حاملها و المحمولة إليه و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها «1».

و منها ما عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم نهي أن يشتري الخمر و أن يسقي الخمر و قال: لعن اللّه الخمر و غارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و بايعها و مشتريها و آكل ثمنها و حاملها و المحمولة إليه 2.

و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن ثمن الخمر قال: اهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم راوية خمر بعد ما حرمت الخمر فامر بها أن تباع فلما ان مر بها الذي يبيعها ناداه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من خلفه يا صاحب الرواية ان الذي حرم شربها فقد حرم ثمنها فامر بها فصبت في الصعيد فقال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «3».

و منها ما عن جراح المدائني قال قال ابو عبد اللّه عليه السلام من أكل السحت ثمن الخمر و نهي عن ثمن الكلب 4.

و منها ما عن عمار بن مروان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال كل شي ء غل من الامام فهو سحت و اكل مال اليتيم و شبهه سحت، و السحت أنواع كثيرة منها اجور الفواجر

و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشاء في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي اللّه عليه و آله و سلم «5».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

(5) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 60

و منها ما عن سماعة قال قال: أبو عبد اللّه عليه السلام السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام اذا شارط و أجر الزانية و ثمن الخمر و أما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «1» و منها ما عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 2.

و منها ما عن سماعة قال قال: السحت انواع كثيرة: منها كسب الحجام و اجر الزانية و ثمن الخمر «3».

و منها ما عن أبي بصير عن أبي اللّه عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «4».

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «5».

و منها في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله

و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 6 فتحصل ان بيع الخمر حرام وضعا و فاسد شرعا.

الفرع الثاني انه هل يحرم بيع الخمر اذا كان البائع يهوديا أو نصرانيا

يستفاد من بعض النصوص ان البيع صحيح لاحظ ما رواه ابن جعفر «7» و لم يقيد البائع في الحديث بكونه ذميا فلا وجه لهذا التقييد نعم الموضوع المذكور في حديث

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2 و 5

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6

(4) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(5) (5 و 6) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8 و 9

(7) لاحظ ص 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 61

المنصور «1» عنوان الذمي و لا تعارض بين المثبتين و أما حديثا محمد بن مسلم و زرارة «2» فالموضوع المأخوذ فيهما مطلق و شامل للمسلم أيضا فيقع التعارض بين هذه الطائفة و ما يدل علي المنع علي الاطلاق فلا بد من العلاج فان قلنا بتمامية انقلاب النسبة يخصص دليل المنع بالبايع الكافر و بعد التخصيص تنقلب النسبة من التباين الي العموم و الخصوص فيخصص دليل الجواز بدليل المنع بعد تخصيصه بالكافر و ان لم نقل بهذا المسلك كمالا نقول يشكل الامر اذ المفروض ان المرجح علي مسلكنا عبارة عن الاحدثية و حيث لا تميز بين القديم و الحديث يدخل المقام في كبري اشتباه الحجة بلا حجة و يكون المرجع اطلاقات دليل الجواز لكن كيف يمكن القول بالجواز مع كون حرمة بيع الخمر وضعا كالنار علي المنار فيختص

الجواز بخصوص مورد كون البائع كافرا.

ثم انه هل يمكن القول بالجواز فيما يكون المشتري من الكافر مسلما؟

مقتضي اطلاق نصوص الباب هو الجواز و لكن هل يمكن الالتزام بجواز اشتراء الخمر اذا كان المشتري مسلما؟

الفرع الثالث انه هل يجوز بيع الخمر و شراؤه وضعا بقصد التخليل أم لا؟

الظاهر هو الثاني اذ لا وجه لرفع اليد عن اطلاقات الادلة و مقتضي اطلاقها عدم الفرق و أما حديث جميل قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام يكون لي علي الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا فقال: خذها ثم افسدها قال علي: و اجعلها خلا «3» فلا يرتبط بالمقام فان المستفاد من الحديث جواز اخذ الخمر قضاء للدين بشرط جعلها خلا و هذا حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا ارتباط بينه و بين المقام.

الفرع الرابع انه هل يحرم بيع الخمر تكليفا

الحق انه يحرم للنصوص الكثيرة

______________________________

(1) لاحظ ص 55

(2) لاحظ ص 55 و 56

(3) الوسائل الباب 31 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 62

الدالة علي اللعن علي بايعها و شاريها بل يحرم تكليفا حتي فيما يكون البائع كافرا و ذلك لكون الكفار مكلفين بالفروع كما يكونون مكلفين بالاصول فالنصوص الدالة علي حرمة البيع تكليفا تشملهم بل يدل علي المطلوب ما رواه ابن مسلم «1» فان الحديث يدل علي حرمة البيع تكليفا مع فرض كون صحته وضعا و قد ظهر آنفا ان صحة بيع الخمر تختص بالكافر فلاحظ.

الفرع الخامس انه هل يلحق بالخمر كل مسكر مائع أم لا

يستفاد من بعض النصوص ان اللّه حرم الخمر لعاقبتها لاحظ ما رواه ابن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر «2».

و مثله في الدلالة الحديث الثاني و الثالث المذكور ان في الباب المشار إليه.

لكن الانصاف انه يشكل الالتزام بترتب جميع احكام الخمر علي المسكر المائع الذي لا يصدق عليه عنوان الخمر و بعبارة واضحة المائع المسكر الذي يصدق عليه عنوان الخمر لا يحتاج في ترتيب آثار الخمرية عليه الي دليل بل الدليل الاولي يشمله كما هو ظاهر و أما مع عدم الصدق فالانصاف انه يشكل ترتيب جميع الآثار عليه بالنص المشار إليه اذ الظاهر منه بحسب الفهم العرفي جعله كالخمر في خصوص حرمة الشرب فالالتزام بالإطلاق يحتاج الي قيام اجماع تعبدي نعم قوله عليه السلام في الحديث الثاني من الباب فما فعل فعل الخمر فهو خمر يدل علي جعل كل مسكر خمرا حكومة لكن الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به كما

ان حديث عطاء بن يسار الدال علي الحكومة ضعيف سندا و هو ما رواه عن أبي

______________________________

(1) راجع ص 55

(2) الوسائل الباب 19 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 63

جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر حرام و كل مسكر خمر «1» نعم يمكن ان يستفاد من حديث عمار بن مروان «2» حرمة بيع كل مسكر فانه قد صرح في هذه الرواية بكون ثمن الخمر و النبيذ و المسكر حراما فعليه كل مسكر يكون بيعه حراما وضعا و يستفاد أيضا من جملة من النصوص حرمة كل شراب مسكر:

منها ما عن الفضيل بن يسار قال: ابتدأني أبو عبد اللّه عليه السلام يوما من غير أن أسأله فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر حرام قال: قلت اصلحك اللّه كله؟ قال نعم الجرعة منه حرام «3» و منها ما عن فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم المسكر من كل شراب فاجاز اللّه له ذلك الي أن قال فكثير المسكر من الاشربة نهاهم عنه نهي حرام و لم يرخص فيه لاحد «4».

و منها ما عن كليب الصيداوي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: خطب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: كل مسكر حرام 5.

و منها ما عن ابي الربيع الشامي قال قال أبو عبد اللّه عليه السلام ان اللّه حرم الخمر بعينها فقليلها و كثيرها حرام كما حرم الميتة و الدم و

لحم الخنزير و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم الشراب عن كل مسكر و ما حرمه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم فقد حرمه اللّه عز و جل «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 5

(2) لاحظ ص 59

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث: 1

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 2 و 3

(6) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 64

و منها ما عن عطاء بن يسار «1» و منها ما عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن النبيذ فقال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من الاشربة كل مسكر «2».

و منها ما عن عمر بن أبان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام من شرب مسكرا كان حقا علي اللّه أن يسقيه من طينة خبال قلت: و ما طينة خبال؟ قال صديد فروج البغايا 3.

و منها ما عن مروك عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان أهل الري من المسكر في الدنيا يموتون عطاشا و يحشرون عطاشا و يدخلون النار عطاشا «4».

و منها ما عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من شرب مسكرا لم يقبل منه صلاته أربعين ليلة 5.

و منها ما عن أبي يصر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم لا ينال شفاعتي من استخف

بصلاته فلا يرد علي الحوض لا و اللّه و لا ينال شفاعتي من شرب المسكر لا يرد علي الحوض لا و اللّه «6».

و منها ما عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: من شرب مسكرا لم يقبل منه صلاة أربعين صباحا فان عاد سقاه اللّه من طينة خبال: قال: قلت:

و ما طينة خبال: قال ما يخرج من فروج الزناة 7.

و منها ما عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال، ان للّه عز و جل عند كل ليلة من شهر رمضان عتقاء يعتقهم من النار الا من افطر علي مسكرا و شرب

______________________________

(1) راجع ص 62

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 6 و 7

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 15 من الاشربة المحرمة الحديث 8 و 9

(6) (6 و 7) الوسائل باب 15 من الاشربة المحرمة الحديث 11 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 65

مسكرا و من شرب مسكرا انحبست صلاته أربعين يوما و من مات فيها مات ميتة جاهلية «1».

و منها ما عن أبي بصير يعني المرادي عن أبي الحسن عليه السلام قال: انه لما احتضر أبي قال: يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة و لا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة قلت يا أبة و أي الأشربة فقال: كل مسكر 2.

و منها ما عن عمرو بن شمر قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من شرب شربة خمر لم يقبل اللّه منه صلاته سبعا و من شرب مسكرا لم تقبل منه صلاته اربعين صباحا «3».

و منها ما عن محمد بن سنان عن أبي الحسن الرضا عليه

السلام قال: حرم اللّه الخمر لما فيها من الفساد و من تغيير عقول شاربها و حملها اياهم علي انكار اللّه عز و جل و الفرية عليه و علي رسله و ساير ما يكون منهم من الفساد و القتل و القذف و الزنا و قلة الاحتجاز من شي ء من المحارم فبذلك قضينا علي كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة الخمر فليجتنب من يؤمن باللّه و اليوم الأخر و يتولانا و ينتحل مودتنا كل شراب مسكر فانه لا عصمة بيننا و بين شاربيها «4».

و منها ما عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام انه كتب الي المأمون:

محض الإسلام شهادة أن لا إله الا اللّه الي قال: و تحريم الخمر قليلها و كثيرها و تحريم كل شراب مسكر قليله و كثيره و ما اسكر كثيره فقليله حرام 5.

و منها ما عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: من شرب الخمر أو مسكرا لم تقبل صلاته أربعين صباحا فان عاد سقاه اللّه من طينة خبال قلت و ما

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 13 و 14

(3) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 15

(4) (4 و 5) الوسائل باب 15 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 16 و 17

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 66

طينة خبال؟ قال: صديد تخرج من فروج الزناة «1» و منها ما عن القاسم بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فأجاز اللّه ذلك

له و لم يفوض الي أحد من الأنبياء غيره 2.

و منها ما عن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان اللّه حرم الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه له ذلك «3».

و منها ما عن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه في كتابه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فأجاز اللّه له ذلك 4.

و منها ما عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: كيف كان يصنع أمير المؤمنين عليه السلام بشارب الخمر؟ قال: كان يحده قلت فان عاد؟

قال: كان يحده، قلت: قان عاد؟ قال: كان يحده ثلاث مرات فان عاد كان يقتله قلت: كيف كان يصنع بشارب المسكر؟ قال مثل ذلك قلت فمن شرب شربة مسكر كمن شرب شربة خمر؟ قال: سواء الي أن قال: حرم اللّه الخمر و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه ذلك له «5».

و منها ما عن عبد اللّه بن سنان عن بعض اصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: أنزل اللّه في القرآن تحريم الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم كل مسكر فاجاز اللّه ذلك له في اشياء كثيرة فما حرم رسول اللّه صلي

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: 18 و 23

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 15 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 24 و 26

(5) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة

الحديث 27

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 67

اللّه عليه و آله و سلم فهو بمنزلة ما حرم اللّه «1».

و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: حرم اللّه الخمر بعينها و حرم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم المسكر من كل شراب فاجازه اللّه له ذلك 2.

و منها ما عن زيد بن علي عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم أنه قال لرجل: ابلغ من لقيت من المسلمين عني السلام و أعلمهم ان الصغير عليهم حرام يعني النبيذ و هو الخمر و كل مسكر عليهم حرام «3».

الفرع السادس انه هل يكون الفقاع كالخمر في الأحكام المترتبة عليه

يستفاد من جملة من النصوص ان الفقاع خمر و انه من الخمر فمنها ما عن الوشاء قال:

كتبت إليه يعني الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع قال: فكتب حرام و هو خمر «4».

و منها ما عن ابن فضال قال: كتبت الي أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال هو الخمر و فيه حد شارب الخمر 5.

و منها ما عن عمار بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال هو خمر «6» و منها ما عن حسين القلانسي قال كتبت الي أبي الحسن الماضي عليه السلام أسأله عن الفقاع فقال لا تقربه فانه من الخمر 7.

و منها ما عن محمد بن سنان قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع فقال هي الخمر بعينها 8.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث 28 و 29

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث: 30

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة:

الحديث 1 و 2

(6) (6 و 7 و 8) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة: الحديث: 4 و 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 68

و منها ما عن هشام بن الحكم انه سال أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانه خمر مجهول و اذ اصاب ثوبك فاغسله «1».

و منها ما عن زا ذان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لو ان لي سلطانا علي اسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخيمرة يعني الفقاع 2.

و منها ما عن الحسن بن جهم و عن ابن فضال قال سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر «3».

و منها ما عن عبد السلام بن صالح الهروي قال سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: أول من اتخذ له الفقاع بالشام يزيد بن معاوية لعنهما اللّه فاحضر و هو علي المائدة و قد نصبها علي رأس الحسين عليه السلام فجعل يشربه و يسقي اصحابه الي أن قال: فمن كان من شيعتنا فليتورع عن شرب الفقاع فانه شراب أعدائنا فان لم يفعل فليس منا الحديث 4.

فان المستفاد من النصوص المشار إليها ان الفقاع في وعاء الشرع يعتبر خمرا و لا وجه بالالتزام بكون الحكومة ناظرة الي خصوص الشرب أو الي الآثار الظاهرة بل مقتضي اطلاق التنزيل وجوب ترتيب جميع الآثار.

الفرع السابع انه هل يحكم بحكم الخمر علي ما لا يكون معدا للشرب

كالمائع المتخذ من الخشب المسمي ب «ألكل» فان هذا المائع المذكور معد لاستعمالات طبية كما هو ظاهر عند الكل. افاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير «5» ان أدلة حرمة بيع الخمر تنصرف عنه كما ان ادلة حرمة الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل

لحمه منصرفة عن الإنسان اقول المائع المذكور لو فرض كونه مسكرا و صدق عليه

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث: 8 و 9

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 27 من ابواب الاشربة المحرمة الحديث 11 و 14

(5) مصباح الفقاهة ج 1 ص 86

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 69

عنوان الخمر يشمله دليل المنع و لا وجه للانصراف.

و بعبارة اخري الموضوع المأخوذ في لسان الروايات عنوان الخمر و بإطلاقها تشمل جمع انواعها و لا نري وجها للانصراف بعد تمامية مقدمات الإطلاق و علي فرض تسلمه يكون بدويا يزول بالتأمل و اما لو لم يصدق عليه عنوان الخمر فلا يترتب عليه جميع احكامها لعدم الدليل بل يترتب عليه حرمة شربه فقط بمقتضي حديث ابن يقطين المتقدم ذكره آنفا اذ قلنا ان المستفاد من الحديث ان كل مسكر الحديث ان كل مسكر حرام و لا يستفاد من الحديث كون المسكر خمرا بالحكومة نعم كون الألكل مسكرا محل الكلام و الأشكال لأنه من السموم القاتلة فلو لم يكن مسكرا لا يكون شربه حراما من هذه الحيثية و صفوة القول المحرم ما يكون مسكرا و لذا لو صار الألكل مسكرا و لو بالعلاج بان يمزج بالماء يكون شربه حراما لكونه مسكرا علي الفرض و علي فرض الإسكار يشكل بيعه فان المستفاد من حديث عمار بن مروان حرمة بيع كل مسكر.

الفرع الثامن ان المسكر الجامد هل يلحق بالخمر في احكامه أم لا؟
و ما يمكن أن يستدل به علي الالحاق وجوه:
الوجه الأول: ان كل مسكر خمر

بدعوي ان الخمر اسم لكل ما يخامر العقل. و فيه انه يظهر من اللغة الاختلاف في معني الخمر فعن تاج العروس «الخمر ما اسكر من عصير العنب خاصة أو عام اي ما اسكر من عصير كل شي ء و العموم أصح» فانه يستفاد من

كلامه الاختلاف في معناها و أيضا يستفاد من كلامه انه مختص بالمائع و عن مفردات الراغب «و هو عند بعض الناس اسم لكل مسكر و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر» الي غير ذلك من الكلمات و مع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالدليل فانه لا يجوز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية.

الوجه الثاني: التنزيل المستفاد من بعض النصوص

الدال علي كون كل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 70

مسكر خمرا، و قد مر و تقدم ان الحديث الدال علي المدعي ضعيف سندا.

الوجه الثالث: حديث عمار

«1» فان المستفاد من الحديث حرمة بيع كل مسكر فكل مسكر جامد لا يحل بيعه بمقتضي الحديث المذكور و اما استعماله فأيضا حرام للنصوص الدالة علي حرمة المسكر.

«قوله قدس سره و المراد به اما … »

ما افاده قدس سره في بيان المراد من الخبر علي نحو الترديد مخدوش اما اخذه مجانا فلا يوجب فراغ ذمته مع ان الظاهر من الرواية ان الفراع يحصل به و أما تخليله لصاحبه ثم أخذه بدلا عن الدراهم فخلاف الظاهر من الحديث اذ الظاهر منه ان الفراغ يحصل باخذ الدائن الخمر من المديون و الظاهران الصحيح في مفاد الخبر ما ذكرنا و اللّه العالم.

[الثامنة يحرم المعاوضة علي الأعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة]
اشارة

«قوله قدس سره الثامنة يحرم المعاوضة علي الاعيان المتنجسة … »

اذا فرض كون المتنجس غير قابل لأن يطهر و لا يكون فيه نفع حلال فما يمكن أن يكون دليلا لفساد بيعه وجوه:

الوجه الأول الإجماع

. و فيه انه علي فرض تحققه و حصوله لو لم يكن مقطوع المدرك فلا اقل من احتمال كون مدرك المجمعين الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأيه عليه السلام.

الوجه الثاني: النبوي «اذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه»

و قد مر ضعفه.

الوجه الثالث: انه لو فرض عدم الانتفاع به يدخل فيما لا مالية له

فيكون اكل المال بإزائه أكلا للمال بالباطل و قد مران الجار لا يكون للمقابلة بل للسببية.

الوجه الرابع انه اذا كان مما لا ينتفع به يكون اشتراؤه سفهيا

فيكون باطلا.

______________________________

(1) راجع ص 59

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 71

و فيه أولا يمكن أن يتصور فيه غرض عقلائي فالدليل اخص من المدعي و ثانيا لا دليل علي بطلان البيع السفهي و انما الدليل علي حجر السفيه عن التصرف في ماله فلاحظ.

الوجه الخامس: انه يشترط في المبيع المالية و ما لا نفع له لا مالية له

. و فيه انه لا دليل علي الاشتراط المذكور.

الوجه السادس: الأخبار العامة المتقدمة الدالة علي بطلان بيع النجس

لو قلنا بصدق هذا العنوان علي المتنجس. و فيه انه قد مر انها ضعيفة سندا و لا جابر لها فالنتيجة انه لا مانع من بيع المتنجس وضعا فان اطلاق حلية البيع يقتضي صحته و ان شئت قلت المقتضي لصحة بيعه و هي الأدلة الأولية الدالة علي الصحة موجود و المانع عنها مفقود فالقاعدة تقتضي الالتزام بصحة بيعه و أما من حيث الحكم التكليفي فمقتضي دليل حلية ما شك في جوازه هي الحلية كما هو المقرر.

«قوله قدس سره نعم يمكن الاستدلال … »

اذا كان التعليل المذكور موجبا للالتزام بالحرمة في المتنجس فما الوجه في التفصيل بين ما يكون قابلا لأن يطهر و بين ما لا يكون قابلا للطهارة فان ما كان قابلا لها مثل ما لا يكون قابلا اذ قبل عروض الطهارة عليه يكون الانتفاع به محرما فيدخل في موضوع الحرمة و الذي يهون الخطب ان الحديث الدال علي المدعي ضعيف سندا فلا وجه للإطالة.

«قوله قدس سره ثم اعلم انه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من اجل نجاستها … »

قد ذكرت وجوه لحرمة بيع المسوخ الأول: الإجماع و اشكاله ظاهر الثاني:

انها نجسة فلا يجوز بيعها. و فيه أولا ان نجاستها اوّل الكلام و الحق طهارتها الا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 72

ما خرج بالدليل و ثانيا انه لا دليل علي كون النجاسة بنفسها مانعة عن الصحة الثالث انه يحرم أكل لحمها فيحرم بيعها و فيه ان حرمة الأكل لا تلازم الحرمة و النبوي المشهور لا اعتبار به و أما عدم الانتفاع بها فمضافا الي أنه لا يكون كذلك قد مر قريبا انه لا دليل علي

اشتراط المالية في المبيع نعم قد وردت جملة من النصوص في المقام لا بدّ من ملاحظتها منها ما رواه مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن القرد أن يشتري و أن يباع «1».

و يستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع القرد و شرائه لكن السند ضعيف فلا يعتد به.

و منها ما رواه ابن سعيد قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل يحل بيعه أو شراؤه الذي يجعل منه الامشاط، فقال لا بأس قد كان لي منه مشط أو أمشاط «2» و هذه الرواية تدل علي جواز بيع عظام الفيل.

و مثله في الدلالة ما رواه ابن زيد قال رأيت أبا الحسن عليه السلام يتمشط بمشط عاج و اشتريته له «3».

و منها ما رواه في الجعفريات عن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: من السحت ثمن الميتة و ثمن اللقاح و مهر البغي الي أن قال و ثمن الشطرنج و ثمن النرد و ثمن القرد و جلود السباع «4» و السند ضعيف فالنتيجة عدم دليل علي حرمة بيع المسوخ فالحق جواز بيعها بمقتضي القاعدة الاولية هذا بالنسبة الي الحكم الوضعي و أما من حيث الحكم التكليفي فمقتضي قاعدة الحل الجارية في الاشياء جوازه و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) المستدرك الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 73

بقي في المقام شي ء و هو انه هل يجوز بيع السباع وضعا؟ أما لو كان فيه فائدة فلا اشكال في جوازه بحسب القواعد الاولية

بل الحكم مورد النص في الجملة لاحظ ما رواه العيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال نعم «1» و أما مع عدم القائدة فأيضا مقتضي القاعدة جواز بيعها وضعا و لا وجه للحرمة و أما من حيث الحكم التكليفي فأيضا مقتضي اصالة الحل الجارية في الاشياء الحلية فلاحظ.

[و أما المستثني من الأعيان المتقدمة]
[الأولي يجوز بيع المملوك الكافر]

«قوله قدس سره الاولي يجوز بيع المملوك الكافر … »

الكافر اما اصلي و اما مرتد و المرتد اما ملي و اما فطري و مقتضي القاعدة الاولية المستفادة من الكتاب و السنة جواز بيع الكافر علي الإطلاق لعدم دليل علي المنع و أما النجاسة فأولا كون الكافر مطلقا نجسا محل الأشكال و لقد ناقشا في تمامية الأدلة علي نجاسة الكافر الا في الجملة و ثانيا لا دليل علي كون النجاسة في المبيع مانعا عن الصحة مضافا الي دعوي الإجماع علي جواز بيعه في الجملة و يضاف الي ذلك كله انه يستفاد الجواز من جملة من النصوص: منها ما رواه عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رقيق اهل الذمة اشتري منهم شيئا فقال:

اشتر اذا أقروا لهم بالرق «2».

و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء مملوك اهل الذمة قال: اذا أقروا لهم بذلك فاشتر و أنكح 3.

و منها ما رواه رفاعة النخاس قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام ان الروم

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 1 من ابواب بيع الحيوان الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 74

يغزون علي الصقالبة

و الروم فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون الي الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم الي بغداد الي التجار فما تري في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا، و أنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهن فقال لا بأس بشرائهم انما أخرجوهم من الشرك الي دار الإسلام «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام في شراء الروميات فقال: اشترهن و بعهن «2».

و منها ما رواه زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن قوم من العدو «الي أن قال» و سألته عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض و يغير المسلمون عليهم بلا امام أ يحل شراؤهم؟ قال: اذا أقروا لهم بالعبودية فلا بأس بشرائهم 3.

فلا وجه للأشكال نعم في المرتد الفطري يقع الكلام و ربما يقال بعدم جواز بيعه لأنه في معرض القتل و فيه انه مملوك و قابل للانتفاع و لو بالعتق مضافا الي أنه ما الفرق بينه و بين الملي اذا لم يتب و علمنا بأنه لا يتوب و أيضا ما الفرق بينه و بين المريض الذي لا يرجي بقاء حياته اضعف الي ذلك ان غاية ما يمكن أن يقال انه لأجل معرضيته للقتل لا مالية له فلا يجوز بيعه و يرد عليه انه لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع بالإضافة الي أنه يمكن تصور مورد نعلم بعدم كونه في معرض القتل كما لو كان قويا لا يقدر علي التسلط عليه و قتله أو انه لا يوجد في الخارج حاكم مبسوط اليد فالنتيجة انه لا اشكال في بيع الكافر بأقسامه فلاحظ.

«قوله و عتق الكافرة»

الظاهر ان التوصيف بالتأنيث بلحاظ توصيف الرقبة اي عتق

الرقبة الكافرة و الا فلا وجه لاختصاص الحكم بخصوص الكافرة بل لا فرق بين الكافر و الكافرة

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 75

من هذه الجهة.

«قوله قدس سره فبني جواز بيع المرتد علي قبول توبته … »

ان كان المانع عن الصحة نجاسة العبد يلزم القول بالفساد ولي علي القول بقبول توبته اذ المفروض نجاسته قبل التوبة و الحكم تابع لموضوعه و لكن الحق كما مر مرارا عدم دليل معتبر علي اشتراط الطهارة في المبيع لا سيما اذا لم يكن الانتفاع منه مشروطا بالطهارة.

«قوله ينشأ من تضاد الحكمين … »

لا يبعد ان المراد من الحكمين المتضادين وجوب القتل و وجوب الوفاء بالعقد بتقريب انه لا يمكن الجمع بين الأمرين من حيث ان الوفاء يستلزم الإبقاء و ايجاب القتل يستلزم الإفناء فكيف يجمع بينهما؟ و يرد عليه انه لا تنافي بين الحكمين فان وجوب الوفاء ارشاد الي اللزوم و عدم جواز الفسخ و اي تناف بين ايجاب القتل و بين عدم تحقق الفسخ و بعبارة اخري: لا تنافي بين اللزوم وضعا و وجوب القتل تكليفا و اللّه العالم.

«قوله قدس للوجه المتقدم … »

لا يبعد أن يكون المراد بالوجه المتقدم تضاد الحكمين.

[الثانية يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره الثانية يجوز المعاوضة علي غير كلب الهراش في الجملة … »

لا يبعد أن يكون المراد بقوله في الجملة الإشارة الي الاختلاف الواقع بين الأصحاب في جواز بيع غير كلب الهراش و ان بعض أقسامه محل الكلام نعم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 76

لا خلاف في الجواز في الجملة و يظهر المدعي في

مطاوي الكلام فانتظر.

«قوله قدس سره لتواتر الاخبار … »

تواتر الخبر يصدق فيما يكون بحد يوجب العلم العادي للناس و هل يكون المقام كذلك؟ ثم ان الأخبار المتواترة لا تصدق فيما يكون الراوي الواحد في جملة رجال اسنادها و في المقام كذلك فانا نري ان البطائني موجود في جملة من الأسناد و كذا غيره و أيضا الذي يمكن أن يقال ان الفصل الزماني يؤثر في حصول القطع و عدمه و بعبارة اخري كل خبر يكون المخبر به فيه أبعد و أقدم زمانا يلزم في حصول القطع بالمضمون أن يكون المخبر به اكثر. و صفوة القول ان الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر ان الإنسان العادي يقطع بعدم التواطي و الاجتماع علي الكذب و هذا يختلف بحسب الموارد و الموضوعات و الزمان طولا و قصرا الي بقية الجهات اضف الي ذلك ان الماتن قدس سره بعد أسطر يصرح بكون الأخبار المشار إليها متضافرة بقوله «الأخبار المستفيضة» و كيف يمكن الجمع بين العنوانين و الحال أنهما متقابلان بتقابل التضاد.

«قوله قدس سره ثم ان ما عدا كلب الهراش علي أقسام … »

ينبغي أن يتعرض في المقام لفروع:

الفرع الأول كلب الصيد السلوقي
اشارة

و البحث تارة من حيث الوضع و اخري من حيث التكليف أما الجهة الأولي فمقتضي القاعدة الاولية جواز بيعه و أما بلحاظ الروايات الخاصة فقد وردت جملة من النصوص في المقام يستفاد منها عدم جواز بيع الكلب علي الإطلاق منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 77

لي فيها: ان ثمن الكلب و المغنية سحت «1». فان مقتضي هذه الرواية فساد بيع الكلب علي الإطلاق فلا بد في رفع اليد عن اطلاق المنع من قيام دليل معتبر و ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه:

الوجه الأول الإجماع

. و فيه انه علي فرض تحصيله يحتمل أن يكون مدرك المجمعين النصوص الواردة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا.

الوجه الثاني الروايات الخاصة

الواردة في المقام منها ما رواه أبو بصير «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فان البطائني في السند و منها ما رواه الصدوق مرسلا «3» و المرسل لا اعتبار به و منها ما رواه العامري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «4» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت ثم قال: و لا بأس بثمن الهر «5».

بتقريب ان المنع يختص بغير الصيود فيجوز بيع الصيود. و فيه ان تقريب الاستدلال يتم علي القول بمفهوم الوصف و أما اذا لم نقل به كما لا نقول به فلا يتم الاستدلال بالحديث علي المدعي.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب قال: لا بأس بثمنه و الاخر لا يحل ثمنه 6 و الحديث بكلا سنديه مخدوش.

و منها ما رواه أبو بصير أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان رسول اللّه صلي

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(2) راجع ص 59

(3) راجع ص 60

(4) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 3 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 78

اللّه عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت «1» و قد مر آنفا ان السند ضعيف.

و منها

ما رواه العماري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس «2» و السند ضعيف.

و منها ما أرسله الشيخ قدس سره في المبسوط «يجوز بيع كلب الصيد و روي ان كلب الماشية و الحائط مثل ذلك «3» و السند ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه ليث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكلب الصيود يباع؟

فقال: نعم و يؤكل، ثمنه «4» و هذه الرواية ضعيفة بأبي جميلة.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا خير في الكلاب الا كلب صيد أو كلب ماشية «5». و فيه ان هذه الرواية لا تدل علي جواز بيع كلب الصيد بل يدل علي أنه فيه الخير. فالنتيجة انه ليس في الروايات الخاصة ما يمكن الاستدلال به علي المدعي.

الوجه الثالث دعوي السيرة الخارجية علي بيع كلب الصيد السلوقي

فان تمت هذه الدعوي أو تمت دعوي ان ارتكاز المتشرعة علي الجواز يتم المدعي و الا فيشكل الجزم بالجواز هذا كله بالنسبة الي الجواز الوضعي و أما تكليفا فالظاهر انه لا مانع عن الالتزام به فان مقتضي ادلة البراءة عقلا و شرعا هو الجواز و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و هو المتيقن من الاخبار و معاقد الاجماعات الدالة علي الجواز»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(3) نفس المصدر الحديث 9

(4) الوسائل الباب 45 من أبواب الصيد الحديث 4

(5) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 79

قد ظهر مما تقدم الأشكال في كلا الدليلين المذكورين اما الأخبار فهي ضعيفة اما سندا و

اما دلالة و أما الإجماعات فلاحتمال كونها مدركية فلاحظ.

الفرع الثاني حكم كلب الصيد غير السلوقي

افاد الماتن ان بيعه جائز علي المعروف من غير ظاهر اطلاق المقنعة و النهاية و استدل أولا علي جواز بيعه بالإجماعات المنقولة و ثانيا بالأخبار و قد مر الاشكال في كلا الدليلين فالنتيجة عدم جواز بيع كلب الصيد غير السلوقي و أما بيعه بلحاظ الحكم التكليفي فالحق انه يجوز بمقتضي ادلة البراءة شرعا و عقلا.

«قوله: مع انه لا يصح … »

ما افاده يتم في الأول لما ذكره من الوجه و أما بالنسبة الي الثاني فلا اذ المذكور في الحديث عنوان كلب الصيد فلو سلم الانصراف ينصرف اللفظ الي السلوقي فالنتيجة اختصاص الحكم بخصوص السلوقي.

«قوله قدس سره: و كيف كان … »

اي سواء كانت استفادة الإطلاق من الروايات أم من قوله عليه السلام ثمن الكلب الذي لا يصيد فان النتيجة اطلاق الحكم و لا وجه لدعوي الانصراف.

«قوله قدس سره. لكن الوجه الأول اظهر … »

لا يبعد أن يكون وجه الأظهرية انه لو كان المراد من الجملة المذكورة الاحتمال الثاني لكان حق العبارة أن يقال و عني بالسلوقي كلب الصيد منه و أما العبارة المذكورة فظاهرة في كون المراد من السلوقي مطلق كلب الصيد و أيضا يدل علي المدعي قوله فنسب الكلب إليها فان كلب السلوق اعم من كونه صيودا أم لا، منسوب الي تلك القرية فلا يلزم في صحة النسبة اعتبار كونه صيودا، و أما كلب الصيد من غير السلوق فيحتاج في كونه معنونا بعنوان السلوقي الاعتبار المذكور فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 80

«قوله قدس سره فتدبر»

لا يبعد أن يكون اشارة الي ما ذكرنا من وجه الأظهرية.

الفرع الثالث: هل يجوز بيع الكلاب الثلاثة: الماشية و الحائط و الزرع أم لا؟
اشارة

الجواز و ان كان مقتضي القاعدة الأولية و لكن مقتضي اطلاق النصوص عدم الجواز و فساد

بيعها و لا بدّ من التماس دليل يقتضي الجواز كي نلتزم بتقييد دليل المنع و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي الجواز أو ذكر وجوه:

الوجه الأول: الإجماع

قال الشيخ قدس سره في الخلاف في مسألة: 43 من كتاب الإجارة في جملة كلام له: «و لأن بيع هذه الكلاب يجوز عندنا و ما يصح بيعه يصح اجارته بلا خلاف» «1». و فيه مضافا الي كون خلافه مشهورا عند القدماء بل يظهر من كلام الماتن انه ادعي الإجماع علي الحرمة ان الإجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه لا يمكن تحصيله كيف و الحال ان المسألة مورد الخلاف و المشهور بين القدماء عدم الجواز و علي الجملة كيف يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني: انه يستفاد من بعض النصوص ثبوت الدية علي قاتلها

فيدل علي جواز المعاوضة عليها منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

دية الكلب السلوقي أربعون درهما جعل ذلك له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و دية كلب الغنم كبش، و دية كلب الزرع جريب من بر و دية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله «2».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام فيمن قتل كلب الصيد قال: يقومه و كذلك البازي و كذلك كلب الغنم و كذلك كلب الحائط 3.

______________________________

(1) كتاب الخلاف ج 1 ص 720

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 19 من ابواب دية النفس الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 81

و منها ما رواه ابن فضال عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

دية كلب الصيد أربعون درهما و دية كلب الماشية عشرون درهما، و دية الكلب الذي ليس للصيد و لا للماشية زنبيل من تراب علي القاتل أن يعطي و علي صاحبه أن يقبل «1».

و فيه ان ثبوت الدية

لا يكشف عن الملكية فضلا عن جواز المعاوضة عليها فان الدية ثابتة في قتل الحر و الحال انه لا يكون مملوكا و لا يكون قابلا للمعاوضة عليه بل يمكن أن يقال ان ثبوت الدية يدل علي عدم الملكية اذ لو كان مملوكا لكان المناسب أن يضمن القاتل عوضه اي القيمة.

الوجه الثالث: ان اجارتها جائزة فيجوز بيعها للملازمة

بين الأمرين و فيه انه لا ملازمة بين الأمرين فان اجارة الحر جائزة و لكن لا يجوز بيعه و بعبارة أخري:

لا ملازمة بين الأمرين بل النسبة بينهما العموم من وجه فانه قد يجوز البيع و لا تجوز الإجارة كالمأكولات مثل الخبز فانه يجوز بيعها و لا تجوز اجارتها لأن الإجارة في مورد تبقي العين و ينتفع بها، و قد تجوز الإجارة و لا يجوز البيع كالحر حيث تجوز اجارته و لا يجوز بيعه و قد يجوز كلا الأمرين كالدار و نحوها حيث يجوز بيعها كما تجوز اجارتها اضف الي ذلك ان الدليل قائم علي الحرمة و مع قيام الدليل علي كون بيعها حراما لا تصل النوبة الي هذه التقريبات.

الوجه الرابع: ان بيع كلب الصيد جائز اجماعا فيجوز بيع الكلاب الثلاثة

اذ كما يمكن الانتفاع بكلب الصيد بأن يصاد به كذلك يمكن الانتفاع بها للحراسة و فيه ان الجواز في كلب الصيد أيضا محل الأشكال و الكلام كما مر مضافا الي أن مقتضي اطلاق دليل المنع الالتزام بعدم الجواز في المقام و تقريب الجواز بما ذكر اجتهاد في مقابل النص.

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب دية النفس الحديث: 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 82

الوجه الخامس: ان الجواز مقتضي الجمع بين النصوص

فان المستفاد من حديث تحف العقول جواز بيع كل ما فيه نفع و مقتضي نصوص الباب عدم الجواز و النسبة بين الدليلين عموم من وجه فان غير الكلب مما ينتفع به داخل تحت دليل رواية تحف العقول و نصوص المقام شاملة لكلب الهراش و لا يشمله حديث تحف العقول و الكلاب الثلاثة محل التعارض ثم التساقط فتصل النوبة الي الأخذ بادلة حلية البيع. و فيه ان حديث تحف العقول ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه السادس: ما أرسله في المبسوط،

و روي ان كلب الماشية و الحائط كذلك أي يجوز بيعها «1»، و فيه انه لا اعتبار بالمرسلات و انجبار ضعف الحديث بعمل المشهور مخدوش صغري و كبري مضافا الي عدم ذكر الزرع فتحصل مما تقدم ان الحق عدم جواز بيع الكلاب الثلاثة وضعا و اما من حيث التكليف فمقتضي البراءة الشرعية و العقلية جواز بيعها و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: لكون المنقول مضمون الرواية لا معناها و لا ترجمتها»

تارة يكون نقل الرواية بألفاظها و اخري يكون نقلها بنقل معناها بنقل المراد من اللفظ الصادر عن الإمام عليه السلام كما لو بدل لفظ هلم بلفظ تعال و ثالثة بنقل ترجمتها من اللغة العربية بلغة اخري و رابعة يكون بنقل مضمون الرواية بحسب فهمه و حيث يحتمل كون الاستفادة مستندا الي الحدس فلا اعتبار به و الدليل علي كون النقل في المقام علي النحو الأخير قوله «ذلك» ثم تفسيره فلاحظ.

«قوله قدس سره: بضميمة أمارات الملك في هذه الكلاب … »

______________________________

(1) المبسوط ج 2 المطبوع في تهران ص 166

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 83

لا يبعد أن يكون المراد بامارات الملك ان الكلاب الثلاثة ذوات منفعة مقصودة و كونها ذوات دية

مقررة و المرسلة المنقولة و دعوي الاتفاق علي الجواز.

الفرع الرابع انه هل يجوز اقتناء الكلب أم لا؟

قال سيدنا الأستاد علي ما في التقرير لم يستشكل أحد في جواز ذلك الخ «1» و مقتضي الأصل الأولي هو الجواز الا ان يقوم دليل علي المنع و قد وردت جملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يكره أن يكون في دار الرجل المسلم الكلب «2» و هذه الرواية لا تدل الا علي كراهة كون الكلب في الدار و الكراهة اعم من الحرمة.

و منها ما رواه محمد بن قيس «3» و من الظاهر ان هذه الرواية أيضا لا تدل علي الحرمة مضافا الي الخدشة في السند بمحمد بن عيسي ان كان المراد منه العبيدي.

و منها ما رواه المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسك كلب الصيد في الدار الا أن يكون بينك و بينه باب «4». و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن كلب الصيد يمسك في الدار؟ قال:

اذا كان يغلق دونه الباب فلا بأس 5 و هذه الرواية تدل علي حرمة امساك كلب الصيد في الدار الا في صورة خاصة.

و منها ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من احد يتخذ كلبا الا نقص في كل يوم من عمل صاحبه قيراط «6» و لسان الرواية لسان الكراهة.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان النبي صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 102

(2) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 1

(3) راجع ص 78

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 43 من ابواب احكام الدواب الحديث 3 و 4

(6)

نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 84

رخص لأهل القاصية في كلب يتخذونه «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن الرواية تدل علي الجواز.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن الكلب يمسك في الدار قال: لا 2.

و المستفاد من هذه الرواية عدم جواز امساك الكلب في الدار و مقتضي الجمع بين هذه الرواية و الرواية الاخري لسماعة أن يقال يجوز امساك كلب الصيد في الدار مع اغلاق الباب و أما غير كلب الصيد من بقية الكلاب فلا يجوز امساكه في البيت و أما الاقتناء علي نحو الإطلاق فلا دليل علي حرمته و اللّه العالم.

الفرع الخامس: انه يجوز ايقاع العقد علي الكلاب بغير البيع

اذ لا وجه لقياس بقية المعاملات علي البيع و مقتضي القواعد الأولية هو الجواز فلاحظ.

[الثالثة الأقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي إذا غلا]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة الاقوي جواز المعاوضة علي العصير العنبي اذا غلا … »

يقع الكلام في هذا الفرع في مقامين.

المقام الأول: في جواز بيعه من حيث القواعد العامة

المقام الثاني في جواز بيعه و عدمه بملاحظة النصوص الخاصة الواردة في المقام أما المقام الأول فنقول: لا اشكال في جواز بيعه فانه من الامور المملوكة لمالكه و يشمله دليل الصحة من حلية البيع و تجارة عن تراض و أما المقام الثاني فربما يقال بأن الأدلة العامة الدالة علي عدم جواز بيع النجس و ان اللّه اذا حرم شيئا حرم ثمنه توجب فساد بيعها و لكن قد مر مرارا ان تلك الروايات ضعيفة سندا فلا يعتد بها نعم في المقام نصوص خاصة لا بدّ من ملاحظتها و هو

المقام الثاني [في النصوص الخاصة]

من البحث منها ما رواه أبو كهمس قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن العصير فقال لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال لا بأس

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 7 و 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 85

به و ان غلا فلا يحل بيعه ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا «1» فان المستفاد من هذه الرواية عدم جواز بيع العصير بعد الغليان لكن سند الرواية ضعيف بلبي كهمس فلا يعتد بها.

و منها ما رواه ابن الهيثم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتي يغلي من ساعته أ يشربه صاحبه فقال: اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه حتي يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه «2» و الحديث علي فرض دلالته علي المدعي اي حرمة البيع لا اعتبار به كما هو ظاهر.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن العصير

قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا قال: اذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس «3» و الحديث ضعيف بالبطائني و بغيره.

و منها ما رواه النسابة أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن النبيذ فقال حلال فقال انا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوي ذلك فقال شه شه تلك الخمرة المنتنة، قلت جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال: ان أهل المدينة شكوا الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله تغير الماء و فساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له فيعمد الي كف من تمر فيقذف «يلقيه» به في الشن فمنه شربه و منه طهوره «4». و يستفاد من الحديث ان النبيذ في حكم الخمر و السند ضعيف بمعلي بن محمد و بغيره قال في مجمع البحرين شه شه كلمة استقذار و استقباح و منه قوله عليه السلام شه شه تلك الخمرة المنتنة. فتحصل انه لا دليل علي حرمة بيعه وضعا و أما بيعه تكليفا فلا اشكال في جوازه اذ لا مقتضي للحرمة و مقتضي القاعدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 7

(3) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الماء المضاف الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 86

الأولية الجواز.

«قوله قدس سره لاصالة بقاء ماليته … »

لو وصلت النوبة الي الشك يشكل ابقاء المالية بالاستصحاب اذ استصحاب بقاء المالية معارض باستصحاب عدم التحقق من اوّل الأمر ازيد من المقدار المعلوم لكن الذي يهون الخطب انه لا يحتاج في ابقاء

المالية الي الأصل فان المالية أمر عرفي و لم يرد من الشرع ما يوجب سقوط ماليته كما ان مقتضي القاعدة الأولية كونه باقيا في ملك مالكه مضافا الي أنه لا يشترط في المبيع كونه ذا مالية فلاحظ.

«قوله قدس: بل وجب عليه رده و وجب عليه … »

الميزان في باب الضمان صدق عنوان الخسارة و التلف و لذا لو أوجب الغليان زيادة القيمة لا يكون وجه للضمان كما هو ظاهر فالحكم بالضمان تابع لموضوعه و الظاهر ان الماتن قدس سره ناظر الي صورة الضرر و الخسارة لا الحكم بالضمان علي الإطلاق فلا يرد عليه ما أورده سيدنا الأستاد و علي الجملة يلزم في باب الضمان عنوان الخسارة. ان قلت: ما الفرق بين غصب العصير الذي أغلاه و بين العصير الذي غصبه ثم صار خمرا؟ قلت: الفرق بين الموردين ان العصير الذي صار مغليا مال في نظر العرف و لا يعد من التالف و أما العصير الّذي بصير خمرا يكون تالفا في نظر الشارع و لذا لا بدّ من تسليم بدله ان كان مثليا و القيمة ان كان قيميا و أما العصير الذي صار مغليا فلا يكون تالفا فلا بد من جبران الخسارة التي وردت من ناحيته ان كانت فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بالجملة فلو لم يكن الا استصحاب … »

قد ظهر مما تقدم ما في كلام الماتن من الأشكال حيث قلنا: ان استصحاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 87

المالية أو الملكية معارض باستصحاب عدم الزائد.

«قوله قدس سره: ثم ذكر ان الاقوي العدم … »

الظاهر ان مراد القائل من الحرمة الحرمة التكليفية حيث استدل بالآية الشريفة و لا تستفاد من الآية الشريفة حرمة الإعانة علي

الأثم بل المستفاد منها التعاون علي الاثم و كم فرق بين الامرين و علي الجملة لا دليل علي حرمة الاعانة علي الاثم هذا بالنسبة الي الحرمة التكليفية و أما الحرمة الوضعية فلا دليل عليها حتي فيما يكون الداعي من البيع ارتكاب الحرام فان مقتضي دليل صحة البيع و اطلاقه عدم الفرق بين الموارد و اللّه العالم.

[الرابعة يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابعة يجوز المعاوضة علي الدهن المتنجس … »

يقع الكلام في بيع الدهن المتنجس في مقامين: احدهما من حيث الحكم الوضعي و اخري من حيث التكليفي أما

المقام الأول [من حيث الحكم الوضعي]

فنقول: مقتضي الادلة الاولية الدالة علي جواز البيع صحة بيعه فمع قطع النظر عن النصوص الخاصة الواردة في المقام لا نري مانعا من بيعه و أما من حيث النصوص الخاصة فأفاد سيدنا الاستاد ان الروايات الواردة في المقام علي طوائف:

الطائفة الاولي: ما دل علي جواز بيعه مقيدا باعلام المشتري الطائفة الثانية: ما دل علي الجواز علي الاطلاق الطائفة الثالثة: ما دل علي عدم الجواز علي الاطلاق و مقتضي الصناعة أن تقيد الطائفة الثالثة بالطائفة الاولي و بعد التقييد تنقلب نسبتها الي الطائفة الثانية من التباين الي العموم و الخصوص المطلقين فتخصص الطائفة الثانية بالثالثة بعد الانقلاب هذا ملخص كلامه.

و الذي ينبغي أن تذكر أوّلا النصوص الواردة في المقام و تلاحظ ما يستفاد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 88

منها بعد تمامية اسنادها فمنها ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله و الزيت يستصبح به «1» و هذه الرواية لا تعرض فيها للبيع.

و منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه؟ فقال: ان كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و ان كان ذائبا فاسرج به و أعلمهم اذا بعته 2، و المستفاد من هذه الرواية جواز البيع مع الأعلام.

و منها ما رواه زرارة عن

أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها و ما يليها، و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك «3» و المستفاد من هذه الرواية جواز الاستصباح به و لا تعرض في الرواية لحكم بيعه.

و منها ما رواه ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال: بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «4» و المستفاد من الحديث جواز البيع مع الأعلام.

و منها ما رواه اسماعيل ابن عبد الخالق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله سعيد الأعرج السمان و انا حاضر عن الزيت و السمن و العسل تقع فيه الفارة فتموت كيف يصنع به قال: أما الزيت فلا تبعه الا لمن تبين له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا، و أما السمن فان كان ذائبا فهو كذلك و ان كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به و العسل كذلك ان كان جامدا «5» و المستفاد من

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) نفس المصدر الحديث 4

(5) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 89

الحديث اشتراط جواز بيعه بالأعلام.

و منها ما رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها «1» و المستفاد من الحديث

عدم جواز بيع الميتة فلا يرتبط الحديث بالمقام.

و منها ما رواه في الجعفريات ان عليا عليه السلام قال في الخنفساء و العقرب و الصرد اذا مات في الإدام، فلا بأس بأكله قال و ان كان شيئا مات في الإدام و فيه الدم، في العسل أو في الزيت أو في السمن و كان جامدا جنبت ما فوقه و ما تحته ثم يؤكل بقيته و ان كان ذائبا فلا يؤكل يستسرج به و لا يباع «2» و المستفاد من الحديث عدم جواز بيعه علي الإطلاق و الحديث ضعيف سندا كبقية احاديث الكتاب المشار إليه بموسي.

و منها رواية اخري عن الجعفريات أيضا ان عليا عليه السلام سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت، قال: «الزيت- خاصة- يبيعه لمن يعمله صابونا «3» و المستفاد من الحديث جواز بيعه لمن يعمله صابونا و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما عن الدعائم عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: «لعن اللّه اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها و ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم أكل شي ء حرم عليهم ثمنه «4» و المستفاد من الحديث عدم جواز بيعه و الحديث ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه الراوندي ان عليا عليه السلام سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) مستدرك الوسائل الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 90

دم فيموت، فقال: يبيعه لمن يعمله صابونا «1» و المستفاد من الحديث جواز بيعه لمن يعمله صابونا و الحديث ضعيف بموسي بن اسماعيل هذه نصوص الباب و مقتضي الجمع بين

مقيدها و مطلقها أن نقول أنه يجوز بيعه مع وجوب الأعلام و اللّه العالم.

و أما

المقام الثاني [من حيث الحكم التكليفي]
اشارة

فالظاهر عدم دليل علي حرمة بيع الدهن المتنجس تكليفا بل مقتضي البراءة شرعا و عقلا جواز البيع و اللّه العالم.

و في المقام فروع:

الفرع الأول: ان وجوب اعلام المشتري بالنجاسة هل هو شرطي أو نفسي؟
اشارة

أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير ان المستفاد من حديث أبي بصير «2» و ان كان هو الوجوب الشرطي و لكن يجب رفع اليد عنه لقوله في حديث اسماعيل بن عبد الخالق فلا تبعه الا لمن تبين له فيبتاع للسراج «3» و قوله في حديث ابن وهب بعه و بينه لمن اشتراه ليستصبح به «4» بتقريب ان حمل الأمر علي الإرشاد الي الشرطية أو المانعية أو امثالهما مع القرينة و الا لا يكون وجه لرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب النفسي و بعبارة واضحة: الأمر بظاهره يدل علي الوجوب النفسي و رفع اليد عن ظهوره الأولي يتوقف علي قرينة و لا قرينة في الحديثين علي كون الأمر للإرشاد فلا بد من حمل الأمر علي ظاهره و هو الوجوب النفسي فترفع اليد عن ظهوره في الشرطية بالنسبة الي حديث أبي بصير «5» هذا ملخص كلامه.

و يرد عليه أولا ان حديث ابن عبد الخالق ضعيف سندا و أما حديث ابن وهب

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 7

(2) راجع ص 88

(3) لاحظ ص 88

(4) لاحظ ص 88

(5) مصباح الفقاهة ج 1 ص 114

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 91

فعلي تقدير ظهوره في الوجوب النفسي لا ينافي حديث أبي بصير اذ لا تنافي بين المثبتات فانه لا تنافي بين الوجوب الشرطي و التكليفي ان قلت نقطع بأنه إما يجب شرطا و اما يجب تكليفا فلا يمكن الالتزام بكلا الأمرين قلت: مع هذا القطع يقع التعارض بين الحديثين و حيث لامر حج لأحدهما علي الأخر

من باب عدم تميز الأحدث عن القديم لا بدّ من العمل علي طبق العلم الإجمالي حيث يعلم بوجوب أحد الأمرين.

ثم انه يقع الكلام في ادلة وجوب الاعلام تكليفا علي نحو التفصيل فنقول:

هل يجب اعلام المشتري بنجاسة الدهن المشتري كي لا يقع في الحرام الواقعي بأن يأكل الدهن مثلا أم لا؟ ربما يقال بوجوبه و ما يمكن أن يذكر للاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: انه علم من مذاق الشرع حرمة القاء الغير في الحرام الواقعي،

و فيه ان الجزم بكونه من مذاق الشرع اوّل الدعوي و يحتاج الي الاثبات مضافا الي أن صدق الألقاء بمجرد البيع و تسليم الدهن للمشتري سيما مع عدم العلم بأنه يأكله اوّل الكلام.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما ورد في حرمة الإفتاء بغير علم لاحظ ما رواه ابو عبيدة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: من أفني الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «1» بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة من الروايات ان القاء الغير في الحرام حرام و موجب لأن يعاقب الملقي و فيه انه لا وجه للقياس و بعبارة واضحة: حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا وجه للتسرية مضافا الي أن الفتيا بغير ما انزل اللّه ذنب عظيم و موبقة كبيرة و لا يرتبط أحد المقامين بالآخر اضف الي ذلك كله انه يستفاد من صدر الرواية أن الفتيا بلا مستند شرعي في نفسه ذنب عظيم و لو لم يعمل أحد

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صفات القاضي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 92

بتلك الفتيا.

و منها ما دل علي انه ما من امام صلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير الا كان عليه اوزارهم «1».

و لاحظ ما رواه ابن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أ يضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فان هؤلاء يزعمون أنه يضمن، فقال: لا يضمن أي شي ء يضمن الا أن يصلي بهم جنبا أو علي غير طهر «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان من يكون سببا لمعصية يكون العاصي هو المسبب.

و فيه ان الحديث الأول مرسل و لا اعتبار بالمرسلات نعم لا

بأس بسند حديث ابن وهب و ثانيا ان القياس ليس من مذهب الإمامية و لا وجه لتسرية الحكم الوارد في هذا المقام الي بقية المقامات.

و منها ما ورد في كراهة اطعام اطعمة المحرمة و الأشربة المحرمة للبهيمة لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البهيمة: البقرة و غيرها تسقي أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أ يكره ذلك؟ قال: نعم يكره ذلك «3» و لاحظ ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام كره أن تسقي الدواب الخمر «4». و فيه ان كراهة الإطعام أو السقي للبهيمة لا يدل علي المدعي في المقام كما هو ظاهر.

و منها ما ورد في حرمة سقي الخمر للكافر و الصبي بتقريب انه اذا كان التغرير و التسبيب حراما بالنسبة الي الكافر و الصبي فبطريق أولي يكون حراما في المقام

______________________________

(1) تحف العقول المطبوع في طهران ص 174 باب ما روي عن امير المؤمنين في كتابه الي الاشتر

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب الاشربة المحرمة الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 93

لاحظ ما رواه الصدوق محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: من سقي صبيا مسكرا و هو لا يعقل حبسه اللّه عز و جل في طينة خبال حتي يأتي مما صنع بمخرج «1» و ما رواه عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم في حديث قال: و من شرب الخمر سقاه اللّه من السم الأساود من سم العقارب الي

أن قال: و من سقاها يهوديا أو نصرانيا أو صابيا أو من كان من الناس فعليه كوزر من شربها «2».

و ما رواه ابو صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المولود يولد فنسقيه الخمر؟ فقال: لا، من سقي مولودا مسكر اسقاه اللّه من الحميم و ان غفر له «3».

و فيه مضافا الي الأشكال في السند لا مجال لاستفادة المدعي من النصوص المشار إليها اذ يمكن ان الشارع له حكم خاص بالنسبة الي الخمر كما يدل علي هذه المقالة النصوص الكثيرة الدالة علي التشديد بالنسبة الي الخمر اضعف الي ذلك ان عنوان السقي لا يصدق علي بيع الدهن و تسليمه الي المشتري.

و منها ما دل علي وجوب اهراق المائعات المتنجسة لاحظ ما رواه ابو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك. في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء «4». بتقريب ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز اعطاء المتنجس للغير. و فيه ان هذه الطائفة من النصوص تدل علي انفعال الماء بملاقاة النجاسة و ان شئت قلت: ارشاد الي نجاسة الماء و لا يستفاد منها الحكم التكليفي فلا يرتبط بالمقام.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب الأشربة المحرمة الحديث 2

(4) الوسائل الباب 8 من ابواب الماء المطلق الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 94

الوجه الثالث: انه يستفاد من ادلة المحرمات انه كما لا يجوز للمكلف أن يرتكب المحرم مباشرة كذلك لا يجوز له أن يسبب

لأن يرتكب غيره من المكلفين و يؤيد المدعي ما دل علي بيع العجين النجس من مستحل الميتة و هو ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه

السلام في العجين من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل الميتة «1» و يؤيد أيضا بما دل علي بيع المختلط من المذكي و الميتة من مستحل الميتة «2».

و فيه أولا صدق عنوان التسبيب بمجرد تسليم الدهن للغير سيما مع الجهل بكونه يأكله اوّل الكلام و ثانيا لا طريق الي اثبات هذه الدعوي فانه اي دليل دل علي هذه الدعوي و دعوي ان العرف يفهم من ادلة المحرمات حرمة التسبيب عهدتها علي مدعيها و ان شئت قلت: كما انه لا يفهم من ادلة الواجبات وجوب تسبيب أن يأتي الغير بها كذلك لا يفهم العرف هذا المعني من ادلة المحرمات و العرف ببابك و أما تأييد المدعي بما ذكر ففيه انه يمكن أن يكون البيع له خصوصية و لذا لا يجوز وضعا من غير المستحل و الا فاي فرق بين المستحل و غيره و الحال ان الكفار كما يكونون مكلفين بالأصول كذلك يكونون مكلفين بالفروع ان قلت: لا اشكال في كون الأحكام الواقعية محفوظة في ظرف الجهل كما حقق في الأصول فالملاكات و الأغراض موجودة في الواقع فكما يحرم علي المكلف أن يخل بالغرض الشرعي و الملاك الواقعي مباشرة كذلك يحرم عليه الإخلال بالنسبة الي الغير قلت: لا اشكال في كون الأحكام الواقعية محفوظة عند الجهل لكن اي دليل دل علي وجوب حفظ الغرض و حرمة الإخلال به فان العقل الحاكم في باب الإطاعة و العصيان يدرك وجوب اطاعة أو امر المولي و الانزجار عن نواهيه و أما الزائد عليه فلا و دعوي

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) راجع ص 49

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 95

ان

العرف يفهم من الأدلة حرمة الإخلال بالغرض الواقعي تحتاج الي الأثبات و الا لو كان التحفظ علي الأغراض لازما و واجبا يجب تسبيب امتثال الواجبات بالنسبة الي عامة المكلفين و أيضا كان اللازم أن يسد كل مكلف أبواب المحرمات الصادرة عن الغير باي نحو كان و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الوجه الرابع: ان النجاسة عيب خفي يجب اظهاره للمشتري

و أورد عليه الماتن قدس سره بأن كون النجاسة عيبا ليس الا لكونه حراما واقعيا فان ثبت ذلك حرم الألقاء فيه و وجب الأعلام و لو مع قطع النظر عن وجوب اعلام العيب و الا لا تكون النجاسة عيبا. و فيه انه لا اشكال في كون النجاسة عيبا في العين في حد نفسه اذ ربما تترتب علي النجاسة مفاسد كثيرة فلا مجال للبحث في كون النجاسة عيبا لكن الكلام في دليل وجوب اعلام العيب الخفي و انما الحرام الغش و ترتفع الحرمة بالبراءة من العيوب و أيضا ترتفع بأن يشترط عليه اي علي المشتري بأن لا يستعمل الدهن فيما يشترط بالطهارة.

الوجه الخامس امره عليه السلام الاعلام في حديث ابن وهب

«1» فان المستفاد من الحديث انه يجب الأعلام كي يترتب عليه الاستصباح و الإنصاف ان دعوي ظهور الرواية في الوجوب التكليفي لا تكون جزافية و لذا لو علم البائع بأن المشتري لا يستعمله الا في الاستصباح لا يجب عليه الأعلام و بعبارة اخري: لا يستفاد من الحديث الوجوب الشرطي و أيضا لا يستفاد منه الوجوب التكليفي التعبدي المحض بحيث يكون الأعلام بما هو واجبا من الواجبات في الشريعة المقدسة.

ثم انه هل يختص وجوب الأعلام بمورد كون المشتري مسلما مباليا أم لا يختص؟ افاد سيدنا الأستاد بالاختصاص و قال اذا كان المشتري كافرا أو مسلما غير مبال بأمر الدين لا يكون واجبا لكون الأعلام لغوا. و يرد عليه أولا: ان ما

______________________________

(1) راجع ص 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 96

افاده علي فرض تماميته انما يتم في مورد العلم بعدم التأثير و أما لو احتمل ان الكافر أو غير المبالي يرتب الأثر علي الأعلام لا يكون وجه لرفع اليد عن الأمر بالأعلام الظاهر في

الوجوب. و ثانيا: لا دليل علي ما أفاده فان المستفاد من الحديث انه يجب الأعلام فيجب الاستصباح و بعبارة واضحة: انه يستفاد من الحديث انه يجب علي البائع أن يعلم و يجب علي المشتري أن لا ينتفع به في غير الاستصباح و ببيان اوضح: يستفاد من الحديث ان الشارع الأقدس يريد ان يتم الحجة علي المشتري باعلام البائع كي لا يتصرف بغير التصرف الخاص المذكور في الحديث و مقتضاه وجوب الأعلام حتي مع العلم بالخلاف.

الوجه السادس: انه لو قلنا باشتراط الاستصباح يجب الأعلام

اذ كيف يمكن الاشتراط المذكور مع عدم لأعلام و يرد عليه أولا انه لا دليل علي وجوب الاشتراط المذكور و لا يستفاد هذا من نصوص الباب و ثانيا: الاشتراط المذكور لا يستلزم الأعلام كما هو ظاهر و ثالثا ان التقريب المذكور لا يقتضي الوجوب التكليفي فلاحظ.

الوجه السابع: ان قوله عليه السلام في حديث ابن وهب بينه لمن اشتراه

ليستصبح به «1» يدل علي وجوب الأعلام لأن لا يصرفه في غير الإسراج فانه لا ترتب بين الأعلام و الإسراج فيجب الأعلام بهذا التقريب. و فيه ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز الانتفاع من الدهن الا في الإسراج و وجوب الأعلام مقدمة لأن يعلم المشتري ان الدهن نجس و لا يجوز له أن يستعمله الا في الإسراج و بعبارة واضحة:

لا يستفاد من الحديث ان الأعلام واجب كي لا يقع المشتري في الحرام فيقال يستفاد من الرواية ان تغرير الغير و لو بهذا المقدار حرام بل المستفاد منها ان الشارع الأقدس في مقام بيان انه لا يجوز استعمال الدهن المتنجس الا في الاسراج اضف

______________________________

(1) راجع ص 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 97

الي ذلك انه يمكن أن يشترط عليه أن لا يصرفه في غير الإسراج بدون أن يعلمه بالنجاسة.

الوجه الثامن: ان اعطاء الدهن النجس للجاهل اغراء بالحرام

و هو قبيح عقلا، و فيه أولا: ان صدق الأغراء علي الإعطاء الساذج فيه اشكال و ثانيا: ان قبح اغراء الغير بالحرام عقلا اوّل الكلام اذ كيف يمكن أن يدرك العقل قبح فعل ما دام لم يصل الي حد الظلم و ثالثا: فرضنا انه قبيح عقلا لكن اي دليل علي وجوب متابعة الحكم العقلي؟ ان قلت: مقتضي قاعدة الملازمة بين الحكم العقلي و الشرعي حرمته شرعا قلت: كيف يمكن استكشاف الحكم الشرعي من طريق العقل مع الجهل بالملاكات و المصالح و المفاسد.

الوجه التاسع: قوله تعالي: [وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ]

وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَيَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «1» بتقريب: انه يستفاد من الآية ان التسبيب الي الحرام حرام.

و فيه أولا: ان صدق التسبيب علي مجرد اعطاء الدهن النجس للغير اوّل الكلام و الأشكال و ثانيا: ان الآية واردة في مورد خاص و المناسبة تقتضي الأهمية الخاصة فان سب ذاته تعالي جرم عظيم لا يقاس به غيره من المحرمات.

الوجه العاشر: ما رواه ابن الحجاج عن أبي الحسن موسي عليه السلام

في رجلين يتسابان قال: البادي منهما اظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم «2». بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان ايجاد السبب و الداعي لارتكاب الحرام حرام. و فيه انه حكم وارد في مورد خاص و بعبارة اخري: السب بنفسه حرام و نحو من التعدي و لا يجوز و بمقتضي هذه الرواية البادي منهما أظلم

______________________________

(1) الانعام 108

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 360 باب السباب الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 98

و يكون وزر صاحبه عليه و لا مجال لقياس المقام بذلك الباب.

الوجه الحاد يعشر: ان استناد الفعل الي السبب اولي من استناده الي المباشر فتكون نسبة الحرام الي السبب أولي و لذا يستقر الضمان علي السبب دون المباشر في موارد الضمانات. و فيه انه لا اشكال في عدم استناد الفعل الي السبب و بعبارة اخري: أكل الدهن النجس يستند الي المباشر لا الي السبب و أما قرار الضمان من باب صدق الإتلاف في بعض الموارد كمن يفتح باب القفس فيطير الطائر فانه يصدق علي الفاتح انه اتلف الطائر فلاحظ.

الفرع الثاني انه هل يحرم اكراه الغير علي ارتكاب الحرام كالإكراه علي شرب المسكر مثلا أم لا؟

الحق انه يحرم لا بتقريب ان حرمته مستفادة من ادلة المحرمات- كما في كلام سيدنا الأستاد- فان هذا التقريب مخدوش و لا دليل عليه بل للضرورة و انه لا اشكال لأحد في حرمته مضافا الي أنه تعد بالنسبة الي الغير و لا يجوز التعدي الا أن يقال انه لا كلية له اذ ربما يكون المكره بالفتح راضيا بالإكراه كي يرتكب الحرام الفلاني بطريق شرعي فلا يصدق التعدي و علي الجملة: لا اشكال في حرمته أضعف الي ذلك انه كيف يمكن الالتزام بالجواز مع وجوب النهي عن

المنكر فهل يمكن أن يحكم الشارع الأقدس بوجوب النهي عن المنكر و مع ذلك يجوز الإكراه علي ارتكاب الحرام فانه جمع بين المتنافيين الا أن يقال ان النهي عن المنكر انما يكون موضوعه فيما يعلم الفاعل بحرمة الفعل و أما مع جهله بالحرمة فلا تكون الحرمة منجزة في حقه كي تصل النوبة الي النهي عن المنكر و عليه يقع الكلام في أنه هل يحرم مع جهل الطرف بالحرمة أم لا يحرم في هذه الصورة؟

و لا يبعد أن يقال انه حرام أيضا اذا كراه الغير علي أمر من دون حق يكون مصداقا للتعدي فلا يجوز.

الفرع الثالث: انه هل يجوز ايجاد الداعي لأن يرتكب الغير الحرام

بأن يقدم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 99

له طعاما حراما ليأكل أو يصف الحرام باوصاف مرغبة للغير في الارتكاب أم لا يجوز؟ فنقول: تارة يكون الغير عالما بالحرمة بحيث يكون الحكم من قبل الشارع منجزا في حقه و اخري لا يكون عالما و يكون معذورا أما علي الأول فلا اشكال في عدم الجواز اذ كيف يمكن أن يكون جائزا مع وجوب النهي عن المنكر فان مرجعه الي الجمع بين المتنافيين و أما مع الجهل العذري فاثبات الحرمة مشكل و متوقف علي قيام اجماع تعبدي كاشف عن رأي الشارع الأقدس.

الفرع الرابع: انه اذا كان فعل المكلف مقدمه لارتكاب الحرام

بلا أن يكون داعيا له كما لو أراد أحد أن يرتكب محرما من المحرمات و الاخر يعاونه و في الصورة المفروضة تارة يكون الفاعل جاهلا بالحرمة جهلا عذريا و اخري يكون عالما أما في الصورة الاولي فلا تكون اعانته حراما لعدم الدليل عليها و أما مع العلم بالحرمة و صدق الاعانة يكون الحكم بالحرمة متوقفا علي حرمة الاعانة علي الاثم و لا دليل عليها فان الدليل قائم علي حرمة التعاون لكن مع اجتماع شرائط النهي عن المنكر يجب النهي بلا اشكال و لا كلام.

الفرع الخامس: انه لا يجب اعلام الجاهل بالموضوع

فلو رأي احد ان زيدا يشرب الخمر بتخيل انه ماء لا يجب اعلامه لعدم الدليل علي الوجوب بل الدليل قائم علي عدم الوجوب لاحظ النصوص الواردة في الباب منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يري في ثوب أخيه دما و هو يصلي قال: لا يؤذنه حتي ينصرف «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده 2 و صفوة القول: ان اعلام الجاهل بالموضوع

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 47 من ابواب النجاسات الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 100

الخارجي لا دليل علي وجوبه نعم يجب الاعلام فيما علم من الشارع اهتمامه به بحيث لا يريد وجوده في الخارج كما لو نكح احدي محارمه بسبب الجهل بالموضوع و امثال ما ذكر.

الفرع السادس: انه لا اشكال في وجوب النهي عن المنكر

حتي بالنسبة الي الجاهل اذا كان جهله تقصيريا و يكون الحكم منجزا في حقه و ذلك لوجوب النهي عن المنكر المستفاد من دليله.

الفرع السابع: انه هل يجب تعليم الاحكام الكلية الالهية؟

لا اشكال في وجوبه في الجملة فانه يستفاد من آية النفر وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ «1»، ان تبليغ الاحكام واجب كفاية و تؤيد الآية عدة نصوص منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قرأت في كتاب علي عليه السلام ان اللّه لم يأخذ علي الجهال عهدا بطلب العلم حتي أخذ علي العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لان العلم كان قبل الجهل «2».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّه «3».

و منها ما رواه يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قام عيسي بن مريم عليه السلام خطيبا في بني اسرائيل فقال: يا بني اسرائيل لا تحدثوا الجهال بالحكمة فتظلموها، و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم «4».

______________________________

(1) التوبة 122

(2) الاصول من الكافي ج 1 باب بذل العلم ص 41 حديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر ص 42 حديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 101

و لكن هل يجب تعليم كل جاهل بالحكم بحيث يجب علي كل واحد من المكلفين اعلام غيره اي الجاهل بالحكم؟ الانصاف ان الجزم به مشكل فان السيرة الخارجية حتي من المتشرعة علي خلافه و بعبارة واضحة: لا اشكال في وجوب تبليغ الاحكام بطرق التبليغ من القول و الكتابة و امثالهما بحيث يقدر الجاهل أن يتعلم و

أما وجوب تبليغ آحاد الناس واحدا واحدا و لو مع عدم الحرج أو الضرر فالالتزام به في غاية الاشكال و يمكن الاستدلال علي المدعي بأن الائمة عليهم السلام في أزمنتهم لم يكن ديدنهم علي تبليغ آحاد الناس بأن يذهبوا بنفوسهم المقدسة الي دار زيد و عمرو و بكر و خالد للتبليغ و اللّه العالم.

الفرع الثامن: انه هل يحرم استصباح الدهن النجس تحت الظلال أم لا؟
اشارة

ما يمكن ان يذكر في مقام الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول: الاجماع

. و فيه انه علي تقدير حصوله و تحققه يمكن استناده الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: الشهرة الفتوائية

و فيه ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة.

الوجه الثالث: ما ارسله الشيخ في المبسوط

انه رووا اصحابنا أن يستصبح به تحت السماء دون السقف «1»، و فيه ان المرسل لا اعتبار به و انجباره بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا.

الوجه الرابع: ان الاسراج به تحت السقف يوجب تنجس السقف

. و فيه أولا: يمكن أن يقال ان دخانه بالاستحالة يصير طاهرا و ثانيا: انه يمكن أن لا يصل الدخان الي السقف و ثالثا: لا وجه لحرمة التنجيس فانه لا دليل علي حرمة تنجيس السقف فالحق جوازه اي جواز الاستصباح تحت السقف.

______________________________

(1) المبسوط ج 6 ص 283

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 102

الفرع التاسع: هل يجوز الانتفاع بالدهن النجس في غير الاسراج أم لا؟

الحق هو الثاني وفاقا لابن ادريس في السرائر علي ما نقل عنه الماتن قدس سره حيث قال: لا يجوز الادهان به و لا استعماله في شي ء من الاشياء عدا الاستصباح تحت السماء الخ و الدليل علي هذه الدعوي ما رواه ابن وهب «1» فان المستفاد من الحديث ان الغرض من اعلام النجاسة ان المشتري يعلم بأنه لا ينتفع به الا في الاستصباح و الا لو كان الانتفاع به جائزا في غير الاسراج لم يكن وجه لتخصيص الاستصباح بالذكر و العرف ببابك و لا دليل علي جواز استعماله في غير الاسراج نعم يستفاد من حديثين احدهما ما عن الجعفريات «2» ثانيهما ما عن دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن قال: «ان كان جامدا ألقاها و ما حولها و أكل الباقي، و ان كان مائعا فسد كله و يستصبح به، و سئل أمير المؤمنين يعني عليا عليه السلام عن الدواب تقع في السمن و العسل و اللبن و الزيت (فتموت فيه) قال: ان كان ذائبا اريق اللبن و استسرج بالزيت و السمن الي أن قال- و قال عليه السلام في الزيت يعلمه صابونا ان شاء «3» جواز جعله صابونا.

لكن الحديثين ضعيفان سندا مضافا الي ما عن موسي بن جعفر عليه السلام

قال:

سألته عن حب دهن ماتت فيه فأرة قال: لا تدهن به و لا تبعه من مسلم «4»، فان المستفاد من هذا الحديث عدم جواز الأدهان به بل الرواية تشعر بعدم جواز الانتفاع به علي الإطلاق و يمكن الاستدلال علي المدعي أيضا بما رواه ابن وهب «5» أيضا

______________________________

(1) راجع ص 88

(2) راجع ص 89

(3) مستدرك الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 5

(5) راجع ص 880

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 103

فان المستفاد من هذه الرواية انه بجوز الانتفاع بالدهن النجس في خصوص الإسراج اذ لو كان الانتفاع به جائزا في غيره لم يكن وجه لتخصيص الإسراج بالذكر و ان شئت قلت: ان مقتضي الإطلاق المقامي عدم جواز الانتفاع بغير الإسراج و لكن يستفاد جواز الانتفاع به في غير ما يشترط فيه الطهارة مما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام، قال سألته، عن الفارة و الكلب اذا أكلا من الجبن و شبهة أ يجل أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يحل الباقي قال: و سألته عن فارة أو كلب شربا من زيت أو سمن قال: ان كان جرة أو نحوها فلا تأكله و لكن ينتفع به لسراج أو نحوه «1» فان المستفاد من الحديث جواز الانتفاع في غير الإسراج اذا كان نحو الاسراج و علي فرض التعارض بين هذه الرواية و حديث ابن وهب يكون الترجيح بالاحدثية مع حديث ابن جعفر.

الفرع العاشر: انه هل يجوز الانتفاع بالمتنجسات بحسب القواعد الأولية أم لا؟

لا أشكال في أن مقتضي اصالة البراءة جواز الانتفاع و استدل الشيخ قدس سره علي الجواز بقوله تعالي هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ

جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَويٰ إِلَي السَّمٰاءِ فَسَوّٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ «2» و تقريب الاستدلال بالآية علي المدعي ان اللّه تبارك و تعالي خلق جميع الأشياء لان ينتفع بها البشر فكل انتفاع من كل شي ء جائز الا ما خرج بالدليل و أورد عليه سيدنا الاستاد علي ما في التقرير: بأن الآية لا تكون دالة علي المدعي اذ المراد من الآية الشريفة اما بيان ان الغاية للخلقة هو الانسان و بعبارة اخري: ان خلق كل شي ء مقدمة لخلق الانسان و هذا لا ينافي حرمة بعض الاشياء، و اما ناظرة الي خلق الاشياء لاجل الاستدلال بها علي وجوده تعالي و أي نفع أعظم من هذا الانتفاع فعلي كلا التقديرين لا تكون الآية دالة علي المدعي «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث: 2

(2) البقرة 29

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 128

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 104

و يرد عليه: ان الميزان الكلي في استفادة المراد من الالفاظ بالظهورات العرفية و الظاهر ان الآية الشريفة تكون ظاهرة في أن كل شي ء خلق لان ينتفع به الانسان و لا دليل علي ما رامه فالدليل الاجتهادي و الفقاهتي قائم علي جواز الانتفاع بالمتنجس و الخروج من القاعدة و الالتزام بالحرمة يتوقف علي قيام دليل عليه.

و ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة جملة من الآيات و الرويات أما الآيات فمنها قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» بتقريب ان المتنجس من مصاديق الرجس فيجب الاجتناب عنه و مقتضي اطلاق الاجتناب حرمة الانتفاع به علي الاطلاق و تخصيص الحكم بالانتفاع الخاص و هو المناسب لذلك الشي ء كالشرب بالنسبة الي الخمر كما

في كلام سيدنا الاستاد علي ما في التقرير، لا وجه له فان المفروض تمامية مقدمات الحكمة و لا وجه لرفع اليد عن الاطلاق و علي فرض تمامية ما أفاده فانما هو فيما يذكر في الدليل عنوان خاص كالخمر فربما يقال ان المستفاد من قول المولي اجتنب عن الخمر الاجتناب عن شربه و أما لو لم يكن كذلك كما في المقام اذ المذكور في الآية عنوان الرجس الشامل لكثير من الاشياء فلا وجه للتخصيص و بعبارة أخري: لم يذكر عنوان خاص كي يقال المنهي عنه ما يناسبه بل المذكور في الآية عنوان عام و هو عنوان الرجس فالحق في الجواب أن يقال ان المذكور في الآية عنوان الرجس مقيدا يكونه من عمل الشيطان فيلزم ان يتحفظ علي الموضوع و يرتب عليه الحكم و حيث انا لا ندري كون المتنجس من عمل الشيطان، لا مجال لان يؤخذ بدليل الحرمة.

و ان شئت قلت: التمسك بالإطلاق فرع احراز الموضوع و مع الشك أو العلم بالعدم لا مجال للأخذ بالإطلاق كما هو ظاهر مضافا الي أنه لو تنزلنا عن الجواب الاول لكن نقول: علي فرض صدق الرجس علي النجس لا يبعد أن يكون المنصرف

______________________________

(1) المائدة/ 90

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 105

إليه اللفظ العناوين الاولية و هي الاعيان النجسة و أما المتنجس فصدق العنوان عليه أول الكلام و الاشكال و أما ما في كلام سيدنا الاستاد من أنه لو تنجس بدن شخص لا يقال فلان رجس، ففيه انه لا ينافي المدعي اذ حمل الرجس علي الشخص يتوقف علي كون ذاته رجسا لا بدنه نعم اذا لم يصح صدق عنوان الرجس علي بدنه النجس يكون شاهدا علي المدعي لان

عدم صحة الحمل من علامات المجاز.

و منها: قوله تعالي و الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» بتقريب: ان المتنجس من مصاديق الرجز فيجب هجره. و فيه: ان المستفاد من كلماتهم ان الرجز يطلق علي العذاب و هجره الهجر من موجباته و بعبارة واضحة: كون المراد من الرجز الوارد في الآية النجس غير ظاهر و ذكر في بعض التفاسير ان المراد من الآية الهجر عن العذاب فلا يمكن الاستدلال بالآية علي المدعي مع عدم احراز الموضوع كما هو ظاهر.

و منها قوله تعالي وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «2» بتقريب أن عنوان الخبيث يطلق علي المتنجس و مقتضي اطلاق الآية حرمة جميع الانتفاعات منه و فيه ان الحرمة لا تتعلق بالاعيان الخارجية الا مع التقدير اذ متعلق الاحكام الشرعية هي الافعال لا الأعيان و حيث انه يطلق الخبيث علي بعض الافعال كما اطلق علي اللواط في قوله تعالي وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «3» فلا ترتبط الآية بالمقام و بعبارة واضحة: لا مجال للتقدير اذ المفروض ان عنوان الخبيث يحمل علي جملة من الافعال كما اطلق في الآية علي اللواط مضافا الي أن الخبيث بماله من المعني لا يطلق علي المتنجس بما هو كذلك و علي فرض الشك في الصدق لا مجال للأخذ بإطلاق الدليل فلاحظ.

______________________________

(1) المدثر/ 5

(2) الاعراف/ 157

(3) الأنبياء/ 74

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 106

و اما الروايات فمنها حديث تحف العقول حيث قال عليه السلام او شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام و محرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و امساكه و التقلب فيه فجميع تقلبه في ذلك حرام «1» بتقريب:

ان المستفاد من الحديث عدم الانتفاع بالنجس و من مصاديقه المتنجس. و فيه قد مر انه ضعيف سندا و لا جابر له فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته و النقاش فيها.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام سئل عن قدر طبخت و اذا في القدر فأرة قال: يهرق مرقها، و يغسل الحلم و يؤكل «2» بتقريب: ان الأمر باهراق المرق يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمرق المتنجس اذ لو كان جائزا و لو في الجملة لم يكن وجه لأمره باهراقه. و فيه ان الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بدلالتها. و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي، و ان كان ذائبا فلا تأكله، و استصبح به و الزيت مثل ذلك «3». بتقريب: ان الأمر بإلقاء ما لاقي الميتة يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس. و فيه ان المستفاد من الحديث بقرينة السياق عدم جواز الأكل مضافا الي أن ثبوت المدعي في مورد خاص لا يدل علي الكبري الكلية فانا قد استفدنا من حديث ابن وهب «4» ان الدهن المتنجس لا يجوز الانتفاع به في غير الإسراج.

و منها ما رواه ابن وهب «5» بتقريب ان المستفاد من الحديث عدم الانتفاع بالمتنجس و الا لم يكن وجه لالقاء ما حول الجرذ. و فيه انه يستفاد من الحديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الماء المضاف الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 1

(4) لاحظ 88

(5) لاحظ 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 1، ص: 107

عدم جواز الانتفاع بالدهن النجس في غير الاستصباح لكن حيث ان ما حول الجرذ قليل فلا يكون قابلا للإسراج و بعبارة واضحة: هذه الرواية من ادلة جواز الانتفاع بالدهن النجس في خصوص الإسراج مضافا الي ما مر آنفا أن ثبوت المدعي في مورد خاص لا يكون دليلا عليه علي نحو الاطلاق و العموم.

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه، فقال: ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا فانه ربما يكون بعض هذا، فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فارفعه حتي تسرج به و ان كان ثردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه «1»، و تقريب المدعي بالحديث ظاهر، و الجواب قد ظهر مما مر و علي الجملة يستفاد من الحديث ان الدهن النجس لا ينتفع به في غير الإسراج.

و منها ما رواه ابن جعفر في كتابه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال:

سألته عن الفأرة تموت في السمن و العسل الجامد أ يصلح أكله؟ أقال: اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه و كل ما بقي و لا بأس «2» و التقريب ظاهر و الجواب ان الأمر بالطرح لا يبعد أن يكون لقلته حيث أنه لا يكون قابلا للإسراج و أن أبيت عن الدلالة علي عدم الانتفاع علي نحو الإطلاق يقيد بما يدل علي جواز الإسراج.

و منها ما رواه ابن جعفر أيضا عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال سألته عن الفارة و الكلب اذا أكلا من الجبن و شبهه أ يحل

أكله؟ قال: يطرح منه ما أكل و يحل الباقي «3» و التقريب هو التقريب، و الجواب ان المستفاد من الحديث حرمة أكل ما لاقي النجس و هذا لا اشكال فيه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الاطعمة المحرمة الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 8

(3) الوسائل الباب 45 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 108

و منها ما رواه زكريا بن آدم قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير، قال: يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمة، أو الكلب و اللحم اغسله و كله «1» و الاستدلال علي المدعي بالرواية بالتقريب المتقدم و فيه ان السند ضعيف فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه أناء ان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لا يدري أيهما هو، و ليس يقدر علي ماء غيره قال يهريقهما جميعا و يتيمم «2» بتقريب أن الأمر باهراقهما يدل علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس و فيه أنه لا يبعد أن يستفاد من الحديث جواز اهراقهما لأن يتمكن من التيمم و بعبارة أخري لا يستفاد من الحديث أن الإنائين لا ينتفع بما فيهما من الماء.

و منها ما ورد في اهراق الماء الملاقي مع النجاسة لاحظ ما رواه ابو بصير عنهم عليهم السلام قال: اذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فان أدخلت يدك في الماء و فيها شي ء من ذلك فاهرق ذلك الماء «3».

و ما رواه أحمد بن محمد بن أبي

نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة، قال: يكفي الاناء قال في القاموس كفأه كمنعه كبه و قلبه كأكفأه 4.

و ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل أن يفرغ علي كفيه؟ قال: يهريق من الماء ثلاث جفنات و ان لم

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من ابواب النجاسات الحديث 8

(2) الوسائل الباب الباب 8 من ابواب الماء المطلق الحديث 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 109

يفعل فلا بأس، و ان كانت أصابته جنابة فادخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي ء من المني و ان كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل ان يفرغ علي كفيه فليهرق الماء كله «1» و ما رواه أبو بصير «2».

فان هذه النصوص تدل علي عدم جواز الانتفاع بالماء المتنجس. و فيه أنه لا يبعد أن يستفاد من هذه الطائفة من النصوص انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة و لذا لا يفهم من هذه الطائفة عدم جواز سقي الاشجار و اشباهه به مما لا يشترط فيه الطهارة و أن أبيت عما ذكرناه و قلت انها تدل علي المدعي قلت: انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي منه الي الموارد الاخر مضافا الي وضوح جواز الانتفاع بالماء المتنجس في المنافع الاخر و لا يبعد أن يقال ان السيرة من المتشرعة جارية علي الانتفاع به في غير المشروط بالطهارة.

و منها ما ورد في حرمة الانتفاع بالدهن المتنجس في غير الاسراج و فيه أولا أنه علي

تقدير التسليم لا وجه للتعدي عن مورده الي غيره من الموارد و ثانيا: أنه قد مر منا أن النص الخاص قد دل علي جواز الاسراج و نحوه لاحظ ما رواه ابن جعفر «3» فان المستفاد من هذا الحديث جواز الاسراج و نحوه.

و بعبارة اخري: مقتضي حديث علي بن جعفر جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في غير ما يشترط فيه الطهارة و بهذا الحديث نقيد حديث ابن وهب «4» فان المستفاد من ذلك الحديث عدم جواز استعماله في غير الاستصباح بلا فرق بين المشروط بالطهارة و عدمه و حديث ابن جعفر يدل علي الانتفاع به في غير ما يشترط فيه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 11

(3) لاحظ ص 103

(4) لاحظ 88

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 110

الطهارة و حيث انه أخص من تلك الرواية نقيدها بهذا الحديث و بهذا التقريب نقول: لو سلمنا دلالة احاديث الاهراق علي الحرمة علي نحو الاطلاق نقيدها بحديث ابن جعفر.

و ربما يستدل علي المدعي بالإجماع و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل و علي فرض حصوله يحتمل أن يكون مدركيا فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا فالنتيجة عدم قيام دليل علي المدعي فيجوز الانتفاع بالمتنجس الا ما ثبتت حرمته بالدليل الخاص.

الفرع الحاد يعشر: انه هل يحل الانتفاع بالأعيان النجسة كالانتفاع بالعذرة للتسميد أم لا؟ الظاهر انه لو لا دليل خاص علي الحرمة لا وجه لها و مقتضي اصالة البراءة الجواز و يمكن الاستدلال علي الحرمة بالوجوه المتقدمة التي استدل بها علي عدم جواز الانتفاع بالمتنجس و لكن قد تقدم الجواب عن تلك الوجوه و ربما يتمسك علي المدعي بقوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ

الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّٰهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ مٰا أَكَلَ السَّبُعُ إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ وَ مٰا ذُبِحَ عَلَي النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلٰامِ «1»، بتقريب: أن مقتضي الإطلاق حرمة مطلق الانتفاع بالمذكورات. و فيه ان الحرمة لا تتعلق بالعين الخارجية فلا بد من تقدير المضاف و المناسبة بين الموضوع و الحكم تقتضي تقدير ما يناسب الموضوع الذي علقت عليه الحرمة ففي مورد الآية المناسب هو الأكل و في قوله تعالي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ «2» مقتضي التناسب تقدير النكاح و هكذا مضافا الي أن ثبوت عموم الحكم في مورد لا يكون دليلا علي حرمة الانتفاع علي الإطلاق من كل نجس و القول بعدم الفصل لا يرجع الي محصل كما أن الإجماع

______________________________

(1) المائدة/ 3

(2) النساء/ 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 111

المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فالنتيجة جواز الانتفاع بالأعيان النجسة الا فيما علم بالخصوص حرمته في مورد خاص.

الفرع الثاني عشر: أن الحق جواز بيع المتنجس وضعا

فان مقتضي ادلة جواز البيع و صحته جواز بيع المتنجسات ما دام لم يقم دليل علي التخصيص و لا يتوقف الجواز علي القول بجواز الانتفاع كما قلنا أنه يجوز فأنه لا يشترط في المبيع كونه ذا مالية كما أنه لا دليل علي اشتراط عدم كونه محرما و قد تقدم كرارا عدم تمامية الأخبار العامة التي تعرضناها في اوّل البحث تبعا للماتن و قلنا أن عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعف سنده كما ان اعراض المشهور عن حديث معتبر لا يوجب سقوطه عن الاعتبار فالنتيجة جواز بيع المتنجس

وضعا.

الفرع الثالث عشر: مقتضي أصالة الحلية شرعا و قبح العقاب بلا بيان عقلا جواز بيع المتنجس تكليفا.
الفرع الرابع عشر: هل يحل بيع الأعيان النجسة وضعا أم لا؟

الكلام فيه هو الكلام فانه لو لا دليل خاص دال علي الحرمة في مورد كما قام في بيع الخمر و نحوه لا يكون وجه للفساد و قد ظهر مما تقدم ما يمكن أن يستدل به علي المنع مع جوابه فلاحظ.

الفرع الخامس عشر: أنه هل يجوز بيع الاعيان النجسة تكليفا

فانه ان لم يقم دليل علي المنع لا مقتضي للحرمة علي نحو الاطلاق أو العموم و بعبارة أخري مقتضي الاصل الاولي شرعا و عقلا هو الجواز فاذا ثبتت الحرمة في مورد كما ثبتت في بيع الخمر نلتزم بها و الا فلا فلاحظ.

الفرع السادس عشر: أنه لو سقطت عين عن المالية هل يمكن اثبات حق الاختصاص فيها أم لا؟
اشارة

و يقع الكلام في هذا المقام في جهات عديدة:

الجهة الأولي أن مالية الاشياء بلحاظ المنافع الموجودة فيها

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 112

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 112

و تلك المنافع توجب رغبات الناس فيها، و زيادة المالية و قلتها بحسب كثرة الرغبات فيها و قلتها و اذا لم يكن شي ء ذا فائدة موجبة للرغبة فيه لا يصدق عنوان المال علي ذلك الشي ء.

الجهة الثانية: اذا كانت عين ذو مالية ملكا لاحد ثم سقطت عن المالية هل تسقط عن الملكية أم لا؟

الظاهر أنه لا وجه لسقوطها عن الملكية فان النسبة بين المال و الملك عموم من وجه فربما يكون شي ء مالا و لا يكون ملكا كالجواهر التي لا تكون مملوكة لاحد و ربما يكون علي العكس كالا ملاك التي لا مالية لها و ربما يجتمعان كالأموال المملوكة فلا دليل علي كون السقوط عن المالية ملازما للسقوط عن الملكية بل الدليل قائم علي الخلاف فانه لا شبهة في أن الاموال التي تسقط عن المالية باقية علي مملوكيتها لملاكها عند العقلاء و الشارع الاقدس لم يردع عن هذه السيرة العقلائية.

الجهة الثالثة: في أنه هل يمكن اثبات حق الاختصاص في قبال الملكية أم لا؟
اشارة

و الذي يظهر من بعض الكلمات أن المنشأ لهذا البحث أن العين المملوكة لشخص اذا سقطت عن المالية سقطت عن الملكية أيضا لكن يبقي في العين حق الاختصاص

و ذكرت لاثبات الحق المذكور وجوه:
الوجه الأول: أن حق الاختصاص سلطنة ثابتة في الاموال

و هي غير الملكية فاذا زالت الملكية تبقي تلك السلطنة بحالها و لا تزول.

و فيه أنه لا دليل علي هذه الدعوي و ان كانت ممكنة في مقام الثبوت و الامكان.

الوجه الثاني: أن حق الاختصاص مرتبة ضعيفة من الملكية

فاذا زالت الملكية التي هي المرتبة الشديدة تبقي تلك المرتبة الضعيفة لعدم الملازمة بين القوي و الضعيف في السقوط. و فيه أن الملكية الاعتبارية أمر بسيط و لا يكون ذا اجزاء و مراتب بحيث يبقي مقدار منها و يزول مقدار آخر و ان شئت قلت لا دليل علي هذا المدعي مضافا الي أن قوام الملكية باعتبار من بيده الامر فعلي تقدير اعتباره تكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 113

الملكية باقية و علي تقدير عدم اعتباره تزول و لا تكون الملكية مثل الاعراض الخارجية كالسواد بحيث تزول المرتبة منه و تبقي مرتبة اخري منه فلاحظ.

الوجه الثالث: أنه قد ثبت في الشريعة المقدسة بالسيرة و بالنص عدم جواز التصرف في مال الغير

لاحظ ما رواه سماعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام (في حديث) أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ما له الا بطيبة نفس منه «1» فاذا زالت الملكية نشك في زوال ذلك الحكم و نحكم ببقائه بمقتضي الاستصحاب و فيه أولا: أن الاستصحاب الجاري في الاحكام الكلية معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا: أن الحكم المذكور مترتب علي عنوان المال و مع زوال هذا العنوان لا مجال لبقاء الحكم و ببيان أوضح لا مجال للاستصحاب مع انتفاء الموضوع.

الوجه الرابع: الاجماع

و فيه أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الخامس قوله: «من حاز ملك»

بتقريب أن مقتضي الحديث المذكور بقاء الملكية بعد سقوط الشي ء عن المالية. و فيه أولا أن كون الجملة المذكورة مقول قول المعصوم عليه السلام أول الكلام و الاشكال و ثانيا الكلام في حق الاختصاص بعد زوال الملكية و المذكور في الجملة المنقولة عنوان تحقق الملكية بالحيازة و ثالثا: أن اثبات الملكية في العين المملوكة بعد سقوط المالية عنها لا يحتاج الي دليل كي يستدل بالمرسلة المنقولة.

الوجه السادس: قوله صلي اللّه عليه و آله من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 114

فهو أحق به «1» و فيه أولا أنه ضعيف سندا و ثانيا أنه لا اشكال في بقاء الملكية بعد زوال المالية فلا يحتاج الي التماس دليل علي بقاء الحق.

الجهة الرابعة: هل توجب الحيازة الملكية أم لا؟

لا اشكال في أن حيازة المباحات توجب صيرورتها مملوكة للحائز و السيرة العقلائية الخارجية جارية عليه و الشارع الاقدس لم يردع عنها و أمضاها فلا مجال لان يقال انه لا دليل علي كون الحيازة مملكة.

الجهة الخامسة: في أنه هل يشترط في حصول الملكية بالحيازة قصد التملك أو قصد الانتفاع أو لا

يشترط بشرط بل تحصل الملكية بمجرد الحيازة قال سيدنا الاستاد في هذا المقام ان حق الاختصاص بالمحيز يحصل بمجرد تحقق الحيازة لعدم دليل علي الاشتراط و التقييد «2».

و يرد عليه أولا أن الحق أن الحيازة تقتضي الملكية لا حق الاختصاص اذ لا دليل علي حق الاختصاص في قبال الملكية، و ثانيا أنه لا مجال للأصل في امثال المقام بل مقتضي الاصل عدم تحقق الملكية أو عدم تحقق حق الاختصاص الا مع اجتماع قيود المحملة و بعبارة أخري الامور الوضعية اذا لم يكن عليها اطلاق أو عموم يكون مقتضي الاصل عدم تحققها الا فيما يجتمع فيه القيود التي يمكن اعتبارها فيها فالنتيجة أن الحيازة انما تفيد الملكية فيما يكون الغرض منها التملك الا أن يثبت جريان السيرة المتشرعة علي كفاية مجردها في حصول الملكية.

الجهة السادسة: في أنه هل يتحقق حق الاولوية بالسبق في الاماكن المشتركة

كالمساجد و المشاهد المشرفة و نحوهما؟ قد وردت في المقام جملة من النصوص

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 4

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 146

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 115

منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق الي مكان فهو أحق به الي الليل و كان لا يأخذ علي بيوت السوق كراء «1».

و منها ما رواه اين أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سوق المسلمين كمسجدهم يعني اذا سبق الي السوق كان له مثل المسجد 2.

و منها رواه وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كره أن يأخذ من سوق المسلمين أجرا 3.

و منها ما رواه محمد بن اسماعيل عن بعض أصحابنا عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجي فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال: من سبق الي موضع فهو أحق به يومه و ليلة «4» و منها قوله صلي اللّه عليه و آله من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو احق به «5» و هذه النصوص كلها ضعيفة لكن لا اشكال في ثبوت الاولوية للسابق في الاماكن المشتركة و لا يجوز لاحد أن يزاحم السابق نعم يشترط ثبوت الحق بأن حيازته للمحل لاجل الانتفاع به نفعا مقصودا و غاية من ذلك المحل كما لو سبق أحد الي مكان من المسجد لاجل الصلاة فيه، و أما لو لم يكن كذلك فلا يثبت الحق للسابق و الا كان لازمه جواز اشغال المكان و عدم رفع اليد عند الا باخذ مال في مقابله و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

الفرع السابع عشر: أن حق الاختصاص علي فرض الالتزام به هل يكون قابلا للإسقاط؟

الظاهر أنه لا دليل عليه الا أن يقال أن عدم الدليل علي بقائه بعد الاسقاط

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 17 من ابواب آداب التجارة الحديث 1 و 2 و 3

(4) الوسائل الباب 56 من أبواب احكام المساجد الحديث 1

(5) لاحظ ص 113

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 116

يكفي للالتزام بسقوطه لانه مع الشك لا طريق الي احرازه الا الاستصحاب و قلنا مرارا أن الاستصحاب لا يجري في الاحكام الكلية الالهية لمعارضته باصالة عدم الجعل الزائد.

ثم انه هل يكون قابلا لأن ينقل الي الغير بصلح أو بشرط في ضمن العقد أو نحوهما أم لا؟ مقتضي الأصل الأولي عدم الجواز اذ قد ذكرنا قريبا أن الأمر الوضعي لو لم

يكن عليه دليل يكون مقتضي الأصل عدم تحققه، نعم الظاهر أنه لا اشكال في أنه لو اعرض عن حقه يجوز لغيره أن يتصرف في مورد الحق فان الأعراض عن الملك يوجب خروجه عن ملك المعرض فكيف بحق الاختصاص هذا علي فرض القول به و لكن لا دليل علي ثبوته و تحققه حتي في الخمر التي صارت خلافان مقتضي القاعدة بقائها في ملك مالكها.

بقي شي ء في المقام و هو أنه لو كانت عين مملوكة لاحد و لا تكون لها مالية عقلائية عرفية هل يجوز التصرف فيه بدون اذن مالكه؟ الذي يختلج بالبال أن يقال مقتضي السيرة العقلائية عدم الجواز و لا يبعد أن السيرة المتشرعية علي طبق السيرة العقلائية و قد ورد في المقام حديث عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه، الا باذنه «1» و لكن الحديث ضعيف سندا مضافا الي أن مورده المال لا الملك فقط فلا اثر له للمدعي.

«قوله قدس سره: و جعل هذا من المستثني عن بيع الاعيان النجسة … »

أقول البحث في جواز المعاوضة علي الاعيان النجسة فيكون استثناء الدهن المتنجس منقطعا علي كل تقدير اذ المفروض أن الدهن المتنجس ليس داخلا في

______________________________

(1) المستدرك الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 117

الاعيان النجسة بلا فرق بين القول بجواز الانتفاع به و عدمه و بعبارة اخري: يكون البحث عن بيع الدهن المتنجس بالمناسبة فانه خارج عن أصل البحث فلاحظ.

«قوله قدس سره: الاجماع عليه في الجملة … »

لعدم الاجماع علي الانتفاع به بالجملة و علي نحو الاطلاق بل قيل لا يجوز الانتفاع به الا في الاستصباح به تحت السماء.

«قوله

قدس سره: هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح … »

قد تقدم و سبق أنه لا دليل علي الاشتراط المذكور.

«قوله قدس سره: فلا يجوز بيعه لا علي الاطلاق … »

قد ذكرنا مرارا أنه لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع فان مقتضي قوله تعالي أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» جواز بيع ما لا مالية له نعم لا يمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «2» فان الآية الشريفة اخذ فيها عنوان المال في موضوع الحكم الذي تكون متعرضة له.

«قوله: لان قصد الفائدة النادرة … »

لا يخفي أن مالية الشي ء لا ترتبط بالقصد و عدمه فان مالية الاشياء كما تقدم مترتبة علي الفوائد الموجودة فيها و المنافع التي توجب رغبات العقلاء فيها.

______________________________

(1) البقرة/ 275

(2) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 118

«قوله: لان اكل المال حينئذ ليس بالباطل … »

قد تقدم منا أن الجار في الآية الشريفة للسببية لا للمقابلة فلاحظ.

«قوله قدس سره. فافهم … »

لعله اشارة الي ما ذكرنا من الاشكال.

«قوله قدس سره. فسد العقد بفساد الشرط … »

قد حققنا في محله أن فساد الشرط لا يسري الي العقد و فساده لا يوجب فساد العقد فلا تغفل.

«قوله قدس: فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل … »

قد ظهر ما فيه من الاشكال فلا نعيد.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كما يؤمي الي ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية … »

لاحظ ما ارسله الصدوق قال: سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة؟ يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل

التي ليست بغناء فاما الغناء فمحظور «1» و الرواية لا يستفاد منها المدعي مضافا الي أنها ضعيفة سندا بالارسال.

«قوله: و لا عادة»

كيف لا ترتب بينهما عادة و الحال ان المتدين بعد علمه بكون الدهن نجسا

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 119

و لا يجوز له الا الاستصباح يستعمله فيه، و لكن قد تقدم عدم حصر الانتفاع به في الاسراج فراجع.

«قوله قدس سره: و لو في حق الجاهل»

صدق القبيح علي فعل يتوقف علي علم الفاعل و أما مع الجهل العذري كما هو المفروض فلا يصدق عليه عنوان القبيح.

«قوله قدس سره: فعل شخص علة تامة … »

الاكراه لا يكون علة تامة لصدور الفعل المكره عليه عن المكره بالفتح اذ المفروض أنه يصدر الفعل عنه باختياره و ارادته.

«قوله قدس سره: لان استناد الفعل الي السبب قوي»

قد ظهر ما فيه مما تقدم و أيضا قد تقدم الكلام حول الاقسام المذكورة و ما ينبغي أن يقال فلاحظ ما تقدم منا.

«قوله قدس سره: ضرر مالي قد امرنا … »

الإنصاف أن تشخيص مصداقه مشكل و تحصيل الإجماع التعبدي علي الحكم المذكور اشكل.

«قوله: فتأمل»

لعله اشارة الي ما ذكرناه سابقا من كون النجاسة بنفسها عيب.

«قوله قدس سره: البعيدة عن التقييد»

لم يظهر لي وجه بعد الروايات عن التقييد و الظاهر أنه لا بعد فيه نعم لا دليل علي تقييدها و المرسلات لا اعتبار بها و قد ذكرنا مرارا أنها لا تنجبر بعمل المشهور بها مضافا الي النقاش في الصفري لعدم القطع بكونهم مستندين إليها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 120

و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: كالخمر»

عدم جواز الانتفاع بالخمر في غير الانتفاعات المحرمة

محل الكلام و الأشكال و قد مر في بحث حرمة بيع الخمر أنه يستفاد من بعض النصوص جواز جعل الخمر خلا فما الوجه في حرمة بل الأرض بالخمر ان قلت مقتضي قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1»، وجوب الاجتناب عن الخمر علي الإطلاق فلا يجوز الانتفاع به بأي وجه قلت الظاهر من الآية الشريفة النهي عن شربه كما أن النهي عن الأنصاب النهي عن الذبح علي الحجر المنصوب أو النهي عن العبادة عنده علي اختلاف التفسيرين و العرف ببابك.

«قوله قدس سره: دليلنا اجماع الفرقة … »

لا يبعد أن يكون هذه الجملة كلام شيخ الطائفة في مقام الاستدلال.

«قوله قدس سره: و من بعض ما ذكرنا … »

لا يبعد أن يكون ناظرا الي كون المتبادر من الرجس العناوين الأولية و هي الأعيان النجسة و كذلك عنوان الرجز فلا يشمل المتنجس.

«قوله قدس سره: بقرينة مقابلته بحلية الطيبات «2»»

لا وجه لحمل الحلية علي خصوص الاكل كي يكون قرينة علي كون المراد من الحرمة هو الاكل و قد تقدم منا حول الآية الشريفة ما اختلج ببالنا القاصر فراجع

______________________________

(1) المائدة/ 90

(2) الاعراف/ 156

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 121

ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: لانه الظاهر من قوله دليلنا اجماع الفرقة … »

بل الظاهر خلافه و أن الاجماع قائم علي الاحكام المذكورة فلاحظ.

«قوله قدس: و الرواية اشارة الي ما عن الراوندي … »

لاحظ ما روي عن موسي بن جعفر عن أبيه، أن عليا (عليه السلام) سئل عن الزيت يقع فيه شي ء له دم فيموت فقال يبيعه لمن يعمله صابونا «1» و ليس في الرواية ذكر الشحم.

«قوله قدس سره: و هذا

هو الّذي يقتضيه استصحاب الحكم»

يرد عليه أولا: أن استصحاب الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا: أن الاستصحاب المذكور داخل في الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به اذ قبل تنجسه لو كان مبيعا كان بيعه صحيحا و الآن كما كان و الاستصحاب التعليقي غير تام عندنا.

«قوله قدس سره: قال و ليس المراد»

لفظ قال في المقام زائد و يظهر بملاحظة صدر الكلام فلاحظ.

«قوله: فافهم»

______________________________

(1) المستدرك الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 122

لعلة اشارة الي أن الظاهر من عبارة المحقق أن قول العلامة مخالف مع مذهبه.

«قوله قدس: فلا يندفع الاشكال عنه»

لان القابل للطهارة هو الثوب الذي غسل بالصابون و أما الاجزاء الصابونية فهي منفصلة عن الثوب بالغسل و تنعدم فلا يصير الصابون طاهرا.

«قوله قدس سره: للاستقذار أو للتوصل بها الي الفرار … »

لا يبعد ان يكون المراد من العبارة ان النجس علي قسمين احدهما ما يكون قذرا و ثانيهما ما لا يكون كذلك اما القسم الأول فالمنع عنه لاجل الاستقذار و اما القسم الثاني فلأجل الفرار بسبب الحرمة عن تلك النجاسة.

«قوله قدس سره: بعض الاساطين»

المراد به الشيخ الكبير كاشف الغطاء.

«قوله قدس سره: بل من جهة التسامح و الادعاء العرفي … »

لا دليل علي اعتبار التسامح و الادعاء العرفي و انما الميزان بالفهم العرفي في مفاهيم الالفاظ نعم اذا ثبت الانصراف المستقر يترتب عليه الاثر.

«قوله: بعض الروايات»

و هو ما رواه الحسن بن محبوب قال: سألت أبا لحسن عليه السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتي ثم يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 123

الي بخطه: ان

الماء و النار قد طهراه «1» ثم انه وقع الكلام بين الاصحاب في فقه الحديث و انه ما المراد بقوله عليه السلام ان الماء و النار قد طهراه و الحال انه غير معهود في الشريعة و قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير: «انه يمكن ان يكون المراد من النار الشمس فانها تطهر اذا جفت شيئا يصير طاهرا و يمكن ان يكون المراد بالماء ماء المطر الذي يصيب الموضع المجصص»، و يرد عليه أولا ان كون المراد بالنار الشمس خلاف الظاهر و لا قرينة علي ما ذكر حتي يصار إليه و ثانيا انه لو فرض اصابة المطر الي موضع نجس فلا يحتاج بعد الي مطهر آخر.

فالذي يقرب الي الذهن ما عن الكاشاني قدس سره في الوافي بأن نقول المراد بتطهير النار احالة النار العذرة و عظام الموتي رمادا فان الاستحالة من المطهرات و المراد بالماء ماء المطر الذي يصيب الموضع المجصص فلكل واحد من النار و الماء اثر خاص لا يرتبط بالأثر الأخر و كيف كان يستفاد من الحديث أمران احدهما اشتراط الطهارة فيما يسجد عليه ثانيهما جواز السجود علي الجص و لو كان مطبوخا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتامل»

لعله اشارة الي ان مقتضي حديث تحف العقول عدم جواز جميع التقلبات.

«قوله: و الخمر المحترمة»

و هي التي تصير خلا.

[النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحرم ما يقصد به]
[القسم الأول ما لا يقصد من وجوده الخاص الا الحرام]
[منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم]
اشارة

«قوله قدس سره: منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الاجماع عليه … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب النجاسات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 124

لا اشكال في ظهور كلام الماتن في بيان حرمة بيعها وضعا و الا لم يكن مجال للاستدلال علي المدعي بالنهي عن الأكل بالباطل و

نحوه و كيف كان يقع الكلام تارة في حكم بيعها وضعا و اخري في حكم بيعها تكليفا فالكلام يقع في مقامين أما

المقام الأول [في حكم بيعها وضعا]
اشارة

فما يمكن أن يذكر في الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول الإجماع

و فيه انه علي فرض تحققه و تحصيله محتمل المدرك اذ يحتمل استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الوجه الثاني رواية تحف العقول

«فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه» و قوله «أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد» و قوله عليه السلام «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه» و قوله عليه السلام: «انما حرم اللّه الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منه الفساد محضا نظير البرابط و المزامير و الشطرنج و كل ملهوبه و الصلبان و الأصنام» الي أن قال: «فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و اخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات» «1» بالتقريب الذي افاده في المتن و قد مر ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل لأن يستند إليه.

الوجه الثالث: النبوي المشهور

ان اللّه تعالي اذا حرم علي قوم اكل شي ء حرم ثمنه «2» و قد سبق عدم اعتباره و لا جابر لضعف سنده مضافا الي النقاش في دلالته.

الوجه الرابع: قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ*

«3» و حيث ان أكل المال في المقام في مقابل الباطل يكون حراما و فيه انه قلنا سابقا ان الجار الواقع في الآية ليس للمقابلة بل للسببية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) المستدرك الباب 6 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(3) النساء 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 125

الوجه الخامس: قوله تعالي [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ]

إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» بتقريب ان هيكل العبادة رجس فيجب الاجتناب عنه علي الإطلاق. و فيه ان الظاهر بحسب الفهم العرفي كون المراد النهي عن عبادة هيكل العبادة كما ان المراد من النهي عن الخمر المذكورة في الآية شربها و يؤيد المدعي قوله تعالي رجس من عمل الشيطان فان المناسبة بين الموضوع و الحكم تقتضي أن يكون المراد العمل الشيطاني اي عبادة هيكل العبادة مثلا مضافا الي أنه لو سلم التقريب المذكور لا يكون دليلا علي المدعي فان حرمة البيع تكليفا لا تقتضي فساده الوضعي و الكلام في فساده الوضعي و الآية علي تقدير دلالتها علي حرمة البيع تكون دالة علي حرمته تكليفا.

الوجه السادس: قوله تعالي فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ

«2» بتقريب ان الاجتناب عن هيكل العبادة واجب علي الاطلاق فلا يجوز بيعه. و فيه أولا ان المراد بمتعلق الاجتناب عبادة الهيكل، و ثانيا ان الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية و لا يرتبط احد الامرين بالآخر.

الوجه السابع قوله تعالي وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ

«3» و فيه مضافا الي ما مر في الجواب عن الاستدلال بالآيتين قد سبق منا ان الرجز يحتمل أن يكون المراد منه العذاب و هجره الهجر عن سببه فلا تكون الآية دليلا علي المقام.

الوجه الثامن ما رواه ابن أذينة

قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس به و عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا: قال لا «4»، بتقريب انه لو كان بيع الخشب ممن يصنعه

______________________________

(1) المائدة/ 90

(2) الحج/ 30

(3) المدثر/ 5

(4) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 126

صلبانا حراما فبيع نفس هيكل العبادة حرام بالاولوية. و فيه ان حمل النهي علي الارشاد الي الفساد خلاف الظاهر و بعبارة اخري: قد ثبت في محله ان النهي ظاهر في الحرمة التكليفية كما ان الامر ظاهر في الوجوب التكليفي و العدول عن التكليفي الي الارشادي الوضعي يتوقف علي قيام قرينة و حيث انه لا قرينة في المقام علي الارشاد يحمل النهي علي ظاهره و هو الحرمة التكليفية.

الوجه التاسع ان النبي صلي اللّه عليه و آله و عليا عليه السلام اتلفا أصنام مكة

و لو كان بيع هيكل العبادة جائزا لم يكن اتلافها جائزا و فيه ان النبي صلي اللّه عليه و آله كان ذا الولاية علي جميع الاموال مضافا الي أنه كان في فعله مصلحة ملزمة فانه بهذا العمل المقدس طهر البيت و أعلن قولا و فعلا بأن الكعبة المطهرة محل لعبادة ذاته المقدسة و لا تكون محلا للوثن و الصنم و علي الجملة الاستدلال علي المدعي بهذا الوجه في غاية السقوط و لا يقاس بفعلهما ما نحن فيه كما يظهر بأدني تأمل.

الوجه العاشر: السيرة الجارية

و بتعبير احسن ان مقتضي الارتكاز المتشرعي فساد بيع هيكل العبادة و الظاهر ان هذا الوجه احسن الوجوه المذكورة في المقام و ان شئت قلت: بيع هيكل العبادة أمر مستنكر في أذهان المتشرعة بل يمكن أن يقال انه لا شبهة في هذه السيرة و في هذا الارتكاز و هما متصلان الي زمانهم عليهم السلام هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في حكم بيعها تكليفا]

فيكفي للاستدلال علي الحرمة ما رواه ابن أذينة مضافا الي وضوح الامر عند الكل. بقي شي ء و هو ان هيكل العبادة لها صورة و لها مادة لا اشكال في حرمة بيع المادة المتهيئة بالهيئة الخاصة وضعا و تكليفا و أما لو باع المادة بما هي مادة فهل يكون البيع صحيحا و هل يجوز تكليفا؟ الظاهر انه لا مانع منه لان المنهي عنه تكليفا و وضعا المتهيئة بالهيئة الخاصة و أما نفس المادة فمقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 127

القواعد صحة بيعها و جوازه.

ثم أنه بعد البيع هل يجوز كسر الهيئة اذا لم يشترط علي المشتري أم لا يجوز؟ أفاد سيدنا الأستاد بأنه يجب اعدامها و ازالتها لكن يشكل بأنه تصرف في مال الغير بلا رضاه و الجزم بالحلية يتوقف علي قيام دليل عليه ان قلت: لا اشكال في أن هيكل العبادة مادة الفساد و سبب للإضلال فيجوز بل يجب افنائه قلت:

لو علمنا بأن المشتري بعد تسلم المبيع يفني الهيئة فلا وجه للتصرف في ماله.

«قوله قدس: نعم لو باع رضاضها الباقي … »

فيما افيد مواقع للنظر و الأشكال: الأول ان الظاهر من العبارة أن البيع يتعلق بالرضاض الحاصلة بعد ذلك و يدخل البيع المذكور في المعلق و التعليق باطل.

الثاني ان الوثوق بكسر المشتري

لا يرتبط بالجهة الوضعية و بعبارة اخري: غاية ما في الباب حرمة البيع تكليفا و الكلام في الصحة الوضعية كما هو صريح كلامه حيث قال «أمكن القول بالصحة» و بعبارة واضحة: الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد الوضعي كما هو ظاهر عند التأمل. الثالث: ان الحرمة التكليفية ان كانت فيمكن أن تكون من باب الإعانة علي الأثم و قد تقدم منا أنه لا دليل علي حرمتها مضافا الي أن الإعانة علي الأثم علي فرض التسليم تحصل بالدفع الخارجي و الكلام في نفس البيع و لا يرتبط أحد المقامين بالآخر.

[منها آلات القمار بأنواعه]

«قوله قدس سره: و منها آلات القمار بانواعه بلا خلاف ظاهر … »

حرمة بيع آلات القمار ان تمت بالإجماع و التسالم فهو و الا فيشكل اتمام الأمر بالنصوص الواردة في المقام فان النصوص المشار إليها لا تعرض فيها لحكم بيع الآلات و أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير أن جملة من الأخبار قد دلت علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 128

حرمة بيع آلات القمار و حرمة الانتفاع بها و قال: منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب «الي أن قال» و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر و أما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون، و أما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان و قرن اللّه الخمر و

الميسر مع الاوثان «1» «2».

و الرواية كما تري لا تدل علي المدعي اي لا تدل علي الحرمة الوضعية بل تدل علي الحرمة التكليفية مضافا الي أن الظاهر كونها مرسلة و المرسلات لا اعتبار بها نعم يستفاد من حديث أن بيع الشطرنج حرام وضعا و تكليفا و هو ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام علي اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة الحديث «3».

فان تم سند الحديث يتم المدعي من حيث الحكم الوضعي و التكليفي كليهما لكن الحديث علي فرض تماميته يختص بالشطرنج و دعوي عدم الفصل كما في كلام سيدنا الاستاد لا يرجع الي محصل و العجب كيف يشكل في كثير من الاجماعات و في المقام يستدل علي عموم المدعي بعدم القول بالفصل و أما حديث حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي

______________________________

(1) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب الحديث 12

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 153

(3) الوسائل الباب 103 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 129

الطنبور و العود و نهي عن بيع النرد «1»، الدال علي حرمة بيع النرد تكليفا فضعيف سندا بضعف اسناد الصدوق الي شعيب علي ما ذكره الحاجياني في رجاله ثم ان المستفاد من حديث البزنطي ان النظر الي آلة الشطرنج حرام و أيضا يستفاد منه ان لمسها باليد حرام.

«قوله قدس سره و يقوي هنا

أيضا جواز بيع المادة … »

الامر كما افاده بالتقريب المتقدم في بيع هياكل العبادة.

«قوله قدس سره: ثم ان المراد بالقمار … »

نتعرض لتحقيق مفهوم القمار عند تعرض الماتن لحرمته فانتظر.

[منها آلات اللهو علي اختلاف اصنافها]

«و منها آلات اللهو علي اختلاف اصنافها … »

يقع الكلام في حكم بيع آلات اللهو تارة من حيث الصحة و الفساد و اخري من حيث الحلية و الحرمة تكليفا قال سيدنا الاستاد: «اتفق فقهائنا بل الفقهاء كافة ظاهرا علي حرمة بيع آلات الملاهي وضعا و تكليفا بل في المستند دعوي الاجماع علي ذلك محققا الخ «2» فان تم المدعي بالاتفاق المذكور فهو و الا فيشكل الجزم بالحكم و الاستدلال بالروايات العامة المتقدمة في أول الكتاب مدفوع بكونها ضعيفة سندا و أما الروايات الواردة في المقام فيشكل استفادة الحكم منها فلاحظ منها ما رواه إسحاق بن جرير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان شيطانا يقال له: القفندر اذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة

______________________________

(1) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 154 و 155

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 130

فلا يغار بعدها حتي تؤتي نساؤه فلا يغار «1».

و منها ما رواه كليب الصيداوي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «2».

و منها ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه

السلام فكل ما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك «3».

نعم يستفاد من مرسلة أبي الفتوح حرمة بيع المزامير روي عن أبي إمامة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انه قال: ان اللّه تعالي بعثني هدي و رحمة للعالمين الي أن قال: ان آلات المزامير شرائها و بيعها و ثمنها و التجارة بها حرام الخبر «4» لكن الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: و الكلام في بيع المادة كما تقدم»

الامر كما افاده فان الملاك واحد فلا وجه للإعادة فلاحظ.

«قوله: و سيأتي معني اللهو و حكمه»

و نتعرض هناك حول المسألة ما يختلج ببالنا القاصر إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

«قوله: و منها أواني الذهب و الفضة»

تارة يقع الكلام في ان حرمة الانتفاع بآنية الذهب و الفضة هل تختص

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) مستدرك الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 131

بالانتفاع الخاص كالاكل و الشرب أم تعم جميع الانتفاعات بها؟ و اخري يقع الكلام في جواز بيعها وضعا و تكليفا أما الكلام من الناحية الاولي فتفصيل البحث فيها موكول الي كتاب الطهارة و مجمل القول فيها انه لا دليل علي الحرمة علي نحو الاطلاق بحيث يكون كل انتفاع منها محرما و أما الكلام من الناحية الثانية فعلي فرض جواز جملة من الانتفاعات فلا اشكال في جواز بيعها تكليفا و وضعا اذ لا دليل علي الحرمة كما انه لا دليل علي الفساد بل مقتضي اصالة الاباحة جوازه تكليفا كما أن مقتضي ادلة صحة البيع

صحته وضعا و أما علي القول بحرمة جميع منافعها و كونها مما لا يجي ء منها الا الفساد فقال سيدنا الاستاد: «فلا ريب في حرمة المعاوضة عليها مطلقا «1» و الانصاف ان اثبات هذه الدعوي في غاية الاشكال فان غاية ما في الباب وجوب افنائها لوجوب حسم مادة الفساد و هذا لا يقتضي حرمة البيع لا وضعا و لا تكليفا فان الامر بالوفاء بالعقد ارشاد الي اللزوم فلا مجال لان يقال الامر بالوفاء ينافي الامر بالافناء فلاحظ.

[منها الدراهم الخارجة]

«قوله قدس سره: و منها الدراهم الخارجة … »

يقع الكلام تارة في حكم الغش و اخري في جواز الانتفاع بالدرهم المغشوش و ثالثة في حكم بيعه من حيث الصحة و الفساد و من حيث الحلية و الحرمة فنقول:

لا اشكال في حرمة الغش في الجملة و المصنف يتعرض لحكم الغش بعد ذلك و تبعا له قدس سره نتعرض لما يكون متعلقا بهذه الجهة و أما من حيث جواز الانتفاع و عدمه فربما يقال لا يجوز الانتفاع به لبعض النصوص لاحظ ما رواه الجعفي قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام فالقي بين يديه دراهم فألقي الي درهما منها فقال:

ايش هذا؟ فقلت: ستوق فقال و ما الستوق، فقال طبقتين فضة و طبقة من نحاس

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 157

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 132

و طبقة من فضة، فقال: اكسرها فانه لا يحل بيع هذا و لا انفاقه «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منها المنع عن الانتفاع به علي الإطلاق.

و لاحظ ما رواه موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام و اذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي

دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين ثم قال لي ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا أيضا.

و يستفاد من بعض النصوص جواز البيع مع الأعلام لاحظ حديث عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أشتري الشي ء بالدراهم فاعطي الناقص الحبة و الحبتين قال: لا حتي تبينه، ثم قال: الا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا «3».

و لاحظ حديث ابن ملم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها قال: اذا بين ذلك فلا بأس «4».

و يستفاد من بعض النصوص أنه يجوز فيما جازت الفضة المثلين لاحظ حديث عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن انفاق الدراهم المحمول عليها فقال: اذا جازت الفضة المثلين فلا بأس «5» و يستفاد من حديث عمر بن يزيد انه اذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في انفاق الدراهم المحمول عليها فقال: اذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس بانفاقها «6».

لكن الحديثين يختصان بالإنفاق فنقول يجوز الإنفاق مقيدا بالشرط المذكور

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الصرف الحديث 5

(2) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

(3) الوسائل الباب 10 من ابواب الصرف الحديث 7

(4) نفس المصدر الحديث 2

(5) نفس المصدر الحديث 3

(6) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 133

و أما البيع فيجوز مع البيان لحديث عبد الرحمن و أما بقية التصرفات و الانتفاعات فلا دليل علي حرمتها فتجوز علي طبق القاعدة الاولية هذا بالنسبة الي الجواز التكليفي

و أما من حيث الوضع فنقول تارة لا يكون الغش مانعا عن رواج المعاملة و اخري يكون مانعا أما الصورة الاولي فعن الجواهر عدم الخلاف في الجواز بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فضلا عن محكيه للسيرة القطعية بعد الاصل الخ.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بحديث عبد الرحمن «1» فان المستفاد من الحديث جواز اشتراء الشي ء بالدرهم المغشوش اذا كان رائجا بلا اعلام و الظاهر من الحديث ان محور الكلام الجواز التكليفي و أما اذا لم يكن رائجا بحيث يتحقق الغش فالمستفاد من هذه الرواية و كذلك بقية النصوص جواز البيع بشرط الاعلام فالنتيجة انه ان كان المغشوش رائجا فلا مانع عن شرائه و بيعه و ان لم يكن كذلك فيجوز مع الاعلام.

«قوله: بطل البيع»

فان الصورة النوعية و لو كانت عرفية تكون مقومة للبيع و بعبارة واضحة اذا وقع البيع علي عنوان كما لو باع عبدا فانكشف انه حمار لا يكون البيع صحيحا فعليه يبطل البيع في المقام كما افاد اذ المفروض أن المسكوك بسكة السلطان نوع في قبال المسكوك بسكة التاجر فلاحظ.

«قوله: فالظاهر صحة البيع … »

الظاهر ان الامر كما أفاده فان المفروض ان البيع لم يعلق علي الصورة النوعية فلا وجه للبطلان نعم اذا كان مغشوشا يثبت خيار العيب.

«قوله قدس سره: فهو خيار التدليس»

______________________________

(1) لاحظ ص 132

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 134

ان كانت المعاملة واقعة علي الشخص من دون عنوان فلا مجال لخيار التدليس اذ المفروض انه لا تدليس و ان كان العقد واقعا علي الصورة فلازمه بطلان البيع فالامر دائر بين الصحة مع عدم خيار التدليس و بين البطلان و لعله قوله فتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

«قوله قدس: و هذا

بخلاف ما تقدم من الآلات … »

يستفاد من كلامه مطلبان: المطلب الاول ان الثمن لا يقع مقدار منه في مقابل الجزاء العقلي بل التسقيط يتوقف علي التركب الخارجي و لذا لا مجال لان يقال بيع آلة القمار مثلا ينحل الي بيعين: أحدهما صحيح و الاخر باطل كما هو كذلك في بيع الخمر و الخل اذ بيع الدرهم المغشوش ليس كبيع آلة القمار اي يمكن تصحيح البيع في الدرهم المغشوش و لا يمكن في بيع الآلة اقول: المطلب الاول الذي افاده تام فان الثمن لا يقع في مقابل الجزء العقلي و أما المطلب الثاني فيرد عليه ان البيع اذا وقع علي المتهيأ بالهيئة يفسد البيع كما في كلامه و اذا باع المادة بلا لحاظ الهيئة فلا يرتبط بتلك الكبري و لا جامع بين المقامين و بعبارة واضحة: لا فرق بين الدرهم المغشوش و بين الآلات فان البيع اذا وقع في قبال الصورة النوعية يكون البيع باطلا في كلا الموردين و ان وقع في قبال المادة يصح كذلك فلا مجال لما أفاده.

«قوله قدس سره: و هذا الكلام مطرد … »

الظاهر ان مقصوده ان كل قيد يكون قيدا عقليا و جزءا عقليا يقع العقد عليه و بعبارة اخري: ان كان من قبيل المذكورات يكون البيع فاسدا و لكن الإنصاف ان العبارة قاصرة عن افادة ما ذكرنا فان قوله قدس سره «بذل الثمن الخاص لداعي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 135

وجوده» يناسب الشرط الفاسد و قد حقق في محله ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد و لا يقع الثمن في مقابله غاية ما في الباب ان تخلفه يوجب الخيار و أما مع عدم التخلف فيكون العقد صحيحا

و لا مقتضي للخيار كما لو شرط كون العبد المشتري بالفتح خمارا أو قطاعا للطريق و اللّه العالم.

[القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة و يتصور علي وجوه]
[الأولي بيع العنب علي أن يعمل خمرا]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي بيع العنب علي ان يعمل خمرا … »

يقع الكلام تارة من الجهة الوضعية و اخري من الجهة التكليفية اما الكلام في

الجهة الأولي [الحكم الوضعي]
اشارة

فنقول: ما يمكن ان يقال او قيل في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: الإجماع

و فيه ان المنقول منه ليس حجة و المحصل منه علي فرض تحققه لا يكون تعبديا كاشفا لأحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: ان اكل المال بالباطل منهي عنه

في قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» و المفروض وقوع الثمن في مقابل الباطل. و فيه انه قد مرّ مرارا ان الجار للسببية لا للمقابلة و المفروض ان البيع من الاسباب الصحيحة مضافا الي ان الثمن يقع في قبال العين لا في قبال الشرط و انما الشرط يوجب زيادة الثمن او نقصه فلاحظ.

الوجه الثالث: انه اعانة علي الإثم و هي حرام

. و فيه أولا: انه لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم بل الدليل قائم علي حرمة التعاون و ثانيا: ان الإعانة تتحقق بالتسليم الخارجي لا بالبيع و الكلام في صحة البيع و فساده و ثالثا: أن النهي التكليفي لا يقتضي الفساد الوضعي و رابعا: علي فرض كون الحرمة التكليفية مقتضية

______________________________

(1) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 136

للفساد الوضعي انا نلتزم به فيما يكون النهي متعلقا بالمعاملة بعنوانها الأولي لا فيما يتعلق بها بعنوانها العرضي كما في المقام، و خامسا: يختص الأشكال بصورة العلم بصدور الحرام عن المشتري و أما مع العلم بعدم الصدور حراما أو الشك فيه فلا يتم التقريب المذكور.

الوجه الرابع: ان الشرط الفاسد مفسد للمعاملة

و المقام يكون من مصاديقه.

و فيه انه قد ثبت في محله ان الشرط الفاسد لا يكون مفسدا للعقد.

الوجه الخامس: ما عن المستند من انه بنفسه حرام

بتقريب ان الفعل المباح بقصد التوصل به الي الحرام حرام. و فيه أولا: انه لا دليل علي حرمة المقدمة و لو مع قصد التوصل بها الي الحرام و ثانيا: الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد الوضعي و ثالثا: ان المقدمة علي فرض تسليم كونها حراما انما تكون كذلك فيما تكون صادرة عن المتصدي للحرام و الكلام في البيع الذي يكون فعلا لغير فاعل الحرام.

الوجه السادس: ان النهي عن المنكر واجب فيكون النهي لدفعه واجبا بالأولوية

. و فيه أولا: انه لو قام الدليل علي وجوب الدفع يستفاد وجوب الرفع بالأولوية و اما العكس فلا و ثانيا: يتوقف التقريب المذكور علي العلم بصدور الحرام عن المشروط عليه و ثالثا الحكم التكليفي لا يؤثر في الحكم الوضعي.

الوجه السابع: النص الخاص

لاحظ ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه «فيها» الخمر قال حرام اجره «1» و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا ان الحديث في الإجارة و لا يرتبط احد المقامين بالآخر.

الوجه الثامن: ما رواه ابن اذينة

قال: كتبت الي ابي عبد اللّه عليه السلام اسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس به، و عن رجل له

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 137

خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال: لا «1».

بتقريب ان المستفاد من الخبر حرمة بيع الخشب ممن يعلم انه يصنعه صلبانا فيدل علي الحرمة في المقام بالأولوية و مثله في الدلالة و التقريب خبر عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التوت ابيعه يصنع للصليب و الصنم قال: لا «2»، و فيه أولا انه يمكن ان يكون خصوصية للصليب و لذا فصل عليه السلام بين بيع الخشب ممن يجعله برابط و بين بيعه ممن يعمله صلبانا بأن حكم بالجواز في الاول و حكم بالحرمة في الثاني و ثانيا سيجي ء جواز بيع العنب ممن يعلم انه يجعله خمرا و النصوص متعارضة في المقام فالنتيجة انه لا يكون دليل علي فساد البيع وضعا.

[الجهة الثانية الحرمة التكليفية]

و اما الكلام من حيث الحرمة التكليفية فلا بد من التفصيل بأن يقال ان انطبق علي عقده بهذا النحو عنوان حرام كترويج المحرم الالهي و بعبارة واضحة ان علم كون العقد بالنحو المذكور مصداقا لمحرم من المحرمات الالهية فهو و الا فلا وجه لحرمته نعم مثل هذا الشخص مستحق للعقاب بلا اشكال لانه يكشف عن جرأته علي المولي الا ان يقال كشفه عن الجرأة يتوقف علي اثبات الحرمة و مع عدم اثباتها كيف تتحقق الجرأة فلاحظ.

«قوله: فتأمل»

لعله اشارة الي ان الجمع المذكور ليس جمعا عرفيا اضعف الي ذلك ان خبر صابر ضعيف سندا فلا يكون قابلا لان يعارض الخبر

المعتبر سندا و هو خبر ابن اذينة قال كتبت الي ابي عبد اللّه عليه السلام اسأله عن الرجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها او عليها الخمر و الخنازير قال: لا بأس «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 39 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 138

و لا يخفي ان المستفاد من خبر اين اذينة ليس صورة الاشتراط بل المستفاد منه جواز اجارة الدابة ممن يعلم انه يحمل عليها الخمر و الذي يختلج بالبال ان يقال انه يستفاد من الحديث جواز اجارة الدابة بلحاظ هذه المنفعة اي حمل الخمر لان الاهمال في الواقع غير معقول و الاجارة تمليك للمنفعة و المنفعة المملوكة للمستأجر اما خصوص حمل الخمر و اما الاعم منه و اما غيره فان كان غيره فلا يكون حق للمستأجر لان يحمل الخمر علي الدابة و ان كان خصوص الحمل او الاعم منه يلزم جواز الاجارة بهذا اللحاظ فلا بد اما من الالتزام بجواز اجارة المحرم و اما من الالتزام بأن حمل الخمر لا يكون حراما و حيث انه لا يمكن الالتزام بجواز اجارة العين بلحاظ المنفعة المحرمة يتعين الشق الثاني.

«قوله قدس كفي العمومات المتقدمة»

قد تقدم الأشكال في اسناد الأحاديث العامة فلا وجه للإعادة.

«قوله قدس سره: يوجب أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل».

قد تقدم قريبا الأشكال في التقريب المذكور و قلنا الممنوع الأكل بالسبب الباطل فلاحظ.

«قوله قدس سره: مع ان الجزء أقبل للتفكيك … »

قد تقدم ان الانحلال و التقسيط يختصان بالأجزاء الخارجية و أما الجزء العقلي فلا يكون كذلك و الحق أن يقال ان

بطلان بيع آلات اللهو لا يستلزم البطلان في المقام اذا الثمن لا يقع في مقابل الشرط بل يقع في مقابل نفس العين فلا مقتضي الفساد فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 139

[الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية يحرم المعاوضة علي الجارية المغنية … »

فصل الماتن في بيع الجارية المغنية بين بذل مقدار من الثمن في مقابل الصفة و بين غيره فحكم بالبطلان في الصورة الأولي دون الثانية و يقع الكلام في مقامين:

المقام الأول فيما تقتضيه القاعدة الأولية

، المقام الثاني فيما تقتضيه النصوص الواردة في المقام:

أما المقام الأول فمقتضي القاعدة صحة البيع و المعاوضة فان الثمن لا يقع في مقابل الصفات بل الثمن يقع في مقابل العين فلا وجه لفساد العقد مضافا الي ان مجرد الصفة ككون الأمة ماهرة في التغني أو يكون العبد ماهرا في القمار لا يكون حراما و مبغوضا فلا مقتضي للفساد و لا مجال للأخذ بكون أكل المال بالباطل حراما.

و أما

المقام الثاني فقد وردت في الباب جملة من النصوص

لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و الحكم بمقتضاها منها ما رواه العمري بخط صاحب الزمان عليه السلام أما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك من أمر المنكرين لي الي أن قال و أما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا الا لما طاب و طهر و ثمن المغنية حرام «1». و الحديث لم يثبت اعتباره و لكن دلالته تامة علي فساد بيع المغنية.

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر آلاف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت «2» و هذه الرواية تدل علي أن بيع المغنية فاسد وضعا و الحديث تام سندا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 140

و منها ما رواه ابراهيم أيضا قال أوصي اسحاق بن عمر بجوار له مغنيات أن تبيعهن «يبعن» و يحمل ثمنهن الي أبي الحسن عليه السلام قال ابراهيم: فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن إليه فقلت له: ان مولي لك يقال

له:

اسحاق بن عمر أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنيات و حمل الثمن أليك و قد بعتهن و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم فقال: لا حاجة لي فيه، ان هذا سحت و تعليمهن كفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت «1» و الرواية دالة علي المدعي لكن سندها ضعيف.

و منها ما ارسله الصدوق قال سأل رجل علي بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور «2». و الحديث ضعف بالإسال مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها ما رواه الدينوري قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك ما تقول في النصرانية أشتريها و أبيها من النصراني؟ فقال اشتر و بع، قلت: فانكح؟

فسكت عن ذلك قليلا ثم نظر الي و قال شبه الأخفاء: هي لك حلال. قال: قلت جعلت فداك فأشتري المغنية أو الجارية تحسن أن تغني أريد بها الرزق لا سوي ذلك قال: اشتر و بع «3» و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي بل تدل علي جواز البيع تكليفا.

و منها ما رواه الوشاء قال سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنية قال: قد تكون للرجل الجارية تلهبه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب و ثمن الكلب سحت،

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 141

و السحت في النار «1» و الحديث ضعف سندا و لكن يؤيد المدعي.

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات فقال شراؤهن

و بيعهن حرام و تعليمهن كفر و استماعهن نفاق «2» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منه كون بيع المغنية حراما وضعا بل يدل علي الحرمة التكليفية.

و النصوص الواردة في الباب و ان كان اكثرها مخدوشا سندا لكن يكفي للحكم بالحرمة مدركا ما يكون معتبرا سندا فلاحظ فالنتيجة ان بيع الجارية المغنية باطل و لا يتخيل ان مقتضي حرمة بيعها فساد بيع الجارية التي تقدر علي التغني فان الظاهر من الدليل حرمة بيع الجارية التي شغلها التغني في مجالس الطرب و لا يبعد أن يكون الدليل ناظرا الي الجارية التي تدخل في المجالس المتعارفة المتداولة التي يدخل الرجال علي النساء و يكون من مجالس العصيان بتمام معني الكلمة.

لكن لقائل أن يقول مقتضي اطلاق دليل المنع عدم الفرق فيكفي لترتب الفساد تحقق الموضوع و هو صدق كون الجارية مغنية لكن قد وردت جملة من النصوص تفصل بين أقسام كسب المغنية منها ما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي الي الأعراس ليس به بأس «3» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه ابو بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «4» و هذه الرواية تامة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) الوسائل باب 15 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 142

سندا و يستفاد منها ان التي تزف العرائس لا بأس بأجرها و اما التي يدخل عليها الرجال فيكون

أجرها حراما فلا يبعد أن يستفاد من الرواية ان الممنوع شرعا عن بيعها و عن أجرها الحصة الخاصة منها و هي التي يدخل عليها الرجال فلاحظ و منها ما رواه ابن قابوس قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: المغنية ملعونة ملعون من أكل كسبها «1» و الرواية مخدوشة سندا و علي تقدير الاغماض عن سندها لا يبعد أن تقيد بحديث أبي بصير و يؤيد المدعي حديث أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها «2» و حديث ابن جعفر عن أخيه قال سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس به ما لم يعص به «3» و مع ذلك كله في النفس شي ء و هو انه لا تنافي بين فساد بيع الجارية المغنية و بين جواز كسبها احيانا فتأمل.

[الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله]
اشارة

«قوله قدس سره. المسألة الثالثة يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد ان يعمله … »

في المقام فروع:

الفرع الأول: بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا بداعي انه يصنعه كذلك
اشارة

و استدل الماتن قدس سره علي حرمته بحرمة الإعانة علي الاثم و لا اشكال في أن مقتضي الأصل العملي جوازه الا فيما ثبت عدم الجواز بدليل و ما يمكن أن يكون مستندا لحرمة الإعانة وجوه:

الوجه الأول قوله تعالي وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ

«4» و فيه ان المستفاد من الآية الشريفة حرمة التعاون علي الأثم و هو أن يجتمع عدة اشخاص لإيجاد محرم من المحرمات كأن يجتمع عدة اشخاص

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) المائدة/ 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 143

و يقتلوا فردا محقون الدم و أما فيما يكون الفعل صادرا من واحد و الاخر يعينه فلا يصدق التعاون بل يصدق عنوان الإعانة.

الوجه الثاني: الإجماع

و فيه أن الإجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض تحققه يكون محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: ما ورد من النصوص الكثيرة الدالة علي ذم اعوان الظلمة

منها ما رواه محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال فوجم أبي فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لما رأي ما أصابه: اي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به فقال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات «1».

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيمة نادي مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم «2».

و منها ما رواه ابن أبي يعفور قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل عليه رجل من اصحابنا فقال له جعلت فداك انه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعي الي البناء يبنيه، أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام ما احب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «3» الي غيرها من الروايات فانه يستفاد من تلك الطائفة من الروايات حرمة اعانه الظلمة و فيه ان القياس باطل و بعبارة اخري حكم

______________________________

(1) الوسائل الباب 42

من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 11

(3) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 144

خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي بل المناسبة تقتضي الاختصاص فان غصب الخلافة أمر له اهمية كثيرة فلا وجه لتسرية حكمها الي غير تلك الموارد.

الوجه الرابع ان ترك الإعانة دفع للمنكر و دفع المنكر واجب كرفعه

و يرد عليه أولا أن التقريب المذكور انما يتم اذا علم أن المنكر يدفع بترك الإعانة و أما اذا علم بأن المنكر يتحقق أو يشك في تحققه و عدمه فلا يتم التقريب المذكور اذ فرض عدم ترك المنكر واقعا في الصورة الأولي و فرض الشك فيه في الصورة الثانية فالموضوع غير متحقق.

و ثانيا لا دليل علي وجوب دفع المنكر الا في الأمور التي علم من الشارع كونها في الأهمية بدرجة يريد الشارع الأقدس دفعها بأي وجه كان كحفظ النفوس مثلا و أما وجوبه علي نحو الإطلاق فلا دليل عليه و أما النهي عن المنكر فلا اشكال في وجوبه مع اجتماع شرائطه ان قلت النهي عن المنكر مرجعه الي دفعه لأن الذي يرتكب محرما كأن يشرب الخمر مثلا بالنسبة الي المقدار الذي شرب لا موضوع للنهي و لا للدفع و أما بالنسبة الي المقدار الذي لم يشربه يكون النهي عنه دفعا للمنكر فالواجب هو الدفع لا الرفع. قلت الأحكام الشرعية لا تبتني علي التدقيق العقلي بل الميزان فيها الصدق العرفي و يصدق عنوان الرفع في بعض الموارد و لو لم يكن رفعا بالدقة فان العاصي المشتغل بشرب الخمر اذا منع عن الاستمرار يصح أن يقال انه رفع و منع عن الاستمرار.

فتحصل انه لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم بل مضافا الي كون الحلية مقتضي الأصل

يمكن الاستدلال علي عدم الحرمة بوجوه:

منها انه لو لم تجز الإعانة علي الأثم لما جاز سقي الكافر علي القول بكونه نجسا اذ بمباشرته الماء ينجسه و شرب النجس حرام و هل يمكن أن يقال أن سقيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 145

حرام؟ كلا ثم كلا. ان قلت ان الكافر لا يقدر أن يشرب الماء الطاهر قلت: امتناعه بالاختيار و هو لا ينافي الاختيار و بعبارة اخري يمكن للكافر ان يسلم ثم يشرب الماء كي لا يكون حراما عليه و قس علي سقيه بيع الميتة منه الي غير ذلك من الموارد و قس عليه بيع العصير قبل ذهاب ثلثيه من العامة الذين لا يشترطون ذهابهما في الحلية.

و منها السيرة و الضرورة القطعية علي جواز بيع الغذاء النجس من المسلمين غير المبالين بأمر الدين و أيضا لا اشكال في جواز اجارة المراكب مع العلم بأن في الراكبين و المسافرين من يكون قاصدا للحرام و أيضا لا اشكال في جواز تشكيل مجالس العزاء و الفرح و التبليغ مع العلم بتحقق جملة من المعاصي فيها و أيضا لا اشكال في جواز تمكين الزوجة زوجها مع العلم بانه لا يغتسل من الجناية و كذلك العكس اي يجوز الجماع مع الزوجة التي لا تقوم بالوظيفة الشرعية.

و منها الأخبار المتعددة الواردة في المقام حيث تدل علي جواز بيع العنب او التمر ممن يعلم انه يعمله خمرا فأن البيع اعانة علي الأثم و مع ذلك حكم عليه السلام بالجواز و علي الجملة لا دليل علي حرمة الإعانة علي الأثم علي نحو الإطلاق ففي كل مورد ثبتت حرمتها كما ثبتت حرمة اعانة الظلمة نلتزم بها و الا فلا و يمكن ان يستدل

علي المدعي بما رواه عمر بن اذينة «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان بيع الخشب ممن يعلم انه يتخذه صلبانا حرام فتدل الرواية علي حرمة البيع بقصد ترتب الحرام و مثلها في الدلالة علي المدعي بالتقريب المذكور ما رواه عمرو ابن حريث «2» و فيه ان الحديث وارد في بيع الخشب ممن يتخذه صلبانا و الكلام في بيع العنب ممن يعمله خمرا و من الممكن اختصاص الحرمة بالموضوع

______________________________

(1) لاحظ ص 137

(2) راجع ص: 137

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 146

المذكور في الحديث و الدليل علي الاختصاص التفصيل في نفس الحديث بين البربط و الصلبان فلا يتم التقريب المذكور اضف الي ذلك كله انه لو قطع النظر عن جميع ما ذكر فغاية ما يمكن اثباته بالدليل الأول و الثاني حرمة البيع تكليفا لكن الحرمة التكليفية لا تستلزم الفساد الوضعي.

الفرع الثاني بيع العنب ممن يعمله خمرا بلا قصد ترتب الحرام عليه

اي بلا جعل الحرام غاية للبيع قال الشيخ قدس سره «الأكثر علي عدم التحريم» الخ و قد وردت جملة من النصوص منها ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن بيع العصير فيصير خمرا قبل ان يقبض الثمن، فقال: لو باع ثمرته ممن يعلم انه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس فأما اذا كان عصيرا فلا يباع الا بالنقد «1».

و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ثمن العصير قبل أن يغلي يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال: اذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال فلا بأس 2.

و منها ما رواه محمد الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله حراما، فقال: لا

بأس به تبيعه حلالا ليجعله حراما فأبعده اللّه و أسحقه «3».

و منها ما رواه عمر بن أذينة قال: كتبت الي أبي عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل له كرم أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم انه يجعله خمرا او سكرا فقال انما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه او اكله فلا بأس ببيعه 4.

و منها ما رواه ابو كهمس قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن العصير

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 59 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 147

فقال: لي كرم و انا اعصره كل سنة و اجعله في الدنان و ابيعه قبل ان يغلي، قال:

لا بأس به و ان غلا فلا يحل بيعه ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم انه يصنعه خمرا «1».

و منها ما رواه ابو المعزي قال: سأل يعقوب الأحمر أبا عبد اللّه عليه السلام و انا حاضر فقال: انه كان لي اخ و هلك و ترك في حجري يتيما ولي اخ يلي صنيعة لنا و هو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا و يؤاجر الأرض بالطعام (الي ان قال) فقال: اما بيع العصير ممن يصنعه خمرا فلا بأس، خذ نصيب اليتيم منه «2».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره قال حلال السنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا 3.

و منها ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال بعه

ممن يطبخه او يصنعه خلا احب الي و لا اري بالأول بأسا «4».

و منها ما رواه يزيد بن خليفة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل و انا حاضر قال: ان لي الكرم قال تبيعه عنبا قال: فانه يشتريه من يجعله خمرا؟ قال:

فبعه اذا عصيرا قال: فانه يشتريه مني عصيرا فيجعله خمرا في قربتي قال: بعته حلالا فيجعله حراما فأبعده اللّه ثم سكت هنيهة ثم قال: لا تذرن ثمنه عليه حتي يصير خمرا فتكون تأخذ ثمن الخمر 5، يستفاد منها الجواز فانه يستفاد من هذه النصوص الميزان الكلي و هو جواز بيع عين ممن يعلم انه يصنعه حراما.

الفرع الثالث انه يصح البيع في كل مورد يكون من قبيل ما نحن فيه

اي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 7 و 8

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 9 و 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 148

يقصد بالبيع الغاية المحرمة او يعلم ان المشتري يستفيد من المبيع الفائدة المحرمة.

الفرع الرابع انه يجوز البيع في جميع الأقسام المذكورة من حيث التكليف

فلاحظ نعم يمكن صدق عنوان التجري في بعض الفروض و قلنا ان المتجري يستحق العقاب.

«قوله قدس سره: و إلا لزم التسلسل … »

بتقريب انه لو صدق الإعانة علي الأثم و حرم يلزم ان يكون فعل البائع حراما و البائع من هذا البائع أيضا يصدق علي بيعه عنوان الإعانة و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

«قوله: فافهم»

لعل امره بالفهم اشارة الي انه يصدق العنوان علي البائع الاخير و لا يصدق علي من قبله و لعله اشارة الي دقة المطلب و حيث ان الاعانة علي الاثم لم يثبت كونها حراما لا وجه للتطويل.

«قوله قدس سره: في هذا الزمان … »

لا يبعد ان يكون المراد ان اخذ العصا لضرب مظلوم يصدق عليه انه لا نفع له سوي النفع الحرام فان ذلك الزمان له خصوصية فيصدق هذا العنوان عرفا.

«قوله قدس سره: و انما الثابت من النقل و العقل … »

لا سبيل للعقل الي استنباط الاحكام الشرعية و استنباط الاحكام منحصر في ادلتها فلاحظ و تأمل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 149

«قوله قدس سره: او المسامحة في الردع عنه … »

اي النهي اما نهي عن الاعانة علي الاثم حيث ان البيع اعانة للمشتري علي الاثم او نهي عن المسامحة في الردع فان وظيفة البائع ان لا يبيع كي يردعه عن الحرام و علي كلا التقديرين يكون النهي نهيا عن عنوان خارج و عارض علي

العقد فلا يكون ارشادا الي الفساد بل لو كان النهي عن نفس المعاملة لا يحمل علي الارشاد الا مع وجود قرينة دالة علي كون النهي للإرشاد.

[القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا]
اشارة

«قوله قدس سره: القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا … »

الامر كما افاده فان مقتضي ادلة حلية البيع وضعا جواز بيع هذا القسم كما ان مقتضي دليل البراءة شرعا و عقلا عدم حرمة البيع تكليفا نعم في كل مورد قام الدليل علي الحرمة نلتزم بها.

«قوله قدس سره: الا ان المعروف بين الاصحاب حرمته … »

يقع البحث في المقام من جهات:

الجهة الأولي: فيما يمكن ان يستدل به علي حرمة بيع السلاح من الاعداء

و ما يمكن ان يستدل به عليها امران: احدهما الاجماع قال الشيخ قدس سره «لا خلاف فيها» و فيه ان الاجماع علي تقدير تحققه و حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

ثانيهما: النصوص الواردة في المقام و هي العمدة و يلزم ملاحظة كل واحد منها سندا و دلالة و استفادة الحكم منه فنقول: منها ما رواه الحضرمي قال دخلنا علي ابي عبد اللّه عليه السلام فقال له حكم السراج ما تقول فيمن يحمل الي الشام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 150

السروج و اداتها؟ فقال لا بأس انتم اليوم بمنزلة اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم انكم في هدنة فاذا كانت المبانية حرم عليكم ان تحملوا إليهم السروج و السلاح «1» و هذه الرواية ضعيفة بالحضرمي فانه لم يوثق.

و منها ما رواه هند السراج قال قلت لابي جعفر عليه السلام اصلحك اللّه اني كنت احمل السلاح الي اهل الشام فابيعه منهم «فيهم» فلما عرفني اللّه هذا الامر ضقت بذلك و قلت: لا احمل الي اعداء اللّه فقال لي: احمل إليهم و بعهم فان اللّه يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم، و بعه فاذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل الي عدونا سلاحا يستعينون به

علينا فهو مشرك «2» و هذه الرواية ضعيفة بالسراج بل و بغيره.

و منها ما رواه السراج عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: اني ابيع السلاح قال: فقال: لا تبعه في فتنة «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه الصيقل قال: كتبت إليه: اني رجل صيقل اشتري السيوف و ابيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب لا بأس به 4 و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما روي عن ابي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي كفر باللّه العظيم من هذه الأمة عشرة: القتات (الي ان قال) و بائع السلاح من اهل الحرب «5» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه محمد بن قيس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفئتين تلتقيان من اهل الباطل ابيعهما «نبيعها» السلاح؟ قال: بعهما ما يكتهما الدرع

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(5) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 151

و الخفين و نحو هذا «1» و المستفاد من هذا الحديث جواز ما يكن و يقي كالدرع و نحوه فيما يكون الحرب دائرا بين فئتين من اهل الباطل و لا بدّ من كون الطرفين محقوني الدم و علي كل حال، لا يرتبط الحديث بما نحن بصدده.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال سألته عن حمل المسلمين الي المشركين التجارة، قال: اذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس «2» و هذه الرواية تامة

سندا و المستفاد منها عدم جواز حمل السلاح الي المشركين و لا يستفاد منها ازيد من هذا المقدار و بعبارة واضحة: المستفاد من هذه الرواية حرمة بيع السلاح من المشركين بلا قيد فما افاده الشهيد قدس سره من اطلاق الحرمة تام نعم المذكور في الرواية عنوان المشرك فلا بد من تسرية الحكم الي مطلق الكافر من قيام دليل عليه.

و صفوة القول: ان المستفاد من النص هذا المقدار فلا بد في التجاوز عن الحد المذكور من التماس دليل كأن يقال تقوية الكافر و العدو للمسلمين حرام و هذا الملاك موجود في غير الكفار فان العامة اعداء للشيعة فلا يجوز تقويتهم اذ مرجع تقويتهم الي تضعيف المذهب.

و علي الجملة لو تحقق الموضوع بهذا العنوان و احرز فالظاهر عدم الاشكال في الحرمة فتحصل مما تقدم ان مقتضي حديث علي بن جعفر حرمة حمل السلاح الي المشركين فلا فرق بين زمان الحرب و زمان الهدنة كما انه لا لا فرق بين العلم باستعمالهم السلاح في الحرب مع المسلمين و عدمه و أيضا لا فرق بين ان يكون البيع بهذه الغاية و عدمه و علي الجملة مقتضي اطلاق الحديث الحرمة علي الاطلاق فلاحظ.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 152

الجهة الثانية: ان الحكم بالحرمة هل يعم الآلات التي يجن بها في الحرب

كالمجن و المغفر و الدرع أم تختص الحرمة بالآلات القتالة كالسيف و الرمح الظاهر انه لا وجه للاختصاص فان المذكور في حديث ابن جعفر عنوان السلاح و هذا العنوان علي ما يظهر من اللغة اسم للأعم قال في مجمع البحرين في مقام تفسير السلاح: «و هو ما يقاتل به في

الحرب و يدافع» و عن المصباح «ما يقاتل به في الحرب و يدافع» و عن القاموس «المغفر كمنبر الي أن قال «ينتفع به المتسلح» الي غيرها من كلماتهم.

الجهة الثالثة: المستفاد من الحديث حرمة البيع تكليفا لا وضعا

فلو باع علي خلاف المقرر الشرعي يكون البيع صحيحا و بعبارة واضحة: الظاهر من الدليل الحرمة التكليفية و رفع اليد عن الظاهر يتوقف علي قيام دليل عليه.

الجهة الرابعة: ان المستفاد من الحديث ان الحرام حمل السلاح إليهم

و أما مجرد البيع بدون الحمل إليهم فلا دليل علي حرمته التكليفية مضافا الي أن المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي ذلك فانها تقتضي حرمة تقويتهم و اعانتهم و التقوية انما تحصل بالتسليم الخارجي لا بمجرد الأمر الاعتباري اي البيع.

[النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء]
اشارة

«قوله قدس سره: النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء … »

يقع الكلام في هذا المقام في جهات

الجهة الأولي: في أنه هل يشترط في المبيع أن يكون مالا و يصدق عليه هذا العنوان أم لا؟
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي و الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: ما عن المصباح بكون البيع مبادلة مال بمال

. و فيه أولا انه معارض بما عن غيره و ثانيا الرجوع الي اللغة انما يصح فيما يكون الأمر مجهولا و أما مع وضوح المفهوم عرفا فلا مجال للرجوع الي اللغة و لا ريب في انه يصدق البيع و لو لم يكن المبدل مالا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 153

الوجه الثاني: ما عن الإيضاح من أن بذل المال في قبال ما لا يكون مالا أكل للمال بالباطل من طرف الآخذ

. و فيه انه قد مر مرارا أن الجار الواقع في الآية الشريفة لا يكون للمقابلة بل الجار للسببية و من الظاهر أن البيع من الأسباب الصحيحة لا الباطلة.

الوجه الثالث: ان بذل المال في قبال ما لا مالية له سفهي

و العقد السفهي باطل. و يرد عليه أولا أن الأمر السفهي ما لا يكون فيه غرض عقلائي نوعي أو شخصي و أما مع الغرض و لو كان شخصيا يخرج الفعل عن السفهائية الي العقلائية و من الممكن أن بذل المال في مقابل شي ء لا مالية له يكون لغرض شخصي كما لو بذل أحد مالا كثيرا في قبال تصوير أبيه و الحال أنه لا مالية له عند النوع و لا يبذلون بإزائه اقل قليل و ثانيا لا دليل علي بطلان العقد السفهي و انما الدليل قائم علي حجر المتصرف في ماله ان كان سفيها و بين المقامين بون بعيد.

الوجه الرابع: حديث تحف العقول

و فيه أن الحديث ضعيف سندا و لا جابر له فلا اثر له و لو مع تسليم دلالته علي المدعي.

الوجه الخامس: الإجماع

. و فيه أن المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الجهة الثانية: انه لو فرض قيام الدليل علي اشتراط المالية في المبيع

فهل يجوز معاوضة ما لا مالية له بالمال مستدلا بآية التجارة؟ بتقريب أنه لا دليل علي الاشتراط في مورد التجارة فنقول: يشكل الاستدلال علي المدعي بالآية الشريفة اذ لا يبعد أن يكون لفظ التجارة بما له من المفهوم مرادفا للفظ البيع و لا اقل من الشك و احتمال الترادف و مع الشك لا مجال للأخذ بإطلاقها لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلاحظ نعم لا اشكال في المصالحة عليه و هبته و عاريته الي غيرها من العقود القابلة لأن تقع عليه لوجود المقتضي و عدم المانع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 154

الجهة الثالثة: في أنه لو لم يكن لشي ء مالية هل يملك بالحيازة او يثبت حق الاختصاص؟

الظاهر بمقتضي السيرة يصير المحوز مملوكا للحائز، و بعبارة اخري ما لا مالية له قابل للمملوكية و لذا لا اشكال في ان المال المملوك لو سقط عن المالية لا يخرج عن ملك مالكه و من الظاهر انه لا فرق بين الحدوث و البقاء من هذه الجهة.

الجهة الرابعة: انه لو غصب غاصب ما لا مالية له هل يكون ضامنا أم لا؟

افاد سيدنا الأستاد انه ضامن بمقتضي السيرة و يجب عليه اما رد عينه او مثله فاذا لم يمكن رد العين و المثل يبقي في ضمان الضامن الي يوم القيمة. و الإنصاف انه لا يمكن مساعدته اذا ثبات الضمان بالنسبة الي غير المال مشكل فان احراز السيرة العقلائية المدعاة في غاية الاشكال.

الجهة الخامسة: ان ما استند إليه الماتن لإثبات حق الاولوية النبوي قال من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو احق به «1» و هذه الرواية ضعيفه سندا فلا اعتبار بها لكن تكفي السيرة العقلائية لاثبات الملكية به بها.

«قوله قدس سره: فيما لو غصب صبرة تدريجا … »

الظاهر ان النقض غير وارد فان الصبرة ذو مالية فلا يقاس بها ما لا مالية له كحبة من الحنطة.

[النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]
اشارة

«قوله قدس سره: النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه … »

قال سيدنا الأستاد: أنه يكفي في عدم جواز المعاملة علي الأعمال المحرمة ما دل علي حرمتها بادلتها اذ لا يمكن الجمع بين كونها حراما و بين وجوب الوفاء

______________________________

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 155

بالعقد عليها فان مقتضي حرمتها عدم الإتيان بها و مقتضي وجوب الوفاء بالعقد عليها وجوب اتيانها و هما لا يجتمعان كما هو ظاهر «1».

و ما افاده غريب لأن وجوب الوفاء بالعقود ليس وجوبا تكليفيا كي يتم هذا التقريب بل مقتضي الأمر بالوفاء الإرشاد الي اللزوم فلا تنافي بين الأمرين بأن يقال مقتضي صحة العقد كون العمل الفلاني مملو كالمن يكون له العقد و مقتضي كون الفعل حراما شرعا لزوم الكف عنه فما لك الفعل بالعقد له أن يفسخ العقد

بالاشتراط الارتكازي و لا مانع منه.

[المسألة الأولي تدليس الماشطة]
اشارة

«قوله قدس سره: تدليس الماشطة … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه لا اشكال في حرمة الغش في الجملة

كالغش في البيع أو الغش في التزويج و امثالهما و يقع الكلام فيه إن شاء اللّه مفصلا عند تعرض الماتن لحرمة الغش.

الفرع الثاني: في تمشيط الماشطة الظاهر انه لا دليل علي حرمته

في نفسه و لا مقتضي للحرمة كما هو ظاهر.

الفرع الثالث في تدليس الماشطة فانه لا دليل علي حرمة التدليس بما هو علي وجه الإطلاق

و لو فرض تحقق الغش و التدليس بفعل من يريد التزويج او من يريد البيع لا يحرم فعل الماشطة نعم علي القول بحرمة الإعانة علي الأثم لو صدق عنوان الإعانة علي عملها يحرم بهذا العنوان لكن قد نقدم عدم حرمة الإعانة علي الأثم اللهم الا أن يتم المدعي بتحقق الإجماع التعبدي الكاشف.

الفرع الرابع: هل يجوز وصل شعر المرأة بشعر مرأة اخري أم لا يجوز؟

يستفاد من بعض النصوص كونه حراما لاحظ ما رواه ابن أبي عمير مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخلت ماشطة علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 197

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 156

فقال لها هل تركت عملك أو اقمت عليه: فقالت: يا رسول اللّه انا اعمله الا أن تنهاني عنه فانتهي عنه. فقال: افعلي فاذا مشطت فلا تجلي «تحكي» الوجه بالخرق فانه يذهب بماء الوجه و لا تصلي الشعر بالشعر «1». و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه علي قال سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس، ليس لها معيشة غير ذلك و قد دخلها ضيق قال: لا بأس و لكن لا تصل الشعر بالشعر «2». و السند ضعيف أيضا.

و منها ما رواه ابن الحسن قال سألته عن القرامل، قال: و ما القرامل؟

قلت: صوف تجعله النساء في رءوسهن، قال: اذا كان صوفا فلا بأس و ان كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصلة 3 و الرواية لا تدل علي الحرمة مضافا الي ما في السند بالإضافة الي الإضمار.

و منها ما ارسله الصدوق قال قال عليه السلام لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطي، و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها و أما شعر المعز

فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة «4» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه ابن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله النامصة و المنتصمة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة 5 و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن سعيد قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن النساء تجعل في رءوسهن القرامل؟ قال: يصلح الصوف و ما كان من شعر امرأة لنفسها و كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها فان وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 157

يضرها «1» و الحديث غير دال علي الحرمة فالنتيجة انه لا دليل عليها و مقتضي الأصل شرعا و عقلا الجواز.

الفرع الخامس: انه هل يجوز ان تشارط الأجر أم لا يجوز؟

يستفاد من بعض النصوص عدم الجواز لاحظ ما ارسله الصدوق و المرسل لا اعتبار به.

الفرع السادس: انه هل يجوز وشم الأطفال علي تقدير كونه ايذاء للطفل؟

الذي يختلج بالبال أن يفصل بأن يقال ان كان علي خلاف مصلحة الطفل او ان لم يكن علي مقتضي الصلاح فلا يجوز لعدم جواز الإيذاء بلا مرجح و أما ان كان علي طبق صلاحه فالظاهر جوازه للسيرة الجارية كما في ثقب الأذن و الأنف لأجل تزيين الطفل فلاحظ.

الفرع السابع: انه افاد الماتن ان التدليس يحصل بمجرد رغبة الخاطب و المشتري

و ان علما ان البياض و الصفا لا يكونان واقعيا و يرد عليه: ان التدليس عبارة عن التزوير و ستر العيب و أما فعل ما يوجب الرغبة بمجرده فلا يكون تدليسا فعن القاموس: «التدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري» و عن المنجد «دلس البائع كتم عيب ما يبيعه عن المشتري».

[المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير و الذهب … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: يحرم لبس الحرير للرجل

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يصلح لباس الحرير و الديباج فأما بيعهما فلا بأس «2».

و منها ما رواه ابو الجارود، عن أبي جعفر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الوسائل الباب 101 من ابواب مقدمات النكاح الحديث 1

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب لباس المصلي الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 158

قال لعلي عليه السلام اني أحب لك ما أحب لنفسي، و اكره لك ما اكره لنفسي فلا تختم بخاتم ذهب (الي أن قال) و لا تلبس الحرير فيحرق اللّه جلدك يوم تلقاه «1».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقه عن جعفر بن محمد عن أبيه ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهاهم عن سبع منها لباس الإستبرق و الحرير و القز و الأرجوان 2 و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير الا في الحرب «3».

و منها ما رواه ابن بكير عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا يلبس الرجل الحرير و الديباج الا في الحرب 4.

و منها ما رواه سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن لباس الحرير و الديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس به و ان كان فيه تماثيل «5».

و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال لم يطلق النبي صلي اللّه عليه و آله لبس الحرير

لأحد من الرجال الا لعبد الرحمن بن عوف و ذلك انه كان رجلا قملا 6 و منها ما رواه اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير فقال ان كان فيه خلط فلا بأس «7».

و منها ما رواه زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهي عن لباس الحرير للرجال و النساء الا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو كتان أو قطن و انما يكره الحرير المحض للرجال و النساء 8.

الفرع الثاني: هل يحرم التزين للرجل بالحرير ما لم يصدق عنوان اللبس

أم

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 5 و 11

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 12 من ابواب لباس المصلي الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(7) (7 و 8) الوسائل الباب 13 من ابواب لباس المصلي الحديث 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 159

يجوز؟ الظاهر انه لا وجه لعدم الجواز فان المستفاد من النصوص حرمة لبس الحرير و بطلان الصلاة فيه و أما التزين به فلا.

الفرع الثالث: انه يحرم لبس الذهب للرجل

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلي فيه لانه من لباس أهل الجنة «1».

و منها ما رواه جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تجعل في يدك خاتما من ذهب 2.

و منها ما رواه موسي بن أكيل النميري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الحديد انه حلية اهل النار و الذهب انه حلية اهل الجنة و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم علي الرجال لبسه و الصلاة فيه «3».

و منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام ان النبي صلي اللّه عليه و آله قال لعلي عليه السلام اني أحب لك ما أحب لنفسي و اكره لك ما أكره لنفسي، لا تتختم بخاتم ذهب فانه زينتك في الآخرة 4.

و منها ما رواه عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال علي عليه السلام نهاني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم و لا أقول نهاكم عن التختم بالذهب و عن ثياب القسي

و عن مياثر الأرجوان و عن الملاحف المفدحة و عن القراءة و أنا راكع «5».

و منها ما رواه البراء بن عازب قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سبع و أمر بسبع نهانا أن نتختم بالذهب و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة و قال

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 30 من ابواب لباس المصلي الحديث: 4 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 5 و 6

(5) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 160

من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة «1».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهاهم عن سبع: منها التختم بالذهب «2».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له الخاتم الذهب؟ قال لا و رواه علي بن جعفر في كتابه الا انه قال: هل يصلح له أن يتختم بالذهب قال: لا 3.

و منها ما رواه حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

قال النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام اياك أن تتختم بالذهب فانه حليتك في الجنة و اياك أن تلبس القسي 4.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 160

الفرع الرابع: انه هل يجوز التزين بالذهب للرجال؟

الظاهر انه لا دليل علي حرمته فلو تزين الرجل بالذهب علي نحو لا يصدق عنوان لبس الذهب لا يكون حراما

الفرع الخامس: هل يجوز للرجل و المرأة أن يتشبه كل واحد منهما بالآخر

بأن يلبس كل منهما ما يختص بالآخر أم لا؟ و قد وردت جملة من النصوص لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة المراد منها فنقول من تلك النصوص ما رواه ابن عباس عن النبي صلي اللّه عليه و آله و يشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و يركبن ذوات الفروج السروج فعليهم من أمتي لعنة اللّه «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن الممنوع في الرواية تشبه الرجال بالنساء و بالعكس علي نحو الاطلاق و من الظاهر انه لا يمكن الالتزام بحرمة التشبه علي الإطلاق و الا يلزم أن يحرم علي المرأة الزرع و يحرم علي الرجل الطبخ و هو كما تري فالمقصود من

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 9 و 10 و 11

(5) الوسائل الباب 48 من ابواب جهاد النفس الحديث 22

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 161

التشبه تأنث الرجل و تذكر المرأة و هي اللواط و المساحقة و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن عليهما السلام في الرجل يجر ثيابه قال: اني لأكره أن يتشبه بالنساء «1» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي عدم دلالته علي حرمة التشبه و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و ينهي المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه

السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث: لعن اللّه المحلل و المحلل له و من تولي غير مواليه و من ادعي نسبا لا يعرف و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال و من أحدث حدثا في الإسلام أو آوي محدثا و من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه «3» و الحديث ضعيف مضافا الي أن المستفاد من الحديث حرمة مطلق التشبه الذي لا يمكن الالتزام به.

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام انه رأي رجلا به تأنيث في مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال له اخرج من مسجد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا من لعنه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم ثم قال علي عليه السلام سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم يقول: لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال «4» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي ما في المضمون من الإطلاق اضف الي ذلك ان المستفاد من الحديث التأنث و التذكر فان ذكر التأنيث في الحديث يمنع عن انعقاد الإطلاق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من ابواب احكام الملابس الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 87 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 162

و منها ما رواه ابو إمامة عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: أربع لعنهم اللّه من فوق عرشه و أمنت عليه ملائكته: الذي يحصر نفسه فلا يتزوج و لا يتسري لئلا يولد له و الرجل يتشبه

بالنساء و قد خلقه اللّه ذكرا و المرأة تتشبه بالرجال و قد خلقها اللّه أنتي «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الجعفي قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: لا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال لأن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، لعن المتشبهين من الرجال بالنساء و لعن المتشبهات من النساء بالرجال «2».

و منها ما رواه في الفقه الرضوي عليه السلام: قد لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سبعة: الواصل شعره بغير شعره و المتشبه من النساء بالرجال و الرجال بالنساء «3»

و منها ما رواه عروة قال دخلت علي فاطمة بنت علي بن ابي طالب عليه السلام و هي عجوزة كبيرة و في عنقها خرز و في يدها مسكتان فقالت: يكره للنساء أن يتشبهن بالرجال «4».

و منها ما رواه في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم، نهي النساء أن يكن متعطلات من الحلي أو يتشبهن بالرجال و لعن من فعل ذلك منهن «5».

و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فالنتيجة عدم الدليل علي حرمة التشبه علي الإطلاق أو التشبه في اللباس فالحرام التذكر و التأنث و يؤيد المدعي بعض النصوص لاحظ ما رواه أبو هريرة قال: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المخنثين من

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 70 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من ابواب احكام الملابس الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث: 2

(4) نفس المصدر الحديث 3

(5) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 163

الرجال المشتبهين بالنساء و المترجلات من النساء المتشبهات بالرجال

«1».

و ما رواه الحضرمي قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لعن اللّه و أمنت الملائكة علي رجل تأنث و امرأة تذكرت «2» فالمتحصل مما تقدم عدم قيام دليل علي حرمة التشبه لا علي الإطلاق و لا علي النحو الخاص بل الحرام اللواط و السحق.

الفرع السادس: و هو الفرع الذي يختم به البحث في المسألة الثانية

ان الخنثي يحرم عليها كلا الأمرين علي القول بحرمة تشبه كل من الفريقين بالآخر من باب العلم الإجمالي المعروف عند القوم كونه منجزا و ذكرنا في الأصول في هذا المقام انه يمكن الالتزام بعدم التنجيز و مجمل القول فيه انا لا نري مانعا من جريان الأصل في كل من الطرفين مع ترك الطرف الأخر و الاجتناب عنه و بعبارة اخري ان المحذور في جريان الأصل في جميع الأطراف و أما جريانه في بعض الأطراف علي التعيين فلا مانع منه و تفصيل الكلام موكول الي ذلك البحث.

[المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثالثة التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة … »

قال سيدنا الأستاد «لا شبهة في حرمة ذكر الأجنبيات و التشبيب بها كحرمة ذكر الغلمان و التشبيب بهم بالشعر و غيره اذا كان التشبيب لتمني الحرام و ترجي الوصول الي المعاصي و الفواحش كالزنا و اللواط و نحوهما فان ذلك هتك لأحكام الشارع و جرأة علي معصيته و من هنا حرم طلب الحرام من اللّه بالدعا «3» الي آخر كلامه.

و اثبات ما افاده بالتقريب الذي ذكره مشكل فان النسبة بين تمني الحرام و هتك الأحكام الشرعية عموم من وجه و بعبارة اخري مجرد تمني الحرام لا يكون هتكا

______________________________

(1) المستدرك الباب 70 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 211

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 164

للحكم الشرعي و ان شئت قلت: تمني الحرام ليس أعظم من ارتكاب الحرام و من الظاهر ان ارتكاب الحرام في نفسه ليس هتكا للحكم الشرعي نعم تمني الحرام مع وصف الحرمة لا يبعد أن يكون مصداقا للتجري فيكون صاحبه مستحقا للعقاب اذ قلنا في

محله ان التجري يقتضي استحقاق العذاب و اما اقتضائه لحرمة ما يتحقق به فلا و كيف كان ما يمكن أن يستدل به علي حرمة التشبيب بالمعني الذي ذكره الماتن قدس سره أو استدل وجوه:

الوجه الأول: ان التشبيب بها هتكها و توهينها فيكون حراما

. و فيه ان حرمة الهتك لا تختص بالشعر و لا تختص بالأجنبية فان هتك المؤمن حرام باي وجه كان و بين العنوانين عموم من وجه فلاحظ.

الوجه الثاني: انه ايذاء للغير فيكون حراما

. و فيه أولا انا لا نسلم كون التشبيب مستلزما للإيذاء فانه يختلف بحسب الموارد من الخصوصيات و ليس أمرا كليا بل ربما يكون التشبيب يوجب سرور المشيب بها فان النفوس مختلفة و ثانيا ان الفعل اذا كان جائزا في حد نفسه فاثبات حرمته لكونه إيذاء يحتاج الي الدليل سيما اذا لم يكن الفاعل قاصدا للإيذاء و بعبارة واضحة: اي دليل دل علي كون الإيذاء علي الإطلاق حراما فانه علي هذا الأساس يلزم حرمة كثير من الأفعال لكونها إيذاء للغير و هل يمكن الالتزام به مثلا لو فرض ان زيدا يتأذي من صيرورة بكر مجتهدا فهل يمكن أن يقال ان صيرورة بكر مجتهدا حرام لكونه إيذاء لزيد؟

كلا ثم كلا.

الوجه الثالث: ان التشبيب لهو و اللهو باطل

. و فيه ان التشبيب لا يكون ملازما مع اللهو اذ ربما يكون فيه غرض عقلائي مضافا الي أنه لا دليل علي حرمة اللهو علي الإطلاق و مقتضي قوله تعالي: وَ مَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ «1» عدم حرمته علي الاطلاق و علي الجملة اللهو في الجملة حرام و اما بالجملة فلا.

______________________________

(1) الانعام/ 32

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 165

الوجه الرابع ان التشبيب من الفحشاء و المنكر فيكون حراما

. و فيه انه مصادرة بالمطلوب و بعبارة اخري: اثبات كون التشبيب من الفحشاء و المنكر يحتاج الي اقامه دليل و مجرد الدعوي لا يكفي كما هو ظاهر مضافا الي أنه علي هذا لا يختص بمورد دون الأخر فلا وجه لأخذ القيود المذكورة في الموضوع.

الوجه الخامس: انه مناف مع العفاف الذي اعتبر في الشاهد

لاحظ حديث ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و السيد و اللسان «1» فان المستفاد من الحديث اشتراط العفاف في العدالة و حيث ان العدالة واجبة يحرم ما ينافيها. و فيه ان العفاف عن المحرمات واجب و شرط في العدالة لا مطلق العفاف و كون التشبيب حراما اوّل الكلام و الأشكال.

الوجه السادس: الأخبار الدالة علي حرمة اثارة الشهوة الي غير الحليلة

و هذه الأخبار علي طوائف منها ما يدل علي حرمة النظر الي الأجنبية و منها الأخبار الدالة علي حرمة الخلوة مع الأجنبية و منها ما يدل علي حرمه قعود النساء و الرجال في الخلاء و منها ما ورد في النهي عن قعود الرجل مكان المرأة حتي يبرد و منها ما ما ورد في رجحان التستر عن نساء اهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن و منها ما ورد في التستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يري الي غيرها من النصوص فان المستفاد من هذه الأخبار حرمة اثارة الشهوة الي غير الحليلة و حيث ان التشبيب من مصاديق الأثارة فيحرم. و فيه أولا ان النسبة بين التشبيب و اثارة الشهوة عموم من وجه و ثانيا هذه الأخبار علي فرض غمض العين عن اسنادها و تسلم كونها معتبرة و علي فرض غمض العين أيضا عن النفاش في دلالتها غاية ما يستفاد منها الأحكام الخاصة المذكورة فيها اعني النظر و الخلوة و القعود معها في بيت الخلأ و لا يستفاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب الشهادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 166

منها ان الأثارة بما هي حرام

و الا يلزم أن نلتزم بحرمة أكل بعض المقويات التي توجب اثارة الشهوة و هل يمكن الالتزام به؟

الوجه السابع: انه يوجب اغراء الفساق بها

. و فيه أولا انه لا ملازمة بين الأمرين و ثانيا ان التشبيب بالحليلة يمكن أن يوجب ذلك فلا وجه للتقييد بكون المرأة اجنبية كما انه لا فرق فيه بين المرأة المؤمنة و غيرها في هذه الجهة و ثالثا ما الدليل علي حرمة الأغراء غير كونه اعانة علي الاثم و قد مر عدم دليل علي حرمتها.

الوجه الثامن: انه يوجب النقص فيها فيحرم

. و فيه أولا انه لا ملازمة بين الأمرين و ثانيا لا يختص بالشعر فتحصل انه لا دليل علي حرمة التشبيب بما هو نعم اذا تعنون بعنوان من العناوين المحرمة يكون حراما كما هو واضح.

[المسألة الرابعة تصوير صور ذوات الأرواح حرام إذا كانت الصورة مجسمة]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الرابعة تصوير صور ذوات الارواح حرام اذا كانت الصورة مجسمة … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: في حكم تصوير صور ذوات الأرواح اذا كانت الصورة مجسمة

ربما يستدل علي حرمته بالإجماع و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك اذ يمكن أن يكون المستند في نظر المجمعين النصوص الواردة في الأبواب المتفرقة فالعمدة في مدرك الحكم النصوص فلا بد من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة الحكم منها فنقول:

منها ما رواه أبو العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل فقال: و اللّه ما هي تماثيل الرجال و النساء و لكنها الشجر و شبهه «1» و هذه الرواية لا تدل علي المدعي فان المستفاد من الحديث ان تلك التماثيل لم تكن تماثيل الرجال و اما حكم تماثيل الرجال فالحديث ساكت

______________________________

(1) الوسائل الباب 94 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 167

عنه.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه اللّه تعالي يوم القيمة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها و ان كانت ظاهرة في المدعي.

و منها ما رواه ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من صور صورة عذب و كلف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن تماثيل الشجر

و الشمس و القمر، فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان «3» و الظاهر انه لا بأس به سندا و أيضا يستفاد منها عدم جواز تمثال الروحاني.

و منها ما رواه محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول:

ثلاثة يعذبون يوم القيمة: من صور صورة من الحيوان يعذب حتي ينفخ فيها و ليس بنافخ فيها و المكذب في منامه يعذب حتي يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و المستمع الي حديث قوم و هم له كارهون يصب في اذنه الآنك و هو الأسرب «4» و لا يبعد اعتبار سند الحديث كما ان المستفاد منه حرمة التصوير فلا اشكال في حرمة تصوير صور ذوات الأرواح اذا كانت الصورة مجسمة.

الفرع الثاني: هل يحرم تصوير صور ذات الأرواح اذا كان علي نحو النقش لا علي نحو التجسيم أم لا؟

الحق بمقتضي الأدلة حرمته لاحظ ما رواه ابن مسلم «5»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر الحديث 7

(5) مر آنفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 168

فان مقتضي اطلاق التمثال حرمة الصورة المنفوشة فان المستفاد من الذيل حرمة تمثال الحيوان و لو منقوشا و لاحظ ما رواه محمد بن مروان المتقدم آنفا فان مقتضي اطلاق الصورة شمولها للمنقوش و لا مجال لان يقال ان ذيل الرواية يوجب اختصاص الحكم بالمجسم بتقريب ان التكليف بالنفخ يتوقف علي قابلية المحل لأن ينفخ فيه، اذ يمكن التكليف بالنفخ في المنقوش بلحاظ اللون و اجزاء الصبغ اللطيفة و لا يلزم منه تبديل العرض بالجوهر بل تبديل الجوهر بجوهر آخر فلا تغفل.

و تؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

أتاني جبرئيل قال: يا محمد ان ربك يقرئك السلام و ينهي عن تزويق البيوت قال ابو بصير فقلت و ما تزويق البيوت فقال: تصاوير التماثيل «1».

و منها ما رواه ابن أبي عمير عن رجل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من مثل تمثالا كلف يوم القيمة أن ينفخ فيه الروح 2.

و منها ما رواه المثني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان عليا عليه السلام كره الصور في البيوت «3».

و منها ما رواه الحسين بن المنذر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام ثلاثة معذبون يوم القيمة: رجل كذب في رؤياه يكلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد بينهما و رجل صور تماثيل يكلف أن ينفخ فيها و ليس بنافخ 4 و منها ما رواه ابو العباس «5»

و منها رواه الفضل ابو العباس قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عز و جل: يعلمون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب و قال: ما هي

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب احكام المساكن الحديث 1 و 2

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 3 و 5

(5) لاحظ ص 166

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 169

تماثيل الرجال و النساء و لكنها تماثيل الشجر و شبه «1»

و منها ما رواه ابن القداح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور 2.

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي المدينة فقال:

لا تدع صورة الا محوتها و لا قبرا الا سويته و لا كلبا الا قتلته «3».

و منها ما رواه جراح المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تبنوا علي القبور و لا تصوروا سقوف البيوت فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كره ذلك 4.

و منها ما رواه الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام «5».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أتاني جبرئيل فقال: يا محمد ان ربك ينهي عن التماثيل 6.

و منها ما رواه سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ هم المصورون يكلفون يوم القيمة أن ينفخوا فيها الروح «7».

و منها ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كره الصور في البيوت 8.

الفرع الثالث هل يحرم تصوير صور غير ذوي الأرواح كالشجر و نحوه أم لا

ربما يقال بأن مقتضي اطلاق بعض النصوص حرمته و عدم الاختصاص بذوي الارواح كالحديث الواحد و الثالث و السابع و الثامن و التاسع و العاشر و الحاد يعشر و الثالث

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 6 و 7.

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 8 و 9.

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث: 10 و 11.

(7) (7 و 8) نفس المصدر الحديث: 12 و 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 170

عشر و الرابع عشر من الباب 3 من أبواب احكام المساكن.

و فيه أولا ان اكثر هذه النصوص ضعيف سندا و ثانيا علي فرض الإغماض عن اسنادها و تمامية

الإطلاق في مفادها لا بدّ من رفع اليد عن اطلاقها و تقييدها بخصوص ذوات الأرواح لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» فان المستفاد من الحديث اختصاص الحرمة بصورة ذي الروح و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا بأس بتماثيل الشجر «2» فانه قد صرح في هذه الرواية بجواز تمثال الشجر و علي الجملة لا مقتضي لعموم الحكم أولا و قيام الدليل علي الاختصاص ثانيا فلا يحرم تصوير صور غير ذوات الأرواح.

الفرع الرابع: هل يحرم تصوير الملك او الجن أم لا؟

يمكن أن يستدل علي الجواز بأن دليل المنع مشتمل علي عنوان الحيوان و هذا العنوان لا يشمل الملك و الجن فانهما لا يكونان من الحيوانات و بعبارة اخري: الجن مغاير للحيوان و كذلك الملك و ان شك في كونهما من أنواع الحيوان يكفي الشك في صدق عنوان الحيوان عليهما فانه مع الشك في الموضوع لا مجال للأخذ بالإطلاق أو العموم و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الحيوان عبارة عن جسم حساس نام متحرك بالإرادة فان كان الجن و الملك جسما يكونان داخلين تحت هذا المفهوم بلا كلام و ان لم يكونا جسما بأن يقال الملك من عالم المجردات فعلي تقدير صحة هذه الدعوي لا يمكن تصويره فانه كيف يمكن تصوير المجرد و بعبارة واضحة المجرد لا صورة له و يمكن اثبات الحرمة بتقريب آخر و هو ان تصوير الملك أو الجن لا محالة يكون كصورة الحيوان فيشمله دليل الحرمة و ببيان واضح: يصدق علي تصويريهما انه صورة الحيوان فيشمله دليل المنع. ان قلت الذي يصور

______________________________

(1) لاحظ ص: 167

(2) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 171

صورة الملك أو

الجن لا يقصد تصوير الحيوان بل يقصد صورة الملك أو الجن فلا يحرم علي فرض عدم كونهما حيوانا قلت اذا صدق عنوان تصوير الحيوان يشمله دليل المنع و لا وجه لاشتراط القصد المذكور و بعبارة اخري: تعلق الحرمة بهذا العنوان و مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم اشتراط القصد المذكور و مما ذكرنا علم ما في كلام الماتن حيث افاد بأنه مع عدم قصد الحكاية لا بأس قطعا فانه اي دافع عن اطلاق الدليل فلاحظ و صفوة القول انه يكفي في تحقق الحرمة الالتفات الي أن الصورة الفلانية صورة الحيوان فانه يشمله دليل الحرمة.

الفرع الخامس: هل يشترط في الحرمة ان تكون الصورة معجبة أم لا؟

الظاهر انه لا وجه لهذا الاشتراط فان مقتضي الإطلاق عموم الحكم و عدم التقييد فلا وجه لما أفاده الماتن من التقييد المذكور.

الفرع السادس: هل يعتبر الصدق العرفي في حرمة التصوير أم لا؟

الحق هو الاعتبار فان المستفاد من الدليل حرمة تصوير ذوات الأرواح فاذا صور صورة يد انسان لا يكون حراما و بعبارة اخري تصوير جزء من اجزاء الحيوان لا يكون مشمولا لدليل الحرمة و علي الجملة لا بدّ في تحقق الحرمة من صدق العنوان فاذا صور صورة جالس يكون حراما و علي هذا الأساس لو صور جملة من اعضاء الإنسان و لم يتمم لم يرتكب حراما و اذا تمم الأجزاء و كملها شخص آخر ارتكب المحرم و اذا شرع في التصوير و كان عازما علي الإتمام ثم بدا له و لم يتمم لم يرتكب الحرام لعدم تحقق موضوعه نعم يستحق العقاب من باب تحقق التجري.

الفرع السابع: هل يكون أخذ العكس المتعارف المتداول في الخارج في العصر الحاضر حراما أم لا؟

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام: لا يحرم اخذ العكس المتعارف في زماننا لعدم كونه ايجادا للصورة المحرمة و انما هو أخذ للظل و ابقاء له بواسطة الدواء فان الإنسان اذا وقف في مقابل المكينة العكاسة كان حائلا بينها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 172

و بين النور فيقع ظله علي المكينة و يثبت فيها لأجل الدواء الي آخر كلامه.

و يرد عليه ان الميزان في استفادة المقاصد من الألفاظ العرف و بعبارة اخري العرف محكم في تشخيص المفاهيم و لا اشكال في أن التصوير بماله من المفهوم العرفي يصدق علي العكس المتداول في زماننا فيترتب عليها الحكم اي الحرمة.

الفرع الثامن: في ان اقتناء الصور المحرمة هل يكون حراما أم لا؟
اشارة

ما يمكن أن يذكر في مستند المنع وجوه:

الوجه الأول انه لا فرق بين الإيجاد و الوجود الا بالاعتبار

فان الوجود اذا لوحظ بالنسبة الي الموجود يكون وجودا و اذا لوحظ بالنسبة الي الموجد يكون ايجادا فلو حرم الإيجاد يحرم الوجود. و فيه ان الكلام في ابقاء الوجود و من الظاهر انه لا ملازمة بين الحدوث و البقاء من الحكم و الذي ثبت حرمته احداثه و أما ابقائه فلا دليل علي حرمته لو لم يكن دليل علي جوازه.

الوجه الثاني: ان مقتضي حديث تحف العقول حرمة الإبقاء

اذ فيه حرمة امساك ما يجي ء فيه الإفساد. و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ليس التصوير و الصورة مما لا يترتب عليه الا الفساد.

الوجه الثالث انه يستفاد من جملة من النصوص وجوب محو كل صورة

لاحظ ما رواه السكوني «1» و ما رواه جراح المدائني «2» و فيه ان الأخبار المشار إليها ضعيفة سندا مضافا الي ان مقتضي بعض النصوص وجوب محو الصورة و لو لم تكن صورة ذي روح من ذوي الأرواح.

الوجه الرابع انه قد دل بعض النصوص علي حرمة اللعب بالتماثيل

لاحظ ما رواه ابن جعفر عن أخيه موسي أنه سأل أباه عن التماثيل فقال: لا يصلح أن يلعب بها «3» و ما رواه مثني رفعه قال: التماثيل لا يصلح أن يلعب بها 4 و يرد عليه أولا ان الحديثين

______________________________

(1) لاحظ ص 169

(2) لاحظ ص 169

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 3 من ابواب احكام المساكن الحديث 15 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 173

ضعيفان سندا و ثانيا عدم الصلاح اعم من الحرمة فتأمل و ثالثا علي فرض تمامية الدلالة انما يدلان علي حرمة اللعب بها و حرمة اللعب بالتماثيل لا تستلزم حرمة مطلق الاقتناء كما هو ظاهر.

الوجه الخامس ما رواه ابن مسلم

«1» بتقريب ان الظاهر من الرواية السؤال عن التماثيل بعد فرض وجودها في الخارج لا عن ايجادها فلا بد من تقدير ما يناسب تقديره و لا اشكال في كون تقدير الاقتناء مناسبا و فيه ان المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون السؤال عن احداثها اذ يستفاد من جملة من النصوص ان التصوير في الجملة محرم في الشريعة فالسئوال يناسب أن يكون من الأحداث و ان أبيت فلا اقل من كونه احد المحتملات و مع هذا الاحتمال لا يمكن الجزم بكون المقدر هو الاقتناء و امثاله بل يتردد الأمر بين كون المراد احداث التمثال و بين اقتنائه بعد فرض وجوده و بعبارة اخري لا جامع بين الأمرين فيعلم اجمالا بحرمة أحد الأمرين و المفروض حرمة الأحداث بمقتضي بقية النصوص فاصالة الإباحة الجارية في الاقتناء بلا معارض.

مضافا الي أنه يعارضه ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الوسادة و البساط يكون فيه التماثيل، فقال: لا بأس به يكون في البيت

قلت التماثيل؟ فقال: كل شي ء يوطأ فلا بأس به «2» و مقتضي هذه الرواية جواز الإبقاء و الاقتناء و حيث ان الأحدث منهما غير معلوم يدخل المقام في باب اشتباه الحجة بغير الحجة و مقتضي اصالة الإباحة هو الجواز.

اضعف الي ذلك ما رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن البيت فيه صورة سمكة أو طير أو شبهها يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه

______________________________

(1) راجع ص 167

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام المساكن الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 174

فقال: لا حتي يقطع رأسه منه و يفسد، و ان كان قد صلي فليست عليه اعادة «1» فان المستفاد من هذه الرواية جواز الاقتناء و انما الأشكال من جهة الصلاة و هذه الرواية ترجح علي غيرها لكونها أحدث و مثله في الدلالة ما رواه سعد بن اسماعيل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المصلي و البساط يكون عليه تماثيل أ يقوم عليه فيصلي أم لا؟ فقال و اللّه اني لاكره و عن رجل دخل علي رجل عنده بساط عليه تمثال، فقال: أ تجد هاهنا مثالا؟ فقال لا تجلس عليه و لا تصل عليه «2» و ما رواه علي بن جعفر عن أبيه قال سألته عن الرجل يصلح أن يصلي في بيت علي بابه ستر خارج فيه تماثيل و دونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل، هل يصلح أن يرخي الستر الذي ليس فيه تماثيل حتي يحول بينه و بين الستر الذي فيه التماثيل أو يجيف الباب دونه و يصلي فيه؟ قال: لا بأس قال و سألته عن الثوب يكون فيه التماثيل

أو في علمه أ يصلي فيه قال لا يصلي فيه 3.

الوجه السادس: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام

قال لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت اذا غيرت رءوسها منها و ترك ما سوي ذلك «4» فان هذه الرواية بمفهومها تدل علي حرمة اقتناء التماثيل الا اذا غيرت رءوسها منها و حمل الرواية علي أن النهي ناظر الي الصلاة خلاف الظاهر لكن تعارض جملة اخري من النصوص و فيها ما يكون أحدث فالترجيح مع دليل الجواز.

الوجه السابع ما رواه حاتم

عن جعفر عن أبيه ان عليا كان يكره الصورة في البيوت «5». فان المستفاد من هذا الحديث ان عليا كان يكره الصورة في البيوت

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من ابواب مكان المصلي الحديث 12

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 45 من ابواب لباس المصلي الحديث 14 و 16

(4) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام المساكن الحديث 3

(5) الوسائل الباب 3 من ابواب أحكام المساكن الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 175

و مقتضي حديث أبي بصير «ان عليا لم يكن يكره الحلال «1» فيكون ابقاء التمثال حراما و الجواب أولا ان هذا الحديث ضعيف و ثانيا ان المراد بالحلال الذي لم يكن عليه السلام يكرهه الحلال في مقابل بقية الأحكام و بعبارة اخري الحلال المساوي الطرفين و الا فلا اشكال في أنه عليه السلام كان يكره المكروه.

الوجه الثامن ما رواه الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ربما قمت اصلي و بين يدي و سادة فيها تماثيل طائر فجعلت عليه ثوبا، و قال: و قد اهديت الي طنفسة من الشام عليها تماثيل طائر فامرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر و قال:

ان الشيطان أشد ما يهم بالإنسان اذا كان وحده «2».

فان المستفاد من الحديث حرمة الإبقاء و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان فعل الإمام لا يدل علي الوجوب و ثالثا علي فرض تسليم الدلالة يعارضه جملة أخري من النصوص و فيها أحدث اضف الي ذلك ان المستفاد من حديث ابن مسلم جواز الاقتناء قال سألت احدهما عليه السلام عن التماثيل في البيت فقال:

لا بأس اذا كانت عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجلك، و ان كانت في القبلة فالق

عليها ثوبا «3» فعلي تقدير عدم تشخيص الأحدث يدخل المقام في اشتباه الحجة بغيرها فتصل النوبة الي البراءة الا أن يقال ان الوارد في هذه الرواية عنوان التماثيل و هو قابل للتخصيص فتأمل.

الفرع التاسع هل يجوز بيع التماثيل و لو كانت مجسمة أم لا؟

الظاهر هو الجواز لعدم ما يقتضي المنع فان الدليل انما دل علي حرمة ايجاد صور ذوات الأرواح و أما بيع الصور تكليفا أو وضعا فلا دليل علي المنع عنه و مقتضي القاعدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب الربا الحديث 1

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب المساكن الحديث 7

(3) الوسائل الباب 32 من ابواب مكان المصلي الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 176

الأولية الجواز تكليفا و الصحة وضعا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه التأمل أنه لا فرق بين الواجب و الحرام من هذه الجهة فان الحكم مترتب علي ايجاد الصورة و يتحقق هذا الموضوع باتمامها فلا وجه للحرمة الشرعية قبل الإتمام.

[المسألة الخامسة التطفيف حرام]

«قوله قدس سره: الخامسة التطفيف حرام … »

عن تفسير التبيان المطفف المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن و التطفيف التنقيص علي وجه الخيانة في الكيل او الوزن و عن مفردات الراغب طفف الكيل قلل نصيب المكيل له في ايفائه و استيفائه و عن المصباح طففه فهو مطفف اذا كال أو وزن و لم يوف.

«قوله قدس سره: و يدل عليه الادلة الاربعة … »

اما الكتاب فيدل علي المدعي قوله تعالي وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتٰالُوا عَلَي النّٰاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذٰا كٰالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ «1» و قوله تعالي فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلٰاحِهٰا «2» و قوله تعالي وَ يٰا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيٰالَ وَ الْمِيزٰانَ بِالْقِسْطِ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «3» و قوله تعالي أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لٰا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَ زِنُوا بِالْقِسْطٰاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا

تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ «4»

______________________________

(1) المطففين/ 3 و 2 و 1

(2) الاعراف/ 85

(3) الهود/ 85

(4) الشعراء/ 183 و 182 و 181

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 177

و أما الستة فعدة نصوص منها ما رواه سعد بن سعد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن قوم يصغرون القفيزان يبيعون بها قال: اولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم «1»

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يصلح للرجل ان يبيع يصاع غير صاع المصر 2.

و منها ما رواه الأصبغ بن نباتة قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر: يا معشر التجار الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر الفقه ثم المتجر و اللّه للربا في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل علي الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق التاجر فاجر، و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق «3».

و اما الإجماع فالظاهر انه لا يكون تعبديا بل يمكن استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام من الكتاب و السنة و أما العقل فتقريب الاستدلال به علي المدعي ان البخس في المكيال ظلم و الظلم قبيح عقلا فيحرم شرعا. و فيه انه لا يمكن استفادة الأحكام الشرعية عن طريق العقل لأن الأحكام الشرعية تابعة للملاكات التي يعلمها الشارع الأقدس و لا تنال تلك الملاكات بالعقول و لذا لا اشكال في أن كل مورد يرد دليل شرعي يدل علي جواز الفعل الفلاني نلتزم بالجواز لأنا تابعون للشارع و نقول لعل الحكم الفلاني فيه ملاك لا نميزه مثلا يحكم العقل بقبح الإيذاء فلو ورد دليل دل علي أن الإيذاء الخاص من حيث الزمان و المكان و المؤذي بالفتح جائز نأخذ بذلك الدليل

و نقول يجوز الإيذاء الفلاني و الحال أنه لو كان حكم العقل مستتبعا للحكم الشرعي يلزم التناقض فالنتيجة ان الدليل هو الكتاب و السنة و نعم الدليل

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 6 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 1 و 2

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب آداب التجارة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 178

و يكفينا مضافا الي أنه لا اشكال و لا كلام في حرمة البخس.

«قوله قدس سره: ثم ان البخس» …

بلا اشكال و لا كلام و عن مفردات الراغب البخس نقص الشي ء علي سبيل الظلم و عن القاموس البخس النقص و الظلم فيكون النقص في العدو الذرع داخلا تحت عنوان البخس.

«قوله قدس سره: و لو وازن الربوي بجنسه … »

ينبغي توضيح المقام و تفصيله كي يتضح الحال علي ما هو حقه فنقول تارة يقع العقد علي الكلي في الذمة و اخري يقع علي الكلي في المعين و ثالثة يقع علي الموجود الخارجي أما الصورة الاولي و الصورة الثانية فلا كلام في صحة العقد بلا فرق بين كون البيع ربويا و ما لم يكن كذلك غاية الأمر في مقام تسليم المبيع لو خان و لم يسلم حق المشتري ارتكب محرما و يكون ضامنا و أما الصورة الثالثة و هي ما لو وقع البيع علي الشخص الخارجي علي انه كذا مقداره و لم يكن ذلك المقدار فربما يقال يكون البيع باطلا بتقريب أن ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد أو بتقريب ان المورد من موارد تعارض الإشارة و الوصف و الحق أن يقال أن العنوان المأخوذ في المبيع تارة يكون من العناوين الذاتية و لو عرفا و

اخري لا يكون كذلك أما لو وقع البيع علي العنوان الذاتي كما لو أوقع البيع علي الموجود الخارجي علي أنه حمار فبان أنه عبد حبشي يكون البيع باطلا و أما لو لم يكن العنوان المأخوذ في المبيع عنوانا ذاتيا كما لو وقع العقد علي العبد الخارجي علي أنه كاتب فبان انه لا يكون كاتبا فتارة يعلق العقد علي وجود الكتابة و اخري يشترط في ضمن العقد كونه كاتبا اما علي الأول فيكون العقد باطلا لأجل التعليق و اما في الصورة الأخري فيكون العقد صحيحا مع الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 179

اذا عرفت ما تقدم نقول: اذا وازن الربوي بجنسه و يكون في احد الطرفين نقص فان العقد علي نحو التعليق يبطل العقد لأجل التعليق و ان كان بنحو الاشتراط يبطل لأجل الربا و ان كان المقصود تبديل المقدار الخاص بمقابله بذلك المقدار يصح العقد في المقدار المساوي و يبطل في الزائد هذا في الربوي و اما في غيره فان كان من القسم الأول يبطل لاجل التعليق و ان كان من القسم الثاني يصح مع الخيار و ان كان من القسم الثالث يصح في المقدار المساوي و يبطل في الزائد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يمكن ابتنائه علي ان الاشتراط … »

هذا المبني فاسد فان الشرط لا يقابل بالثمن فلا مجال لان يقال له قسط من الثمن و بعد فساد المبني يكون البناء فاسدا أيضا فلاحظ.

[المسألة السادسة التنجيم حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: السادسة التنجيم حرام … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول: انه يجوز الاخبار عن احوال الكواكب و حركاتها

و ما يتفرع عليها من الخسوف و الكسوف و الحرارة و البرودة فانه لا شبهة في هذه الامور فان الاخبار عن شدة حرارة الشمس في الصيف و تأثيرها في الامور السفلية جائز فانه لا اشكال و لا كلام في سير الكواكب و تأثيرها في جملة من الامور و مع القطع بها او الاطمينان يجوز الاخبار نعم لو لم يحصل القطع و حصل الظن لا يجوز الاخبار الجزمي بل يجوز الاخبار الظني.

الفرع الثاني: انه يحرم الاخبار عن تأثير الاوضاع الفلكية في الامور السفلية

علي نحو تأثير الاستقلالي او علي نحو الدخل في التأثير فانه علي خلاف ضرورة الدين اذ لا مؤثر في الوجود الا اللّه و قد وردت جملة من الروايات في المقام لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة و استفادة المراد منها فمن تلك النصوص ما رواه عبد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 180

الرحمن قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يقولون: ان النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فان كانت تضر بديني فلا حاجة لي في شي ء يضر بديني و ان كانت لا تضر بديني فو اللّه اني لاشتهيها و اشتهي النظر فيها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: انكم تنظرون في شي ء منها كثيره لا يدرك و قليله لا ينتفع به «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا يستفاد منها ما يرتبط بالمدعي في المقام.

و منها ما رواه هشام الخفاف قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني، قال: كيف دوران الفلك عندكم «الي ان قال» ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر و

يحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الاخر فأين كانت النجوم؟ قال: قلت لا و اللّه لا أعلم ذلك قال: فقال:

صدقت أن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك الا من علم مواليد الخلق كلهم «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا يستفاد منها ما يرتبط بالمقام.

و منها ما رواه معلي بن الخنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النجوم أحق هي؟ فقال: نعم ان اللّه بعث المشتري الي الأرض في صورة رجل فاخذ رجلا من العجم فعلمه «الي ان قال» ثم أخذ رجلا من الهند فعلمه الحديث «3» و الرواية ضعيفة مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها مرسل جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن النجوم قال:

ما يعلمها الا أهل بيت من العرب و أهل بيت من الهند «4» و الكلام فيه هو الكلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 181

و منها ما روي عن علي عليه السلام في حديث أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن خصال تسعة: عن مهر البغي، و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل «الي أن قال» و عن النظر في النجوم «1» و الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه أبو الحصين قال سمعت أبا عبد اللّه السلام عليه يقول: سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن الساعة فقال: عند ايمان بالنجوم و تكذيب بالقدر «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه ابن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام

يقول: المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها ملعون و آكل كسبها ملعون 3 و الحديث ضعيف سندا.

و منها مرسل الصدوق قال و قال: عليه السلام المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر، و الكافر في النار «4» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الصدوق أيضا عن أبي جعفر عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه نهي عن عدة خصال منها النظر في النجوم 5 و السند ضعيف.

و منها ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أن زنديقا قال له ما تقول في علم النجوم؟ قال: هو علم قلت منافعه و كثرت مضاره، لا يدفع به المقدور و لا يتقي به المحذور ان خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء و ان خبر هو بخير لم يستطع تعجيله و ان حدث به سوء لم يمكنه صرفه و المنجم يضاد اللّه في علمه بزعمه أنه يرد قضاء اللّه عن خلقه «6» و السند ضعيف و منها

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 14

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(6) نفس المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 182

المرسل قال النبي صلي اللّه عليه و آله من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «1» و لا اعتبار بالمرسلات.

و منها ما رواه ابن طاوس في كتاب الاستخارات في دعاء الاستخارة الذي كان يدعو به الصادق عليه السلام

الي أن قال: اللهم انك خلقت أقواما يلجئون الي مطالع النجوم لأوقات حركاتهم و سكونهم و خلقتني أبرأ أليك من اللجأ إليهم و من طلب الاختيارات بها و أيقن أنك لم تطلع أحدا علي غيبك في مواقعها و لم تسهل له السبيل الي تحصيل أفا عليها الخ 2 و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن اعين قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة، فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها، و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي: تقتضي؟ قلت نعم قال: أحرق كتبك «3» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن عوف قال لما أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير الي أهل النهروان أتاه منجم فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة و سر في ثلاث ساعات يمضين من النهار فقال له أمير المؤمنين عليه السلام و لم؟ قال لأنك ان سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذي و ضر شديد و ان سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت و أصبت كلما طلبت فقال أمير المؤمنين عليه السلام تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثي؟ قال ان حسبت علمت فقال أمير المؤمنين عليه السلام من صدقك علي هذا القول فقد كذب بالقرآن «ان اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام و ما تدري نفس ما ذا تكسب غدا و ما تدري نفس بأي أرض تموت ان اللّه عليم خبير» ما كان محمد صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 11 و

12

(3) الوسائل الباب باب 14 من ابواب آداب السفر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 183

يدعي ما ادعيت، أ تزعم أنك تهدي الي الساعة التي من صار فيها صرف عنه السوء و الساعة التي من صار فيها حاق به الضر، من صدقك بهذا استغني بقولك عن الاستعانة باللّه في ذلك الوجه و أحوج الي الرغبة أليك في دفع المكروه عنه، و ينبغي أن يوليك الحمد دون ربه عز و جل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللّه ضدا و ندا ثم قال عليه السلام اللهم لا طير الا طيرك و لا ضير الا ضيرك و لا خير الا خيرك و لا إله غيرك ثم التفت الي المنجم و قال: بل نكذبك و نسير في الساعة التي نهيت عنها «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في حديث في قول اللّه تعالي «و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات» الي أن قال: و أما الكلمات فمنها ما ذكرناه و منها المعرفة بقدم باريه و توحيده و تنزيهه عن التشبيه حتي نظر الي الكواكب و القمر و الشمس و استدل بافول كل واحد منها علي حدثه و بحدثه علي محدثه ثم اعلمه عز و جل ان الحكم بالنجوم خطاء «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه الكابلي قال سمعت زين العابدين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس «الي أن قال» و الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم و التكذيب بالقدر و عقوق الوالدين الحديث «3» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السلام عن قوله تعالي «و ما يؤمن اكثرهم باللّه إلا وهم مشركون» قال، كانوا يقولون يمطر نوء كذا و نوء كذا لا يمطر و منها انهم كانوا يأتون العرفاء فيصدقونهم بما يقولون «4» و السند

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

(3) نفس المصدر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 184

ضعيف.

و منها ما روي عن نهج البلاغة قال قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له: يا أمير المؤمنين ان سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال عليه السلام أ تزعم أنك تهدي الي الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر، فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن، و استغني عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب و دفع المكروه و ينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه، لأنك بزعمك أنت هديته الي الساعة التي نال فيها النفع و أمن الضر ثم اقبل عليه السلام علي الناس فقال: ايها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا علي اسم اللّه. «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابن طاوس نقلا من كتاب تعبير الرؤيا لمحمد بن يعقوب الكليني باسناده عن محمد بن بسام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و ذلك هو كانت صحيحة حين لم ترد الشمس علي يوشع بن نون و

علي أمير المؤمنين عليه السلام فلما رد اللّه عز و جل الشمس عليهما ضل فيها علماء النجوم فمنهم مصيب و مخط «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه زيد بن خالد قال صلي بنا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صلاة الصبح في الحديبية، في اثر سماءة كانت من الليل فلما انصرف الناس قال: هل تدرون ما ذا قال ربكم؟ قالوا: اللّه و رسوله أعلم، قال: ان ربكم يقول: من

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 185

عبادي مؤمن لي و كافر بالكواكب و كافر بي و مؤمن بالكواكب فمن قال: مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلك مؤمن بي و كافر بالكواكب، و من قال مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه حمران عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاثة من عمل الجاهلية:

الفخر بالأنساب و الطعن بالأحساب و الاستسقاء بالأنواء «2» و حمران الراوي للخبر لم يوثق و الحديث لا يستفاد منه الا مرجوحية الاستسقاء بالأنواء.

و منها ما رواه محمد بن عيسي قال كتب إليه أبو عمر اخبرني يا مولاي انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نري السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم و يقول قوم من الحساب قبلنا: انه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و افريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتي يختلف العرض «الفرض» علي اهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا فوقع: لا صوم من الشك افطر لرؤيته و صم لرؤيته «3»

و السند مخدوش بالإضمار و بغيره مضافا الي انه لا يستفاد من الخبر الا عدم حجية قول المنجم في هلال شهر رمضان.

و منها ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال من صدق كاهنا او منجما فهو كافر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «4» و السند ضعيف.

فالنتيجة انه لا يستفاد من نصوص الباب ما يرتبط بالمقام فعلي هذا يلزم ان نري ما هو الميزان في تحقق الإسلام و الكفر بمقتضي الكتاب و السنة و الإجماع ثم نري ان الاعتقاد بتأثير الكواكب في الأمور السفلية ينافي الإسلام أم لا فنقول اصول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب صلاة الاستسقاء

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب احكام شهر رمضان الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 186

الإسلام أربعة: الأول الإيمان باللّه و انه المؤثر في جميع العوالم من العلوية و السفلية و هذا من الواضحات و لا مجال للبحث فيه و الكلام حوله و من انكر وجود الصانع و الموجد كالدهرية كان كافرا بالضرورة عند اهل الاسلام و تدل علي المدعي جملة من الآيات القرآنية منها قوله تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ* الآية «1» فان المستفاد من الآية انحصار المؤمن فيمن يكون مؤمنا باللّه و برسوله.

و تدل علي المدعي أيضا جملة من الروايات منها ما رواه سماعة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي، فقال: الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلي اللّه عليه

و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس «2».

الثاني الايمان و الاقرار بالتوحيد و يقابله الشرك و يدل علي المدعي جملة من الآيات منها قوله تعالي يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس الي أن قال قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ «3» و منها قوله تعالي قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِليٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلّٰا نَعْبُدَ إِلَّا اللّٰهَ وَ لٰا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لٰا يَتَّخِذَ بَعْضُنٰا بَعْضاً أَرْبٰاباً 4 و منها قوله تعالي وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكٰاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ «5».

كما انه تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه هشام بن سالم

______________________________

(1) النور/ 62

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 25 حديث 1 باب ان الايمان يشرك الاسلام

(3) (3 و 4) التوبة/ 28 و 29/ و آل عمران/ 64

(5) الانعام/ 22

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 187

عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: فطرة اللّه التي فطر الناس عليها قال التوحيد «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عز و جل: «فطرة اللّه التي فطر الناس عليها» ما تلك الفطرة؟ قال هي الاسلام فطرهم اللّه حين اخذ ميثاقهم علي التوحيد قال: أ لست بربكم؟ و فيه المؤمن و الكافر 2.

و منها ما رواه زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل «فطرة اللّه التي فطر الناس عليها» قال فطرهم جميعا علي التوحيد

«3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «حنيفا مسلما» قال: خالصا مخلصا ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان «4».

و منها بهذا الأسناد قال سألته عن قول اللّه عز و جل: الا من أتي اللّه بقلب سليم قال: القلب السليم الذي يلقي ربه و ليس فيه أحد سواه قال و كل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط و انما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة 5.

الثالث الإيمان بنبوة محمد صلي اللّه عليه و آله فان توقف الإسلام علي الاعتراف بنبوة نبي الاسلام من الواضحات الاولية فان قوام الاسلام به مضافا الي دلالة الكتاب و السنة عليه أما الكتاب فقوله تعالي انما المؤمنون الذين آمنوا باللّه و رسوله و اذا كانوا معه علي أمر جامع لم يذهبوا حتي يستأذنوه «6» فان الآية تدل بوضوح علي المدعي و أما السنة فجملة من النصوص منها ما رواه سماعة «7».

______________________________

(1) (1 و 2) الاصول من الكافي ج 2 ص 12 باب فطرة الخلق الحديث 1 و 2

(3) الاصول من الكافي ج 2 ص 12 باب فطرة الخلق الحديث 3

(4) (4 و 5) الاصول من الكافي ج 2 ص 15 باب الاخلاص الحديث 1 و 5

(6) النور/ 62

(7) راجع ص 186

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 188

الرابع: الايمان بالمعاد الجسماني و الاقرار بيوم القيامة و الاجماع قائم علي كون الايمان بالمعاد الجسماني دخيل في الاسلام قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير و قد دلت الآيات الكثيرة أيضا علي كفر منكر المعاد الخ «1».

و لم نجد الي الآن آية من القرآن الكريم تدل علي

المدعي كما انه لم يذكر المعاد في الحديث الذي ذكرناه آنفا نعم جملة من الآيات القرآنية تدل علي اصل المعاد و هذا أمر آخر فالنتيجة أن الاسلام المقابل للكفر متوقف علي امور أربعة و قد تعرضنا لهذا البحث في الجزء الثالث من كتابنا مباني منهاج الصالحين و من اراد الوقوف علي ما قلناه فليراجع ما ذكرناه هناك.

و صفوة القول أن اصول الاسلام هذه الامور الاربعة فان عدم الاعتقاد بها و عدم الايمان بها و لو كان عن عذر يوجب الكفر و أما غيرها كانكار ضروري من ضروريات الدين فان رجع الي انكار الرسول و تكذيبه فيوجب الكفر من حيث رجوعه الي عدم الايمان و عدم تصديق تلك الامور الاربعة و أما لو لم يرجع إليه فلا يوجب الكفر و ان شئت قلت ليس لانكار الضروري في حد نفسه موضوعية و لذا لو كان عن عذر لا يكون مؤثرا في الكفر و علي هذا الاساس الذين أنكروا ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام بعد النبي صلي اللّه عليه و آله مع العلم بكونه منصوبا من قبل الرسول الاكرم ارتدوا عن الاسلام و كفروا بما انزل علي محمد و صاروا كافرين بل جماعة منهم صاروا داخلين في زمرة النصاب و الناصب أنجس من الكلب و الخنزير.

اذا عرفت ما تقدم نقول الاعتقاد بتأثير الاجرام السماوية في الأجرام الأرضية علي انحاء: الأول: ان يعتقد الشخص بأن للأجرام السماوية تأثيرات في الاجرام السفلية في الجملة كتأثير الشمس في النباتات فقد مر انه لا يضر بكون المعتقد مسلما و ان الاعتقاد المذكور لا يوجب الكفر كما مر فان التأثير المذكور من الأمور

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 247

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 189

الظاهرة الواضحة.

الثاني: أن يعتقد ان الاجرام السماوية مؤثرة في الأجرام السفلية علي نحو الاستقلال او علي نحو التشريك مع اللّه سبحانه تعالي عن ذلك و لا اشكال في ان هذا الاعتقاد يوجب الكفر فان المؤثر في جميع العوالم الوجودية ذاته تبارك و تعالي و لا إله غيره و لا شريك له.

الثالث: أن يعتقد بأن الاوضاع العلوية علامة للحوادث التي تحدث في الأرض كان يعتقد بأن الوضع الكذائي للكوكب الفلاني علامة كون ولد زيد في بطن أمه ذكرا مثلا بدون أن يكون مؤثرا و المؤثر الوحيد ذات الباري و هذا الاعتقاد لا يوجب الكفر كما هو ظاهر.

الرابع: ان يعتقد بأن اللّه تعالي قد اودع في ذوات الكواكب خصوصيات تقتضي جملة من الحوادث في الأرض بدون الاعتقاد بالاستقلال و لا التشريك و هذا أيضا لا يوجب الكفر بلا كلام.

و قال سيدنا الأستاد ان النحوين الأخيرين الثالث و الرابع باطل لوجوه:

الوجه الأول انه لا طريق لنا الي احراز هذا المعني و كشفه في مقام الأثبات و فيه انه لو فرض الجزم به للاعتقاد به لا يتم التقريب المذكور فانه مع الجزم يجوز الاخبار به.

الوجه الثاني: انه مخالف لحرمة العمل و مناف لإطلاق النصوص الدالة عليها. و فيه أولا انه قد مر عدم تمامية النصوص المشار إليها و ثانيا الاعتقاد القلبي لا يكون عملا كي يقال انه حرام.

الوجه الثالث: انه مناف للأدلة الدالة علي الاستعانة باللّه و الحث علي الدعاء و الطلب منه تعالي و الحث علي الصدقة و انها ترد القضاء. و فيه انه لا تنافي بين الأمرين اصلا اذ المفروض ان الشخص معتقد بأن ازمة الأمور طرا بيده و ما من

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 190

أمر الا اختياره بيده و عليه فلا منافاة بين الامرين.

الفرع الثالث: انه هل يجوز النظر في علم النجوم و تعلمه و تعليمه أم لا؟

الحق انه جائز اذ لا دليل علي المنع ما دام لا يعتقد المنجم ما يخالف الإسلام او ما يخالف الادلة الشرعية و قد مر النقاش في اسناد الروايات.

الفرع الرابع: هل يكون قول المنجم معتبرا في اخباره عن اوّل الشهر او عن غيره من الحوادث المعلومة عنده بوسيلة علم النجوم أم لا؟

الذي يمكن أن يقال ان قوله حجة لأنه من اهل الخبرة و الميزان الكلي اعتبار قول اهل الخبرة في جميع الأمور الاجتهادية النظرية اذا كان المخبر ثقة و بعبارة اخري: رجوع الجاهل الي العالم أمر علي طبق القاعدة و رفع اليد عنه يتوقف علي عدم قيام دليل معتبر يدل علي عدم جواز ترتيب الأثر علي قوله و قد استدلوا علي عدم اعتبار قوله في هلال شهر رمضان و هلال شوال بعدم الدليل علي اعتباره و الحال انه يكفي للدلالة الضابط الكلي و هو رجوع الجاهل الي العالم نعم يمكن الاستدلال علي عدم اعتبار قوله بالنسبة الي وجوب الصوم و جواز الإفطار بجملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فاذا رأيت الهلال فصم و اذا رأيته فأفطر «1».

و منها ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: في كتاب علي عليه السلام صم لرؤيته و افطر لرؤيته و اياك و الشك و الظن فان خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين «2» الي غيرهما من النصوص الواردة في الباب المشار إليه فان المستفاد من هذه النصوص ان الميزان في الصوم و الإفطار اما الرؤية و اما

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب احكام شهر رمضان الحديث: 1

(2) نفس المصدر الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 191

اتمام الشهر ثلاثين يوما و لا اشكال في اعتبار البينة القائمة علي

الرؤية بمقتضي جملة من النصوص منها: ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام (قال عليه السلام) و ان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه «1» مضافا الي أنه لا اشكال عندهم في ثبوت هلال رمضان أو شوال بالبينة الشرعية. و صفوة القول انه يستفاد من النصوص المشار إليها عدم حجية قول المنجم في اخباره بثبوت الهلال و انما نكتفي بشهادة عدلين من باب قيام الدليل عليها بالخصوص فعدم كفاية قول المنجم علي القاعدة الصناعية و يؤيد عدم كفاية قولهم ما رواه محمد بن عيسي قال كتب إليه ابو عمر أخبرني يا مولاي انه ربما اشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نري السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم و يقول قوم من الحساب قبلنا: انه يري في تلك الليلة بعينها بمصر و افريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتي يختلف العرض «الفرض» علي أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع: لا صوم من الشك أفطر لرؤيته و صم لرؤيته «2».

«قوله قدس سره: بل يظهر من المحكي عن ابن ابي الحديد»

شرح نهج البلاغة طبع مصر طباعة دار احياء الكتب العربية ج 6 ص 213 و 212.

«قوله قدس سره مثل ما في الاحتجاج عن ابان بن

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 8

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 192

تغلب»

بحار الانوار ج 58 ص 219 حديث: 1

«قوله قدس سره: و في رواية المدائني»

بحار الأنوار ج 58 ص 248 حديث 29.

«قوله و ما روي في صحة علم النجوم»

بحار

الانوار ج 57 ص 250 حديث: 35 و 36

«قوله المروي في الاحتجاج عن رواية الدهقان»

بحار الأنوار ج 58 ص: 221 حديث: 2

«قوله و في رواية اخري»

بحار الانوار ج 57 ص 229 حديث: 13

«قوله قدس سره في البحار و وجد في كتاب عتيق»

بحار الانوار ج 58 ص 236 حديث 17

«قوله قدس و في البحار أيضا»

بحار الانوار ج 58 ص: 243 حديث 23

«قوله قدس سره و بالاسناد عن محمد بن سالم»

بحار الانوار ج 58 ص: 242 حديث: 22

فتحصل انه لا دليل علي كفر المنجم أو فسقه بما هو منجم نعم اذا اعتقد بالنجوم علي نحو يكون مرجعه الي انكار الصانع أو تعطيله او انكار التوحيد يكون كافرا كما انه لو اخبر بشي ء علي البت بلا حجة يكون فاسقا و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 193

[المسألة السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة حفظ كتب الضلال حرام في الجملة … »

الظاهر ان مراده بقوله في الجملة نفي الحرمة في بعض الصور كما لو لم يترتب علي الحفظ محذور و فساد.

«قوله قدس سره مضافا الي حكم العقل … »

ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الحرمة وجوه
الوجه الأول: حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد

. و فيه ان حكم العقل ان كان من باب حسن العدل و قبح الظلم بتقريب ان حفظ مادة الفساد ظلم فيرد عليه انه لا دليل علي وجوب دفع الظلم كيف و ان ازمة الأمور بيده تعالي و هو الذي اقدر الظلمة علي الظلم مضافا الي أن حفظ كتاب الضلال لا يكون مادة للظلم فان الظلم عبارة عن العدوان و لا يكون المقام مصداقا للعدوان و ان كان من باب وجوب دفع مادة الفساد فلا دليل علي وجوبه و بعبارة واضحة: اي دليل دل علي وجوب قطع مادة الفساد نعم في بعض الموارد يمكن قيام الدليل علي وجوبه ففي كل مورد تم الدليل عليه نأخذ به و ان شئت قلت: لا يمكن اثبات الحكم الشرعي من طريق العقل فان الأحكام الشرعية تابعة للملاكات التي تكون معلومة عند الشارع الأقدس و أما نحن فلا نحيط بملاكات الأحكام الشرعية فكيف يمكن استكشاف الحكم الشرعي من العقل و صفوة القول: ان ما اشتهر عندهم من أنه كلما حكم به العقل حكم به الشرع غير تام نعم العقل محكم في باب وجوب الإطاعة و حرمة العصيان فانه لو لا الحكم العقلي علي لزوم الإطاعة و الانزجار لا يتم باب الأحكام و الأوامر و النواهي الجارية بين الموالي و العبيد و منها الأحكام الشرعية الصادرة عن ناحية الشارع الأقدس فالصحيح أن يقال: انه لا سبيل للعقل في باب علل الأحكام و

أما في سلسلة المعاليل فالعقل هو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 194

الحاكم الوحيد بلزوم الإطاعة و قبح العصيان و وجوب الإطاعة من قبل الشارع ارشاد الي حكم العقل فلاحظ.

الوجه الثاني: قوله تعالي [وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ]

وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1» بتقريب انه قيل في تفسير الآية انه يشتري كتابا فيه لهو الحديث فتشمل حفظ كتب الضلال و يرد عليه أولا: ان الكلام في الحفظ و لا يرتبط بالاشتراء للإضلال و بعبارة اخري: حفظ كتب الضلال يحتمل أن يترتب عليه الضلالة و الحكم بالحرمة يتوقف علي قيام دليل بل لو فرض القطع بترتب الضلال عليه فما الدليل علي الحرمة. و ثانيا لا يبعد أن يستفاد من الآية التحدث بالباطل و اللهو للإضلال و من الظاهر يحرم الإضلال و يحرم الاستهزاء بالنسبة الي مقام القدس الربوبي بل لو قيل بأنه يوجب الكفر لا يكون جذافا.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ

«2» بتقريب انه يجب الاجتناب عن قول الزور و كتاب الضلال مصداق لقول الزور. و يرد عليه ان قول الزور تارة فسر بالكذب و اخري بالغناء فلا ترتبط الآية بالمقام ان قلت: ان الآية تدل علي وجوب اعدام كتاب الضلال فان مضامينه من اظهر انحاء الكذب قلت: الآية لا تدل علي وجوب اعدام الأكاذيب و الا كان اللازم اعدام جميع الكتب التي تحتوي علي الأكاذيب ككتب القصص و الحكايات الكاذبة و كتب التواريخ التي فيها كثير من الأكاذيب.

الوجه الرابع: حديث تحف العقول

فان جملة من فقراته تدل علي المدعي.

و فيه انه علي تقدير تمامية التقريب المذكور لا اعتبار به لضعف سنده فلا مجال للاعتماد عليه.

______________________________

(1) لقمان/ 6

(2) الحج/ 30

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 195

الوجه الخامس: ما رواه عبد الملك بن اعين

قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام اني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة فاذا نظرت الي الطالع و رأيت الطالع الشر جلست و لم أذهب فيها و اذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي:

تقضي؟ قلت نعم نال: احرق كتبك «1» و فيه ان اسناد الصدوق الي الرجل ضعيف علي ما كتبه الحاجياني مضافا الي ان الحكم الوارد فيه موضوع خاص و هو الحكم بالباطل.

الوجه السادس: الإجماع

. و فيه ان الإجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة فلا بد من اتمام الأمر بالتسالم بين الأصحاب مضافا الي اهمية الأمر عند الشارع الأقدس لكن هذا فيما يعلم بترتب الضلال علي بقائه او احتمال ترتبه عليه و أما مع العلم بعدم الترتب فلا دليل علي حرمة الحفظ و اللّه العالم.

ايقاظ لم يتعرض المصنف قدس سره في المقام لحكم حلق اللحية
اشارة

و قال سيدنا الأستاد:

«و لا بأس بالتعرض لحرمة حلق اللحية» الي آخر كلامه دام عمره و بقائه و ما يمكن أن يستدل به علي حرمته وجوه:

الوجه الأول: قولة تعالي [وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ]

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطٰانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرٰاناً مُبِيناً «2» بتقريب ان حلق اللحية من مصاديق تغيير خلقه تعالي و مما يأمر به الشيطان و تغيير خلق اللّه بأمر الشيطان حرام. و فيه ان المراد من الآية مجمل و غير معلوم اذ لا يمكن الأخذ بإطلاقه و الا يلزم حرمة قطع الأشجار و أمثاله و هو كما تري. ان قلت: نرفع اليد عن الإطلاق بالمقدار الذي قام الدليل علي جوازه و يبقي الباقي تحت دليل المنع. قلت:

تخصيص الأكثر مستهجن و لا يصار إليه مضافا الي أن المذكور في الآية ان الشيطان

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر الحديث 1

(2) النساء/ 119

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 196

يأمر بالتغيير و الناس يغيرون ما أمرهم به فلا اطلاق في الآية و بعبارة اخري: يستفاد من الآية ان المراد التغيير الخاص فيكون مجملا و لعل المراد تغيير دين اللّه و الفطرة التي فطر الناس عليها و يمكن أن يكون المراد اللواط و السحق فان المجعول من قبله تعالي ينافي هذه الأفعال القبيحة فالنتيجة: عدم قيام الآية دليلا علي المدعي.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما ارسله الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حفوا الشوارب و اعفوا اللحي و لا تشبهوا باليهود «1» و فيه ان المرسل لا اعتبار به مضافا الي أن اعفاء اللحي لا يكون واجبا قطعا.

و منها مرسله الأخري قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم و انا نحن نجز الشوارب و نعفي اللحي و هي الفطرة «2» و فيه ما في سابقه.

و منها ما رواه

علي بن غراب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حفوا الشوارب، و اعفوا اللحي، و لا تشبهوا بالمجوس 3 و فيه ان السند ضعيف مضافا الي ما في دلالة الحديث علي المدعي بما مر آنفا.

و منها ما عن امير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمار و يقول لهم: يا بياعي مسوخ بني اسرائيل و جند بني مروان فقام إليه فرات بن احنف فقال: يا امير المؤمنين و ما جند بني مروان؟ قال: فقال له أقوام حلقوا اللحي و فتلوا الشوارب فمسخوا «4» و السند ضعيف.

و منها ما عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي: و اذ ابتلي ابراهيم ربه بكلمات

______________________________

(1) الوسائل الباب 67 من ابواب آداب الحمام الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(4) نفس المصدر الحديث: 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 197

فاتمهن قال: انه ما ابتلاه اللّه به في نومه من ذبح ولده اسماعيل فأتمها ابراهيم و عزم عليها و سلم لأمر اللّه فلما عزم قال اللّه تعالي له ثوابا له الي أن قال: «اني جاعلك للناس إماما» ثم انزل عليه الحنفية و هي عشرة اشياء خمسة منها في الرأس و خمسة منها في البدن و أما التي في الرأس فأخذ الشارب و اعفاء اللحي و طم الشعر الخ «1» و الظاهر ان الحديث مرسل و المرسل لا اعتبار به مضافا الي أنه لا دلالة في الحديث علي الوجوب و بعبارة اخري: الذي يستفاد من الحديث ان الأمور المذكورة من الأحكام

النازلة علي ابراهيم عليه السلام و أما انها علي نحو الوجوب او الاستحباب فلا تعرض له في الرواية.

و منها ما عن الجعفريات عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: حلق اللحية من المثلة و من مثل فعليه لعنة اللّه «2» و السند ضعيف.

و منها ما عن عوالي اللئالي قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ليس منا من سلق و لا خرق و لا حلق. قال في الحاشية في شرح الحديث و الحلق هي حلق اللحية قلت: قال الكازروني في المنتقي في حوادث السنة السادسة بعد أن ذكر كتابة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الي الملوك: و انه كتب كسري الي عامل اليمن بازان، أن يبعثه صلي اللّه عليه و آله و سلم و أنه بعث كاتبه بانويه و رجلا آخر يقال له خرخسك إليه صلي اللّه عليه و آله قال و كانا قد دخلا علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قد حلفا لحاهما و أعفيا شواربهما فكره النظر إليهما و قال: ويلكما من أمر كما بهذا؟ قالا: أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسري فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لكن ربي أمرني باعفاء لحيتي و قص شاربي «3» و السند ضعيف.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) المستدرك الباب 40 من آداب الحمام الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 198

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال عشر خصال عملها قوم لوط بها أهلكوا و تزيدها أمتي بخلة اتيان الرجال الي أن قال و قص اللحية و طول الشارب «1» و السند

ضعيف.

و منها ما رواه البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال أما من عارضيه فلا بأس و أما من مقدمها فلا «2» بتقريب ان الأخذ من المقدم منهي عنه فيحرم. و فيه ان المذكور في الحديث عنوان الأخذ و لا اشكال في جواز الأخذ و انما الكلام في حرمة الحلق فالرواية و ان كانت تامة سندا فان علي بن جعفر ذكرها في كتابه و لكن من حيث الدلالة غير تامة.

الوجه الثالث: السيرة الجارية بين المتشرعة

بحيث يستنكرون حلقها و يرون الحالق للحيته فاسقا و علي ما ببالي كان سيدي الوالد قدس اللّه نفسه الطاهرة الزكية يقول ما يقرب من هذا المضمون ان ارتكاز المسلم بما هو مسلم ان حلق اللحية حرام و يؤيده ما نقل من الإجماع علي حرمته و اللّه العالم.

[المسألة الثامنة الرشوة حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامنة الرشوة حرام»

ينبغي أن يبحث أولا في تحقيق هذه الكلمة و معناها و ثانيا في حكمها فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [في تحقيق هذه الكلمة]

فقد اختلفت كلمات القوم في تفسير هذه الكلمة فعن مجمع البحرين «الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد» الي ان قال: «و الرشوة قل ما تستعمل الا فيما يتوصل به الي ابطال حق أو تمشية باطل» و قيل و كذلك ما عن المصباح و عن القاموس «الرشوة مثلثة الجعل» و عن المنجد «الرشوة مثلثة ما يعطي لأبطال حق او احقاق

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) الوسائل الباب 63 من ابواب آداب الحمام الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 199

باطل» و عن اقرب الموارد «الرشوة مثلثة ما يعطي لأبطال حق او احقاق باطل و ما يعطي للمتملق» و عن النهاية «الرشوة الوصلة الي الحاجة بالمصانعة» و عن نيل الأرب «الرشوة مثلثة الجعل» و عن الزمخشري «الرشوة الوصلة الي الحاجة بالمصانعة» و عن تاج العروس «الرشوة اعطاء الحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله علي ما يريد» و عن السيد الشريف «الرشوة الإعطاء لإحقاق باطل أو ابطال حق» و عن الزرقاني «الرشوة اخذ مال لأبطال حق أو تحقيق باطل» الي غيرها من التفاسير و مقتضي القاعدة عند الشك في المفهوم زيادة و نقيصة الاقتصار علي القدر المتيقن و عند الشك يكون مقتضي الأصل عدم كونه داخلا تحت المفهوم كما ان مقتضي عدم جواز التمسك بالدليل عند الشك في المصداق عدم جواز الأخذ بالعموم او الإطلاق فالقدر المعلوم كونه رشوة المال الذي يعطي للقاضي لأبطال حق أو احقاق باطل هذا تمام الكلام في المقام

الأول و اما

المقام الثاني [في حكمها]
اشارة

فيقع البحث تارة في الحكم الوضعي و اخري في الحكم التكليفي أما الموضع الأول فنقول: مقتضي القاعدة الأولية عدم جواز أخذ الرشوة وضعا علي ما هو المقرر عند الأصحاب من عدم صحة الأجرة علي الفعل المحرم فالحرمة الوضعية لا تحتاج الي دليل خاص بل تكفي القواعد العامة و بعبارة اخري لا اشكال في حرمة القضاء بالباطل اجماعا و كتابا مثل قوله تعالي وَ لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فِيهِ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ «1» و سنة لاحظ ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الحكومة فقال: من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر و من فسر برأيه آية من كتاب اللّه فقد كفر «2».

و ما رواه ابو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من حكم في

______________________________

(1) المائدة/ 47

(2) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضي الحديث: 45

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 200

درهمين بغير ما انزل اللّه عز و جل فهو كافر باللّه العظيم «1».

و ما رواه ابن عياش عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من حكم في درهمين بغير ما انزل اللّه فقد كفر، قلت كفر بما انزل اللّه أو كفر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: ويلك اذا كفر بما انزل علي محمد صلي اللّه عليه و آله فقد كفر بما أنزل اللّه «2».

و بعد ثبوت حرمة القضاء بالباطل تكون الإجارة عليه باطلة أضعف الي ذلك ان الحرمة الوضعية التي محل الكلام في المقام تستفاد من جملة من النصوص منها:

ما رواه ابن مسكان عن

يزيد بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السحت فقال: الرشاء في الحكم «3».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن 4.

و منها ما عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن «5».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان قال روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله ان السحت هو الرشوة في الحكم و هو المروي عن علي عليه السلام «6» فان مقتضي هذه النصوص حرمة الرشوة وضعا

و اما الموضع الثاني فقد استدل علي حرمتها بالإجماع و الكتاب و السنة بل قال

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب صفات القاضي الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(5) نفس المصدر الحديث 9

(6) نفس المصدر الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 201

سيدنا الأستاد في جملة كلام له: و مجمل القول ان حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين و مما قام عليه اجماع المسلمين و استدل علي حرمتها من الكتاب بقوله تعالي وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَي الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ «1» بتقريب ان المستفاد من الآية حرمة الإعطاء و اذا حرم الاعطاء حرم الأخذ و فيه انه لا ملازمة بين الأمرين

و لا دليل علي هذه الملازمة و بعبارة اخري: تارة نقول بأن الرشوة الجعل و الأجرة المجعولة في قبال الحكم بالباطل فلا اشكال في حرمة أخذها لما مر آنفا من عدم صحة الإجارة علي الحرام و مع عدم الصحة لا يجوز الأخذ بلا اشكال و أما مع قطع النظر عن هذه الجهة فلا يمكن اثبات المدعي بالملازمة بين حرمة الإعطاء و حرمة الأخذ لعدم دليل علي الملازمة.

و يمكن الاستدلال علي الحرمة التكليفية بجملة من النصوص منها ما رواه عمار بن مروان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الغلول فقال: كل شي ء غل من الإمام فهو سحت و أكل مال اليتيم و شبهه سحت و السحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر و الربا بعد البينة فأما الرشاء في الحكم فان ذلك الكفر باللّه العظيم جل اسمه و برسوله صلي اللّه عليه و آله «2».

و منها ما رواه سماعة قال: قال أبو عبد اللّه: السحت أنواع كثيرة: منها كسب الحجام اذا شارط و أجر الزانية و ثمن الخمر و أما الرشاء في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم 3.

و منها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت فأما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «4».

______________________________

(1) البقرة/ 188

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 202

و منها ما رواه الأصبغ عن امير المؤمنين عليه

السلام قال: ايما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه و ان أخذ هدية كان غلولا و ان أخذ الرشوة فهو مشرك «1».

و منها ما رواه عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام كل شي ء غل من الامام فهو سحت و السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة و منها أجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشاء يا عمار في الاحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلي اللّه عليه و آله «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي قال و روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أن السحت أنواع كثيرة فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه «3».

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الرشاء في الحكم هو الكفر باللّه «4».

و منها ما رواه يزيد بن فرقد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البخس فقال هو الرشاء في الحكم 5.

و منها ما رواه يوسف بن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من نظر الي فرج امرأة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته و رجلا احتاج الناس إليه لتفقهه فسألهم الرشوة «6».

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و أما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه 7.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 12

(3) نفس المصدر الحديث 16

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 8 من ابواب آداب القاضي الحديث 3 و 4

(6) (6

و 7) نفس المصدر الحديث 5 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 203

فالنتيجة أن أخذ الرشوة حرام وضعا و تكليفا و لكن كما سبق في تحقيق مفهوم هذه الكلمة انه لا بدّ من الاقتصار علي ما جمع فيه القيود المحتملة و لا يخفي أن استعمال الرشوة في الفاقد لبعض القيود لا يدل علي أعمية المفهوم لان الاستعمال أعم من الحقيقة و بعبارة اخري: أصالة الحقيقة اصل عقلائي يجري في مورد الشك في كون الاستعمال الفلاني حقيقة أو مجازا و أما مع احراز المراد فلا مجال لجريان الاصل لعدم الدليل عليه.

ثم ان الشيخ قدس سره تعرض لفروع مربوطة بالمقام
اشارة

و المناسب أن نذكر كل واحد من هذه الفروع و نتكلم حوله فنقول:

الفرع الأول أنه هل يحرم أن يأخذ القاضي الاجر علي قضائه علي طبق الموازين الشرعية أم لا؟

مقتضي القاعدة الاولية هو الجواز وضعا و تكليفا و الحرمة تحتاج الي الدليل و في المقام حديث و هو حديث عمار بن مروان «1» يمكن أن يقال أن المستفاد منه حرمة أجر القاضي علي الاطلاق اذ عد من السحت اجور القضاة فان مقتضي هذا الحديث حرمة اجور القضاة و حرمة أجر القاضي. و فيه أن الظاهر من قوله عليه السلام اجور القضاة اجور القضاة الذين يكونون قضاة لائمة الجور و هم خلفاء الجور من السابقين و اللاحقين فلا يشمل الحديث القاضي الشرعي الا أن يقال لا وجه لهذا التقييد و مقتضي العموم الوضعي و الجمع المحلي بالالف و اللام شمول الحكم لجميع القضاة فيكون اجر القاضي علي الاطلاق حراما فلاحظ.

و أما الاستدلال علي المدعي بحديث ابن سنان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان علي القضاء الرزق فقال: ذلك السحت «2» فيرد عليه أن الظاهر من الحديث لو لم يكن صريحا أن المراد بالقاضي المذكور

______________________________

(1) راجع ص 202

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 204

في الرواية الذي يكون منصوبا من قبل سلطان الجور و من الظاهر أن نصبه حرام و شغله حرام و قضاءه حرام و أخذ الاجر علي قضائه حرام و لا يرتبط بالمقام الذي نتكلم حوله و هو جواز أخذ الاجر علي القضاء علي طبق الموازين الشرعية.

و ربما يقال ان المستفاد من حديث ابن حمران قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر قلت أن في شيعتك قوما يتحملون

علومكم و يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الاكرام فقال: ليس اولئك بمستأكلين، انما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدي من اللّه ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا «1»، جواز الاخذ بتقريب ان المستفاد من الحديث حصر الحرام في القضاء بغير علم فيفهم من الحديث جواز اخذ الاجر علي القضاء الشرعي، و فيه أن الرواية ضعيفة سندا فلا اعتبار بها مضافا الي أنه لا تدل الرواية علي الحرمة و أما التمسك بالاصل لجواز الاجر فلا مجال له بعد قيام الدليل علي الحرمة.

و عن العلامة في المختلف التفصيل بأن قال اذا كان القضاء واجبا علي القاضي و كان غنيا و لم يكن محتاجا الي الأخذ لا يجوز له الأخذ و إلا جاز. و مقتضي اطلاق خبر عمار بل عمومه حرمة الأخذ و انصراف الحديث عن صورة الاحتياج كما في كلام الشيخ قدس سره لا وجه له كما أن الوجوب العيني لا يقتضي الحرمة فان الحرمة تختص بمورد يعلم من الشارع طلب صدور الفعل بلا عوض و الا فمجرد الوجوب لا يقتضي الفساد.

الفرع الثاني: أنه هل يجوز ارتزاق القاضي من بيت المال أم لا؟
اشارة

يقع البحث في هذا الفرع من جهات

الجهة الأولي: أنه لو كان القاضي واجدا للشرائط المقررة الشرعية و كان منصوبا من قبل الإمام عليه السلام

العادل للقضاوة أو منصوبا من قبل نائب الإمام عليه السلام لها و كان القاضي محتاجا فلا اشكال في جواز ارتزاقه

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 205

من بيت المال لأنه معد لمصالح الإسلام و المقام من اهمها ان قلت: قد مر قريبا عدم جواز أخذ الأجر علي القضاوة قلت: فرق بين الأجر و الارتزاق فان الأجر يتحقق بالجعل و العقد أو بالإيقاع كالجعالة و أما الارتزاق فليس فيه عقد و لا ايقاع و انما الأمر بيد ولي المسلمين و نظره و اعتقاده و يؤيد المدعي ما عن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهد طويل كتبه الي مالك الأشتر حين ولاه علي مصر و أعمالها يقول فيه الي أن قال ثم ذكر صفات القاضي ثم قال و اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته الي الناس و اعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره «1».

و أيضا يؤيده ما ارسله حماد عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام في حديث طويل في الخمس و الأنفال و الغنائم قال: و الأرضون التي أخذت عنوة فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها- ثم ذكر الزكاة و حصة العمال الي أن قال: و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق اعوانه علي دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ثم قال: ان اللّه لم يترك شيئا من الأموال الا و قد قسمه

فاعطي كل ذي حق حقه الخاصة و العامة و الفقراء و المساكين و كل صنف من صنوف الناس «2».

الجهة الثانية: أنه لو كان واجدا للشرائط و كان منصوبا من قبل الإمام الجائر

فهل يكون ارتزاقه جائزا من بيت المال أم لا؟ و لا بدّ من أن يبحث أولا في جواز قضاوته في الصورة المذكورة ثم البحث في جواز ارتزاقه فنقول: أفاد سيدنا الأستاد في المقام علي ما في التقرير في تقريب جواز ارتزاقه كون غرضه من قبول القضاوة التودد و التحبب الي فقراء الشيعة و قضاء حوائجهم و انفاذ امورهم و انقاذهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 9

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 206

من المهلكة و الشدة «1» و الحال أنه أفتي في منهاجه بحرمة معونة الظالم و لو في المباحات و الطاعات اذا عد من اعوانه و المنسوبين إليه «2».

و الظاهر أن ما أفاده في المقام مناقض لما أفاده هناك و كيف كان الظاهر عدم جواز اعانة الظالم فيفسق بانتصابه و مع فرض صيرورته فاسقا كيف يجوز له الارتزاق من بيت المال و بعبارة اخري: كيف يجوز للفاسق أن يرتزق من بيت مال المسلمين مع كونه معينا للغاصب لمقام الخلافة و الحال أن بيت المال معد لمصالحهم مضافا الي النص الخاص لاحظ ما رواه ابن سنان «3» فان هذه الرواية تدل بوضوح علي حرمة ما يأخذ القاضي من السلطان و مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين ان يكون القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر قاضيا علي طبق الموازين المقررة و غيره و بعبارة اخري: مقتضي هذه الرواية أن ما يأخذه سحت و حرام.

الجهة الثالثة: أنه لو لم يكن القاضي محتاجا

فهل يجوز له أن يرتزق من بيت المال؟ الذي يختلج بالبال أن يقال ان بيت المال معد لمصالح الإسلام و المسلمين و صرفه منوط بنظر ولي الأمر فان رأي

الصلاح في اعطاء القاضي من بيت المال لارتزاقه بجوز له الإعطاء و الا فلا.

الفرع الثالث: انه هل يحرم اخذ الهدية التي يبذلها الباذل بقصد أن توجب الداعي في نفس القاضي لان يحكم للباذل حقا كان او باطلا أم لا؟
اشارة

ما يمكن ان يستدل به علي حرمة اخذ الهدية في الصورة المفروضة وجوه:

الوجه الأول: انه رشوة و اخذ الرشوة حرام

. و فيه ان تحقق الرشوة يتوقف علي الجعل بأن يجعل المال في مقابل القضاء فلا تشمل صورة الهبة بداعي الحكم الباطل و ببيان واضح:

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 269

(2) منها ج الصالحين ج 2 ص 7

(3) راجع ص 203

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 207

انه قد مر ان مقتضي القاعدة التحفظ علي جميع القيود المحتملة في مفهوم الرشوة.

الوجه الثاني انها بحكم الرشوة بتنقيح المناط

. و فيه ان تنقيح المناط القطعي غير ممكن و اما الظني منه فلا اثر له فان الظن لا يغني عن الحق شيئا.

الوجه الثالث ما عن الرضا عليه السلام

عن آبائه عن علي عليه السلام في قوله تعالي: اكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لاخيه الحاجة ثم يقبل هديته «1» فان المستفاد من الحديث حرمة اخذ الهدية لقضاء الحاجة بعد قضائها و الحديث ضعيف سندا مضافا الي ان مقتضاه حرمة قبول الهدية بعد قضاء الحاجة علي نحو العموم و الاطلاق و لا اشكال في الجواز في الجملة.

الوجه الرابع: ما رواه الأصبغ

عن امير المؤمنين عليه السلام قال: ايما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة و عن حوائجه و ان أخذ هدية كان غلولا و ان أخذ الرشوة فهو مشرك «2» و الحديث مورد الكلام من حيث السند و لا بدّ من ملاحظته مضافا الي أن المذكور في الحديث عنوان الوالي و الكلام في القاضي اضعف الي ذلك انه لا مجال للاخذ بالإطلاق المنعقد في الحديث بل يمكن أن يقال لا اشكال في جواز الأخذ اذا كان بعد القضاء.

الوجه الخامس ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله

انه قال: هدية الأمراء غلول «3».

و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا لا يرتبط مضمون الحديث بالمقام فان الكلام في المقام في القاضي و المذكور في الحديث عنوان الأمير فالنتيجة انه لا دليل علي حرمة قبول الهدية علي نحو الإطلاق و العموم.

«قوله قدس سره: للرواية توجيهات»

الظاهر ان توجيه الرواية علي نحو تكون النتيجة الحرمة يتوقف علي اعمال

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 10

(3) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 208

خلاف الظاهر و حمل الحديث علي غير ظاهره و الا فلا وجه للحرمة فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل يحرم الرشوة في غير الحكم أم لا؟

ربما يستدل علي حرمته بصدق عنوان الرشوة علي ما يعطي في غير الحكم فتحرم لما دل علي حرمتها من بعض النصوص لاحظ ما رواه الأصبغ «1» و لاحظ ما رواه يوسف «2».

و يرد عليه أولا ان صدق العنوان اوّل الكلام و قد مر انه لا بدّ من التحفظ علي جميع القيود المحتملة نعم ان صدق العنوان عرفا يمكن اثبات عموم المفهوم بالاستصحاب القهقري فانه من الأصول اللفظية العقلائية و أما مع عدم امكان اثبات عموم المفهوم فلا يمكن اثبات الحرمة بدليل حرمة الرشوة فانه لا يجوز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية و ثانيا ان سند ما يدل علي حرمة مطلق الرشوة ضعيف.

و ثالثا سلمنا اطلاق الدليل لكن لا بدّ من أن يقيد بالمورد الخاص لاحظ ما رواه الصير في قال سمعت أبا الحسن عليه السلام و سأله حفص الأعور فقال: ان السلطان يشترون منا القرب و الأداوي فيوكلون الوكيل حتي يستوفيه منا فنرشوه حتي لا يظلمنا، فقال: لا بأس ما تصلح

به مالك، ثم سكت ساعة ثم قال: اذ انت رشوته يأخذ اقل من الشرط؟ قلت نعم قال: فسدت رشوتك «3».

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرشو الرجل الرشوة علي أن يتحول من منزله فيسكنه قال: لا بأس به «4»

فالنتيجة انه لا يحرم اخذ الرشوة علي المباح نعم اخذها علي الحرام حرام لعدم جواز الاجر علي الحرام علي ما هو المقرر عندهم لا من ناحية حرمة اكل المال

______________________________

(1) لاحظ ص 207

(2) لاحظ ص 202

(3) الوسائل الباب الباب 37 من ابواب احكام العقود

(4) الوسائل الباب 85 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 209

بالباطل اذ قد تكرر منا ان الجار في الآية المباركة للسببية لا للمقابلة بل لأن الحرام غير محترم عند الشارع و العقد عليه فاسد و أما العقد علي الجامع بين الحلال و الحرام فالظاهر عدم صحته فان الجامع بين الحلال و الحرام لا يمكن أن يكون واجبا و بعبارة اخري صحة العقد تستلزم وجوب الاداء و كيف يمكن أن يتعلق الأمر باداء ما يكون حراما فلاحظ. و صفوة القول ان جعل شي ء في مقابل الحلال لا مانع منه و بتنقيح المناط لا يمكن اثبات الحرمة فان القطعي منه غير ممكن و الظني منه لا اثر له و اللّه العالم.

«قوله قدس سره نعم يمكن ان يستدل علي حرمته بفحوي … »

يمكن أن يكون المراد من العبارة ان مقتضي تلك الطائفة من النصوص حرمة مطلق الهدية و لو لم تكن بإزاء شي ء فاذا كانت الهدية محرمة بهذا النحو من الإطلاق يفهم منها حرمة أخذ القاضي الهدية لأجل القضاء و

لكن قد مر ان تلك النصوص ضعيفة سندا.

الفرع الخامس: هل يلحق بالرشوة في الحرمة المعاملة المشتملة علي المحاباة أم لا؟

الميزان في تحقق الحرمة و عدمها صدق عنوان الرشوة في الحكم و عدمه فان صدق هذا العنوان يحرم الأخذ، و الا فلا هذا علي نحو الاجمال و اما تفصيل الحال فنقول تارة لا يقصد المحابي بالعقد الا المحاباة لأجل أن يحكم القاضي له و بعبارة اخري: يكون البناء مع القاضي علي هذا الوجه و ببيان واضح: ان المعاملة صورية و لا واقع لها و الظاهر انه لا اشكال في حرمته اذ لا يبعد أن يصدق عليه عنوان الرشوة و علي فرض عدم تسلم صدق عنوانها يكفي للحرمة حديث عمار «1»

فانه من مصاديق الأجر و اخري يقصد المعاملة المحاباتية حقيقة لكن يشترط مع القاضي و لو ضمنا أن يقضي له و في هذه الصورة ان صدق الرشوة يحرم الأخذ و ان لم يصدق عنوان الرشوة يشكل الحكم بالحرمة لعدم كون ما يحابي بها أجرا كي

______________________________

(1) لاحظ ص 202

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 210

يشمله حديث عمار و ثالثة يقصد العقد المحاباتي و يكون غرضه جلب قلب القاضي و هذا يكون مثل الهدية و لا دليل علي حرمة الأخذ في الصورة المفروضة.

الفرع السادس: انه هل يصح العقد المحابي فيه أم لا؟

قال الشيخ قدس سره في فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي و قال سيدنا الأستاد في ذيل عبارة الشيخ علي ما في التقرير: أقول لا وجه لفساد المعاملة المشتملة علي المحاباة المحرمة الا اذا كان الحكم للمحابي شرطا فيها و قلنا ان الشرط الفاسد مفسد للعقد فيحكم بالبطلان انتهي. و الأمر كما افاده سيدنا الأستاد و ذلك لأنه لا وجه لبطلان اصل المعاملة الا علي القول بكون الشرط الفاسد مفسدا للعقد و لا نقول به.

الفرع السابع: هل يحرم علي الراشي اعطاء الرشوة كما يحرم اخذها علي المرتشي أم لا؟

مقتضي القاعدة الأولية عدم الحرمة و لم نجد دليلا علي الحرمة و ادعي سيدنا الأستاد ان الظاهر من نصوص المقام ان الرشوة بمنزلة الربا فكما ان الربا يحرم علي المعطي و علي الأخذ كذلك الرشوة و لا اشكال في أن الظهور أمر عرفي لا بدّ من أن يعرفه اهل العرف و لم نعرفه و يستفاد من بعض النصوص كون دفع الرشوة حراما منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله الراشي و المرتشي و الماشي بينهما ملعونون «1» و منها ما عنه صلي اللّه عليه و آله أيضا: لعن اللّه الراشي و المرتشي و الماشي بينهما 2 و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فلا مجال للاستدلال بها علي الحرمة و علي فرض تسلم الحرمة هل يجوز اعطائها لإنقاذ الحق ربما يقال كما في كلام سيدنا الأستاد يجوز لقاعدة نفي الضرر و لكن قد ذكرنا في بحث لا ضرر ان المستفاد من القاعدة النهي عن الإضرار لا نفي الضرر كي يقال انها حاكمة علي ادلة الأحكام و تخصيصها.

الفرع الثامن ان الرشوة تارة تكون في مقابل عوض

و اخري تكون علي نحو

______________________________

(1) (1 و 2) البحار ج 104 ص 274 حديث 9 و 10 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 211

الاشتراط و ثالثة علي نحو الهبة أما الصورة الأولي فتحرم تكليفا و وضعا و لا بدّ من ردها الي مالكها لو أخذها و لو تلفت يكون الاخذ ضامنا لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و أما الصورة الثانية فان صدق عنوان الرشوة يحرم الأخذ و لكن لا وجه للضمان اذ غايته ان الشرط الواقع في ضمن العقد فاسد و الشرط الفاسد لا يفسد لكن الظاهر انه لو قلنا بحرمة الأخذ يتحقق

الضمان للقاعدة المقررة و لقاعدة اليد في فرض التلف و لقاعدة الإتلاف في فرض اتلافه هذا في العقد المحاباتي و أما لو اشترط اعطاء شي ء في مقابل الحكم يكون الأخذ حراما اما لصدق عنوان الرشوة و اما لصدق اجر القاضي و مع الحرمة لا يكون مملوكا للآخذ فبمقتضي قانون علي اليد يكون الأخذ مقتضيا للضمان و أما اذا كان علي نحو الهبة و الهدية فمع عدم صدق عنوان الرشوة لا يكون الأخذ حراما و يصير ملكا للآخذ و لا مجال للضمان و أما مع صدق عنوان الرشوة يكون الأخذ حراما لكن لا دليل علي الضمان فان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده كما ان قاعدة علي اليد لا تقتضي الضمان لأن اعطاءه مجاني و مثلها قاعدة الإتلاف و صفوة القول ان عمدة دليل الضمان في باب التلف و الإتلاف السيرة العقلائية الممضاة و لا سيرة في مورد الإعطاء المجاني فلاحظ.

ثم ان الماتن قدس سره تعرض ل

ثلاثة فروع في اختلاف الدافع و القابض:
الفرع الأول: انه لو ادعي الدافع انها هدية ملحقة بالرشوة

في الفساد و الحرمة و ادعي القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو غيرها احتمل الشيخ تقديم الأول و استدل عليه بأن الدافع أعرف بنيته. و يرد عليه انه لا دليل علي تمامية هذه القاعدة علي نحو الإطلاق بل يختص الدليل بموارد خاصة كالحيض و الطهر و العدة و استدل ثانيا باصالة الضمان اذا كانت الدعوي بعد التلف و لا يخفي انه لا اثر للدعوي اذا كانت بعد التلف اذ لا يتحقق الضمان بالتلف قطعا أما علي تقدير كونها هبة صحيحة فظاهر و أما علي تقدير كونها هدية ملحقة بالرشوة فلان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 212

بفاسده فلا مجال لما

أفاده الشيخ قدس سره من احتمال الضمان نعم الأثر يترتب علي الدعوي فيما تكون قبل التلف فعلي تقدير كونها هبة صحيحة بقصد القربة لا يمكن ارجاع العين و علي تقدير كونها هدية ملحقة بالرشوة تكون قابلة للإرجاع بل لم يتحقق النقل و الحق مع الاخذ لاصالة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات

الفرع الثاني: ان يتوافق المترافعان علي فساد الأخذ و الإعطاء و لكن الدافع يدعي كون المدفوع رشوة

علي سبيل الإجارة و القابض يدعي كون المدفوع هدية فاسدة فعلي الأول يتحقق الضمان و علي الثاني لا يتحقق لان صحيح الإجارة يوجب الضمان ففاسدها أيضا موجب له و صحيح الهدية لا يوجب الضمان ففاسدها أيضا لا يوجب و لا مجال للأخذ بقاعدة اليد لإثبات الضمان فان خبر علي اليد ضعيف سندا لكن يمكن اثبات الضمان بتقريب آخر و هو ان المستفاد من السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع الأقدس ان وضع اليد علي مال الغير بدون رضاه يقتضي الضمان و وضع اليد علي مال الغير وجداني و عدم رضاه مقتضي الأصل فيتحقق الموضوع المركب من الوجدان و الأصل.

الفرع الثالث: لو ادعي الدافع انها رشوة او اجرة علي المحرم

و ادعي القابض انها صحيحة يقدم قول الدافع فان مقتضي الأصل عدم تحقق سبب انتقال المال الي الاخذ و بقائه علي ملك مالكه الأول و ان شئت قلت ان الدافع ينكر انتقال ماله الي ملك الاخذ و الاخذ يدعي الانتقال و مقتضي الأصل عدم الانتقال. ان قلت لا تصل النوبة الي الاستصحاب فان مقتضي اصالة الصحة كون ما وقع صحيحا فيكون الحق مع مدعي الهبة الصحيحة قلت أصالة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات ليس عليها دليل عام أو مطلق يؤخذ به في موارد الشك بل دليل لبي يقتصر فيها بالمقدار المتيقن و المقدار الذي يجري فيه الأصل مورد اتحاد الدعوي كأن يدعي أحد الطرفين صحة البيع الذي وقع في الخارج و يدعي الطرف الأخر انه فاسد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 213

و أما لو ادعي احدهما ان ما وقع بيع صحيح و ادعي الأخر ان ما وقع اجارة فاسدة لا تجري اصالة الصحة فالنتيجة ان مقتضي القاعدة تقديم قول الدافع.

لكن يختلج بالبال أن يقال:

ان مقتضي اصالة عدم الانتقال رد العين علي فرض بقائها اذ بجريان الأصل يحرز كونها مملوكة للدافع فلا بد من ارجاعها إليه و أما بعد تلف العين فلا وجه لتضمين الاخذ لأن مجرد اليد لا يوجب الضمان بل لا بدّ من احراز كون اليد يدا عدوانية و الأصل عدم كونها عدوانية و بعبارة اخري: الأصل عدم تحقق موجب الضمان. ان قلت: علي هذا اذا كانت الدعوي قبل التلف لا تكون يد الدافع يد عدوان حتي بعد الدعوي فلا يكون تلف العين أو اتلافها موجبا للضمان قلت لا مجال لهذا التقريب اذ لا اشكال في كون اليد بعد الدعوي عدوانية و بغير رضا المالك و لكن لا يتم هذا البيان فان مقتضي السيرة ضمان الاخذ الا فيما يكون الاخذ باذن المالك و مقتضي الأصل عدم اذنه و رضاه فيتم موضوع الضمان بعضه بالوجدان و بعضه بالأصل كما تقدم قريبا فلاحظ.

[المسألة التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره التاسعة سب المؤمنين حرام في الجملة»

اذ لا اشكال في جواز السب في بعض الموارد فحرمته كما افاد الماتن في الجملة.

«قوله بالأدلّة الاربعة … »

اما العقل فقد افاد الشيخ قدس سره في تقريب دلالته علي المدعي بكون السب ظلما فنقول هل يمكن تجويز الشارع الأقدس ترخيص الظلم و الظلم وضع الشي ء في غير محله و الحال انه لا اشكال في أنه لو دل دليل علي جواز سب المؤمن الفلاني نأخذ به و نلتزم بجواز سبه و كيف يمكن الالتزام بجواز الظلم و علي الجملة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 214

كما بينا سابقا لا طريق للعقل في استكشاف الأحكام الشرعية لعدم الإحاطة بالمصالح و المفاسد الواقعية و ان شئت قلت: حكم العقل متبع

في سلسلة المعلولات أي باب الإطاعة و العصيان و أما في سلسلة العلل بأن يكشف بالعقل الحكم الشرعي فامر غير ممكن و أما الكتاب فيمكن الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي و اجتنبوا قول الزور «1» فان الزور فسر في اللغة بالباطل و السب باطل في نظر العرف فيحرم بمقتضي الآية.

و قد يقال قد فسر قول الزور في جملة من النصوص بالغناء منها ما رواه ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه تبارك و تعالي: فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الغناء «2».

و منها ما رواه زيد الشحام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل:

فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء «3».

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل:

فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 4.

و منها رواه عبد الأعلي قال سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن قول اللّه عز و جل: فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قوله عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال منه الغناء «5».

______________________________

(1) الحج/ 21

(2) تفسير البرهان ج 3 ص 90 حديث 1

(3) (3 و 4) تفسير البرهان ج 3 ص 90 حديث 2 و 3

(5) نفس المصدر ص 91 حديث 5

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول،

1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 215

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 215

و منها ما رواه هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء و قوله حنفاء اي طاهرين و قوله في مكان سحيق اي بعيد «1».

و منها ما رواه الشيخ في أماليه باسناده في قوله «اجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور قال الرجس الشطرنج و قول الزور الغناء «2» و لكن النصوص المذكورة كلها ضعيفة سندا فلا مانع عن الأخذ بإطلاق الآية و اللّه العالم.

و أما الإجماع فادعي سيدنا الأستاد اجماع المسلمين من غير نكير و أما السنة فتدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسي عليه السلام في رجلين يتسابان قال البادي منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم «3».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه «4».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن كالمشرف علي الهلكة 5.

و أما حديث أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان رجلا من تميم أتي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال: أو صني فكان فيما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة لهم «6»، فلا يدل علي الحرمة بل المستفاد منه الإرشاد و بعبارة

______________________________

(1) نفس المصدر ص 91 حديث

9

(2) نفس المصدر ص 91 حديث 10

(3) الوسائل الباب 158 من ابواب احكام العشرة الحديث 1

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(6) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 216

اخري أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نبه السائل بأن سب الناس يوجب العداوة و علي الجملة لا يكون في مقام بيان الحكم الشرعي.

«قوله قدس سره: و في مرجع الضمائر اغتشاش … »

يمكن أن يكون الشيخ قدس سره ناظرا الي أن الظاهر من الحديث أن وزر البادي علي صاحبه و هو المظلوم ما لم يعتذر الظالم الي المظلوم و لا يمكن الالتزام بهذا الظاهر اذ كيف يمكن أن يكون وزر الظالم علي المظلوم و الامر كما أفاده لكن الذي يسهل الخطب ان الحديث ليس كما نقله الشيخ بل هكذا و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الي المظلوم و عليه لا اشكال في العبارة اذ يكون المعني أن وزر البادي و وزر المظلوم كلاهما علي الظالم و مناسبة الحكم و الموضوع تقتضيه لان الظالم اوقع المظلوم في الاثم فاثمه عليه.

ثم انه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولي: في تفسير السب و تحقيق معناه

فعن لسان العرب سب اي عير بالبخل و السب الشتم و السبة: العار، و يقال: صار هذا الامر سبة عليهم بالضم اي عارا يسب به و عن المصباح «السبة العار» و عن مفردات الراغب «السب الشتم الوجيع و السبابة سميت للإرشارة بها عند السب و تسميتها بذلك كتسميتها بالمسبحة لتحريكها بالتسبيح» و قال في مجمع البحرين «و السب الشتم» و قال في المنجد «سبه سبا شتمه شتما وجيعا» و علي الجملة السب مفهوم عرفي يعرفه كل احد من اهل العرف.

الجهة الثانية: انه لا يعتبر في صدق السب مواجهة المسبوب

بل يتحقق و لو في غيابه فان السب ما يوجب اذلاله بقصد الاهانة و الهتك و عليه تكون النسبة بين الغيبة و السب عموما من وجه اذ ربما يصدق السب بدون صدق الغيبة كما لو قال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 217

مواجها و مخاطبا للمسبوب يا حمار بقصد هتكه و اهانته و ربما تصدق الغيبة و لا يصدق عنوان السب كما لو كشف احد عيوبه بدون قصد الاهانة و ربما يصدق كلا العنوانين كما لو اخبر بعيبه بقصد تنقيصه و هتكه.

و يمكن أن يقال كما عن المحقق الايرواني أن النسبة بين العنوانين التباين بتقريب ان السب امر انشائي و الغيبة امر اخباري. و اورد عليه سيدنا الاستاد بأنه لا دليل علي هذه التفرقة بل يتحقق كل من الامرين تارة بالانشاء و اخري بالاخبار. و يرد عليه ان الغيبة كيف تتحقق بالانشاء و الحال ان الغيبة عبارة عن كشف ما ستره اللّه و الانشاء ليس فيه اخبار فالحق ان يقال ان السب يتحقق بالانشاء و بالاخبار و أما الغيبة فلا يتحقق الا بالاخبار فالنسبة بين العنوانين عموم من وجه لا التباين و في مورد

التصادق يتحقق كلا العنوانين و مقتضي القاعدة تعدد العصيان و يتبعه تعدد العقاب كما افاده الماتن.

الجهة الثالثة: في انه هل يجوز سب المتجاهر بالفسق أم لا؟

افاد الشيخ قدس سره انه يجوز كما يجوز اغتيابه لما ورد في بعض النصوص انه لا حرمة له لاحظ ما رواه هارون بن الجهم عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1» و هذه الرواية ضعيفه سندا.

و لاحظ ما رواه ابو البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر و الفاسق المعلن بالفسق «2» و السند ضعيف أيضا فالظاهر انه لا دليل علي جواز سب المتجاهر بالفسق.

ثم انه علي تقدير الجواز لا يختص جواز السب بخصوص الفسق المتجاهر فيه فان الاختصاص ينافي الإطلاق المستفاد من الحديث فان مقتضاه أنه لا حرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 218

له علي الإطلاق ثم ان السب كما يتحقق بالأخبار كذلك يتحقق بالإنشاء ففي صورة تحققه بالأخبار و كان الأخبار بالعيب المخبر به كذبا يتحقق العنوانان احدهما السب و الاخر الافتراء فيتعدد عنوان العصيان و يترتب عليه تعدد العقاب.

و علي فرض جواز سب المتجاهر بالفسق هل يشترط الجواز بكونه مصداقا للنهي عن المنكر أم لا؟ مقتضي الإطلاق المستفاد من النص عدم الاشتراط و مقتضي الاحتياط كما قاله الشيخ الاشتراط هذا علي فرض تمامية دليل الجواز و أما علي ما قلنا فلا مجال لهذا البحث.

ثم أن الشيخ استثني من حرمة السب سب المبتدع لما ورد عنهم لاحظ ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

و اورد عليه سيدنا الأستاد بأنه لا وجه لهذا الاستثناء لان المبدع اما مبدع في الفروع و اما مبدع في الاصول فان كان من القسم الأول فهو داخل تحت عنوان المتجاهر بالفسق و ان كان من القسم الثاني فهو داخل تحت عنوان الكافر فلا مقتضي لحرمة سبه فان الحرام سب المؤمن هذا ملخص ما افاده في المقام علي ما في التقرير.

و يرد عليه أولا: انه يمكن ان يكون مبدعا في الفروع و لكن غير متجاهر به فيكون عنوانا مستقلا في مقابل المتجاهر و ثانيا يمكن ان يكون مبدعا في الاصول و لا يكون كافرا و يتصور نعوذ باللّه بأن يلقي شبهات في الاذهان و يوجب انحراف جملة من الناس الذين لا يكون لهم قدرة علي الرد و مع ذلك يكون بنفسه مؤمنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 219

و معتقدا بالاصول و الفروع و علي الجملة يمكن ان يوجب شخص زوال اعتقاد غيره و يبقي بنفسه معتقدا و هذا امر ممكن.

الجهة الرابعة: في انه هل يشترط في حرمة السب ان يتأثر المسبوب أم لا؟

الحق هو الثاني فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الاشتراط لاحظ ما رواه عبد الرحمن «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عموم الحكم فلاحظ نعم لا اشكال في تقوم صدق السب و الشتم بالاهانة و

الهتك و بدون هذا العنوان لا يتحقق و لا يصدق عنوان السب و الشتم فما افاده الشيخ قدس سره من ان السب ربما لا يوجب الذل و الهوان في المسبوب غير تام اذ كيف يتصور صدق عنوان السب و مع ذلك لا يوجب هتك المسبوب فان الامرين متنافيان.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان الشيخ قدس سره ذكر موارد ثلاثة للاستثناء الاول سب الوالد للولد بأن نقول يجوز سب الوالد ولده اما لعدم تحقق الهوان و اما لعدم تأثره و اما لكونه فخرا له و اما لاستفادة الجواز من النصوص الدالة علي كون الولد و ماله لوالده لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه، قال يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال:

في كتاب علي عليه السلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك «2».

و ما رواه ابو حمزه الثمالي عن ابي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك، ثم قال ابو جعفر عليه السلام ما احب «لا نحب» ان يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه ان اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ «3» و ما

______________________________

(1) لاحظ ص 215

(2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 220

رواه حسين بن ابي العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال: قوته «قوت» بغير سرف اذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل الذي اتاه فقدم اباه فقال له: انت و مالك لابيك، فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه هذا ابي و قد ظلمني في ميراثي عن امي فأخبره الأب انه قد انفقه عليه و علي نفسه و قال: انت و مالك لابيك و لم يكن عند الرجل شي ء او كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن «1» و اما للسيرة الجارية بين المتشرعة.

و الوجوه المذكورة كلها فاسدة اما الاول فقد تقدم ان قوام السب بتحقق الاهانة في المسبوب فلا يمكن تحقق عنوان السب بلا تحقق الهوان في المسبوب، و اما الوجه الثاني فلا تنافي بين فخره و الحرمة اذ لا دليل علي جواز السب في مورد يكون المسبوب راضيا و مفتخرا به و ما افاده سيدنا الاستاد من ان مفهوم السب ينافي مفهوم الفخر فغير تام اذ يمكن ان يفتخر الولد بوقوعه مورد توجه الوالد و لو بهذا المقدار و لا نري تنافيا بين الأمرين بوجه و أما الوجه الثالث فان تلك الروايات في بيان حكم اخلاقي و في مقام بيان رفعة مقام الوالد بحيث يكون الوالد مالكا لولده و لما له و لا يستفاد منها جواز ايذائه و هتكه و اذلاله و العرف ببابك و لا يبعد أن يكون قول الشيخ قدس سره فتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

و أفاد سيدنا الأستاد في المقام انه

لو كانت النصوص المشار إليها في مقام اثبات الملكية الحقيقية أو التنزيلية أو كانت في مقام اثبات الولاية المطلقة لكان لما أفاد الشيخ قدس سره وجه.

و لكن لو كانت في ذلك المقام لم يكن لكلامه وجه أيضا لعدم ارتباط بين المقامين فان مقتضي دليل حرمة السب حرمته حتي بالنسبة الي مملوكه و عبده و أما

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 221

الوجه الرابع فتحقق السيرة من المتشرعة مع الالتفات اوّل الكلام.

الثاني: سب المولي عبده و الكلام فيه هو الكلام فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة حرمة سب المولي عبده نعم لو قلنا بجواز تأديب المولي عبده و لو مع استلزامه هتكه و اهانته يمكن القول بالجواز في مقام التأديب.

الثالث سب المعلم للمتعلم و الكلام فيه هو الكلام و قد تقدم الوجوه القابلة للاستدلال بها علي المدعي و الجواب عنها فلاحظ.

[المسألة العاشرة السحر حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: العاشرة السحر حرام في الجملة … »

الظاهر ان مراده بهذه الجملة ان بعض اقسام السحر جائز كالسحر الذي يبطل به السحر الاخر فحرمته في الجملة و سيقع الكلام في موارد الاستثناء إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

و قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا خلاف في حرمة السحر في الجملة بل هي من ضروريات الدين و مما قام عليه اجماع المسلمين الخ «1» و يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في تحقيق معناه و حقيقته،

المقام الثاني: في حكمه و الجهات الراجعة إليه أما المقام الأول فعن لسان العرب «و من السحر الاخذة التي تأخذ العين حتي يظن أن الأمر كما يري و ليس الأصل علي ما يري و السحر الاخذة و كل ما لطف مأخذه و دق فهو سحر» و عن الأزهري «و أصل السحر صرف الشي ء عن حقيقته الي غيرها فكأن الساحر لما أري الباطل في صورة الحق خيل الشي ء علي غير حقيقته فقد سحر الشي ء عن وجهه اي صرفه» و عن الفراء في قوله تعالي (فاني تسحرون) «معناه فأني تصرفون» و عن يونس «تقول العرب للرجل ما سحرك عن وجه كذا و كذا اي صرفك» و عن اقرب الموارد «سحره سحرا عمل له السحر و خدعه و سحر فلانا عن الأمور صرفه و يقال سحرت الفضة اذا طليتها بالذهب و قيل السحر و التمويه بجريان مجري واحدا» و عن مجمع البحرين «فأني

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 283

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 222

تسحرون اي فكيف تخدعون عن توحيده و يموه لكم و يسمي السحر سحرا لأنه صرفه جهته» و عن مفردات الراغب «نحن قوم مسحورون اي مصروفون عن معرفتنا بالسحر» و

عن المنجد «سحره خدعه و سحره عن كذا صرفه و أبعده و سحر الفضة طلاها بالذهب» و في بعض العبائر و عن الطبرسي عن صاحب العين «السحر عمل يقرب الي الشيطان و من السحر الاخذة التي تأخذ العين حتي تظن ان الأمر كما تري و ليس الامر كما تري فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشي ء بخلاف صورته و يقلبه عن جنسه في الظاهر و لا يقلبه عن جنسه في الحقيقة الا تري الي قول اللّه تعالي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعيٰ «1».

و عن القاموس «انه ما لطف مأخذه و دق» و مثله عن الصحاح و عن المغرب المطرزي و المصباح «هو الخديعة» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «قال قوم هو اخراج الباطل في صورة الحق و يقال هو الخديعة» و عن التهذيب «اصل السحر صرف الشي ء عن حقيقته الي غيره فكان الساحر لما اري الباطل في صورة الحق و خيل الشي ء علي غير حقيقته فقد سحر الشي ء عن وجهه اي صرفه و عن مقدمة مرآت الانوار «السحر بمعني الخديعة و تخليط العقل و الصرف الي شي ء عن جهته» و عن المجازات النبوية «السحر في الاصل التمويه و الخديعة و التلبيس و التغطية» الي غيرها من الكلمات و التفاسير.

و المستفاد من مراجعة كلماتهم في مقام تفسير هذه الكلمة ان السحر عبارة عن صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل الخدعة و التمويه بحيث ان الساحر يلبس الباطل لباس الحق و يظهره بصورة الواقع فيري الناس الهياكل الغريبة و الاشكال المعجبة المخوفة و يستفاد المدعي من القرآن العظيم «قٰالُوا يٰا مُوسيٰ إِمّٰا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّٰا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقيٰ قٰالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذٰا

حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا

______________________________

(1) طه 66

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 223

تَسْعيٰ «1».

فان المستفاد من الكتاب الكريم ان السحر كيد و خدعة و لا واقع له و لذا قالوا إِنْ هٰذٰانِ لَسٰاحِرٰانِ «2» اي ليس فيهما حقيقة و واقع و أيضا يدل علي المدعي قوله تعالي فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ «3» اي اجمعوا خدعكم فلا واقع للسحر بل امور خيالية موهومة. ان قلت: كيف تقول ان السحر لا واقع له و الحال انه لا اشكال في أن السحر ربما يؤثر في بدن المسحور أو في عقله و نفسه و يدل علي المدعي بالصراحة قوله تعالي فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً «4» قلت لا واقعية للسحر و لكن ربما يترتب عليه أمر له واقع فقد يظهر الساحر للمسحور شيئا مخوفا فيؤثر ذلك الشي ء في نفسه اي يريه بحرا فيلقي المسحور نفسه في ذلك البحر الموهومي فيلقي من الشاهق علي الأرض و يموت فلا تنافي بين الأمرين.

و صفوة القول أن المستفاد من مجموع الكلمات و من الكتاب العزير ان السحر لا واقع له و علي هذا الأساس يظهر الفرق بين الأعجاز و السحر و الشعوذة «و الشعبدة» المعبر عنها في لسان الفرس ب «تردستي» فان الأعجاز أمر واقعي غاية الأمر لا يؤدي بالأسباب العادية بل تتحقق الأمور المسببة عن الأعجاز بقدرة إلهية خارقة للعادة، و أما الشعوذة فلها واقعية غاية الأمر يتصور ان المشعوذ يوجد الأمر الفلاني علي خلاف الأسباب العادية و بعبارة اخري: يأخذ الشي ء الفلاني من مكانه بالسرعة بحيث لا يفهم و يتخيل أن ذلك الشي ء بنفسه وقع في يده و الحال أنه أخذه بالطريق العادي

______________________________

(1) طه/ 65/ 66

(2) طه/ 63

(3) طه/

64

(4) طه/ 67

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 224

و مع الشك في صدق العنوان لا يترتب عليه حكمه لما قرر في محله من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب عدم كونه من مصاديقه علي ما ذكرنا كرارا من جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني فيقع الكلام في فروع:
الفرع الأول في أن السحر حرام في الجملة

كما تقدم و لا اشكال فيه و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول المنجم ملعون و الكاهن ملعون و الساحر ملعون و المغنية ملعونة و من آواها و آكل كسبها ملعون «1».

و منها ما رواه الصدوق قال: و قال عليه السلام المنجم كالكاهن و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار «2».

و منها ما رواه ابو خالد الكابلي قال سمعت زين العابدين عليه السلام يقول:

الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس الي أن قال و الذنوب التي تظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم و التكذيب بالقدر و عقوق الوالدين «3».

و منها ما رواه محمد بن الحسين الرضي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج فقال له يا أمير المؤمنين الي أن قال: ثم أقبل عليه الناس فقال: أيها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر أو بحر، فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار سيروا علي اسم اللّه «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

(2) الوسائل الباب 24 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(3) الوسائل الباب 14 من

أبواب آداب السفر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 225

و منها ما رواه اسماعيل بن مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لامرأة سألته ان لي زوجا و به علي غلظة و اني صنعت شيئا لأعطفه علي فقال لها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أف لك كدرت البحار و كدرت الطين، و لعنتك الملائكة الاخيار و ملائكة السموات و الارض، قال: فصامت المرأة نهارها و قامت ليلها و حلقت رأسها و لبست المسوح فبلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و آله فقال ان ذلك لا يقبل منها «1».

و منها ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة علي رأسه «2».

الفرع الثاني ان المجلسي قدس سره ذكر للسحر أقساما

«3» و قال و اعلم ان السحر علي اقسام الخ و الماتن قدس سره ذكر تلك الاقسام في كلامه و الاقسام المذكورة في كلام المجلسي قدس سره كلها خارجة عن حقيقة السحر أما القسم الاول فاستحداث ما يخرق العادة بسبب عرفان القوي العالية لا يكون سحرا بل يباين السحر فان السحر لا واقعية له و هذا أمر واقعي فلا يكون سحرا موضوعا و اما من حيث الحكم فالظاهر عدم حرمته ما دام لم يرتكب المستحدث العارف ما يكون حراما في الشريعة.

و أما القسم الثاني فالكلام فيه هو الكلام فان احداث شي ء بواسطة قوة النفس لا يكون سحرا بل مضاد له و من حيث الحكم لا يكون حراما اذا لم يرتكب صاحب النفس القوية ما يخالف الشرع.

و أما القسم الثالث فكذلك فان الاستعانة بالجن و استخدامه

و احداث أمر بسببه

______________________________

(1) الوسائل الباب 144 من ابواب مقدمات النكاح

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب بقية الحدود الحديث 3

(3) البحار ج 59 ص 278

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 226

لا يرتبط بالسحر الذي لا واقع له و مقتضي الأصل الأولي جواز تسخير الجن بل قال سيدنا الأستاد يجوز ايذائه.

و أما القسم الرابع فهو داخل في الشعوذة و الماتن يتعرض لحكمها و نتكلم هناك إن شاء اللّه تعالي و هي مغايرة للسحر أيضا فان الشعوذة أمر واقعي لكن لا يلتفت الناظر ما يرتكبه المشعوذ.

و أما القسم الخامس فلا اشكال في عدم كونه سحرا و لا اشكال في جوازه في حد نفسه فانه لا يتوهم أحد أن الاختراعات من السحر كما أنه لا يتوهم أحد انها محرمة.

و أما القسم السادس فلا مجال لتوهم كونه من السحر و لا اشكال في عدم حرمته اذا لم يتعنون بعنوان حرام، و أما القسم السابع فهو حرام من باب كونه داخلا في الكذب و لكن الكذب و ايجاد المحبة و العلقة في قلب الغير لا يكون من السحر و أما القسم الثامن فلا اشكال في حرمته كما أنه لا اشكال في عدم كونه سحرا.

الفرع الثالث ان التسخير ليس من السحر

و عليه يجوز تسخير الحيوانات و الأجنة بل يجوز تسخير الملائكة ما دام لم يرتكب المسخر بالكسر محرما من المحرمات الشرعية فان مقتضي اصالة الحل شرعا و قبح عقاب ما لا بيان له عقلا هو الجواز فلا مجال لأن يقال انه من أنواع السحر فدليل حرمته مقتضيا لحرمته بالإطلاق اذ قد ظهر خروجه عن عنوان السحر موضوعا مضافا الي أن تحقق دليل معتبر علي حرمة السحر علي نحو الإطلاق أو العموم اوّل الكلام و

الأشكال.

ثم انه يظهر من سيدنا الأستاد التفريق بين ايذاء الجن و ايذاء الملك بالجواز في الأول و عدمه في الثاني و لم نفهم الوجه في التفريق فان الإيذاء ان كان حراما علي الإطلاق فما الوجه في تجويز ايذاء المؤمن من الجن و ان لم يكن عليه دليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 227

فما الوجه في تحريم ايذاء الملك و الذي يختلج بالبال أن يقال ان مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي حرمة ايذاء الملك و الجن اذا كان مؤمنا و ان كان مقتضي اصالة الحل جوازه علي الإطلاق الا أن يقال مقتضي دليل حرمة ايذاء المؤمن حرمة ايذاء كل مؤمن و لو من الجن فتأمل.

و صفوة القول انه لا وجه لتحريم التسخير اذا لم يكن فيه ايذاء و أما بالنسبة الي تسخير الحيوانات فان الأمر فيه أوضح فهل يمكن الالتزام بجواز تسخير الحيوانات بالقهر و الغلبة و الضرب و مع ذلك لا يجوز تسخيرها بما يوجب دخولها تحت الخدمة طوعا بل لنا أن نقول يجوز تسخير المؤمن من الأنس اذا لم يكن فيه ايذاء و اكراه لعدم الدليل علي حرمته.

ثم ان سيدنا الأستاد أفاد بأن المسخر بالكسر اذا كان معرضا للتضرر أو التلف أو الجنون لا يكون التسخير جائزا و يرد عليه ان مجرد المعرضية للمذكورات مع عدم قيام أمارة معتبرة عليها لا يكون موجبا للحكم بالحرمة الا فيما يحرز من الشرع ان مجرد الاحتمال يكفي للاحتياط الواجب و الا فمقتضي القاعدة الأولية هو الجواز و اللّه العالم.

الفرع الرابع: هل يجوز دفع السحر بالسحر

و يمكن الاستدلال علي جوازه باصالة البراءة بعد دعوي انصراف دليل المنع عن مثله و فيه منع الانصراف ان تم الإطلاق و ربما يستدل ببعض النصوص

الدالة علي الجواز لاحظ ما رواه شيخ من اصحابنا الكوفيين قال دخل عيسي بن ثقفي علي أبي عبد اللّه عليه السلام و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ علي ذلك الأجر فقال له جعلت فداك أنار جل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي و قد حججت منه و من اللّه علي بلقائك و قد تبت الي اللّه عز و جل فهل لي في شي ء من ذلك مخرج فقال له أبو عبد اللّه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 228

عليه السلام حل و لا تعقد «1» فان مقتضي هذه الرواية جواز الحل و حرمه العقد و الأشكال في الاستدلال بأن الإمام عليه السلام ناظر الي الحل بغير السحر مدفوع بأنه خلاف الظاهر لكن الرواية مخدوشة سندا فلا اعتبار بها.

و لاحظ ما ارسله الصدوق قال و روي أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد «2».

و المرسل لا اعتبار به.

و لاحظ ما عن العسكري عن آبائه عليهم السلام في حديث قال في قوله عز و جل «و ما انزل علي الملكين ببابل هاروت و ماروت» قال: كان بعد نوح عليه السلام قد كثرت السحرة المموهون، فبعث اللّه عز و جل ملكين الي نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم و يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين و أداه الي عباد اللّه بأمر اللّه عز و جل، و أمرهم أن يقفوا به علي السحر و ان يبطلوه، و نهاهم أن يسحروا به الناس و هذا كما يدل علي السم ما هو و علي ما يدفع به غائلة السم «الي أن قال» و ما يعلمان

من أحد ذلك السحر و ابطاله حتي يقولا للمتعلم انما نحن فتنة و امتحان للعباد ليطيعوا اللّه فيما يتعلمون من هذا و يبطلوا به كيد السحرة و لا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و طلب الإضرار به، و دعاء الناس الي أن يعتقدوا أنك به تحيي و تميت و تفعل ما لا يقدر عليه الا اللّه عز و جل، فان ذلك كفر (الي أن قال) و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم لأنهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به و يضروا به فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم و لا ينفعهم فيه «3» و تقريب الاستدلال بالرواية ظاهر لكنها مخدوشة سندا.

و لاحظ ما رواه ابن جهم عن الرضا عليه السلام في حديث قال و أما هاروت

______________________________

(1) الوسائل الباب الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 229

و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي قالا انما نحن فتنة فلا تكفر، فكفر قوم باستعمالهم لما امروا بالاحتراز منه و جعلوا يفرقون بما تعلموه بين المرء و زوجه قال اللّه تعالي: وَ مٰا هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ، يعني بعلمه «1» و التقريب ظاهر و السند مخدوش فلا يعتد بالرواية.

و استدل سيدنا الأستاد علي جواز دفع السحر بالسحر بقوله تعالي وَ مٰا أُنْزِلَ عَلَي الْمَلَكَيْنِ بِبٰابِلَ هٰارُوتَ وَ مٰارُوتَ وَ مٰا يُعَلِّمٰانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّٰي يَقُولٰا إِنَّمٰا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلٰا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مٰا

هُمْ بِضٰارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّٰا بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مٰا يَضُرُّهُمْ وَ لٰا يَنْفَعُهُمْ «2» بتقريب انه لو لم يكن حل السحر بالسحر جائزا لم يجز تعليمه فجواز التعليم يدل علي جواز عمله في الجملة و القدر المعلوم منه دفع السحر بالسحر.

و فيه ان جواز التعليم لا يدل علي جواز عمله للمكلف مضافا الي أن جوازه في شريعة من الشرائع السابقة لا يستلزم جوازه في شريعتنا كما هو ظاهر فبهذه الوجوه لا يمكن الاستناد في الحكم بالجواز نعم يمكن الاستدلال علي الجواز بعدم تمامية دليل المنع فان الضرورة و الإجماع قائمان علي حرمة السحر في الجملة و أما النصوص الدالة علي حرمة السحر فالظاهر انه ليس فيها ما يكون مطلقا و مع ذلك يكون معتبرا سندا نعم مقتضي حديث عبد العظيم حرمة السحر علي الإطلاق قال:

حدثني ابو جعفر الثاني عليه السلام قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسي بن جعفر عليه السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما سلم و جلس تلا هذه الآية «الذين يجتنبون كبائر الأثم و الفواحش» ثم أمسك فقال له

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) البقرة/ 102

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 230

أبو عبد اللّه عليه السلام ما أسكتك قال: أحب ان اعرف الكبائر من كتاب اللّه عز و جل فقال نعم يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك باللّه الي أن قال و السحر لأن اللّه عز و جل يقول: و لقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق «1» و علي فرض القول بالحرمة فلا اشكال في جوازه فيما زاحمه ملاك أقوي و لذا قد يجب كما لو توقف دفع من يدعي

النبوة و ينحصر طريق بطلان دعواه بالسحر فلاحظ.

الفرع الخامس: انه هل يختص حرمة السحر بما يكون مضرا بالنسبة الي الغير أم لا؟

ربما يقال ان مقتضي اطلاق نصوص الباب عدم الاختصاص و لكن حيث ان نصوص الباب لا تكون نقية سندا لا بدّ من الاقتصار علي المقدار المتيقن منه فلا يمكن الحكم بحرمة السحر علي الإطلاق الا أن يقال يكفي للإطلاق ما رواه عبد العظيم فان قوله عليه السلام «و السحر» في تعداد الكبائر يدل علي كون السحر علي اطلاقه حراما بل من الكبائر و عبد العظيم و ان لم يوثق بالصراحة و لكن قال سيدنا الأستاد في رجاله: و الذي يهون الخطب ان جلالة مقام عبد العظيم و ايمانه و ورعه غنية عن التشبث في اثباتها بامثال هذه الروايات الضعاف الخ «2».

و الذي يدل علي جلالة الرجل و رفعة مقامه ما قاله النجاشي في حقه: كان عابدا ورعا الخ فلا اشكال في سند الحديث لكن الأشكال في أن مقتضي تفسير بعض للسحر اشتراطه بكونه مضرا بالغير اما في بدنه أو عقله و مع احتمال تقيد حقيقة السحر بهذا القيد لا مجال لترتب احكامه عليه.

و أما حديث الاحتجاج من حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله: فأخبرني عن السحر ما أصله؟ و كيف يقدر الساحر علي ما يوصف من عجائبه و ما يفعل؟ قال: ان السحر علي وجوه شتي:

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث: 2

(2) معجم رجال الحديث ج 10 ص 49

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 231

وجه منها: بمنزلة الطب، كما ان الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة و لكل معني حيلة. و نوع

آخر منه:

خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع آخر: ما يأخذ اولياء الشياطين عنهم. قال فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من حيث عرف الأطباء الطب: بعضه تجربة و بعضه علاج. قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟ قال: انهما موضع ابتلاء و موضع فتنة، تسبيحهما: اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و كذا و لو يعالج بكذا و كذا لكان كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم: انما نحن فتنه فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.

قال: أ فيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار او غير ذلك! قال: هو أعجز من ذلك، و أضعف من ان يغير خلق اللّه، ان من ابطل ما ركبه اللّه و صوره و غيره فهو شريك اللّه في خلقه تعالي اللّه عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر علي ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الامراض و لنفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين و يجلب العداوة علي المتصافين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام اشر من و وطء الأرض بقدم فأقرب اقاويل السحر من الصواب انه بمنزلة الطب ان الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ «1» فحيث انه مرسل لا اعتبار به فلا يمكن الاستناد به في تفسير لفظ السحر موضوعا.

و صفوة القول ان التفاسير الواردة في تفسير كلمة السحر متعارضة فمنها ما ينفي عموم

مفهوم الكلمة و بعضها يثبت عموم المفهوم و التعارض يقتضي التساقط ان قلت:

______________________________

(1) الاحتجاج طبع النجف ص 185

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 232

قد قرر في محله ان شهادة الأثبات تقدم علي شهادة النفي قلت: الظاهر ان المثبت يعتمد علي الاستعمال و الاستعمال اعم من الحقيقة و النافي يعتمد علي الاطلاع مضافا الي أنه يمكن أن يعكس الأمر بأن نقول من يقول باختصاص المفهوم بخصوصية يثبت و القائل بالعموم ينفي و يضاف الي جميع ذلك ان تقديم شهادة الأثبات علي النفي لا دليل عليه من آية أو رواية يؤخذ بإطلاق ذلك الدليل بل الدليل عليه السيرة و لا بدّ من الاقتصار علي مقدار تحقق السيرة المذكورة.

الفرع السادس: ان السيميا هل يكون داخلا تحت عنوان السحر أم لا؟

قال الشيخ قدس سره و المراد به علي ما قبل احداث خيالات لا وجود لها في الحس يوجب تأثيرا في شي ء آخر انتهي. فان هذا التعريف يقتضي كونه من أقسام السحر بل تعريف السحر ينطبق عليه و يؤيده انه علي ما قيل تكون هذه الكلمة منسوبا الي سيمون الساحر و اللّه العالم.

الفرع السابع: انه هل يجوز تعليم السحر و تعلمه؟

الظاهر انه لا وجه لحرمة التعلم و لا حرمة التعليم ما لم يتعنونا بعنوان محرم فان الدليل قائم علي حرمة عمل السحر و التعليم و التعلم خارجان عن الموضوع كما هو ظاهر و اما حديث أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه ان عليا عليه السلام قال: من تعلم شيئا من السحر قليلا او كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه وحده أن يقتل الا أن يتوب «1» الدال علي حرمة تعلم السحر فهو ضعيف سندا.

الفرع الثامن: أنه هل يجب قتل الساحر؟

يستفاد من بعض النصوص ان الساحر يقتل لاحظ ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل قيل يا رسول اللّه لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الشرك أعظم من السحر

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 233

لأن السحر و الشرك مقرونان «1» و الحديث ضعيف سندا فان طريق الصدوق الي السكوني ضعيف علي ما كتبه الحاجياني و لاحظ ما رواه ابو البختري المتقدم آنفا و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل، فقيل يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الكفر «الشرك» أعظم من السحر و لأن السحر و الشرك مقرونان «2» و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة

علي رأسه «3» و الحديث ضعيف سندا.

و لاحظ ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه وحده القتل الا ان يتوب «4» و الحديث ضعيف سندا فالنتيجة انه لا يجوز قتل الساحر بمقتضي حرمة القتل كتابا و سنة و ضرورة الا ان يتعنون بعنوان مجوز للقتل كأن يرتد.

الفرع التاسع: أن الساحر هل يكفر بالسحر أم لا؟

يستفاد من بعض النصوص ان الساحر كافر منها ما رواه ابو البختري «5» و منها ما رواه علي بن الجهم عن الرضا عليه السلام في حديث قال: و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما السحر ليحترزوا به سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم، و ما علما أحدا من ذلك شيئا حتي «الا» قالا انما نحن فتنة فلا تكفر «6».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب بقية الحدود الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الحدود الحديث 2

(5) لاحظ 232

(6) الوسائل الباب 25 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 234

و منها ما رواه محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة قال:

قال امير المؤمنين عليه السلام لبعض اصحابه لما عزم علي المسير الي الخوارج الي ان قال ثم أقبل عليه السلام علي الناس فقال: أيها الناس اياكم و تعلم النجوم الا ما يهتدي به في بر او بحر، فانها تدعو الي الكهانة و الكاهن كالساحر و الساحر كالكافر و الكافر في النار «1».

و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا هذا من ناحية و من ناحية اخري انه لا وجه لكفر الساحر بما هو ساحر ما لم

يصدر عنه ما يوجب كفره و ارتداده كانكار الضروري و نحوه و اللّه العالم.

[المسألة الحادية عشرة الشعوذة حرام بلا خلاف]

«قوله قدس سره: الحادية عشرة الشعوذة حرام بلا خلاف … »

قد تقدم الكلام في تفسير الشعوذة و أنها مبانية مع السحر مفهوما فان السحر لا واقعية له بخلاف الشعوذة فانها أمر واقعي غاية الأمر لا يفهم الغير ما يرتكبه المشعوذ بواسطة سرعة عمله فمن حيث الموضوع مقابل للسحر و أما من حيث الحكم فما يمكن أن يذكر في حرمته امور: الأول: عدم الخلاف المذكور في كلام الشيخ و من الظاهر ان عدم الخلاف لا يكون من الأدلة الشرعية الثاني: الإجماع و فيه انه علي تقدير تماميته و حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة الثالث: حديث الاحتجاج «2» فانه قد ذكر فيه (و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة).

و فيه ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و الإجماع ان تم فهو بنفسه دليل علي المدعي و الا لا اثر لضم ما لا يكون حجة الي غير حجة كما هو ظاهر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب آداب السفر الحديث 8

(2) لاحظ 230

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 235

الرابع: انها سحر موضوعا. و فيه انه ثبت خلافه و علي تقدير الشك لا مجال للأخذ بالدليل في الشبهة في المصداق بل مقتضي الاستصحاب الجاري في الشبهة المفهومية عدم كونه داخلا تحت مفهوم السحر و استعمال لفظ السحر فيها علي تقدير تحققه لا يثبت المدعي فان الاستعمال اعم من الحقيقة.

الخامس: انه لهو و لعب فيحرم و يرد عليه انه ربما يكون لغرض عقلائي فلا يكون لهوا و ثانيا لا دليل علي حرمة مطلق اللهو و اللعب بل اللهو

و اللعب محرمان في الجملة لا بالجملة فلاحظ.

[المسألة الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف و الأخبار به متواترة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية عشرة الغش حرام بلا خلاف و الاخبار به متواترة … »

الكلام في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي: في بيان معني الغش

و هو مفهوم عرفي يرادفه في لغة الفرس لفظ (گول زدن) و عن لسان العرب «غشش: نقيض النصح و هو مأخوذ من الغشش المشرب الكدر، أنشد ابن الأعرابي:

و منهل تروي به غير غشش، أي غير كدر و لا قليل قال: و من هذا الغش في البياعات» و عن مجمع البحرين «المغشوش الغير الخالص» و عن المنجد «غشه أظهر له خلاف ما أضمره و خدعه» و عن الصحاح و القاموس و الفائق للزمخشري و نهاية ابن الأثير «الغش غير النصيحة» و عن المصباح و المغرب للمطرزي «لبن مغشوش مخلوط بالماء و قالوا في الخديعة و التدليس انهما اخفاء العيب قال ابن فارس الدلس هو الظلام و منه التدليس في البيع و هو ان يبيع من غير ابانة عيبه فكأنه خادعه و أتاه في ظلام» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «الغش الا تمحض النصيحة» انتهي و اقول صدق الغش متوقف علي علم الغاش بالحال و جهل المغشوش به أما مع علمهما أو جهلهما أو جهل البائع بعيب المبيع و علم المشتري فلا يصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 236

عنوان الغش كما هو ظاهر و العرف ببابك.

و صفوة القول ان الغش اخفاء للعيب و تغطيته و ارائة المعيوب صحيحا و ارائة القبيح حسنا و يستفاد المدعي من بعض النصوص أيضا لاحظ ما رواه ابن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام انا نعمل القلانس فنجعل فيها القطن العتيق فنبيعها و لا نبين لهم ما فيها قال: احب لك أن تبين لهم ما فيها «1».

الجهة الثانية: في حكم الغش

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا شبهة في حرمة غش المسلم في الجملة بلا خلاف بين الشيعة و السنة

لتواتر الروايات من طرقنا و من طرق العامة بل هي من ضروريات مذهب المسلمين و تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس منا من غشنا «2» و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لرجل يبيع التمر: يا فلان أ ما علمت أنه ليس من المسلمين من غشهم 3 و منها ما رواه هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي أبو الحسن الأول راكبا فقال لي: يا هشام، ان البيع في الظلال غش و الغش لا يحل «4»

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي النبي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن يشاب اللبن بالماء للبيع 5 و منها ما رواه الحسين بن زيد الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و بناته و كانت تبيع منهن العطر فجاء النبي صلي اللّه عليه و آله و هي عندهن فقال: اذا أتيتنا طابت بيوتنا فقالت: بيوتك بريحك أطيب يا رسول اللّه قال: اذا بعت فاحسني و لا تغشي فانه أتقي و أبقي للمال الحديث «6»

______________________________

(1) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 1 و 2

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 3 و 4

(6) نفس المصدر الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 237

و منها ما رواه عبيس بن هشام عن رجل من اصحابه عن أبي عبد اللّه

عليه السلام قال: دخل عليه رجل يبيع الدقيق فقال: اياك و الغش فانه من غش غش في ماله فان لم يكن له مال غش في اهله «1».

و منها ما رواه سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال مر النبي صلي اللّه عليه و آله في سوق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما اري طعامك الا طيبا و سأله عن سعره، فأوحي اللّه عز و جل إليه أن يدس «يدير» يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه: ما أراك الا و قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين 2.

و منها ما رواه الحسين زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام (في حديث المناهي) عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال: و من غش مسلما في شراء أو بيع فليس منا و يحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين قال:

و قال عليه السلام ليس منا من غش مسلما و قال: و من بات و في قلبه غش لاخيه المسلم بات في سخط اللّه و اصبح كذلك حتي يتوب «3».

و منها ما عن عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال في حديث و من غش مسلما في بيع أو في شراء فليس منا و يحشر مع اليهود يوم القيمة لأنه من غش الناس فليس بمسلم الي أن قال ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ألا و من غشنا فليس منا (قالها ثلاث مرات) و من غش أخاه المسلم نزع اللّه بركة رزقه و افسد عليه معيشته و وكله الي نفسه «4».

و منها ما في عيون الأخبار عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول

اللّه صلي اللّه عليه و آله ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ما كره 5.

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 7 و 8

(3) نفس المصدر الحديث 10

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 11 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 238

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض و بعضه أجود من بعض قال: اذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي «1».

و منها ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما فيكون أحسن له و أنفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته؟ فقال: ان كان بيعا لا يصلحه الا ذلك و لا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس و ان كان انما يغش به المسلمين فلا يصلح «2».

و منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان معي جرابان من مسك احدهما رطب و الأخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثم أخذت اليابس أبيعه فاذا أنا لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوي و لا يزيدوني علي ثمن الرطب، فسألته عن ذلك أ يصلح لي أن أنديه؟ فقال: لا الا أن تعلمهم، قال: فنديته ثم أعلمتهم، فقال: لا بأس به اذا أعلمتهم «3».

الجهة الثالثة: ان الميزان في الحرمة صدق عنوان الغش

بلا فرق بين مصاديقه فلو كان الغش بفعل غير البائع و لكن البائع يعلم أن الجنس مغشوش و معيوب بعيب خفي يجب عليه الأعلام بمقتضي اطلاق دليل حرمة الغش و علي هذا لا وجه لتخصيص الحكم بصورة قصد البائع الغش فلو خلط المال بشي ء بحيث صار مغشوشا و

كان غرضه اصلاح المال يجب عند البيع اعلام المشتري لإطلاق دليل الحرمة و صفوة القول ان كل قيد يحتمل دخله في تحقق الحكم منفي بإطلاق دليل الحرمة بعد فرض صدق عنوان الموضوع و افاد الشيخ قدس سره انه يستفاد من

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب أحكام العيوب الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 239

حديث الحلبي «1» التفصيل بين قصد الغش ببل المتاع فيحرم و عدمه فلا يحرم فالمستفاد من الحديث ان الميزان في الحرمة قصد التلبيس علي المشتري سواء كان العيب خفيا أم جليا و يرد عليه ان المستفاد من الحديث ان بل المتاع ان كان موجبا لترغيب الناس فقط فيجوز و اما ان كان غشا و تلبيسا فلا يجوز.

و صفوة القول ان العيب لو كان خفيا و كان البائع عالما به و كان المشتري جاهلا به و لم يتبرأ البائع بصدق الغش و ان شئت قلت البائع اذا كان عالما بالعيب و لم يبين للمشتري يصدق عليه الغش و عدم قصد التلبيس لا يرجع الي معني محصل مثلا لو فرضنا ان القول الفلاني لو كان موجبا للهتك و القائل حين ارادته يعلم بأنه يوجب الهتك و مع ذلك قال فلا اشكال في صدق الهتك.

و بعبارة واضحة: عدم القصد مع العلم بالموضوع لا يجتمعان نعم الأغراض مختلفة فان التلفظ بالقول الموجب للهتك ربما لا يكون بغرض الهتك و لكن لا اثر له بعد صدق الموضوع و اطلاق الدليل و المقام كذلك.

ثم انه لو قال البائع للمشتري فتش المتاع لعله مغشوش لا يصدق الغش فلا يحرم لكن مجرد هذا القول لا يقتضي ارتفاع الخيار. و

أفاد المحقق الإيرواني قدس سره ان الالتزام بالخيار و اشتراطه علي تقدير ظهور العيب رافع للغش. و يرد عليه انه علي هذا الأساس لا يصدق الغش في اي مورد من الموارد اذ الخيار مجعول بالشرط الضمني الارتكازي فأين يصدق عنوان الغش الحرام.

الجهة الرابعة: في حكم بيع المغشوش وضعا

فربما يقال انه فاسد لبعض الوجوه و تنقيح المقام يقتضي التفصيل فنقول تارة يكون البيع كليا و اخري يكون شخصيا أما الأول فكما لو باع الحنطة الجيدة في ذمته و دفع في مقام الأداء الحنطة المعيوبة الردية فلا اشكال في صحة البيع لتمامية اركان الصحة و للمشتري رد المدفوع

______________________________

(1) لاحظ ص: 238

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 240

و مطالبة فرد آخر و بعبارة واضحة المدفوع لا يكون مصداقا لذلك الكلي فلا يتحقق التسليم المأمور به فيجب علي البائع تسليم ما هو مصداق لذلك الكلي و ان شئت قلت: المدفوع اجنبي عن الذي وقع عليه العقد نعم يمكن تبديل ما في الذمة بما في الخارج بمعاوضة جديدة.

و أما ان كان بيعا شخصيا فهذا يتصور علي انحاء: الأول: أن يكون الوصف المأخوذ في المبيع وصفا نوعيا في نظر العرف كما لو باع الحيوان الخارجي بعنوان كونه حمارا فبان انه بقر و لا اشكال في بطلان البيع في الصورة المفروضة فان الصور النوعية و لو كانت عرفية مقومة للبيع و عليه لو باع المتاع الخارجي بعنوان كونه ذهبا فبان كونه مذهبا يكون العقد باطلا لتخلف الصورة النوعية.

الثاني: أن يكون الوصف المأخوذ في الموضوع وصف صحة أو وصف كمال فتخلف الوصف المشروط كما لو باع حيوانا فبان كونه معيبا و كما لو باع عبدا علي أن يكون كاتبا فبان انه لا يعرف الكتابة ففي كلا

الفرضين يكون بيعه صحيحا غاية الأمر يتحقق في القسم الأول للمشتري خيار العيب علي التفصيل المذكور في محله و في الثاني يتحقق خيار تخلف الشرط.

الثالث: أن يكون المبيع مركبا من جزءين و هذا القسم علي نحوين أحدهما ما يكون لوصف الاجتماع تأثير في زيادة القيمة و ان لم يكن مقابلا بشي ء من الثمن ثانيهما: ما لا دخل لوصف الاجتماع في زيادة القيمة اما النحو الأول كمصرعي الباب فلو بان بعد البيع ان المبيع مصراع واحد و نحوه من بقية الموارد التي من هذا القبيل فان البيع بالنسبة الي الجزء المفقود باطل و بالنسبة الي الجزء الموجود صحيح مع خيار تخلف الوصف اي وصف الانضمام و أما النحو الثاني و هو ما لا دخل للانضمام كما لو باع منا من الحنطة فبان ان نصفه تراب فان البيع بالنسبة الي النصف المفقود باطل و بالنسبة الي النصف الموجود صحيح بلا خيار لعدم ما يقتضي الخيار فان الخيار انما يثبت فيما يكون دخيلا في مرغوبية المبيع لا مطلقا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 241

اذا عرفت ما تقدم نقول: اذا باع شيئا فبان انه مغشوش فتارة يوجب الغش اختلاف الصورة النوعية كما لو باع خاتما بعنوان انه ذهب فبان كونه مذهبا يكون البيع باطلا لتخلف الصورة النوعية و أما اذا لم يكن كذلك و لم تتخلف الصورة النوعية بل التخلف يكون في الوصف فقط كما لو باع لبنا فبان أنه مخلوط بالماء فما يمكن أن يقال في وجه البطلان امور:

منها: ان القصد وقع علي الخالص و المخلوط بالماء لا يكون لبنا خالصا فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد. و فيه ان المفروض ان البيع

شخصي و ليس المبيع كليا فالبيع واقع علي العين الخارجية و من ناحية اخري وصف الخلوص من الخليط ليس صورة نوعية كي يلزم من تخلفها البطلان فغاية ما يترتب عليه خيار تخلف الوصف و أما البطلان فلا وجه له. ان قلت: العقد معلق علي الخلوص و مع عدم الخلوص يلزم انتفائه قلت: التعليق في العقود يوجب بطلانها و بعبارة اخري: العقد واقع علي الموجود الخارجي بلا تعليق بشرط أن تكون خالصة عن الماء فلا مجال لأن يقال ان المقام داخل في كبري تعارض الوصف و الإشارة اذ لا اشكال في وقوع العقد علي العين الخارجية بشرط الخلوص و تعارض الوصف و الإشارة مورده التردد في أن العقد هل وقع علي العين الخارجية و توصيفها بالوصف الكذائي من باب اعتقاد انها موصوفة بالوصف المذكور او أن متعلق العقد نفس العنوان و الإشارة إليه باعتبار حضوره مضافا الي أن هذا البحث يجري فيما يتصور فيه التردد و أما مع العلم بكون وقوع العقد علي العين الخارجية كما هو المفروض في المقام فلا مجال لهذا البحث.

اضف الي ذلك كله ان التردد بين الأمرين انما يتصور فيما يكون الأمر دائرا بين الجزئيين الموجودين في الخارج كمسألة الاقتداء حيث يتردد الأمر بين تعلق القصد بالاقتداء بهذا المشار إليه بالإشارة الخارجية و توصيفه بذلك الوصف و بين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 242

تعلق القصد بالموصوف في الذهن و الإشارة الي الموجود الخارجي من باب حضور ذلك الموصوف في اعتقاد المشير و أما لو لم يكن كذلك فلا مجال لهذا التردد كما في المقام فان القصد اما يتعلق بالعين الخارجية علي نحو التعليق و اما أن يتعلق بها مع توصيفها

بالوصف الكذائي و اما يتعلق بالموصوف أما علي الأول فيلزم عدم تحقق العقد لعدم المعلق عليه مضافا الي أنه يلزم البطلان للتعليق و أما علي الثاني فيلزم تحقق العقد بلا ترتب خيار التخلف لعدم الاشتراط و أما علي الثالث فيلزم تحقق العقد الصوري فيلزم تحقق العقد علي نحو بيع الكلي و الحال ان المفروض كون المبيع شخصيا.

و منها: ان النهي متعلق بالغش و البيع مصداق للغش فيبطل و فيه ان النهي عن الغش نهي تحريمي و الحرمة التكليفية لا تقتضي الفساد اذا النهي متعلق بعنوان خارجي و لم يتعلق بنفس البيع بل لنا ان نقول ان النهي لو تعلق بالبيع بعنوانه الأولي و لكن كان النهي نهيا تحريميا مولويا لا ارشاديا لا يترتب عليه الفساد لعدم تناف بين الحرمة التكليفية و الصحة الوضعية فهذا الوجه أيضا لا يقتضي الفساد.

و منها: انه يستفاد من النص عدم جواز العقد علي ما فيه الغش لاحظ خبر موسي بن بكر قال: كنا عند أبي الحسن عليه السلام و اذا دنانير مصبوبة بين يديه فنظر الي دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين، ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شي ء فيه غش «1».

و لاحظ خبر الجعفي قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فالقي بين يديه دراهم فألقي الي درهما منها فقال: ايش هذا؟ فقلت: ستوق فقال: و ما الستوق

______________________________

(1) الوسائل الباب 86 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 243

فقال طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال اكسرها فانه لا يحل بيع هذا و لا انفاقه «1».

و الحديثان كلاهما ضعيفان سندا فلا تصل النوبة الي

ملاحظة دلالتهما فالنتيجة ان البيع المتعلق بالمغشوش حرام تكليفا صحيح وضعا.

الجهة الخامسة: هل تختص حرمة الغش بالمسلم فلا تحرم غش الكافر؟

مقتضي جملة من النصوص اختصاصها بالمسلم و لكن يكفي للإطلاق بعض مطلقات المقام لاحظ ما رواه هشام «2» فان مقتضي اطلاق الحرمة المستفاد من هذه الرواية عدم الاختصاص و لا تنافي بين المثبتين كما هو المقرر.

[المسألة الثالثة عشرة الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة عشرة الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة … »

فان حرمته في الجملة لا بالجملة حيث ان في حكمه اختلافا و تفصيلا بل تفاصيل و أقوال كما يظهر إن شاء اللّه تعالي في طي البحث و الكلام في الغناء يقع في مقامين

المقام الأول: في بيان موضوعه

المقام الثاني في حكمه و المناسب أن نقدم المقام الأول علي المقام الثاني فنقول: ان كلمات اللغويين و الفقهاء مختلفة في بيان موضوعه فعن المصباح «ان الغناء الصوت» و عن آخر «مد الصوت» و عن النهاية عن الشافعي «انه تحسين الصوت و ترقيقه» و عنها أيضا «ان كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء» و عن لسان العرب في مادة غناء «كل من رفع صوته و والاه فصوته عند العرب غناء» و عنه أيضا «الغناء من الصوت ما طرب به» و عن مجمع البحرين «الغناء ككساء الصوت المشتمل علي الترجيع المطرب او ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الصرف الحديث 5

(2) لاحظ ص 236

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 244

يسمي في العرف غناء، و ان لم يطرب سواء كان في شعر أو قرآن او غيرهما» و عن المنجد «الغناء من الصوت ما طرب به» و عن الصحاح «الغناء من السماع» و عن مقاييس اللغة لابن فارس و المقصور و الممدود لأبي ولاد «الغناء من الصوت» و عن القاموس «الغناء ككساء من الصوت ما طرب به».

و في المستند ج 2 في بحث الغناء «انه فسره بعضهم بالصوت و آخر بالصوت المشتمل علي الترجيع و ثالث بالصوت المشتمل علي الترجيع و الأطراب معا و رابع بالترجيع و خامس بالتطريب و سادس بالترجيع مع التطريب و سابع

برفع الصوت مع الترجيع و ثامن بمد الصوت و تاسع بمده مع احد الوصفين أو كليهما و عاشر بتحسين الصوت و حادي عشر بمد الصوت و موالاته و ثاني عشر و هو الغزالي بالصوت الموزون المفهم المحرك للقلب».

و قال سيدنا الأستاد: «ان الغناء المحرم عبارة عن الصوت المرجع فيه علي سبيل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق سواء تحقق في كلام باطل أم في كلام حق و سماه في الصحاح بالسماع و يعبر عنه في لغة الفرس بكلمة (دو بيت و سرود و پسته و آوازه خواندن «1».

و لازم ما افاده انه لا يعتبر في صدق عنوان الغناء حسن الصوت و ايجاد الطرب في السامع و من الظاهر عدم صدق العنوان علي مطلق الصوت و لا اشكال في أن حسن الصوت مقوم للعنوان و أيضا لا اشكال في أن مجرد رفع الصوت لا يكون غناء فان الدليل قائم علي استحباب رفع الصوت بالأذان كما ان مجرد حسن الصوت لا يكون غناء فانه نقل ان سيد نازين العابدين عليه السلام كان حسن الصوت و كان يقرأ القرآن رافعا صوته فلا بد في الجزم بترتب الحكم التحفظ علي كل قيد يحتمل اعتباره و الا فلا مجال للأخذ بدليل حرمته لعدم جواز الأخذ بالعام أو المطلق في

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 311

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 245

موارد الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب عدم وضعه الا للجامع لجميع القيود المحتملة كما ان مقتضي الأصل الحكمي و هي اصالة البراءة عقلا و شرعا هو الجواز.

و المستفاد من مجموع ما ذكر في المقام ان الغناء عبارة عن مد الصوت الحسن مع الترجيع و التطريب و لا

يشترط فيه أن يكون مضمونه من المضامين اللهوية بل يتحقق و لو بقراءة القرآن لكن مع رعاية الشروط المذكورة و لا يلزم تحققه علي نحو يتداول عند الفسقة و الفجرة بل و لو علي نحو المتعارف في قراءة التعزية و أمثالها.

و الإنصاف ان الإرجاع الي العرف لا اثر له فانه ربما يصدق العنوان في نظر العرف و لكن لا يمكن تميز مشخصاته و أما ما افاده سيدنا الأستاد في كلامه المنقول عنه بتقييد مفهوم الغناء بكونه علي سبيل اللهو و الباطل و الإضلال عن الحق فلا دليل عليه فان التفاسير المنقولة في تفسيره خالية عما ذكر فالظاهر انه ليس داخلا في مفهومه نعم يمكن ان قيد الإضلال يستفاد من جملة من النصوص منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد اللّه عليه النار و تلا هذه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1».

و منها ما رواه مهران بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

الغناء مما قال اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ 2.

و منها ما رواه الوشاء قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام «يسأل خ ل» عن الغناء فقال: هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 246

النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «1».

و منها ما

رواه عبد الأعلي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت: قول اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي قال روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه و أبي الحسن الرضا عليهم السلام في قول اللّه عز و جل: «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ» انهم قالوا: منها الغناء «3».

و منها ما رواه الحسن بن هارون قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول الغناء مجلس لا ينظر اللّه الي اهله و هو مما قال اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «4».

فان المستفاد من هذه الروايات ان الغناء يوجب الإضلال عن الحق و عن سبيله تعالي فلاحظ و لكن هذه النصوص كلها مخدوشة سندا فلا يعتد بها فالنتيجة ان قيد الإضلال عن الحق في مفهوم الغناء لا دليل عليه و لا يبعد أن يكون قيد الأطراب ملازما مع كونه علي سبيل اللهو و الباطل و لذا قال الشاعر: أطربا و انت قنسري اي شيخ كبير و الدهر بالإنسان دواري اي لا يناسب الطرب و اللهو مع مضي عمر طويل و عدم ثبات في هذا العالم و علي الجملة مع فناء هذه الدنيا الدنية و عدم بقائها لا ينبغي أن يكون الإنسان غافلا و مشتغلا باللهو و اللعب اعاذنا اللّه من الزلات

______________________________

(1) نفس المصدر

الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 20

(3) نفس المصدر الحديث 25

(4) نفس المصدر الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 247

و الهلكات فمادة الطرب لا تناسب مع الأفاضل و الأماجد.

فالنتيجة ان الغناء عبارة عن الصوت الرفيع الذي يكون فيه الترجيع و التطريب و يكون بكيفية الأصوات اللهوية التي تناسب مجالس اللهو و الباطل فما أفاده سيدنا الاستاد في محله و تؤيد المدعي جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما رواه زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله عز و جل و اجتنبوا قول الزور قال: قول الزور الغناء «1».

و منها ما رواه ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه تعالي: و اجتنبوا قول الزور قال: قول الزور الغناء «2».

و منها ما رواه ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ. وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الغناء 3.

و منها ما رواه يونس قال: سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء و قلت ان العباسي ذكر عنك أنك ترخص في الغناء فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له سألني عن الغناء فقلت ان رجلا اتي أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء فقال:

يا فلان اذا ميز اللّه بين الحق و الباطل فاين يكون الغناء؟ قال مع الباطل فقال:

قد حكمت «4».

و منها ما رواه الريان بن الصلت قال: سألت الرضا عليه السلام يوما بخراسان و ذكر نحوه 5 و منها ما رواه عبد الأعلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت: انهم يزعمون ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله رخص في أن يقال:

جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول: «وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ، لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 13 و 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 248

إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس «1».

و منها ما رواه ابن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال:

سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال لأهل الحجاز «العراق» فيه رأي و هو في حيز الباطل و اللهو أ ما سمعت اللّه عز و جل يقول: وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «2» و منها ما رواه عبد الأعلي قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قول اللّه عز و جل «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «3».

و منها ما رواه محمد بن عمر و بن حزم في حديث قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: الغناء اجتنبوا الغناء اجتنبوا قول الزور فما زال يقول: اجتنبوا الغناء اجتنبوا فضاق بي المجلس و علمت انه يعنيني «4».

و منها ما رواه هشام عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: الرجس

من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 5 فانه يستفاد من هذه النصوص ان الغناء من مصاديق الباطل هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني [في حكمه]
اشارظ

فيقع الكلام فيه في ضمن فروع

الفرع الأول في حرمته في الجملة
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول: دعوي عدم الخلاف و الإجماع و الضرورة

قال الشيخ قدس سره «لا خلاف في حرمته في الجملة» و قال سيدنا الأستاد في ذيل كلام الماتن «لا خلاف في حرمة الغناء في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 15

(2) نفس المصدر الحديث 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 24 و 26

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 249

الجملة بين الشيعة» و عن المستند «لا خلاف في حرمة ما ذكرناه انه غناء قطعا «1» الي أن قال: و لعل عدم الخلاف بل الإجماع عليه مستفيض بل هو اجماع محقق قطعا بل ضرورة دينية» 2 و عن متاجر الرياض بل عليه اجماع العلماء كما حكاه بعض الاجلة و هو الحجة الي غير ذلك من الكلمات الواردة في المقام.

الوجه الثاني: جملة من الآيات الشريفة

ببركة تفسيرها و بيانها بالنصوص الواردة عن اهل بيت الوحي عليهم صلوات اللّه و أهل البيت أدري بما في البيت منها قوله تعالي: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «3» بتقريب ان قول الزور قد فسر في بعض الأحاديث بالغناء منها ما رواه زيد الشحام «4» و منها ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله عز و جل لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال: الغناء «5» و منها مرسلة ابن أبي عمير «6»

و منها ما عن عبد الأعلي 7 و منها ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول الزور قال: منه قول الرجل للذي يغني احسنت «8» و منها ما عن محمد بن عمرو بن حزم «9» و منها ما عن هشام «10».

و منها قوله تعالي وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «11» فانه قد فسر الزور بالغناء في حديث

أبي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) (1 و 2) المستند ج ج 2 في بحث الغناء

(3) الحج/ 31

(4) راجع ص: 247

(5) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(6) (6 و 7) راجع ص: 247

(8) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 21

(9) لاحظ ص: 248

(10) لاحظ ص 248

(11) الفرقان/ 72

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 250

في قول اللّه عز و جل: وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ قال هو الغناء «1».

و منها قوله تعالي وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «2» فانه قد فسر اللغو في تفسير القمي بالغناء و الملاهي «3».

و منها قوله تعالي وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً «4» بضميمة ما رواه محمد بن أبي عباد «5».

و منها قوله تعالي وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «6» فانه قد فسرت الآية في بعض الروايات بالغناء لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «7» و ما رواه مهران بن محمد 8 و ما رواه الوشاء «9» و ما رواه الحسن بن هارون 10 و ما رواه عن عبد الأعلي «11» و ما الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان 12.

فان الآيات المباركات قد فسرت في هذه الروايات بالغناء و في المقام و نظائره اشكال و هو انه لو فسرت الآية الشريفة في حديث بأمر و في حديث آخر بأمر آخر هل يكون تعارض بين الحديثين أم لا؟ قال سيدنا الأستاد لا تعارض بينهما بدعوي ان المستفاد من الحديث المفسر تعيين أحد المصاديق فلا تنافي بين المقامين

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب

ما يكتسب به الحديث 5

(2) المؤمنون 3

(3) تفسير القمي ج 2 ص 88

(4) الفرقان/ 72

(5) راجع ص 248

(6) لقمان/ 6

(7) (7 و 8) راجع: ص 245

(9) (9 و 10) راجع ص 245 و 246

(11) (11 و 12) راجع ص 246

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 251

و بعبارة اخري: يمكن أن تكون مصاديق كثيرة للآية فلا تعارض بين التفسيرين هذا ملخص ما أفاده في المقام و غير المقام.

و الذي يختلج بالبال أن يقال الحق هو التفصيل اذ ربما يعبر في الحديث بما يستفاد منه ان المورد الفلاني من مصاديق الآية كقوله عليه السلام في حديث حماد «1» و اخري لا يكون كذلك كما في جملة من الأحاديث الواردة في مقام تفسير قول الزور بالغناء فعلي الأول لا يكون معارضا لغيره و علي الثاني يتحقق التعارض كما التزم به في المستند علي ما نقل عنه في كلام سيدنا الأستاد «2».

و لاحظ ما نقله في تفسير نور الثقلين عن مجمع البيان وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أن يتقول الرجل عليك بالباطل او يأتيك بما ليس فيك فتعرض عنه للّه «3» و في رواية اخري: انه الغناء و الملاهي 4.

و لا وجه لما افاده سيدنا الأستاد في هذا المقام حيث قال فقد تنزل الآية في مورد أو في شخص او في قوم و لكنها لا تختص بذلك المورد أو ذلك الشخص أو اولئك القوم فهي عامة المعني فقد روي العياشي باسناده عن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالي و لكل قوم هاد علي الهادي و منا الهادي فقلت: فأنت جعلت فداك الهادي قال: صدقت ان القرآن حي

لا يموت و الآية حية لا تموت فلو كانت الآية اذا نزلت في الأقوام و ماتوا ماتت الآية لمات القرآن و لكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين «5».

و الأحاديث المذكورة في كلامه لا تدل علي صحة ما ادعاه منها ما رواه عبد الرحيم القصير قال: كنت يوما من الأيام عند أبي جعفر عليه السلام فقال: يا عبد

______________________________

(1) راجع ص 249

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 306

(3) (3 و 4) نور الثقلين ج 3 ص 529 حديث 16 و 17

(5) البيان في تفسير القرآن ص 30

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 252

الرحيم قلت: لبيك قال: قول اللّه «إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ» اذ قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انا المنذر و علي الهادي من الهادي اليوم؟ قال فسكت طويلا ثم رفعت رأسي فقلت: جعلت فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتي انتهت أليك فانت- جعلت فداك- الهادي قال: صدقت يا عبد الرحيم ان القرآن حي لا يموت و الآية حية لا تموت، فلو كانت الآية اذا نزلت في الأقوام ماتوا مانت الآية لمات القرآن «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي.

و منها ما رواه عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» قال نزلت في رحم آل محمد و قد يكون في قرابتك ثم قال فلا تكونن ممن يقول للشي ء انه في شي ء واحد «2» و يستفاد من هذه الرواية ان هذه الآية الشريفة لا تختص بمورد خاص لكن لا يستفاد من الحديث ميزان كلي هذا علي تقدير تمامية سند الحديث.

و أما

خبر فرات بن ابراهيم الكوفي الذي ذكره سيدنا الأستاد في المقام فهو ضعيف سندا فان فرات لم يوثق مضافا الي ارسال الحديث.

و صفوة القول انه لا وجه لما ادعاه فانه يمكن أن يكون المراد ان القرآن كتاب جامع نافع لكل افراد البشر و لا يختص بجماعة خاصة و بعبارة اخري كما ان الشمس فائدتها تعم جميع العالم كذلك القرآن فلا ترتبط بالمقام و علي الجملة انه لا يستفاد من النصوص المنقولة في كلامه في كتاب البيان مدعاه فلاحظ هذا علي تقدير تمامية الأحاديث المذكورة من حيث السند و أما مع عدم تمامية اسنادها فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 35 ص 403 حديث 21

(2) تفسير البرهان ج 2 ص 288 حديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 253

الوجه الثالث: جملة كثيرة من الروايات

منها ما عن زيد الشحام «1» و منها ما عن أبي الصباح «2» و منها أيضا ما عن أبي الصباح الكناني «3» و منها ما عن محمد بن مسلم «4» و منها ما عن مهران محمد 5 و منها مرسلة ابن عمير «6» و منها ما عن ابي بصير 7.

و منها ما عن أبي أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الغناء غش النفاق «8» و منها ما عن الوشاء «9».

و منها ما عن ابراهيم بن محمد المدني عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الغناء و أنا حاضر فقال: لا تدخلوا بيوتا اللّه معرض عن أهلها «10» و منها ما عن يونس «11» و منها ما عن الريان بن الصلت 12 و منها ما عن عبد الأعلي 13 و منها ما عن الحسن بن هارون «14»

و منها ما عن محمد بن أبي عباد «15» و منها ما عن عبد الأعلي 16 و منها ما عن حماد بن عثمان «17» و منها ما عن محمد بن عمرو 18 و منها ما عن الفضل ابن الحسن الطبرسي «19».

______________________________

(1) راجع ص 247

(2) راجع ص 248

(3) راجع ص 249

(4) (4 و 5) راجع ص 245

(6) (6 و 7) راجع ص 247

(8) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 10

(9) راجع 245

(10) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

(11) (11 و 12 و 13) راجع ص 247 و 248

(14) راجع ص 246

(15) (15 و 16) راجع ص 248

(17) (17 و 18) راجع ص 249 و 248

(19) راجع ص 246

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 254

و منها ما عن عبد اللّه بن عباس عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال:

أن من أشراط الساعة اضاعة الصلوات و اتباع الشهوات و الميل الي الأهواء الي أن قال فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير اللّه و يتخذونه مزامير و يكون أقوام يتفقهون لغير اللّه و تكثر اولاد الزنا و يتغنون بالقرآن الي أن قال فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس «1» و منها ما عن هشام «2».

و منها ما عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: كان ابليس أول من تغني و أول من ناح لما أكل آدم من الشجرة تغني فلما هبطت حوا الي الأرض ناح لذكره ما في الجنة «3».

و منها ما عن الحسن قال: كنت أطيل القعود في المخرج لا سمع غناء بعض الجيران قال: فدخلت علي أبي

عبد اللّه عليه السلام فقال لي يا حسن «أن السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا «السمع و ما وعي و البصر و ما رأي و الفؤاد و ما عقد عليه 4.

و منها ما رواه نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول المغنية ملعونة ملعون من أكل كسبها «5».

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: قلت: لابي الحسن الاول عليه السلام جعلت فداك أن رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار و قد جعل لك ثلثها فقال: لا حاجة لي فيها، أن ثمن الكلب و المغنية سحت «6» فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 27

(2) راجع ص 248

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 28 و 29

(5) الوسائل الباب 15 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(6) الوسائل الباب 16 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 255

و منها ما رواه ابراهيم بن أبي البلاد قال: أوصي اسحاق بن عمر بجواز له مغنيات أن تبيعهن و يحمل ثمنهن الي أبي الحسن عليه السلام قال ابراهيم فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن إليه فقلت له: أن مولي لك يقال له اسحاق بن عمر أوصي عند وفاته ببيع جوار له مغنيات و حمل الثمن أليك و قد بعتهن و هذا الثمن ثلاثمائة الف درهم فقال: لا حاجة لي فيه ان هذا سحت و تعليمهن كفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت «1».

و منها ما رواه الحسن بن علي الوشاء قال سئل أبو الحسن الرضا

عليه السلام عن شراء المغنية قال: قد تكون للرجل الجارية تلهيه و ما ثمنها إلا ثمن الكلب و ثمن الكلب سحت و السحت في النار «2».

و منها رواه الطاطري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات فقال: شراؤهن و بيعهن حرام و تعليمهن كفر و استماعهن نفاق 3.

و منها ما رواه ابو الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الشطرنج و النرد فقال لا تقربوهما قلت فالغناء؟ قال: لا خير فيه لا تقربه الحديث «4».

و منها ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه الي أن قال و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار و الإصرار علي صغائر الذنوب «5» فان المستفاد من هذه النصوص كون الغناء حراما و لو في الجملة.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 6 و 7

(4) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10

(5) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 36

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 256

الفرع الثاني: أن المحدث الكاشاني خصص حرمة الغناء بما ينضم إليه محرم آخر من المحرمات الإلهية
اشارة

و الا فلا يكون الغناء بما هو حراما و استدل علي مدعاه علي ما نسب إليه بوجوه:

الوجه الأول: ما أرسله الصدوق

قال سأل رجل علي بن الحسين عليه السلام عن شراء جارية لها صوت فقال ما عليك لو اشتريتها فذكرتك الجنة يعني بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء فأما الغناء فمحظور «1».

بتقريب أن المستفاد من الحديث جواز شراء الجارية التي تغني و جواز استماع غنائها بشرط أن تكون مذكرة للجنة. و يرد عليه أولا أن الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها و ثانيا لم يفرض في الرواية كون الجارية مغنية فلا ترتبط الرواية بالمقام.

الوجه الثاني ما رواه ابو بصير

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن كسب المغنيات فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام و التي تدعي الي الأعراس ليس به بأس و هو قول اللّه عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث اختصاص الحرمة بصورة دخول الرجال علي النساء و الا فمجرد الغناء فلا يحرم و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بالبطائني و ثانيا ان غاية ما يستفاد من الحديث جواز الغناء في العرائس و لا يدل علي جوازه علي الإطلاق.

الوجه الثالث: ما رواه ابو بصير أيضا

قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال «3».

و مثله حديث آخر له أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المغنية التي تزف

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 257

العرائس لا بأس بكسبها «1» و يرد عليه أن غاية ما يستفاد من الحديثين جواز الغناء في العرائس و أما جوازه في غيرها فلا يستفاد من النصين و غيرهما و لقائل أن يقول ان المستفاد من هذه النصوص جواز كسب الجارية المغنية و الجواز الوضعي لا ينافي الحرمة التكليفية و لكن ابداء هذا الأشكال يقرع الاسماع.

الوجه الرابع: ما رواه ابن جعفر عن أخيه

قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الاضحي و الفرح قال: لا بأس به ما لم يعص به «2» بتقريب أن المستفاد من الحديث اختصاص حرمة الغناء بصورة ضميمة العصيان الاخر الي الغناء و الا فلا يحرم. و يرد عليه أن الحديث مخدوش سندا بعبد اللّه بن حسن.

الوجه الخامس النصوص الدالة علي استحباب قراءة القرآن بألحان العرب

و بالصوت الحسن منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اقرءوا القرآن بألحان العرب و أصواتها و اياكم و لحون أهل الفسق و أهل الكبائر فانه سيجي ء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء و النوح و الرهبانية لا يجوز تراقيهم قلوبهم مقلوبة و قلوب من يعجبه شأنهم «3».

و منها ما رواه علي بن محمد النوفلي عن أبي الحسن عليه السلام قال: ذكرت الصوت عنده فقال: أن علي بن الحسين عليه السلام كان يقرأ فربما مر به المار فصعق من حسن صوته «4».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن 5.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث: 5

(3) الوسائل الباب 24 من ابواب قراءة القرآن الحديث 1

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 2 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 258

و منها ما رواه علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام أحسن الناس صوتا بالقرآن و كان السقاءون يمرون فيقفون ببابه يستمعون قراءته «1».

و منها ما رواه ابو بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه

السلام اذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال انما تراثي بهذا أهلك و الناس فقال: يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك و رجع بالقرآن صوتك فان اللّه عز و جل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا «2».

فيستفاد من هذه النصوص ان الغناء بما هو لا يكون حراما. و فيه أن هذه النصوص علي تقدير تسليم صحة اسنادها- و لا تكون كذلك- انما تدل علي أن حسن الصوت محبوب و مطلوب بل يستحب أن يقرأ القرآن بصوت حسن و الصوت الحسن اعم من الغناء بل ربما يقال أن بين العنوانين عموما من وجه مضافا الي أنه قد صرح في حديث ابن سنان في مقام الذم «يرجعون القرآن ترجيع الغناء».

الوجه السادس: ما رواه ابن جعفر أيضا

في كتابه الا انه قال: ما لم يزمر به «3» بالتقريب المتقدم اي ما لم يزمر به و اورد علي الاستدلال سيدنا الأستاد بأن الظاهر من قوله عليه السلام ما لم يزمر به أن الصوت بنفسه صوت مزماري و لحن رقصي كالحان اهل الفسوق و يعبر عنه في الفارسية بكلمة (پسته و سرود و دو بيت و آوازه خواندن) لا أنه صوت يكون في المزمار و إلا لقال ما لم يكن في المزمار أو بالنفخ في المزمار فيدل الرواية علي تحقق الغناء بالصوت المزماري و اللحن الرقصي لا مطلقا و علي هذا يحمل قوله عليه السلام ما لم يعص به في رواية قرب الأسناد علي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 5

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب ما يكتسب به ملحق الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 259

تقدير صدورها من الإمام و أما اطلاق الغناء علي غير

هذا القسم في هاتين الروايتين في قول السائل سألته عن الغناء و تقرير الإمام عليه السلام صحة الإطلاق بالجواب عن حكمه بقوله «لا بأس به» فهو كاطلاق نوع اهل اللغة لفظ الغناء علي المعني الأعم.

و الحق ان ما افاده خلاف الظاهر فان الظاهر من السؤال و الجواب ان الغناء قسمان قسم يزمر معه و قسم لا يكون كذلك اما القسم الأول فهو حرام و اما القسم الثاني فلا فعلي هذا يقع التعارض بين هذه الرواية و النصوص الدالة علي الحرمة و ذكرنا اخيرا ان المرجح الوحيد في باب تعارض الروايات الأحدثية فهذه الرواية ترجح علي تلك النصوص لكونها احدث ان قلت يعارضها حديث آخر لابن جعفر أيضا في كتابه عن اخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس إليه، قال: لا «1» فان المستفاد من هذه الرواية حرمة استماع الغناء فيدل الحديث بالظهور العرفي علي حرمة نفس الغناء قلت يدخل المقام في اشتباه الحجة بغيرها حيث لا يميز الحديث عن القديم فالمرجع اصل البراءة عن الحرمة فالنتيجة هو الجواز و لكن هل يمكن للفقيه الالتزام بالجواز مع دعوي الضرورة علي الحرمة مضافا الي ان حديث ابن جعفر الدال علي الجواز يدل علي جواز الغناء في الفطر و الأضحي و الفرح و لم يدل علي جواز الغناء علي الإطلاق فغاية ما في الباب تخصيص الروايات الدالة علي الإطلاق بهذه الرواية فلا يتم ما افاده المحدث الكاشاني من الحلية علي الإطلاق و اللّه العالم بحقايق الأمور و عليه التوكل و التكلان.

الفرع الثالث: انه هل يجوز الغناء في القرآن أم لا؟
اشارة

نسب بل قيل ان المشهور بين المتأخرين نسبة الجواز الي السبزواري و ما يمكن ان يذكر وجها لهذا القول

______________________________

(1) الوسائل الباب

99 من ابواب ما يكتسب به الحديث 32

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 260

وجهان:

الوجه الأول: جملة من النصوص الدالة علي جواز الغناء في القرآن

و استحباب قراءة القرآن بصوت حسن «1» و فيه أولا ان النصوص المشار إليها ضعيفة سندا فلا يعتد بها و ثانيا ان الصوت الحسن اعم من الغناء و ثالثا قد صرح في حديث ابن سنان بالنهي عن قراءة القرآن بألحان اهل الفسق و الكبائر و بحرمة ترجيع القرآن ترجيع الغناء.

الوجه الثاني ان اخبار حرمة الغناء تعارض ما يدل علي استحباب قراءة القرآن

و الأدعية و الاذكار بالعموم من وجه و بعد التعارض يتساقط الدليلان في مورد التصادق و المرجع بعد التساقط دليل اصالة البراءة فالنتيجة هو الجواز.

و ربما يقال كما في كلام الماتن ان الاحكام غير الالزامية لا تزاحم الاحكام الالزامية فلا مجال للتزاحم في المقام و يقدم دليل حرمة الغناء بلا كلام.

و الحق ان يفصل الكلام في المقام و نذكر الوجوه المتصوّرة في تزاحم الادلة و تعارضها كي نري ان ما نحن فيه من اي الاقسام فنقول:

القسم الأول ما يقع التزاحم في الحكم الالزامي و غير الالزامي في مقام الامتثال و يكون مورد كل حكم اجنبي عن الاخر كما لو دار امر المكلف بين زيارة الحسين عليه السلام و الاتيان بالفريضة اليومية فلا اشكال في ان الحكم الالزامي يقدم و يكون معجزا عن القيام بما لا يكون الزاميا و لكن لا يرتبط بالمقام.

القسم الثاني: ان يكون مركز كلا الحكمين امرا واحدا و لكن دليل الحكم غير الالزامي متعرض للشي ء في حد نفسه و دليل الحكم الالزامي متعرض للشي ء بما انه معنون بالعنوان الثانوي كما لو دل دليل علي جواز اكل لحم الغنم و دل دليل آخر علي حرمة لحم الغنم الموطوء فهل يكون تعارض و تناف بين الدليلين أم لا؟ افاد سيدنا

______________________________

(1) راجع ص 257 و 258

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 261

الاستاد انه

لا تنافي بين الدليلين فان دليل جواز الاكل لا يشمل صورة و طي الحيوان و لا اطلاق له بالنسبة إليه و ما افاده غير تام اذ لا وجه لعدم الاطلاق بعد تمامية مقدمات الحكمة فانه لا فرق بين الوطي و غيره العارض علي الحيوان مثلا دليل الجواز بإطلاقه هل يدل علي حلية الحيوان لو كان مهزولا او مريضا او ولودا او عقيما او ذكرا او اثني الي غير ذلك من العوارض و هل يمكن ان يقال ان دليل الجواز لا يشمل الموضوع الملحوظ فيه العارض و هل يكون فرق بين عروض الوطي و بقية العوارض؟

كلا لكن الحق عدم التعارض و التزاحم بين الدليلين و الوجه فيه ان العرف لا يري تنافيا بين الادلة الاولية و الثانوية و لذا نري ان دليل وجوب الوفاء بالنذر و الحلف و العهد لا يعارضه دليل جواز ارتكاب متعلقاتها و لعل الوجه في التقديم انه لو قدم دليل المنع يبقي لدليل الجواز غير ما عرضه العنوان الثانوي و اما لو قدم دليل الجواز فلا يبقي لدليل المنع موضوع و هذا من الوجوه المقتضية للتقديم في نظر العرف فلاحظ.

القسم الثالث: ان يكون الموضوع واحدا لكن يكون الحكم غير الالزامي مقيدا بعدم المخالفة مع الحكم الالزامي مثاله ان قضاء الحاجة مستحب لكن بشرط عدم كونه مصداقا للمحرم ففي مثله لا يتصور التعارض كما هو ظاهر.

القسم الرابع ان يكون موضوع حكم الالزامي اجنبيا عن موضوع حكم غير الزامي و كل منهما يكون موضوع عنوان غير عنوان موضوع الدليل الاخر و كانت النسبة بينهما بالعموم من وجه فيقع التعارض بين الدليلين في موارد التصادق فلا بد من اعمال قانون التعارض و المقام كذلك فان

دليل حرمة الغناء متعرض لحرمة الغناء و دليل استحباب القرآن بالصوت الحسن متعرض لاستحباب قراءته و بين الدليلين عموم من وجه.

و رجح سيدنا الاستاد دليل المنع لكون دليل الجواز موافقا مع العامة حيث

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 262

انهم قائلون بجواز الغناء و يرد عليه انه خلاف مبناه فانه قد صرح في موضع آخر بأن مقتضي تعارض المطلقين في مورد الاجتماع تساقط الدليلين و الحق في الجواب ان يقال انه قد سبق ان الاحاديث الدالة علي استحباب قراءة القرآن بصوت حسن اسنادها مخدوشة مضافا الي انه قد صرح في بعض النصوص بالنهي عن قراءة القرآن بألحان اهل الفسوق و المعاصي و النهي عن ترجيع القرآن ترجيع الغناء فالنتيجة عدم جواز التغني في القرآن.

و لقائل ان يقول: انه لا اشكال في استحباب قراءة القرآن بالنصوص الكثيرة الواردة في هذا الباب و مقتضي اطلاق هذه النصوص استحباب قراءتها بأي وجه كان حتي لو كان علي نحو التغني و عليه يقع التعارض بين هذه النصوص و ادلة حرمة التغني بالعموم من وجه و مع عدم مرجح في احد الطرفين يكون المرجع اصل البراءة الشرعية و العقلية و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان هذا التقريب فاسد لوجهين: احدهما ان دليل استحباب قراءة القرآن منصرف عن القراءة الغنائية اذ قد تقدم ان الصوت الغنائي هو اللهوي المطرب الذي يناسب مجالس اهل الفسق و الفجور و تقدم أيضا ان الطرب لا يناسب العبادة و لا يناسب الرجل الالهي و الانسان الكامل و ان شئت قلت:

قراءة القرآن من العبادات و هل يمكن ان تكون العبادة مصداقا للهو و للإطراب؟

كلّا ثم كلا.

ثانيهما انه لو

تم هذا البيان يلزم تخصيص ادلة الغناء الي حد لا يبقي له موضوع او الباقي بحد يكون التخصيص الي ذلك الحد تخصيصا مستهجنا بيان المدعي ان مقتضي تعارض دليل الغناء مع دليل القراءة التعارض و التساقط و الالتزام بجواز الغناء و هذا التقريب يجري في الرثاء علي الحسين و بقية اهل البيت و يجري أيضا بالنسبة الي استحباب المواعظ و النصائح و وجوب الامر بالمعروف و النهي عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 263

المنكر الي غير ذلك من الموارد فالنتيجة جواز التغني في جميعها و من المقرر عندهم انه لو دار الامر بين الاخذ بدليل و تخصيص ما يعارضه بحيث يبقي تحت دليل المعارض مقدار لا يترتب عليه محذور تخصيص الاكثر و بين الاخذ بالدليل المعارض و تخصيص الطرف الاخر بحد يترتب عليه المحذور يقدم و يؤخذ بالدليل الذي لا يترتب عليه المحذور و المقام كذلك مضافا الي ان قراءة القرآن من العبادات و بعد تعارض المتعارضين و تساقطهما لا يمكن الاخذ بدليل البراءة في جواز التغني بالقرآن اذ المكلف اما يأتي بالقراءة مع قصد القربة و اما يأتي بها بلا قصد القربة أما علي الاول فلا يجوز للزوم التشريع و أما علي الثاني فمقتضي دليل حرمة الغناء حرمتها فان المعارضة فيما بين دليل التغني و القراءة بقصد القربة لا مطلقا فلاحظ.

الفرع الرابع: هل يجوز الغناء في سوق الابل المسمي بالحداء أم لا؟

ربما يقال بالجواز لجملة روايات منقولة عن طريق العامة منها ما روي عن عائشة كنا مع النبي صلي اللّه عليه و آله في سفر و كان عبد اللّه بن رواحة جيد الحداء و هو مع الرجال و انجشة مع النساء فقال النبي صلي اللّه عليه و آله يا ابن رواحة حرك

بالقوم فاندفع يرتجز فتبعه انجشة فاعتنقت الابل فقال النبي صلي اللّه عليه و آله رويدك رفقا بالقوارير يعني النساء «1».

و في سنن البيهقي ج 10 ص 227 في الشهادات عن قيس بن حازم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله امر عبد اللّه بن رواحة ان ينزل و يحرك الركاب فنزل و قال:

و اللّه لو لا انت ما اهتدينا و ما تصدقنا و لا صلينا

فانزلن سكينة علينا و ثبت الاقدام ان لاقينا

و في صحيح البخاري ج 3 ص 43 في غزوة خبير عن سلمة بن الاكوع قال خرجنا الي خبير فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع الا تسمعنا من

______________________________

(1) محاضرات للسيد علي الشاهرودي ج 1: ص 241

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 264

هنيهاتك و كان عامر رجلا شاعرا فنزل يحد و بالقوم يقول (اللهم لو لا انت ما اهتدينا) الي آخر الابيات «1».

و حيث ان الروايات المذكورة لا اعتبار بها سندا فلا يعتد بها و المرجع اطلاقات ادلة المنع فلا وجه للجواز في المقام ان قلت المعارضة بين الطرفين بالعموم من وجه فما الوجه في تقديم حرمة الغناء قلت قد مر آنفا وجه تقديم دليل حرمة الغناء علي ما يعارضها من الادلة بالعموم من وجه فلاحظ.

الفرع الخامس: هل يجوز استماع الغناء او سماعه أم لا؟

الحق هو الثاني و تدل علي المدعي جمله من النصوص منها ما رواه هشام «2» فان المستفاد من الحديث وجوب الاجتناب عن الغناء و من الظاهر ان المستمع للغناء او السامع له لا يكون مجتنبا عنه و ان شئت قلت مقتضي اطلاق الاجتناب المأمور به حرمة التغني و حرمة الاستماع و السماع فان التقييد يتوقف علي قيام دليل يقيد الاطلاق.

و منها ما رواه

مسعدة قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له رجل:

بأبي أنت و امي اني أدخل كنيفا ولي جيران و عندهم جوار يتغنين و يضر بن بالعود «و» فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن فقال عليه السلام: لا تفعل فقال الرجل:

و اللّه ما اتيتهن، انما هو سماع أسمعه بأذني فقال عليه السلام: باللّه انت أ ما سمعت اللّه يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا، فقال: بلي و اللّه كاني لم اسمع بهذه الآية من كتاب اللّه من عربي و لا عجمي لا جرم اني لا اعود ان شاء اللّه و اني استغفر اللّه فقال له قم فاغتسل وصل ما بدا لك فانك كنت مقيما علي امر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت علي ذلك «3».

______________________________

(1) نفس المصدر

(2) راجع ص 248

(3) الوسائل الباب 18 من ابواب الاغسال المسنونة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 265

و هذه الرواية تدل علي حرمة استماعه و سماعه و يستفاد من الحديث ان حرمته شديدة لكن المذكور في الرواية التغني مع العود فالرواية تدل علي حرمة المركب من الأمرين و منها ما رواه علي بن جعفر «1» و ظاهر هذه الرواية حرمة الاستماع لا السماع و منها ما في دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليه السلام ان رجلا سأله عن سماع الغناء فنهي عنه و تلا قول اللّه عز و جل: «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» و قال: يسأل السمع عما سمع و الفؤاد عما عقد و البصر عما أبصره «2».

و منها ما عنه عليه السلام انه قال: «لا يحل بيع الغناء و لا شراؤه

و استماعه نفاق و تعلمه كفر 3.

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام: و قد نروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سأله بعض اصحابه فقال: جعلت فداك، ان لي جيرانا و لهم جوار مغنيات يغنين و يضربن بالعود فربما دخلت الخلاء فأطيل الجلوس استماعا مني لهن قال: فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام لا تفعل، فقال الرجل: و اللّه ما هو شي ء اتيته برجلي، انما هو شي ء أسمع بأذني، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام انت ما سمعت قول اللّه تبارك و تعالي: «إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا» و أروي في تفسير هذه الآية انه يسأل السمع عما سمع و البصر عما نظروا القلب عما عقد عليه» الخبر «4».

أضف الي النصوص الدالة علي المطلوب الارتكاز المتشرعي فان المرتكز في اذهان المتشرعة بما هم متشرعون حرمة استماعه بل سماعه و اللّه العالم.

الفرع السادس: هل يجوز تعليمه أو تعلمه أم لا؟

تارة يتحقق التعليم أو التعلم بالتغني

______________________________

(1) راجع ص 259

(2) (2 و 3) مستدرك الوسائل الباب 80 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2 و 3

(4) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 266

و ايجاده و اخري يتحقق بدونه أما القسم الأول فلا اشكال في حرمته لإطلاق دليل الحرمة و اما القسم الثاني فمقتضي القاعدة الأولية جوازهما و أما حديث دعائم الإسلام «1» فهو مرسل لا اعتبار به فالنتيجة جواز التعليم و التعلم.

الفرع السابع: انه هل يجوز الغناء في الفطر و الأضحي و مجالس الفرح أم لا؟

مقتضي حديث ابن جعفر «2» جوازه ما لم يكن معه محرم آخر فان مقتضي قوله عليه السلام لا بأس بهما لم يزمر به جوازه في مطلق مجلس الفرح فانه تقدم منا ان الظاهر من الحديث جواز التغني في مجلس الفرح ما دام لا يضم إليه محرم آخر.

الفرع الثامن: هل يجوز الغناء في العرائس؟

قد استدل علي جوازه بجملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير «3» و منها ما رواه ابو بصير أيضا «4».

و منها ما رواه ما رواه بصير أيضا «5» و لكن هذه النصوص متعرضة لحكم كسب المغنية و لا تنافي بين حلية كسبها و عدم جواز التغني الا أن يقال ان العرف يفهم من الحديث جواز الاستماع و السماع.

و يمكن الاستدلال علي الجواز بحديث ابن جعفر المتقدم ذكره آنفا فان تلك الرواية بإطلاقها تدل علي جواز الغناء في العرائس هذا بحسب الصناعة و الاحتياط طريق النجاة.

الفرع التاسع: هل يحل الغناء في رثاء الحسين عليه السلام؟

ربما يقال ان دليل محبوبية الرثاء للحسين عليه السلام أو لغيره من اهل البيت يقتضي جوازه حتي

______________________________

(1) راجع ص 265

(2) راجع ص 258

(3) راجع ص 256

(4) راجع صفحه 256

(5) راجع ص 256

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 267

بالتغني و دليل حرمة الغناء يقتضي الحرمة علي الإطلاق حتي في الرثاء لهم فيقع التعارض بين الطرفين و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة و يرد علي هذا التقريب أولا انه لا يبعد انصراف دليل محبوبية الرثاء عن مورد تحققه بالتغني فان التعزية و اقامة المأتم لخامس آل العباء تنافي الطرب و ما يكون مناسبا لمجالس اهل الفسق و الفجور فيكون مباينا معه و غير قابل للجمع. و ثانيا: يرد علي التقريب المذكور ما اوردناه في بعض الفروع السابقة و قلنا لا مجال لملاحظة النسبة بل مقتضي القاعدة تقديم دليل حرمة الغناء. و ثالثا: علي فرض التعارض لا وجه للتساقط بل لا بدّ من ملاحظة الأدلة و ترجيح ما يكون أحدث نعم علي تقدير عدم تميز الحادث بالنسبة الي القديم تصل النوبة الي الأخذ بالبراءة فلاحظ.

[المسألة الرابعة عشر الغيبة حرام بالأدلة الأربعة]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابعة عشر الغيبة حرام بالأدلّة الاربعة … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في تحقيق موضوعها

فعن لسان العرب و غيره «ان الغيبة أن تتكلم خلف انسان مستور بسوء أو بما يغمه لو سمعه» و لازم هذا التعريف شموله لما لا يكون داخلا في الموضوع قطعا كما لو اطلع علي أن فلانا يحج في كل سنة خفية و لا يرضي أن يفهم أحد و يغمه أن يطلع الغير عليه فهل يكون الأخبار به داخلا في الموضوع و حراما و في مفردات الراغب «الغيبة أن يذكر الانسان غيره بما فيه من عيب من غير ان احرج الي ذكره» و قال في مجمع البحرين «يقال اغتابه اغتيابا اذا وقع فيه و الاسم الغيبة بالكسر و هو أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فان كان صدقا سمي غيبة و ان كان كذبا سمي بهتانا الخ» و قال في المنجد «اغتابه اغتيابا عابه و ذكره بما فيه من السوء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 268

و قال في الحدائق «1» في تعريف الغيبة «القول بما يكرهه و يغيظه و ان كان حقا» و عن القاموس «غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء» و عن المصباح المنير «اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق» و عن الصحاح «أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه» و قد ورد تفسيرها في جملة من الروايات منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الغيبة أن تقول في أخيك ما قد ستره اللّه عليه فاما اذا قلت ما ليس فيه فذلك قول اللّه عز و جل فَقَدِ

احْتَمَلَ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «2».

و منها ما رواه ابن سرحان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة قال:

هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و ثبت «تبث ظ» عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و منها ما رواه ابن سيابة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه 4.

و منها ما رواه ابان عن رجل لا نعلمه الا يحيي الأرزق قال: قال لي ابو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته «5»

و منها ما رواه ابو ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر اياك و الغيبة فان الغيبة اشد من الزنا قلت و لم ذاك يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: لأن الرجل يزني فيتوب الي اللّه فيتوب اللّه عليه و الغيبة لا تغفر حتي يغفرها

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 146

(2) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 22

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 154 من أبواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(5) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 269

صاحبها، يا أبا ذر سباب المسلم فسوق و قتاله كفر و اكل لحمه من معاصي اللّه و حرمة ماله كحرمة دمه قلت يا

رسول اللّه و ما الغيبة قال: ذكرك أخاك بما يكره قلت يا رسول اللّه فان كان فيه الذي يذكر به قال: اعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته و اذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته «1».

و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا و عن الشهيد التقييد بكون المغتاب في مقام الانتقاص هذه جملة من الكلمات و جملة من النصوص في تفسير هذه الكلمة و مقتضي الصناعة التحفظ علي جميع القيود المذكورة اذ بدونه لا يحرز الموضوع و مع عدم الأحراز لا مجال للأخذ بدليل الحرمة لأن الأخذ بالدليل مع الشك في تحقق الموضوع غير جائز كما حقق في محله.

فنقول القيود المستفادة من النصوص و الكلمات امور: الأول ان المذكور لا بدّ أن يكون حقا و صدقا و هذا القيد يستفاد كونه من مقومات الموضوع من النصوص المشار إليها نعم يستفاد من صدر حديث ابن سرحان «2» ان قوامها بذكر ما لم يفعله و لكن يعارضه الذيل مضافا الي القطع بان الأمر ليس كذلك و يستفاد اشتراط القيد المذكور من جل الكلمات الواردة في المقام.

الثاني: يشترط ان يكون أمرا مستورا و هذا القيد أيضا يستفاد من النصوص و الكلمات الواردة في تفسير هذه الكلمة الثالث: أن يكون موجبا لنقص في الطرف و هذا أيضا مستفاد من النصوص و الكلمات. الرابع: ان يغمه لو علم به و هذا القيد أيضا كذلك.

الخامس: انه لا بدّ أن يكون الذكر في غيابه و خلفه فالذكر في الحضور لا يكون مصداقا لها السادس: أن يكون المغتاب بالكسر في مقام انتقاص المغتاب

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 9

(2) راجح ص 268

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1،

ص: 270

بالفتح كما نقل عن الشهيد تقييدها به كما انه يظهر المدعي من القاموس حيث قال في مقام التفسير علي ما نقل عنه «غابه عابه و ذكره بما فيه من السوء» فان قوله في مقام التعريف «عابه» يدل علي المدعي الا أن يقال ان مجرد ذكر العيب يصدق عليه انه عابه و لو لم يكن في مقام الانتقاص و لذا عطف في القاموس علي قوله «عابه» قوله «و ذكره بما فيه من السوء» و تقييد الموضوع بهذا القيد يضيق دائرة مفهوم الغيبة غاية التضييق و لا يبعد أن تكون السيرة جارية علي عدم الاشتراط اي يرون تحقق الغيبة و لو مع عدم قصد الانتقاص.

و لا يبعد أن يستفاد بعض القيود من الآية الشريفة و هي لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ «1» فكان الآية الشريفة ناظرة الي تشبيه كون الرجل غائبا بموته و تنقيصه و اهانته بأكل لحمه.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، و أما

المقام الثاني فيقع الكلام فيه في ضمن فروع:
الفرع الأول: انه لا اشكال و لا كلام في حرمة الغيبة في الجملة
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي وجوه

الوجه الأول قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

الآية 2 فانه قد نهي في الآية الشريفة عن الغيبة و شبه الاغتياب بأكل لحم الأخ و لا يبعد أن يكون الوجه في التشبيه ان الاغتياب قوامه بكونه خلف المغتاب فكانه في حال كونه غائبا يكون ميتا فكما ان الميت لا يكون حاضرا فلا يكون قادرا علي الدفاع اذا اكل لحمه كذلك الغائب في حكم الميت حيث لا يقدر علي الدفاع اذا اهين و وقع النقص في عرضه.

و يمكن أن يكون الوجه في الآية ان المغتاب بالكسر يأكل الجيف في الآخرة لاحظ ما رواه الراوندي في لب اللباب عن النبي صلي اللّه عليه و آله: انه نظر في النار ليلة الأسراء، فاذا قوم يأكلون الجيف فقال: يا جبرئيل من هؤلاء قال

______________________________

(1) (1 و 2) الحجرات/ 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 271

هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس «1».

الوجه الثاني: قوله تعالي لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ

«2» بتقريب ان الغيبة مصداق للجهر بالسوء فتحرم، و فيه انه لا يستفاد من الآية الشريفة ان الغيبة من الجهر بالسوء بل لا يبعد أن يقال أن المستفاد من الآية الشريفة ان القول السوء غير محبوب للّه تعالي و بعبارة اخري ليس المراد من القول الأخبار عن السوء كي يشمل الغيبة فتأمل نعم ببركة النص الخاص يمكن أن يجعل الغيبة مصداقا له لاحظ ما رواه ابو الجارود عنه (اي الصادق) قال الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه «3» لكن هذا ليس استدلال بالكتاب بل بالسنة مضافا الي أن السند ضعيف ظاهرا بالإضافة الي أن عدم الحب اعم من التحريم فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ

«4» بتقريب ان الغيبة مصداق للآية قال سيدنا الأستاد في هذا المقام و بين العنوانين عموم من وجه و يمكن أن يقال ان النسبة بين العنوانين عموم مطلق فان الهمز و اللمز علي ما يستفاد من اللغة الوقيعة في الغير و من ناحية اخري الغيبة عبارة عما ستره اللّه فلو قلنا انه اشرب في مفهومها كون المغتاب بالكسر في مقام الانتقاص و الوقيعة تكون الغيبة من مصاديق الهمز و اللمز و يصح الاستدلال بالآية علي حرمتها.

الوجه الرابع: قوله تعالي إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ

«5» و فيه ان المستفاد من الآية الشريفة ان

______________________________

(1) المستدرك الباب 132 من أبواب العشرة الحديث 43

(2) النساء/ 147

(3) تفسير البرهان ج 1 ص: 425 حديث 2

(4) الهمزة/ 1

(5) النور/ 19

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 272

حب شيوع الفاحشة من المحرمات و لا ترتبط الآية بالمقام نعم يستفاد من مرسل ابن أبي عمير ان الغيبة من مصاديق الآية لاحظ ما رواه عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» و المرسل لا اعتبار به و للرواية سند آخر ليس فيه الإرسال و لا يبعد اعتبار السند فلاحظ لكن الاستشهاد بالرواية ليس استدلالا بالآية و المقصود الاستدلال بالآية علي المدعي.

الوجه الخامس: جملة من النصوص

منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المؤمن من ائتمنه المؤمنون علي أنفسهم و أموالهم و المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه و المهاجر من هجر السيئات و ترك ما حرم اللّه و المؤمن حرام علي المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه «دفعه» «2».

و منها ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته 3 و منها مرسلة ابن ابي عمير «4» و منها ما رواه ابو ذر «5».

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 272

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: تحرم الجنة علي ثلاثة علي المنان و علي المغتاب و علي مدمن الخمر «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 6

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(4) مر آنفا

(5) راجع ص 268

(6) الوسائل الباب 152 من ابواب احكام العشرة الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 273

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها و نهي عن النميمة و الاستماع إليها و قال: لا يدخل الجنة قتات يعني نماما و نهي عن المحادثة التي تدعو الي غير اللّه و نهي عن الغيبة و قال: من اغتاب امرأ مسلما بطل صومه و نقض وضوءه و جاء يوم القيمة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذي به أهل الموقف و ان مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم اللّه عز و جل ألا و من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فيه في مجلس فردها عنه رد اللّه عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة «1».

و منها ما رواه نوف البكالي قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام و هو في رحبة في

مسجد الكوفة فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته الي أن قال قال اجتنب الغيبة فانها ادام كلاب النار ثم قال: يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة الحديث «2».

و منها ما رواه الحسين بن خالد عن الرضا عن أبيه عن الصادق عليه السلام قال: ان اللّه يبغض البيت اللحم و اللحم السمين قال: فقيل له: انا لنحب اللحم و ما تخلو بيوتنا منه فقال ليس حيث تذهب انما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة و أما اللحم السمين فهو المتبختر المتكبر المختال في مشيه 3

و منها ما رواه أسباط بن محمد يرفعه الي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الغيبة اشد من الزنا فقيل يا رسول اللّه و لم ذلك؟ قال أما صاحب الزنا فيتوب فيتوب اللّه عليه و أما صاحب الغيبة فيتوب فلا يتوب اللّه عليه حتي يكون صاحبه الذي

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 13

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 16 و 17

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 274

يحله «1».

و منها في كتاب الأخوان بسنده عن اسباط بن محمد رفعه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: ألا أخبركم بالذي هو أشد من الزنا وقع الرجل في عرض أخيه 2

و منها رواه علقمة بن محمد عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام (في حديث) انه قال فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه عندك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية اللّه تعالي

ذكره داخل في ولاية الشيطان و لقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع اللّه بينهما في الجنة ابدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب في النار خالدا فيها و بئس المصير «3».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه و نقض وضوءه فان مات و هو كذلك مات و هو مستحل لما حرم اللّه «4».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه نظر الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن عليه السلام ابنه فقال: يا بني نزه سمعك عن مثل هذا، فانه نظر الي أخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك «5».

و منها ما رواه هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لحمران بن اعين: يا حمران انظر الي من هو دونك الي ان قال و اعلم انه لا ورع انفع من

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 18 و 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) نفس المصدر الحديث 21

(5) المستدرك الباب 132 من ابواب احكام العشرة الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 275

تجنب محارم اللّه عز و جل و الكف عن اذي المؤمنين و اغتيابهم «1».

و منها ما رواه الشيخ ورام بن ابي فراس في تنبيه الخاطر: عن رسول اللّه عليه و آله، انه قال: لا تحاسدوا، و لا تباغضوا و لا يغتب بعضكم بعضا و كونوا عباد اللّه اخوانا «2»

و منها ما رواه عبد اللّه

بن سنان قال: قلت له: عورة المؤمن علي المؤمن حرام قال نعم قلت يعني: سفلته قال ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره «3».

و منها ما رواه مفضل بن عمر قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام من روي علي مؤمن رواية يريد بها شينه و هدم مروته ليسقط من اعين الناس اخرجه اللّه من ولايته الي ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان 4

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله المسلم أخو المسلم لا يخونه، و لا يخذله و لا يعيبه و لا يحرمه و لا يغتابه «5».

و منها ما عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين للشيخ سديد الدين قال سئل الرضا عليه السلام ما حق المؤمن علي المؤمن الي أن قال و لا يظلمه و لا يغشه و لا يخونه و لا يخذله و لا يغتابه و لا يكذبه و لا يقول له اف 6 فان المستفاد من هذه النصوص حرمة الغيبة.

الوجه السادس: انه لا خلاف في حرمة الغيبة في الجملة

بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة قائمة عليها.

الوجه السابع: العقل

بتقريب انه ظلم و الظلم قبيح عقلا و كل ما حكم به العقل حكم به الشرع بقانون الملازمة بين المقامين و يرد علي التقريب المذكور

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) نفس المصدر الحديث 20

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 157 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6) المستدرك الباب 105 من أبواب احكام العشرة الحديث 5 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 276

ما بيناه في بعض المباحث السابقة و قلنا لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي بسبب حكم العقل و لا وجه لإعادة ما ذكرناه سابقا و من اراد الوقوف علي ما حققناه فليراجع ما ذكرناه سابقا.

الفرع الثاني انه هل تكون الغيبة من المعاصي الكبيرة أم لا؟
اشارة

الحق ان الغيبة معصية كبيرة و

يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:
الوجه الأول ان مقتضي قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ

«1» ان الغيبة في حكم أكل الميتة هذا من ناحية و من ناحية أخري قد دل بعض النصوص ان أكل الميتة من الكبائر لاحظ ما رواه الفضل عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: الأيمان هو اداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر الي أن قال: و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير «2».

و ما رواه الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و أكل مال اليتيم ظلما و اكل الربا بعد البينة و قذف المحصنات و بعد ذلك الزنا و اللواط و السرقة و أكل الميتة و الدم «3» لكن الحديثين ضعيفان.

الوجه الثاني: انه قد عد ترك الصلاة من الكبائر

في حديث عبد العظيم «4» و علل بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بأن من ترك الصلاة متعمدا فقد برء من ذمة اللّه و رسوله فيعلم ان التوعيد علي ذنب و لو من الرسول صلي اللّه عليه و آله و سلم يدل علي كونه من الكبائر هذا من ناحية و من ناحية اخري لا اشكال في ان الغيبة قد توعد عليها النار من قبل اهل بيت الوحي الا أن يقال لا بدّ في الأخذ بعموم

______________________________

(1) الحجرات/ 12

(2) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 33

(3) نفس المصدر الحديث 36

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 277

العلة من وجود العلة المنصوصة في غير مورد النص فلا بد من التوعيد علي الغيبة بمثل التوعيد علي ترك الصلاة فلا أثر لمطلق التوعيد.

الوجه الثالث: ان الغيبة كبيرة في نظر اهل الشرع و المتشرعة

و من الظاهر ان الارتكاز عندهم يدل علي أن الأمر كذلك في نظر الشارع الأقدس فان منشأ الارتكاز وصول المرتكز إليهم من ناحية صاحب الشرع.

الوجه الرابع: انه لا يبقي ريب للمراجع الي الاخبار و النصوص الواردة في بيان حرمة الغيبة

بألسنة مختلفة مع كثرتها في أن الغيبة من الكبائر فتدخل في عموم قوله تعالي إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ «1».

الفرع الثالث: ان حرمة الغيبة تختص بما يكون المغتاب بالفتح شيعيا اثني عشريا
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول ان قوله تعالي وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

«2» صدر بقوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا و لا ريب في أن المراد من الأخوة المذكورة في الآية الموجبة لاحترام الأخ و حرمة غيبته الأخوة الايمانية و الدينية و لا اخوة بين الشيعي و السني و بعبارة واضحة: كما ان الآية الشريفة لا تشمل الكافر و لا تدل علي حرمة غيبة الكافر كذلك لا تدل علي حرمة غيبة غير الاثني عشري و الوجه فيه ان الرسول الأكرم في غدير الخم أعلن ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام و قال اليوم اكملت لكم دينكم فالإسلام بلا ولاية علي بن ابي طالب و اولاده المعصومين ليس دينا مقبولا عند اللّه و عند رسوله بل ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام قد ثبتت من يوم الدار و من يوم الإنذار و من يكون مبغضا لعلي عليه السلام لا يكون اخا للشيعة.

ان قلت: المراد من الأيمان في صدر الإسلام و في زمان نزول الآية الشريفة

______________________________

(1) النساء/ 31

(2) الحجرات/ 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 278

و في زمان حياة الرسول الأكرم صلي اللّه عليه و آله هو الإسلام و لا اشكال في أن العامة من المسلمين قلت: لا تنافي بين الأمرين فانهم كانوا من المسلمين و لكن بعد وفاة الرسول الأكرم ارتد الناس و صفوة القول ان الإسلام قوامه بالولاية و لولاها لا اثر له.

و بعبارة واضحة: قد علم من الرسول الأكرم ان الإسلام و الدين لا يتم الا بالولاية فمن لا يكون شيعيا لا اخوة بينه و بين الشيعي فلا تشمله الآية الشريفة.

و ببيان اوضح: ان الرسول الأكرم في غدير خم جعل ولاية علي عليه السلام جزءا و

مقوما للدين فمن دخل في ولايته و ارتد بعد رسول اللّه فهو كافر و من لم يدخل في ولايته خرج عن الإسلام قبل وفاة النبي صلي اللّه عليه و آله فعلي كلا التقديرين لا يكون المخالف من اهل الأيمان. ان قلت: فعلي هذا لا بدّ من الالتزام باختصاص التكليف بحرمة الغيبة بخصوص الشيعة فلا يكون الاغتياب حراما علي السنة قلت: لا تنافي بين الأمرين فان الأحكام مشتركة بين جميع المكلفين و لذا نقول الكفار مكلفون بالفروع كما يكونون مكلفين بالأصول و صفوة القول ان المراد بالأخوة المذكورة في الآية الشريفة الأخوة الايمانية و حيث ان السني ليس مسلما لا يشمله دليل تحريم غيبة الأخ المؤمن فتختص الآية بحرمة غيبة الشيعي.

الوجه الثاني: ان غير الشيعي كافر و لا يحرم غيبة الكافر

و يدل علي كفر المخالفين و من لا يكون مواليا جملة كثيرة من الأخبار منها ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل نصب عليا عليه السلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان كافرا و من جهله كان ضالا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنة «1».

و منها ما رواه ابو حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان عليا عليه السلام

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 437 حديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 279

باب فتحه اللّه فمن دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال اللّه تبارك و تعالي: «لي فيهم المشيئة» «1».

و منها ما رواه ابو سلمة عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال سمعته يقول: نحن الذين فرض اللّه طاعتنا لا يسع الناس الا معرفتنا و لا يعذر الناس بجهالتنا من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتي يرجع الي الهدي الذي افترض اللّه عليه من طاعتنا الواجبة فان يمت علي ضلالته يفعل اللّه به ما يشاء «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل، و الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ قال: بما جاء به محمد صلي اللّه عليه و آله من الولاية و لم يخلطوها بولاية فلان فهو الملبس بالظلم «3».

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من اشرك مع امام إمامته من عند اللّه من ليست إمامته من اللّه كان مشركا باللّه «4».

و منها ما رواه جابر قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عز و جل وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَنْدٰاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّٰهِ قال هم و اللّه اولياء فلان و فلان اتخذوهم ائمة دون الإمام الذي جعله اللّه للناس إماما، فلذلك قال و لو تري الذين ظلموا اذ يرون العذاب ان القوة للّه جميعا و ان اللّه شديد العذاب اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بهم الأسباب و قال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم اللّه اعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار ثم قال ابو جعفر عليه السلام هم و اللّه يا جابر ائمة الظلمة و أشياعهم 5.

______________________________

(1)

الاصول من الكافي ج 1 ص 437 حديث 8

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 187 حديث 11

(3) الاصول من الكافي ج 1 ص 413 حديث 3

(4) (4 و 5) الاصول من الكافي ج 1 ص 373 حديث 6 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 280

و منها ما رواه الفضيل بن يسار قال ابتدأنا ابو عبد اللّه عليه السلام يوما و قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من مات و ليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية فقلت:

قال ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله؟ فقال اي و اللّه قد قال قلت: فكل من مات و ليس له امام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم «1».

و منها ما رواه الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من مات لا يعرف امامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء؟ او جاهلية لا يعرف امامه؟ قال جاهلية كفر و نفاق و ضلال «2».

و منها ما رواه عمار الساباطي قال قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و انا جالس: اني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي قال: لا تفعل فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة «3».

و منها ما رواه محمد بن جعفر عن ابيه عليه السلام قال: علي عليه السلام باب هدي من خالفه كان كافرا و من انكره دخل النار «4».

و منها ما رواه المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام ان اللّه جعل عليا عليه

السلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا 5.

و منها ما رواه مروان بن مسلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام الإمام علم فيما بين اللّه عز و جل و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من انكره كان

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 376 حديث 1

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 377 حديث 3

(3) الوسائل الباب 31 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 4

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 10 من أبواب حد المرتد الحديث 14 و 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 281

كافرا «1».

و منها ما رواه سدير قال: قال ابو جعفر عليه السلام في حديث ان العلم الذي وضعه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند علي عليه السلام من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا ثم كان من بعده الحسن عليه السلام بتلك المنزلة الحديث 2.

و منها ما عن الاعتقادات قال قال الصادق عليه السلام من شك في كفر اعدائنا و الظالمين لنا فهو كافر «3».

و منها ما رواه صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لما نزلت الولاية لعلي عليه السلام قام رجل من جانب الناس فقال: لقد عقد هذا الرسول لهذا الرجل عقدة لا يحلها الا كافر «4».

و منها ما رواه يحيي بن القاسم عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الأئمة بعدي اثنا عشر اولهم علي بن ابي طالب و آخرهم القائم الي أن قال؟ المقرّ بهم مؤمن و المنكر لهم

كافر «5».

و منها ما رواه موسي بن عبد ربه عن الحسين بن علي عليهما السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: من زعم انه يحب النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يحب الوصي فقد كذب و من زعم انه يعرف النبي صلي اللّه عليه و آله و لا يعرف الوصي فقد كفر 6.

و منها ما رواه ابو خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قلت له: كم الأئمة بعدك؟ قال: ثمانية لأن الأئمة بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اثنا عشر الي أن قال و من أبغضنا وردنا أورد واحدا منا فهو كافر باللّه و بآياته 7.

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 18 و 19

(3) نفس المصدر الحديث 20

(4) نفس المصدر الحديث 25

(5) (5 و 6 و 7) نفس المصدر الحديث 27 و 28 و 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 282

و منها ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه قيام قائمنا فمن شك فيما أقول لقي اللّه و هو به كافر و له جاحد «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال من اصبح من هذه الأمة لا امام له من اللّه اصبح تائها متحيرا ضالا ان مات علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق «2».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن مطهر قال: كتب بعض اصحابنا الي أبي محمد عليه السلام يسأله عمن وقف علي أبي الحسن موسي عليه السلام فكتب:

لا تترحم علي عمك و تبرأ منه انا

الي اللّه منه بري ء فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَليٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً، من جحد إماما من اللّه أو زاد إماما ليست إمامته من اللّه كان كمن قال «إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ» ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر اولنا، الحديث 3.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لم تجد رجلا يقول أنا أبغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولونا و انكم من شيعتنا «4».

فان المستفاد من هذه النصوص ان من لا ولاية له ليس مسلما و من لا يكون مسلما لا حرمة له فتحصل انه لا مقتضي للالتزام بحرمة غيبة غير الشيعي و بعبارة واضحة علي تقدير تسلم شمول اطلاق الآية بدوا لا بدّ من رفع اليد عنه بالنصوص الواردة الدالة علي اختصاص الإسلام بخصوص الاثني عشري نعم قد حكم في الشريعة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 32

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 37 و 40

(4) عقاب الاعمال للصدوق ص 247 حديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 283

المقدسة علي ترتيب آثار الإسلام عليهم في الجملة لمصالح و حكم ملحوظة في نظر الشارع و ان شئت قلت انهم مسلمون في الدنيا في الجملة و كافرون في الآخرة و الالتزام بهذا التفصيل لا يتوجه إليه اشكال بعد وفاء الأدلة به فلاحظ.

و يدل علي كفرهم قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة و من جحدكم كافر و يدل عليه أيضا قوله عليه السلام فيها و من وحده قبل عنكم فانه ينتج بعكس النقيض

ان لم يقبل عنكم لم يوحده بل هو مشرك باللّه العظيم.

و يدل بعض النصوص علي كون المخالف ناصبيا لاحظ ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانك لا تجد رجلا يقول: انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولونا و أنكم من شيعتنا «1».

الوجه الثالث ما ورد من النص الدال علي جواز الوقيعة في المخالفين و جواز سبهم و الأمر ببهتانهم

لاحظ ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و اكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «2».

الوجه الرابع: انهم متجاهرون بالفسق و تجوز غيبة المتجاهر

فانه اي فسق اعظم من انكار الولاية و اي عصيان اعظم من حب الخلفاء اضعف الي ذلك ان اعمالهم كلها باطلة بمقتضي النص الخاص لاحظ ما رواه ابن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان اللّه عز و جل بعبادة يجهد فيها نفسه و لا امام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضال متحير و اللّه شاني ء لأعماله (الي أن قال) و ان مات

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3

(2) الوسائل الباب 39 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 284

علي هذه الحال مات ميتة كفر و نفاق و اعلم يا محمد ان ائمة الجور و أتباعهم لمغرولون عن دين اللّه قد ضلوا و أضلوا فاعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا علي شي ء ذلك هو الضلال البعيد «1»

و عليه يكون المخالف متجاهرا بترك العبادات لكن هذا التقريب انما يتم علي تقدير الالتزام بجواز غيبة المتجاهر حتي في غير ما تجاهر به و نتعرض لهذه الجهة في بعض الفروع الآتية فانتظر.

الوجه الخامس: السيرة العملية من المتشرعة

بما هم كذلك فانهم لا يبالون من غيبة المخالف و سبه و الوقيعة فيه و هذا برهان واضح علي الجواز فلا مجال لما عن الأردبيلي من الأشكال فالمتحصل مما تقدم عدم حرمة غيبة المخالف و لا يخفي انه لا فرق في المدعي بين المقصر منهم و بين قاصرهم اذ ظهر مما ذكرنا ان حرمة الغيبة تختص بالأخ الإيماني و لا ايمان للمخالف فلا فرق بين القاصر و المقصر فلاحظ.

الفرع الرابع هل تختص حرمة الغيبة بمورد يكون المغتاب بالفتح بالغا او لا اختصاص بالبالغ

لا يبعد أن يقال مقتضي اطلاق الآية الشريفة شمولها للمميز فان المميز اذا أقر بما هو معتبر في الأيمان يكون داخلا في عداد المؤمنين و بعبارة واضحة لا اشكال في صحة عبادات الصبي فاذا كانت عباداته التي هي من الفروع صحيحة و مقبولة فبالأولوية اعتقاداته صحيحة مضافا الي أن صحة العبادات تتوقف علي الاعتقاد و الأيمان فلا اشكال في صدق عنوان المؤمن عليه اذا كان واجدا لشرائطه و بعد صدق العنوان عليه لا وجه للالتزام بجواز غيبته مع شمول الإطلاق الكتابي و الخبري اياه فلاحظ و يؤيد المدعي لو لم يدل عليه قوله تعالي وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰاميٰ

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 285

قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ «1» فانه اطلق علي اليتيم عنوان الأخ

الفرع الخامس: انه ذكر سيدنا الأستاد انه ليس في المسألة ما يعتمد عليه في تعريف الغيبة

و تفسيرها الا بعض الروايات الضعيفة و عليه فكلما شككنا في تحقق موضوع الغيبة للشك في اعتبار قيد في المفهوم أو شرط في تحققه يرجع الي اصالة العدم انتهي «2».

و الظاهر من كلامه ان كل قيد أو شرط شك فيه يدفع باصالة العدم و ما أفاده غير تام فانه ما المراد من الأصل المذكور فان كان المراد من الأصل الاستصحاب فيرد عليه ان اثبات سعة المفهوم باستصحاب عدم اخذ القيد الفلاني في الموضوع له من أظهر انحاء المثبت و ان كان المراد به غير الاستصحاب فالظاهر انه ليس في المقام اصل يقتضي السعة في المفهوم بل الأمر علي العكس كما تقدم منا في المقام الأول و قلنا مقتضي القاعدة الأولية اخذ جميع القيود المحتملة اذ مع عدم أخذ القيود المحتملة لا يحرز الموضوع و مع عدم

احرازه لا مجال للأخذ بالعمومات لعدم جواز الأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي الاستصحاب الجاري في الموضوع احراز عدم كونه من مصاديق العام فانا ذكرنا مرارا انا لا نري مانعا عن جريان الأصل في المفاهيم المجملة فالحق ان الغيبة كما تقدم منا عبارة عن ذكر عيب مستور في مقام الانتقاص و يكون المغتاب بالفتح غائبا و يكون بحيث لو اطلع يتأثر فتحقق الغيبة بحسب المفهوم متقوم بقيود:

الأول: كون المخبر به نقصا في المقول فيه بلا فرق بين كون العيب عيبا دينيا أو دنيويا و بلا فرق بين كونه عيبا في بدنه أو خلقه أو ما يتعلق به.

الثاني: أن يكون في خلف المغتاب بالفتح الثالث: أن يكون المغتاب بالكسر

______________________________

(1) البقرة/ 220

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 329

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 286

في مقام الانتقاص و الوقيعة في المقول فيه الرابع: أن يتأثر المغتاب بالفتح لو علم به.

الخامس: أن يكون العيب المقول مستورا اي لا يكون من الأمور المكشوفة و أيضا يكون مستورا عند المخاطب و الوجه في الاحتفاظ علي القيود المزبورة التفاسير المذكورة للغيبة من النصوص و من كلمات الفقهاء و من كلمات اللغويين و علي هذا الأساس لو قال و وقع في اخيه المؤمن ما لا واقعية له لا يكون غيبة و لو كشف عما ستره اللّه و لم يكن بداعي الانتقاص لا يكون غيبة و لو كان في حضوره و كشف عن عيوبه لا يكون غيبة و لو قال فيه ما لا يسوؤه لو علم به لا يكون غيبة و مما ذكرنا يظهر النقاش في جملة مما افاده سيدنا الأستاد علي ما في التقرير.

الفرع السادس: انه يشترط في تحقق الحرمة تعيين المغتاب بالفتح

اذ مع التردد لا ينكشف ما

ستره اللّه و ان شئت قلت ان الظاهر من الآية الشريفة اعتبار كون المغتاب بالفتح شخصا معلوما و بعبارة واضحة: مع عدم التميز لا يصدق ان زيدا اغتاب فلانا فانه مع عدم التميز لا يصدق هذا العنوان نعم ربما تحرم الوقيعة و لو مع عدم التميز كما لو قال احد هؤلاء العشرة سارق أو قاتل فان هذه الجملة اهانة بالنسبة الي جميعهم و الإهانة حرام و هذا امر آخر.

الفرع السابع: هل يكون استماع الغيبة حراما أم لا؟

قال سيدنا الأستاد الظاهر انه لا خلاف بين الشيعة و السنة في حرمة استماع الغيبة انتهي و ما يمكن ان يستدل به علي الحرمة بعض النصوص منها ما في كتاب الروضة علي ما في مجموعة الشهيد عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال: الغيبة كفر و المستمع لها و الراضي بها مشرك قلت: فان قال ما ليس فيه؟ فقال: ذاك بهتان «1».

و منها عن الشيخ ابو الفتوح الرازي في تفسيره عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال: «السامع للغيبة احد المغتابين 2.

______________________________

(1) (1 و 2) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 6 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 287

و منها ما عن القطب الراوندي في لب اللباب عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: من سمع الغيبة و لم يغير كان كمن اغتاب و من رد عن عرض اخيه المؤمن كان له سبعون الف حجاب من النار» «1» و منها ما رواه الحسين بن «2» و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

الفرع الثامن: هل يجب علي السامع انتصار المغتاب بالفتح أم لا

و تدل علي محبوبية الانتصار جملة من النصوص منها ما رواه الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن عن ابي جعفر عليه السلام انه قال من اغتيب عنده اخوه المؤمن فلم ينصره و لم يدفع عنه و هو يقدر علي نصرته و عونه فضحه اللّه عز و جل في الدنيا و الآخرة «3» و منها ما رواه القطب الراوندي في لب اللباب «4».

و منها ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال من اغتيب عنده اخوه المسلم فاستطاع ان ينصره فنصره نصره اللّه في الدنيا و الآخرة «5».

و منها:

ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله: من رد عن عرض اخيه المسلم وجبت له الجنة البتة «6».

و منها: ما عن العسكري قال عليه السلام: من حضر مجلسا و قد حضر فيه كلب يفرس عرض اخيه الغائب الي أن قال: ورد عليه و ذب عن عرض اخيه الغائب قيض اللّه الملائكة الي أن قال فأحسن كل واحد بين يدي اللّه محضره «7».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 8

(2) راجع ص 273

(3) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 2

(4) مر آنفا

(5) المستدرك الباب 136 من ابواب العشرة الحديث 9

(6) نفس المصدر الحديث 1

(7) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 288

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1» و منها: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله من رد عن عرض اخيه كان له حجابا من النار «2».

و منها: ما عن أمير المؤمنين عليه السلام حين نظر الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن ابنه فقال يا بني نزه سمعك عن مثل هذا «3».

و منها ما رواه القاسم بن محمد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة منها الا بالأداء أو العفو الي أن قال و ينصره ظالما و مظلوما فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه «4» و هذه النصوص كلها ضعيفة فلا يعتد بها في مقام الاستدلال لكن الظاهر ان حديث الحسين بن سعيد عن أبي جعفر عليه السلام تام سندا و يدل علي وجوب الانتصار فلاحظ.

الفرع التاسع: هل يجب علي المغتاب بالكسر الاستحلال من المغتاب بالفتح أم لا؟

فانه نقل أن جمعا

من الأصحاب ذهبوا الي وجوب الاستحلال و يمكن الاستدلال علي المدعي بأن المستفاد من جملة من النصوص ان الغيبة لا تغفر حتي، يغفر المغتاب بالفتح منها ما رواه العلوي عن علي عليه السلام الي أن قال ثم قال عليه السلام سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: أن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة فيقضي له و عليه 5 بتقريب ان المستفاد من الحديث ان احدا لو لم يؤد حقا من حقوق أخيه المؤمن يطالب يوم القيامة هذا من ناحية و من ناحية اخري ان من حقوق المؤمن عدم اغتيابه فيجب الاستحلال كي لا يبقي ليوم القيامة و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و لا يكون قابلا للاستناد إليه، و ثانيا: انه لا

______________________________

(1) لاحظ ص 286

(2) المستدرك الباب 136 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 122 من ابواب العشرة الحديث 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 289

يستفاد من الحديث وجوب الاستحلال من صاحب الحق نعم يمكن أن يقال ان العقل يحكم بوجوب الاستحلال دفعا للضرر الأخروي اي بعد ما استفيد من الحديث توقف الغفران علي الاستحلال يحكم العقل بلزومه دفعا للضرر المحتمل و منها ما رواه اسباط «1» و الحديث ضعيف سندا و منها ما رواه ابو ذر «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما ارسله الراوندي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال عقوبة الغيبة اشد من عقوبة الزنا. قيل: و لم يا رسول اللّه؟ قال: لأن صاحب الزنا يتوب فيغفر اللّه له و لا تغفر الغيبة الا أن يحلله صاحبه «3» و المرسل لا

اعتبار به.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله اياكم و الغيبة، فان الغيبة أشد من الزنا ان الرجل يزني و يتوب فيتوب اللّه عليه و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه «4» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله أيضا من اغتاب مسلما او مسلمة، لم يقبل اللّه تعالي صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة الا أن يغفر له صاحبه «5» و الحديث ضعيف سندا فالنتيجة انه لا دليل علي وجوب الاستحلال و يستفاد من حديث مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام الغيبة حرام علي كل مسلم مأثوم صاحبها في كل حال (الي أن قال) فان اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه فان لم تبلغه و لم تلحقه

______________________________

(1) راجع: ص 273

(2) راجع ص: 268

(3) المستدرك الباب 135 من أبواب العشرة الحديث 3

(4) المستدرك الباب 132 من أبواب العشرة الحديث 21

(5) نفس المصدر الحديث 34

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 290

فاستغفر اللّه له و الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب «1»، التفصيل بين صورة بلوغ المغتاب و اطلاعه علي اغتيابه و عدم بلوغه ففي الصورة الأولي يجب الاستحلال و في الصورة الثانية لا يجب و لكن الحديث ضعيف سندا و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله كفارة من اغتبته أن تستغفر له و قوله صلي اللّه عليه و آله من كانت عنده في قبله مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار و لا درهم يؤخذ من حسناته فان لم تكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فزيدت علي

سيئاته «2» و الحديث ضعيف سندا.

الفرع العاشر: هل يجب علي المغتاب بالكسر أن يستغفر للمغتاب بالفتح

ربما يقال يستفاد من بعض النصوص وجوب الاستغفار لاحظ ما رواه حفص بن عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم ما كفارة الاغتياب قال: تستغفر اللّه لمن اغتبته كلما ذكرته «3» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي أنه يستفاد منه وجوب الاستغفار كلما ذكر المغتاب بالكسر المغتاب بالفتح و هذا مقطوع الخلاف.

و لاحظ حديث موسي قال حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من ظلم أحدا فعابه، فليستغفر اللّه له كما ذكره فانه كفارة له «4».

و حديث أنس بن مالك قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله «كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته 5 و كلا الحديثين ضعيفان.

______________________________

(1) المستدرك الباب 132 من ابواب العشرة الحديث 19

(2) بحار الانوار ج 75 ص 243

(3) الوسائل الباب 155 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1

(4) (4 و 5) المستدرك الباب 135 من العشرة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 291

و لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من ظلم أحدا و فاته فليستغفر اللّه له فانه كفارة له «1» بتقريب ان الغيبة ظلم من المغتاب بالكسر بالنسبة الي المغتاب بالفتح فيجب الاستغفار له.

و فيه ان السند ضعيف فلا يعتد بالرواية فلا دليل علي وجوب الاستغفار.

الفرع الحادي عشر: ان اسباب الغيبة مختلفة

و قد تعرض لها حديث مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام الغيبة حرام علي كل مسلم (الي أن قال) و اصل

الغيبة يتنوع بعشرة انواع: شفاء غيظ و مساعدة قوم و تهمة و تصديق خبر بلا كشفه و سوء ظن و حسد و سخرية و تعجب و تبرم و تزين «2» و الحديث ضعيف كما تقدم.

الفرع الثاني عشر انه هل يجوز اغتياب من يكون راضيا باغتيابه أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان مقتضي اطلاق ادلة الحرمة عدم الفرق و كونه راضيا به لا يستلزم عدم تأثره من اغتيابه و بعبارة اخري يمكن أن يتأثر الإنسان من أمر و مع ذلك يأذن به

ثم انه قد ذكرت موارد لجواز الغيبة
اشارة

و لا بدّ من ملاحظة كل واحد منها و النظر في دليل الاستثناء

المورد الأول: المتجاهر بالفسق
اشارة

قال سيدنا الاستاد: المتجاهر بالفسق يجوز اغتيابه بلا خلاف بين الشيعة و السنة و الإنصاف انه لو كان جوازه متفقا عليه بين المسلمين يطمئن الإنسان بالجواز و قد وردت جملة من النصوص في المقام منها ما رواه سماعة «3» و هذه الرواية بمفهومها تدل علي أن من عامل الناس فظلمهم الي آخرها بحيث يكون واضح الظلم و الكذب و متجاهرا بالفسق لا حرمة له و تجوز غيبته هذا من حيث الدلالة و اما من حيث السند فالظاهر تمامية السند و لا اشكال فيه من حيث عثمان الواقفي المستبد بمال أبي الحسن الرضا

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من أبواب جهاد النفس الحديث 5

(2) المستدرك الباب 132 من ابواب العشرة الحديث 19

(3) لاحظ صفحه 272

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 292

عليه السلام فان سيدنا الأستاد اختار ان الرجل ثقة و الشيخ و ابن شهرآشوب وثقاه مضافا الي كونه من اصحاب الإجماع و قد ذكرنا في محله ان كون الرجل من اصحاب الإجماع دليل علي كونه ثقه فان الإجماع المذكور بلحاظ كونه ثقة عند المجمعين الا أن يقال انه لا وجه للتعدي عن مورد الحديث و لا تستفاد منه الكبري الكلية فلا يكون دليلا علي المدعي و يؤيد الجواز بعض النصوص منها ما رواه داود بن سرحان «1» و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة 2.

و منها ما رواه قطب الراوندي عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: لا غيبة لثلاثة: سلطان جائر و فاسق معلن و صاحب بدعة «3».

و منها ما رواه موسي بن إسماعيل عن أبيه عن أبيه موسي

بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أربعة ليس غيبتهم غيبة: الفاسق المعلن بفسقه و الإمام الكذاب ان احسنت لم يشكر و ان اسأت لم يغفر و المتفكهون بالأمهات و الخارج من الجماعة الطاعن علي امتي الشاهر عليها سيفه 4.

و منها ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص عن الرضا عليه السلام قال: من القي جلباب الحياء فلا غيبة له «5».

و منها ما عن عوالي اللآلي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: لهند بنت عقبه امرأة ابي سفيان- حين قالت: ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني و ولدي ما يكفيني- فقال لها: خذي لك و لولدك ما يكفيك بالمعروف 6.

و منها ما عنه صلي اللّه عليه و آله انه قال لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها: اما معاوية فرجل صعلوك لا مال له و اما ابو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه 7.

______________________________

(1) (1 و 2) راجع ص 268

(3) (3 و 4) المستدرك الباب 134 من ابواب العشرة الحديث 1 و 2

(5) (5 و 6 و 7) نفس المصدر الحديث 3 و 4 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 293

و منها ما عن الاختصاص قال الرضا عليه السلام من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له «1».

و في المقام حديث عن ابي عبد اللّه عليه السلام الي ان قال قال رسول اللّه عليه و آله لا غيبته الا لمن صلي في بيته و رغب عن جماعتنا و من رغب عن جماعة المسلمين وجب علي المسلمين غيبته و سقطت بينهم عدالته و وجب هجرانه و اذا رفع الي امام المسلمين انذره و

حذره فان حضر جماعة المسلمين و الا احرق عليه بيته و من لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته و ثبتت عدالته بينهم «2» و مقتضي اطلاق الحديث جواز الغيبة بمجرد ترك الجماعة و لا يمكن الالتزام به اذ الجماعة لا تكون واجبة مضافا الي ان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين المتجاهر بالترك و عدمه فيشكل العمل به و علي فرض العمل به لا بدّ من اختصاص الحكم بمورده اضف الي ذلك ضعف السند فالمدرك مختص بحديث سماعة الا ان يقال ان حديث سماعة وارد في مورد خاص و هو الذي تصدق عليه العناوين المذكورة في الرواية و اما المتجاهر بالفسق علي نحو الإطلاق فلا يدل الحديث علي جواز غيبته.

و قال سيدنا الأستاد انه يستفاد من هذا الحديث اختصاص حرمة الغيبة بالعادل و لم يلتزم به احد و يرد عليه أن المستفاد من الحديث أن الواجد لهذه الشروط ممن تحرم غيبته لا ان حرمة الغيبة تختص بكون المغتاب بالفتح عادلا و كم فرق بين الأمرين.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه علقمة قال: قال الصادق عليه السلام و قد قلت له: يا ابن رسول اللّه أخبرني عمن تقبل شهادته و من لا تقبل فقال: يا علقمة كل من كان علي فطرة الإسلام جازت شهادته، قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف

______________________________

(1) بحار الانوار ج 75 ص 260 حديث 59

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 294

بالذنوب؟ فقال يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت الا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام لأنهم المعصومون دون ساير الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا أو لم يشهد

عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللّه داخل في ولاية الشيطان «1» بتقريب أن المستفاد من الحديث اختصاص الغيبة بمن يكون واجدا للشروط المذكورة في الحديث و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا أن اختصاص حرمة الغيبة بالعادل لا يمكن الالتزام به.

و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ثلاث من كن فيه اوجبت له أربعا علي الناس من اذا حدثهم لم يكذبهم و اذا وعدهم لم يخلفهم و اذا خالطهم لم يظلمهم وجب أن يظهروا في الناس عدالته و تظهر فيه مروته و أن تحرم عليهم غيبته و أن تجب عليهم أخوته «2» و التقريب، هو التقريب و فيه أن الحديث ضعيف سندا مضافا الي أن اختصاص حرمة الغيبة بالعادل مقطوع الخلاف.

و مما يمكن ان يستدل به علي المدعي ما رواه ابن الجهم عن الصادق جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «3» فان الرواية بالصراحة تدل علي عدم حرمة غيبة المتجاهر بالفسق لكن السند ضعيف فلا يعتد بها.

و ربما يستدل علي المدعي بما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب الشهادات الحديث 13

(2) نفس المصدر الحديث 16

(3) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 295

فقال: أن تعرفوه بالستر و

العفاف و كف البطن و الفرج «1» بتقريب أن الساتر للعيب يحرم تفتيش حاله و أما غيره فلا. و يرد عليه ان التفتيش عنوان مغاير لعنوان الغيبة فلا ترتبط الرواية بالمقام.

و ربما يستدل بما رواه ابن أبي يعفور «2» و يرد عليه أولا أن الرواية ضعيفة كما تقدم فان اصل الحديث و ان كان تاما من حيث السند لكن هذه القطعة قد زيدت عليه برواية الشيخ و السند مخدوش و اشتبه الأمر علي صاحب الحدائق قدس سره حيث عبر عن الحديث بالصحيح و لم يتوجه الي الفرق بين الصدر و الذيل من اعتبار الصدر و عدم اعتبار الذيل و ثانيا: أن المستفاد من الحديث ان جواز الغيبة و عدمه يدوران مدار عدم حضور الجماعة و حضورها و هل يمكن الالتزام به؟ كلّا ثم كلا.

و الذي يمكن أن يستدل به علي المدعي ان الغيبة بما لها المفهوم لا تصدق بالنسبة الي المتجاهر فان الغيبة اظهار ما ستره اللّه و المفروض عدم كون ما تجاهر به مستورا فيكون خارجا تخصصا.

ثم ان البحث في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي: أن جواز غيبة المتجاهر هل يتوقف علي كون قصد المغتاب بالكسر و غرضه صحيحا أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان مقتضي اطلاق النصوص المشار إليها عدم التقييد كما ان مقتضي الوجه الأخير كذلك اذ قد ظهر مما ذكر انه خارج عن الموضوع تخصصا.

الجهة الثانية: انه هل يختص جواز غيبة المتجاهر بالفسق الذي تجاهر فيه أو يجوز علي الاطلاق

و لو في غير ما تجاهر به مقتضي اطلاق النصوص جواز اغتيابه علي الإطلاق لكن قد عرفت ضعف اسناد النصوص نعم حديث سماعة تام سندا لكن في دلالته علي المدعي علي نحو الإطلاق اشكال قد اشرنا إليه و لكن بالنسبة

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1

(2) راجع ص 293

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 296

الي من ذكر في الحديث يجوز اغتيابه علي الإطلاق بمقتضي مفهوم الشرطية فلاحظ.

الجهة الثالثة: أنه قد ظهر مما ذكرنا ان الميزان في الجواز و عدمه عدم كون العيب في المغتاب بالفتح مستورا

و قلنا مع عدم كونه مستورا لا يكون ذكره مصداقا للغيبة. ان قلت: اذا كان عند قوم متجاهرا و لم يكن كذلك عند آخرين فلا وجه لجواز كشف عيبه عند آخرين اذ فرض كونه مستورا عنهم قلت: علي هذا فلا مصداق للجواز اذ من يكون مطلعا بحاله فلا يصدق العنوان عنده لفرض علمه و عدم كونه مستورا عنه و من لا يكون مطلعا بعيبه يكون عيبه مستورا عنه فلا يجوز كشفه عنده فأين تظهر الثمرة بين المتجاهر و غيره و الحل ان الميزان صدق كون العيب مما ستره اللّه و مع التجاهر يزول هذا العنوان و لا يصدق فلاحظ.

الجهة الرابعة: أنه قد فصل الشيخ قدس سره بين الفسق الذي دون ما تجاهر فيه و غيره

فيجوز غيبة المتجاهر بعصيان بكشف ما دونه و لم يجوز فيما لا يكون كذلك و الظاهر أنه لا وجه لهذا التفصيل اذ علي تقدير العمل بالنصوص الواردة في المقام كقوله عليه السلام «من القي جلباب الحياء فلا غيبة له» يجوز غيبة المتجاهر لعصيان من المعاصي علي نحو العموم و علي تقدير عدم العمل بالنصوص لا تجوز غيبته علي الإطلاق لإطلاق دليل الحرمة نعم في خصوص ما يتجاهر به قلنا لا يصدق العنوان.

المورد الثاني: تظلم المظلوم
اشارة

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام: ذكر الشيعة و السنة من مستثنيات حرمة الغيبة تظلم المظلوم و اظهار ما اصابه من الظالم و ان كان متسترا في ظلمه انتهي. و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول قوله تعالي لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ

«1»

______________________________

(1) النساء 148

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 297

فانه لو ضرب احد احدا ظلما خفية يجوز للمظلوم المضروب ان ينقل ان فلانا ضربني فان اخباره بضربه من مصاديق الجهر بالسوء من القول لكن يجوز لكونه مظلوما و قد فسر الجهر بالسوء بالشتم لاحظ ما رواه الطبرسي لا يحب اللّه الشتم في الانتصار الا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلم مما يجوز الانتصار في الدين قال و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام «1» لكن الحديث ضعيف سندا.

و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه «لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ» قال من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه «2».

و منها ما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في قوله: لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول الا من ظلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله «3».

و يؤيد المدعي أيضا ما رواه علي بن ابراهيم اي لا يحب اللّه أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و لا يظلم الا من ظلم فقد اطلق له أن يعارضه بالظلم «4» و لكن قد تقدم الأشكال في الاستدلال بالآية الشريفة علي حرمة الغيبة فلا مجال

للاستدلال بها علي الاستثناء.

الوجه الثاني قوله تعالي وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا

«5» و قوله تعالي وَ الَّذِينَ

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 425 حديث 4

(2) نفس المصدر الحديث 1

(3) الوسائل 154 من أبواب احكام العشرة الحديث 7

(4) تفسير البرهان ج 1 ص 425 حديث 3

(5) الشعراء/ 227

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 298

إِذٰا أَصٰابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَي اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1» بتقريب ان المستفاد من الآيات الشريفة أن الانتقام من الظالم جائز و الغيبة و ذكر عيبه و ظلمه نحو من الانتقام: و يرد عليه أولا ان الآيات الشريفة لا تكون في مقام كيفية الانتقام و انه باي وجه يحصل و ثانيا أنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها و الا يلزم جواز ارتكاب جملة من المحرمات و المعاصي الكبيرة في مقام الانتقام و أني لنا بذلك و ثالثا قد عين الانتقام بلزوم كونه بالمثل لاحظ قوله تعالي فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ «2» و قوله تعالي وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا «3».

الوجه الثالث: أن منع المظلوم عن بيان ظلم الظالم حرجي

و دليل نفي الحرج يرفع حرمته. و فيه أن الدليل أخص من المدعي اذ ربما لا يكون حرجا و أما ما في كلام سيدنا الأستاد من أنه خلاف الامتنان بالنسبة الي المغتاب بالفتح و دليل الحرج يستفاد منه كون الرفع امتنانيا، فيرد عليه ما اوردناه عليه مرارا بأن الامتنان علي فرض تسلمه لا بدّ أن يلاحظ بالنسبة الي من يرفع عنه الحكم و الحرج يصير سببا لجواز فعله لا بالنسبة الي غيره فلاحظ.

ثم انه هل يشترط الجواز بكونها عند من يرجي منه ازالة الظلم أم لا؟

و أيضا هل يشترط بكون المغتاب بالكسر في مقام الانتصار و الانتقام أم لا؟ الظاهر انه لا وجه للتقييد اذ لا مقتضي له فلاحظ.

المورد الثالث: نصح المستشير

و الذي يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي المدعي طوائف من النصوص الطائفة الأولي: ما يدل علي حرمة خيانة المؤمن

______________________________

(1) الشوري/ 39 و 40 و 41

(2) البقرة/ 194

(3) الشوري/ 40

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 299

لأخيه: منها ما رواه أبو المعزي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يخونه «1».

و منها ما رواه الحرث بن مغيرة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام المسلم أخو المسلم هو عينه و مرآته و دليله لا يخونه و لا يخدعه و لا يظلمه و لا يكذبه و لا يغتابه 2.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يخذله و لا يعيبه و لا يحرمه و لا يغتابه «3».

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذله و لا يعيبه و لا يغتابه و لا يحرمه و لا يخونه «4».

و منها ما رواه الشيخ سديد الدين قال: سئل الرضا عليه السلام ما حق المؤمن علي المؤمن فقال: ان من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره الي ان قال و لا يظلمه و لا يغشه و لا يخونه و لا يخذله و لا يغتابه 5.

و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله عليكم بالتواصل و التباذل و اياكم و التقاطع و التحاسد و التدابر و كونوا عباد اللّه اخوانا فان

المؤمن اخو المؤمن لا يخونه و لا يخذله و لا يحقره و لا يقبل عليه قول مخالف له «6».

فان المستفاد من هذه الروايات حرمة الخيانة. و يرد عليه انه لا اشكال في حرمة خيانة المؤمن ببعض مراتبها و لكن عدم النصح ليس خيانة كما هو ظاهر واضح مضافا الي ان الدليل اخص من المدعي فانه علي فرض تسليم تمامية الاستدلال

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 2 و 4

(3) المستدرك الباب 105 من أحكام العشرة الحديث 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 9 و 16

(6) نفس المصدر الحديث 24

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 300

يختص بمورد يكون الطرف مؤمنا فلا يقوم الوجه المذكور لإثبات جواز الغيبة في مقام الاستشارة علي الإطلاق.

الطائفة الثانية: ما يدل علي وجوب نصح المؤمن منها ما رواه عيسي بن أبي منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يجب للمؤمن علي المؤمن أن يناصحه «1».

و منها ما رواه سماعة قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: أيما مؤمن مشي مع أخيه المؤمن فلم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله «2». و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» قال:

قولوا للناس حسنا و لا تقولوا الا خيرا حتي تعلموا ما هو «3».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» قال: قولوا للناس احسن ما تحبون أن يقال لكم «4».

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام عن العالم عليه السلام انه قال حق المؤمن ان يمحضه النصيحة في المشهد و

المغيب كنصيحته لنفسه «5».

و منها ما رواه الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: ايما مؤمن مشي مع أخيه في حاجة و لم يناصحه فقد خان اللّه و رسوله «6».

فان المستفاد من هذه النصوص وجوب نصح المؤمن ابتداءً و في المعتبر منها كفاية. و يرد عليه أولا انه لا اشكال في عدم وجوب النصح و ثانيا يقع التعارض بين هذه النصوص و ما يدل علي حرمة الغيبة كتابا و سنة بالعموم من وجه و التعارض

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب فعل المعروف الحديث 6

(3) الوسائل الباب 21 من ابواب فعل المعروف الحديث 2

(4) المستدرك الباب 21 من ابواب فعل المعروف الحديث 3

(5) المستدرك الباب 35 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

(6) المستدرك الباب 36 من ابواب فعل المعروف الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 301

بالعموم من وجه مرجعه الي التباين الجزئي فيكون النص في محل التصادق مخالفا للكتاب و المخالف مع الكتاب زخرف و ما خالف قول ربنا لم نقله و علي فرض التنزل عنه تصل النوبة الي المعارضة و التساقط و يبقي اطلاق دليل الحرمة من النصوص مرجعا.

و ببيان واضح يقع التعارض بين النصوص الدالة علي وجوب نصح المؤمن و بين الاطلاق الكتابي و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي اطلاق النصوص الدالة علي حرمة الغيبة ان قلت: النصوص الدالة علي حرمة الغيبة بنفسها طرف المعارضة فلا وجه لجعلها مرجعا قلت: النصوص الدالة علي الحرمة تعارضها النصوص الدالة علي وجوب النصح و علي مسلكنا الترجيح مع الأحدث.

و يمكن تقريب الاستدلال علي المدعي بوجه آخر بأن نقول النصوص

الدالة علي وجوب النصح ان كانت احدث تسقط عن الاعتبار لمعارضتها للإطلاق الكتابي فتصل النوبة الي العمل بنصوص الحرمة و ان كانت نصوص الحرمة احدث فالعمل بها متعين كما هو ظاهر فلاحظ، و علي فرض التنزل منه أيضا تقع المعارضة بين النصوص فلا بد من الرجوع الي الأخبار العلاجية و تشخيص الحادث عن القديم و الترجيح بالأحدث و لكن لا تصل النوبة الي التقريب المذكور فلا حاجة الي ملاحظة الأحدث.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي جواز نصح المستشير منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له جئتك مستشيرا أن الحسن و الحسين و عبد اللّه بن جعفر خطبوا الي فقال أمير المؤمنين عليه السلام المستشار مؤتمن أما الحسن فانه مطلاق للنساء و لكن زوجها الحسين فانه خير لابنتك «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 302

و منها ما رواه عمر بن يزيد عن ابيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من استشار أخاه فلم ينصحه محض الرأي سلبه اللّه عز و جل رأيه «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان النوفلي عن الصادق عليه السلام أنه كتب الي عبد اللّه النجاشي: أخبرني يا عبد اللّه أبي عن آبائه عن علي بن ابي طالب عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أنه قال من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة، سلبه اللّه لبه «2».

و منها ما عن فقه الرضا عليه السلام عن العالم عليه السلام أنه قال: حق المؤمن علي المؤمن، أن يمحضه النصيحة في المشهد و المغيب

كنصيحته لنفسه 3.

و لا يبعد أن تكون هذه الروايات كلها ضعيفة سندا مضافا الي ما في هذا الاستدلال من الأشكال الذي ذكرناه في الاستدلال بالطائفة الثانية و في المقام حديث رواه ابن سنان «4» و الظاهر ان سند الحديث تام فربما يستدل به علي المدعي لكن يرد عليه أولا أنه يمكن أن كون الحسن عليه السلام مطلاقا لم يكن أمرا مستورا فيكون مورد الحديث خارجا عن المقام و ثانيا انه كيف يمكن كونه مطلاقا عيبا و نقصا فيه مع انه احد اصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير و صفوة القول: أن كون الإمام مطلاقا ان كان عيبا فلا بد من رد الحديث اذ كيف يمكن الالتزام بكونه متصفا بالنقص و الحال انه السبط الأكبر و الامام الثاني و من المعصومين روحي و ارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء فالنتيجة أن الحديث غير قابل للاستدلال به علي المدعي.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي وجوب كشف الكرب عن المؤمن و قضاء حاجته منها ما رواه جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال: ان من حق المؤمن علي اخيه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3) المستدرك الباب 22 من أبواب الشرة الحديث 1 و 3

(4) لاحظ ص 301

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 303

المؤمن ان يشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في اهله و ولده «1».

و منها ما رواه معلي بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له ما حق المسلم علي المسلم قال له سبع حقوق واجبات الي ان قال و الحق السابع ان تبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مريضه و

تشهد جنازته و اذا علمت ان له حاجة تبادره الي قضائها و لا تلجئه الي ان يسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «2».

و منها ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: و اللّه ما عبد اللّه بشي ء افضل من اداء حق المؤمن فقال: ان المؤمن افضل حقا من الكعبة «3».

و لا اشكال في ان ارشاده و نصحه في القضايا سيما بعد كونه مستشيرا من اظهر مصاديق قضاء الحاجة و كشف الكرب. و يرد عليه أولا ان قضاء الحاجة و لو بالنسبة الي المؤمن لا يكون واجبا بلا اشكال و لا كلام و الا يلزم كون جميع آحاد الناس فساقا، و ثانيا يرد علي الاستدلال ما ذكرناه في الاستدلال بالطائفة الثانية من المعارضة علي التفصيل الذي ذكرناه. و ثالثا لا ريب في عدم جواز قضاء الحاجة بالمعاصي و المحرمات اضف الي جميع ذلك ان هذه الوجوه علي فرض تماميتها و غمض العين عما يرد عليها تكون اخص من المدعي و لا تشمل الا ما يكون المستشير مؤمنا الا ان يقال مورد الكلام نصح المؤمن اذا استشار فلا مجال للأشكال الأخير فلاحظ.

المورد الرابع: الاستفتاء
اشارة

كما يقول المستفتي ظلمني ابي او اخي فكيف طريقي في الخلاص و استدل علي الجواز في المقام بوجوه:

الوجه الأول: ان الادلة العقلية [و النقلية و ضرورة المذهب قامت علي وجوب تعلم المسائل التي محل الابتلاء]

______________________________

(1) الوسائل الباب 122 من أبواب احكام العشرة الحديث 5

(2) نفس المصدر الحديث 7

(3) المستدرك الباب 105 من أبواب أحكام العشرة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 304

و النقلية و ضرورة المذهب قامت علي وجوب تعلم المسائل التي محل الابتلاء فلو توقف التعلم علي الغيبة تجوز اذ مقتضي قانون باب التزاحم تقدم اقوي الملاكين و من الظاهر ان أقواهما وجوب التعلم. و يرد عليه أولا ان المفروض في كلمات القوم استفتاء المظلوم و قد مران المظلوم يجوز له ان يغتاب الظالم علي مذهب القوم فلا وجه لعنوانه ثانيا.

و بعبارة اخري: قد تقدم انه يجوز عند القوم للمظلوم ان يغتاب الظالم في ظلمه بلا قيد و ثانيا انما يجب التعلم فيما لا يمكن الاحتياط فيه و اما فيما يمكن الاحتياط فلا يجب التعلم بل يجوز للشخص ان يحتاط و ثالثا ان الاستفتاء لا يتوقف علي ذكر الظالم بل يمكن ان يعنون عند المجتهد انه لو ظلم أحد أمه فما وظيفة الابن و رابعا مجرد ذكر المظلوم الظالم بقوله ظلمني ابي لا يستلزم الغيبة فان الغيبة انما تحقق في مورد يعرف السامع المغتاب بالفتح.

الوجه الثاني: ما رواه ابن سنان

عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: جاء رجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال ان امي لا تدفع يد لامس فقال: فاحبسها قال قد فعلت قال: فامنع من يدخل عليها قال: قد فعلت قال: قيدها فانك لا تبرها بشي ء افضل من ان تمنعها من محارم اللّه عز و جل «1».

بتقريب انه اغتاب أمه عند رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و لم يردعه روحي فداه فيجوز الاغتياب في مقام الاستفتاء. و فيه أولا ان الحديث

ضعيف سندا فان اسناد الصدوق الي حسن بن محبوب ضعيف علي ما كتبه الحاجياني في رجاله و ثانيا: ان المذكور في كلام الرجل السائل ان أمه لا تدفع يد لامس فيظهر ان أمه كانت زانية مشهورة بحيث لا تدفع يد أحد ذي حاجة إليها في الأمر الكذائي و مع فرض التنزل يكفي للأشكال احتمال كونها متجاهرة و اصالة عدم كونها متجاهرة كما في كلام الشيخ

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من ابواب حد الزنا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 305

قدس سره مدفوعة بعدم اعتبار المثبت و من الظاهر ان اثبات المستورية باستصحاب عدم التجاهر من اظهر انحاء المثبت فلاحظ، و ثالثا: يشترط في حرمة الاغتياب ان يعرف السامع المغتاب و لم يفرض في الحديث ان النبي صلي اللّه كان يعرف أم الرجل فلا يقوم الحديث مستندا للحكم.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله

انه قال لهند بنت عتبة- امرأة أبي سفيان- حين قالت: ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني و ولدي ما يكفيني فقال لها خذي لك و لو لدك ما يكفيك بالمعروف «1». و فيه ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا لا ترتبط الرواية بالاستفتاء بل موردها تظلم المظلوم عن الظالم و قد مر انه بنفسه من موارد الجواز عندهم و تعرضنا لدليل المسألة. و ثالثا انه مر ان غيبة المتجاهر لا تحرم بل لا تكون مصداقا لها و قد نقل ان أبا سفيان كان ضرب المثل في البخل و رابعا ان أبا سفيان كان منافقا كافرا ملعونا و قد مر ان حرمة الاغتياب تختص بكون المغتاب مؤمنا.

ان قلت: انه لم يكن فرق بين المسلمين قبل نصب علي عليه السلام للخلافة و بعبارة اخري وقت نزول الآية الشريفة لم

يكن للشيعي و التشيع موضوع قلت:

أولا ان ولاية علي عليه السلام قد ثبتت من يوم الإنذار و يوم الدار و ثانيا مقتضي الآية الشريفة حرمة اغتياب الأخ و المراد من الأخوة الإيمانية و هل يمكن أن يقال ان أبا سفيان اخ ايماني لأهل الأيمان فانقدح مما ذكرنا عدم قيام دليل تام علي الدعوي المذكورة فلاحظ.

المورد الخامس: ما لو كانت الغيبة لردع المقول فيه عن المنكر
اشارة

و استدل علي المدعي بوجهين:

الوجه الأول: ان الغيبة في مفروض الكلام احسان بالنسبة الي المغتاب

و يوجب خروجه عن الانحراف و الاعوجاج و انقاذه من المهلكة. و فيه

______________________________

(1) المستدرك الباب 134 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 306

أولا انه ربما لا يرتدع فالدليل اخص من المدعي و ثانيا انه لا دليل علي جواز الإحسان بالمحرم فكيف بوجوبه فانه كيف يمكن أن يلتزم بجواز ارتكاب المحرمات لأجل الإحسان الي الغير.

الوجه الثاني: ان النهي عن المنكر واجب و من طرقه اغتياب الفاعل للمنكر.

و فيه ان دليل وجوب النهي عن المنكر لو اقتضي جوازه او وجوبه بالمحرم يلزم القول بجواز الزنا مع زوجة الزاني اذا كان مؤثرا في ارتداعه و هل يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا نعم قد ثبت جواز الوقيعة و البهتان بالنسبة الي جملة من المنحرفين بالنصوص الخاصة منها ما رواه ابن سرحان «1» و الرواية في نسخة الوسائل هكذا محمد بن يعقوب عن محمد بن محمد بن الحسين و لكن في الكافي هكذا محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين «2» و الرواية علي نسخة الكافي تامة سندا و الحديث لا يرتبط بالمقام هذا كله بحسب الموازين الأولية و اما اذا اقتضي التزاحم ارتكاب بعض المحرمات لدفع بعض المنكرات كما لو توقف دفع القتل عن النفس المحترمة بالدخول في الدار الغصبية يجوز الدخول بلا اشكال و من الظاهر انه لا يرتبط بما نحن فيه فلا تغفل.

المورد السادس: دفع الضرر عن المقول فيه

و ربما يستدل علي المدعي بما روي عنهم عليهم السلام في ذم زرارة منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: (الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم) قال: اعاذنا اللّه و اياك من ذلك الظلم قلت ما هو قال هو و اللّه ما احدث زرارة و ابو حنيفة و هذا الضرب قال:

قلت: الزنا معه؟ قال: الزنا ذنب «3».

______________________________

(1) راجع ص 283

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 375 حديث: 4

(3) معجم رجال الحديث ج 7 ص 239

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 307

و منها ما رواه ابو بصير أيضا قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: (الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم) قال: اعاذنا اللّه و اياك يا أبا

بصير من ذلك الظلم قال: ذلك ما ذهب فيه زرارة و اصحابه و ابو حنيفة و اصحابه «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن زرارة قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام اقرأ مني علي والدك السلام و قل له: اني انما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس و العدو يسارعون الي كل من قربناه و حمدنا مكانه لإدخال الأذي في من نحبه و نقربه و يرمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا و يرون ادخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عبناه نحن فانما اعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا و بميلك إلينا و أنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر بمودتك لنا و لميلك إلينا فاحببت ان اعيبك ليحمدوا امرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون بذلك منا دافع شرهم عنك يقول اللّه عز و جل (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) هذا التنزيل من عند اللّه صالحة لا و اللّه ما عابها الا لكي تسلم من الملك و لا تعطب علي يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد للّه فافهم المثل يرحمك اللّه فانك و اللّه أحب الناس الي و احب اصحاب ابي حيا و ميتا فانك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و ان من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا ثم يغصبها و اهلها و رحمة اللّه عليك حيا و رحمته و رضوانه عليك ميتا الخ «2».

اقول أما ما ورد بالنسبة الي زرارة فعلي تقدير تمامية سنده لا يكون

دليلا علي المدعي لأن زرارة كان رجلا خاليا عن العيب فلا يكون ما ورد فيه قابلا لأن يستند إليه في الحكم المذكور و الذي يمكن أن يقال ان كل حكم الزامي لو زاحمه الأقوي منه ملاكا يرجح الأقوي بما يرجحه من باب قانون التزاحم و لكن لا يختص

______________________________

(1) معجم رجال الحديث ج 8 ص 239

(2) نفس المصدر ص 226

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 308

المقام بذلك بل قانون التزاحم يكون جاريا في جميع الأبواب و لا يختص بباب دون باب و ببيان واضح: لو توقف حفظ نفس احد علي اغتيابه يجوز اغتيابه بلا اشكال لأن ملاك حفظ نفسه اقوي بمراتب من ملاك حرمة اغتيابه فلاحظ.

المورد السابع: جرح الشهود
اشارة

قال في الحدائق و منها الجرح للشاهد و الراوي للأخبار، صيانة لحقوق المسلمين، و حفظا للأحكام و السنن الشرعية و من ثم وضع العلماء كتب الجرح و التعديل للرواة و قسموهم الي الثقات و المجروحين و ذكروا الأسباب الموجبة للقدح و الجرح، و كونه كذابا وضاعا للحديث، لكن لا ينبغي أن يذكر الا ما يخل بالشهادة و الرواية و لا يتعرض لشي ء من عيوبه التي لا تعلق لها بذلك وقوفا علي القدر الذي يمكن تخصيص عموم اخبار النهي عن الغيبة به الخ «1».

و الظاهر ان المسألة مورد اتفاقهم و في هذا المورد فروع ثلاثة:

الفرع الأول: يجوز جرح الشاهد الفاسق

و الدليل عليه مضافا الي الاتفاق المذكور صون أموال الناس و اعراضهم و نفوسهم اذ لو لاه لبغي الفساق في الارض و اظهروا فيها الفساد فيدعي الواحد منهم علي غيره حقا ماليا أو عرضيا أو بدنيا أو يدعي زوجية امرأة اجنبية لنفسه أو يدعي نسبا كاذبا ليرث من ميت ثم يقيم علي مدعاه شهودا زورا من الهمج و هذا فساد عظيم و موجب لاختلال النظام الاجتماعي فيجوز جرح الشاهد الفاسق كي لا يؤثر شهادته الباطلة و لا يبقي ريب لمن يراجع باب القضاء و الشهادات في جواز ذلك عند القوم.

الفرع الثاني: جرح رواة الحديث

فانه مضافا الي الاتفاق المذكور تكون السيرة جارية عليه من السلف اضف الي ذلك ان حفظ الأحكام الشرعية و السنن الإلهية امر لازم و ملاكه اقوي من ملاك حرمة الغيبة و يضاف الي ذلك كله ان تحقق عنوان الغيبة يذكر الراوي و جرحه اوّل الكلام فان قوام الغيبة بمعرفة المغتاب بالفتح

______________________________

(1) الحدائق ج 18 ص 165

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 309

و من الظاهر عدم حصول المعرفة بهذا المقدار.

الفرع الثالث: الشهادة علي الفساق الظلمة و العاصين

فانه لا اشكال في جواز الشهادة علي القتل و السرقة و الزنا و اللواط فان المراجع الي ابواب الشهادات و القضاء يتضح له المدعي كمال الوضوح و اللّه العالم بحقائق الأشياء.

المورد الثامن: أن يكون العيب الموجود في المقول فيه ظاهرا واضحا كالعمي

و امثاله فان السيرة جارية علي تعريف الأشخاص باوصافهم الظاهرة فيقال زيد الأعور مثلا و الحق ان هذا لا يكون مصداقا للغيبة فان الغيبة اظهار امر ستره اللّه و أما الأمر الظاهر فهو خارج موضوعا و يدل علي الجواز جملة من النصوص منها ما رواه ابو العباس الفضل قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: احب الناس الي أحياء و امواتا أربعة: بريد بن معاوية العجلي و زرارة و محمد بن مسلم و الأحول، و هم احب الناس الي احياء و امواتا «1».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن سيابة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره اللّه عليه، و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا و البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه «2».

و منها ما رواه داود بن سرحان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغيبة قال هو أن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و ثبت «تبث» عليه امرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و منها ما رواه أبان عن رجل لا نعلمه الا يحي الأزرق قال: قال لي ابو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 18

(2) الوسائل الباب 154 من ابواب أحكام العشرة الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 1، ص: 310

ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته «1».

و منها ما رواه الحسين بن زيد الهاشمي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال:

جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء النبي صلي اللّه عليه و آله و بناته و كانت تبيع منهن العطر فجاء النبي صلي اللّه عليه و آله و هي عند هن فقال: اذا اتيتنا طابت بيوتنا فقالت بيوتك بريحك اطيب يا رسول اللّه «2».

و لكن جواز ذكر المقول فيه بالعيب الظاهر متوقف علي عدم تعنون ذكره بعنوان حرام كالسخرية و أما لو تعنون باحد العناوين المحرمة فلا يجوز و لذا لو كان ذكره بالعيب الظاهر موجبا لوهنه أو ايذائه أو غير ذلك من العناوين المحرمة لا يكون جائزا اعاذنا اللّه من الزلل.

المورد التاسع: ما لو كان عيب في شخص و لا يكون ظاهرا و لكن يعلمه اثنان

فيجوز ذكره بذلك العيب لكن مثله لا يكون غيبة اذ فرض انه لا يكون مستورا عنهما فلا كشف ستر نعم لو نسي احدهما يمكن أن يقال يحرم علي الذاكر ذكره عند الناسي و اللّه العالم.

المورد العاشر: ما لو ادعي نسبا ليس له

و استدل عليه بأن ملاك حفظ الأنساب اقوي من ملاك حرمة الغيبة و الحق ان يقال: ان الجزم بالمدعي علي نحو الإطلاق مشكل فلا بد من ان يقال اذا عارض ملاك الحرمة لملاك أقوي يقتضي الجواز نلتزم بالجواز بل بالوجوب و الا فلا بد في كل مورد ملاحظة الجهات الراجعة إليه فلاحظ.

المورد الحادي عشر: القدح في مقالة باطلة

بتقريب ان حفظ الحق اهم من حرمة الاغتياب و الذي يختلج بالبال أن يقال اذا توقف القدح علي الاغتياب و لم

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) الروضة من الكافي ص 153 حديث 143

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 311

يكن بد منه فلا بد من أن يلاحظ فان كان المقول الباطل راجعا الي اصول الدين أو فروعه فلا اشكال في عدم حرمة الاغتياب باظهار بطلان المقالة بل لا يبعد أن يكون الأبطال واجبا لو استلزم الاغتياب حفظ اصول الدين و فروعه و ان لم يكن كذلك كما لو قال لا فرق بين المريخ و العطارد و مصداق كليهما واحد فلا يجوز اغتياب قائله ورد مقالته لعدم ما يقتضي رفع اليد عن حرمة الاغتياب.

المورد الثاني عشر: ما لو توقف حسم مادة الفساد علي الاغتياب كاغتياب المبدع
اشارة

في الدين الذي يخاف منه أن يضل الناس و يدس في الشريعة المقدسة و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه:

الوجه الأول: النصوص الدالة علي البراءة منهم

و هتكهم و الوقيعة فيهم لاحظ ما رواه ابن سرحان «1» و مقتضي هذه الرواية ان مجرد احتمال الإضلال يكفي للهتك و الوقيعة و البهتان.

الوجه الثاني: ان دفع الفتنة عن عقائد الناس اهم من ملاك ستر العيب

و الذي يختلج بالبال ان يقال الأمر دائر في المقام و امثاله بين الوجوب و الحرمة و لا مجال للجواز اذ لو لم يكن ملاك الحكم بحد اللزوم لا بدّ من تقديم دليل الحرمة فان ملاك الجواز الذي في قبال الوجوب لا يكافئ ملاك الحرمة فيكون الاغتياب حراما و ان كان بحد اللزوم يكون الاغتياب واجبا.

الوجه الثالث: ما رواه ابو البختري

عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق «2» فان المستفاد من الحديث جواز اغتياب المبدع و انه لا حرمة له و لكن السند مخدوش فيكون مؤيدا.

فرع: هل يحرم كون الإنسان ذا لسانين؟ قد دلت علي حرمته جملة من النصوص

______________________________

(1) راجع ص 283

(2) الوسائل الباب 154 من ابواب احكام العشرة الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 312

منها ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من لقي المسلمين بوجهين و لسانين جاء يوم القيامة و له لسانان من نار «1».

و منها ما رواه الزهري عن أبي جعفر عليه السلام قال بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطي حسده و ان ابتلي خذله 2.

و منها ما رواه عبد الرحمن بن حماد رفعه قال قال اللّه تبارك و تعالي لعيسي عليه السلام يا عيسي ليكن لسانك في السر و العلانية لسانا واحدا و كذلك قلبك اني احذرك نفسك و كفي بك خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد و لا سيفان في غمد واحد و لا قلبان في صدر واحد و كذلك الأذهان «3».

و منها ما رواه زيد بن علي عن

آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يجي ء يوم القيمة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه و آخر من قد أمه يلتهبان نارا حتي يلهبا جسده ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيامة «4».

و منها ما رواه ابو هريرة قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان شر الناس يوم القيامة عند اللّه ذو الوجهين 5.

و منها ما رواه عمار قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيمة لسانان من نار «6».

و منها ما عن عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من كان ذا وجهين و ذا لسانين كان ذا وجهين و لسانين يوم القيامة من نار 7.

و منها ما رواه عبد اللّه بن ابي يعفور قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 143 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث: 5 و 6

(6) (6 و 7) نفس المصدر الحديث 7 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 313

عليه السلام يقول: من لقي الناس بوجه و عابهم بوجه جاء يوم القيامة و له لسانان من نار «1».

و منها ما رواه حفص بن غياث عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من مدح أخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطع ما بينهما من

العصمة 2.

و الظاهر عدم تمامية هذه النصوص من حيث السند فلا بد من اتمام الأمر بالإجماع التعبدي الكاشف ان تم و اللّه العالم و لكن لا يبعد اعتبار الحديث الخامس سندا فلاحظ.

خاتمة في حقوق الإخوان

و قد ورد في بعض النصوص انه ما عبد اللّه بشي ء افضل من حقوق الأخوان لاحظ ما رواه مرازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ما عبد اللّه بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن «3».

و قد وردت جملة من النصوص في بيان الحقوق و تعدادها منها ما رواه المعلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: ما حق المسلم علي المسلم؟

قال: له سبع حقوق واجبات ما منهن حق الا و هو عليه واجب ان ضيع منها شيئا خرج من ولاية اللّه و طاعته و لم يكن للّه فيه نصيب قلت له: جعلت فداك: و ما هي؟ قال يا معلي اني عليك شفيق أخاف أن تضيع و لا تحفظ و تعلم و لا تعمل:

قلت لا قوة الا باللّه قال ايسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك و تكره له ما تكره لنفسك و الحق الثاني: أن تجتنب سخطه و تتبع مرضاته و تطيع أمره، و الحق

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 9 و 10

(3) الوسائل الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 314

الثالث أن تعينه بنفسك و مالك و لسانك و يدك و رجلك، و الحق الرابع أن تكون عينه و دليله و مرآته و الحق الخامس أن لا تشبع و يجوع و لا تروي و يظمأ و لا تلبس و يعري و الحق السادس أن يكون لك

خادم و ليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه و تصنع طعامه و تمهد فراشه و الحق السابع أن تبر قسمه و تجيب دعوته و تعود مريضه و تشهد جنازته، و اذا علمت أن له حاجة تبادره الي قضائها و لا تلجئه الي أن يسألكها و لكن تبادره مبادرة فاذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته و ولايته بولايتك «1».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أن من حق المؤمن علي أخيه المؤمن أن يشبع جوعته و يواري عورته و يفرج عنه كربته و يقضي دينه فاذا مات خلفه في أهله و ولده «2».

و من الظاهر انه علي فرض تمامية الأخبار الدالة علي الحقوق سندا و لو في الجملة لا تكون الحقوق المذكورة في هذه النصوص من الحقوق الواجبة نعم لا شبهة في استحبابها و أما سقوطها في مقابل عدم وفاء الطرف بها كما ذهب إليه الشيخ فلا دليل عليه.

و ما يدل علي السقوط ضعيف سندا لاحظ ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال قام الي أمير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة قال: أخبرنا عن الأخوان فقال الأخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فأما اخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و أعنه و أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر و أما أخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن

______________________________

(1) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 7

(2) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 1، ص: 315

ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان «1».

و لاحظ ما رواه الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي أ رأيت من قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه؟

قال: قلت لا قال فاذا كان ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتي يجد له ازارا؟ قال: قلت: لا قال فضرب بيده علي فخذه ثم قال: ما هؤلاء باخوة «2».

و لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اختبروا اخوانكم بخصلتين فان كانتا فيهم و الا فاعزب ثم أعزب ثم اعزب المحافظة علي الصلوات في مواقيتها و البر بالأخوان في العسر و اليسر «3». و هذه الروايات كلها ضعيفة سندا و لكن لا تخلو عن التأييد للمدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: فان اراد من المستور من حيث ذلك المقول و افق الاخبار … »

اذ المستفاد من الأخبار ان الميزان في تحقق الغيبة كون المقول مستورا فان اراد صاحب الصحاح كون المقول مستورا يكون كلامه موافقا مع الأخبار و ان اراد من المستور كون الإنسان الفاسق مستورا في مقابل المتجاهر يمكن كون كلامه موافقا و يمكن كونه مخالفا أما كونه موافقا فقد ظهر وجهه آنفا و أما احتمال كونه مخالفا فلانه يمكن أن يكون المرتكب للذنب مستورا و لكن ذنبه يكون معلوما و منكشفا فيكون التفسير عليه مخالفا مع الميزان الذي يفهم من النصوص فلاحظ.

[المسألة الخامسة عشرة القمار حرام إجماعا]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامسة عشرة القمار حرام

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب احكام

العشرة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 103 من ابواب احكام العشرة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 316

اجماعا … »

ينبغي أن يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين احدهما في تحقيق موضوع القمار ثانيهما في حكمه بحسب ما يستفاد من الأدلة فنقول أما

المقام الأول [تحقيق موضوع القمار]

فالعنوان الذي ترتب عليه الحكم في الكتاب أو السنة عنوان الميسر و عنوان القمار فلا بد من تحقيق مفاد العنوانين المذكورين قال سيدنا الأستاد: «ان المستفاد من كلمات أهل العرف و اللغة ان القمار و كذلك الميسر موضوع للعب باي شي ء مع الرهان و يعبر عنه في لغة الفارس بكلمة «برد و باخت» و عليه فاللعب بالآلات بدون الرهن خارج عن المطلقات موضوعا و تخصصا الخ «1».

و عن القاموس و لسان العرب «تقمره راهنه فغلبه» و قال في مجمع البحرين «و تقامر و العبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدة له علي اختلاف انواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك و اصل القمار الرهن علي اللعب بالشي ء من هذه الأشياء و ربما اطلق علي اللعب بالخاتم و الجوز» و قال في مادة يسر «الميسر القمار» و قال في المنجد في مادة قمر «قمر قمرا راهن و لعب في القمار» و قال أيضا «تقامر القوم راهنوا و لعبوا في القمار» و قال في مادة يسر «الميسر كل قمار».

و قال في الجواهر «بل قيل ان اصل القمار الرهن علي اللعب بشي ء من الآلة كما هو ظاهر القاموس و النهاية أو صريحهما و صريح مجمع البحرين نعم عن ظاهر الصحاح و المصباح المنير و كذلك التكملة و الذيل انه قد يطلق علي اللعب بها بها مطلقا مع الرهن و دونه الخ «2».

و أيضا

عن القاموس «قامره مقامرة و قمارا كنصره و تقمر راهنه فغلبه و هو التقامر» و عن تعريفات الشريف الجرجاني «القمار أن يأخذ من صاحبه شيئا فشيئا في اللعب».

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 372

(2) الجواهر ج 22 ص: 109

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 317

فالمتحصل من الكلمات ان القمار موضوع للعب مع الرهان و علي فرض الشك يكون القدر المعلوم ما ذكر و مع الشك في الصدق لا مجال للأخذ بالدليل لعدم جواز الأخذ بالعموم أو الإطلاق في الشبهة المصداقية علي ما هو المقرر عند القوم فلا بد من التحفظ علي الرهن في صدق المفهوم و هذا بالنسبة الي اللعب بالآلة المعدة للقمار ظاهر و أما اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن فهل يكون معنونا بعنوان القمار أم لا؟ يظهر من كلام مجمع البحرين اختصاص المفهوم بالمورد اللعب بالآلة المعدة مع الرهن و مع الشك لا بدّ من الاقتصار علي ما يحتمل دخله في الصدق.

ان قلت التعريف المذكور في عبارة المجمع يستلزم الدور اذ قد أخذ في تعريف القمار نفس العنوان قلت لا يبعد أن يكون الوجه فيه الفرق بين المعرف بالكسر و المعرف بالفتح بالإجمال و التفصيل فلا دور نعم لو تبادر من اللفظ عند العرف الأعم أو صدق العنوان بلا عناية بحيث علم ان اللفظ موضوع للأعم نلتزم بسعة المفهوم و ببركة الاستصحاب القهقري نحكم بأن اللفظ موضوع للأعم هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في حكم القمار]
اشارة

فيقع الكلام فيه في فروع:

الفرع الأول اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن من حيث الحكم التكليفي
اشارة

و ما يمكن أن يستدل به علي حرمته وجوه:

الوجه الأول: اجماع علماء الإمامية و اتفاقهم علي حرمته

بل حرمته في الجملة مورد تسالم جميع علماء الإسلام بل يمكن أن يقال ان حرمته في الجملة مورد ضرورة مذهب الإسلام.

الوجه الثاني: قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

«1» فانه امر في الآية الشريفة بالاجتناب عن الميسر و الميسر عبارة عن القمار كما تقدم

______________________________

(1) المائدة/ 90

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 318

في المقام الأول فيجب الاجتناب عن الميسر و اللعب به يضاد الاجتناب ان قلت قد فسر الميسر في بعض النصوص بالشطرنج لاحظ ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام النرد و الشطرنج هما الميسر «1».

و ما رواه عبد الملك القمي قال: كنت انا و ادريس أخي عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال ادريس: جعلنا فداك ما الميسر؟ فقال أبو عبد اللّه: هي الشطرنج قال: قلت: انهم يقولون: انها النرد قال: و النرد أيضا 2 فدلالة الآية علي الحرمة تختص بخصوص اللعب بالشطرنج قلت أولا ما ذكر من النص ضعيف سندا و ثانيا يعارضه ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» قال: أما الخمر فكل مسكر من الشراب «الي أن قال» و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر و أما الأنصاب فالأوثان التي كانت تعبدها المشركون و أما الأزلام فالأقداح التي كانت تستقسم بها المشركون من العرب في الجاهلية، كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشيطان و قرن اللّه الخمر و الميسر مع الأوثان «3».

لكن حديث أبي الجارود أيضا ضعيف للإرسال فان الرجل من

اصحاب الباقر و لا يمكن أن يروي عنه القمي بلا واسطة نعم يكفي لإثبات المدعي ما رواه معمر بن خالد عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «4»

الفرع الثاني: اللعب بالآلات المعدة للقمار بلا رهن
اشارة

و عن المستند عدم الخلاف في حرمته و يمكن الاستدلال علي حرمته بوجوه

الوجه الأول: اطلاق قوله تعالي إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 2 و 5

(3) الوسائل الباب 102 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

(4) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 319

مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ «1» فان مقتضي اطلاق الميسر حرمة مطلق اللعب بالآلات و فيه انه قد مر ان الميسر فسر بالقمار و أيضا مران صدق القمار علي اللعب بالآلة بلا رهن محل الكلام و الأشكال و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالإطلاق كما هو المقرر

الوجه الثاني: ما رواه ابو الجارود

«2» فانه قد صرح في الحديث بان كل قمار ميسر فاللعب و لو مع عدم الرهن حرام و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا صدق العنوان بلا رهن اوّل الكلام.

الوجه الثالث: ما رواه معمر بن خالد

«3» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان كل قمار ميسر و فيه ان القمار اذا كان متقوما بالرهن لا يصدق علي اللعب بلا رهن و لو شك في الصدق لا يجوز الأخذ بالإطلاق فالجزم بالحرمة في مفروض الكلام مشكل و مقتضي الأصل الأولي شرعا و عقلا هو الجواز و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال بكل حديث يكون مفاده مثل مفاد حديث ابن خالد.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن علي

عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: كل ما إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «4» فان مقتضي هذه الرواية ان كل شي ء يلهي عن ذكر اللّه من الميسر فيحرم و من الظاهر ان ما نحن فيه كذلك و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و ثانيا ان الالتزام بظاهره يستلزم الالتزام بحرمة كثير من المباحات و هو كما تري و بعبارة اخري: الالتزام بحرمة مطلق اللهو مخالف لضرورة الدين.

الوجه الخامس ما رواه الفضيل

قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الأشياء

______________________________

(1) المائدة 90

(2) راجع ص 318

(3) راجع ص 318

(4) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 320

التي يلعب بها الناس: النرد و الشطرنج حتي انتهيت الي السدر، فقال: اذا ميز اللّه الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قال: مع الباطل قال فمالك و للباطل «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث حرمة الباطل علي الإطلاق و المقام داخل فيه فيكون حراما و فيه أولا ان الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و ثانيا ان المراد بالباطل ان كان هو الحرام فدخول المقام فيه اوّل الكلام و ان كان المراد من الباطل ما يكون مقابل الواجب و المستحب يلزم أن يكون جميع الأمور المباحة محرمة و أني لنا بذلك.

الوجه السادس جملة من النصوص

منها ما رواه ابو بصير «2» و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الشطرنج ميسر و النرد ميسر «3» و منها ما رواه عبد الملك القمي «4».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عن اللعب بالنرد و الشطرنج و الكوبة و العرطبة و هي الطنبور و العود و نهي عن بيع النرد «5».

و منها ما في المقنع قال: اتق النرد فان الصادق عليه السلام نهي عن ذلك 6

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام قال: النرد و الشطرنج من الميسر 7.

و منها ما رواه حماد

بن عيسي قال دخل رجل من البصريين علي أبي الحسن الأول

______________________________

(1) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) راجع ص 318

(3) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(4) راجع ص 318

(5) (5 و 6 و 7) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب الحديث 6 و 7 و 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 321

عليه السلام فقال له جعلت فداك أني أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست العب بها، و لكن أنظر فقال ما لك و لمجلس لا ينظر اللّه الي اهله «1».

و منها ما رواه ابن رئاب قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت له:

جعلت فداك ما تقول في الشطرنج فقال: المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قال:

فقلت: ما علي من قلب لحم الخنزير قال يغسل يده 2.

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر و اللعب بها شرك و السلام علي اللاهي بها معصية و كبيرة موبقة و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير لا صلاة له حتي يغسل يده كما يغسلها من مس لحم الخنزير و الناظر إليها كالناظر في فرج أمه و اللاهي بها و الناظر إليها في حال ما يلهي بها و السلام علي اللاهي بها في حالته تلك في الأثم سواء و من جلس علي اللعب بها فقد تبوء مقعده من النار و كان عيشه ذلك حسرة عليه في القيامة، و اياك و مجالسة اللاهي و المغرور بلعبها فانها من المجالس التي باء أهلها بسخط من اللّه يتوقعونه في كل ساعة فيعمك

معهم «3».

فانها تدل علي حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون اللعب مع الرهن أو بدونه، و فيه انه علي تقدير تمامية اسنادها أو بعضها يكون الحكم مختصا بمورده و لا مقتضي لاسرائه الي غير ذلك المورد.

الفرع الثالث: اللعب بالآلات غير المعدة للقمار مع الرهن و انه هل يكون حراما؟
ما يمكن أن يستدل به علي الحرمة وجوه
الوجه الأول: الإجماع

و فيه ان الإجماع ان كان منقولا لا يكون حجة و ان كان محصلا يكون محتمل المدرك اذ يحتمل استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 103 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 322

كاشفا.

الوجه الثاني: صدق القمار عليه

فان القمار فسر باللعب بالآلة مع الرهن و تقييد الآلة بالمعدة للقمار دور. و فيه انه قد سبق منا انه لا دور و قلنا ان الفرق بين المعرف بالفتح و المعرف بالكسر بالإجمال و التفصيل و بعبارة اخري: المركوز في الذهن بحسب التبادر اذا كان اللعب بالآلات المعدة مع الرهن فلا مانع من تعريف القمار و تفصيله بما يكون مركوزا في الذهن و ان شئت قلت: اذا كان التبادر من هذا اللفظ عند العرف اللعب بالآلة المعدة مع الرهن و لم يصدق العنوان علي ما لا يكون كذلك يعلم ان اللفظ خاص بالمقيد بل ذكرنا مرارا ان مقتضي الاستصحاب عدم كون اللفظ موضعا لمورد الشك فبالأستصحاب يحرز عدم صدق العنوان فلا يكون حراما بل مع الشك في الصدق يحكم بالإباحة ببركة اصالة البراءة شرعا و قبح العقاب بلا بيان عقلا.

و قال سيدنا الأستادان لفظ القمار يرادف كلمة (برد و باخت) في لغة الفرس و يرد عليه ان لازمه حرمة مجرد المغالبة علي الإطلاق و لو مع عدم الرهن و هو كما تري مضافا الي أنه مناقض لتصريحه بأن المستفاد من كلمات اهل اللغة كون لفظ القمار موضوعا لأن يلعب بالآلة المعدة للقمار مع الرهن نعم قد ذكرنا سابقا انه لو صح اطلاق القمار بماله من المعني المركوز في

الذهن علي اللعب بالآلة غير المعدة يمكن اثبات سعة المفهوم بالاستصحاب القهقري الذي يعبر عنه باصالة عدم النقل و هذا اصل لفظي عقلائي و مع الأصل المذكور لا تصل النوبة الي استصحاب عدم كون اللفظ موضوعا للأعم فانه مع الأصل اللفظي لا مجال للأصل العملي.

الوجه الثالث: النصوص الدالة علي اختصاص جواز الرهن بموارد خاصة

فيكون غير تلك الموارد حراما بمقتضي مفهوم الحصر منها ما رواه محمد بن علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 323

بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، و قد سابق رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أسامة بن زيد و أجري الخيل «1».

و منها ما رواه العلاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول:

لا بأس بشهادة الذي يلعب بالحمام و لا بأس بشهادة المراهن عليه فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد أجري الخيل و سابق و كان يقول: ان الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك فهو قمار حرام «2».

و منها ما رواه زيد النرسي في اصله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: اياكم و مجالسة اللعان فان الملائكة لتنفر عند اللعان و كذلك تنفر عند الرهان و اياكم و الرهان الا رهان الخف و الحافر و الريش فانه تحضره الملائكة «3»

و منها ما عن دعائم الإسلام عن علي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه رخص في السبق بين الخيل و سابق بينها و جعل في ذلك أواقي من فضة، و قال: «لا سبق الا في ثلاث: في خف أو حافر أو

نصل يعني بالحافر الخيل و الخف الإبل و النصل نصل السهم يعني رمي النبل «4» و هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فعلي تقدير دلالتها لا يترتب عليها اثر لعدم قابليتها للاستناد إليها.

الوجه الرابع: ما رواه ياسر الخادم

عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر قال: النعل من كل شي ء قال: و النعل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالخادم مضافا الي أنه لا يستفاد من الحديث حرمة نفس

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب السبق و الرماية الحديث 6

(2) الوسائل باب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 3

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 323

(3) المستدرك الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 3

(5) الوسائل الباب 104 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 324

اللعب بل المستفاد منه ان الرهن حرام.

الوجه الخامس: ما رواه معمر بن خالد

«1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان كل ما قومر عليه فهو مصداق للميسر و المقام كذلك و فيه ان كون اللعب مع الرهن بغير الآلات المعدة مصداق للقمار اوّل الكلام و الأشكال.

الوجه السادس: ما رواه جابر

عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أنزل اللّه علي رسوله صلي اللّه عليه و آله «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟ فقال كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز قيل: فما الأنصاب قال ما ذبحوا لآلهتهم. قيل فما الأزلام؟ قال قداحهم التي يستقسمون بها «2» بتقريب ان القمار بكل شي ء حتي بالجوز مصداق للميسر و يكون حراما و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به

الوجه السابع ما رواه عبد الحميد

قال بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتي به أكله فقال له مولي له ان فيه من القمار قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه «3».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان اللعب بغير الآلات المعدة مصداق للقمار و فيه ان السند ضعيف فلا يعتد بالرواية مضافا الي النقاش في الدلالة فان مورد الاستدلال ان كان قول المولي للإمام عليه السلام فيه من القمار حيث استعمل لفظ القمار باللعب بغير الآلات فجوابه ان الاستعمال اعم من الحقيقة و ان كان وجه الاستدلال ان الإمام تقيا فلا يدل فعله علي حرمة اللعب بل غايته الدلالة علي حرمة التصرف في المال الذي اخذ بسبب القمار مع ان مجرد اللعب لا يستلزم اخذ شي ء اذ يمكن ان لا يغالب احد الطرفين الأخر فالمتحصل مما ذكرنا عدم الدليل علي

______________________________

(1) لاحظ ص 318

(2) الوسائل الباب 35 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 325

حرمة اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن.

بقي شي ء و هو انه هل يمكن أن يصدر من الإمام عليه السلام المحرم الواقعي في حال كونه جاهلا بالواقع أم لا؟
اشارة

و يقع الكلام في هذه الجهة في موردين

المورد الأول: انه هل يتصور الجهل في الإمام أم لا؟

و يمكن أن يقال بأنه عليه السلام عالم بالفعل بجميع العوالم و بكافة الأمور و لكن لا يكون موظفا أن يعمل علي طبق علمه الواقعي بل وظيفته العمل علي طبق الموازين الظاهرية و ربما يقال ان علمه عليه السلام بالأمور ارادي ففي كل مورد يريد أن يعلم يكون عالما و الا فلا و تفصيل البحث موكول الي مجال آخر.

المورد الثاني انه هل يمكن أن يصدر عنه المحرم الواقعي أو ترك الوظيفة الواقعية

يأن يتوضأ بالمضاف عن جهل و يأتي بالصلاة الفاقدة للطهارة أو يشرب النجس الي غير ذلك من موارد ترك الواجب أو فعل الحرام و الإنصاف انه يشكل الالتزام به مع كونه معصوما طاهرا مطهرا بمقتضي آية التطهير فان ارتكاب المحرم سيما اذا كان الحرام من المعاصي الكبيرة اما ناش من الغفلة و اما ناش من عدم المبالات بالحكم الإلهي و الا يكون مقتضي القاعدة الاحتياط و التورع و هل يمكن أن يتصور ذلك بالنسبة الي مقامه الشامخ؟ كلّا ثم كلا.

و صفوة القول ان جميع ما ينافي العصمة منفي عنه بمقتضي آية التطهير الا ان يقال ان الكلام في الصغري فان المستفاد من الآية الشريفة ان اللّه اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا ان الذي اذهب عنهم عبارة عن الرجس الذي يعبر عنه في لغة الفرس ب (پليدي) فنقول هل يكون ارتكاب المحرم مع الجهل بالواقع رجسا كي ينافي آية التطهير و لقائل ان يقول ان الفعل المحرم رجس فلا يمكن ان يرتكبه المعصوم عليه السلام و الأولي بل المتعين احالة الأمر الي الواقع و عدم الخوض في هذه المرحلة من البحث اعاذنا اللّه من الزلل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 326

الفرع الرابع: انه هل يجوز اللعب بالآلة غير المعدة بلا رهن
اشارة

ربما يستدل علي حرمته بوجوه

الوجه الأول الإجماع

و حال الإجماع في مثل المقام ظاهر فان الإجماع المنقول لا يكون حجة و الإجماع المحصل علي فرض تحققه محتمل المدرك فلا اثر للإجماع.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما رواه حفص عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا سبق الا في خف او حافر او نصل يعني النضال «1».

و منها ما رواه الوشاء عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: لا سبق الا في خف او حافر او نصل يعني النضال 2.

و منها ما رواه الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا سبق الا في حافر او نصل او خف «3»، و منها ما عن دعائم الإسلام عن علي عليه السلام «4».

و منها ما عن ابن ابي جمهور في درر اللآلي عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله) انه قال: لا سبق الا في نصل او خف او حافر و روي «سبق» بسكون الباء و فتحها «5».

بتقريب ان لفظ سبق المذكور في النصوص بسكون الباء فالمنهي عنه السبق و الغلبة و فيه أولا ان النصوص المشار إليها ضعيفة سندا الا حديث ابن علوان فان حديثه تام من حيث السند و يكفي للاستدلال ان كان تاما دلالة أيضا و ثانيا ان غاية ما في الباب ان يكون الباء المذكور في الكلمة مرددا بين كونه متحركا او ساكنا

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) راجع ص 323

(5) المستدرك الباب 3 من ابواب السبق و الرماية الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 327

و مع الترديد و احتمال كلا الطرفين

يكون اللفظ مجملا و مع اجمال اللفظ لا مجال للاستدلال به.

الوجه الثالث: دعوي صدق عنوان القمار علي اللعب و مطلق المغالبة و لو مع عدم الرهن.

و فيه: ان صدق عنوان القمار علي اللعب بالآلة غير المعدة مع الرهن محل الأشكال فكيف بصدقه علي اللعب بدون الرهن.

الوجه الرابع: ما رواه عبد اللّه بن علي

عن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: كل ما إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «1» فان مقتضي هذه الرواية ان كل شي ء إلهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر و اللعب و لو مع عدم الرهن يوجب الإلهاء عن ذكر اللّه فهو حرام. و فيه أولا ان السند ضعيف فلا يعتد بالحديث و ثانيا انه إن كان المراد بالإلهاء عن ذكر اللّه كل عمل لا يكون عباديا يلزم أن يكون جميع المباحات و المكروهات من المحرمات و هو كما تري، و ان كان المراد ان كل فعل يوجب الغفلة عن ذكر اللّه بحيث يكون الشاغل به غافلا عن اللّه تبارك و تعالي يلزم حرمة كل عمل مباح اذا اوجب الغفلة عن ذكر اللّه و اني لنا بذلك و مضافا الي ان اللعب علي الإطلاق مما يوجب الإلهاء عن ذكره تعالي اوّل الكلام و الأشكال و بعبارة اخري: لا نري تنافيا بين اللعب و ذكر اللّه تعالي فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الخامس: انه قد دل بعض النصوص علي حرمة الشطرنج و النرد

منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن اللعب بالشطرنج و النرد «2».

و منها ما رواه ابو الربيع الشامي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

(2) الوسائل باب 102 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 328

الشطرنج و النرد فقال: لا تقربوهما قلت: فالغناء قال لا خير فيه لا تقربه الحديث «1»:

و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الشطرنج ميسر

و النرد ميسر «2». و منها ما رواه اسماعيل الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام قال: الشطرنج و النرد ميسر 3.

و منها: ما رواه زيد الشحام عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: الرجس من الأوثان الشطرنج «4».

و منها ما ارسله ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: الرجس من الأوثان هو الشطرنج «5».

و منها ما عنه عليه السلام أيضا انه سئل عن الشطرنج فقال: دع المجوسية لأهلها «6».

و منها: ما رواه ابو الجارود عن ابي جعفر عليه السلام قال عليه السلام و اما الميسر فالنرد و الشطرنج «7».

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين اشتراط الرهن و عدمه. و فيه انه علي فرض تمامية تلك النصوص سندا و دلالة لا يمكن اثبات المدعي في المقام فانه حكم خاص وارد في اطار مخصوص و لا وجه للتعدي منه الي المقام و نتعرض لحكم الشطرنج إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 14 و 15

(4) نفس المصدر الحديث 1

(5) نفس المصدر الحديث 3

(6) نفس المصدر الحديث: 7

(7) نفس المصدر الحديث: 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 329

الوجه السادس: انه يستفاد من بعض النصوص ان اللعب مكروه عند الشارح

لاحظ حديث ابن المختار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اللعب بالشطرنج فقال ان المؤمن لمشغول عن اللعب «1».

و حديث زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شبيب التي يقال لها: لعبة الأمير و عن لعبة الثلث فقال أ رأيتك اذا ميز اللّه الحق و الباطل مع ايهما تكون؟ قال: مع الباطل قال: فلا خير فيه 2.

و فيه انه لا اشكال في عدم حرمة

مطلق اللهو مضافا الي انه ربما يكون في اللعب غرض عقلائي بل ربما يكون مصداقا للعبادة اذا تحقق بغرض إلهي فانقدح مما تقدم عدم قيام دليل علي المدعي مضافا الي انه لا اشكال في جواز اللعب و المغالبة بغير الآلة المعدة بلا رهن بل في الجملة امر متعارف و مستمر بين المتشرعة كالمشاعرة و المسابقة في السباحة و العدو و امثالها و اللّه العالم.

الفرع الخامس: انه هل يحرم اللعب بالشطرنج و لو مع عدم الرهان؟

تدل علي حرمته جملة من النصوص منها ما رواه عبد الأعلي قال سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء قلت قول اللّه عز و جل «وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ» قال منه الغناء «3».

و منها ما رواه هشام عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالي: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء 4.

و منها ما رواه زيد الشحام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز و جل

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 11 و 5

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب الحديث 20 و 26

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 330

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال الرجس من الأوثان الشطرنج و قول الزور الغناء «1».

و منها مرسلة ابن ابي عمير عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» قال: الرجس من الأوثان هو الشطرنج و قول الزور الغناء 2.

و

منها ما عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أن للّه عز و جل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار الا من افطر علي مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين قلت: و أي شي ء صاحب الشاهين، قال الشطرنج «3».

و منها ما رواه الحسين بن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يغفر اللّه في شهر رمضان الا لثلاثة: صاحب مسكر أو صاحب شاهين أو مشاحن «4».

و منها ما رواه السكوني «5» و منها ما رواه ابو الربيع الشامي «6» و منها ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام «7».

و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام «8» و منها ما رواه عبد اللّه بن جندب «9» و منها ما رواه اسماعيل الجعفي «10».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 102 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 4

(4) نفس المصدر الحديث 6

(5) راجع ص 327

(6) راجع ص 327

(7) راجع ص 318

(8) لاحظ ص: 329

(9) لاحظ ص: 328

(10) لاحظ ص: 328

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 331

و منها ما رواه «المصدق» مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: لا تسلموا علي اليهود و لا النصاري و لا علي المجوس و لا علي عبدة الأوثان و لا علي شراب الخمر و لا علي صاحب الشطرنج و النرد «1» و منها ما رواه حماد بن عيسي «2».

و منها ما عن سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: المطلع في الشطرنج كالمطلع في النار «3» و منها ما عن جامع البزنطي عن أبي

بصير «4».

و منها ما رواه معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «5» و منها ما رواه عبد اللّه عند اللّه بن جندب 6 و منها ما عن الحسين بن زيد «7».

و منها ما عن اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال. الشطرنج ميسر و النرد ميسر 8 و منها ما عن موسي بن جعفر عن ابيه جعفر بن محمد عليهما السلام 9.

و هذه النصوص و ان كان اكثرها ضعيفة سندا لكن يكفي لاثبات المدعي المعتبر منها مضافا الي أن الظاهر وصولها الي حد التواتر فلا مجال للتأمل و الأشكال في حرمة اللعب به.

الفرع السادس: أنه يحرم الحضور عند من يلعب بالشطرنج

و يحرم الحضور

______________________________

(1) الوسائل الباب 28 من ابواب احكام العشرة الحديث: 7

(2) راجع ص 320

(3) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(4) لاحظ ص. 321

(5) (5 و 8) الوسائل الباب 104 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 8

(7) (7 و 6 و 9) لاحظ 320

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 332

في مجلس يلعب به لاحظ ما رواه حماد بن عيسي «1» فان مقتضي هذا الحديث حرمة الحضور في مجلس الشطرنج و لكن للمناقشة في الاستدلال علي المدعي بهذا الحديث مجال فمقتضي النظر الدقيق في الحديث عدم دلالته علي حرمة الحضور و اللّه العالم: و لاحظ ما رواه ابو بصير «2» فانه يستفاد من هذه الرواية كما تري حرمة جملة من الأمور المذكورة في الحديث فلاحظ.

الفرع السابع: هل اللعب بالنرد حرام و لو مع عدم الرهن؟

يستفاد من بعض النصوص حرمته لاحظ ما رواه ابن خلاد «3» فانه يستفاد من هذه الرواية أن الشطرنج و النرد و الأربعة عشر بمنزلة واحدة فكما ان الشطرنج حرام و لو مع عدم الرهن كذلك النرد و الأربعة عشر.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه ابو بصير «4» و منها ما رواه الفضيل «5» و منها ما رواه عبد الملك القمي «6» و منها ما رواه حسين بن زيد «7» و منها ما في المقنع «8» و منها ما رواه ابن جعفر «9» و منها ما رواه ابن جندب «10».

الفرع الثامن: أنه اذا جعل الرهن في اللعب بالآلات المعدة فهل يملك الرهن

______________________________

(1) لاحظ ص 320

(2) لاحظ ص 321

(3) لاحظ ص 331

(4) لاحظ ص: 318

(5) لاحظ ص 319

(6) لاحظ 318

(7) لاحظ ص: 320

(8) لاحظ ص: 320

(9) لاحظ ص: 320

(10) لاحظ ص: 328

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 333

و بعبارة اخري: القمار كما أنه حرام تكليفا حرام وضعا أم لا؟ ربما يقال أنه لا تلازم بين الحرمة التكليفية و الفساد الوضعي و يمكن الاستدلال علي الحرمة الوضعية بقوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1» فان المستفاد من الآية الشريفة أن أكل المال بكل سبب من الأسباب حرام الا بالتجارة عن تراض و من الواضح ان القمار لا يعد من التجارة مضافا الي حديث زياد بن عيسي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله «قول اللّه خ ل» عز و جل «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» فقال كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله فنهاهم اللّه عز و جل عن ذلك «2» فان مقتضي الحديث المذكور أن شأن نزول الآية الشريفة أكل المال بالقمار.

و

يؤيد المدعي حديثان آخر ان أحدهما ما رواه اسباط بن سالم قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فجاء رجل فقال: أخبرني عن قول اللّه عز و جل «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال: يعني بذلك القمار «3».

و ثانيهما ما رواه محمد بن علي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال: نهي عن القمار و كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله فنهاهم اللّه عن ذلك 4.

و يؤيد المدعي أيضا ما رواه ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال سألته عن الميسر قال: التفل من كل شي ء قال: الخبز و التفل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيره «5».

______________________________

(1) النساء/ 29

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(5) نفس المصدر الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 334

أضف الي ذلك كله ان حرمة المال المأخوذ من القمار من الواضحات الأولية التي لا مجال للريب فيها.

الفرع التاسع: انه هل يحل الرهن المجعول في اللعب بغير الآلات المعدة

كما لو لعبا بالجوز مع الرهن ما يمكن ان يستدل به علي الفساد وجهان: احدهما ان المستفاد من الآية الشريفة «1» الدالة علي عدم جواز اكل مال الغير يغير التجارة بطلان المعاملة الواقعة بالقمار ان قلت: ان الآية الشريفة تدل علي جواز الأكل بالتجارة و اللعب بغير الآلات المعدة لا يكون مصداقا للقمار كما مر فيدخل تحت عنوان التجارة عن تراض قلت أولا انه يحتمل كون التجارة عبارة عن البيع فغير البيع لا يكون تجارة و ثانيا ان صدق التجارة و لو بمعناها الأعم علي

المراهنة محل الكلام و الأشكال و بعبارة اخري هل يمكن الجزم بصدق عنوان التجارة علي اللعب بالخاتم مثلا.

ثانيهما: ما رواه محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السلام قال: قضي امير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و أصحاب له شاة فقال: ان أكلتموها فهي لكم و ان لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضي فيه أن ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه و ما كثر و منع عن أمة فيه «عن الغرامة ظ» «2».

فان المستفاد من الحديث بالفهم العرفي عدم جواز المراهنة في المؤاكلة و فسادها و الحديث باحد سنديه تام الا أن يقال الحكم الوارد فيه يختص بباب المؤاكلة و لا وجه لأسراء الحكم الي جميع موارد المراهنة و اللّه العالم.

«قوله: نعم قد يبعد … »

لم أفهم الفارق بين المقامين فان الانصراف المدعي في غير هذه الرواية اذا

______________________________

(1) لاحظ 333

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الجعالة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 335

كان تاما يكون في هذه الرواية كذلك بلا فرق اذ لا وجه للتفرقة.

«قوله قدس سره: و الاولي الاستدلال … »

يرد عليه أولا ان الحديث المشار إليه ضعيف سندا و ثانيا أن صدق عنوان ما يجي ء منه الفساد محضا علي الآلة المعدة للقمار اوّل الكلام.

«قوله قدس سره: نذر له لا كفارة له … »

اذ الكفارة للنذر الشرعي و لم يتحقق النذر في المقام كما هو المفروض فلا كفارة لحنثه.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه التأمل أن المؤاكلة مجرد مواضعة بين الطرفين و لا يكون من أقسام اللعب بل لا يكون مصداقا للمسابقة أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله ناظر الي أنه لا تنافي بين مغايرة الآلة و نفس

العمل و بين كون الآلة دخيلة في المفهوم و ببيان أوضح أن الشطرنج مثلا مفهوم يغاير مفهوم اللعب به و لكن مع ذلك يمكن أن يكون القمار عبارة عن اللعب بالآلة المعدة مع العوض فلاحظ.

[المسألة السادسة عشرة القيادة حرام]

«قوله قدس سره: السادسة عشرة القيادة حرام … »

قال في مجمع البحرين «القواد بالفتح و التشديد هو الذي يجمع بين الذكر و الأنثي حراما» و تدل جملة من النصوص علي حرمتها منها ما رواه و رام بن أبي فراس في كتابه عن النبي صلي اللّه عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال لثلاثة المحتكرين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 336

و المدمنين الخمر و القوادين «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة و المستوصلة يعني الزانية و القوادة «2».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال:

و من قاد بين امرأة و رجل حراما حرم اللّه عليه الجنة و مأواه جهنم و ساعت مصيرا و لم يزل في سخط اللّه حتي يموت 3.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أخبرني عن القواد ما حده؟ قال: لاحد علي القواد أ ليس انما يعطي الأجر علي أن يقود؟ قلت جعلت فداك انما يجمع بين الذكر و الأنثي حراما قال: ذاك المؤلف بين الذكر و الأنثي حراما فقلت: هو ذاك قال: يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من

المصر الذي هو فيه الحديث «4».

و منها مرسلة الصدوق قال و في خبر آخر: لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة و الموتصلة يعني الزانية و القوادة في هذا الخبر 5.

و منها ما رواه سعد الإسكاف قال سئل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رءوسهن يصلنه بشعورهن فقال لا بأس علي المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: فقلت بلغنا أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة فقال: ليس هنا لك انما لعن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء الي الرجال فتلك الواصلة و الموصولة «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 11

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 27 من أبواب النكاح المحرم و ما يناسبه الحديث 1 و 2

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 5 من ابواب حد السحق و القيادة الحديث 1 و 2

(6) الوسائل الباب 19 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 337

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام و لا شبهة في حرمتها وضعا و تكليفا بل ذلك من ضروريات الإسلام و هي من الكبائر الموبقة و الجرائم المهلكة).

[المسألة السابعة عشرة القيافة حرام في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة عشرة القيافة حرام في الجملة … »

قال الماتن قدس سره و القائف كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار الخ و يقع الكلام في المقام في فروع:

الفرع الأول: هل يجوز تعليم علم القيافة أو تعلمه أم لا؟

الظاهر انه لا دليل علي الحرمة هذا من ناحية و من ناحية اخري مقتضي الأصل الأولي شرعا و عقلا هو الجواز.

الفرع الثاني: هل يجوز ترتيب الأثر العملي علي علم القيافة أم لا؟

و بعبارة اخري: هل يجوز للقائف ترتيب الأثر علي علم قيافته الحق انه اذا حصل العلم بأمر له و لو من هذا الطريق لا مانع من ترتيب الأثر كان يقال هذا من فلان فان العلم حجة ذاتي فلا اشكال فيه بل يمكن أن يقال بجواز ترتيب الأثر علي الاطمينان بعد بعد فرض كونه حجة عقلائية.

الفرع الثالث: هل يجوز ترتيب الأثر العملي علي قول القائف أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يقال المقرر عند القوم ان الجاهل وظيفته الرجوع الي العالم فاذا كان القائف لا ينحرف عن الجادة و ما يقول مستند الي المباني الصحيحة يكون حجة لمن راجعه و بعبارة اخري: قول اهل الخبرة حجة للجاهل و علي الجملة:

المقام احد مصاديق هذه الكبري الا أن يقوم دليل علي الخلاف.

و قد ورد في المقام بعض النصوص لاحظ ما رواه زكريا بن يحيي قال سمعت علي بن جعفر يحدث الحسين بن الحسين ابن علي بن الحسين فقال: و اللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال له الحسن اي و اللّه جعلت فداك لقد بغي عليه اخوته فقال علي بن جعفر اي و اللّه و نحن عمومته بغينا عليه فقال له الحسن جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم احضركم قال: قال له اخوته و نحن أيضا: ما كان فينا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 338

امام قط حائل اللون فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني قالوا: فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة قال: ابعثوا انتم إليهم فأما أنا فلا الخ «1».

و هذه الرواية يستفاد منها اعتبار قول القائف حيث ان الإمام عليه السلام أمر بالعبث الي القافة و الإتيان بهم لكن الحديث ضعيف سندا بزكريا

و لاحظ ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي اللّه عليه و آله قال: قلت فالقيافة «فالقافة خ ل» قال: ما أحب أن تأتيهم، و قيل: ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون فقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي اللّه عليه و آله «2».

و هذه الرواية ضعيفة بالبطائني فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها كي يقال انه لا يبعد أن يستفاد منها عدم اعتبار قول القائف و لاحظ ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن اتيان العراف و قال من أتاه و صدقه فقد برئ مما أنزل اللّه عز و جل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «3» و الرواية ضعيفة سندا و اما دلالتها علي عدم اعتبار قول القائف تامة ان قلنا بأن العراف هو القائف قال في الوسائل بعد نقل الخبر (أقول فسر بعض اهل اللغة العراف بالكاهن و بعضهم بالمنجم) و علي التفسيرين المذكورين لا تكون الرواية مربوطة بالمقام فلاحظ ان قلت ان النصوص الخاصة الواردة في المقام و ان لم تف بالمقصود و عدم اعتبار قول القائف بلحاظ الخدش في السند أو الدلالة أو كليهما لكن يكفي لعدم اعتبار قول القائف الآيات و الروايات التي تنهي عن العمل بغير العلم و ان الظن لا يغني عن الحق شيئا مضافا الي أن

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص: 322 حديث: 14

(2) الوسائل الباب 26 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2

(3) نفس

المصدر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 339

مقتضي الاستصحاب عدم النسبة بين فلان و فلان و لا يجوز رفع اليد عن الاستصحاب الا بالأمارة المعتبرة و علم القيافة ليس منها.

قلت: الجواب عن الإيراد المذكور ما ذكرناه من أن مقتضي رجوع الجاهل الي العالم اعتبار قول القائف و بعبارة واضحة: ان مقتضي السيرة العقلائية اعتبار قول اهل الخبرة و ترتيب الأثر بقوله لا يكون عملا بالظن بل عمل بالأمارة و ان شئت قلت: ما الفرق بين المقام و العمل بقول الثقة في الأحكام و أيضا العمل بقوله في الموضوعات فكما ان السيرة الجارية هناك دليل علي الاعتبار هناك كذلك دليل في المقام بلا فرق و الكلام هناك هو الكلام في المقام و ببيان أوضح بعد اعتبار قوله بالسيرة الجارية علي العمل بقول اهل الخبرة لا يبقي مجال لأن يقال العمل بقوله ينافي المنع عن العمل بغير علم و ينافي الاستصحاب فانه بعد اعتباره ببركة السيرة يكون العمل بقوله عملا بالأمارة المعتبرة.

[المسألة الثامنة عشرة الكذب حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامنة عشرة الكذب حرام … »

قال في مجمع البحرين «و الكذب هو الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو فيه سواء العمد و الخطاء اذ لا واسطة بين الصدق و الكذب علي المشهور الخ» و قال المجلسي في البحار «و الكذب الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو عليه سواء طابق الاعتقاد أم لا علي المشهور «1».

و يقع الكلام في تحقيق هذه المسألة في فروع:

الفرع الأول: الكذب حرام

و افاد الماتن انه يدل علي حرمته الأدلة الأربعة فنقول: الظاهر ان العقل لا يحكم بقبح الكذب علي الإطلاق مثلا لو قال احد السماء تحتنا و الأرض فوقنا بلا ترتب اي فساد علي اخباره هل يحكم العقل بقبح الأخبار المذكور و امثاله نعم لو ترتب علي الأخبار فساد يمكن أن يقال انه قبيح في نظر العقل و هذا لا يرتبط بالكذب بل الميزان ترتب الفساد بلا فرق بين الكذب و الصدق مضافا الي أنه قد سبق منا انه

______________________________

(1) بحار الانوار ج 72 ص 233

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 340

لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي من ناحية حكم العقل.

و أما الإجماع فمن المحتمل ان لم يكن مقطوعا فهو مدركي لا يترتب عليه اثر و أما الكتاب فتدل منه علي حرمة الكذب آيات كثيرة منها قوله تعالي فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ «1».

و تدل علي المدعي جملة كثيرة من النصوص منها ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال ان اوّل من يكذب الكذاب اللّه عز و جل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب «2».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه

السلام قال: ان اللّه عز و جل جعل للشر أقفالا و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب و الكذب شر من الشراب 3

و منها ما رواه ابن فضال رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان لإبليس كحلا و لعوقا و سعوطا، فكحله النعاس و لعوقه الكذب و سعوطه الكبر «4».

و منها ما رواه عبد اللّه بن عجلان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ان العبد اذا صدق كان اوّل من يصدقه اللّه و نفسه تعلم انه صادق و اذا كذب كان اوّل من يكذبه اللّه و نفسه تعلم انه كاذب 5.

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: ان الكذاب يهلك بالبينات و يهلك اتباعه بالشهوات «6».

و منها: ما عن الرضا عليه السلام قال عليه السلام سئل رسول اللّه صلي اللّه

______________________________

(1) البقرة/ 10

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 138 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 3

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 14 و 15

(6) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 341

عليه و آله يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم قيل: و يكون بخيلا؟ قال: نعم قيل:

و يكون كذابا؟ قال: لا «1» و منها: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: أربي الربا الكذب «2».

و منها ما رواه الحسن بن محبوب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام يكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم قال قلت فيكون جبانا قال: نعم قلت فيكون كذابا قال لا و لا جافيا ثم قال جبل المؤمن علي كل طبيعة الا الخيانة و الكذب «3».

و منها ما عن النبي

صلي اللّه عليه و آله و سلم قال: لا يكذب الكاذب الا من مهانة نفسه و اصل السخرية الطمأنينة الي أهل الكذب «4» و منها: ما عن علي عليه السلام قال عليه السلام في خطبة طويلة: ايها الناس ألا فاصدقوا ان اللّه مع الصادقين و جانبوا الكذب فانه جانب للايمان ألا ان الصادق علي شفا منجاة و كرامة ألا ان الكاذب علي شفا ردي و هلكة 5.

و منها ما رواه ابو القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق قال رجل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يا رسول اللّه دلني علي عمل أتقرب به الي اللّه، فقال: لا تكذب فكان ذلك سببا لاجتنابه كل معصية للّه لأنه لم يقصد وجها من وجوه المعاصي الا وجد فيه كذبا أو ما يدعو الي الكذب فزال عنه ذلك من وجوه المعاصي 6.

أضف الي ذلك قول الماتن الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان و قال سيدنا الأستاد في هذا المقام لا شبهة في حرمة الكذب فانه من قبائح الذنوب و فواحش العيوب بل هو مفتاح الشرور و رأس الفجور و من اشد الجرائم و اكبر الكبائر و حرمته

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) المستدرك الباب 120 من ابواب احكام العشرة الحديث 5

(4) (4 و 5 و 6) نفس المصدر الحديث 6 و 1 و 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 342

من ضروريات مذهب الإسلام بل جميع الأديان الخ فالنتيجة انه لا اشكال و لا كلام في حرمة الكذب في الجملة.

الفرع الثاني: ان الكذب من الكبائر
اشارة

و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه

الوجه الأول: ما رواه ابن شاذان

عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال:

الأيمان هو اداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالأركان «الي أن قال في عداد الكبائر» و حبس الحقوق من غير عسر و الكذب و الكبر و الإسراف الخ «1» فانه قد صرح بالكذب في عداد المعاصي الكبيرة و الحديث ضعيف سندا.

الوجه الثاني: ما رواه الأعمش

عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال و الكبائر محرمة: و هي الشرك باللّه، و قتل النفس التي حرم اللّه و عقوق الوالدين الي أن قال و استعمال التكبر و التجبر، و الكذب و الإسراف و التبذير و الخيانة الخ «2» فانه قد صرح بالكذب في عداد المعاصي الكبيرة و الرواية ضعيفة سندا.

الوجه الثالث: ما رواه ابن مسلم

«3» فانه قد صرح في الرواية بأن الكذب شر من الشراب و حيث ان شرب الشراب من الكبائر فالكذب من الكبائر بالأولوية و قد ناقش سيدنا لأستاد في الاستدلال بالحديث علي المدعي بوجهين احدهما الأشكال في السند من ناحية عثمان ابن عيسي ثانيهما ان الكذب علي الإطلاق لا يكون شرا من الخمر بالضرورة و يرد علي الوجه الأول من الأشكال ان الرجل موثق فلا اشكال في الرواية سندا و يرد علي الوجه الثاني انه بمقدار قيام الضرورة نرفع

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 33

(2) نفس المصدر الحديث 36

(3) لاحظ ص: 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 343

اليد عن الحديث و نأخذ به في الباقي و دعوي الضرورة علي عدم اشدية الكذب من شرب الخمر علي الإطلاق الا في الكذب علي اللّه و علي الرسول عهدته علي مدعيها.

الوجه الرابع: ما عن العسكري عليه السلام

و يدل علي المدعي موردان في الخبر احدهما ما عن العسكري ثانيهما ما عن رسول اللّه فان العسكري عليه السلام قال جعلت الخبائث كلها في بيت و جعل مفتاحها الكذب «1» و قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله المؤمن اذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و يلعنه حملة العرش و كتب اللّه عليه لتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه «2» و الرواية ضعيفة سندا.

الوجه الخامس ما رواه القطب الراوندي

عن النبي صلي اللّه عليه و آله، قال: «أربي الربا الكذب «3» و السند ضعيف.

الوجه السادس: كثرة روايات الواردة في الباب

الدالة علي مبغوضية الكذب و الآثار المترتبة عليه و شدة التحذير عنه فانها بنفسها تدل علي كونه كبيرة عند اللّه و اللّه العالم بحقائق الأمور.

الوجه السابع قوله تعالي إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْكٰاذِبُونَ

«4». بتقريب ان اللّه تعالي جعل الكاذب غير مؤمن بآيات اللّه و فيه انه لا يبعد أن تكون الآية اشارة الي الكفار الذين لا يؤمنون بالنبي صلي اللّه عليه و آله فانهم يفترون الكذب فلا ترتبط بالمقام و بعبارة اخري: الموضوع

______________________________

(1) البحار ج 72 ص 263 حديث 48

(2) البحار ج 72 ص 263 حديث 48

(3) المستدرك باب 120 من أبواب احكام العشرة الحديث 12

(4) النحل/ 105

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 344

المأخوذ في الآية الكافر لا أن المؤمن يخرج عن الأيمان بالكذب مضافا الي أن الكذب المذكور في الآية الكذب الخاص و هو الافتراء علي الرسول و لا اشكال في أنه من الكبائر الا أن يقال ان المستفاد من الآية الشريفة ان المفتري خارج عن الأيمان علي الإطلاق لكن يبقي الأشكال الثاني و هو أن الآية الشريفة متعرضة للكذب الخاص لا الكذب علي الإطلاق و اما حديث الراوندي قال النبي صلي اللّه عليه و آله أربي الربا الكذب و قال رجل له صلي اللّه عليه و آله المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك. قال: المؤمن يسرق قال صلي اللّه عليه و آله قد يكون ذلك، قال:

يا رسول اللّه المؤمن يكذب؟ قال: لا؟ قال اللّه تعالي: إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «1» فهو مرسل و لا اعتبار بالمرسلات.

و ربما يقال ان الكذب من الكبائر بلا فرق فيه بين كونه ذا مفسدة أم لا؟

و استدل علي المدعي بما رواه أبو ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في

وصية له قال:

يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه و ما بين لحييه دخل الجنة «الي أن قال» يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له يا أبا ذر من صمت نجي فعليك بالصمت و لا تخرجن من فيك كذبة أبدا، قلت: يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ قال: الاستغفار و صلوات الخمس تغسل ذلك «2».

بتقريب: ان الميزان في كون المعصية كبيرة ورود نص معتبر يدل علي عذاب المرتكب لها و المفروض ان الرواية المشار إليها قد اوعد فيها بالنار من يكذب لإضحاك الناس فان اضحاك الناس لا مفسدة فيه و لكن الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أنه لا دليل علي أن الميزان المذكور ميزانا لكون المعصية كبيرة.

______________________________

(1) البحار ج 72 ص 263 حديث 47

(2) الوسائل الباب 140 من أبواب أحكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 345

نعم لا يبعد أن يستفاد من حديث ابن جعفر ان الميزان توعيد اللّه علي العذاب و هو ما رواه عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الكبائر التي قال اللّه عز و جل: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ» قال التي أوجب اللّه عليها النار «1» هذا من ناحية و من ناحية اخري يستفاد من بعض الآيات ان الكاذب يعذب و هو قوله تعالي وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْذِبُونَ «2» فلاحظ.

الفرع الثالث: ان الكذب حرام في الجد و الهزل و لا يختص بالجد

و ذلك لإطلاق ما يدل علي حرمته لاحظ ما رواه أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان العبد ليكذب حتي يكتب من الكذابين، فاذا كذب قال اللّه

عز و جل:

كذب و فجر «3» فان مقتضي اطلاق قوله فاذا كذب قال اللّه عز و جل كذب و فجر عدم الفرق بين الجد و الهزل.

و لاحظ ما رواه ابن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يكون المؤمن جبانا؟ قال: نعم. قيل و يكون بخيلا، قال نعم قيل و يكون كذابا قال: لا. 4 و لاحظ ما رواه ابن مسلم «5» و الكلام فيه هو الكلام.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ علي الكبير أ ما علمتم ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: ما يزال العبد يصدق

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 21

(2) البقرة/ 10

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 138 من ابواب أحكام العشرة الحديث 10 و 11

(5) لاحظ ص: 340

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 346

حتي يكتبه اللّه صديقا، و ما يزال العبد يكذب حتي يكتبه اللّه كذابا «1».

و منها ما رواه الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد عبد طعم الأيمان حتي يترك الكذب هزله وجده 2

و منها ما رواه الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال لا يصلح من الكذب جد و لا هزل و لا أن يعد أحدكم صبيه ثم لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار و ما يزال احدكم يكذب حتي يقال كذب و

فجر و ما يزال احدكم يكذب حتي لا تبقي موضع ابرة صدق فيسمي عند اللّه كذابا «3» و منها ما عن ابي ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله «4».

نعم ربما لا يصدق عنوان الكذب علي الأخبار بداعي الهزل بيان ذلك ان الجملة الخبرية وضعت للدلالة علي كون المتكلم بها في مقام ابراز الحكاية كما ان صيغة الأمر وضعت للدلالة علي كون المتكلم بها في مقام ابراز اعتبار اللابدية و لكن الدواعي مختلفة فالمتكلم بالجملة الخبرية اذا كان داعيه الحكاية عما في الخارج فان الخبر اذا كان مطابقا مع الواقع يكون صادقا و ان كان الخبر مخالفا مع الواقع يكون كاذبا و أما ان كان داعيه اضحاك السامعين مثلا أو ان كان داعيه الهزل لا يصدق انه كذب و لذا لو قال احد ان فلانا كثير الرماد و كان داعيه الأخبار عن جوده و سخائه فان كان المخبر عنه جوادا يكون المخبر صادقا و ان لم يكن في دار المخبر رماد اصلا نعم ان لم يكن المخبر عنه جوادا يكون المخبر كاذبا و ان كان المخبر عنه كثير الرماد فانقدح مما ذكرنا انه لا بدّ من التفصيل و انه لو أخبر بداعي الهزل لا يكون حراما.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب الباب 140 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) لاحظ ص: 344

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 347

ثم انه هل يختص الجواز بصورة قيام قرينة علي كونه في مقام الهزل أم لا؟

الظاهر انه لا وجه للاختصاص فان الحكم تابع لواقعه و صفوة القول ان الأخبار عن أمر بداعي الهزل لا يتصف بالكذب لأن قوام الصدق و

الكذب بكون المتكلم قاصدا للحكاية و المفروض ان الهازل اذا كان داعيه الهزل و لا يقصد الحكاية كما هو المفروض لا موضوع لعنوان الكذب.

الفرع الرابع: انه هل تكون المبالغة كذبا أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يقال تارة يبالغ المخبر في اخباره عن أمر لا يكون قابلا للمبالغة كما لو زاره عند قدومه من السفر واحد فيقول زارني اليوم آلاف و اخري يكون قابلا للمبالغة أما في الصورة الأولي فيكون اخبارا كاذبا و حراما بلا اشكال و أما في الصورة الثانية فلا فلو زاره كثير من الأفراد فقال زارني مائة و أراد من عدد المائة الكثير يكون صادقا و ان لم يزره الا تسعون أو زاره مائة و عشرة فهذا هو الميزان الكلي.

الفرع الخامس: انه هل يكون خلف الوعد من الكذب أم لا؟
اشارة

و الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين احدهما: من حيث تحقق الكذب و عدمه ثانيهما:

من حيث بيان حكم خلف الوعد جوازا و منعا أما

المقام الأول [في تحقق الكذب و عدمه]

فالوعد علي أقسام:

القسم الأول: ما اذا اخبر احد بعزمه علي أمر كما لو وعده بالضيافة ففي هذه الصورة يكون اخباره عن عزمه من حيث الكذب و الصدق تابعا للواقع فان كان عازما يكون صادقا و ان لم يكن عازما يكون كاذبا.

القسم الثاني أن ينشئ اشتغال ذمته بأمر لآخر و يعتبر فعلا في ذمته كالنذر فكما انه يشتغل ذمته في النذر له تعالي كذلك في المقام يشتغل ذمته للغير و في هذه الصورة لا موضوع للصدق و الكذب كما هو ظاهر فانه لا اخبار كي يكون صادقا أو كاذبا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 348

القسم الثالث: ان يعد بوقوع امر في الخارج كما لو وعد بالمجي ء بأن يقول أجي ء غدا عندكم فانه اخبار عن وقوع امر في المستقبل و يكون صدقه او كذبه تابعا للواقع فان وقع في ظرفه يكون صادقا و الا يكون كاذبا.

القسم الرابع: ان يلتزم ان يفعل الفعل الفلاني كما لو التزم بأن يكتب المكتوب الفلاني او ان يزور الشخص الفلاني او ان يعطي مقدارا للأمر الكذائي الي غير ذلك و القسم الأخير له صورتان الاولي: ان يلتزم في ضمن عقد او إيقاع الثانية: ان يلتزم ابتداء و الظاهر ان الوعد بما له من المفهوم يصدق علي القسم الرابع و يعبر عنه في لغة الفرس: (قول دادن).

هذا هو المقام الأول اذا عرفت الاقسام المتصورة في المقام الأول يقع الكلام في

المقام الثاني [في بيان حكم خلف الوعد جوازا و منعا]

فنقول: اما القسم الأول و هو الاخبار عن العزم علي امر فلا دليل علي وجوب البقاء عليه و ليس الاخبار عن العزم مصداقا للوعد و اطلاق عنوان الوعد عليه بالمسامحة كما ان القسم الثاني لا مقتضي للإلزام الشرعي فان اشتغال الذمة

للّه تعالي بالنذر موضوع لوجوب الوفاء به بدليله و اما في غيره فلا مقتضي لوجوب الافراغ و لا مقتضي للاشتغال شرعا و أيضا لا مقتضي لوجوب العمل في القسم الثالث اذ لا دليل علي وجوب جعل الخبر مطابقا للواقع، و بعبارة اخري الذي يلزم شرعا ان المكلف لا يكذب و اما جعل الخبر الصادر صادقا و مطابقا مع الواقع فلا دليل عليه كما انه لا يصدق عنوان الوعد علي القسم الثاني و القسم الثالث و أما القسم الرابع فتارة يكون الالتزام بالعمل في ضمن امر آخر بحيث يصدق عليه عنوان الوعد المشروط و اخري يكون وعدا ابتدائيا غير مشروط اما الصورة الاولي فالظاهر انه يكفي للوجوب دليل وجوب العمل بالشرط و ان المؤمنين عند شروطهم و الالتزام بعدم الوجوب يتوقف علي قيام اجماع تعبدي علي عدمه او اثبات تحقق السيرة من المتشرعة علي عدم العمل بالوعد المشروط و هل يمكن اثبات مثله؟.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 349

و اما الصورة الثانية و هي الصورة التي لا يكون الالتزام فيها في ضمن شي ء آخر فيمكن الاستدلال علي وجوب العمل به و حرمة خلفه بجملة من النصوص منها ما رواه هشام قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عدة المؤمن اخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدا و لمقته تعرض و ذلك قوله: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» فان مقتضي هذه الرواية ان الوعد كالنذر في وجوب الوفاء غير انه لا كفارة له اذا اخلف غاية الامر الميزان المذكور في الرواية لا يشمل جميع اقسامه بل الحكم

مخصوص بعدة المؤمن اخاه.

و منها ما رواه شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليف اذا وعد «2» و هذه الرواية أيضا دالة علي الوجوب و لا يختص بمورد خاص.

و يؤيد المدعي جملة من النصوص منها ما رواه سماعة بن مهران عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت اخوته «3».

و منها ما رواه الحارث الاعور عن علي عليه السلام «4» و منها ما رواه علي بن عقبة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: المؤمن اخو المؤمن عينه و دليله لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشه و لا يعده عدة فيخلفه «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 109 من ابواب أحكام العشرة الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 152 من ابواب أحكام العشرة الحديث 2

(4) لاحظ ص: 346

(5) الوسائل الباب 122 من ابواب احكام العشرة الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 350

و لكن الظاهر ان الفقهاء لا يلتزمون بحرمة خلف الوعد و لعل المنشأ السيرة الجارية علي عدم النكير علي من يخلف وعده و اللّه العالم.

و ليعلم ان الذي يعد و يلتزم اذا كان حين الوعد لا يقصد القيام بمورد الالتزام يكون كاذبا في قوله حيث يخبر بالتزامه ابتداء او ضمنا فاذا كان غير قاصد للقيام بمورد الالتزام بكون خبره غير مطابق للواقع فلاحظ.

و هل يمكن ان يستفاد وجوب العمل بالوعد من قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ

تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» لا يبعد ان يفهم من الآية ذم الوعد الذي لا يفي الواعد به و يؤكد المدعي و يسدده الحديث الوارد في المقام لاحظ ما رواه هشام «2» فان الامام عليه السلام صرح ان الخلف للوعد مصداق للوعيد المذكور في الآية الشريفة.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث صرح بأن الآية اجنبية عن حرمة مخالفة الوعد و الظاهر من الآية ان الاعتراض و الوعيد متوجه الي الذين يأمرون بالمعروف و الحال انهم تاركون له و الذين ينهون عن المنكر و هم يرتكبونه فانه يرد عليه أولا ان ظاهر الآية ليس كما يدعي و ثانيا مع الحديث المشار إليه لا يبقي مجال لما افاده فتحصل مما تقدم ان مقتضي القاعدة الالتزام بوجوب الوفاء بالوعد الا ان يقوم دليل علي عدم الوجوب فيلتزم بالاستحباب لا ان يلتزم بكراهة الخلف كما في عبارة سيدنا الاستاد في المنهاج.

الفرع السادس: أنه هل تكون التورية داخلة في الكذب أم لا؟

فلا بد أولا من بيان مفهوم الصدق و الكذب ثم، بيان مفهوم التورية كي يتضح الحال قال في مجمع البحرين «و الصدق خلاف الكذب و هو مطابقة الخبر لما في النفس اي لما في

______________________________

(1) الصف/ 2 و 3

(2) لاحظ ص: 349

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 351

اللوح المحفوظ كأن يقول زيد في الدار و هو فيها» و الظاهر أن ما أفاده تام فان صدق كل خبر بكونه مطابقا مع الواقع و كذبه بعدمه فان المفاهيم تستفاد من العرف و عن النظام «أن صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر و كذبه عدمها و ان كان الاعتقاد خطأ» و استدل بقوله تعالي إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ

وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «1» بتقريب ان اللّه سجل عليهم بأنهم كاذبون لعدم اعتقادهم بالرسالة مع كون الرسالة أمرا واقعيا.

و يمكن أن يجاب عن النظام بوجهين: الوجه الأول: أن المنافقين كاذبون في شهادتهم للرسالة بتقريب أن الشهادة عبارة عن الحضور و حيث ان المنافق لا يعتقد بالرسالة فلا تكون الرسالة موجودة بحسب اعتقاده فلا يكون حاضرة عنده فتكون شهادته شهادة كاذبة و ان شئت قلت: ان المنافق لا يكون صادقا في شهادته و لا يكون شاهدا فيكون كاذبا.

الوجه الثاني: أنه لو اخبر احد بامر مطابق للواقع كما لو قال السماء فوقنا و هو يعتقد خلافه يلزم أن يكون خبره خبرا كاذبا و الحال انه لا اشكال في كونه صادقا.

و عن الجاحظ أن صدق الخبر مطابقته للواقع و الاعتقاد معا و كذبه عدم مطابقته لهما معا و غير ذلك لا صدق و لا كذب و استدل علي مذهبه بقوله تعالي أَفْتَريٰ عَلَي اللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ «2» بتقريب انه قوبل بين الكذب و الأخبار حال الجنة فتكون بين الصدق و الكذب الواسطة، و يرد عليه أنه لا واسطة بين الصدق و الكذب بالضرورة قال في مجمع البحرين «و الكذب هو الأخبار عن الشي ء بخلاف ما هو فيه سواء العمد و الخطأ اذ لا واسطة بين الصدق و الكذب علي المشهور» و الآية المذكورة لا تدل علي مدعاه بل المستفاد من الآية أن اخبار النبي صلي اللّه عليه

______________________________

(1) المنافقون/ 1

(2) سبأ/ 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 352

و آله مردد بين الافتراء الذي يكون كذبا خاصا و بين كونه حال الجنون و الاخبار حال الجنون لا أثر

له.

اذا عرفت ما تقدم نقول أن التورية لا تكون من مصاديق الكذب بل من مصاديق التكلم بما هو خلاف الظاهر و بعبارة أخري الموري يوري مقصده عن السامع فالتورية ما يكون ظاهره مخالفا لقصد المتكلم و بعبارة اخري: التورية انتفاء الكذب موضوعا اذ الكذب باعتبار مخالفة الحكاية للواقع فلا مخالفة في ظاهر الكلام بل المخالفة في عدم تطابق الحكاية مع الواقع و أما التورية فهي عدم تطابق ظهور الكلام مع مراد المتكلم.

ان قلت أن الموري يصدق عليه انه تلفظ بكلام كاذب فهو كاذب قلت يرد عليه أولا النقض بما لو تلفظ و تكلم بكلام كاذب لغير غاية الاخبار بل لغاية أخري فهل يكون مثله كاذبا في قوله و يصير فاسقا؟ كلا.

و ثانيا: نجيب عن الاشكال بالحل و هو أن تحقق عنواني الصدق و الكذب بالنسبة الي المتكلم يتوقف علي قصد الحكاية و الاخبار فعلي هذا تكون التورية مغايرة للكذب موضوعا فجوازها علي طبق القاعدة الاولية اذ لا مقتضي لحرمتها و لذا قيل أنه لا يتحقق عنوان الاضطرار الي الكذب مع امكان التورية فلا يجوز الكذب مع امكان الفرار عنه بالتورية.

و تدل علي جوازها جملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يستأذن عليه فيقول للجارية قولي ليس هو هاهنا قال: لا بأس ليس بكذب «1».

و يؤيده خبر الاحتجاج عن الصادق عليه السلام أنه قال: ما فعله كبيرهم و ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من أبواب أحكام العشرة الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 353

كذب ابراهيم قيل: و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: فاسألوهم ان كانوا ينطقون فان نطقوا فكبيرهم فعل و ان

لم ينطقوا فكبيرهم لم يفعل شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم «1».

و منها ما رواه حسن الصيقل قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام انا قد روينا عن أبي جعفر عليه السلام في قول يوسف عليه السلام «أينها العير انكم لسارقون» فقال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب و قال ابراهيم: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فقال و اللّه ما فعلوا و ما كذب فقال أبو عبد اللّه عليه السلام ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها الا التسليم قال، فقال ان اللّه أحب اثنين و أبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين و أحب الكذب في الاصلاح و أبغض الخطر في الطرقات و أبغض الكذب في غير الاصلاح ان ابراهيم عليه السلام انما قال «بل فعله كبيرهم هذا» إرادة الاصلاح، و دلالة علي أنهم لا يفعلون، و قال يوسف عليه السلام إرادة الاصلاح «2».

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و لقد قال ابراهيم عليه السلام: اني سقيم و اللّه ما كان سقيما و ما كذب و لقد قال ابراهيم عليه السلام بل فعله كبيرهم و ما فعله كبيرهم و ما كذب و لقد قال يوسف (عليه السلام) أيتها العير انكم لسارقون، و اللّه ما كانوا سرقوا، و ما كذب «3».

فان النصوص المذكورة تدل علي جواز التورية و تدل علي عدم كونها من مصاديق الكذب أضف الي ذلك ما أفاده الطوسي قدس سره في كتاب الخلاف «4».

______________________________

(1) الاحتجاج المطبوع في المطبعة المرتضوية في النجف ص 194

(2) الوسائل الباب الباب 141 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(3) المستدرك الباب 122 من

ابواب احكام العشرة الحديث 6

(4) ج 2 ص: 245 مسألة: 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 354

قال قدس سره: «الحيل في الأحكام جائزة و به قال جميع أهل العلم ابو حنيفة و اصحابه و الشافعي و مالك و غيرهم الي أن قال: دليلنا علي جوازها قوله تعالي في قصة ابراهيم قالوا من فعل هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون فأضاف كسر الأصنام الي الصنم الأكبر الي أن قال: و قال في قصة أيوب وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَ لٰا تَحْنَثْ فجعل اللّه لايوب مخرحا مما حلف الي أن قال و روي سويد بن حنظلة قال خرجنا و معنا و ايل بن حجر نريد النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فأخذه أعداء له و تحرج القوم أن يحلفوا فحلف باللّه أنه أخي فخلي عند العدو فذكرت ذلك للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقال: صدقت المسلم أخو المسلم الخ.

و في المقام كلام و هو أنه لا بدّ من حمل قول يوسف حيث قال أيتها العير انكم لسارقون و قول ابراهيم حيث قال اني سقيم و حيث قال بل فعله كبيرهم الخ علي الكذب الجائز للضرورة فان الأقوال المذكورة كاذبة أما قول يوسف انكم لسارقون فكونه كذبا فظاهر اذ انهم لم يسرقوا صواع الملك و اما قول إبراهيم اني سقيم فكونه كذبا فظاهر أيضا و أما قوله بل فعله كبيرهم الخ اما مركب من قضية حملية و هي قوله بل فعله كبيرهم و قضية شرطية و هي قوله فاسألوهم ان كانوا ينطقون و اما يرجع قوله الي قضية شرطية بأن يكون المقدم

في القضية قوله ان كانوا ينطقون و التالي قوله فعله كبيرهم و علي كلا التقديرين يكون كلامه كاذبا أما علي الأول فظاهر و أما علي الثاني فلأن صدق القضية الشرطية بصدق الملازمة و كذبها بعدمها و حيث انه لا ملازمة بين نطقهم و كون كسر الأصنام مستندا الي كبيرهم تكون الشرطية كاذبة فعلي كلا التقديرين يكون ابراهيم كاذبا في كلامه و لكن يجوز للضرورة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 355

و تصدي سيدنا الأستاد «1» للرد علي نسبة الكذب الي ابراهيم و يوسف و ذكر مقدمة و هي أنه لو تكلم شخص بجمله انشائية كأن قال اكرم زيدا ان جاءك فاما يكون القيد و الشرط راجعا الي أصل الإنشاء و اما يكون راجعا الي متعلق الوجوب و اما يكون راجعا الي الوجوب و لا رابع أما رجوعه الي أصل الإنشاء فغير معقول اذ لا اشكال في تحقق الإنشاء و لا مجال لكونه معلقا علي شي ء و أما رجوعه الي متعلق الوجوب بأن يكون القيد راجعا الي المادة فأمر ممكن ثبوتا و لكن خلاف الظاهر و مقام الاثبات لا يساعده فيتعين الشق الثالث و هو رجوع القيد الي نفس الوجوب و قس علي الانشاء الجملة الشرطية في الاخبار فاذا قال المتكلم اذ اطلعت الشمس فالنهار موجود فاما يكون القيد راجعا الي نفس الاخبار و اما يكون راجعا الي متعلق الخبر و اما يكون راجعا الي الدعوي النفسانية اما ارجاعه الي نفس الاخبار فهو غير معقول و أما رجوعه الي متعلق الخبر فهو و ان كان ممكنا لكن خلاف الظاهر و أما رجوعه الي الدعوي فهو متعين فمع عدم طلوع الشمس فالدعوي غير موجودة.

ففي المقام نقول

قول ابراهيم بل فعله كبيرهم الخ مرجعه الي أن الاصنام ان لم ينطقوا فلا تكون هناك دعوي و بعبارة واضحة: مع عدم النطق كما هو المفروض لا تكون دعوي لابراهيم كي تتصف بالصدق أو الكذب و يؤيد المدعي ما في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم قيل و كيف ذلك فقال انما قال ابراهيم فاسألوهم ان كانوا ينطقون فان نطقوا فكبيرهم فعل و ان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا و ما كذب ابراهيم.

و أما رمي قول ابراهيم «اني سقيم» بالكذب فالمراد من كلامه أنه طالب في دينه و مرتاد و معني المرتاد في اللغة الطلب و الميل أي أني طالب في ديني و مجد

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص 402

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 356

لتحصيل الاعتقاد بالمبدإ و المعاد فقد خيل بذلك الي عبدة الاصنام و النجوم أنه مريض لا يقدر علي التكلم فتولوا و اخروا المحاكمة الي وقت آخر و يؤيده قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب و أنما عني سقيما في دينه اي مرتادا.

و أما رمي قول يوسف بالكذب حيث قال انكم لسارقون ففيه أنه يمكن أن يكون المراد سرقتهم يوسف من أبيه لا سرقتهم صواع الملك و يؤيده قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج حيث قال عليه السلام أنهم سرقوا يوسف من أبيه فالنتيجة أن ابراهيم و يوسف ما كذبا» انتهي.

أقول ما أفاده بالنسبة الي قول يوسف و قول ابراهيم أني سقيم فأمر قابل و معقول و أما ما أفاده بالنسبة الي قول ابراهيم بل فعله كبيرهم فالظاهر

أنه لا يمكن المساعدة عليه فانا لا نتصور في الاخبار الا نفس الاخبار و متعلق الخبر و أما الزائد عليه فلا نتصور كي يتم هذا البيان مضافا الي أنه مع فرض النطق فالدعوي موجودة و الحال أنها باطلة علي الإطلاق حيث ان المفروض أن ابراهيم بنفسه كسر الاصنام فعلي كلا التقديرين لم يفعل كبيرهم أضف الي ذلك أنه لا اشكال و لا كلام ان الظاهر من كلام ابراهيم بحسب الفهم العرفي أنه اسند الفعل الي كبيرهم علي تقدير النطق و علق فعل كبيرهم علي نطقهم فلا اشكال في أنه أخبر علي نحو التعليق فنسأل أن هذا الاخبار صادق أو كاذب و لا ثالث و حيث انه غير صادق فهو كذب و أما خبر الاحتجاج فيرد عليه أولا أنه ضعيف سندا و ثانيا: علي فرض غمض العين عن سنده و فرض تماميته فيرد علمه الي أهله.

و الذي يهون الخطب أن الكذب الجائز شرعا لا ينافي مقام العصمة فلا يتوجه اشكال في المقام بأن يقال مقام النبوة ينافي مع الكذب فان الأنبياء معصومون فكيف يمكن أن يصدر عنهم خلاف المقرر الشرعي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 357

ثم انه بعد البناء علي جواز التورية هل يجوز الكذب في مقام الضرورة مع امكان التورية أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان التورية مع امكانها تكون مانعة عن صدق عنوان الضرورة فمع امكان التورية لا يجوز الكذب لعدم تحقق موضوع الضرورة و يقع الكلام في هذه الجهة علي نحو التفصيل إن شاء اللّه تعالي عند تعرض المصنف فانتظر.

بقي شي ء: و هو ان ما أفاده سيدنا الاستاد من كون المراد من قول ابراهيم اني سقيم هو الطلب و الميل لا

يساعد كلام اهل اللغة نعم يستفاد المدعي من خبر الاحتجاج لكن الخبر كما اشرنا إليه مرسل لا اعتبار به سندا.

الفرع السابع: جواز الكذب عند الضرورة

قال الشيخ قدس سره «يسوغ الكذب مع الضرورة بالأدلّة الاربعة».

أقول: أما الاجماع فالظاهر انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام و أما العقل فقد ذكرنا سابقا أنه ليس للعقل طريق الي درك الاحكام الشرعية و أما الكتاب فقد استدل الشيخ قدس سره علي المدعي بآيتين الاولي: قوله تعالي مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1».

و قد وردت في ذيل الآية جملة من الروايات منها ما رواه محمد بن مروان قال قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام ما منع ميثم التمار رحمه اللّه من التقية فو اللّه لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار و اصحابه «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» «2».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة قال قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يروون أن عليا عليه السلام قال علي منبر الكوفة: أيها الناس انكم ستدعون الي

______________________________

(1) النحل/ 106

(2) تفسير البرهان ج 2 ص: 385 حديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 358

سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني فلا تبرءوا مني. قال ما اكثر ما يكذبون الناس علي علي عليه السلام ثم قال انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني و اني لعلي دين محمد صلي اللّه عليه و آله و لم يقل و لا تبرءوا مني فقال له السائل أ رأيت أن اختار القتل دون البراءة قال و اللّه ما ذاك عليه و ما عليه الا

ما مضي عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، فأنزل اللّه عز و جل «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» فقال له النبي عندها يا عمار ان عادوا فقد أنزل اللّه عز و جل عذرك «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ» و امرك أن تعود ان عادوا «1»، الثانية: قوله تعالي لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً «2».

و قد ذكر في تفسير البرهان حديثين في ذيل الآية احدهما ما رواه الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول لا ايمان لمن لا تقية له و يقول قال اللّه «الا أن تتقوا منهم تقية «3».

و ثانيهما: ما رواه علي بن ابراهيم فان هذه الآية رخصة ظاهرها خلاف باطنها يدان يظاهرها و لا يدان بباطنها الا عند التقية لأن التقية رخصة للمؤمن يدين بدين الكافر و يصلي بصلاته و يصوم بصيامه اذا اتقاه تقية في الظاهر و في الباطن يدين اللّه بخلاف ذلك 4.

و يمكن أن يقال انه لا يستفاد من الآيتين الا جواز الكذب عند الخوف و التقية الخاصة و أما جوازه عند الضرورة علي الإطلاق فلا يستفاد منهما.

و أما السنة فيستفاد من جملة من النصوص جواز الكذب عند الضرورة بل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) آل عمران/ 28

(3) (3 و 4) تفسير البرهان ج 1 ص 275 حديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 359

يستفاد من بعض الروايات الحلف كاذبا لدفع الضرر لاحظ ما رواه اسماعيل بن ابن

سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال: لا جناح عليه، و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال: لا جناح عليه و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟ قال: نعم «1».

و ما رواه ابو الصباح قال: و اللّه لقد قال لي جعفر بن محمد عليه السلام أن اللّه علم نبيه التنزيل و التأويل فعلمه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم عليا قال:

و علمنا و اللّه ثم قال: ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة 2.

و ما رواه يونس عن بعض اصحابه عن أحدهما عليهما السلام في رجل حلف تقية فقال ان خفت علي مالك و دمك فاحلف ترده بيمينك فان لم تر أن ذلك يرد شيئا فلا تحلف لهم 3.

و ما رواه زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام نمر بالمال علي العشار فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا و لا يرضون منا الا بذلك قال: فاحلف لهم فهو احل (أحلي) من التمر و الزبد «4».

و مرسلة الفقيه قال و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: التقية في كل ضرورة و صاحبها أعلم بها حين تنزل به 5.

و ما رواه الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز «يجوز» بذلك ماله، قال نعم «6».

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 1 و 2 و 3

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 7

(6) نفس

المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 360

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين علي وجهين الي أن قال فأما الذي يوجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص أو غيره «1».

و ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال: و التقية في دار التقية واجبة و لا حنث علي من حلف تقية يدفع بها ظلما عن نفسه 2.

و ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجل حلف للسلطان بالطلاق و العتاق فقال: اذا خشي سيفه و سطوته فليس عليه شي ء يا أبا بكر ان اللّه عز و جل يعفو و الناس لا يعفون «3».

و ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال لا قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا 4.

و ما رواه معاذ بياع الأكسية قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام انا نستحلف بالطلاق و العتاق فما تري أحلف لهم؟ فقال أحلف لهم بما أرادوا اذا خفت «5».

و ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: انا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم ما شاءوا قلت: جعلت فداك بالطلاق و العتاق؟ قال: بما شاءوا 6.

______________________________

(1) (1

و 2) نفس المصدر الحديث 9 و 10

(3) (3 و 4) نفس المصدر الحديث 11 و 12

(5) (5 و 6) نفس المصدر الحديث 13 و 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 361

و ما عن فقه الرضا قال ابو عبد اللّه عليه السلام التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به «1».

و ما رواه معمر بن يحيي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ان معي بضائع للناس و نحن نمر بها علي هؤلاء العشار فيحلفونا عليها فنحلف لهم فقال: وددت اني اقدر علي ان أجيز أموال المسلمين كلها و أحلف عليها، كلما خاف المؤمن علي نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية 2.

و ما رواه اسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أمر بالعشار و معي المال فيستحلفوني فان حلفت تركوني و ان لم أحلف فتشوني و ظلموني فقال:

احلف لهم، قلت: ان حلفوني بالطلاق؟ قال: فاحلف لهم، قلت فان المال لا يكون لي قال: تتقي مال أخيك «3».

و ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره و اضطر إليه، و قال: ليس شي ء مما حرم اللّه الا و قد أحله لمن اضطر إليه 4.

و ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: نحلف لصاحب العشور نجيز بذلك مالنا؟ قال: نعم الحديث 5 و لا اشكال في أن ما يدل علي جواز الحلف كاذبا يدل علي الجواز بالأولوية اذا لم يكن الكذب مع الحلف.

الفرع الثامن: هل يجوز الكذب عند الضرورة مع امكان التورية أم لا؟

تارة يقع الكلام في هذه المسألة من حيث القاعدة الأولية و اخري من حيث النصوص الواردة في المقام فيقع الكلام في مقامين:

______________________________

(1) (1

و 2) نفس المصدر الحديث 15 و 16

(3) (3 و 4 و 5) نفس المصدر الحديث 17 و 18 و 19

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 362

أما المقام الأول فقد تقدم و اشرنا في بعض الفروع المتقدمة الي أن مقتضي القاعدة الأولية عدم جواز الكذب مع امكان التورية اذ مع امكانها لا يتحقق عنوان الضرورة كي توجب جواز الكذب.

و أما المقام الثاني فلا يبعد أن يقال ان مقتضي بعض النصوص الواردة في المقام جواز الكذب حتي مع امكان التورية فان مقتضي اطلاق بعض هذه الروايات جوازه علي الإطلاق لاحظ ما رواه اسماعيل بن سعد الأشعري «1» فانه لم يقيد الترخيص بعدم امكان التورية فيجوز الكذب علي الإطلاق و مثل هذه الرواية في كونها مطلقة جملة اخري من النصوص الواردة في الباب المشار إليه منها ما رواه ابو الصباح «2» و منها ما رواه زرارة 3 و منها ما رواه الحلبي «4» و منها ما رواه معاذ بياع الأكسية «5» و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام 6 و منها ما رواه معمر بن يحيي «7» و منها ما رواه اسماعيل الجعفي 8 و منها ما رواه سماعة 9.

فان مقتضي اطلاق هذه النصوص جواز الكذب حتي مع امكان التورية لكن لقائل أن يقول ان المستفاد من حديث سماعة «10» تعليق الجواز علي صورة الاضطرار و مع امكان التورية لا يتحقق عنوان الضرورة و بعبارة اخري: هذه الرواية بمفهومها تقيد تلك المطلقات فان مفهوم هذه الرواية أخص بالنسبة الي تلك الإطلاقات و العام يخصص بالأخص منه فلا تصل النوبة الي ما افاده الشيخ قدس سره من ملاحظة النسبة بين تلك الإطلاقات و

ذيل هذه الرواية بأن يقال النسبة بين الأمرين

______________________________

(1) لاحظ ص 359

(2) (2 و 3) لاحظ ص 359

(4) لاحظ ص 359

(5) (5 و 6) لاحظ ص: 361

(7) (7 و 8 و 9) لاحظ ص 361

(10) لاحظ ص 361

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 363

عموم من وجه و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي الأخذ بإطلاق دليل حرمة الكذب فانه علي ما ذكرناه لا تصل النوبة الي هذا التقريب و علي فرض الإغماض عما ذكرنا لا بدّ من ملاحظة المرجحات و اعمال قانون باب التعادل و الترجيح و لا وجه للتساقط و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

و أما استدلال الشيخ علي الحرمة مع امكان التورية بكون قبح الكذب عقليا ففد تقدم انه ليس للعقل سبيل و طريق الي درك الأحكام الشرعية.

الفرع التاسع: لو اكره علي عقد من العقود او ايقاع او كلام موضوع لأثر شرعي
اشارة

فعقد المكره بالفتح مع امكان التورية فهل يكون لغوا أم لا؟ ربما يقال:

انه لغو و لو مع امكان التورية و قيل في تقريبه وجوه

الوجه الأول: الإجماع.

و فيه انه اجماع مدركي و لا اقل من احتماله فلا يكون حجة

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ قدس سره

و هو صدق عنوان الإكراه و لو مع امكان الفرار عن مورده بالتورية. و فيه انه لا بدّ من صدق ان ما ارتكبه مكره عليه و لا اشكال في عدم صدق وقوع الفعل مكرها عليه مع امكان الفرار مثلا لو اكره علي شرب الخمر و أمكن للمكره بالفتح أن يشرب الماء بدلا عن الخمر و لا يفهم المكره بالكسر فهل يجوز له أن يشرب الخمر؟ كلا.

الوجه الثالث: ما افاده سيدنا الاستاد

و هو ان صحة كل عقد تتوقف علي امرين احدهما: القدرة المعتبرة في جميع العقود ثانيهما: صدور العقد عن الرضا و طيب النفس و مع انتفاء احد الأمرين لا يصح العقد فعلي هذا لو اكره علي بيع داره فباعها بلا طيب النفس يكون العقد فاسدا و ان كانت التورية ممكنة له.

و فيه انه ان فرض التمكن من التورية و الفرار عن المكره بالكسر كيف لا يكون العقد صحيحا و بعبارة واضحة: مع امكان التورية لا يصدق الإكراه و مع عدم الإكراه يكون صدور العقد بالاختيار و الرضا و لا يعتبر في صحة العقد ازيد من هذا المقدار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 364

فالنتيجة ان الحق صحة العقد مع امكان التورية و الفرار عن الجائر.

ان قلت: لا اشكال في تحقق الإكراه بالنسبة الي مقام الأثبات و الإبراز و كل عقد مركب من الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من لفظ أو غيره و من ناحية اخري الإكراه رافع للأثر الشرعي فلا اثر للأبراز الإكراهي فلا يتم العقد قلت: اذا فرض امكان التورية كما هو المفروض يمكن للمكره بالفتح أن لا يقصد البيع فاذا قصد و ابرزه بالمبرز يصح العقد لتمامية اركانه و ان شئت قلت: الإكراه علي

الجامع بين فردين من الإبراز احدهما وجود الكاشف و عدم المنكشف ثانيهما الكاشف مع وجود المنكشف و مع فرض الأمر كذلك لا يكون اختيار المكره بالفتح أحد الفردين بالخصوص ناشئا عن الإكراه و مع عدم الإكراه يتم الأمر فلاحظ.

الفرع العاشر: يجوز الكذب في اصلاح ذات البين

و استدل سيدنا الأستاد علي المدعي بقوله تعالي إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ «1» بتقريب ان مقتضي اطلاق الآية محبوبية الإصلاح و لو بالكذب و مقتضي اطلاق دليل حرمة الكذب حرمته و لو في الإصلاح فيقع التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه و في مورد التعارض يتساقطان فتصل النوبة الي الأخذ بالبراءة.

و يرد عليه أولا ان التعارض بالعموم من وجه تعارض تباني غاية الأمر تباين جزئي و من ناحية اخري مقتضي جملة من النصوص عدم اعتبار الخبر المخالف مع الكتاب و مع عدم اعتبار الخبر لا يبقي مجال للتقريب المذكور. و ثانيا:

مقتضي هذا البيان جواز كل محرم من المحرمات اذا كان مصداقا للإصلاح مثلا اذا كان النظر الي الأجنبية مصداقا للإصلاح يكون جائزا بالتقريب المذكور و قس عليه بقية المحرمات و هل يمكن الالتزام به؟ و هل يلتزم به سيدنا الأستاد؟ و الذي

______________________________

(1) الحجرات/ 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 365

يختلج بالبال أن يقال ان العرف لا يري تعارضا بين الآية و ادلة المحرمات بل المستفاد من الآية محبوبية الإصلاح بالطريق الشرعي و العرف ببابك.

و يمكن الاستدلال علي المدعي اي علي جواز الكذب في مقام الإصلاح بجملة من النصوص منها ما رواه انس بن محمد عن ابيه عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: يا علي ان اللّه احب الكذب

في الصلاح و أبغض الصدق في الفساد «الي أن قال» يا علي ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب و عدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس «1».

و منها ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس و ثلاثة يقبح فيهن الصدق: النميمة و اخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه و تكذيبك الرجل عن الخبر «2».

و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المصلح ليس بكذاب 3 و منها ما رواه الحسن الصيقل «4».

و منها ما عن عيسي بن حسان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما، أو رجل، وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتم لهم «5».

و منها مرسلة أبي يحيي الواسطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الكلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من ابواب العشرة الحديث 1

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(4) لاحظ ص: 353

(5) الوسائل الباب 141 من ابواب العشرة الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 366

ثلاثة صدق و كذب و اصلاح بين الناس قال: قيل له: جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس؟ قال تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعت منه «1».

و منها ما رواه عطا

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا كذب علي مصلح ثم تلا «أيتها العير انكم لسارقون» ثم قال: و اللّه ما سرقوا و ما كذب ثم تلا «بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون» ثم قال: و اللّه ما فعلوه و ما كذب «2».

و منها ما رواه معاوية بن حكيم عن ابيه عن جده عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه قال له: ابلغ أصحابي كذا و كذا و ابلغهم كذا و كذا قال قلت:

فاني لا احفظ هذا فأقول ما حفظت و لم أحفظ احسن ما يحضرني؟ قال: نعم المصلح ليس بكذاب 3.

و منها ما رواه الصدوق بسنده عن الرضا عليه السلام قال: ان الرجل ليصدق علي اخيه فيناله عنت من صدقه فيكون كذابا عند اللّه و ان الرجل ليكذب علي اخيه يريد به نفعه فيكون عند اللّه صادقا 4. و لا اشكال في استفادة المدعي من النصوص المذكورة لكن الأشكال كله في اسنادها فعليه لا يمكن الجزم بالمدعي نعم الحديث السادس من الباب له سند اخر و ذلك السند تام و هو ما رواه علي ابراهيم عن ابيه عن عبد اللّه بن المغيرة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المصلح ليس بكذاب «5» فلا اشكال في الحكم لتمامية المستند و اللّه العالم.

ثم ان الشيخ قدس سره أفاد بأنه يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 7 و 9 و 10

(5) الوسائل الباب 2 من ابواب الصلح الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص:

367

و يدل عليه ما عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال علامة الأيمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك، و أن لا يكون في حديثك فضل عن علمك و ان تتقي اللّه في حديث غيرك «1».

و الذي يختلج بالبال أن يقال انه لا دليل علي الاستحباب المذكور فان قلنا بأن مقتضي دليل لا ضرر ارتفاع حرمة الكذب مع الضرر المالي كما هو المشهور عند القوم حيث يقولون بأن قاعدة لا ضرر ناظرة الي ادلة الأحكام و رافعة اياها مع تحقق الضرر فاذا تحقق موضوع الضرر يجوز الكذب و الالتزام باستحباب الضرر المالي يتوقف علي الدليل هذا بحسب القاعدة و أما الحديث الذي اشار إليه فهو ضعيف سندا. و صفوة القول انه لا دليل علي الاستحباب بل الأمر دائر بين الوجوب و الإباحة فلاحظ مضافا الي أن المستفاد من الحديث ان المؤمن يختار الصدق المضر علي الكذب النافع و لا يستفاد منه استحباب تقديم الصدق بل المستفاد منه وجوب اختيار الصدق المضر علي الكذب النافع فلاحظ.

الفرع الحادي عشر: انه هل يجوز الكذب في الوعد مع اهله أم لا؟

تارة نقول بأن الوعد عبارة عن الالتزام بأمر و اخري نقول ان الوعد اخبار عن امر موعود به في المستقبل و علي كلا التقديرين يكون داخلا في الأخبار و علي طبق القاعدة الأولية يحرم اذا كان كذبا لكن قد دلت جملة من النصوص علي جواز الكذب في الوعد مع الزوجة أو مع الأهل منها ما في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام «2» و منها ما رواه عيسي بن حسان «3» و منها ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 141 من ابواب أحكام العشرة الحديث 11

(2) لاحظ ص: 365

(3)

لاحظ ص 365

(4) لاحظ ص: 365

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 368

و منها ما عن الجعفريات باسناده عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا يصلح الكذب الا في ثلاثة مواطن: كذب الرجل لامرأته و كذب الرجل يمشي بين الرجلين ليصلح بينهما، و كذب الإمام عدوه فانما الحرب خدعة «1».

و منها أيضا ما عن الجعفريات عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كل كذب مسئول عنه يوما ما، الا كذب في ثلاثة: رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه، و رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي به هذا يريد صلح ما بينهما، و رجل وعد أهله شيئا و لا يريد أن يتم لهم عليه، يريد بذلك دفعها 2.

و هذه النصوص كلها ضعيفة نعم لو قلنا أن الوعد ليس من مقولة الأخبار بل من مقولة الإنشاء لا يتصف بالصدق و الكذب.

الفرع الثاني عشر: ان الشيخ قدس سره أفاد أن الأقوال الصادرة عن الأئمة عليهم السلام

في مقام التقية في بيان الأحكام كقوله عليه السلام فيما روي عن زرارة في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لا بأس بأن تصلي فيه، انما حرم شربها «3» و ان كان ممكنا أن يحمل علي الكذب الجائز لكن الأليق بمقامهم أن يحمل كلامهم علي خلاف الظاهر و عدم الالتزام بصدور الكذب عنهم و يؤيد المدعي ما صدر عنهم في موارد خلاف الظاهر لاحظ ما رواه الساباطي قال: كنا جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام بمني فقال له رجل ما تقول في النوافل؟ قال فريضة قال ففزعنا و فزع الرجل فقال أبو عبد اللّه عليه السلام انما أعني صلاة الليل علي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان اللّه

يقول: و من الليل فتهجد به نافلة لك «4».

______________________________

(1) (1 و 2) المستدرك الباب 122 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1 و 4

(3) الوسائل الباب 38 من ابواب النجاسات الحديث 2

(4) الوسائل الباب 16 من ابواب اعداد الفرائض و نوافلها الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 369

و الحق أن يقال علي تقدير جواز الكذب لجهة من الجهات يجوز و لا ينافي مقام العصمة فان المعصوم من لا يرتكب خلاف الوظيفة المقررة ثم أفاد الشيخ بأنه لو دار الأمر بين التقية و إرادة الاستحباب يتعين الثاني كما لو أمر بالوضوء عقيب ما لا يكون ناقضا في الشريعة كمس الفرج مثلا فيدور الأمر بين حمل الأمر بالوضوء بداعي التقية و إرادة الوضوء استحبابا يتعين أن يحمل الأمر فيه علي الاستحباب و الذي يختلج بالبال أن يقال تارة يكون الكلام ظاهرا في الحكم الوضعي كما لو ورد عنهم عليهم السلام ان الرعاف ناقض للوضوء فانه يحمل علي التقية و أما لو دار الأمر بين التقية و الاستحباب كما لو ورد عنهم الأمر بالوضوء عقيب الوذي مثلا فدار الأمر بين كون الأمر المذكور ارشادا الي انتقاض الوضوء بالمذي تقية و بين كون الأمر بالوضوء مولويا استحبابيا يلزم أن يحمل علي الثاني فان الظاهر من الأمر المولوية و حمله علي الإرشاد يحتاج الي القرينة و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و يستفاد منه ان عظم الكذب … »

الإنصاف انه لا يستفاد من الخبر المذكور كون الكذب علي قسمين معصية كبيرة و معصية صغيرة و علي فرض دلالة الخبر عليه لا يستفاد منه المدعي فان المدعي كون الكذب من المعاصي الكبيرة و المستفاد من الخبر علي فرض التسليم كون

الكذب علي نحوين هما الصغير و الكبير مضافا الي أن الخبر ضعيف بالإسال.

«قوله قدس سره: بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا»

قد تقدم تفصيل الكلام في بيان حقيقة الوعد فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: و ندب غير النادب»

الظاهر ان المراد من النادب المندوب و يمكن أن يكون الاشتباه من الناسخ.

«قوله: فتأمل»

لعلة اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون الي وجه آخر و اللّه العالم و الأمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 370

سهل.

[المسألة التاسعة عشرة الكهانة حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الكهانة حرام … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين احدهما: في بيان موضوع الكهانة ثانيهما في بيان حكمها أما

المقام الأول [في بيان موضوع الكهانة]

فقال في مجمع البحرين «الكاهن هو الذي يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان و يدعي معرفة الأسرار» الي أن قال «فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار و منهم من كان يزعم انه يعرف الأمور بمقدمات اسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشي ء المسروق و مكان الضالة و نحوهما كذا قاله في النهاية الخ».

و أما المقام

المقام الثاني [في بيان حكمها]
اشارة

فيقع الكلام فيه من جهات

الجهة الأولي في جواز تعلم علم الكهانة و تعليمها بحسب القاعدة الأولية و عدمهما

و مقتضي القاعدة الأولية جواز هما الا أن يدل دليل معتبر علي الحرمة.

الجهة الثانية: في جواز اخبار الكاهن بالأمور المجهولة و عدمه

مقتضي القاعدة الأولية انه يجوز مع القطع أو حصول الوثوق و الاطمينان و الا فلا.

الجهة الثالثة: في رجوع الغير إليه و ترتيب الأثر علي قوله

مقتضي القاعدة الأولية أن يقال انه ان حصل للغير من قوله القطع أو الوثوق بمقالته يجوز ترتيب الأثر علي قوله و أما مع عدم حصولهما فما دام لا يكون فيه محذور شرعي بمقتضي الأدلة الشرعية يجوز و الا فلا هذا فيما لا يكون اخبار الكاهن مستندا الي مقدمات اجتهادية و أما معه فيدخل تحت عنوان العالم و الخبير فيجوز الرجوع إليه للجاهل بمقتضي جواز رجوع الجاهل الي العالم ما دام لم يقم دليل شرعي علي المنع.

الجهة الرابعة: في النصوص الواردة في المقام

و لا بدّ من ملاحظة تلك النصوص سندا و دلالة فنقول منها ما رواه في الإحتجاج أن بعض الزنادقة اجتمع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 371

بأبي عبد اللّه الصادق عليه السلام فسأله عن مسائل كثيرة منها قوله من أين اصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث قال عليه السلام: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم عن اشياء تحدث و ذلك من وجوه شتي فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فتنة الروح مع قذف في قلبه لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة و ذلك يعلمه الشيطان و يؤديه الي الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف و أما أخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس علي أهل الأرض ما جاءهم عن اللّه لإثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة

الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها ثم يحبط بها الي الأرض فيقذفها الي الكاهن فاذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان مما سمعه و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه و منذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة الخ «1» و هذه الرواية مرسلة لا اعتبار بها.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن اتيان العراف و قال: من اتاه و صدقه فقد برئ مما انزل اللّه عز و جل علي محمد صلي اللّه عليه و آله «2» و هذه الرواية ضعيفة بشعيب.

و منها ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال من تكهن او تكهن

______________________________

(1) كتاب الاحتجاج المطبوع في المطبعة المرتضوية سنة 1350 ص 185

(2) الوسائل الباب 26 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 372

له فقد يرئ من دين محمد صلي اللّه عليه و آله قال: قلت فالقيافة «فالقافة» قال: ما احب ان تأتيهم و قيل ما يقولون شيئا الا كان قريبا مما يقولون فقال: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي اللّه عليه و آله «1» و الرواية ضعيفة بالبطائني.

و منها ما رواه ابو سعيد عن ابي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال: أربعة لا يدخلون الجنة: الكاهن و المنافق، و مدمن الخمر و القتات و هو النمام «2» و السند ضعيف.

و منها ما يدل

علي حرمة اجر الكاهن لاحظ ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن «3».

و ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال: قال عليه السلام أجر الزانية سحت و ثمن الكلب الذي ليس بكلب الصيد سحت و ثمن الخمر سحت و أجر الكاهن سحت و ثمن الميتة سحت، فاما الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه العظيم «4».

و ما رواه حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن 5 و هذه الطائفة من النصوص اسنادها ضعيفة نعم حديث السكوني و ان كان ضعيفا بالسند الذي فيه النوفلي و لكن لا يبعد أن يكون تاما بسنده الأخر الذي ليس فيه النوفلي فلاحظ و لكنها غير مربوطة بالمقام.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 164 من ابواب احكام العشرة الحديث 11

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 373

و منها ما رواه الهيثم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك فنسأله فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم من مشي الي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه

بما يقول فقد كفر بما انزل اللّه من كتاب «1» و هذه الرواية علي تقدير عدم النقاش فيها من ناحية ابن ادريس تامة و مقتضاها حرمة تصديق الكاهن و أما حكم نفس الكهانة و تعلمها و تعليمها فلا يستفاد من الحديث و اللّه العالم.

و منها ما رواه الكابلي قال: سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقول: الذنوب التي تغير النعم البغي علي الناس (الي أن قال) و الذنوب التي يظلم الهواء السحر و الكهانة و الأيمان بالنجوم «2» فان المستفاد من الحديث كون الكهانة من الذنوب التي تظلم الهواء و الحديث ضعيف سندا.

[المسألة العشرون اللهو حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: العشرون اللهو حرام … »

قال الراغب في المفردات «اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه و يهمه يقال لهوت بكذا و لهيت عن كذا اشتغلت عنه» الخ و قال في المنجد «اللهو ما لهوت به و شغلك من هوي و طرب و نحوهما الشي ء الذي يتلذذ به الإنسان فيلهيه» و عن مقاييس اللغة لابن فارس «اللهو كل شي ء شغلك عن شي ء» و عن تاج العروس «اللهو هو اللعب و العبث لأمر غير معلوم الفائدة» و عن روح المعاني للآلوسي «اللعب ما لا ثمرة فيه و اللهو تشاغل الإنسان بما لا يعنيه» الي غيرها من كلماتهم و لا اشكال و لا كلام في حرمة اللهو في الجملة فان الاشتغال بالملاهي و المعازف لا شبهة في حرمته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 374

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام «بل حرمة هذا القسم من ضروريات الدين

بحيث يعد منكرها خارجا عن زمرة المسلمين و انما الكلام في حرمة اللهو علي وجه الإطلاق الخ» «1».

و علي الجملة لا اشكال في حرمته في الجملة و الكلام و الأشكال في حرمته علي نحو الإطلاق و ما يمكن أن يذكر في تقريب حرمة اللهو مطلقا وجوه:

الوجه الأول النصوص الدالة علي ان الصلاة لا تقصر في السفر الذي يكون للصيد اللهوي

بتقريب ان الصلاة لا تقصير في سفر المعصية و حيث ان الصيد اللهوي محرم فالسفر لأجله يكون سفر المعصية و من تلك الأخبار ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عمن يخرج عن اهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزه الليلة و الليلتين و الثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال انما خرج في لهو لا يقصر، «2» و فيه انها لا دلالة في هذه الطائفة من النصوص علي المدعي اذ لا تلازم بين تمامية الصلاة في السفر و كون السفر سفر المعصية بل يمكن ان يكون المقرر الشرعي علي ما هو المعلوم عند الشارع من الملاك وجوب التمام في السفر الذي يكون لأجل الصيد اللهوي.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه انه اذا كان السفر لأجل امور لهوية غير الصيد تقصر الصلاة علي مقتضي اطلاق دليل قصرها في السفر اللهم الا ان يقال ان مقتضي قوله عليه السلام انما خرج في لهو لا يقصر عدم التقصير اذا كان السفر لهويا فان العلة تعمم الحكم كما تخصصه و تفصيل الكلام من هذه الجهة موكول الي مجال آخر فلاحظ.

الوجه الثاني: ما رواه الأعمش

عن جعفر بن محمد عليهما السلام في

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 1 ص: 422

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب صلاة المسافر الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 375

حديث شرايع الدين قال: و الكبائر محرمة و هي الشرك باللّه و قتل النفس التي حرم اللّه الي أن قال و الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل مكروهة كالغناء و ضرب الأوتار و الإصرار علي صغائر الذنوب «1» بتقريب انه عد في الخبر الاشتغال بالملاهي من الكبائر و الملاهي جمع الملهي

مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء. و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان الموضوع المحرم في الرواية قيد بكونه صادا عن ذكر اللّه لا مطلق اللهو.

و مثل حديث الأعمش من حيث المفاد ما رواه في كتاب عيون أخبار الرضا باسانيده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه الي المأمون قال:

الأيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب و اقرار باللسان و عمل بالأركان الي أن قال و المحاربة لأولياء اللّه و الاشتغال بالملاهي و الإصرار علي الذنوب «2» و الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه الثالث النصوص الدالة علي حرمة استعمال آلات اللهو

منها ما رواه اسحاق بن الجرير قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان شيطانا يقال له القفندر اذا ضرب في منزل الرجل اربعين صاحبا بالبربط و دخل الرجال وضع ذلك الشيطان كل عضو منه علي مثله من صاحب البيت ثم نفخ فيه نفخة فلا يغار بعدها حتي توتي نساؤه فلا يغار «3».

و منها ما رواه سماعة قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس و قابيل فاجتمعا في الأرض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكل ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذد به الناس فانما هو من ذلك 4.

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 36

(2) نفس المصدر الحديث 33

(3) (3 و 4) الوسائل الباب 100 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 376

و منها ما رواه انس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه

عليهم السلام في وصية النبي صلي اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام قال: يا علي ثلاثة يقسين القلب: استماع اللهو و طلب الصيد و اتيان باب السلطان «1».

و منها ما في المقنع قال: و اجتنب الملاهي و اللعب بالخواتيم و الأربعة عشر و كل قمار فان الصادقين عليهم السلام نهوا عن ذلك 2.

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: ضرب العيدان ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة «3».

و منها: ما عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا يقدس اللّه امة فيها بربط يقعقع و ناية «فاية» تفجع «4».

و منها: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: انهاكم عن الزفن و المزمار و عن الكوبات و الكبرات «5».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من أنعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها «6».

و منها: ما عن الرضا عليه السلام في حديث الشامي انه سئل امير المؤمنين عليه السلام عن معني هدير الحمام الراعية «الراعبية» قال: تدعو علي اهل المعازف و المزامير و العيدان «7».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن السفلة قال: من يشرب

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 8 و 9

(3) نفس المصدر الحديث: 3

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 376

(4) نفس المصدر الحديث 4

(5) نفس المصدر الحديث: 6

(6) نفس المصدر الحديث: 7

(7) نفس المصدر الحديث: 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 377

الخمر و يضرب

بالطنبور «1».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال يا نوف؟ اياك أن تكون عشارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هو الطبل فان نبي اللّه خرج ذات ليلة فنظر الي السماء فقال: أما انها الساعة التي لا ترد فيها دعوة الي أن قال أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة «2».

و منها: ما عن بعضهم عليهم السلام: قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد و لا تستجاب دعائهم و ترفع عنهم البركة «3» و منها ما عن عبد اللّه بن علي «4».

بتقريب ان المستفاد من هذه النصوص ان النهي بلحاظ كون استعمالها داخلا في اللهو. و فيه انه بعد فرض تمامية اسنادها لا وجه لما ذكر فان المستفاد من تلك النصوص ان المحرم استعمال الآلات المعدة للهو كالعود و نحوه فلا تغفل.

الوجه الرابع: ما دل علي حرمة اللهو علي نحو الإطلاق

و هو ما رواه عبد اللّه بن علي بن موسي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: كل ما ألهي عن ذكر اللّه فهو من الميسر «5» فان المستفاد من هذا الحديث حرمة مطلق اللهو و ان اللهو بما هو داخل في الميسر و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان مفاده مقطوع الخلاف و خلاف الضرورة.

و أما حديث محمد بن أبي عباد و كان مستهترا بالسماع و يشرب النبيذ قال:

سألت الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لأهل الحجاز «العراق خ ل» فيه رأي

______________________________

(1) نفس الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث: 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) سيأتي

(5) نفس المصدر الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 378

و هو في حيز الباطل

و اللهو، أ ما سمعت اللّه عز و جل يقول: و اذا مروا باللغو مروا كراما «1»، فهو ضعيف سندا مضافا الي أنه لا يستفاد منه كون اللهو و الباطل حراما علي وجه الإطلاق بل المستفاد من الحديث ان الغناء داخل تحت عنوان اللهو و الباطل.

و أما حديث عبد الأعلي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغناء و قلت:

انهم يزعمون أن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم فقال: كذبوا ان اللّه عز و جل يقول. وَ مٰا خَلَقْنَا السَّمٰاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لٰاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا إِنْ كُنّٰا فٰاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَي الْبٰاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذٰا هُوَ زٰاهِقٌ وَ لَكُمُ الْوَيْلُ مِمّٰا تَصِفُونَ ثم قال:

ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس «2»، فضعيف سندا مضافا الي أن المستفاد من الحديث كون اللهو مطلقا مبغوضا عند اللّه و هل يمكن الالتزام به؟

فلا بد من التخصيص أو التقييد.

و اما مرفوعة ابن المغيرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله (في حديث) كل لهو المؤمن باطل الا في ثلاث في تأديبه الفرس و رميه عن قوسه و ملاعبته امرأته فانهن حق «3» فلا اعتبار بها سندا و لا يمكن الالتزام بمتنها فلاحظ.

الوجه الخامس: حديث تحف العقول

و قد ذكر فيه ان ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به «4» و فيه أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و ثانيا كون كل لهو

______________________________

(1) الوسائل الباب 99 من ابواب ما يكتسب به

الحديث 19

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب السبق و الرماية الحديث 5

(4) الوسائل الباب 2 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 379

فيه الفساد المحرم اوّل الكلام و الأشكال فانقدح مما تقدم عدم دليل علي حرمة اللهو علي نحو الإطلاق.

و أما اللعب فلا دليل علي حرمته علي نحو العموم كما انه لا وجه للحكم بالكراهة و ربما يستدل علي حرمته بورود الآيات و الروايات في ذمه و قبحه فاذا ثبت القبح و الذم تثبت الحرمة و فيه ان مجرد الذم لا يستلزم الحرمة مضافا الي أن قوله تعالي وَ مٰا هٰذِهِ الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا إِلّٰا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ «1» و نحوه يدل علي أن الحياة الدنيوية لهو و لعب فيلزم أن يكون جمع الأمور محرمة.

و أما اللغو فهو أيضا كذلك و اما حديث أبي خالد قال سمعت زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام يقول الي أن قال و الذنوب التي تهتك العصم شرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح و ذكر عيوب الناس الخ «2»، الدال علي حرمته فهو ضعيف سندا فلا يعتد به مضافا الي أن حرمة اللغو مطلقا خلاف الضرورة أضف الي ذلك ان مفاد الحديث ليس حرمة اللغو مطلقا بل قسم خاص منه فلاحظ.

و أما حديث أبي ذر عن النبي صلي اللّه عليه و آله في وصية له قال يا أبا ذر ان الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه عز و جل فيكتب بها رضوانه يوم القيامة و ان الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء و الأرض

«3» فمضافا الي كونه ضعيف السند لا يدل علي حرمة اللغو بل يدل علي حرمته لبعض الكلمات المضحكة و لا اشكال في حرمة بعض الكلمات كما لو هتك في كلامه مؤمنا مثلا.

______________________________

(1) العنكبوت/ 64

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 8

(3) الوسائل الباب 140 من أبواب احكام العشرة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 380

«قوله: كان الاقوي تحريمه»

لا وجه للالتزام بالحرمة و لا دليل عليها فلاحظ.

«قوله قدس سره و اعلم ان هنا عنوانين آخرين»

لا يبعد أن يكون لفظ آخرين زائدا اذ عنوان اللهو و اللعب تقدم في كلامه و لعل المراد من العنوانين عنوان اللعب و اللغو و الأمر سهل.

«قوله فالاقوي الكراهة»

الظاهر انه لا وجه لها و اللّه العالم.

«قوله: فالاقوي فيها الكراهة»

الكلام فيه هو الكلام.

[المسألة الحادية و العشرون مدح من لا يستحق المدح او يستحق الذم]
اشارة

«قوله: قدس سره: الحادية و العشرون مدح من لا يستحق … »

استدل الشيخ قدس سره علي الحرمة بوجوه:

الوجه الأول حكم العقل بقبحه فيكون حراما بمقتضي قانون التلازم بين العقل و الشرع

. و فيه انا قد ذكرنا مرارا انه لا سبيل للعقل في الأحكام الشرعية و قانون التلازم المدعي لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه لاحظ الباب السادس و السابع من ابواب صفات القاضي في الوسائل فان المستفاد من النصوص المذكورة وجوب الرجوع في استفادة الحكم الشرعي من الأئمة عليهم السلام الي ما ورد عنهم و لو كان حكم العقل كافيا كان اللازم الإشارة إليه و صفوة القول ان العقل متبع في باب الإطاعة و العصيان و أما في مرحلة ثبوت الأحكام فلا طريق للعقل إليه.

الوجه الثاني قوله تعالي وَ لٰا تَرْكَنُوا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 381

إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «1» و المستفاد من الآية الشريفة عدم الميل أو الاعتماد الي الظالم و بين العنوانين عموم من وجه فلا وجه للاستدلال علي المدعي و بعبارة واضحة: ان مدح من لا يستحق المدح لا يلازم الركون و الاعتماد.

الوجه الثالث: ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله

قال: في جملة كلام له و من عظم صاحب دنيا و احبه لطمع دنياه سخط اللّه عليه و كانا في درجة مع قارون في التابوت الأسفل من النار «2».

و الرواية ضعيفة سندا مضافا الي أن ما بين العنوانين عموم من وجه فلاحظ.

الوجه الرابع: ما في حديث المناهي

عن الصادق جعفر بن محمد عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي انه نهي عن المدح و قال: احثوا في وجوه المداحين التراب «3» و السند ضعيف مضافا الي أن مفاد الحديث اخص من المدعي فلا يكون قابلا للاستدلال به علي المدعي فان المداح أخص من المادح.

اذا عرفت ما تقدم نقول: تارة يكون مدح من لا يستحق بالأخبار و اخري بالإنشاء و ثالثة بالتورية أما الصورة الأولي فتكون حراما لحرمة الكذب الا عند الضرورة فانه قد تقدم في بحث الكذب جوازه عند الضرورة بل ربما يجب و قد وردت عدة نصوص في حكم من يكرم اتقاء شره منها ما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: الا ان شرار امتي الذين يكرمون مخافة شرهم، الا و من أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني «4».

و منها ما رواه السكوني أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه

______________________________

(1) الهود/ 113

(2) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 14

(3) الوسائل الباب 43 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) البحار ج 75 ص 279 حديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 382

صلي اللّه عليه و آله شر الناس عند اللّه يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم «1».

و منها ما

رواه جابر بن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلي اللّه و آله شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم 2.

و منها ما عن الاختصاص قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خير الناس من انتفع به الناس و شر الناس من تأذي به الناس و شر من ذلك من اكرمه الناس اتقاء شره و شر من ذلك من باع دينه بدنيا غيره «3».

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: بينا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذات يوم عند عائشة فاستأذن عليه رجل فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بئس أخو العشيرة و قامت عائشة فدخلت البيت و أذن له رسول اللّه فدخل فاقبل رسول اللّه عليه حتي اذا فرغ من حديثه خرج فقالت له عائشة يا رسول اللّه بينا أنت تذكره اذا قبلت عليه بوجهك و بشرك، فقال لها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان من أشر عباد اللّه من يكره مجالسته لفحشه «4».

و منها ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان النبي صلي اللّه عليه و آله بينما هو ذات يوم عند عائشة اذ استأذن عليه رجل فقال رسول اللّه: بئس اخو العشيرة فقامت عائشة فدخلت البيت فاذن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل فلما دخل أقبل عليه رسول اللّه بوجهه و بشره إليه يحدثه حتي اذا فرغ و خرج من عنده، قالت عائشة: يا رسول اللّه بينما أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به اذ أقبلت عليه بوجهك و بشرك؟ فقال: رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند ذلك:

ان من شرار عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه 5.

______________________________

(1) (1 و 2) البحار ج 75 ص 283 حديث 10 و 12

(3) البحار ج 75 ص 281 حديث 7

(4) (4 و 5) البحار ج 75 ص 281 حديث 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 383

و أما الصورة الثانية فلا اشكال فيها الا أن يعرض عنوان ثانوي يقتضي حرمته و أما الصورة الثالثة فأيضا لا اشكال فيها فالميزان في التحريم و عدمه صدق عنوان الكذب فانه حرام.

[المسألة الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه يحرم معونة الظلمة في ظلمهم
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول: العقل

بدعوي ان العقل يحكم بقبحها فتحرم شرعا بقانون الملازمة و قد تقدم الأشكال في هذا الاستدلال و قلنا انه ليس للعقل سبيل الي الوصول الي الأحكام الشرعية: نعم لا اشكال في أن العقلاء لهم أحكام في الأمور الجارية فيما بينهم و أما الحكم الشرعي فلا يمكن ان يستفاد من العقل.

الوجه الثاني: الإجماع

و لا اشكال في ان الإجماع المذكور مع الوجوه المذكورة في المقام و احتمال استناد المجمعين إليها ان لم يقطع به لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثالث: قوله تعالي وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ

«1» بتقريب ان الركون عبارة عن الميل إليهم فيدل علي حرمة اعانتهم بالاولوية، و فيه ان الركون إليهم اما عبارة عن الميل و اما عبارة عن الاستناد إليهم كما يظهر من اللغة و علي كلا التقديرين لا يتم التقريب اما علي الأول فالمراد من الميل ان كان ميلا نفسانيا فلا يكون قابلا للنهي عنه فانه امر غير اختياري و ان كان المراد الميل الخارجي و المصاحبة معهم فلا يكون النهي عنه نهيا عن اعانتهم بالأولوية اذ المصاحبة معهم و مخالطتهم اعظم من اعانتهم و ان شئت قلت: معاونتهم لا تكون

______________________________

(1) هود/ 113

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 384

ملازمة للميل إليهم بل يمكن ان تكون ناشئة من داع آخر، و ان كان المراد من الركون الاستناد إليهم و الاعتماد عليهم فأيضا يكون اعظم من اعانتهم بل معاونتهم لا تكون استنادا إليهم فلا مجال لدعوي الأولوية علي كلا التقديرين كما قلنا.

الوجه الرابع: قوله تعالي وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ

«1» بدعوي ان المستفاد من الآية حرمة الإعانة علي الأثم. و فيه انا قد ذكرنا في بعض المباحث المتقدمة ان المستفاد من الآية حرمة التعاون لا حرمة الإعانة.

الوجه الخامس: النصوص الواردة في هذا الباب

منها ما رواه ابو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال. اياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2» فانه يستفاد من الحديث المذكور حرمة اعانة الظالم في ظلمه و سند الرواية تام.

الفرع الثاني: يحرم معونة الظالم في كل محرم و لو لم يكن ظلما

و يمكن الاستدلال بحديث أبي حمزة فان مقتضي اطلاقه أن معونة الظالم فيما يصدر عنه حراما حرام فالإعانة علي الأثم حرام في الجملة بمقتضي اطلاق النص فلا ينافي المناقشة في دلالة الآية الشريفة علي حرمة الإعانة علي الاطلاق و صفوة القول:

مع صدق عنوان معونة الظالم في الحرام يمكن الالتزام بالحرمة بمقتضي النص.

الفرع الثالث: انه هل تجوز اعانة الظلمة في الأمور المباحة اذا لم يعد من اعوان الظلمة أم لا؟

مقتضي اطلاق حديث أبي حمزة الحرمة فان قوله عليه السلام «و معونة الظالمين» بإطلاقه يقتضي الحرمة و لو كانت الإعانة في الأمر المباح و مما يدل علي المدعي ما رواه يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام لا تعنهم علي بناء مسجد «3» فان المستفاد من الحديث حرمة اعانتهم حتي في بناء المساجد

______________________________

(1) المائدة/ 2

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 385

فكيف ببقية الأفعال لكن الإنصاف ان الالتزام بالإطلاق مشكل و العجب من سيدنا الأستاد حيث يدعي ان المستفاد من حديث أبي حمزة حرمة الاعانة في ظلمهم و مع ذلك ذهب الي حرمة اعانتهم في غير الظلم من المحرمات مع انه لا يلتزم بحرمة الإعانة علي الأثم فان كان الإطلاق عنده تاما فلا وجه لاختصاص الحرمة بخصوص ظلمهم و ان لم يكن تاما فلا وجه للحكم بالحرمة فيما يكون اعانة علي المحرم غير الظلم فلاحظ.

الفرع الرابع: أنه يحرم أن يكون الشخص علي نحو يعد من اعوان الظلمة

و يمكن الاستدلال بحديث أبي حمزة فان المنهي عنه في الرواية عنوان الإعانة و كون الشخص معدودا من أعوان الظلمة و انصاره من اظهر انواع الإعانة فيحرم و يمكن الاستدلال علي المدعي بجملة من النصوص منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم «1» و منها ما رواه محمد بن عذافر عن ابيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع فما حالك اذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال فوجم أبي فقال له ابو عبد اللّه عليه

السلام لما رأي ما اصابه، أي عذافر انما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات 2 و منها ما رواه أبو بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال لي: يا أبا محمد لا و لا مدة قلم ان أحدهم «كم خ ل» لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله او حتي يصيبوا من دينه مثله «3».

و منها ما رواه ابن ابي يعفور قال كنت عند ابي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل «فدخل» عليه رجل من اصحابنا فقال له جعلت فداك «اصلحك اللّه خ ل» انه ربما اصاب

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 2 و 3

(3) نفس المصدر الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 386

الرجل منا الضيق او الشدة فيدعي الي البناء يبنيه او النهر يكريه او المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السلام ما احب اني عقدت لهم عقدة او وكيت لهم وكاء، و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتي يحكم اللّه بين العباد «1» و منها ما رواه يونس بن يعقوب «2».

و منها ما رواه ابن صبيح الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيمة خنزيرا «3».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: الا و من علق سوطا بين يدي سلطان جعل اللّه ذلك

السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا يسلطه اللّه عليه في نار جهنم و بئس المصير 4.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا كان يوم القيامة نادي مناد اين اعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا او ربط كيسا او مدلهم مدة قلم فاحشروهم معهم 5.

و منها ما بهذا الأسناد قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من اللّه، و لاكثر ماله الا اشتد حسابه، و لاكثر تبعه الا كثرت شياطينه «6».

و منها ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اياكم و ابواب السلطان و حواشيها فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم من اللّه عز و جل، و من آثر السلطان علي اللّه اذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا 7.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) لاحظ 384

(3) (3 و 4 و 5) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10 و 11

(6) (6 و 7) نفس المصدر الحديث 12 و 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 387

و منها ما رواه ورام بن ابي فراس قال: قال عليه السلام من مشي الي ظالم ليعينه و هو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام «1».

و منها ما رواه أيضا قال: و قال عليه السلام اذا كان يوم القيامة نادي مناد اين الظلمة و اعوان الظلمة و اشباه الظلمة، حتي من بري لهم قلما و لاق لهم دواة قال فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم 2

فانه لا شبهة في انه يستفاد من هذه الروايات حرمة كون الشخص من اعوان الظلمة.

ثم انه ما المراد بالظالم؟ الظاهر ان مقتضي اطلاق جملة من نصوص الباب عدم اختصاص الحكم بالحكومات غير الشرعية التي عنوانها عنوان الخلافة و الولاية كحكومة منصور الدوانيقي لعنه اللّه او يزيد بن معاوية الملعون و شمول الحكم لمطلق الحكومات الضالة غير المشروعة بل يشمل الدليل كل من يكون معنونا بعنوان الظلم و لو كان فردا خارجيا.

[المسألة الثالثة و العشرون النجش حرام]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة و العشرون النجش … »

قال سيدنا الأستاد الظاهر انه لا خلاف بين الشيعة و السنة في حرمة النجش في الجملة و قد فسروه بوجهين كما يظهر من اهل اللغة: الاول ان يزيد الرجل في البيع ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها و لكن يسمعها غيره فيزيد بزيادته و هذا هو المروي عن الأكثر.

الثاني: أن تمدح سلعة غيره و تروجها ليبيعها أو تذمها لئلا تنفق عنه الخ» و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الحرمة وجوه:

الوجه الأول النصوص الواردة في المقام

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 15 و 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 388

ملعونون علي لسان محمد صلي اللّه عليه و آله و سلم «1» و الحديث ضعيف بمحمد بن سنان.

و منها ما رواه قاسم بن سلام باسناد متصل الي النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال: لا تناجشوا و لا تدابروا معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد بزيادته و الناجش خائن و التدابر الهجران «2» و السند ضعيف.

و منها ما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله أنه قال لا يبيع أحدكم علي بيع بعض و لا يخطب علي خطبته و عنه صلي اللّه عليه و آله أنه نهي عن النجش «3» و لا اعتبار بالمرسل.

الوجه الثاني: الاجماع

و فيه انه مع احتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام لا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الوجه الثالث: انه مصداق للغش و الغش حرام

، و فيه انه علي تقدير صدقه تكون حرمته بعنوان الغش لا بعنوان النجش مضافا الي أن تحقق الغش يتوقف علي تأثير كلام الناجش في السامع و اقدامه علي المعاملة و الا فلا موضوع للغش كما هو ظاهر.

الوجه الرابع: أنه موجب لإضراره

و فيه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ يمكن أن لا يتضرر السامع بالمعاملة اذا فرض عدم كون المبيع اقل قيمة من الثمن المدفوع و ثانيا ان المقدم بالمعاملة يتضرر باختياره و بإرادته و أما التلبيس فان كان عبارة عن الغش فقد مر الكلام فيه و ان كان عنوانا آخر فأي دليل علي حرمته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 2

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) المستدرك الباب 37 من أبواب آداب التجارة الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 389

[المسألة الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلة الأربعة]

«قوله قدس سره: الرابعة و العشرون النميمة محرمة بالأدلّة الاربعة … »

ينبغي ان يقع الكلام في تفسير النميمة ثم في بيان حكمها فنقول قال في مجمع البحرين «يقال: نم الحديث ينمه من بابي ضرب و قتل سعي به ليوقع فتنة او وحشة» و قال الراغب في مادة نمم «النميمة الوشاية» و في مادة وشي «و الواشي يكني به عن النمام».

و اما حكمها فأفاد المصنف انها حرام بالأدلة الأربعة اقول: اما العقل فتقدم الأشكال في الاستدلال به علي الحكم الشرعي علي التفصيل و اما الإجماع فلا يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن راي المعصوم مع الوجوه المذكورة في المقام.

و اما الكتاب فربما يستدل بقوله تعالي وَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1» بتقريب ان النمام قاطع لما امر اللّه صلته و انه مفسد في الأرض و يرد عليه انه لم يأمر اللّه بالصلة بين الناس كي يكون النميمة قطعا لما امر بصلته مضافا الي ان الظاهر من الآية ان الَّذِينَ

يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ. وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ من حيث المجموع لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ الا ان يقال ان النمام جامع للجهات الثلاث و اما الاستدلال علي المدعي بذيل الآية اي قوله تعالي وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فالحق ان النمام يصدق عليه عنوان المفسد و لكن الظاهر كما ذكرنا ان اللعن و سوء الدار لمن يجمع بين الجهات الثلاث فالنتيجة ان الآية الشريفة لا تدل علي المدعي.

و ربما يستدل علي المدعي بقوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ «2» بتقريب ان

______________________________

(1) الرعد/ 25

(2) البقرة/ 191

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 390

المستفاد من الآية ان الفتنة اعظم و اكبر من القتل فتحرم بلا اشكال، و فيه ان الظاهر من الآية ان المراد بالفتنة في الآية الشريفة الشرك و الدليل عليه قوله تعالي بعد هذه الجملة و قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰي لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ* «1» اي قاتلوا المشركين و اقتلوهم حتي تطهر الأرض من وجود المشرك باللّه فلا ترتبط الآية بما نحن فيه مضافا الي انه لا اشكال في ان الفتنة علي نحو الإطلاق لا تكون اعظم من القتل و لا يمكن الالتزام به و بما ذكرنا حول الآية يظهر تقريب الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ 2 و الجواب عنه بل الأمر في هذه الآية الشريفة اظهر فان المستفاد من الآية الشريفة ان القتال في الشهر الحرام كبير و لكن الفتنة اي الكفر اعظم و أكبر عند اللّه من القتل فلا ترتبط الآية بالمقام.

و لتوضيح المدعي لاحظ ما رواه القمي انه كان سبب نزولها انه لما هاجر رسول اللّه صلي اللّه عليه و

آله الي المدينة بعث السرايا الي الطرقات التي تدخل مكة يتعرض لعير قريش حتي بعث عبد اللّه بن جحش في نفر من أصحابه الي النخلة و هي بستان بني عامر ليأخذوا عير قريش أقبلت من الطائف، عليها الزبيب و الأدم و الطعام فوافوها و قد نزلت العير و فيهم عمرو بن عبد اللّه الحضرمي و كان حليفا لعتبة بن ربيعة فلما نظر الحضرمي الي عبد اللّه بن جحش و اصحابه فزعوا و تهيئوا للحرب و قالوا هؤلاء اصحاب محمد و امر عبد اللّه بن جحش اصحابه أن ينزلوا و يحلقوا رءوسهم فنزلوا و حلقوا رءوسهم، فقال ابن الحضرمي هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم فلما اطمأنوا و وضعوا السلاح حمل عليهم عبد اللّه بن جحش فقتل ابن الحضرمي و قتل اصحابه و أخذوا العير بما فيها و ساقوها الي المدينة فكان ذلك اوّل يوم من رجب من أشهر الحرم فعزلوا العير و ما كان عليها و لم ينالوا منها شيئا فكتب قريش الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انك استحللت

______________________________

(1) (1 و 2) البقرة 193/ و 217

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 391

الشهر الحرام و سفكت فيه الدم و أخذت المال و كثر القول في هذا و جاء أصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقالوا يا رسول اللّه أ يحل القتل في الشهر الحرام؟

فأنزل اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ إِخْرٰاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، قال القتال في الشهر الحرام عظيم و لكن الذي فعلت بك

قريش يا محمد من الصد عن المسجد الحرام و الكفر باللّه و اخراجك منه اكبر عند اللّه و الْفِتْنَةُ يعني الكفر باللّه اكبر من القتل ثم انزلت عليه «الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» و في نهج البيان عن أبي جعفر عليه السلام الفتنة هنا الشرك «1».

و بتقريب آخر نقول الظاهر من قوله تعالي وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ان الفتنة اكبر من القتال الواقع في الشهر الحرام و ان أبيت عن جميع ما ذكرنا نقول هل يمكن الالتزام بأن الفتنة علي الإطلاق أعظم من القتل؟ كلا.

و أما السنة فيمكن الاستدلال بجملة من النصوص منها ما رواه عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبي صلي اللّه عليه و آله الا أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلي يا رسول اللّه قال: المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء المعايب «2».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: الجنة محرمة علي القتاتين المشائين بالنميمة 3.

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من مشي في نميمة بين اثنين سلط اللّه عليه في قبره نارا تحرقه الي يوم القيامة

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 210 حديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 164 من ابواب احكام العشرة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 392

و اذا خرج من قبره سلط اللّه عليه تنينا اسود ينهش لحمه حتي يدخل النار «1».

و منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن أبي ذر عن النبي صلي

اللّه عليه و آله في وصية له قال: يا أبا ذر لا يدخل الجنة القتات قلت: يا رسول اللّه ما القتات قال: النمام يا أبا ذر صاحب النميمة لا يستريح من عذاب اللّه في الآخرة «2».

و منها ما عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام: شراركم المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة المبتغون للبراء المعايب «3».

و منها ما عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث قال: ان الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة و يمشي بالنميمة «4».

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: لا يدخل الجنة سفاك الدم و لا مد من الخمر و لا مشاء بنميمة «5».

و منها ما عن علي عليه السلام قال عليه السلام: يحرم الجنة علي ثلاثة: علي المنان و علي القتات و علي مدمن الخمر «6».

و منها: ما عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: حرمت الجنة علي ثلاثة:

النمام و مدمن الخمر و الديوث «7».

و منها ما عن الصادق عليه السلام في حديث فان النمام شاهد زور و شريك ابليس في الاغراء بين الناس الخ «8».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 6

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 3

(4) نفس المصدر الحديث: 5

(5) نفس المصدر الحديث: 7

(6) نفس المصدر الحديث: 8

(7) نفس المصدر الحديث: 9

(8) نفس المصدر الحديث: 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 393

و منها: ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام: أربعة لا يدخلون الجنة:

الكاهن و المنافق و مدمن الخمر و القتات و هو النمام «1». و منها ما عن الصادق عليه السلام قال: بينما موسي يناجي ربه اذ رأي رجلا تحت ظل عرش اللّه فقال:

يا

رب من هذا الذي قد اظله عرشك؟ قال: هذا كان بارا بوالديه و لم يمش بالنميمة «2». و منها ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه أوحي الي موسي ان بعض اصحابك ينم عليك فاحذره قال: يا رب لا أعرفه فاخبرني به حتي أعرفه فقال: يا موسي عبت عليه النميمة و تكلفني أن اكون نماما «3» و منها ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: لا يدخل الجنة قتات «4».

لكن يشكل الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي فان جملة منها رتب الحكم فيها علي عنوان النمام و هي صيغة مبالغة و لا يصدق عنوان المبالغ علي مجرد من قام به الحدث فلا يدل علي حرمة مطلق النميمة و أما جملة اخري منها فهي ضعيفة و في المقام طائفة اخري من النصوص منها ما رواه حسن بن زيد عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده عن علي بن ابي طالب عليهم السلام قال: سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: المؤمن عز كريم، و المنافق خب لئيم و خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف قال: و سمعت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يقول: شرار الناس من يبغض المؤمنين و تبغضه قلوبهم، المشّاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للناس العيب اولئك لا ينظر اللّه إليهم و لا يزكيهم يوم القيمة ثم تلا عليه السلام هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 11

(2) نفس المصدر الحديث 12

(3) نفس المصدر الحديث: 13

(4) نفس المصدر الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 394

و الف بين قلوبهم «1».

و منها

ما رواه المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال ثلاثة يحسن فيهن الكذب المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك و الإصلاح بين الناس و ثلاثة يقبح فيهن الصدق النميمة و اخبارك الرجل عن أهله بما يكرهه و تكذيبك الرجل عن الخبر «2».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها و نهي عن النميمة و الاستماع إليها و قال: لا يدخل الجنة قتات يعني نماما «3».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي قال: و من اصطنع الي اخيه معروفا فامتن به أحبط اللّه عمله و ثبت وزره و لم يشكر له سعيه ثم قال عليه السلام يقول اللّه عز و جل حرمت الجنة علي المنان و البخيل و القتات و هو النمام «4».

و منها ما في عقاب الأعمال عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه قال في خطبة له: و من اصطنع الي أخيه معروفا فمن به عليه حبط عمله و خاب سعيه، ثم قال الا و ان اللّه عز و جل حرم علي المنان و المختال و القتات و مدمن الخمر و الخريص و الجعظري و العتل و الزنيم الجنة 5.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يدخل الجنة سافك للدم و لا شارب الخمر و لا مشاء بنميم «6» و هذه النصوص كلها

______________________________

(1) الوسائل الباب

7 من ابواب احكام العشرة الحديث 8

(2) الوسائل الباب 141 من أبواب احكام العشرة الحديث 2

(3) الوسائل الباب 152 من أبواب احكام العشرة الحديث 13

(4) (4 و 5) الوسائل الباب 37 من ابواب الصدقة الحديث 5 و 6

(6) الوسائل الباب 1 من أبواب القصاص في النقس الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 395

ضعيفة سندا.

و أما حديث الاحتجاج «ان من اكبر السحر النميمة يفرق بما بين المحتابين و يجلب العداوة علي المتصافيين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام شر من وطئ الأرض بقدمه «1» فهو ضعيف سند الإرسال.

و أفاد المصنف قدس سره انه مع كراهة المقول عنه لإظهار القول عند المقول فيه يدل علي حرمته جميع ما يدل علي حرمة الغيبة. و فيه ان النسبة بين الغيبة و النميمة عموم من وجه فعند اجتماع العنوانين يترتب علي كل واحد حكمه و علي فرض الافتراق يترتب حكم كل واحد عليه لتحقق موضوعه في الخارج فانقدح بما ذكرنا عدم قيام دليل معتبر علي حرمتها علي الإطلاق و لكن مع ذلك كله لا يمكن الالتزام بعدم حرمتها قال سيدنا الأستاد لا خلاف بين المسلمين في حرمتها بل هي من ضروريات الإسلام و هي من الكبائر المهلكة الخ و اللّه العالم بحقائق الامور و نستجير به من الزلة.

[المسألة الخامسة و العشرون النوح بالباطل]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامسة و العشرون النوح بالباطل … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات

المقام الأول في حكم النياحة بمقتضي القاعدة الأولية

و مقتضي القاعدة الأولية النياحة اذا لم تكن معنونة بعنوان محرم كالكذب مثلا تكون جائزة تكليفا كما تصح المعاملة الواقعة عليها وضعا و قد دل بعض النصوص علي جواز النياحة لاحظ ما رواه يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لي أبي يا جعفر اوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني ايام مني «2».

______________________________

(1) الاحتجاج للطبرسي المطبوع في النجف في المطبعة المرتضوية ص 185

(2) الوسائل الباب 17 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 396

و لاحظ ما رواه ابو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي صلي اللّه عليه و آله ان آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم فاذن لها فلبست ثيابها و تهيأت و كانت من حسنها كانها جان، و كانت اذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها و عقدت بطرفيه خلخالها فندبت ابن عمها بين يدي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقالت:

انعي الوليد بن الوليد أبا الوليد فتي العشيرة

حامي الحقيقة ماجد يسموا الي طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين و جعفرا غدقا و ميرة

فما عاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ذلك و لا قال شيئا «1».

المقام الثاني في بيان حكم النياحة تكليفا بمقتضي النص

و قد وردت جملة من النصوص في المقام منها ما رواه الزعفراني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

من انعم اللّه عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها و من أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها «2» و الحديث ضعيف بسلمة.

و منها ما روته خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين عليه السلام في حديث قال:

سمعت عمي محمد بن علي عليه السلام يقول: انما تحتاج المرأة الي النوح لتسيل دمعتها و لا ينبغي لها أن تقول هجرا فاذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح 3 و الحديث ضعيف بالإسال.

و منها ما رواه حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله في حديث المناهي أنه نهي عن الرنة عند المصيبة و نهي عن النياحة و الاستماع إليها و نهي عن تصفيق الوجه 4. و الحديث ضعيف.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2

(2) (2 و 3 و 4) نفس المصدر الحديث 5 و 6 و 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 397

و منها ما رواه حسين بن زيد أيضا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه عليه و آله أربعة لا تزال في أمتي الي يوم القيمة:

الفخر بالاحساب و الطعن في الانساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة، و ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من حرب «1».

و الحديث ضعيف.

و منها ما رواه ابن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن النوح علي الميت أ يصلح قال يكره 2 و الكراهة اعم من الحرمة.

و منها ما رواه علي بن جعفر أيضا عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن النوح فكرهه «3» و الحديث ضعيف.

المقام الثالث: في بيان حلية اجر النائحة بمقتضي النص

فنقول يستفاد من حديث أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميت «4»، جواز أجرها علي نحو الإطلاق لكن لا بدّ من تقييدها بما رواه حنان بن

سدير قال: كانت امرأة معنا في الحي و لها جارية نائحة فجاءت الي أبي فقالت: يا عم انت تعلم ان معيشتي من اللّه ثم من هذه الجارية، فاحب ان تسأل أبا عبد اللّه عن ذلك فان كان حلالا و الا بعتها و اكلت من ثمنها حتي يأتي اللّه بالفرج فقال لها أبي: و اللّه اني لأعظم أبا عبد اللّه عليه السلام أن أسأله عن هذه المسألة قال: فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك فقال أبو عبد اللّه عليه السلام تشارط فقلت:

و اللّه ما أدري تشارط أم لا؟ فقال: قل لها لا تشارط و تقبل ما اعطيت 5.

فان مقتضي الحديث التفصيل بين ان تشارط و تعين و عدم المشارطة بعدم

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 12 و 13

(3) نفس المصدر الحديث 14

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 7 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 398

الجواز في الصورة الأولي و الجواز في الصورة الثانية فلاحظ.

[المسألة السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر]
اشارة

«قوله قدس سره: السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر … »

في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: انه هل يجوز الولاية من قبل الجائر أم لا؟

قال سيدنا الأستاد في هذا المقام الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في حرمة الولاية من قبل الجائر في الجملة الخ. و تدل علي حرمته ما تقدم من النصوص الدالة علي حرمة كون الإنسان من اعوان الظلمة لاحظ ما رواه الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره اللّه يوم القيمة خنزيرا «1».

و لاحظ حديث تحف العقول و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي ء من جهة المئونة له معصية كبيرة من الكبائر و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الي الدم و الميتة «2».

و لاحظ ما رواه ابو حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال:

اياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «3» و غيرها من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال كنا عند أبي جعفر عليه السلام علي باب

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

(2) الوسائل باب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

(3) الوسائل باب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 399

داره بالمدينة فنظر الي الناس يمرون افواجا فقال لبعض من عنده: حدث بالمدينة امر؟ فقال: أصلحك اللّه «جعلت فداك» ولي المدينة وال

فغدا الناس «إليه» يهنئونه، فقال: ان الرجل ليغدي عليه بالأمر يهني به و انه لباب من أبواب النار «1» و علي الجملة لا اشكال في حرمة الولاية من قبل الجائر و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين تصديه للعمل المحرم و عدمه فان ارتكابه الحرام حرام آخر و يوجب تشديد عقوبته.

الفرع الثاني انه تجوز الولاية من قبل الظالم اذا قام الوالي بمصالح العباد
اشارة

و الذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: عدم الخلاف

كما في عبارة الشيخ قدس سره. و فيه ان غايته تحقق الإجماع و لا يمكن تحصيل الإجماع التعبدي الكاشف في المقام مع الوجوه المذكورة.

الوجه الثاني: ان المقام يدخل في باب التزاحم

و مقتضي ذلك ترجيح الملاك الأقوي. و فيه ان الميزان في ذلك الباب أقوائية احد الملاكين علي الأخر و مجرد تعنون الوالي بالقيام بالمصالح لا يفيد ما دام لا يصل الأمر الي الوجوب و اللزوم و بعبارة اخري الملاك الاستحبابي لا يقاوم ملاك الحرمة و لا يمكن رفع اليد عن دليل الحرمة بعروض عنوان مستحب علي الفعل.

رالوجه الثالث: قوله تعالي قٰالَ اجْعَلْنِي عَليٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

«2» فان مثل يوسف لا يسأل الأمر الحرام فتجوز الولاية. و فيه ان يوسف عليه السلام من الأنبياء العظام عليهم السلام و هو الوالي و هو الذي بيده الأمر شرعا فلا يمكن الاستدلال بعمله.

الوجه الرابع: جملة من النصوص

منها ما رواه ابن يقطين قال: قال لي

______________________________

(1) الوسائل باب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

(2) يوسف/ 55

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 400

أبو الحسن موسي بن جعفر عليه السلام ان للّه تبارك و تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه «1».

و منها ما رواه زيد الشحام قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من تولي أمرا من أمور الناس فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في امور الناس كان حقا علي اللّه عز و جل أن يؤمن روعته يوم القيمة و يدخله الجنة 2 و الحديث ضعيف بالخشاب فانه لم يوثق الي غيرهما من من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و منها ما رواه ابن ادريس نقلا من كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة فقال: ما

كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل العذر و ما خلا ذلك فمكروه، و لا محاله قليله خير من كثيره و ما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه بسبب و علي يديه ما يسرك فينا و في موالينا قال فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه ان مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الي ادخال المكروه علي عدوه و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء أتقرب به إليهم فاجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا و ثوابا «3».

و الظاهر ان هذا الوجه لا بأس به فان النصوص الدالة علي الجواز مشتملة علي ما يكون معتبرا من حيث السند فلاحظ و لكن الإنصاف ان الجزم بالجواز مشكل فان المستفاد من حديث ابن يقطين المتقدم ذكره ان مع السلطان اولياء للّه لكن باي وجه صاروا اولياء للّه فمن الممكن ان جماعة من اولياء اللّه لهم روابط حسنة مع السلطان يشفعون لأولياء اللّه و أنهم باذن خاص من الإمام عليه السلام يكونون

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 46 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 7

(3) الوسائل الباب 45 من ابواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 401

مع السلطان كابن يقطين.

و بعبارة واضحة: لا يستفاد من الحديث جواز الولاية من قبل الجائر و كونه معينا له فالمرجع دليل حرمة الإعانة و مبغوضية كون الشخص معينا للظالم نعم لا اشكال في استفادة المحبوبية من حديث ابن ادريس لكن الأشكال في السند و علي فرض الإغماض عن السند يمكن القول باستحباب الدخول في أمرهم و اعانتهم بشرط أن يكون الداعي للدخول جلب النفع الي الشيعة و دفع

الضرر عنهم فالولاية في هذه الصورة مستحبة و في غير هذه الصورة المذكورة تكون محرمة نعم لو وقع التزاحم بين عنوان الإعانة و واجب لا بدّ من اعمال قانون التزاحم و اللّه العالم.

الفرع الثالث: انه يجوز الولاية من قبل الجائر مع الإكراه
اشارة

و يدل علي جوازه قوله تعالي مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» و قوله تعالي لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً «2».

و أيضا يدل علي المدعي ما رواه البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟

فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «3».

و لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة

______________________________

(1) النحل/ 106

(2) آل عمران/ 28

(3) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 402

و صاحبها أعلم بها حين تنزل به «1».

و ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالوا سمعنا أبا جعفر عليه السلام يقول:

التقية في كل شي ء يضطر إليه ابن آدم فقد احله اللّه له 2.

و ما رواه عمرو بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله رفعت عن أمتي اربع خصال: ما اضطروا إليه، و ما نسوا، و ما أكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا و ذلك في كتاب اللّه قوله: رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تَحْمِلْ عَلَيْنٰا

إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا رَبَّنٰا وَ لٰا تُحَمِّلْنٰا مٰا لٰا طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ و قول اللّه: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «3» الي غيرها من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

فان المستفاد من الكتاب و السنة ان الإكراه يوجب رفع الحرمة مما اكره عليه و منه المقام و أفاد الشيخ قدس سره انه يتحقق موضوع الإكراه بصدق الضرر و كون تحمله شاقا علي المكره بالفتح. و يمكن أن يرد عليه بأن القيد المذكور خلاف اطلاق الأدلة اذ لو فرض ان شخصا كان متحملا للضرر و لم يكن شاقا عليه كما لو كان قسي القلب و لا يتأثر من ضرب ولده فهل يمكن أن يقال بعدم تحقق الإكراه الا أن يقال انه مع عدم المشقة و الحرج لا يصدق عنوان الإكراه و بعبارة اخري: الإكراه يصدق فيما يخاف المكره بالفتح من وقوعه و أما مع عدم خوفه فلا يتحقق و لا يصدق عنوان الإكراه فلاحظ.

و قد تعرض الشيخ قدس سره لأمور
الأمر الأول: ان الإكراه كما يقتضي رفع الحرمة عن اعانة الظالم و الولاية من قبله

كذلك يرفع الحرمة عما يلزمها من

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 25 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 403

ارتكاب بقية المحرمات ما عدا اراقة الدم فان دليل الاكراه كما يقتضي رفع الحرمة عن الولاية من قبل الجائر كذلك يقتضي رفع الحرمة عن بقية المحرمات انما الكلام في أنه هل يجوز الإضرار بالغير بالإكراه اذا كان دون اراقة الدم فان اراقة الدم لا يجوز للنص الخاص لاحظ ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية «1».

و ما

رواه ابو حمزة الثمالي قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لم تبق الأرض الا و فيها منا عالم يعرف الحق من الباطل و قال: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية «2».

فيجوز الإضرار بالغير كائنا ما كان لأجل الاكراه و ان كان الضرر المتوعد عليه اقل من الإضرار بالغير و أفاد الشيخ قدس سره انه هل يلاحظ ان ايهما اقل ضررا وجهان فيمكن أن يقال ان مقتضي اطلاق حديث الرفع جواز الإضرار بالغير و ان الضرورات تبيح المحظورات و من ناحية اخري المستفاد من حديث الرفع تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالأضرار بالغير و لو كان أدون فكيف بما اذا يكون اكثر. و ان شئت قلت: ان حديث الرفع للامتنان علي جنس الأمة فكيف يجوز الإضرار بالغير و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بالأضرار بالغير بل يجب تحمل الضرر و لا يجوز الإضرار بالغير لكن الأقوي جواز الإضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس في مورد الإكراه و استدل عليه بوجوه:

الوجه الأول اطلاق حديث الرفع فانه بإطلاقه يشمل المقام. الوجه الثاني قاعدة نفي الحرج فان الزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرجي يرفعه حديث رفع الحرج.

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 220 حديث 16 من باب التقية

(2) الوسائل الباب 31 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 404

الوجه الثالث: حديث تشريع التقية و جوازها ما دام لم تصل الي حد قتل النفس فان مقتضاه جواز الإضرار بالغير الا الضرر الخاص و هو اراقة الدم.

ان قلت: كيف يجوز دفع الضرر بالضرر و الحال ان

تشريع حديث الرفع لدفع الضرر قلت تارة بتوجه الضرر الي الشخص فلا يجوز رفعه بالأضرار بالغير لعدم الدليل عليه و اخري يتوجه الضرر الي الغير بالإكراه عليه فلا يجب رفعه عن الغير بتحمل الضرر و ايراده علي النفس و ببيان واضح: تارة يتوجه الضرر ابتداء الي الشخص بالإكراه فلا يجوز للمكره بالفتح رفعه بالأضرار بالغير و اخري يتوجه الضرر الي الغير بالإكراه ابتداءً فلا يجب دفعه عنه بايراد الضرر علي النفس.

ان قلت: كما انه يجوز الإضرار بالغير اذا وقع مورد الإكراه لحديث رفع الإكراه كذلك يجوز الإضرار بالغير اذا وقع الإكراه علي الشخص ابتداءً و لكن يمكنه رفعه بالأضرار بالغير لحديث رفع الاضطرار فانه لا اشكال في أن الاضطرار رافع للتكليف كما لو اضطر الي شرب الخمر فيجوز الإضرار بالغير بلحاظ الاضطرار.

قلت: فرق بين المقامين فان الإكراه اذا توجه الي الغير يكون الإضرار مستندا الي المكره بالكسر و المكره بالفتح واسطة و يكون الاستناد إليه ضعيفا نعم يجوز للمكره بالفتح أن يرفع الضرر عن الغير و يورد الضرر علي نفسه لكن لا يجب عليه و لا قبح في رفع الحرمة عن المكره بالفتح في هذه الصورة.

و أما لو كان الضرر متوجها ابتداءً الي الشخص لا يجوز دفعه بالأضرار بالغير بحديث رفع الاضطرار لان رفع الاضطرار امتناني و تجويز الإضرار بالغير خلاف الامتنان مضافا الي الفرق بين الموردين بتحقق الحرج في احدهما و عدم تحققه في الأخر فانه لو توجه الإكراه الي الغير يكون دفعه عن الغير و ايقاع الضرر علي النفس حرجا و دليل الحرج يرفع وجوبه و أما لو توجه الضرر الي الشخص ابتداءً و امكن دفعه بايراد الضرر علي الغير لا يكون تحمل

الضرر حرجيا فلا مقتضي لرفع الحرمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 405

عن الإضرار بالغير.

و أفاد سيدنا الأستاد بأن الكلام يقع في ثلاث نواحي الناحية الأولي: ان يتوجه الضرر الي الشخص و أمكن دفعه بالأضرار بالغير و الحق انه لا يجوز و لا يشمله دليل نفي الاكراه و الضرر لأن تلك الادلة امتنانية بالنسبة الي جنس الامة و جواز الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير مضافا الي ان نسبة دليل نفي الضرر متساوية فكل منهما يمكنه الأخذ بدليل نفي الضرر و دفعه عن نفسه بالغير فيقع التعارض و يتساقطان بالمعارضة و يكون المرجع دليل حرمة التصرف في مال الغير.

الناحية الثانية: أن يتوجه الضرر الي الغير علي عكس الصورة السابقة و قد ظهر حكم ذلك من الناحية الأولي كما هو واضح و لا يبعد أن يكون تقريب الاستدلال ان ترك دفع الضرر عن الغير ضرري بالنسبة الي الغير فلا يجوز الترك.

و جوابه ان الزام الشخص بدفع الضرر عن الغير خلاف الامتنان مضافا الي ان ترك دفع الضرر ضرري بالنسبة الي الغير و دفع الضرر عن الغير ضرري بالنسبة الي الدافع و لا ترجيح لأحد الطرفين علي الأخر.

الناحية الثالثة: ان يتوجه الضرر ابتداءً الي الغير و الي المكره علي تقدير المخالفة اي مخالفة الجائر و كان الضرر المتوعد عليه أمرا مباحا في نفسه كما لو اكره الجائر بنهب أموال الغير و الا ينهب امواله و في هذه الصورة لا يجوز للمكره بالفتح نهب اموال الغير بل يجب عليه ترك النهب اذ دفع اموال نفسه الي الجائر أمر جائز فلا يجوز ارتكاب المحرم لأجل ترك المباح و بعبارة واضحة: نهب اموال الغير

حرام فلا يجوز للمكره بالفتح ارتكاب المحرم و الاستدلال بقاعدة رفع الإكراه و رفع الحرج علي جواز النهب قد ظهر جوابه مما مر اي كون الرفع امتنانيا و لا يشمل المقام و أما أخبار التقية فان المستفاد منها انها شرعت لحفظ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 406

بعض الجهات المهمة و ليس المستفاد منها انها شرعت لارتكاب كل محرم الا قتل النفس كي يقال ان مقتضي جواز التقية جواز نهب مال الغير او هتك عرضه عند الإكراه هذا ما افاده سيدنا الأستاد في المقام.

اذا عرفت ما ذكرنا من كلام الشيخ و ما أفاده سيدنا الأستاد نقول: قد ذكرنا في بحث قاعدة لا ضرر ان المستفاد من روايات تلك القاعدة حرمة الإضرار كما عليه شيخ الشريعة قدس سره لا ما ذهب إليه المشهور من ان مفادها نفي الأحكام الضررية في الشريعة المقدسة و عليه لا موضوع للبحث حول تلك القاعدة في المقام و أما علي تقدير الإغماض عن ذلك و الالتزام بما ذهب إليه المشهور فلا بأس بالتمسك بتلك القاعدة لرفع الحرمة عن التصرف في مال الغير اذا كانت الحرمة موجبة للضرر كما لو توقف دفع الضرر عن النفس علي الإضرار بالغير.

و ما في كلام الشيخ قدس سره و سيدنا الأستاد من أنه خلاف الامتنان علي جنس الأمة مدفوع بأنا لا نفهم المراد من الجملة المذكورة فان المستفاد من تلك القاعدة ان جعل القاعدة في كل مورد امتناني بالنسبة الي من تكون مجعولة له فان كان المراد من جنس الأمة ان جعلها امتناني بالنسبة الي كل واحد منهم فغير سديد فان انطباق القاعدة في كل مورد ليس امتنانيا لكل واحد من الأمة بل امتناني بالنسبة

الي من تنطبق عليه القاعدة فهذا الأشكال غير وارد نعم الاستدلال بالقاعدة يشكل من ناحية اخري و هو ان عدم جواز التصرف في مال الغير ضرري و أيضا جواز التصرف في مال الغير ضرري غاية الأمر عدم الجواز ضرري بالنسبة الي المتصرف و الجواز ضرري بالنسبة الي ذلك الغير و حيث انه لا يعقل الجمع بين الأمرين و من ناحية اخري لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر تسقط القاعدة بالمعارضة و تصل النوبة الي حرمه التصرف في مال الغير بلا أذنه و رضاه.

هذا بالنسبة الي قاعدة لا ضرر فعلي هذا لو توجه ضرر الي الشخص و أمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 407

دفعه بالأضرار بالغير لا يمكن الأخذ بالقاعدة لجواز الإضرار بالغير و بعد فرض عدم امكان الأخذ بقاعدة لا ضرر هل يمكن الأخذ بقاعدة رفع الاضطرار اذا صدق انه مضطر إليه؟ ربما يقال كما في كلام الشيخ قدس سره أنه خلاف الامتنان علي جنس الأمة و الجواب عن هذه الشبهة قد ظهر مما ذكرنا آنفا فمقتضي اطلاق الحديث انه لا مانع عن الأخذ بها و لو فرض ان الغير أيضا مضطر الي الإضرار الي من فرض اضطراره نلتزم بشمول القاعدة اياه أيضا و لا يتوجه اشكال فان دليل رفع الاضطرار يشمل كليهما فكل من الطرفين له ان يتصرف في مال الأخر لأجل الاضطرار و تشملهما القاعدة فمقتضي الصناعة هو الجواز بمقتضي قاعدة نفي الاضطرار الا ان يقوم اجماع تعبدي علي عدم الجواز.

و اما ما افاده الشيخ قدس سره بأنه لا حرج في عدم التصرف في مال الغير لو لم يكن مكرها عليه فيرد عليه أولا انه يكفي صدق الاضطرار فيؤخذ بدليل

رفعه و ثانيا لا اشكال في تحقق الحرج في بعض الموارد مثلا لو وقع الشخص مورد هجوم عدو او حيوان مفترس و امكنه الالتجاء الي ملك الغير كدخول داره او بقائه ليصون نفسه يكون ترك التصرف حرجيا او لو جاع و لم يجد ما يسد جوعه إلا خبز جاره و امكنه ان يأكله يكون ترك الأكل حرجيا فما افاده من عدم الحرج في الترك ليس تاما فلاحظ هذا كله فيما يتوجه الضرر الي الشخص ابتداءً و امكنه دفعه بالأضرار بالغير.

و اما اذا توجه الضرر الي الغير ابتداءً و امكن للمكلف دفع الضرر عنه فهل يجب الدفع عليه أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان الزام الشخص دفع الضرر عن الغير بتوجيهه الي نفسه ضرري نعم لو امكن دفع الضرر عن الغير بلا تحمل ضرر و بلا تحمل حرج فيمكن ان بقال يجب الدفع لان جواز السكوت و عدم الدفع ضرر ينفي بقاعدة نفي الضرر علي مسلك المشهور لا علي مسلكنا فلاحظ لكن دليل نفي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 408

الضرر يشكل شموله للحلية فان الضرر المرفوع الضرر المتوجه من قبل الشارع و اما الحلية فليس فيها الزام من قبل الشارع فلا مجال لرفعها بالضرر.

و اما لو توجه الضرر الي الغير ابتداءً ثم الي المكلف في صورة عدم قيامه بالاضرار بالغير كما لو اكرهه المكره علي نهب مال الغير و الا ينهب ماله فما هي الوظيفة؟ الظاهر ان حديث رفع الاكراه يقتضي جواز نهب مال الغير و الا يراد بأنه خلاف الامتنان قد ظهر الجواب عنه كما ان مقتضي حديث جعل التقية و انها شرعت لحقن الدماء الجواز.

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن ابي

جعفر عليه السلام قال: انما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية «1» و ما رواه ابو حمزة الثمالي قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام لم تبق الارض الا و فيها منا عالم يعرف الحق من الباطل و قال انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية 2.

فان المستفاد من هذين الحديثين الشريفين جواز كل فعل الا اراقة الدم و القتل و هذا العرف ببابك لكن الانصاف ان التأمل في الحديث يقتضي ان يقال انما جعلت التقية لاجل حقن الدم فلو كانت النفس في معرض الهلاك تجب التقية و اما اذا بلغت الدم لا يجوز الاقدام بإراقة دم الغير لاجل التقية، و صفوة القول ان الغاية لجعل التقية حفظ نفس المتقي لكن لا يجوز له ان يجعل الغير فداء لنفسه فلا يستفاد من الحديث جواز الاقدام بارتكاب كل محرم لاجل التقية فلاحظ.

نعم لا اشكال في جواز التقية في كل شي ء فانه يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في المقام جوازها و من تلك النصوص ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال: التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به «3» فانه يستفاد

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 31 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 409

من الحديث جواز التقية في كل ضرورة.

و منها ما رواه هشام و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل أُولٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمٰا صَبَرُوا؟ قال: بِمٰا

صَبَرُوا علي التقية وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال: الحسنة التقية و السيئة الاذاعة «1».

و منها ما رواه الاعجمي قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام يا با عمر ان تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له الحديث 2.

و يستفاد المدعي بالاولوية من النصوص الواردة في جواز سب مولي الموحدين تقية فانه لو جاز سبه جاز غيره من المحرمات بالأولوية بل يستفاد المدعي مما ورد في قضية عمار بل يستفاد المدعي أيضا من الكتاب فان المستفاد منه جواز التقية علي الإطلاق و الأظهر من الكل ما رواه زرارة قال: قلت له: في مسح الخفين تقية؟ فقال: ثلاثة لا اتقي فيهن أحدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا. «3» فان المستفاد من الحديث بوضوح جواز التقية في كل شي ء.

و لاحظ ما رواه الأعجمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انه قال: لا دين لمن لا تقية له، و التقية في كل شي ء الا في النبيذ و المسح علي الخفين «4».

فان المستفاد من الحديث ان التقية جائزة في كل شي ء الا في الأمور المذكورة لكن هذه الرواية ضعيفة سندا فان الأعجمي لم يوثق و علي الجملة لا مجال لأن يقال يستفاد من حديثي ابن مسلم و الثمالي بمقتضي الحصر المستفاد من كلمة «انما» ان التقية لأجل حقن الدم فقط و بعبارة واضحة: التقية منحصرة في مورد حفظ اراقة

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 24 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الامر و النهي و ما

يناسبهما الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 410

الدم فنقيد النصوص الدالة علي الجواز فلا تجوز التقية الا في هذا المورد فانه كيف يمكن الالتزام به و الحال ان المستفاد من حديث الأعجمي انه لا تقية في الأمور الثلاثة و هل يمكن الالتزام بوجوب عدم التقية في الأمور المذكورة و لو مع انتهاء الأمر الي قتل النفس؟ و أيضا كيف يمكن الالتزام بأن الامام عليه السلام لا يتقي في الأمور المذكورة و يسلم نفسه و يعرضها للقتل فيفهم ان التقية مشروعة لكل ضرورة اضف الي ذلك ما ورد من جواز اليمين كاذبا لحفظ مال نفسه او مال اخيه لاحظ ما رواه اسماعيل ابن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في حديث قال: سألته عن رجل احلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك فحلف قال:

لا جناح عليه و عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال:

لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي ماله؟

قال نعم «1».

و مرسلة يونس عن أحدهما عليهما السلام في رجل حلف تقية فقال: ان خفت علي مالك و دمك فاحلف ترده بيمينك فان لم تر أن ذلك يرد شينا فلا تحلف لهم 2

الي غيرهما من النصوص الواردة في الباب المشار إليه.

و يضاف الي ذلك كله ان انحصار جواز التقية بخصوص حفظ النفس مقطوع الفساد و لقائل أن يقول يقع التعارض بين هذه الطائفة و تلك الطائفة فان مقتضي هذه الطائفة مشروعية التقية علي الإطلاق و مقتضي تلك الطائفة اختصاص التقية بمورد خاص فما الحيلة؟ اقول حيث ان الحديثين كليهما مرويان عن الباقرين فلا يشخص الأحدث

كي يرجح فيتساقطان بالتعارض فتصل النوبة الي الأخذ بمطلقات التقية.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 12 من ابواب الايمان الحديث 1 و 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 411

و لكن هذا الجواب غير تام لأن مطلقات التقية بنفسها طرف للمعارضة و يمكن أن يقال أن انحصار التقية بمورد حقن الدم مقطوع الخلاف فلا يكون مفهوم الحصر حجة فالمرجع عمومات و مطلقات التقية بالإضافة الي ما ورد من الجواز في موارد عديدة من جواز سب المولي و حكاية عمار المذكورة في القرآن فلا اشكال في المسألة فاغتنم.

[الثاني أن الإكراه يتحقق بالتوعد]
اشارة

«قوله قدس سره: الثاني ان الاكراه يتحقق بالتوعد … »

الكلام في المقام يقع في جهات

الجهة الأولي في تفسير الاكراه

و الظاهر ان الاكراه بماله من المفهوم لا يتحقق الا مع كون المتوعد به مكروها للمكره بالفتح و ضررا بالنسبة إليه بحيث يصدق انه يخاف من وقوعه كما لو أوعده الجائر علي نهب ماله أو ضربه أو شتمه أو هتكه أو غير ما ذكر مما يضر بالمكره بالفتح و لا يشترط فيه أن يكون المتوعد به فعلا محرما بل يمكن أن يكون مباحا كما لو أوعد الزوج زوجته بطلاقها مثلا بل يمكن ان يكون أمرا مستحبا كما لو أو عده بمفارقته و الهجرة الي الأعتاب المقدسة و عدم رجوعه عنها و هل يتحقق بالتوعد بفعل الواجب فيما يكون مضرا بالمكره بالفتح؟

الظاهر انه يصدق و الجامع بين الأفراد ما يكون مضرا به و مكروها بحيث يصدق انه يخاف من وقوعه و الظاهر انه لا يشترط في صدق عنوان الإكراه وقوع الضرر ممن يكون راجعا إليه بل المقوم لصدق العنوان خوف الوقوع و التألم منه و ان كان مورده اجنبيا عنه كما لو كان مورده مؤمنا بل و لو كان كافرا بل و لو كان حيوانا و أما اذا لم يتألم من وقوعه و لا يخاف من تحققه فلا يصدق عنوان الإكراه مثلا لو كان الشخص لا يتأثر من الفضيحة فأوعده الجائر بهلاكته و سبه و شتمه و اهانته لا يصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 412

الاكراه لأنه لا يخاف كما هو المفروض.

و هل يشترط في صدق الإكراه ان يكون المكره عليه مكروها و مبغوضا للمكره بالفتح أم لا يشترط فيه ذلك؟ الظاهر هو الثاني فان الميزان في صدقه أن

يكون ارتكابه لأجل الخوف من وقوع ما توعد به به و لذا لو كان المكلف مشتاقا الي بعض المحرمات الإلهية و لكن لا يرتكبه خوفا من اللّه تعالي لكن الجائر اكرهه علي ارتكابه يصدق انه مكره عليه فالميزان في صدق العنوان ان المكلف لا يرتكبه من قبل نفسه و بإرادته و لو من باب كونه منهيا عنه شرعا.

الجهة الثانية: ان دفع الضرر عن المؤمنين بنفسه هل يكون موجبا لجواز الولاية عن الجائر أم لا؟

و قد تقدم تحقيق هذه الجهة قريبا و قلنا الأدلة غير وافية باثبات المدعي فلا بد من العمل علي طبق القواعد الأولية نعم علي تقدير تمامية سند ما رواه ابن ادريس يمكن القول بجواز قبول الولاية لإعانة المؤمنين لاحظ ما رواه محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب مسائل الرجال عن أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟

فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر فاللّه قابل العذر، و ما خلا ذلك فمكروه و لا محاله قليله خير من كثيره و ما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه يسبب و علي يديه ما يسرك فينا و في موالينا قال: فكتبت إليه في جواب ذلك اعلمه ان مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الي ادخال المكروه علي عدوه و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء اتقرب به إليهم فاجاب من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا و ثوابا «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 413

و الرواية التي ذكرها الشيخ الطبرسي عن امير المؤمنين عليه السلام في في

احتجاجه علي بعض اليونان قال: و آمرك أن تصون دينك و علمنا الذي أودعناك فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد و لا تفش سرنا الي من يشنع علينا و آمرك ان تستعمل التقية في دينك الي أن قال و ان اظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا و لا ينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك اولياءنا و اخواننا فان ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح اخوانك المؤمنين «1»، كبقية الروايات التي يمكن الاستدلال بها علي المدعي ضعيفة نعم مقتضي وجوب حفظ نفس المؤمن وجوب التصدي لحفظها من الهلاك و عند المزاحمة لا بدّ من ترجيح الأهم ملاكا و لذا لو دار الأمر بين حفظ المعصوم و حفظ فرد سوقي لا اشكال في وجوب تقديم حفظ المعصوم و لعل امره بالتأمل اشارة الي ما ذكر و صفوة القول انه مع الإكراه يصير كل محرم حلالا و أما مع عدم الإكراه فيجب حفظ نفس المؤمن و أما حفظ العرض أو المال فاثبات وجوبه مشكل.

الجهة الثالثة: انه مع جواز الإتلاف هل يتحقق الضمان أم لا؟

الحق هو التفصيل بأن يقال ان كان المدرك للجواز حديث رفع الإكراه فمقتضي القاعدة عدم الضمان فان مقتضي اطلاق قوله عليه السلام رفع ما استكرهوا عليه عدم الضمان و بعبارة اخري: الإكراه يقتضي رفع الحكم بلا فرق بين التكليفي و الوضعي و أما ان كان المدرك وجوب الإتلاف لأجل حفظ ما هو الأهم فمقتضي القاعدة ثبوت الضمان اذ لا تنافي بين الوجوب التكليفي و ثبوت

الضمان أو فقل:

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 414

لا تنافي بين رفع الحرمة التكليفية و بقاء الحكم الوضعي اي يجوز التصرف بل يجب لكن مع الضمان فلاحظ.

الجهة الرابعة: انه لو اكره الجائر شخصا علي معصية و علي تقدير الترك لا يتوجه ضرر الي المكره

بالفتح بل يكره الظالم شخصا آخر علي المعصية كما لو اكره الجائر شخصا علي شرب الخمر و أوعده بأنه لو لم يشرب يكره غيره علي شربه أو علي عصيان آخر ففي هذه الصورة لا وجه للجواز بالنسبة الي من اوعد أو لا اذ لا يصدق الإكراه بالنسبة إليه الا في صورة وجوب المنع عن عصيان الأخر ففي هذه الصورة يقع المقام في بحث التزاحم و يلزم اعمال قواعد ذلك الباب و في المقام عنوانان الاكراه و دفع الضرر و يترتب علي كل واحد من العنوانين فروع لا بدّ من رعاية الموازين و استخراجها عنها فلاحظ.

[الثالث انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين]

«قوله قدس سره: الثالث انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين … »

لا اشكال في اعتبار عدم امكان التفصي عن ارتكاب الحرام في صدق الإكراه و ببيان واضح: لا اشكال في عدم صدق الإكراه مع امكان الفرار بلا ضرر و لا حرج مثلا لو اكرهه الجائر علي شرب الخمر و أمكن للمكره بالفتح أن يشرب الماء بدل الخمر بلا توجه محذور لا يجوز أن يشرب الخمر و لا فرق فيما ذكرنا بين موارد الإكراه فان حكم الأمثال واحد و الميزان فارد فان الأحكام المترتبة علي الإكراه تتوقف علي تحققه و لا يتحقق الا مع عدم امكان التفصي.

[الرابع ان قبول الولاية مع الضرر المالي]

«قوله قدس سره: الرابع ان قبول الولاية مع الضرر المالي … »

الميزان في الجواز و عدمه صدق الإكراه او عنوان التقية أو الحرج أو الضرورة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 415

فان المستفاد من الأدلة ان تحقق احد هذه العناوين يوجب رفع الأحكام المترتبة علي مواردها بلا فرق بين المحرمات نعم قد استفيد من النص الخاص استثناء اراقة الدم و يتعرض الشيخ له عن قريب و لا فرق في الضرر المالي بين اليسير منه و الكثير و انما اللازم عنوان الإكراه أو عروض عنوان آخر من العناوين و العجب من سيدنا الأستاد حيث افاد علي ما في التقرير ان ادلة الإكراه لا تشمل المقام و لم نفهم انه بأي وجه لا تشمل و علي الجملة مقتضي رفع الإكراه جواز ارتكاب كل محرم الا القتل نعم ربما يدور الأمر بين ارتكاب الجامع بين الحلال و الحرام او يدور الأمر بين ارتكاب الأشد و الا ضعف فلا بد من رعاية المورد مثلا لو اكرهه الجائر علي شرب الخمر و الا

يكرهه علي الجلوس ساعة في المكان الفلاني الذي لا يضربه، لا اشكال في عدم جواز شرب الخمر و يجب أن يختار الجلوس و أيضا لو اكرهه علي النظر الي الأجنبية و الا يكرهه علي اللواط يجب أن يختار النظر الي الأجنبية الي غير ذلك من الموارد.

[الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن]
اشارة

«قوله الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن … »

في هذا الأمر فروع:

الفرع الأول: انه هل تجوز اراقة دم المؤمن بالإكراه عليها أم لا؟

تارة يبحث فيها من حيث القاعدة الأولية و اخري يبحث من حيث النص الخاص أما من حيث القاعدة فمقتضي اطلاق حديث الرفع هو الجواز كما صرح به الشيخ قدس سره و أما من حيث النص الخاص فلا يجوز لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و ما رواه أبو حمزة الثمالي 2.

و أفاد سيدنا الأستاد بأن المقام يدخل في باب التزاحم قال: و لو اكرهه علي القتل فان كان ما يوعد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل و أما اذا كان

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص: 408

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 416

القتل كما لو قال اقتل فلانا و الا قتلتك يجوز القتل للتخيير فان اراقة الدم محرمة كما ان قتل النفس حرام و لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر «1».

و يرد عليه انه يجوز قتل الغير مع الإكراه للإطلاق كما مر هذا مع قطع النظر عن النص و أما بلحاظ النص فلا يجوز و لو انجر الأمر الي هلاك نفسه لإطلاق دليل المنع و علي الجملة لا تصل النوبة الي ملاحظة قواعد باب التزاحم و صفوة القول انه لا يجوز قتل المؤمن بالإكراه و التقية و مقتضي اطلاق دليل المتع عدم الفرق بين افراد المؤمن من حيث العلم و الجهل و الصغر و الكبر الي غير ذلك من الجهات.

ان قلت لا بدّ من الفرق بين مورد الإكراه و التقية فان مقتضي النص عدم الجواز عند التقية و أما مع الإكراه فيجوز علي طبق القاعدة لإطلاق دليل رفع الإكراه فلا بد من التفصيل قلت: أولا التقية مفهوم

عام يشمل جميع موارد اذن الشارع في الوقاية فلا يختص الحكم بالتقية عن العامة فتأمل و ثانيا انه يفهم عرفا من النص الخاص في المقام انه لا تجوز اراقة الدم بلا فرق بين الموارد فلاحظ.

الفرع الثاني: انه هل يفرق في الحكم بعدم الجواز بين الموارد

بأن يقال انه تارة يكون فرد مهدور الدم بالنسبة الي كل واحد من المكلفين و يجوز قتله لكل احد و اخري يكون مهدور الدم بشرط صدور الاذن من الحاكم الشرعي و ثالثة يكون مهدور الدم لطائفة خاصة دون غيرهم أما القسم الأول فلا اشكال في جواز قتله و لو مع عدم عروض التقية فكيف بصورة تحقق التقية و أما القسم الثاني فالظاهر عدم الجواز الا مع الأذن من الحاكم فان مقتضي اطلاق دليل الحرمة عدم الجواز الا في الصورة الخاصة و أما القسم الثالث فعدم الجواز فيه اظهر و اوضح اذا لمفروض انه مهدور الدم لطائفة خاصة.

الفرع الثالث: هل تجوز اراقة دم المخالف بالتقية أم لا؟

لا يبعد ان يقال

______________________________

(1) مباني تكلمة المنهاج ج ج 2 ص: 13

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 417

ان المستفاد من النص ان جعل التقية لأجل حفظ اراقة دم المؤمن فانه الظاهر من النص بحسب الفهم العرفي فلا يشمل المخالف و من ناحية اخري ان مقتضي القاعدة الأولية جواز كل محرم عند التقية و الاضطرار و الإكراه.

و لكن الانصاف ان الجزم بهذه المقالة مشكل فان التقية مفهوم عام و الحكم مجعول بالنسبة الي كل أحد بلا فرق بين المؤمن و المخالف.

و العجب من سيدنا الأستاد انه كيف جوز قتل المخالف بالتقية و الحال ان الجواز خلاف الامتنان بالنسبة الي المقتول الا أن يقال ان الحكم المذكور لا دليل علي كونه امتنانيا و لكن سيدنا الأستاد يصرح بكون حكم التقية امتنانيا فلاحظ و مما ذكرنا في المخالف يظهر الحكم بالنسبة الي الذمي الذي يكون محقون الدم.

الفرع الرابع: انه هل المراد بالدم خصوص القتل او الأعم منه و من قطع الأعضاء و الجرح

الظاهر بحسب الفهم العرفي هو الأول فيجوز القطع او الجرح بعروض التقية و الإكراه لعموم الجواز و اختصاص دليل المنع بالقتل.

[المسألة السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة]
اشارة

«قوله قدس سره: السابعة و العشرون هجاء المؤمن حرام بالأدلّة الاربعة … »

يقع الكلام في هذه المسألة أولا في تحقيق معني الهجاء و ثانيا في حكمه فيقع البحث في مقامين أما

المقام الأول [في تحقيق معني الهجاء]

فقال في مجمع البحرين «الهجاء خلاف المدح و هجي القوم ذكر معايبهم الخ» و الذي يتبادر من اللفظ عند العرف ذم الغير و الوقيعة فيه و تنقيصه بذكر معايبه و احتمال اختصاص الهجو بما يكون بالشعر مردود بصحة الحمل و لو لم يكن بالشعر مضافا الي أن الظاهر ان مقتضي دليل الحرمة عدم الفرق بين أن يكون بالشعر و ما لا يكون كذلك ان قلت: ما الفرق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 418

بين السب و الهجاء؟ قلت: السب قد فسر في مجمع البحرين بالشتم و فسر الشتم فيه بالوصف الموجب للنقص و الأزراء فيمكن أن يقال ان السب اعم من الهجو فان الهجو قد فسر بذكر العيب و ان قلنا ان الهجو ينحصر بما يكون بالشعر فكونه اخص من السب اظهر.

و يظهر من سيدنا الأستاد ان الهجو عبارة عن السب حيث قال علي ما في التقرير: «الهجو في اللغة عد معايب الشخص و الوقيعة فيه و شتمه» و من ناحية اخري السب فسر بالشتم و الإنصاف ان مقتضي التبادر ان الشتم و السب لا ينطبقان علي الهجو و ان شئت قلت: ان المتبادر من السب و الشتم الإذلال و التحقير و التقريع لا الذم المقابل للمدح.

و أما

المقام الثاني [في حكمه]

فقد أفاد الشيخ قدس سره انه يحرم بالأدلة الأربعة فنقول:

أما العقل فقد مر كرارا انه لا مجال لاستفادة الحكم الشرعي منه و أما الإجماع فعلي تقدير تحققه و تحصيله لا يكون تعبديا كاشفا لأحتمال استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام و أما الكتاب فنقول، تارة يكون الهجو بالجملة الإنشائية و اخري بالجملة الخبرية أما علي الأول فيدل علي حرمته قوله تعالي وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ

«1» و اما علي الثاني فأيضا يدل علي حرمته قوله تعالي الدال علي حرمة الهمز و اللمز مضافا الي أنه يدل علي حرمته ما يدل علي حرمة الغيبة من الكتاب فانه يصدق عليه عنوان الغيبة في هذه الصورة مع اجتماع شرائط صدق العنوان المذكور.

و أما السنة فيدل علي حرمته ما يدل علي حرمة اهانة المؤمن منها ما رواه ابان بن تغلب عن ابي جعفر عليه السلام قال: لما اسري بالنبي صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) الهمزة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 419

قال يا رب ما حال المؤمن عندك؟ قال يا محمد من اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و انا اسرع شي ء الي نصرة اوليائي «1».

و منها ما رواه ابراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما من مؤمن يخذل أخاه و هو يقدر علي نصرته الا خذله اللّه في الدنيا و الآخرة «2».

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من استذل مؤمنا و احتقره لقلة ذات يده و لفقره شهره اللّه يوم القيامة علي رءوس الخلائق «3».

و منها ما رواه معلي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال اللّه عز و جل اني لحرب لمن استذل عبدي المؤمن و اني اسرع الي نصرة اوليائي «4».

و منها ما رواه ابو هارون عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لنفر عنده و انا حاضر: ما لكم تستخفون بنا قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال معاذ لوجه اللّه أن نستخف بك أو بشي ء من امرك فقال بلي انك احد من استخف

بي فقال معاذ لوجه اللّه ان استخف بك فقال له: ويحك أ لم تسمع فلانا و نحن بقرب الجحفة و هو يقول لك: احملني قدر ميل فقد و اللّه عييت، و اللّه ما رفعت به رأسا لقد استخففت به و من استخف بمؤمن فبنا استخف، و ضيع حرمة اللّه عز و جل «5». و منها غيرها مما ورد في الابواب المشار إليها.

و علي الجملة لا اشكال في حرمة الهجو لحرمة اهانة المؤمن و اذلاله فان انطبق عليه عنوان آخر من الغيبة أو البهتان أو النميمة أو غيرها من العناوين المحرمة

______________________________

(1) الوسائل الباب 146 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3) الوسائل الباب 147 من ابواب احكام العشرة الحديث 4

(4) نفس المصدر الحديث 8

(5) الوسائل الباب 148 من ابواب أحكام العشرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 420

تصير حرمته اشد كما هو ظاهر.

ثم انه لا فرق في الحرمة بين كون المهجو عادلا و كونه فاسقا و الخبر الذي اشار إليه الشيخ قدس سره علي فرض وجوده و تماميته سندا لا بدّ من حمله علي وجه لا ينافي ما ذكر فانه لا شبهة في عدم جواز اهانة الفاسق بما هو كذلك و الا كانت غيبة عامة الفساق بذكر معاصيهم جائزة و هو كما تري نعم يجوز هجو المخالف فانه لا حرمة له و قد دلت جملة من النصوص علي كونه كافرا، و قد تقدم الاشارة الي ذلك.

ثم انه هل يجوز بهت المخالف أم لا؟ مقتضي جملة من النصوص جواز بهت المبدع لاحظ ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله اذا رأيتم

أهل الريب و البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة «1».

و مقتضي الإطلاق جوازه حتي لو كان علي نحو الأخبار ان قلت: النسبة بين الكذب و البهتان عموم من وجه و يجتمعان في البهتان اذا كان علي نحو الأخبار فيقع التعارض بين دليلي حرمة الكذب و جواز البهتان المذكور قلت: لا يبعد أن لا يري العرف تعارضا بين الدليلين فان بهتان المبدع عنوان ثانوي و العناوين الثانوية تقدم علي العناوين الأولية عرفا فلاحظ.

و أما حديث أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت: ان بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم فقال لي: الكف عنهم أجمل، ثم قال: و اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 421

يا أبا حمزة ان الناس كلهم اولاد بغايا ما خلا شيعتنا، قلت: كيف لي بالمخرج من هذا، فقال لي: يا أبا حمزة كتاب اللّه المنزل يدل عليه أن اللّه تبارك و تعالي جعل لنا اهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء ثم قال عز و جل: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فان للّه خمسه و للرسول و لذي القربي و اليتامي و المساكين و ابن السبيل فتحن أصحاب الخمس و الفي ء و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه

الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان أو مالا الخ «1» فهو ضعيف سندا.

[المسألة الثامنة و العشرون الهجر و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه]

«قوله قدس سره: الثامنة و العشرون الهجر و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه … »

يظهر من اللغة ان الفحش عبارة عن ذكر ما يكون ذكره قبيحا و قد عقد صاحب الوسائل قدس سره بابا «2» تحت عنوان تحريم الفحش و لا مجال لإثبات حرمة الفحش بالنصوص الواردة في الباب المذكور فان اكثرها ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته و أما ما كان معتبرا سندا فلا يدل علي المدعي فان الحديث الأول من الباب لا يدل علي الحرمة بل يدل علي أن الفحاش علامة شرك الشيطان مضافا الي أن المذكور في الرواية عنوان الفحاش بصيغة المبالغة و أما الخبر الخامس من الباب فيدل علي ان الفحش مذموم و أما الخبر الثامن من الباب فيدل علي كون بعض اقسام الفاحش من اشر الناس و لا يكون الخاص دليلا علي العام نعم لا يبعد أن يستفاد من حديث أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: الحياء من الأيمان،

______________________________

(1) الروضة من الكافي الحديث 431 ص 285

(2) الباب 71 من الوسائل من أبواب جهاد النفس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 422

و الأيمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار «1»، حرمة الفحش فانه قد فسر بالبذاء و قد صرح في الرواية بأن البذاء من الجفاء و الجفاء في النار و لكن هل يمكن الالتزام بحرمة مطلق ذكر ما يكون ذكره قبيحا؟

«قوله قدس سره: هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة … »

اي يكون مذكورا في النوع الرابع و هو ما

يكون متعلق الاكتساب عملا محرما شرعا كالقمار و الكذب و غيرهما من المذكورات في النوع الرابع من كلامه.

[الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الإنسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا]
[أخذ الأجرة علي الواجب]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا … »

يظهر من كلام الماتن ان محل البحث الواجب الذي يعود نفعه الي المستأجر كالواجب الكفائي فانه لو أتي به واحد من آحاد المكلفين يسقط عن الآخرين و أما الواجب الذي لا ينتفع به المستأجر فلا كلام فيه و لا اشكال في بطلان الإجارة علي ذلك الواجب فمثل صلاة الظهر الواجبة علي احد لا تجوز الإجارة عليها لعدم انتفاع أحد بفعل الواجب علي الأخر.

و قال سيدنا الاستاد «2» في هذا المقام ما مضمون كلامه ان الكلام في هذا البحث ان الوجوب و العبادية هل ينافيان صحة الإجارة أم لا؟ بعد قطع النظر عن الجهات الأخر المعتبرة في باب الإجارة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب جهاد النفس الحديث 5

(2) مصباح ج 1 ص 461

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 423

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الأنسب أن نلاحظ جميع الوجوه الممكنة لأن تكون وجها و مستندا للمنع كي نري صحة تلك الوجوه المذكورة في مقام الاستدلال علي المدعي و عدمها و علي فرض تمامية الاستدلال نري مقدار قيامه و وفائه في مقام الاستدلال فنقول ما يمكن أن يذكر في المقام او ذكر وجوه:

الوجه الأول ان تعلق الوجوب بفعل يستلزم الإتيان به مجانا و بلا عوض

و عليه لا تجوز الإجارة عليه. و يرد عليه ان الدعوي المذكورة بلا دليل فانه اي منافاة بين كون الشي ء واجبا و بين وقوع الإجارة عليه حتي في الواجب العيني التعبدي كالصلوات اليومية فانه اي منافاة بين الأمرين الا أن يقوم دليل معتبر علي المدعي ففي كل مورد ثبت المنع بالدليل المعتبر نلتزم به و الا فلا.

الوجه الثاني: الإجماع

. و فيه ان الإجماع المنقول لا يكون حجة و أما المحصل منه فعلي فرض حصوله فهو محتمل المدرك و بعبارة اخري: كيف يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام مع وجود الوجوه المذكورة في المقام فهذا الوجه كسابقه في عدم الاعتبار.

الوجه الثالث: ان المنفعة في الإجارة لا بدّ من رجوعها الي المستأجر

و بعبارة اخري: مقتضي الإجارة التبادل في المنفعة و مال الإجارة اي تدخل المنفعة في المكان الذي كان مكانا لمال الإجارة و عليه تكون الإجارة علي الأفعال الواجبة باطلة لعدم تحقق الشرط المذكور فيها. و فيه ان مقتضي الاجارة في اجارة الافعال صيرورة الفعل الذي يكون مورد الإجارة ملكا للمستأجر و أما اشتراط المذكور في تقريب الاستدلال فلا دليل عليه.

الوجه الرابع: ان المنفعة اذا لم تكن راجعة الي المستأجر كما في اجارة الغير علي واجبه تكون الإجارة سفهية فتكون باطلة

. و فيه: أولا انه يمكن أن تكون في الإجارة المذكورة جهة عقلائية و بعبارة اخري: يمكن أن يكون الداعي للإجارة في نظر المستأجر غرض عقلائي بل يمكن أن ينتفع المستأجر بهذه الإجارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 424

نفعا اعتباريا او ماديا فان أولاده و أحفاده اذا كانوا مقيدين بالصلاة و الصوم يعظم ابو هم في الأنظار فلا تكون المعاملة سفهائية و ثانيا ان الدليل قائم علي بطلان معاملة السفيه لا علي بطلان المعاملة السفهائية و كم فرق بين المقامين.

الوجه الخامس: ان مقتضي قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

«1» عدم جواز أكل المال في مقابل الباطل فلو لم ترجع المنفعة الي المستأجر يكون الأكل أكلا بالباطل. و فيه أولا ان الجار الواقع في الآية الشريفة للسببية لا للمقابلة و ثانيا ربما ينتفع المستأجر بالإجارة المذكورة.

الوجه السادس: ان الفعل الواجب علي المكلف مملوك للّه تعالي و المملوك لا تصح اجارته

. و فيه انه ما المراد من الملك فان المملوكية الحقيقية و الملكية الواقعية التي يعبر عنها بالإضافة الإشراقية، موجودة في جميع الأفعال و الأمور و لا تختص بمورد دون آخر و ان كان المراد الملكية الاعتبارية فلا دليل علي كون الفعل الواجب مملوكا له تعالي بالملك الاعتباري.

الوجه السابع: ان تعلق الوجوب بفعل يقتضي سلب قدرة المكلف

و يشترط في صحة الإجارة كون الأجير قادرا علي الفعل الذي يكون مورد الإجارة. و يرد عليه أولا النقض بصحة اشتراط الواجب علي المكلف كما لو شرط علي المشتري في ضمن عقد البيع أن يصلي صلاته فانه لا اشكال في جواز الاشتراط المذكور و الحال ان القدرة علي المشروط معتبرة في الشرط و ثانيا نجيب بالحل و هو ان المانع عن الصحة تعلق الحرمة فان الفعل اذا كان محرما يمكن أن يقال كما يقولون بعدم صحة وقوع الإجارة عليه لعدم امكان الوفاء بعقد الإجارة شرعا و أما وجوب الفعل فلا يكون مانعا عن الصحة و صفوة القول: ان المعتبر في الإجارة الواقعة علي الفعل أن يكون الفعل الذي يكون مورد الإجارة مقدورا للأجير و من الظاهر

______________________________

(1) النساء/ 29

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 425

ان الوجوب لا يوجب سلب قدرة المكلف كما هو ظاهر.

الوجه الثامن: ان الوجوب يوجب سقوط مالية فعل الأجير

و لذا يجوز بل يجب اجباره علي العمل الواجب و مع عدم المالية لا تصح الإجارة. و فيه أولا انه لا دليل علي اشتراط الإجارة بكون العمل الذي يكون مورد الإجارة ذا مالية اذ غاية ما يترتب علي عدم المالية أن تكون المعاملة سفهية و قد تقدم انه لا دليل علي اشتراط الإجارة بكونها عقلائية و ثانيا ان جواز الاجبار لا يقتضي عدم مالية الفعل اذ الوجوب الشرعي يقتضي اجباره شرعا من باب الأمر بالمعروف و جواز الإجارة يقتضي اجباره علي الفعل من باب احقاق الحق و أخذ ما هو المطلوب في عهدته و لا تنافي بين الأمرين فلاحظ.

الوجه التاسع: ان العبادة متقومة بقصد القربة و عقد الإجارة يوجب انقلاب قصد القربة

اذ الأجير يقصد بفعله أخذ الأجرة فتكون العبادة فاسدة لعدم الإتيان بها بقصد القربة. و فيه انه لا منافاة بين الأمرين فان الأجير يتملك الأجرة بنفس الإجارة و لا يتوقف التملك علي العمل الخارجي و أما تسلم الأجرة فيمكن للأجير في بعض الموارد بلا تحقق العمل خارجا كما لو اشتراط علي المستأجر تسليم الأجرة قبل العمل كما انه يمكنه دائما بالفعل الخالي عن قصد القربة لأن المستأجر لا يحيط بما في نفس الأجير من القصد و أما حق المطالبة شرعا فهو متفرع علي الإتيان بالعمل قربة الي اللّه فلا تنافي بين الأمرين.

ان قلت: ان العبادة في جميع حلقاتها لا بدّ أن تنتهي الي اللّه فالداعي غير القربي يوجب فساد العبادة. قلت: انه ليس الأمر كذلك و كون الفعل لأجل اللّه في جميع حلقاته و مراتبه منحصر في عدة من الخواص و هم النبي صلي اللّه عليه و آله و اهل بيته عليهم صلوات اللّه و أما في غيرهم فلا فان الداعي للعبادة في العبادات اما الاحتراز

عن العقاب و اما جلب الثواب و اما دفع الإضرار الدنيوية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 426

و اما جلب المنافع المادية و هذا امر واضح لدي الكل.

ان قلت: ان دليل صحة الإجارة الامر بالوفاء الوارد في قوله تعالي أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و الوفاء عبارة عن الإتمام فالوفاء انما يحصل باتيان الفعل و العمل بقصد الانتهاء و الإتمام و الوفاء و من ناحية اخري لا بدّ في العبادة أن يؤتي بها بقصد القربة فالقصدان متنافيان و مع فرض التنافي لا يبقي دليل لصحة الإجارة و هو المدعي قلت: أولا ان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة بل هو دليل اللزوم لأن الوفاء كما ذكر في الاستدلال عبارة عن الإتمام و اتمام العقد عدم فسخه و الفسخ لا يكون حراما تكليفا بلا كلام فيكون حراما وضعا فيكون مرجع وجوب الوفاء بالعقد كونه لازما و من الظاهر ان اللزوم مترتب علي الصحة فلا بد من اثبات صحة العقد بدليل آخر غير وجوب الوفاء. و ثانيا ان مقتضي الوفاء و الإتمام الإتيان بمورد العقد باي وجه كان نعم لو كان مقتضي الوفاء الإتيان بالعمل بهذا الداعي ليس الا لكان الاستدلال تاما لكن لا دليل علي هذا المدعي بل الدليل علي خلافه.

ان قلت ان الأمر العبادي المتعلق بالعمل عبادي و قربي علي الفرض و الأمر الإجاري توصلي و لا يعقل أن يكون الواجب الواحد واجبا تعبديا و توصليا لأوله الي اجتماع الضدين قلت: الأمر الإجاري الناشي عن وجوب تسليم مورد الإجارة تابع لمتعلقه في التعبدية و التوصلية و يدل علي المدعي صحة تعلق النذر و العهد و اليمين و الشرط و امثالها الي الأمور العبادية و الحال

ان هذه الأوامر كلها توصلية و الحل ما ذكرنا فان التقريب المذكور جار في جميع هذه الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: كأن دليله الاجماع … »

قد ظهر بما ذكرنا انه لا مجال لإتمام الكلام بالإجماع.

______________________________

(1) المائدة/ 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 427

«قوله قدس سره: فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه … »

الظاهر انه لا دليل علي البطلان حتي في مثل اجارة المكلف نفسه لفعل صلاة الظهر عن نفسه فانه اي دليل يكون مانعا عن صحة الإجارة.

«قوله قدس سره: فهذا المعني ينافي وجوب اتيان العبادة … »

الحق انه لا تنافي بين الأمرين فان المستأجر يستحق العمل القربي في ذمة الأجير فلا منافاة بين القصدين بل بينهما كمال الملائكة.

«قوله: و اما تأتي القربة في العبادات المستأجرة … »

غرض الماتن من هذه العبارة دفع نقض عن نفسه و هو انه لا اشكال و لا خلاف في جواز النيابة في الأمور العبادية عن الغير فعلي فرض التنافي بين قصد القربة و اخذ الأجرة لا تجوز اجارة الغير للنيابة عن الغير في الصلاة و الصوم و الحج فأجاب الشيخ قدس سره بأن للنائب عن الغير في العبادات فعلين: احدهما فعل قلبي ثانيهما فعل خارجي و أما النيابة فهي الفعل القلبي و يستحب للمكلف أن يجعل و يعتبر نفسه نائبا عن الغير و بالإجارة تصير النيابة المستحبة واجبة. و ليس الوجوب المذكور وجوبا تعبديا كي يشكل بالتنافي و أما العمل الخارجي فهو امر عبادي و يشترط فيه قصد القربة فما وقع في مقابل الإجارة و الأجرة هو جعل النفس نائبا و أما العبادة فلا تقع في مقابل الأجرة كي يتوجه الأشكال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص:

428

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن لازم هذا التقريب استحقاق الاجرة بمجرد جعل النفس نائبا و عدم التوقف علي العمل الخارجي و فساده واضح ظاهر. و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور ان الجعل المقارن مع العمل مورد الاجارة فلا اثر للنيابة الخالية عن العمل و يمكن أن يقال في مقام رد الماتن انه فرضنا جعل النائب نفسه نائبا عن المنوب عنه لكن نسأل ان النائب حين العمل هل يأتي بالعمل بعنوان النيابة عن الغير أو يأتي بعنوان نفسه أولا هذا و لا ذاك؟

أما الثالث فغير معقول فان الاهمال غير معقول في الواقع و أما الثاني فتكون النيابة لغوا اذ المفروض ان النائب قصد وقوع الفعل عن نفسه فان جعل النفس نائبا لا يوجب الانقلاب واقعا كما هو ظاهر و أما علي الاول فيعود اشكال التنافي المذكور في كلام الشيخ قدس سره مضافا الي أن المستفاد من ادلة استحباب النيابة اتيان العمل عن الغير لاحظ النصوص الدالة علي المطلوب منها ما رواه محمد بن مروان قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين يصلي عنهما و يتصدق عنهما و يحج عنهما و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك فيزيده اللّه عز و جل ببره وصلته خيرا كثيرا «1».

و منها ما رواه علي بن أبي حمزة قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام أحج و أصلي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال: نعم تصدق عنه وصل عنه و لك أجر بصلتك اياه «2» الي غيرهما من النصوص المذكورة في الباب المشار إليه.

فان المستفاد من النصوص المذكورة بالفهم العرفي جعل

نفس العبادة عن الغير و اتيانها بعنوان المنوب عنه و قد تقدم عدم التنافي بين الأمرين و هذا هو العمدة

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب قضاء الصلوات الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 429

في دفع الأشكال عن جميع الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ما كان من قبيل الاجارة غير قابل لذلك … »

بل ذكرنا انه قابل و قلنا ان اللازم في مورد الاجارة أن يأتي المكلف بما تعلق به الاجارة و من الظاهر ان الاجارة لو وقعت علي العبادة يمكن للمكلف أن يأتي بها مع قصد القربة.

«قوله قدس سره: فان قلت يمكن ان تكون غاية الفعل التقرب … »

و الحاصل انه ربما يقال بأنه لا تنافي بين الأمرين فانه يقصد الاخلاص و الداعي علي الاخلاص الحصول علي الفوائد الدنيوية فاجاب بأنه فرق بين الامور المطلوبة من اللّه و بين ما يراد من المخلوق فان الطلب منه تعالي يؤكد الإخلاص. و يرد عليه انه لا فرق بين الموردين و لذا لو صلي أحد للدخول في الجنة أو لعدم دخول النار تكون صلاته باطلة و صفوة القول ان الغرض من الفعل ان كان مضرا بالإخلاص فيضربه علي الاطلاق و الا فلا مضافا الي أن لازم كلامه عدم الأشكال فيما يكون غرضه اخذ الأجرة لإدارة امور من تجب ادارته شرعا كالزوجة مثلا فلا يكون قصد أخذ الأجرة مضرا علي نحو الاطلاق.

«قوله قدس سره: في الجملة … »

يمكن أن يكون ناظرا الي أنه لو وجب علي المكلف واجب تعبدي كفائي كالتخيير بين القصر و الإتمام في موارد التخيير فآجر المكلف نفسه للإتيان بالتمام مثلا لا يشمله دليل المنع لعدم وجوبه شرعا فيجوز

وقوع الإجارة عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 430

«قوله قدس سره: أقواهما ان التنافي بين … »

قد تقدم منا عدم التنافي بين الامرين.

«قوله: ثم ان صلح ذلك الفعل … »

بأن يستأجر الغير لدفن ميت و ان الدفن الصادر عن الأجير يوجب سقوط التكليف عن الأجير و المستأجر اذ المفروض انه واجب كفائي.

«قوله: او اسقاطه به … »

كما لو استأجر ولي الميت شخصا لأن يصلي علي الميت فان صلاة الأجير توجب الأسقاط عن المستأجر الولي للميت.

«قوله: او عنده … »

يمكن أن يكون المراد انه يسقط عند المستأجر باجتهاده أو تقليده و هذا خلاف ظاهر العبارة فان الظاهر من العبارة ان الشيخ قدس سره في مقام بيان ثلاثة اقسام:

بأنه قد يحصل الامتثال و ربما يسقط به و ثالثة يسقط عنده و يمكن أن يكون المراد من العبارة ان صلاحية الفعل الصادر من الاجير و المستأجر معا بطور الكفاية كدفن الميت المسلم فدفنه الأجير بعنوان امتثال الأمر المتوجه الي المكلفين بالدفن فانه يتحقق الامتثال و يستحق الأجرة لعدم كون وجوب الدفن تعبديا، و أما اسقاطه به فبأن يقصد بالدفن الوفاء بعقد الإجارة فانه يسقط الوجوبان وجوب الدفن و وجوب الوفاء و أما كونه صالحا لان يسقط وجوب الدفن عنده فبأن يقصد بالدفن النيابة عن المستأجر فانه يسقط وجوب الدفن عند دفنه نيابة.

و لكن يمكن أن يرد علي البيان المذكور أولا: بأن الأمر بالدفن يسقط بالنيابة كما يسقط بالأصالة فلا وجه للترديد و التشقيق فان مقتضي اطلاق الدليل تحقق الامتثال باي وجه كان و ثانيا: ما الدليل علي مشروعية النيابة فان النيابة أمر علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 431

خلاف القاعدة الأولية و تحتاج الي

الدليل و مع عدمه لا تكون مشروعة.

و يمكن أن يفسر عبارة المتن هكذا بأن نقول: لو قلنا بعدم منافاة قصد القربة مع الإجارة يتحقق الامتثال باتيان المأمور به بداعي الأمر المتوجه إليه و أما السقوط به ففي مورد انتفاء الموضوع كما لو استأجره لأزالة النجاسة عن المسجد فاز إلها عنه فانه يسقط الوجوب بانتفاء الموضوع و أما السقوط عنده فالمراد ان الواجب يسقط بخروج الوقت و انقضاء زمان الواجب فالنتيجة انه تارة يحصل الامتثال و اخري يسقط الأمر بانتفاء الموضوع و ثالثة يسقط بخروج الوقت و بعبارة واضحة سقوط الأمر تارة بالامتثال و اخري بانتفاء الموضوع و ثالثة بانقضاء الوقت.

و لكن يرد عليه انه لو لم يكن فعل الأجير مؤثرا في سقوط الأمر يكون معناه عدم صحة الإجارة لأول الأمر الي عدم قدرة الأجير علي الاتيان بما تعلق به الإجارة مضافا الي أن هذا التفسير مناف مع عبارة الشيخ حيث قال و ان لم يصلح استحق الأجرة و بقي الواجب في ذمته فيعلم انه مع الصلاح لا يبقي الواجب في الذمة بل يسقط بفعل الأجير.

و قال السيد اليزدي في حاشيته علي المكاسب أما الامتثال فكما اذا استاجره لدفن الميت عن نفسه فدفنه كذلك و أما الأسقاط به اي بالفعل فكما اذا استاجره للدفن نيابة عنه فانه لو اتي به عنه يسقط عنه الوجوب بسبب هذا الفعل و أما السقوط عنده فلم أفهم المراد منه. و يرد عليه ما أوردناه قريبا و قلنا لا دليل علي النيابة و اللّه العالم.

«قوله: و ان لم يصلح استحق الاجرة … »

اذا قلنا بعدم الصلاح يكون لازمه بطلان عقد الإجارة اذ مع عدم الصلاح لا يكون الأجير قادرا علي الإتيان

بمورد الإجارة و مع عدم القدرة لا تكون الإجارة صحيحة فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 432

«قوله: قدس سره: لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله اكل للمال بالباطل … »

قد ظهر مما تقدم عدم تمامية البيان المذكور فان وجوب الفعل لا يوجب كونه مملوكا له تعالي و امكان اجباره عليه لا يقتضي اسقاط احترامه و عدم جواز اخذ الأجرة عليه و أما كونه سفهيا فيرد عليه أولا انه يمكن تصور غرض عقلائي فيه فلا يكون سفهيا و ثانيا قد ذكرنا عدم دليل علي بطلان العقد السفهائي.

«قوله قدس سره: و مما يشهد بما ذكرنا انه لو فرض ان المولي امر بعض عبيده … »

هذه الدعوي بلا دليل و مصادرة بالمطلوب اذ لا اشكال في أنه يصدق ان الأجير جعل فعله الواجب عليه في مقابل الأجرة التي يأخذها من المستأجر.

«قوله قدس سره: لا من باب المعاوضة … »

افاد السيد في الحاشية: ان الظاهر من النص و الفتوي ان الأخذ بعنوان العوض و لا يبعد أن يكون الظاهر من حديث هشام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمن تولي مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟ فقال ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك «1»، كون الأخذ بعنوان العوض و علي كل حال الأمر سهل.

«قوله قدس: و منه يظهر عدم جواز أخذ الاجرة علي المندوب اذا كان عبادة … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 433

و قد تقدم انه لا تنافي بين العبادية و أخذ الأجرة فلا فرق بين الواجب و

المستحب من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: علي أحد فرديه … »

بتقريب ان أحد فرديه لا يكون واجبا عليه بالخصوص فلا مانع عن أخذ الأجرة. و فيه انه قد ظهر مما تقدم ان صفة الوجوب لا تنافي أخذ الأجرة فلا وجه للتفصيل.

«قوله: و ان قلنا بان اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع … »

و هذا التقريب تام فالأشكال متوجه و لكن الكلام في أصل الأشكال و قد مر عدم تماميته فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم تجوز النيابة»

قد تقدم الأشكال في النيابة.

«قوله فافهم»

يمكن أن يكون اشارة الي عدم خروجه عن محل الكلام لأن المفروض ان العمل واجب علي الأجير كما يكون واجبا علي المستأجر. لكن يرد عليه انه لو قلنا بجواز النيابة و قطعنا النظر عما ذكرنا في النيابة لا وجه للأشكال لأنه يأخذ الأجرة علي جعل نفسه نائبا فالأجرة في قبال الأمر غير العبادي.

«قوله قدس سره: ثم انه قد يفهم … »

لا محصل تحت هذا الكلام فانه لا دليل علي هذه الدعوي فلا يكون مانع عن جواز أخذ الأجرة و صفوة القول ان المانع عن أخذ الأجرة أن يفهم من الشرع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 434

تعلق الوجوب بالعمل المجاني و بلا عوض و اما ان لم يفهم من الشرع كون العمل مجانيا فلا مانع من الأخذ و مجرد كونه من حقوق الناس لا يستلزم اشتراط كونه بلا عوض.

«قوله قدس سره: ثم ان هنا اشكالا مشهورا … »

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 434

لا وجه لهذا الأشكال اذ قد مر ان

الوجوب المتعلق بفعل لا ينافي أخذ الأجرة عليه كما انه قد مر انه لا يكون مصداقا للباطل و أيضا قد مر الجواب عن كل أمر يكون قابلا لأن يذكر في مقام المنع فلا مجال للأشكال كي يحتاج الي الجواب عنه.

«قوله قدس سره: و الا جاز للطبيب … »

يشكل ما أفاده بأن المقام من موارد الأمور الحسبية فلا بد من تصدي من له الولاية و السلطنة الطبيب اوّل الكلام و الأشكال الا مع عدم امكان الوصول الي الحاكم أو العادل في فرض عدم وجود الحاكم.

«قوله فافهم»

يمكن أن يكون اشارة الي ان الآية ظاهرة في الإرضاع الاختياري المنصرف عن ارضاع اللبأ الواجب عليها.

«قوله قدس سره: لا يتصف بالاستحباب الا مع الاخلاص الّذي ينافيه … »

قد تقدم عدم التنافي بين اخذ الأجرة و الإخلاص فيجوز اخذ الأجرة علي العبادة المستحبة كما يجوز أخذها علي العبادة الواجبة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 435

«قوله قدس سره: بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير … »

الشيخ قدس سره حيث يري التنافي بين اخذ الأجرة في النيابة و قصد القربة و من ناحية اخري لا اشكال في جواز استيجار الغير للنيابة في العبادات من الصلاة و الصوم و الحج تصدي لرفع الأشكال و دفع التنافي و اجيب عن اشكال التنافي بأجوبة:

الجواب الأول ما افاده الشيخ قدس سره في المقام و حاصل ما افاده ان للنائب عن الغير فعلين فعل قلبي اي جعل نفسه نائبا عن الغير و فعل خارجي اي نفس العبادة و بعبارة واضحة: ان لكل من الأمرين ماهية و وجود و لا يرتبط احدهما بالآخر فما قوبل بالأجرة اي النيابة لا يشترط فيه قصد القربة و ما يشترط فيه

قصد الإخلاص لا يقابل بالأجرة فلا يتوجه الأشكال.

و أورد عليه السيد في الحاشية و كذلك سيدنا الأستاد بأن الإجارة اذا كانت واقعة في قبال النيابة يلزم استحقاق الأجرة بمجرد قصد النيابة و جعل نفسه نائبا و هل يمكن الالتزام به؟

و ربما يذب الإيراد المذكور بأنه يمكن أن تقع الاجرة في مقابل النيابة التي تكون مقارنة مع الفعل الخارجي و لكن لا يتم الأمر اذ الإجارة اما تقع في قبال الفعل الخارجي و العبادة باي قسم نقول و نتصور و اما لا مدخل للفعل الخارجي في مورد الإجارة فعلي الأول يعود محذور التنافي المتوهم في المقام و علي الثاني لا يمكن الالتزام به كما في كلام السيد اليزدي و سيدنا الاستاد.

الجواب الثاني: ما عن الشيخ قدس سره أيضا في رسالة القضاء و هو ان النية مشتملة علي قيود منها كونه خالصا له تعالي و منها كونه اداء أو قضاء عن نفسه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 436

أو عن الغير بالأجرة أو بغير الأجرة و لا يرتبط كل واحد منها بالآخر و الأجرة واقعة في قبال قصد النيابة الذي لا يعتبر فيه الإخلاص و قيد الاخلاص غير مقابل بالأجرة بل هو قيد للفعل المستأجر عليه. و يرد عليه ان المفروض ان الأجرة واقعة في مقابل العمل القربي فيعود المحذور المتوهم مضافا الي ما عن المحقق الأصفهاني و هو ان الفعل القلبي و الخارجي و ان كانا متغايرين وجودا لكن المفروض ان الفعل القلبي بما له من الغاية مؤثرة في الفعل الخارجي فيعود المحذور.

الجواب الثالث: ان النيابة امر جائز و راجح شرعا و ربما تجب بالإجارة و قد ذكرنا انه لا تنافي و لا تضاد بين

قصد القربة و أخذ الأجرة و لعمري هذا واضح ظاهر و لقد أجاد السيد في حاشيته حيث قال «لقد أسفر الصبح».

«قوله قدس سره: فان قلت الموجود في الخارج … »

فان الإيراد عبارة عن أن الواقع في الخارج شي ء واحد فاذا قلنا بعدم جواز تعلق الإجارة بما يعتبر فيه قصد القربة لا مجال لاتمام الأمر فأجاب الشيخ عن الإيراد بأن الإجارة لا تجوز أن تقع علي ما يعتبر فيه قصد القربة و ان كان متعلقها متحدا مع ما لا يعتبر فيه قصد القربة و لكن لو انعكس الأمر بأن تعلق عقد الإجارة بما لا يعتبر فيه قصد القربة لا يتوجه اشكال و ان كان ما تعلق به العقد متحدا مع ما يعتبر فيه قصد القربة و المقام من قبيل الثاني فلا مجال للأشكال و أراد قدس سره بقوله: فالصلاة الموجودة في الخارج الخ ان ما تعلق به العقد في المقام عنوان النيابة و المفروض عدم اعتبار قصد القربة فيها.

و يرد عليه انه لو فرض الاتحاد الوجودي كما هو المفروض يعود محذور التنافي فلاحظ و لقائل أن يقول لو فرض تمامية التنافي المتوهم في المقام امكن اتمام الأمر بنحو آخر و هو الإتيان بالعبادة نيابة مع الغفلة عن كونه اجيرا بأن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 437

يعتقد وجوب النيابة عليه شرعا فلو أمكن في مورد ايجاد الاعتقاد المذكور مع الغفلة عن وقوع الإجارة لا يبقي اشكال و لكن يتوقف ذلك علي المقدمة المذكورة.

«قوله قدس سره: و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه الي المباح و الراجح و المرجوح»

أما المباح فكما لو ناب عن الميت في الصلاة بدون قصد القربة فان مثل هذه النيابة مباح و أما

الراجح فكما لو ناب مع قصد القربة و اما المرجوح فكما لو ناب عن غيره في الصلاة في الحمام أو في المغصوب فانه مرجوح فلاحظ.

«قوله قدس سره: ما ورد … »

لاحظ ما رواه ابن سنان قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام اذ دخل عليه رجل فاعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن اسماعيل، و لم يترك شيئا من العمرة الي الحج الا اشتراط عليه، حتي اشتراط عليه أن يسعي في وادي محسر، ثم قال: يا هذا اذا أنت فعلت هذا كان لاسماعيل حجة بما أنفق من ماله و كانت لك تسع بما أتعبت من بدنك «1».

«قوله قدس سره: لان استحقاق الحمل … »

الظاهر انه لا فرق بينهما و انه يجوز الاحتساب لنفسه في كلتا الصورتين فان المستأجر يطلب الحمل او الإطافة و كل من الأمرين لا ينافي القصد لنفسه فان شأن الأجير في الصورتين شأن الدابة و يحصل الغرض علي كل تقدير و كون الحركات الخاصة مملوكة للغير لا يكون مانعا عن صحة الطواف عن نفسه اذ المفروض ان الأجير يأتي بما عليه من العمل المستأجر عليه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب النيابة في الحج الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 438

و ان شئت قلت: مقتضي اطلاق دليل الطواف جواز الإتيان به بهذا النحو في مفروض الكلام مضافا الي النص الدال علي المقصود لاحظ ما رواه التميمي عن ابيه قال حججت بامر أتي و كانت قد اقعدت بضع عشرة سنة، قال فلما كان في الليل وضعتها في شق محمل و حملتها انا بجانب المحمل و الخادم بالجانب الأخر قال: فطفت بها طواف الفريضة و بين الصفا و المروة و اعتددت به

انا لنفسي ثم لقيت أبا عبد اللّه عليه السلام فوصفت له ما صنعته، فقال: قد أجز أعنك «1» و مثله غيره الوارد في الباب المشار إليه فلاحظ.

نعم لو كان اجيرا للنيابة عن الغير لا يجوز له أن يقصد الطواف عن نفسه أيضا فان التداخل يحتاج الي الدليل و بعبارة واضحة: يجب عليه امران: احدهما بالاستقلال ثانيهما بالنيابة و تحقق الأمرين معا بفعل واحد يحتاج الي الدليل.

«قوله: انه لا يجوز اخذ الاجرة علي اذان … »

قد ظهر مما تقدم ان أخذ الأجرة علي العبادة امر جائز فعلي طبق القاعدة الاولية لا يكون مانع و أما بلحاظ النص الخاص فقد وردت في المقام جملة من النصوص منها ما رواه السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليه السلام قال آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي اذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك، و لا تتخذن مؤذنا يأخذ علي أذانه أجرا «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه الصدوق مرسلا قال: اتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

يا امير المؤمنين و اللّه اني لأحبك فقال له: و لكني أبغضك، قال: و لم؟ قال لأنك تبغي في الأذان كسبا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا 3 و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام في هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب الطواف الحديث 1

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 38 من ابواب الاذان و الاقامة الحديث 1 و 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 439

و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر «1» و حمران الواقع في السند لم يوثق مضافا الي

أنه لا يستفاد من الحديث بطلان الإجارة بل المستفاد منها كون اخذ الأجرة في مقابل ما ذكر مرجوحا فلاحظ.

[الأجرة علي تحمل الشهادة]
اشارة

«قوله قدس سره: تحمل الشهادة بناء علي وجوبه … »

يقع الكلام تارة في وجوب الشهادة أو تحملها و اخري في جواز اخذ الأجرة علي تقدير الوجوب فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [في وجوب الشهادة أو تحملها]

فالمستفاد من الكتاب وجوب التحمل و وجوب الأداء لاحظ قوله تعالي وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «2» و قوله تعالي وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ 3.

و تدل علي المدعي أيضا جملة من النصوص الواردة في المقام منها ما رواه هشام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل: «وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ» قال:

قبل الشهادة و قوله: «و من يكتمها فانه آثم قبله» قال: بعد الشهادة «4» و غيره مما ورد في الباب المشار إليه. فالنتيجة. ان تحمل الشهادة و كذا ادائها واجب و أما

المقام الثاني [في جواز أخذ الأجرة عليها]

فقد تقدم انه لا تنافي بين الوجوب و لو كان عينيا و أخذ الأجرة.

«قوله قدس سره: كون التحمل و الاداء حقا … »

اثبات هذه الدعوي مشكل مضافا الي أنا قد ذكرنا مرارا أن الجار في الآية ليس للمقابلة بل للسببية فعلي هذا لا مجال للاستدلال علي المدعي بما أفاده الشيخ قدس سره من أنه أكل للمال بالباطل فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 6

(2) (2 و 3) البقرة/ 282 و 283

(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 440

«قوله قدس سره: فالطاهر عدم وجوبه …

»

يمكن أن يكون وجه عدم الوجوب قاعدة نفي الضرر. و يرد عليه ان هذا التقريب انما يتم علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة الذي اخترناه فلا يتم الاستدلال بالقاعدة كما هو ظاهر و يمكن أن يكون الوجه فيه انصراف دليل الوجوب عن صورة توقف الأداء أو التحمل علي البذل و دعوي الانصراف عهدتها علي مدعيها و عليه يجب الا أن يقوم اجماع تعبدي كاشف علي عدم الوجوب.

«قوله قدس سره: لكونه فقيرا … »

قال السيد قدس سره في حاشيته انه مع كونه فقيرا يجوز له أخذ الأجرة اذ يجب عليه تحصيل النفقة لعياله. و يرد عليه انه ان كان المستفاد من الدليل عدم جواز اخذ الأجرة فلا فرق بين كونه فقيرا و بين كونه غنيا و ان لم يكن المستفاد من الدليل عدم الجواز فأيضا لا فرق بين الصورتين الا أن يقال مع كونه فقيرا لا يجب عليه التصدي للامور المذكورة و مع عدم الوجوب لا موضوع للبحث فيجوز أن يأخذ الأجرة. و كيف كان فلا اشكال في أن ولي المسلمين لو رأي المصلحة في الإعطاء من بيت المال يجوز له و لكن يمكن أن لا يكون الأخذ جائزا لمن يقيم بالأمر لعدم احتياجه الي المال المأخوذ فلاحظ.

و صفوة القول: ان الارتزاق من بيت المال و جوازه منوط بنظر ولي الأمر لكن الاخذ لو لم يكن محتاجا و كان واجبا عليه القيام بالأمر يشكل جواز اخذه و أما الأجر فعدم جواز اخذه متوقف علي قيام الدليل علي عدم الجواز كما قام الدليل علي عدم جواز الأخذ للقضاء لاحظ ما رواه عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام

كل شي ء غل من الإمام فهو سحت، و السحت انواع كثيرة، منها ما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 441

اصيب من اعمال الولاة الظلمة و منها اجور القضاء و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة فاما الرشا يا عمار في الأحكام فان ذلك الكفر باللّه العظيم و برسوله صلي اللّه عليه و آله «1».

[خاتمة تشتمل علي مسائل]
[الأولي صرح جماعة بحرمة بيع المصحف]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي صرح جماعة كما في ية و ئر و كره و س و مع صد بحرمة بيع المصحف … »

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين

المقام الأول في حكم بيع المصحف وضعا

المقام الثاني في حكم بيعه تكليفا أما المقام الأول فنقول: مقتضي القاعدة الأولية جوازه وضعا فان رفع اليد عن اطلاق دليل الصحة يحتاج الي الدليل و لا يستفاد الحرمة الوضعية من نصوص الباب فانه قد ثبت في الأصول كون النهي ظاهرا في الحرمة التكليفية و رفع اليد عن الظهور المذكور لا وجه له و ما اشتهر فيما بين القوم من أن النهي في باب المعاملات ظاهر في الحرمة الوضعية لا دليل عليه نعم لو علم من الخارج في مورد ان العقد الفلاني لا يحرم تكليفا لا بدّ من حمل النهي علي الحرمة الوضعية و الا فلا و لذا نري انهم لا يحملون النهي عن بيع وقت النداء علي الحرمة الوضعية بل يبقون النهي بحاله و يحملونه علي التكليفية مضافا الي التعارض الواقع بين نصوص الباب و نشير إليها و الي تعارضها عن قريب إن شاء اللّه تعالي.

و أما

المقام الثاني [في حكم بيعه تكليفا]
اشارة

فمقتضي القاعدة الأولية هو الجواز كما هو ظاهر و اما بالنظر الي النص الخاص فقد وردت طائفتان من الروايات الطائفة الأولي: ما يدل علي الحرمة منها ما رواه ابن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سمعته يقول:

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب ما يكتسب به الحديث 12

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 442

ان المصاحف لن تشتري فاذا اشتريت فقل: انما أشتري منك الورق و ما فيه من الأديم «آدم» و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال: لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و

الورق و الدفتين و قل:

أشتري منك هذا بكذا و كذا 2.

و هذه الرواية تامة سندا و الأشكال في الرواية من جهة كون عثمان بن عيسي في السند في غير محله اذ قد صرح الشيخ قدس سره بوثاقته قال سيدنا الأستاد: «و ذكر الشيخ في كتاب العدة عمل الطائفة برواياته لأجل كونه موثوقا به و متحرجا عن الذب «3» فلا اشكال في السند من هذه الناحية.

و منها ما رواه عثمان بن عيسي قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال:

لا تشتر كلام اللّه و لكن اشتر الحديد و الجلود و الدفتر و قل: أشتري هذا منك بكذا و كذا «4» و الرواية تامة سندا و دلالة.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال: سألته عن شراء المصاحف فقال: اذا اردت أن تشتري فقل أشتري منك ورقه و أديمه و عمل يدك بكذا و كذا «5» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها ما رواه المدائني عن أبي عبد اللّه عليه السلام في بيع المصاحف قال:

لا تبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الأديم «6» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 31 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) معجم رجال الحديث ج 11 ص 120

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3

(5) نفس المصدر الحديث 6

(6) نفس المصدر الحديث 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 443

و منها ما رواه سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و اياك ان تشتري منه الورق

و فيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما و علي من باعه حراما «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا و في المعتبر من هذا الطائفة كفاية لاثبات الحرمة.

الطائفة الثانية: ما يدل علي الجواز لاحظ ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن شراء المصاحف و بيعها فقال: انما كان يوضع الورق عند المنبر، و كان ما بين المنبر و الحائط قدر ما تمر الشاة او رجل منحرف قال: فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك. ثم انهم اشتروا بعد، قلت فما تري في ذلك؟ فقال لي: أشتري احب الي من أن أبيعه، قلت: فما تري ان أعطي علي كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون «2».

و لاحظ ما رواه ابو بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: انما كان يوضع عند القامة و المنبر قال: كان بين الحائط و المنبر قيد ممر شاة و رجل و هو منحرف فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي ء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا، ثم انهم اشتروا بعد ذلك فقلت فما تري في ذلك؟

فقال أشتريه احب الي من أن ابيعه «3».

و لاحظ ما رواه روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام مثله و زاد فيه قال قلت: ما تري أن اعطي علي كتابته أجرا، قال لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون «4».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 8

(4) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 444

فيقع التعارض بين الطرفين و حمل اخبار المنع علي الكراهة كما في كلام سيدنا الأستاد

لا وجه له فانه لا شاهد لدعواه و قوله عليه السلام «اشتري احب الي من أن ابيع» لا يدل علي كراهة البيع بل يدل علي أن الاشتراء احب إليه فلا بد من العلاج و حيث ان المرجح منحصر في الأحدثية و الأحدث غير معلوم يلزم التساقط فتصل النوبة الي الأدلة الأولية و مقتضاها الجواز اضف الي ذلك أنه لا اشكال و لا كلام في جواز البيع وضعا و تكليفا فلاحظ.

لكن لقائل أن يقول ان حديث المنع أحدث فان عثمان بن عيسي لا يروي عن أبي جعفر و لا عن أبي عبد اللّه و انما يروي عن أبي الحسن الأول و عن الرضا و أبي جعفر الثاني و علي كل تقدير يكون حديثه أحدث من بقية الروايات فانها مروية عن الصادق عليه السلام فلا بد من الأخذ بحديث عثمان لكونه أحدث الا ان يقال حديث عثمان مضمر و لم يعلم منه انه لا يضمر عن غير المعصوم عليه السلام مضافا الي أن جواز بيع المصحف من الواضحات التي لا يعتريه الشك و السيرة جارية عليه فلا مجال للوسوسة و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: بقي الكلام في المراد من حرمة …

الماتن في مقام أنه كيف يمكن الجمع بين النهي عن بيع القرآن من ناحية و تملك القرآن و وقوع النقل و الانتقال عليه من ناحية اخري فيقول النقوش الموجودة في الأوراق اما لا تعد من الأعيان الخارجية و أما تعد أما علي الأول فلا مجال للنهي عن البيع اذ من الظاهر ان البيع يقع علي الأعيان لا علي الأعراض و الصفات و أما علي الثاني فاما يقع جزء من الثمن في قبال النقش الذي فرض كونه عينا

او لا يقع أما علي القول بوقوعه فهو ممنوع شرعا علي الفرض و أما علي القول بعدم الوقوع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 445

فان بقي في ملك مالكه و بايعه يلزم الاشتراك و هو خلاف الاتفاق و ان انتقل الي المشتري تبعا فهو خلاف مقصود المتبايعين اذ المفروض انهما لم يقصدا كذلك.

و بعبارة واضحة: انهما لم يقصدا دخول النقوش تبعا مضافا الي أنه تكليف صوري اي النهي تعلق بجعل البيع في مقام الأثبات و ايقاعه علي النقش و الخط و ببيان آخر: ان الشارع لم ينه عن النقل و الانتقال اذ احكام الملك لا تعطل و يمكن القول بدخول النفش في الملك عرفا لا شرعا و ختم كلامه بقوله فتأمل. و يمكن أن يكون الوجه في الأمر بالتأمل ان الالتزام بالتفكيك بين الشرع و العرف لا يدفع الأشكال المذكور فلا مناص الا من الالتزام بالتكليف الصوري لا الواقعي فانه لم يكلف الشارع و لم ينه عن نقل النقش علي الإطلاق.

اذا عرفت ما تقدم نقول: لا اشكال في ان البيع يقع علي الصور النوعية و القرآن اي الأوراق المنقوشة بالكلمات القرآنية صورة نوعية في قبال بقية الصور النوعية فالنهي عن بيع القرآن نهي عن بيع هذه الصورة النوعية لكن يستفاد من النصوص الواردة في المقام كحديثي سماعة و ابن عيسي جواز ايقاع البيع علي الحديد و الدفتين و الورق و الدفتر و يفهم العرف من النص ان النقوش تدخل في ملك المشتري بالتبع و أفاد سيدنا الأستاد علي ما في التقرير انه يتصور البيع بأن يقع علي الجلد و الغلاف و الحديد و الحلية لكن يشترط المشتري علي البائع أن يملكه الأوراق المكتوبة. و

ما أفاده غريب اذ قد صرح في النص بوقوع البيع علي الورق فلا مجال لما أفاده.

«قوله: و لاجل ما ذكرنا التجأ … »

لا فرق بين الحرمة و الكراهة من حيث الأشكال المذكور غايته انه علي القول بالكراهة لو خالف النهي لم يعص و يكون العقد صحيحا و أما من حيث توجه الأشكال فلا فرق بين الحرمة و الكراهة فلاحظ و الذي يهون الخطب انا قلنا ان السيرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 446

جارية علي الجواز و ان كان بعض نصوص المنع معتبرا سندا.

[بيع المصحف من الكافر و تملك الكفار للمصاحف]
اشارة

«قوله ثم ان المشهور بين العلامة ره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر … »

الكلام في بيع المصحف من الكافر يقع في مقامين احدهما في حكمه التكليفي ثانيهما في حكمه الوضعي فنقول: أما

[المقام الأول [في حكمه التكليفي]
اشارة

فمقتضي الأصل الأولي هو الجواز و يتوقف القول بالحرمة علي قيام دليل عليه و لا يخفي ان عقد هذه المسألة بعد عدم القول بحرمة البيع من المسلم و الا فلا يبقي مجال لهذا البحث فانه علي القول بالحرمة هناك تثبت الحرمة في المقام بالأولوية القطعية و ما يمكن أن يذكر للمنع و الحرمة وجوه:

الوجه الأول: ان بيع المصحف من الكافر يوجب هتك كتاب اللّه و هو حرام بلا اشكال.

و فيه ان بين الأمرين عموما من وجه اذ ربما يكون الكافر المشتري للقرآن شخصا مؤدبا و يحترم كتاب اللّه فلا يلزم الهتك و ربما يهتك الكتاب و العياذ باللّه بلا تحقق الشراء من قبل الكافر فهذا الوجه ليس تحته شي ء.

الوجه الثاني انه يلزم تنجس المصحف و تنجيس المصحف حرام.

و فيه أولا انه يمكن أن يفرض ان لا يتنجس المصحف في يد الكافر و ثانيا جواز البيع تكليفا لا يستلزم تسليم المصحف خارجا الي الكافر و ثالثا النهي عن التنجيس متوجه الي الكافر بناء علي كونه مكلفا بالفروع و لا يرتبط بالبايع المسلم ان قلت: بيعه منه اعانة للإثم قلت:

لا دليل علي حرمة الإعانة و انما الدليل قائم علي حرمة التعاون فلاحظ.

الوجه الثالث: ان حرمة بيعه مشهورة فيما بين القوم.

و فيه ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة فالنتيجة جواز بيعه منه تكليفا.

و أما

المقام الثاني [في بيان حكمه الوضعي]

فما يمكن ان يكون سندا للمنع وجهان: احدهما: ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 447

الكافر لا يملك المسلم فلا يملك المصحف بالأولوية. و فيه أولا لا دليل علي المدعي المذكور بل الدليل علي خلافه اذا لأصحاب قائلون علي ما نسب إليهم بأن الكافر اذا اشتري احد عموديه المسلم ينعتق عليه و من الظاهر ان تحقق الانعتاق يتوقف علي تحقق الملك و أيضا قائلون بأن الكافر يجبر علي بيع عبده المسلم و الحال انه لا بيع الا في ملك مضافا الي ان الماتن ينقل عن المبسوط في باب الغنائم ان ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنائم و يجوز بيعها و هذا يدل علي أن الكافر يملك المصحف و الا كان المصحف الموجود في دار الحرب من مجهول المالك. و ثانيا القياس مع الفارق فان كون المسلم رقا و عبد للكافر يوجب مهانة له و أما كون المصحف ملكا للكافر فلا يوجب مهانة له كما هو ظاهر مضافا الي أن ملاكات الأحكام غير معلومة عندنا.

ثانيهما: قوله عليه السلام: الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «1» بتقريب ان كون الكافر مالكا للقرآن يوجب علوه علي الإسلام و فيه أولا ان الحديث ضعيف و لا جابر له و ثانيا انه لا يبعد أن يكون المراد من الجملة المذكورة ان الإسلام ببراهينه و ادلته الشافية يعلو علي كل دين و يغلب و لا يغلب عليه دين من الأديان و بعبارة اخري:

الإسلام دين فائق علي جميع الأديان فلا يرتبط بالمقام فالنتيجة جواز بيعه

وضعا كما يكون جائزا تكليفا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الظاهر ان ابعاض المصحف … »

بعد الالتزام بجواز بيع المصحف لا مجال لهذا البحث كما هو ظاهر. و أما اذا قلنا بالحرمة فالظاهر عدم الفرق بين المصحف و أبعاضه لوحدة الملاك و الدليل

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب موانع الارث الحديث 11

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 448

فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعدم تحقق الاهانة … »

قد تقدم ان بين عنوان الإهانة و عنوان البيع من الكافر عموما من وجه فلا مجال للاستدلال علي المدعي بهذا الوجه.

«قوله قدس سره: وجوه»

الوجه الأول عدم الجواز علي الإطلاق لما تقدم من كونه اهانة و من تعريض كلام اللّه لان يتنجس.

الوجه الثاني: التفصيل بين الملحد و غيره لتحقق الإهانة في الصورة الأولي دون الثانية.

الوجه الثالث: الالتزام بالجواز علي الإطلاق لما تقدم من ان النسبة بين العنوانين عموم من وجه و كون المكلف بعدم التنجيس المشتري الكافر و الظاهر ان الصحيح الوجه الأخير فلاحظ.

«قوله قدس سره: وجهان»

اذا كان المدرك لعدم الجواز تحقق الإهانة فترتب الحرمة يدار مدارها فلا يبقي مجال لأن يقال ان وجه الجواز ان الأحاديث النبوية لا تصل في العظمة الي عظمة القرآن و الذي يهون الخطب انا ذكرنا انه لا وجه للمنع في نفس المصحف فكيف بالأحاديث.

«قوله قدس سره الا ان يقال ان المكتوب فيها غير مملوك … »

ما افاده غريب فان قوام عنوان الدرهم بالمكتوب فيه و بعبارة اخري: الدرهم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 449

المقيد بهذا القيد صورة نوعية في قبال بقية الصور و البيع يقع علي الصورة الكذائية فكيف لا يكون المكتوب مملوكا و هذا مثل أن يقال ان الهيئة القائمة بالكوز أو

بالكأس أو بغير هما لا تكون مملوكة لعدم وقوع الثمن في قبالها لكن الذي يرفع الأشكال انه لا دليل علي الحرمة في الملحق به فكيف بالملحق اذ قد ذكرنا ان السيرة جارية علي الجواز و علي فرض الالتزام بحديث عثمان بن عيسي و القول بالحرمة في المصحف لا وجه لإلحاق غيره به.

«قوله قدس سره: الا ان يقال ان مناط الحرمة … »

قد ظهر مما تقدم منا ان شيئا من المذكورات لا يكون وجها للمنع فلاحظ.

[الثانية جوائز السلطان و عماله]
اشارة

«قوله قدس سره: الثانية جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا او عوضا لا يخلو عن احوال … »

الصور المتصور في المقام كما في المتن أربعة

الصورة الأولي: أن لا يعلم بكون الحرام في أمواله

أفاد الماتن قدس سره لا اشكال في جواز الأخذ للأصل و الإجماع و الاخبار أما الاخبار فنتعرض لها إن شاء اللّه تعالي و أما الاجماع فلاحتمال كونه مستندا الي الاخبار و قاعدة اليد فلا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام فلا يكون حجة و أما الاصل فان كان المراد منه قاعدة اليد اي مقتضي القاعدة فلا اشكال اذ لا ريب في تمامية قاعدة اليد و أما ان كان المراد من الاصل اصل الصحة بتقريب انه يحمل فعل المسلم علي الصحة و حيث ان الجائر من المسلمين يحمل فعله علي الصحة فيرد عليه ان المسلم عندهم حمل العقود و الايقاعات الصادرة عن اهلها علي الصحة إذا شك في فسادها مثلا اذا باع زيد داره من بكر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 450

و شك في صحة بيعه و بطلانه يحمل عقد البيع علي الصحيح و أما مع عدم احراز الاهلية كما لو باع أحد الدار الفلانية و لا ندري انه مالكها أم لا؟ و لم يكن دليل علي مالكيته لا مجال للحمل علي الصحة فالاصل بهذا المعني غير تام.

و ان كان المراد من الأصل اصالة الإباحة فيشكل اذ لو كان المال ملكا لمالك آخر غير الجائر و احتمل بقائه في ملكه و عدم انتقاله الي الجائر يكون مقتضي الاستصحاب بقائه في ملك المالك الذي وصل منه الي يد الجائر و ان شئت قلت:

لا مجال لجريان الأصل الحكمي اي اصالة الحل مع جريان الأصل الموضوعي

اي الاستصحاب فان الأصل السببي حاكم علي الأصل المسببي و مقدم عليه فلو قطع النظر عن قاعدة اليد يشكل الأخذ بقاعدة الحل فلاحظ.

و اما الأخبار فقد وردت جملة من النصوص في المقام و يمكن الاستدلال بها علي المدعي منها ما رواه ابو ولاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا امر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنّأ «الحظ» و عليه الوزر «1».

و منها ما رواه ابو المعزي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و انا عنده فقال:

أصلحك اللّه امر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: نعم قلت: و احج بها قال: نعم 2.

و منها ما رواه محمد بن هشام أو غيره قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام امر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟ قال نعم قلت: و احج منها قال: نعم و حج منها «3».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 451

و منها ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن ابيه ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس 2.

و منها ما رواه ابو بكر الحضرمي قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه فقال ما يمنع ابن

أبي السماك «السمال الشمال» ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي لم تركت عطاءك قال: مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن أبي السمال «السماك الشمال» ان يبعث أليك بعطائك؟ أ ما علم ان لك في بيت المال نصيبا «3».

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن عمر اخي عذافر قال: دفع الي انسان ستّمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السلام فكانت في جوالقي، فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه و رافقت عامل المدينة بها فقال: انت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم قال: اذا قدمنا المدينة فائتنا حتي نعوضك. قال: فلما انتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم فقال: ما أعطاك خير مما اخذ منك الي أن قال: فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فانما هو شي ء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه 4.

و منها ما رواه محمد بن قيس قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر فخذها و تفرح بها 5 و منها ما رواه الفضل بن الربيع عن أبي الحسن

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 4 و 5

(3) (3 و 4 و 5) نفس المصدر الحديث 6 و 8 و 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 452

موسي بن جعفر عليه السلام في حديث ان الرشيد بعث إليه بخلع و حملان و مال، فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان

و المال اذا كان فيه حقوق الأمة فقلت: ناشدتك باللّه أن لا ترده فيغتاظ قال: اعمل به ما أحببت «1». الي غيرها من الروايات الواردة في الباب المشار إليه و في الباب 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به من الوسائل.

فان المستفاد من هذه النصوص جواز الاخذ من الظالم.

و بعبارة واضحة: انه لا اشكال في أنه لو فرض عدم العلم بكون الحرام في يده يستفاد الجواز و لا ينافي أن يستفاد من بعض هذه النصوص اكثر من هذا المقدار و قد أفاد الماتن بأنه ربما يوهم بعض الاخبار اشتراط الجواز بكون الجائر واجدا للمال الحلال فمع عدم احراز الشرط لا يجوز لاحظ ما رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري: أنه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي ان آكل من طعامه، و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة؟ و ان أهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي أن انال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شي ء أن أنا نلت منها؟

الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و أقبل بره، و الا فلا. «2».

و يرد عليه: أن الحديث مرسل و المرسل لا اعتبار به و للرواية سند آخر و ذلك السند لا اعتبار به أيضا. مضافا الي انه قد فرض في الرواية انه في يده

و تحت سلطنته اموال الحرام و في المقام قد فرض عدم العلم بوجود الحرام تحت يده فالصورة

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 15

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 453

المفروضة لا اشكال فيها.

الصورة الثانية: أن يعلم الاخذ باشتمال اموال الظالم علي الحرام و لكن لا يعلم بأن المأخوذ من الظالم مشتملا علي الحرام
[الحالة الأولي أن تكون الشبهة غير محصورة]
اشارة

و قد فصل الشيخ قدس سره و قال:

تارة يكون العلم الاجمالي منجزا و تكون الاطراف محل الابتلاء، و اخري: لا يكون كذلك اما علي الاول، فلا يجوز الأخذ اذ فرض تنجز العلم الاجمالي و اما علي الثاني فلا مانع من الأخذ، و يمكن ان يقال بجواز الاخذ في هذه الصورة بلا فرق بين القول يكون العلم منجزا و بين عدم القول به و ذلك لأن غير المأخوذ يحرم التصرف فيه قطعا اما لكونه غصبا في يده و اما لعدم اذنه في التصرف فيه فجريان قاعدة اليد المقتضية لكون ما فيها مملوكا لذي اليد بلا مانع فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انه قد صرح جماعة بكراهة الاخذ»

ما يمكن ان يستدل به علي الكراهة وجوه:
الوجه الأول: انه يمكن ان يكون المأخوذ من الجائر حراما واقعا و لكن قام الدليل علي جوازه ظاهرا

فيكون الأخذ مكروها.

و فيه: ان احتمال الحرمة موجود حتي فيما يؤخذ من اورع الناس و هل يمكن الالتزام بعموم الكراهة في كل مورد مضافا الي انه اي دليل دل علي الكراهة حتي فيما يؤخذ من الجائر و بعبارة اخري: مقتضي التقريب المذكور حسن الاحتياط في عدم الأخذ و الكف عنه لا كراهة الاخذ.

الوجه الثاني: النصوص الدالة علي حسن الاحتياط

«1» منها: ما رواه هشام قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ما حق اللّه علي خلقه قال: ان يقولوا ما يعلمون و يكفوا

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب صفات القاضي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 454

عما لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادوا الي اللّه حقه «1» و يرد عليه: ان لازمه الالتزام بالكراهة في كل ما يؤخذ من كل احد اذ يحتمل اشتماله علي الحرام و هل يمكن الالتزام بالكراهة علي نحو العموم و الاطلاق مضافا الي انه ما الوجه في الالتزام بالكراهة فان المستفاد من النصوص المشار إليها حسن الاحتياط او وجوبه لا كراهة الارتكاب.

الوجه الثالث: ان اخذ المال منهم يوجب محبتهم

فان القلوب مجبولة علي حب من احسن إليها و قد ورد النهي في جملة من النصوص عن مصاحبة الظالمين و محبتهم لاحظ ما رواه مهران بن محمد بن ابي نصر «ابي بصير» عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول ما من جبار الا و معه مؤمن يدفع اللّه عز و جل به عن المؤمنين و هو اقلهم حظا في الآخرة يعني اقل المؤمنين حظا بصحبة الجبار «2».

و فيه: ان بين العنوانين عموما من وجه اذ ربما يحبهم مع عدم اخذ شي ء منهم و ربما ببغضهم مع الأخذ منهم كما لو اعطوه اقل من حقه هذا أولا و ثانيا: ان ملاك الأحكام غير معلوم.

و ثالثا: انه لا وجه للالتزام بالكراهة اذ المستفاد من بعض هذه النصوص الحرمة لاحظ ما عن ابي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ قال هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه الي أن يدخل يده الي كيسه فيعطيه «3»

الوجه الرابع: ما عن موسي بن جعفر عليهما السلام من اظهار كراهته اخذ جائزة الرشيد،

و هو ما رواه عبد اللّه بن الفضل عن ابيه في حديث أن الرشيد أمر باحضار موسي بن جعفر عليهما السلام يوما فاكرمه و أتي بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثم أمر ان يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال موسي بن جعفر

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 4

(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 4

(3) نفس المصدر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 455

عليهما السلام: و اللّه لو لا اني اري من ازوجه بها من عزاب بني ابي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا «1» و فيه: ان الحديث ضعيف سندا،

مضافا الي ان كراهته من الأخذ لا تدل علي كون الأخذ مكروها فان الدنيا و ما فيها للامام عليه السلام و الرشيد الملعون غاصب للمنصب و مع ذلك يريد ان يمن علي الامام عليه السلام باحسانه فكراهة الامام عليه السلام عن الأخذ امر طبيعي و لكن لا تكون دليلا علي المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و في الصحيح … »

لاحظ ما رواه ابو بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اعمالهم فقال لي: يا أبا محمد لا و لا مدة قلم ان احدهم «احدكم» لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله او حتي يصيبوا من دينه مثله «2».

[ثم إنهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بامور … »

و قد ذكر قدس سره امورا لارتفاع الكراهة المذكورة في المقام:

الأمر الأول: اخبار ذي اليد بكون المال المأخوذ منه من الحلال

و أنه من امواله الشخصية و نقل عليه عدم الخلاف و يرد عليه انه علي القول بالكراهة لا دليل علي ارتفاعها باخبار الجائر و ان شئت قلت: ان عدم الخلاف لا يكون قابلا لأن يستند إليه فلا مدرك للحكم كما نقل عن صاحب المناهل بأنه لم يجد له دليلا.

ان قلت: يمكن ان يكون المستند اعتبار قول ذي اليد بالنسبة الي ما في يده.

قلت: اخباره بلا لحاظ كونه ذا اليد لا اثر له و مع لحاظه يكفي للحكم بالحلية كونه ذا اليد، و بعبارة اخري: اليد أمارة الملك و تصرف ذي اليد فيما في يده

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 11

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 456

نافذ شرعا و عرفا و لكن مع ذلك احتمال الحرمة موجود فاذا كان مدرك الكراهة احتمال الحرمة كان اللازم الالتزام بها حتي مع اخباره بالحلية و عدم كون المأخوذ منه غصبا.

ان قلت: ان الكراهة تدور مدار الظن بالحرمة و الظن يرتفع باخباره بالحلية.

قلت: ربما لا يظن بالحرمة و لو مع عدم اخباره بالحلية و ربما يظن بها و لو مع اخباره مضافا الي أن الظن لا يغني عن الحق شيئا اضف الي ذلك انه اي دليل دل علي الكراهة مع الظن بالحرمة فلاحظ و لعل امره بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا.

الأمر الثاني: اخراج الخمس منه
اشارة

و ما يمكن ان يستدل به علي كون التخميس رافعا للكراهة وجوه:

الوجه الأول: ان اخراج الخمس من المال الذي اختلط بالحرام القطعي يوجب حليته و تزكيته

ففي مورد الاحتمال يوجب الحلية بالاولوية.

و فيه: ان المال المختلط باخراج الخمس منه يطهر و يحل بحكم الشارع الذي بيده اختيار كل الامور.

و بعبارة اخري: في المال المختلط بالحرام اختلط الحلال القطعي بالحرام كذلك و يطهر باخراج الخمس بحكم الشارع و اما في المقام فجميع المال فيه احتمال الحرمة فلا وجه للالتزام بالحلية باخراج الخمس منه بل اخراج الخمس تشريع محرم اذ لم يدل عليه دليل مضافا الي ان مقتضي القياس ايجاب الخمس لا استحبابه او حليته فان الاخراج هناك واجب لا مستحب.

الوجه الثاني: انه يكفي للحكم باستحباب الخمس فتوي النهاية و السرائر به لقاعدة التسامح في أدلة السنن

و فيه أولا: قد ثبت في محله ان قاعدة التسامح لا تقتضي الاستحباب.

و ثانيا: فرضنا تمامية الاستدلال و ان اخراج الخمس مستحب لكن أي دليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 457

دل علي ان استحباب اخراج الخمس و اخراجه يوجب ارتفاع الكراهة.

الوجه الثالث: ما رواه عمار

، عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن اعمال السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا الا أن لا يقدر علي شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر علي حيلة، فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الي اهل البيت «1».

بتقريب ان المستفاد من الخبر تعلق الخمس بما يأخذه من الجائر بعنوان العوض فان الظاهر يقتضي عدم الفرق بين كون المأخوذ من الجائر بعنوان العوض و كونه بعنوان الجائزة و مثل هذه الرواية في كونه دليلا علي المدعي النصوص الواردة في الجائزة و الهدية منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: كتب إليه ابو جعفر عليه السلام- و قرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: ان الذي أوجبت في سنتي هذه و هذه سنة عشرين و مائتين، فقط لمعني من المعاني، اكره تفسير المعني كله خوفا من الانتشار، و سأفسر لك بعضه ان شاء اللّه، ان موالي أسأل اللّه صلاحهم او بعضهم قصروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت ان أطهرهم و ازكيهم بما فعلت من امر الخمس في عامي هذا، قال اللّه تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ

رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِليٰ عٰالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

و لم اوجب ذلك عليهم في كل عام، و لا اوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها اللّه عليهم، و انما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب و الفضة التي قد حال عليهما الحول، و لم اوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارة و لا ضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها، تخفيفا مني عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 458

موالي، و منا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم، فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال اللّه تعالي (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَليٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَي الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَليٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ).

فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير اب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب و ما صار الي موالي من اموال الخرمية الفسقة، فقد علمت ان اموالا عظاما صارت الي قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله الي وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و لو بعد حين، فان نية

المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الضياع و الغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته، و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك «1».

و منها: ما رواه احمد بن محمد بن عيسي عن يزيد «ابي يزيد» قال: كتبت:

جعلت لك الفداء، تعلمني ما الفائدة و ما حدها؟ رأيك ابقاك اللّه ان تمن علي ببيان ذلك لكي لا اكون مقيما علي حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد أليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة 2.

و منها: ما رواه ابو بصير، عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام: الخمس في ذلك، و عن الرجل يكون في داره

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5 و 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 459

البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشي ء بمائة درهم او خمسين درهما، هل عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا، و اما البيع فنعم، هو كسائر الضياع «1».

فان مقتضي هذه النصوص وجوب الخمس في الجائزة لكن المشهور أعرضوا عنها فترفع اليد عن الوجوب و نلتزم بالاستحباب و فيه: انا قد ذكرنا مرارا ان اعراض المشهور لا يسقط الحديث المعتبر عن اعتباره كما ان عملهم بالخبر الضعيف لا يوجب اعتباره فعليه لا بدّ من الالتزام بالوجوب و لا وجه لرفع اليد عن الالتزام به مضافا الي أن استحباب الخمس

لا يقتضي رفع الكراهة الناشية عن احتمال الحرمة.

اضف الي ذلك كله: ان المستفاد من النصوص المشار إليها وجوب الخمس في المال المأخوذ بعنوان انه من أرباح المكاسب لا من حيث انه موضوع له.

الأمر الثالث: أن يصرف فيما يصرف فيه مجهول المالك

و الدليل عليه ما روي عن الكاظم عليه السلام «2» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الامام عليه السلام يعتذر عن الاخذ بصرفه في عزاب بني ابي طالب.

و فيه: ان السند ضعيف فلا يكون الحديث قابلا للاستناد إليه مضافا أنه قد مرّ ان المأخوذ حق الامام عليه السلام و الرشيد و امثاله عليهم لعائن اللّه و الملائكة و الناس اجمعين غاصبون لحقوق آل محمد عليهم السلام فلا يكون من موارد البحث الذي نحن فيه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: مع كون الشبهة غير محصورة … »

الميزان في تنجز العلم الاجمالي أن يكون التكليف المقطوع بالاجمال

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 10

(2) تقدم في ص 454

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 460

متوجها الي المكلف بلا فرق بين كون الشبهة محصورة و عدمه فلو علم بنجاسة اناء في جملة آلاف اناء و كان توجه التكليف بالاجتناب عن الاناء النجس الي المكلف صحيحا يكون العلم الاجمالي منجزا و الا فلا و هذا هو الميزان الكلي.

[الحالة الثانية إن كانت الشبهة محصورة]
اشارة

«قوله قدس سره: و ان كانت الشبهة محصورة بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط الاجتناب عن الجميع … »

يقع الكلام في الفرض المذكور تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النصوص الخاصة فيقع البحث في مقامين:

أما

المقام الأول: [في مقتضي القاعدة الأولية]
اشارة

فمقتضي تنجز العلم الاجمالي المقرر عند القوم الاجتناب عن جميع الاطراف نعم قد ذكرنا هناك انه يمكن الالتزام بجواز جريان الاصل في بعض الاطراف و اشرنا الي ما قلنا هناك في كتابنا «1» مباني منهاج الصالحين و لكن علي مسلك القوم يجب الاجتناب عن جميع الأطراف و بعبارة اخري يكون منجزا بالنسبة الي تمام الاطراف.

و ربما يستدل بجملة من الوجوه علي الانحلال في المقام

الوجه الأول: قاعدة اليد

و فيه: ان قاعدة اليد انما تؤثر فيما يجوز التصرف في بعض الاطراف فان العلم الاجمالي كما ذكرنا سابقا ينحل الي أن المكلف يعلم بحرمة التصرف في غير المال المجاز اما لكونه غصبا و اما لكونه غير المأذون فيه فيحرم التصرف فيه علي كلا التقديرين و الأخذ بقاعدة اليد فيما يجيز بلا مانع لعدم المعارض و أما مع إباحة الكل فلا أثر للقاعدة لسقوطها عن الاعتبار بالمعارضة و بعبارة واضحة اذا أجاز التصرف في مقدار معين خارجي يعلم المجاز له بحرمة التصرف في غير المجاز اما لكونه غصبا و اما غير مجاز فيجوز التصرف في ذلك المقدار المعين.

______________________________

(1) مباني منهاج الصالحين ج 1 ص 235

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 461

الوجه الثاني: ما رواه منصور ابن حازم

، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي، فلمن هو؟ قال:

للذي ادعاه «1».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث ان من ادعي شيئا و لم يعارضه احد يحكم بكونه ملكا له. و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل للاستناد إليه و ثانيا:

انه يمكن أن يفرض عدم دعوي الجائر ملكية كل ما في يده فلا مجال للأخذ بالحديث و ثالثا: المفروض في المقام العلم بكون بعض ما في يده مال الغير و يكون غصبا و لم يفرض الغصب في مورد الرواية فلا يرتبط الحديث بما نحن فيه.

الوجه الثالث: حمل فعل المسلم علي الصحة

فان مقتضي الاصل المذكور ان يكون ما في يده ملكا له و يرد عليه أولا: انا نعلم بأن ما في يده مشتمل علي الحرام فلا مجال للاصل مع العلم كما هو ظاهر.

و ثانيا: انه ما المراد من الأصل فانه ان كان المراد منه أن لا يحمل فعله علي الفساد كما لو تردد كلامه بين السلام و السب يحمل علي الصحة و يقال الأصل عدم السباب فانه بهذا المعني تام لكن لا يترتب عليه الاثر فلا يجب الجواب و بعبارة اخري: الأصل المذكور مفاد قوله تعالي «قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً» «2» و أما ان كان المراد من الأصل اصالة الصحة الجارية في العقود و الايقاعات فهو في مورد يتحقق عقد و نعلم بالعلم الوجد اني أو التعبدي ان العاقد له أن يعقد العقد الكذائي و نشك في أنه أوقعه صحيحا أم باطلا نحمل عمله علي الصحيح و بهذا المعني لا يجري في المقام لأنه ليس الشك

في الصحة و الفساد بهذا المعني فالأصل الجاري

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي

(2) البقرة/ 83

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 462

لا يترتب عليه الاثر و بالمعني الذي يترتب عليه الاثر لا يجري في المقام فلاحظ.

و أما

المقام الثاني [في النصوص الخاصة]

، فيمكن الاستدلال علي المدعي بطوائف من الروايات:

الطائفة الاولي: ما ورد في الربا الدال علي وجوب رد الزائد الي مالكه اذا كان معلوما و حليته اذا كان مجهولا لاحظ ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتي رجل أبي عليه السلام فقال: اني ورثت مالا و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، و قد عرف أن فيه ربا و استيقن ذلك و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه و قد سألت فقهاء أهل العراق و أهل الحجاز فقالوا: لا يحل أكله، فقال أبو جعفر عليه السلام: ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوي ذلك، و ان كان مختلطا فكله هنيئا، فان المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه. فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم قد وضع ما مضي من الربا و حرم عليهم ما بقي، فمن جهل وسع له جهله حتي يعرفه فاذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب «وجبت» عليه فيه العقوبة اذا ركبه كما يجب علي من يأكل الربا «1».

و لاحظ ما رواه ابو المعزي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: كل ربا اكله الناس بجهالة ثم تابوا فانه يقبل منهم اذا عرف منهم التوبة و قال: لو ان رجلا ورث من ابيه مالا و قد

عرف ان في ذلك المال ربا و لكن قد اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا فليأكله، و ان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله و ليرد الربا و ايما رجل أفاد مالا كثيرا قد اكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه بعد فأراد أن ينزعه فما مضي فله و يدعه فيما يستأنف «2».

فانه ربما يستدل بهذه الطائفة علي حلية التصرف في ما في يد الجائر و لو مع

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الربا الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 463

العلم بكونه شاملا للحرام و الاستدلال بها علي المدعي في غير محله فانه حكم خاص وارد في مورد مخصوص فان الامر بيد الشارع الاقدس.

و بعبارة واضحة: يحرم التصرف في مال الغير بدون اذنه و هذا حكم شرعي مستفاد من دليله و لكن الشارع الأقدس قد أجاز التصرف في ملك الغير و لو مع عدم اذنه كالاكل في المجاعة و تملك اللقطة بعد التعريف المقرر و التوسط في الارض المغصوبة لانقاذ الغريق و اطفاء الحريق و امثالها و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

الطائفة الثانية: النصوص الدالة علي حلية الاشياء ما دام لم تثبت حرمتها.

منها: ما رواه عبد اللّه بن سليمان قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقال لي: لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم أعطي الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا، ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل و أكلنا فلما فرغنا من الغذاء قلت: ما تقول: في الجبن؟ قال: أو لم ترني آكله قلت: بلي و لكني أحب أن أسمعه منك فقال: سأخبرك عن الجبن و غيره، كل ما

كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام بعينه فتدعه «1».

و منها: ما رواه أيضا عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجبن قال: كل شي ء لك حلال حتي يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة «2».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجبن فقال: ان أكله ليعجبني ثم دعا به فأكله «3».

و منها: ما رواه بكر بن حبيب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الجبن و انه توضع فيه الا نفحة من الميتة قال: لا تصلح، ثم أرسل بدرهم فقال: اشتر

______________________________

(1) الوسائل الباب 61 من ابواب الاطعمة المباحة الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث: 2

(3) عين المصدر الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 464

من رجل مسلم و لا تسأله عن شي ء «1».

و منها: ما رواه ابو الجاورد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن فقلت له: أخبرني من رأي انه يجعل فيه الميتة، فقال: أ من أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ اذا علمت أنه ميتة فلا تأكله و ان لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللّه اني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللّه ما أظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان «2».

و منها: ما رواه عمر بن أبي شبيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجبن قال: كان أبي ذكر له منه شي ء فكرهه ثم أكله فاذا اشتريته فاقطع و اذكر اسم اللّه عليه و كل «3».

و منها: ما رواه معاوية بن عمار عن رجل من أصحابنا قال:

كنت عند أبي جعفر عليه السلام فسأله رجل عن الجبن فقال ابو جعفر عليه السلام انه لطعام يعجبني و سأخبرك عن الجبن و غيره، كل شي ء فيه الحلال و الحرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام فتدعه بعينه «4».

و منها: ما رواه حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كان أبي يبعث بالدراهم الي السوق فيشتري بها جبنا و يسمي و يأكل و لا يسأل عنه «5».

و منها: ما رواه الكناسي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن السمن و الجبن اجده في ارض المشركين بالروم أ نأكله؟ فقال: أ ما علمت انه قد خلطه الحرام

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 4

(2) عين المصدر الحديث 5

(3) عين المصدر الحديث 6

(4) عين المصدر الحديث: 7

(5) نفس المصدر الحديث: 8

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 465

فلا تأكله و أما ما لم تعلم فكله حتي تعلم انه حرام «1» و منها غيره الوارد في الباب المشار إليه و غيره من الابواب.

بتقريب: ان المستفاد من هذه الاخبار جواز كل ما يشك في حرمته و لو كان من اطراف العلم الاجمالي فالنتيجة جواز الأخذ و لو كانت الشبهة محصورة و كان المأخوذ من اطراف العلم الاجمالي.

و يرد عليه: انه لا يمكن الالتزام بما ذكر بل لا بدّ من رفع اليد عن اطلاق تلك الروايات و حملها علي غير موارد العلم الاجمالي و الا يلزم الترخيص في المعصية القطعية لأن ترجيح بعض الاطراف علي الاخر بلا مرجح و عنوان احدهما ليس له مصداق الا الافراد الخارجية و الفرد المردد لا واقع له هذا علي ما هو المشهور بين القوم و لكن ذكرنا في محله ان تخصيص الحرمة

ببعض الاطراف و الترخيص في الباقي قابل و يمكن اثباته بالدليل بالتقريب الذي ذكرناه هناك و القول بالجواز من بعض الاساطين يؤيد ما قلناه و التزمنا به.

و حيث ان الموضوع له اهمية خاصة يناسب أن نذكر ما بيناه هناك: فنقول:

التخيير له اقسام: القسم الأول: التخيير الشرعي الجاري في المسألة الاصولية كالتخيير الجاري في الاخبار المتعارضة و هو الذي التزم به جملة من الاصوليين و التخيير بهذا المعني و ان كان قابلا في المقام لكن لا دليل عليه.

القسم الثاني: التخيير في الحكم الفرعي و مثله لا يمكن في المقام لأوله الي الترخيص في المعصية.

القسم الثالث: التخيير بحكم العقل في موارد التزاحم و هذا أيضا لا مجال له في المقام فانه انما يجري فيما لا يمكن للمكلف امتثال كلا التكليفين كمثال الغريقين

______________________________

(1) الوسائل الباب 64 من ابواب الاطعمة المحرمة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 466

و العقل يحكم بالتخيير بين الامرين.

القسم الرابع: التخيير العقلي بانضمام الحكم الشرعي كما لو ورد دليل دل علي وجوب اكرام كل عالم ثم علمنا بعدم وجوب اكرام زيد و بكر العالمين معا بأن دار الامر بين عدم وجوب الاكرام رأسا و بين وجوب اكرام واحد منهما دون الاخر فلا بد من الالتزام بوجوب اكرام واحد منها فان عموم العام محكم و انما نرفع اليد عنه بمقدار قام الدليل علي العدم و هو الواحد من العالمين و في موارد العلم الاجمالي الامر كذلك فانه لا مجال للأخذ بالدليل أي دليل الأصل لاستلزامه الأذن في المعصية و لكن لا مانع من الأخذ به علي نحو التخيير فانه لا محذور فيه كما هو ظاهر و عن المحقق النائيني ان التقابل بين الإطلاق

و التقييد بالعدم و الملكة فاذا استحال الإطلاق استحال التقييد.

و يرد عليه: ان الإهمال غير معقول في الواقع فلا بد اما من الإطلاق أو التقييد و التقابل بالعدم و الملكة لا يقتضي ما ذكره فان التقابل بين العلم و الجهل بالعدم و الملكة و العلم بكنه وجوده تعالي محال و الجهل به واجب و جهله بالعباد محال و الحال ان علمه بهم واجب فالنتيجة انه يمكن أن يكون الإطلاق محالا و التقييد جائزا فعلي هذا الأساس نقول دليل الإباحة لا يمكن أن يشمل جميع الأطراف لعدم امكانه عقلا و شموله لأحد الطرفين معينا بلا دليل لكن شموله لبعض الاطراف علي التخيير لا مانع منه و حيث ان المحذور في الترخيص في الجميع نرفع اليد عنه و نلتزم بالتخيير و لا يجوز رفع اليد عن اطلاق الدليل أو عمومه الا بمقدار دلالة الدليل علي التخصيص.

و تصدي سيدنا الاستاد للجواب عن التقريب المذكور بوجوه:

الوجه الأول: ان المحذور لو كان الترخيص في الجميع يرتفع بهذا التقريب لكن المحذور في الجميع في الترخيص و هذا المانع موجود اذ لو ترك المكلف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 467

جميع الأطراف يلزم أن يكون المولي مرخصا في ارتكاب الجميع و هذا غير ممكن.

و يرد عليه: أولا: النقض بباب المتزاحمين فانه لو فرض غريقان و المكلف لا يقدر الا علي انقاذ واحد منهما فلا اشكال في أنه يجب عليه انقاذ كل واحد منهما علي تقدير ترك انقاذ الاخر ففي الفرض المذكور لو ترك انقاذ كليهما يتحقق شرط وجوب انقاذ كل واحد منهما و الحال انه لا يمكن ايجاب انقاذ كليهما.

و ثانيا: نجيب بالحل و هو ان القضية الشرطية لا تنقلب الي

المطلقة، نعم يلزم الجمع في الترخيص و هذا لا محذور فيه بل المحذور الترخيص في الجمع و الوجه فيما ذكرنا ان الحكم الشرعي من باب الاعتبار و الاعتبار خفيف المئونة و ان شئت قلت: المحذور في الجمع بين الحكم الواقعي و الظاهري اما من ناحية المبدأ، و اما من ناحية المنتهي.

أما من ناحية المبدأ فلا محذور فيه كما قلنا، و أما من ناحية المنتهي فلا يكون المكلف مخيرا في مقام العمل لان المكلف اذا ارتكب احد الاطراف لا يكون مخيرا في ارتكاب الاخر لعدم حصول شرطه و مع عدم ارتكاب شي ء من الطرفين لم يجمع بين المنع و الترخيص فلا اشكال لا من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهي.

الوجه الثاني: ان حرمة الفرد المعلوم بالاجمال مطلقة كما ان حلية الفرد الاخر كذلك فكيف يمكن جعل الترخيص الظاهري، و الحال ان احتمال التطابق بين الحكم الظاهري و الواقعي شرط في صحة جعل الحكم الظاهري.

و يرد عليه: ان هذه الدعوي بلا دليل فان اللازم في صحة جعل الحكم الظاهري احتمال السنخية بين الواقع و الظاهر و السنخية بينهما محتمل فلا محذور من هذه الناحية أيضا.

الوجه الثالث: ان لازم هذا القول شمول دليل الأصل لجميع الاطراف من اوّل الامر فيما كان بين الأطراف تضاد بحيث لا يمكن الجمع و في المقام لا يمكن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 468

و فيه: ان الميزان عدم شمول الدليل لجميع المصاديق غاية الامر في بقية الموارد يمكن الشمول و بدليل خارجي نرفع اليد و في المقام الاطلاق و الشمول غير معقول و الجامع عدم شمول دليل العام جميع الاطراف اما بالتقييد العقلي و اما بالتقييد المولوي فلا فرق بين

المقام و بقية الموارد، فتحصل انه لا مانع من الالتزام بشمول دليل الأصل لبعض اطراف العلم الاجمالي بشرط الاجتناب عن الطرف الاخر كي لا يلزم المخالفة القطعية.

الطائفة الثالثة: ما يدل بإطلاقه علي جواز اخذ جائزة الظالم و غيرها و لو كان المأخوذ من اطراف العلم الاجمالي و المناسب ان يلاحظ كل واحد من هذه النصوص فنقول من تلك النصوص ما رواه ابو ولاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب الا من أعمالهم و أنا أمر به فأنزل عليه فيضيفني و يحسن الي، و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: كل و خذ منه، فلك المهنّأ «الحظ» و عليه الوزر «1».

و الذي يستفاد من هذه الرواية انه يجوز اخذ الجائزة من عامل السلطان الجائر و فسقه بدخوله في اعوان الظالم لا يقتضي حرمة اخذ الجائزة منه و بعبارة اخري لا تنافي بين كون العامل عاصيا و كون المال حراما له و بين جواز الاخذ للضيف بحكم الشارع الاقدس و لا يستفاد من الحديث جواز اخذ الاموال المسروقة و المغصوبة.

و منها: ما رواه ابو المعزي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال: أصلحك اللّه أمر بالعامل فيجيزني بالدرهم آخذها؟ قال: نعم، قلت:

و أحج بها؟ قال: نعم «2». و الكلام فيه هو الكلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 469

و منها: ما رواه محمد بن هشام أو غيره قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

امر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها؟

قال: نعم، قلت: و أحج منها؟ قال: نعم و حج منها «1». و الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة مدلوله.

و منها: ما رواه يحيي بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه، ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية «2» و لا يستفاد من الحديث أزيد من جواز اخذ جائزة الظالم مضافا الي كون السند ضعيفا.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم و زرارة قالا: سمعناه يقول: جوائز العمال ليس بها بأس «3». و السند ضعيف.

و منها ما رواه ابو بكر الحضرمي قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن أبي السمال «السماك خ ل. الشمال» أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن ابي السمال «السماك خ ل» «الشمال» أن يبعث أليك بعطائك! أما علم ان لك في بيت المال نصيبا «4». و الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

و منها: ما رواه داود بن رزين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، أو الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه. «5»

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) عين المصدر الحديث 4

(3) عين المصدر الحديث 5

(4) عين المصدر الحديث 6

(5) نفس المصدر الحديث: 7

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 470

و المستفاد من الحديث جواز التقاص بالمقدار المعين لا أزيد و لا يرتبط بالمدعي.

و منها ما رواه يونس بن يعقوب، عن عمر

أخي عذافر قال: دفع الي انسان ستّمائة درهم أو سبعمائة درهم لأبي عبد اللّه عليه السلام، فكانت في جوالقي، فلما انتهيت الي الحفيرة شق جوالقي و ذهب بجميع ما فيه. و رافقت عامل المدينة بها فقال: أنت الذي شق جوالقك فذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، قال: اذا قد منا المدينة فائتنا حتي نعوضك قال: فلما انتهيت الي المدينة دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: يا عمر شقت زاملتك و ذهب بمتاعك؟ فقلت: نعم، فقال: ما أعطاك خير مما اخذ منك «الي أن قال» فائت عامل المدينة فتنجز منه ما وعدك، فانما هو شي ء دعاك اللّه إليه لم تطلبه منه. «1» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه محمد بن قيس بن رمانة قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فذكرت له بعض حالي، فقال: يا جارية هاتي ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار و صلني بها أبو جعفر فخذها و تفرح بها الحديث. «2» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه الفضل بن الربيع، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليهما السلام في حديث ان الرشيد بعث إليه بخلع و حملان و مال، فقال: لا حاجة لي بالخلع و الحملان و المال اذا كان فيه حقوق الامة، فقلت: ناشدتك باللّه ان لا ترده فيغتاظ، قال: اعمل به ما أحببت. «3» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه الفضل أيضا: في حديث ان الرشيد أمر باحضار موسي بن جعفر عليهما السلام يوما فأكرمه و أتي بها بحقة الغالية، ففتحها بيده فغلفه بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير، فقال موسي بن جعفر عليهما

______________________________

(1) عين المصدر الحديث: 8

(2) نفس المصدر الحديث 9

(3)

عين المصدر الحديث 10

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 471

السلام: و اللّه لو لا اني اري من أزوجه بها من عزاب بين ابي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا. «1» و السند ضعيف.

و منها: ما رواه سفيان بن نزار في حديث ان المأمون حكي عن الرشيد ان موسي بن جعفر عليهما السلام دخل عليه يوما فاكرمه، ثم ذكر انه ارسل إليه مأتي دينار. «2» و السند ضعيف.

و منها ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن ابيه عليهما السلام ان الحسن و الحسين عليهما السلام كانا يغمزان معاوية و يقعان فيه و يقبلان جوائزه «3» و لا دلالة في الحديث علي المدعي فلاحظ.

و منها: ما ارسله الطبرسي عن الحسين عليه السلام انه كتب كتابا الي معاوية و ذكر الكتاب و فيه تقريع عظيم و توبيخ بليغ، فما كتب إليه معاوية بشي ء يسوؤه و كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم سوي عروض و هدايا من كل ضرب. «4»

و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قريته و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل طعامه عاداني عليه، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه، و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة؟ و ان أهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي أن أنال منها و أنا أعلم ان الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي فيه شي ء

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 11

(2)

نفس المصدر الحديث 12

(3) عين المصدر الحديث: 13

(4) عين المصدر الحديث: 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 472

ان أنا نلت منها؟ الجواب: ان كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه و اقبل بره، و الا فلا. «1» و السند لا اعتبار به. و منها: ما رواه محمد بن عيسي عن ابيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بجوائز السلطان. «2»

و لا يستفاد من الحديث إلا جواز اخذ الجائزة من الظالم مضافا الي ان السند ضعيف فان محمد بن عيسي الذي في السند لم يوثق.

و منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال لي ابو الحسن موسي عليه السلام: ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام اني اظنك ضيقا، قال: قلت:

نعم فان شئت وسعت علي، قال: اشتره. «3».

و لا يستفاد من الحديث الا جواز اشتراء الطعام من الظالم، الا أن يقال ان الحديث بإطلاقه يدل علي جواز شراء الطعام منه و لو مع العلم الاجمالي يكون بعض الاطراف حراما و كون جميع الاطراف محلا للابتلاء.

و منها: ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و اخوه من هبيرة أرزا بثلاثمائة الف، قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال، فابعث به إليه، و احتبس الباقي فأبي علي، قال: فأدي المال و قدم هؤلاء، فذهب امر بني أمية قال فقلت ذلك لابي عبد اللّه عليه السلام، فقال مبادرا للجواب:

هو له هو له، فقلت له انه قد اداها فعض علي اصبعه «4». و الحديث لا يرتبط بالمقام فان الحديث دال علي عدم وجوب تسليم ثمن ما اشتراه الي الظالم و القضية شخصية

و الوجه في قول الامام عليه السلام غير معلوم.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 15

(2) عين المصدر الحديث 16

(3) الوسائل الباب 52 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 473

و منها: ما ارسله محمد بن أبي حمزة، عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول: ظلمني، فقال: اشتره «1».

و المرسل لا اعتبار به.

و منها: ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشتري من العامل الشي ء و انا اعلم انه يظلم؟ فقال: أشتر منه «2» و يستفاد من هذه الرواية جواز الاشتراء من الظالم حتي مع مع العلم بكونه ظالما و غاصبا لأموال الناس.

و منها: ما رواه ابو عبيدة، عن ابي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم: قال: فقال: ما الابل الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه، قيل له: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه فيعز له بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل «3».

و المستفاد من الحديث جواز الاشتراء مع العلم التفصيلي بكون المأخوذ محرما و يؤيده الحديث

السادس من الباب، و لكن غاية ما في الباب جواز الاشتراء من الظالم و لو مع العلم الاجمالي بحرمة بعض الاطراف و حيث انه حكم علي خلاف القاعدة الاولية يقتصر فيه بالمقدار المستفاد من الدليل و لا مجال للتعدي

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 3

(2) عين المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث: 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 474

عن مورده، فالمتحصل انه لا دليل علي المدعي نعم علي القول بعدم تنجز العلم الاجمالي الا بالنسبة الي بعض الاطراف لا مقتضي الا للتحرز في الجملة فلاحظ.

و لقائل أن يقول: ان الحديث لا يرتبط بالمقام اذ المفروض ان مورد الاذن الصدقة المشتراة من الجائر فلم يفرض كون جميع الاطراف محل الابتلاء و العلم بحرمة بعض الاطراف اجمالا و مما ذكرنا يظهر الجواب عن الاستدلال علي المدعي بحديث اسحاق بن عمار و نحوه قال سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا. «1»

«قوله قدس سره: و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك … »

هذا علي خلاف مسلكه و مسلك القوم اذ قد تقرر في محله ان البراءة مقدمة علي الاحتياط، الا أن يقال انه قدس سره ناظر الي صورة العلم الاجمالي المنجز فانه في هذه الصورة لا مجال للبراءة كما هو المقرر عندهم و عليه فلا يرد عليه ما أورده سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- من ايراد العجب و انه قد شيد المباني الاصولية فكيف حكم بحكومة قاعدة الاحتياط علي دليل البراءة فايراده غير وارد علي الشيخ.

نعم يرد عليه ان التعبير بالحكومة علي خلاف الاصطلاح فان الحكومة عبارة عن التصرف في موضوع دليل آخر أو

في محموله، الا أن يقال ان كل دليل مقدم علي الدليل الاخر يكون المقدم حاكما علي ما قدم عليه.

«قوله قدس سره: عدم وجوب الاحتياط مطلقا … »

بأن لا يفرق بين عدم كون جميع الاطراف محل الابتلاء و بين كون جميع

______________________________

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 475

الاطراف محل الابتلاء

«قوله قدس سره … و علي اي تقدير فهو علي طرف النقيض … »

توضيح المدعي: انه قد مر انه لا بدّ من الاجتناب عن اطراف الشبهة المحصورة فعدم الوجوب مناقض له، و أيضا قد مر ان خروج الجائزة من باب التخصيص فالالتزام بالتخصص مناقض له فعلي كلا التقديرين يكون علي طرف النقيض فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال … »

ما افاده خلاف الظاهر من الرواية اذ قد فرض في الحديث انه ليس له مكسب الا من اعمالهم، فالمستفاد من الحديث ان المال الذي يأخذ من السلطان يجوز لك أخذه اذا أعطاه العامل للسلطان و أما له فحرام و لا تناقض بين الامرين اذ اختيار الأمور كلها بيد الشارع الاقدس، لكن لا يستفاد المدعي من الرواية اذ لم يفرض في الحديث ان التصرف في بعض الأطراف العلم الإجمالي جائز حتي مع كونه منجزا للأطراف.

«قوله قدس سره. لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط … »

لا أدري ما الوجه في عدم النهوض، فان الدليل لو كان تاما سندا و دلالة لا يكون وجه لعدم النهوض و يستفاد من بعض النصوص جواز شراء الخيانة و السرقة لاحظ ما رواه أبو بصير قال: سألت احدهما عليهما السلام عن شراء الخيانة و السرقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 1، ص: 476

قال: لا الا أن يكون قد اختلط معه غيره فأما السرقة بعينها فلا، الا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك «1».

فان المستفاد من هذه الرواية جواز شراء مال السرقة و الخيانة مع الاختلاط بغيره، بل يجوز عين السرقة اذا كان من السلطان لكن هل يمكن الالتزام بمفاد هذا الخبر و نحوه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و اما الصورة الثالثة فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه»

هذه هي الصورة الثالثة من الصور المتصورة في المقام و هي اربع صور و

الصورة الثالثة ما علم تفصيلا بكون المال غصبا و حراما،
اشارة

و قد تعرض الشيخ قدس سره لفروع متعددة في المقام و ينبغي أن يذكر كل واحد من هذه الفروع و نتكلم حوله:

فنقول

الفرع الأول: ان الآخذ ان كان عالما بكون المال غصبا يكون أخذه حرام تكليفا

لأنه تصرف في مال الغير بدون اذنه و يكون اخذه موجبا للضمان لقاعدة اليد الجارية عليها السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع الاقدس فان ندم و تاب فهل ترتفع ضمانه و تصير يده يد امانة؟ الظاهر انه ليس بناء الاصحاب علي ارتفاع الضمان بل يكون باقيا و بعبارة اخري: وضع اليد علي مال الغير بلا رضاه اذا لم يكن باذن من الشارع يوجب الضمان و لا يرتفع الا بما تقرر في الشرع و بعبارة واضحة: ان اليد اذا كانت عدوانية توجب الضمان فاذا صارت امانية بقاء لا يقتضي عدم الضمان اذ المفروض ان اليد اذا كانت امانية لا تقتضي الضمان لا انها

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 477

تقتضي عدم الضمان و من ناحية اخري اليد العدوانية تقتضي الضمان و ما لا اقتضاء فيه لا يزاحم المقتضي.

و لا يخفي انا لا نلتزم ببقاء الضمان بالاستصحاب كي يقال ان الاستصحاب في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد بل انما نقول به لقاعدة اليد المقتضية للضمان و لكن مع ذلك لو عمل بالوظيفة الشرعية بقاء بأن فحص عن المالك مثلا و لم يجده ثم تصدق بالمال علي طبق الموازين الشرعية ثم وجد المالك فهل يكون ضامنا له أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان التصدق بالمال علي طبق الميزان الشرعي نحو من الايصال الي المالك أو فقل ان التمليك التصدقي اتلاف حكمي للمال باذن الشارع الأقدس و هو الولي علي الاطلاق علي جميع الاموال

و جميع الناس و جميع العالم، هذا علي تقدير اخذ المال بعنوان التملك و أما ان كان الأخذ بعنوان ايصاله الي مالكه و العمل بما هو المقرر في الشرع الأقدس و الحفظ لمالكه يجوز اخذه بهذه النية و ذلك لوجوه:

الاول: انه احسان و «مٰا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «1».

الثاني: انه علم من النصوص الواردة في اللقطة و مجهول المالك و الوديعة و العارية ان الشارع الاقدس اذن في التصرف في مال الغير بعنوان الحفظ و ايصاله الشرعي و قد علم من الدليل الشرعي انه ليس علي الامين الا اليمين و ان الشارع الاقدس راض به.

الثالث: ان الظاهر بناء الاصحاب عليه.

الرابع: السيرة العقلائية الممضاة عن قبل الشارع الأقدس و لو كانت مردوعة لشاع و ذاع.

الخامس: انه من الأمور الحسبية التي تكون مرغوبة فيها في الشرع.

______________________________

(1) التوبة/ 91

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 478

السادس: ما رواه ابو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه «1» فان المستفاد من الحديث ان مال المؤمن محترم كدمه فكما يجوز حفظ دمه كذلك يجوز حفظ ماله و صفوة القول: انه تارة يعلم الاخذ بعدم كون المالك راضيا بالأخذ مع كونه بالغا عاقلا و اخري يعلم بكونه راضيا و ثالثة يشك.

اما في الصورة الاولي، فلا اشكال في عدم جواز الأخذ لأنه عدوان و يكون من مصاديق التعدي فلا يجوز و أما الصورة الثانية فيجوز بلا كلام و لا اشكال و أما الصورة الثالثة فيكون جائزا بالتقاريب المتقدمة.

ان قلت: قد استفيد من

بعض النصوص انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذنه لاحظ ما رواه سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانته فليؤدها الي من ائتمنه عليها، فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «2».

و ما عن صاحب الزمان عجل اللّه تعالي فرجه فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه «3».

قلت: لا بدّ من رفع اليد عن الحديثين أما علي تقدير كون المالك صبيا أو مجنونا فلا اثر لرضاه و عدمه و أما مع كونه بالغا عاقلا فربما يقال بأن الحفظ للمالك ليس تصرفا في المال و الانصاف ان الاذعان به مشكل لكن نقول نخصص الدليل المذكور بالوجوه التي ذكرنا فلا مانع من التصرف المذكور.

______________________________

(1) الوسائل الباب الباب 158 من ابواب احكام العشرة الحديث 3

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1

(3) الاحتجاج للطبرسي ص 268

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 479

الفرع الثاني: انه لو كان عالما بالحرمة و لكن اضطر الي الاخذ

كما لو كان مصداقا للتقية من الظالم و في هذه الصورة لو أخذه بعنوان التملك يكون حراما و موجبا للضمان أيضا، بعين التقريب المتقدم و كون أخذه اجباريا و تقية لا يوجب الحلية و عدم الضمان لأن التقية تتأدي بأن ينوي الإيصال الي المالك فعليه لو أخذه بعنوان الحفظ و الإيصال يكون جائزا و الا فلا.

الفرع الثالث: انه لو كان جاهلا بالحرمة و كونه غصبا ثم علم فلا اشكال في عدم حرمة الأخذ

و لكن مقتضي قاعدة اليد الضمان فان عدم الضمان حكم ظاهري متقوم بالشك و أما بحسب الحكم الواقعي فهو ضامن فلا مجال لأن يقال انه ما دام الجهل موجودا لم يكن ضامنا و بعد زوال الجهل يستصحب عدم الضمان اذ قد ظهر بما قلناه ان الضمان متحقق من أول الأمر غاية الأمر لا يعلم الاخذ بكونه ضامنا و لا يخفي انه بعد زوال الجهل و حصول العلم بكون المال حراما لا يحتاج في بقاء الضمان الي استصحابه كي يقال ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد بل مقتضي قاعدة اليد بقاء الضمان الي أن يحصل سبب ارتفاعه.

الفرع الرابع: انه لو استودعه الغاصب مالا مغصوبا لا يرده إليه مع الامكان

و لو أخذه قهرا ففي الضمان نظر و يظهر من كلام الشهيد في المسالك ان المالك له أن يرجع الي ايهما شاء و يمكن أن يقال ان مقتضي حديث الرفع عدم الضمان الا أن يقال المفروض في المقام تحقق الضمان بالأخذ و بعبارة اخري: وضع يده علي المال عدواني و موجب للضمان و لا مقتضي لارتفاعه، نعم لو كان وضعه عليه بالإكراه و نحوه امكن أن نقول بعدم كونه موجبا للضمان فلاحظ.

الفرع الخامس: انه يجب ايصال المال الي مالكه
اشارة

و في المقام تارة يكون المالك معلوما و اخري يكون مجهولا، أما علي تقدير كونه معلوما فالامر ظاهر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 480

فان مقتضي الآية الشريفة (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا) «1» وجوب رد الأمانة الي اهلها، و يدل علي المقصود بعض النصوص: لاحظ ما رواه ابن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان اللّه عز و جل لم يبعث نبيا الا بصدق الحديث و أداء الأمانة الي البر و الفاجر «2» و لا فرق بين كون العلم بكون المال غصبيا قبل الغصب أو بعده.

ثم انه وقع الكلام في انه بما ذا يتحقق الرد و لا يبعد أن يستفاد من دليل وجوب الرد وجوب الإقباض و عدم كفاية مجرد التخلية، نعم لو كان حرجيا يسقط الوجوب لما تقرر عندهم من حكومة قاعدة لا حرج علي ادلة الأحكام و تقدمها عليها و أيضا علي مسلك القوم في مفاد قاعدة لا ضرر لو كان الإقباض مستلزما للضرر يسقط وجوبه الا ان يقال انه يقع التعارض بين ضرر المالك و ضرر الدافع فان التسليم و الايصال ضرري علي الفرض و أيضا المفروض ان عدم وصول العين الي

مالكها ضرر بالنسبة إليه فوجوب الإيصال ضرري بالنسبة الي الدافع و جواز عدم الإيصال ضرر بالنسبة الي المالك و بعد التعارض تصل النوبة الي الأخذ بدليل وجوب رد المال الي مالكه، و أما ما أفاده الشيخ قدس سره من أن المستفاد من دليل الرد بيان حرمة الحبس فلا يجب الإقباض فلا يمكن مساعدته فان المستفاد من الدليل وجوب الإيصال و بالملازمة يفهم ان الحبس لا يجوز الا أن يقال: ان قاعدة لا ضرر لا تشمل موارد الترخيص و الجواز.

ثم انه هل تجب الفورية بأن يرده إليه فورا أم لا تجب الفورية؟ افاد الماتن قدس سره انه لا خلاف في كون وجوب الرد فوريا، و يمكن أن يقال: التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضي الفورية بل يمكن أن يستدل عليها بأن المفروض ان رد

______________________________

(1) النساء 58

(2) الاصول من الكافي ج 2 ص 104 الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 481

الامانة واجب فسأل انه هل يجب ردها في اوّل ازمنة الامكان أم لا يجب؟ فعلي الاول يثبت المدعي، و علي الثاني نقول كيف لا يجب و الحال انه لا يرضي المالك ببقاء المال عنده و معه كيف يجوز التأخير في الايصال و اذا لم نلتزم بالفورية يلزم جواز التأخير اياما بل اسابيع بل الشهور اذ فرض انه واجب موسع و هل يمكن الالتزام به؟

ثم انه علي القول بالوجوب الفوري فهل تسقط الفورية باعلام صاحبه به كما اختاره شيخنا الاعظم الظاهر انه لا وجه له اذ علي القول بها فما الوجه في سقوط الوجوب بالاعلام و الحال انه قدس سره لم يذكر دليلا لما افاده و اللّه العالم.

ان قلت: ان الرد و الايصال اذا كان

مستلزما للتصرف في المال فان نقله الي المالك و ايصاله إليه تصرف فيه و لا يجوز التصرف في المال الا باذن صاحبه.

قلت: لو قلنا بأن المستفاد من الدليل وجوب الايصال فلا مجال لهذا التقريب، نعم اذا احرز عدم رضاه بالنقل و لم يكن الحفظ حرجا لمن يكون عنده يمكن ان يقال بحرمة النقل و أما ان كان المالك مجهولا فيقع الكلام فيه من جهات:

الجهة الأولي: هل يجوز التصدق به قبل الفحص أم لا
اشارة

و تتصور في المقام صور:

الصورة الاولي: مورد العلم بأنه لو فحص يصل الي المالك و يجده

و في هذه الصورة يجب الفحص فان الآية الشريعة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1» تدل علي وجوب رد الامانات الي اهلها علي الاطلاق و العموم فان الجمع المحلي يدل بالعموم الوضعي علي المدعي و يستفاد من بعض النصوص جواز التصدق بمجهول المالك و لو مع امكان الوصول إليه و من تلك الطائفة ما رواه

______________________________

(1) النساء/ 58

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 482

علي بن أبي حمزة البطائني قال: كان لي صديق من كتاب بني امية فقال لي: استأذن لي علي أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت له «عليه» فاذن له، فلما أن دخل سلم و جلس، ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا، و أغمضت في مطالبه، فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: لو لا ان بني امية وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا الا ما وقع في أيديهم قال: فقال الفتي:

جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ قال: ان قلت لك تفعل؟ قال: أفعل، قال له:

فاخرج من جميع ما كسبت «اكتسبت» في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به، و أنا أضمن لك علي اللّه عز و جل الجنة، فأطرق الفتي طويلا ثم قال له: لقد فعلت جعلت فداك، قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتي معنا الي الكوفة فما ترك شيئا علي وجه الأرض الا خرج منه حتي ثيابه التي كانت علي بدنه قال: فقسمت له قسمة و اشترينا

له ثيابا و بعثنا إليه بنفقة، قال: فما أتي عليه الا أشهر قلائل حتي مرض، فكنا نعوده، قال: فدخلت يوما و هو في السوق قال: ففتح عينيه ثم قال: يا علي و في لي و اللّه صاحبك قال: ثم مات فتولينا أمره فخرجت حتي دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما نظر الي قال: لي يا علي و فينا و اللّه لصاحبك، قال: فقلت صدقت جعلت فداك و اللّه هكذا و اللّه قال لي عند موته «1». و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة مدلولها.

و منها ما رواه علي بن ميمون الصائغ قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به فاما لك و اما لأهله قال:

قلت: فان فيه ذهبا و فضة و حديدا فبأي شي ء ابيعه؟ قال: بعه بطعام، قلت: فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 47 من ابواب ما يكتسب به

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 483

كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم «1» و الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

و منها: ما رواه أبو علي بن راشد قال: سألت أبا لحسن عليه السلام قلت:

جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف، فقال: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها «2» و السند ضعيف فلا يعتد بالحديث.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا، فانطلق الغلام فعصر خمرا

ثم باعه، قال: لا يصلح ثمنه، ثم قال: ان رجلا من ثقيف أهدي الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله راويتين من خمر، فأمر بهما رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاهريقتا، و قال: ان الذي حرم شربها حرم ثمنها، ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام. ان افضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها «3».

و مثله في الدلالة حديث أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أمر غلامه أن يبيع كرمه عصيرا، فباعه خمرا، ثم أتاه بثمنه، فقال: ان أحب الأشياء الي أن يتصدق بثمنه «4».

و هذه الرواية اي حديث ابن مسلم لا بأس بسندها ظاهرا، فلا بد من ملاحظة النسبة بين هذه الرواية و الآية المباركة و النسبة بينهما عموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية الحديث صورة عدم امكان ايصال المال الي مالكه فان الآية لا تشمله اذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب الصرف الحديث 1

(2) الوسائل الباب 17 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1

(3) الوسائل الباب 55 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

(4) عين المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 484

التكليف بالاداء مشروط بالقدرة و ما به الافتراق من ناحية الآية الشريفة صورة معرفة المالك و امكان ايصال المال إليه و ما به الاجتماع صورة عدم معرفة المالك و امكان ايصال المال إليه فان مقتضي عموم الآية وجوب التأدية و مقتضي اطلاق الحديث عدم وجوبها فيقع التعارض بين الجانبين و حيث ان عموم الآية وضعي يقدم علي عموم الحديث حيث ان عمومه اطلاقي و العموم الوضعي يقدم علي العموم الاطلاقي علي ما هو المقرر.

و يمكن

تقديم العموم الكتابي علي الاطلاق الروائي بأنه قد دلت جملة من النصوص علي ان ما خالف الكتاب لا اعتبار به:

منها: ما رواه حسين بن أبي العلاء أنه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به، و منهم من لا نثق به، قال: اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، و الا فالذي جاءكم به أولي به «1».

و منها: ما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خطب النبي صلي اللّه عليه و آله بمني فقال: أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب اللّه فأنا قلته، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله «2».

و منها: ما رواه أيوب بن الحر قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كل شي ء مردود الي الكتاب و السنة و كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف «3».

و منها: ما رواه أيوب بن راشد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: ما لم

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 11

(2) نفس المصدر الحديث 15

(3) نفس المصدر الحديث 14

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 485

يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف «1».

و منها: ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور، فما وافق كتاب اللّه فخذوه، و ما خالف كتاب اللّه فدعوه «2».

لكن الأشكال في اسناد الأحاديث المذكورة و لا يبعد أن يكون الحديث الحادي عشر

تاما سندا اذ البرقي ينقل الرواية عن علي بن حكم فالحديث المخالف مع الكتاب لاعتبار به.

و يستفاد من بعض النصوص وجوب رد مجهول المالك إليه اذا كان ممكنا.

لاحظ ما رواه حفص بن غياث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟

فقال: لا يرده فان أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل، و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فان أصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فان اختار الأجر فله الأجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الأجر له «3». و الحديث ضعيف سندا.

و من تلك الطائفة ما رواه هشام بن سالم قال: سأل خطاب الأعور أبا ابراهيم عليه السلام و أنا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاجرة ففقدناه و بقي من أجره شي ء و لا يعرف له وارث قال: فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده، قال: فقال: مساكين- و حرك يده- قال: فأعاد عليه قال: اطلب و اجهد فان قدرت عليه و الا فهو كسبيل مالك حتي يجي ء له طالب، فان حدث بك حدث فأوص به

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 12

(2) نفس المصدر الحديث 10

(3) الوسائل الباب 18 من ابواب اللقطة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 486

ان جاء لها طالب ان يدفع إليه «1» و السند ضعيف.

و منها ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل كان له علي رجل حق، ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أحي هو أم

ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب قال: فان ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه «2».

و الظاهر ان السند مخدوش فان للرواية سندين احدهما فيه العبيدي و الثاني فيه ابن عون و لم يذكره الأردبيلي في جامع الرواة في باب الكني و اللّه العالم و لكن للحديث سند ثالث لا بأس به «3».

و منها: ما رواه اسحاق بن عمار قال: سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل فكيف يصنع بميراث الغائب من ابيه؟ قال:

يعزل حتي يجي ء، قلت: فقد الرجل فلم يجي ء، قال: ان كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فان هو جاء ردوه عليه «4».

و هذه الرواية موردها معلوم المالك لكن لا يعلم اين هو و انه حي أو ميت و ما نحن فيه مورده مجهول المالك.

و منها: ما رواه علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن دار كانت لامرأة و كان لها ابن و ابنة فغاب الابن بالبحر و ماتت المرأة فادعت ابنتها ان أمها كانت صيرت هذه الدار لها و باعت اشقاصا منها و بقيت في الدار قطعة الي جنب دار رجل من أصحابنا و هو يكره أن يشتريها لغيبة الابن و ما يتخوف أن لا يحل شراؤها و ليس يعرف للابن خبر، فقال لي: و منذ كم غاب؟ قلت: منذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ميراث الخنثي الحديث 1

(2) عين المصدر الحديث 2

(3) الوسائل الباب 22 من ابواب الدين الفرض الحديث 2

(4) الوسائل باب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 487

سنين كثيرة

قال: ينتظر به غيبة عشر سنين ثم يشتري، فقلت: اذا انتظر به غيبة عشر سنين يحل شراؤها؟ قال نعم «1».

و الكلام فيه هو الكلام فان الرواية فان الرواية موردها معلوم المالك و كلامنا في مجهول المالك.

و منها: ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن الاول عليه السلام قال:

سألته عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده فلم يدر أين هو و مات الرجل فأي شي ء يصنع بميراث الرجل الغائب من ابيه؟ قال: يعزل حتي يجي ء قلت: فعلي ماله زكاة؟ قال: لا حتي يجي ء قلت: فاذا جاء يزكيه؟ قال: حتي يحول عليه الحول في يده فقلت: فقد الرجل فلم يجي ء، قال: ان كان ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم، فاذا هو جاء ردوه عليه «2» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها: ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المفقود يحبس ماله علي الورثة قدر ما يطلب في الارض أربع سنين، فان لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة، فان كان له ولد حبس المال و أنفق علي ولده تلك الاربع سنين «3» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام و أنا حاضر، الي أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا، فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأي شي ء نصنع به؟

قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه، قال له: علي من جعلت فداك؟

______________________________

(1) عين المصدر الحديث 7

(2) نفس المصدر الحديث 8

(3)

عين المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 488

قال: علي أهل الولاية «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فالنتيجة انه مع امكان الوصول الي المالك يجب الفحص للوصول إليه و هذا هو المورد الأول من الموارد الثلاثة.

الصورة الثانية: صورة العلم بأنه لا يجده و لا يمكنه الوصول إليه فقد وقع الكلام في حكمه
اشارة

و قد ذكرت في بيان حكمه وجوه:

الوجه الأول ان حكمه الدفع الي الامام و انه مالكه

و الدليل عليه ما رواه داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رجل: اني قد اصبت مالا و اني قد خفت فيه علي نفسي و لو أصبت صاحبه دفعته إليه و تخلصت منه، قال: فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: و اللّه أن لو أصبته كنت تدفعه إليه؟ قال: اي و اللّه قال:

فأنا و اللّه ماله صاحب غيري قال: فاستحلفه أن يدفعه الي من يأمره قال: فحلف فقال: فاذهب فاقسمه في اخوانك و لك الأمن مما خفت منه قال: فقسمته بين اخواني «2».

و الحديث تام سندا ان كان المراد من موسي بن عمر الواقع في السند موسي بن عمر بن بزيع لكن الرواية لا ترتبط بالمقام فان المستفاد من الحديث ان المال المصاب ملك له روحي فداه. فيمكن انه ضاع عنه عليه السلام أو سرق منه أو هو عليه السلام يعلم بأنه من تركة من لا وارث له و كيف ما كان لا تدل الرواية علي أن مجهول المالك ملك للإمام عليه السلام مضافا الي أن اطلاق الحديث يشمل اللقطة و من الظاهر ان اللقطة لها حكم خاص الا أن يقال انه لا مانع من تخصيص الحديث بغير اللقطة.

الوجه الثاني: ان حكم مجهول المالك العمل فيه و اخراجه صدقة قليلا قليلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب اللقطة الحديث 2

(2) عين المصدر الحديث: 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 489

و الدليل عليه ما رواه نصر بن حبيب صاحب الخان قال: كتبت الي عبد صالح عليه السلام لقد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا، فكتب

أعمل فيها و اخرجها صدقة قليلا قليلا حتي يخرج «1» و السند ضعيف فلا يعتد بالرواية.

الوجه الثالث: أن يتصدق به و تدل علي المدعي جملة من النصوص

منها:

ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا و منها: ما رواه أبو أيوب «3» و الرواية ضعيفة سندا. و منها: ما رواه علي بن ميمون الصائغ «4». و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه علي الصائغ قال: سألته عن تراب الصواغين و انا نبيعه قال:

أ ما تستطيع أن تستحله من صاحبه؟ قال: قلت: لا اذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت: بأي شي ء نبيعه؟ قال: بطعام، قلت: فأي شي ء أصنع به؟ قال: تصدق به، اما لك و اما لأهله «لأهلك» قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا اصله؟ قال: نعم «5» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه أبو علي ابن راشد «6» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه حفص بن غياث «7» و الحديث ضعيف سندا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 3

(2) قد تقدم في ص 482

(3) قد تقدم في ص 483

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 1، ص: 489

(4) قد تقدم في ص 482

(5) الوسائل الباب 16 من ابواب الصرف الحديث 2

(6) قد تقدم في ص 483

(7) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 490

و منها: ما رواه يونس بن عبد الرحمن «1» و الحديث ضعيف سندا.

و منها: ما رواه محمد بن مسلم «2» و الحديث تام سندا لكن لا يستفاد من الحديث وجوب التصدق بل المستفاد من الحديث ان افضل الخصال فيه

التصدق.

الوجه الرابع: ان مجهول المالك ملك لمن وضع يده عليه

و فيه الخمس كبقية الأموال التي فيه الخمس من ارباح المكاسب و يدل عليه حديث علي بن مهزيار «3». و الشاهد في الرواية قوله عليه السلام في عداد ما يجب فيه الخمس «و مثل ما يؤخذ و لا يعرف له صاحب» و مقتضي هذه الرواية ان مجهول المالك يصير ملكا للآخذ غاية الأمر يجب أن يخمس.

و أورد علي التقريب المذكور سيدنا الاستاد أولا: بأن الحديث غير متعرض لسبب الملكية بل متعرض لوجوب الخمس في كل مورد يتحقق الملك و أما حصول الملك فلا بد من تحقق سببه، و بعبارة واضحة ان الحديث لا يكون في مقام بيان سبب تحقق الملكية.

و ثانيا: انه علي فرض الدلالة تكون دلالته بالظهور لا بالصراحة و حيث ان المستفاد من دليل وجوب التصدق ان حكم مجهول المالك أن يتصدق به يقيد ظهور خبر ابن مهزيار بدليل وجوب الصدقة و يختص مورد الخمس بعد التقييد باللقطة.

و يرد علي ايراده الأول: انه لا اشكال في أن العرف يفهم من الحديث ان من جملة اسباب تحقق الملكية اخذ مجهول المالك و الميزان الفهم العرفي و العرف ببابك.

و يرد علي ايراده الثاني: انه لا تنافي بين هذه الرواية و حديث ابن مسلم فان

______________________________

(1) قد تقدم في ص 487

(2) قد تقدم في ص 483

(3) لاحظ ص: 457

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 491

مقتضي حديث ابن مهزيار تحقق الملكية و وجوب الخمس كبقية ارباح المكاسب و مقتضي حديث ابن مسلم ان أفضل الخصال فيه أن يتصدق به، فان تصدق به أو صرفه قبل تمام السنة لا يتعلق به الخمس و اما ان بقي بحاله الي آخر السنة فيتعلق به الخمس و ان ابيت

و قلت ان الحديثين متعارضان، قلت: ان الترجيح مع حديث ابن مهزيار بالأحدثية.

و في المقام حديث رواه اسحاق بن عمار، عن عبد صالح عليه السلام قال:

سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضي من آبائه انها ليست لهم، و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال:

ما احب أن يبيع ما ليس له، قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي، و لا أظنه يجي ء لها رب أبدا، قال: ما احب أن يبيع ما ليس له، قلت: فيبيع سكتاها أو مكانها في يده فيقول: ابيع سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي، قال: نعم يبيعها علي هذا «1» يمكن ان يقال انه يعارض حديث ابن مهزيار حيث ان المستفاد منه عدم كون الدار مملوكة لمن في يده و لكن علي فرض تمامية التعارض يكون الترجيح لحديث ابن مهزيار لكونه أحدث و قد بنينا اخيرا ان المرجح الوحيد في باب الترجيح الاحدثية فلاحظ، و تؤيد المدعي جملة من النصوص:

منها: ما رواه عبد اللّه بن جعفر قال: كتبت الي الرجل عليه السلام أسأله عن رجل اشتري جزورا أو بقرة للاضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب اللقطة الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 492

و منها: ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: سألته عليه

السلام في كتاب عن رجل اشتري جزورا أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك؟ و كيف يعمل به؟ فوقع عليه السلام: عرفها البائع فان لم يعرفها فالشي ء لك رزقك اللّه اياه «1».

و منها: ما رواه أبو حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ان رجلا عابدا من بني اسرائيل كان محارفا، فاخذ غزلا فاشتري به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائلا فدق الباب فقال له الرجل: ادخل فقال له: خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما و انطلق فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل: ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثم قال: كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك انما اراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا، ثم ذهب «2».

و منها: ما رواه حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل رجلا و كان محتاجا، فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل الي اللّه في الرزق، فرأي في النوم أيما أحب أليك درهمان من حل أو الفان من حرام؟

فقال: درهمان من حل، فقال: تحت رأسك فانتبه فرأي الدرهمين تحت رأسه فأخذهما، و اشتري بدرهم سمكة و أقبل الي منزله فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة و أقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها اذا بدرتين، فباعهما بأربعين ألف درهم «3».

و منها: ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني اسرائيل

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث: 2

(2) الوسائل الباب 10 من ابواب اللقطة

الحديث 1

(3) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 493

عابدا و كان محارفا تنفق عليه امرأته. فجاعوا يوما، فدفعت إليه غزلا فذهب فلا يشتري بشي ء، فجاء الي البحر فاذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا، فأعطاه الغزل و قال: انتفع به في شبكتك فدفع إليه سمكة فرفعها و خرج بها الي زوجته، فلما شقها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم «1».

و منها: ما رواه الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث أن رجلا شكا إليه الدين و العيال، فبكا و قال: أي مصيبة أعظم علي حر مؤمن أن يري بأخيه المؤمن خلة فلا يمكنه سدها الي أن قال علي بن الحسين عليهما السلام:

قد أذن اللّه في فرجك يا جارية احملي سحوري و فطوري، فحملت قرصتين فقال علي بن الحسين عليهما السلام للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما فان اللّه يكشف بهما عنك و يريك خيرا واسعا منهما، ثم ذكر أنه اشتري سمكة بأحد القرصتين و بالأخري ملحا، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد اللّه عليهما، فقرع بابه فاذا صاحب السمكة و صاحب الملح يقولان جهدنا أن نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه أسناننا فقد رددنا أليك هذا الخبز و طيبنا لك ما أخذته منا، فما استقر حتي جاء رسول علي بن الحسين عليهما السلام و قال: انه يقول لك: ان اللّه قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا فانه لا يأكله غيرنا و باع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضي منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله «2».

و منها: ما رواه الحسن بن علي العسكري في (تفسيره) في حديث طويل أن رجلا فقيرا اشتري سمكة فوجد

فيها أربعة جواهر، ثم جاء بها الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و جاء تجار غرباء فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم، فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم يا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 494

صلي اللّه عليه و آله: هذا بتوقيرك محمدا رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و توقيرك عليا اخا رسول اللّه و وصيه و هو عاجل ثواب اللّه لك و ربح عملك الذي عملته «1».

الوجه الخامس: وجوب حفظه و الايصاء به عند الوفاة

علي ما في كلام سيدنا الاستاد «2» و الدليل عليه ما رواه هشام بن سالم قال: سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده جالس، قال: انه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام تدفع الي المساكين ثم قال:

رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: تطلب وارثا فان وجدت وارثا و الا فهو كسبيل مالك. ثم قال: ما عسي أن يصنع بها، ثم قال: توصي بها فان جاء طالبها و الا فهي كسبيل مالك «3».

و أورد سيدنا الاستاد علي الاستدلال بالرواية أولا: بأن مورد الحديث الحق الكلي و الكلام في العين الشخصية و ثانيا: انه حكم وارد في قضية شخصية و لا يستفاد من الحديث الحكم الكلي.

و فيه: ان الظاهر من الحديث ان مورد الرواية العين الشخصية لا الحق الكلي فان الظاهر من جملة «و له عندنا دراهم» دراهم خارجية شخصية و العرف

ببابك. و أيضا يستفاد من الحديث خلاف ما رامه فان العرف يفهم من الحديث ان الامام عليه السلام في مقام بيان حكم مجهول المالك، و الحق أن يقال انه لا يبعد أن المستفاد من الحديث مورد امكان الوصول الي المالك و عدم اليأس و كلامنا في مورد عدم امكان الوصول

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 5

(2) مصباح الفقاهة ج 1 ص 521

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الدين و القرض الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 495

إليه و ان أبيت عما ذكرنا فنقول غاية ما في الباب أن يقع التعارض بين هذه الرواية و حديث ابن مهزيار و الترجيح مع حدث ابن مهزيار بالاحدثية و قريب من هذا الحديث ما رواه هشام بن سالم أيضا قال: سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و انا حاضر فقال: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء فهلك الأجير فلم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك كيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين فقلت اني ضقت بذلك ذرعا قال: هو كسبيل مالك فان جاء طالب أعطيته «1».

الوجه السادس: الالتزام بكون حكم مجهول المالك حكم اللقطة من تعريفه سنة و غيره من الأحكام.

و فيه: انه لا وجه له فان تلك الأحكام أحكام خاصة في مورد اللقطة و لا وجه لتسرية تلك الاحكام الي المقام بلا قيام دليل معتبر عليها و أما حديث حفص «2» الدال علي أن بعض اقسام مجهول المالك محكوم بحكم اللقطة فهو ضعيف سندا فلا يعتد به.

الوجه السابع: وجوب دفعه الي الحاكم الشرعي بتقريب انه ولي الغائب.

و فيه: انه لا دليل علي ولايته في المقام و ولاية الحاكم الشرعي علي الامور من باب الحسبة و لا مجال لها بعد وضوح الوظيفة من قبل الشارع و قد ظهر مما تقدم انه ملك للآخذ و أفضل خصاله الصدقة.

ان قلت: يجب الدفع إليه اما من حيث ولايته و اما من حيث كونه أعرف بحكمه. قلت: أما ولايته فلا دليل عليها و أما كونه اعرف بالحكم فنعم لكن بعد رجوع المقلد إليه و تعلم الحكم منه يكون كلاهما عارفين غاية الأمر احدهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 1

(2) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 496

بالاجتهاد و الاخر بالتقليد فلا فرق بينهما، و أما بالنسبة الي الموضوع فلا دليل علي كونه أعرف فاذا اراد أن يتصدق او اذا اراد أن يخمس يقوم بالأمر بنفسه غاية ما في الباب أن يأذن من الحاكم، و أما وجوب دفعه إليه فلا دليل عليه.

و صفوة القول: ان المقام كبقية موارد التصدق و التخميس بلا فرق فلاحظ.

و لا يخفي ان مقتضي اطلاق دليل التصدق عدم اشتراطه بالاذن عن الحاكم الشرعي نعم بالنسبة الي التخميس بناء الأصحاب علي الدفع بالاذن عن الحاكم و البحث حول هذه الجهة موكول الي مجال آخر و قد تعرضنا له تبعا لسيدنا الاستاد في كتاب الخمس من مباني منهاج الصالحين

فراجع.

الصورة الثالثة: الشك في الوصول و الشك في القدرة

و لا يمكن الاخذ بالآية الشريفة «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1» الدالة علي وجوب التأدية الي الأهل اذ لا اشكال في أن التكليف مشروط بالقدرة فمع الشك في القدرة لا مجال للأخذ بالدليل و ان شئت قلت لا مجال للأخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

ان قلت: الامر كما ذكرت لكن مقتضي السيرة العقلائية وجوب الفحص عند الشك في القدرة قلت: لا مجال لهذا القياس اذ مقتضي دليل البراءة الجارية في الشبهات المصداقية عدم وجوب الفحص و بعد عدم شمول الآية للشك في القدرة يشمله اطلاق دليل التصدق كما يشمله أيضا حديث ابن مهزيار بالإطلاق بل لنا أن نقول: لا تصل النوبة الي الأخذ بالبراءة اذ مع وجود الاطلاق اللفظي كما اشرنا إليه لا مجال للاصل العملي كما هو المقرر.

و لقائل ان يقول: مقتضي بعض النصوص وجوب الطلب: لاحظ ما رواه

______________________________

(1) النساء/ 58

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 497

هشام ابن سالم «1» و الحديث ضعيف سندا، و لاحظ ما رواه معاوية بن وهب «2» و الحديث ضعيف سندا نعم للحديث سند آخر «3» لا بأس به و لكن كلامنا في مجهول المالك و حديث ابن وهب مورده معلوم المالك فلا تعارض بين الجانبين.

الجهة الثانية: انه لو تصدق بمجهول المالك و كانت العين موجودة في يد آخذ الصدقة فوجد المالك فهل يجوز له ان يرد العين أم لا؟

الظاهر عدم الجواز فان مقتضي حديث ابن مهزيار ان مجهول المالك يصير ملكا للآخذ مضافا الي أن المستفاد من جملة من النصوص عدم جواز الرجوع في الصدقة:

منها: ما رواه موسي بن بكر عن الحكم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

ان والدي تصدق علي بدار، ثم بدا له أن يرجع فيها، و ان قضاتنا يقضون لي بها، فقال: نعم ما قضت به قضاتكم، و بئس ما صنع والدك،

انما الصدقة للّه عز و جل، فما جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه، فان أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك، و ان رفع صوته فاخفض أنت صوتك قال: قلت: فانه توفي قال: فاطب بها «4».

و منها: ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتصدق بالصدقة ثم يعود في صدقته، فقال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

انما مثل الذي يتصدق بالصدقة ثم يعود فيها مثل الذي يقي ء ثم يعود في قيئه «5».

و منها: ما رواه طلحة بن زيد، عن جعفر، عن ابيه عليه السلام قال: من تصدق بصدقة ثم ردت عليه فلا يأكلها، لأنه لا شريك للّه عز و جل في شي ء مما جعل له انما

______________________________

(1) قد تقدم في ص 485

(2) قد تقدم في ص 486

(3) قد تقدم في ص 486

(4) الوسائل الباب 11 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 1

(5) نفس المصدر الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 498

هو بمنزلة العتاقة لا يصلح ردها بعد ما يعتق «1».

و منها: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه «2».

و منها: ما رواه جراح المدائني، عن أبي عبد اللّه عليه انه قال في الرجل يرتد في الصدقة قال: كالذي يرتد في قيئه «3».

و منها: ما رواه علي بن اسماعيل مرسلا، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج الصدقة يريد أن يعطيها السائل فلا يجده قال: فليعطها غيره و لا يردها في ماله «4».

و منها: ما رواه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:

لا يرجع في الصدقة اذا ابتغي بها وجه اللّه عز و جل «5».

و منها: ما رواه سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصدق بصدقة علي حميم أ يصلح له أن يرجع فيها؟ قال: لا، و لكن ان احتاج فليأخذ من حميمه من غير ما تصدق به عليه «6».

و منها: ما رواه حسين بن علوان، عن جعفر عن أبيه ان عليا عليه السلام كان يقول: من تصدق بصدقة فردت عليه فلا يجوز له أكلها و لا يجوز له الا انفاقها، انما منزلتها بمنزلة العتق للّه فلو أن رجلا أعتق عبدا للّه فرد ذلك العبد لم يرجع في

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3

(2) نفس المصدر الحديث 4

(3) نفس المصدر الحديث 5

(4) نفس المصدر الحديث 6

(5) نفس المصدر الحديث 7

(6) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 499

الامر الذي جعله للّه، فكذلك لا يرجع في الصدقة «1».

و منها: ما رواه أحمد بن فهد قال: قال عليه السلام: من تصدق بصدقة ثم ردت فلا يبيعها و لا يأكلها لأنه لا شريك للّه في شي ء مما جعل له، انما هي بمنزلة العتاقة، و لا يصلح له ردها بعد ما يعتق «2».

و منها: ما روي قال: و عنه عليه السلام في الرجل يخرج بالصدقة ليعطيها السائل فيجده قد ذهب، قال: فليعطها غيره و لا يردها في ماله «3».

فان مقتضي هذه النصوص عدم جواز الرجوع في الصدقة و مقتضي اطلاق حديث محمد بن مسلم «4» عدم جواز الرجوع فيها بلا فرق بين المتصدق و غيره فلا مجال لأن يقال الكلام في رجوع المالك لا المتصدق، نعم حديث ابن

مسلم قد قيد بقيد القربة و مقتضي مفهوم الشرط جواز الرجوع فيما لا تكون الصدقة قربة الي اللّه لكن يمكن ان يقال انه يعارضه حديث ابن علوان «5» فان المستفاد من الحديث بقرينة المقابلة ان الصدقة علي الاطلاق لا يرجع فيها و لو لم تكن بقصد القربة و بعد التعارض و التساقط لعدم احراز المتأخر و الاحدث تصل النوبة الي الأخذ بإطلاق عدم جواز الرجوع في الصدقة.

الا أن يقال: الكلام في رجوع المالك لا في رجوع المتصدق لكن الذي يهون الخطب انه لا مقتضي لرجوع المالك بعد خروج العين عن ملكه و دخوله في ملك الاخذ كما تقدم فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب الصدقة الحديث 1

(2) نفس المصدر الحديث 2

(3) نفس المصدر الحديث 3

(4) قد تقدم في ص 498

(5) قد تقدم في ص 498

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 500

الجهة الثالثة: انه هل يشترط الفقر في آخذ الصدقة أم يجوز دفعها الي الاغنياء

ربما يقال كما عن صاحب الجواهر انه لا يشترط فيه الفقر بتقريب ان الادلة بإطلاقها تقتضي التسوية بين الفقير و الغني و رتب علي مرامه جواز دفع سهم الامام عليه السلام الي الاغنياء فان السهم المبارك حكمه الصدقة لكن ربما يقال ان المتفاهم من لفظ الصدقة انه يشترط في المتصدق عليه الفقر و مع الشك في الصدق لا بدّ من التحفظ علي ما يحتمل أن يكون قيدا في المفهوم اذ لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل مقتضي جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية كما هو الحق عندنا التضيق في المفهوم لكن لم يذكر القيد المذكور في اللغة فلا وجه للالتزام به. الا أن يقال: ان المتبادر من اللفظ المفهوم المقيد بل حتي مع عدم التبادر يكفي الشك لانه لا يستفاد من

اللغة الا موارد الاستعمالات و ربما يقال ان المستفاد من الآية الشريفة «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1»، ان الصدقة تختص بالفقير.

و يؤيد الاشتراط بالفقر ما رواه هشام بن سالم «2» فانه قال في هذه الرواية تدفع الي المساكين و يرد عليه: ان الآية خاصة بالزكاة و غير متعرضة لمصرف الصدقة علي الاطلاق، و أما الحديث فمورده معلوم المالك.

الجهة الرابعة: في أن حكم الصدقة المترتب علي مجهول المالك هل يجري في حق معلوم المالك

الذي لا يمكن الايصال إليه فهل يجوز أن يتصدق بماله لا يبعد ان يقال ان مقتضي اطلاق حديث ابن مسلم «3» ان يتصدق به فانه لم يفصل في

______________________________

(1) التوبة/ 60

(2) قد تقدم في ص 494

(3) قد تقدم في ص 483

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 501

الحديث بين كون المالك معلوما و مجهولا فاذا كان معلوما و لا يمكن رده إليه يتصدق به و هل يجب أن يتصدق به أم لا؟ الظاهر انه يجب اذ لا يجوز التصرف في مال الغير بغير اذنه فالعقل يلزم المكلف بأن يتصدق به كي يخلص عن تبعة الغصب و علي هذا الاساس هل يمكن أن يقال ان السهم المبارك حكمه التصدق به لعدم امكان الوصول إليه روحي فداه الحق عدم صحة التقريب المذكور اذ في الدرجة الاولي يجب الايصال إليه فاذا علمنا برضاه في صرفه في جملة من المصارف الخيرية لا يجوز التصرف فيه بأن يتصدق لأن صرفه في مورد رضاه نحو من الايصال و مع امكان الايصال لا تصل النوبة الي التصدق فلاحظ.

الجهة الخامسة: في أن هذه الصدقة من قبل المالك او من قبل من وضع يده علي المال او لا من هذا و لا من ذاك؟

الحق هو الثالث فان المستفاد من حديث ابن مسلم ان يتصدق به فقط و لم يذكر في الحديث أزيد من هذا المقدار فالالتزام بالقول الاول أو الثاني بلا دليل.

الجهة السادسة: انه لو كان لاحد مال عند شخص فمات مالك العين و ليس له وارث فما الوظيفة؟

فقد وردت في المقام جملة من النصوص:

منها: ما رواه هشام بن سالم «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا.

و منها: ما رواه هشام أيضا «2» و هذه الرواية كما تري مجملة و يتعارض بعضها مع بعضها الاخر فلا يعتد بها.

و منها: ما رواه معاوية وهب «3» و مقتضي هذه الرواية انه لو كان لاحد عند آخر مال و لا يدري أ هو ميت أم حي و لا يعرف له وارث و لا بلد يجب أن يطلب.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 494

(2) قد تقدم في ص 495

(3) قد تقدم في ص 485

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 502

و لكن ظاهر الرواية يقتضي ان السؤال عن الحق لا عن العين الخارجية و كلامنا في العين الخارجية.

و صفوة القول: ان المستفاد من الحديث ان الحق اذا كان لشخص علي غيره و يحتمل الوصول إليه يجب الفحص بمقتضي قوله «اطلبه» و من الاحاديث الواردة في المقام حديث رواه هشام «1» و مقتضي الحديث المذكور ان العين مملوكة لمن وضع يده علي المال غاية الأمر انه اذا جاء مالكه يرده إليه فكأن الملكية ملكية ظاهرية و ليعلم انه لو علم انه لا وارث له يكون ما تركه الميت للامام عليه السلام فانه وارث من لا وارث له و الحديث لا يظهر منه الا عدم معرفة وارث له لا انه لا وارث له، هذا بحسب النصوص.

و أما بحسب القواعد فلا يبعد أن يقال ان كان المالك حيا و يمكن الوصول إليه

يجب ابقاء المال و طلبه و بعبارة اخري: مع العلم بالوصول فظاهر و أما مع الشك في القدرة علي الوصول إليه فبمقتضي النص اي حديث ابن وهب وجوب الفحص و أما مع اليأس عن الوصول إليه فلا يبعد أن يقال حكمه التصدق به.

الجهة السابعة: انه هل يجوز وضع اليد علي مجهول المالك بعد وضع الغير يده عليه أم لا،

الذي يختلج بالبال ان يقال ان مجهول المالك اذ صار ملكا للواضع الاول بمقتضي الادلة فلا يجوز الوضع للثاني اذ فرض خروجه عن ملك المالك المجهول و دخل في ملك الواضع الاول فلا مقتضي لجواز الوضع للثاني و أما اذا لم يصر ملكا للواضع الاول لعدم الدليل عليه فرضا فلا مانع عن الوضع الثاني اذ لا دليل علي الاختصاص بالاول.

الجهة الثامنة: انه هل يجوز اعطاء الصدقة للهاشمي أم لا؟

و قد تكلمنا حول المسألة في كتاب الزكاة من كتابنا «مباني منهاج الصالحين» فراجع ما ذكرناه

______________________________

(1) قد تقدم في ص 495

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 503

هناك.

الجهة التاسعة: انه في صورة وجوب الفحص و هي ما لو علم بأنه لو فحص عن المالك يجده

و قلنا ان مقتضي الآية الشريفة الدالة علي وجوب رد الامانات الي اهلها وجوبه، اذا كان الفحص حرجيا يسقط الوجوب و لا يجب الفحص لحديث نفي الحرج في الشريعة و أما اذا كان ضرريا و لا يكون حرجيا فعلي ما سلكناه يجب الفحص و تحمل الضرر و أما علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة فأيضا يمكن أن يقال بسقوط الوجوب لقاعدة نفي الضرر في الشريعة.

الجهة العاشرة: لو تلفت العين في يد الآخذ و لم تصر بعد مملوكة له

كما لو كانت العين معلومة المالك أو كما لو كان المالك مجهولا و لكن يمكن الوصول إليه بالفحص فتارة يكون وضع اليد علي العين امانيا و باذن من الشارع و اخري يكون عدوانيا، أما علي الاول فلا ضمان علي الاخذ اذ المفروض ان اليد غير ضمانية و أيضا المفروض عدم التقصير في حفظ المال فلا موجب للضمان و أما اذا كانت اليد يد ضمان يصير الاخذ ضامنا بتلف العين و تشتغل ذمته بالبدل و لا يبعد انه بعد الفحص و اليأس عن الوصول الي المالك يكون حكمه التصدق فان المستفاد من حديث ابن مسلم «1» الدال علي ان احسن الخصال فيه الصدقة أن يتصدق بالبدل فان العرف لا يفهم الفرق بين العين و الدين من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لا يبعد أن يكون الوجه فيه ان التصدق اذا كان باذن الشارع الاقدس فلا مجال لتوقفه علي اذن المالك كما انه لا وجه للضمان كما سبق منا.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 483

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 504

«قوله قدس سره: و لو بضميمة عدم القول بالفصل … »

لا موقع لحرف الوصل في المقام فان الظاهر من كلامه ان مقتضي استصحاب الضمان تحققه حتي بعد التصدق في صورة كون اليد

ابتداءً يد ضمان و ببركة عدم الفصل نلتزم بالضمان بعد التصدق فيما لم تكن اليد يد ضمان فلا بد من حذف (لو) الوصلية هذا و لكن الحق كما سبق منا عدم الضمان اذ المفروض ان التصدق يتحقق بحكم من الشارع و هو ولي الكل في الكل فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان لم نتعد … »

لا يبعد ان تكون (لم) الجازمة زائدة لان وجودها يخل بالمقصود فان المقصود الاستدلال بذلك الخبر علي الضمان علي الاطلاق فيتوقف علي التعدي لا عدم التعدي فوجود الجازم يخل فلاحظ.

الا ان يقال: ان الاستدراك الموجود في كلام الماتن يقتضي عدم زيادة الجازم، فنقول يستفاد من خبر الوديعة ان الصدقة مع الضمان حكم لمطلق صورة اليأس عن المالك لكن التقريب المذكور مرجعه الي التناقض.

و صفوة القول: ان المستفاد من الحديث اما الاطلاق و اما بيان حكم المورد الخاص فعلي الأول يكون الجازم زائدا، و أما علي الثاني فلا مجال للاستدراك.

الجهة الحادي عشرة: انه لو مات المالك فهل يرث وارثه بأن يقوم مقامه في الخيار بين الامضاء و الرد؟ أما علي مسلكنا فلا مجال لهذا الكلام و أما علي مسلك الماتن قدس سره فلا دليل علي الارث كما في المتن فانه حكم متعلق بالمالك الذي تلف عنه المال و انتقال الحق المذكور الي الوارث لا دليل عليه.

و ان شئت قلت: ان الحق كان متعلقا بالعين و قد انتقلت العين الي المتصدق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 505

عليه و المقدار المعلوم من جواز الرد مخصوص بالمالك الاصلي. الا ان يقال:

اذا فرض انه حق و فرض كل حق يورث فهذا يورث أيضا لكن لا دليل علي هذه الكلية و التفصيل موكول الي مجال آخر.

الجهة الثانية عشرة: انه اذا مات المتصدق فوجد المالك و رد التصدق

فان كان مأمورا بالتصدق حيث انه يأس من الوجدان فتكون الغرامة في تركته اذ المفروض كونه ضامنا و الا فلا.

و الماتن تعرض للمسألة مبسوطا و الذي يهون الخطب انه لا وجه للضمان من اصله.

فرع: اذا اشتري دابة فوجد في جوفها مالا عرفه البائع فان لم يعرفه كان له و الدليل عليه ما رواه عبد اللّه بن جعفر «1» و ما رواه أيضا 2.

مضافا الي دعوي عدم الخلاف و مقتضي اطلاق الحديث الثاني عدم الفرق بين الدابة و غيرها، و أما اذا اشتري سمكة و وجد في جوفها مالا فاما نقول ان العرف يفهم من الحديث الثاني الميزان الكلي بلا فرق بين اقسام الحيوانات فاللازم تعريف البائع ثم التملك، و ان قلنا ان الحديث لا يشمل السمك اذ المفروض ان السمكة لا تذبح فاما يحتمل كون المال للبائع أو لا يحتمل أما علي الاول فلا بد من دفعه إليه من باب قاعدة اليد المقتضية لكون ما فيها ملكا لذيها و أما علي الثاني فاما يعلم انه لمالك محترم المال أو لا يعلم أما علي الاول فلا بد من اجراء حكم مجهول المالك عليه.

و اما علي الثاني، فيجوز تملكه فان مقتضي استصحاب عدم صيرورته ملكا لمالك محترم المال عدم كونه مملوكا لمالك محترم فيجوز تملكه للآخذ فلاحظ.

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 491 و 492

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 506

و أما حديث الزهري «1» فهو ضعيف سندا و مثله في الضعف سندا ما عن العسكري «2».

[الصورة الرابعة: و هو ما علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما الصورة الرابعة: و هو ما علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام»

اشار الماتن الي فروع في المقام لا بأس بذكر كل واحد

منها و بيان دليله:

الفرع الأول: ان يكون الاشتباه موجبا لتحقق الاشاعة كخلط السمن بالسمن

مثلا و يكون المال و المالك كلاهما معلومين و حكم هذه الصورة رد المال الي مالكه و هذا ظاهر واضح.

الفرع الثاني: أن يكون المال و المالك كلاهما مجهولان

و حكمه التخميس علي المشهور بين القوم بمقتضي النص الخاص «3».

و قد تكلمنا حول المسألة في كتاب الخمس من كتابنا مباني منهاج الصالحين و قلنا ان النصوص الواردة في المقام قاصرة عن اثبات المدعي اما سندا و اما دلالة فلا دليل علي التخميس في المال المختلط بالحرام فراجع ما ذكرناه هناك و علي هذا الأساس لا بدّ من اجراء حكم مجهول المالك عليه و التميز يحصل بالقرعة و لا يخفي ان العين اذا كانت في يد الغير يكون مقتضي قاعدة اليد كون المال له الا في المقدار المعلوم خروجه عن ملكه و كونه غصبا.

الفرع الثالث: أن يكون المالك معلوما و المال مجهولا

و حكم هذه الصورة ظاهر فانه لا بدّ من دفع مال الغير إليه بعد تميز مقداره بالقرعة.

الفرع الرابع: ما لو كان المالك مجهولا و المال معلوم المقدار

و حكمه حكم

______________________________

(1) قد تقدم في ص 493

(2) قد تقدم في ص 493

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 507

مجهول المالك بعد ان يميز بالقرعة.

الفرع الخامس: أن لا يكون الاشتباه موجبا للإشاعة

بل يكون كل من المالين متمايزا عن الاخر لكن غير معلوم عند من وضع يده علي المال و يكون المالك و المال كلاهما مجهولين و في هذه الصورة لا بدّ من القرعة لأن يتميز كل مملوك عن مملوك آخر و يتميز و بعد التميز يعامل مع مجهول المالك حكمه المقرر شرعا و لو شك في مقداره كما لو شك في أن مال الغير فرش واحد أو فرشان يؤخذ بالقدر المتيقن و الباقي لذي اليد لكون اليد أمارة الملكية.

الفرع السادس: أن يكون المالك معلوما و المال غير معلوم بلا اشاعة

و اللازم الرجوع الي القرعة و دفع مملوك الغير إليه.

الفرع السابع: أن يكون المالك مجهولا و مقدار المال معلوما بلا اشاعة

و في هذه الصورة أيضا يميز المال بالقرعة و يعامل معه معاملة مجهول المالك.

الفرع الثامن: أن يكون المال و المالك معلومين بلا اشاعة و حكمه القرعة

ثم دفع مال الغير إليه.

«قوله قدس سره: و اعلم ان اخذ ما في يد الظالم ينقسم … »

أما الواجب فكما لو أمره والده بالأخذ و قلنا ان اطاعته واجبة و كما لو حلف علي أن يأخذ المال منه و لم نقل بكون الأخذ مرجوحا و كما لو كان أخذه موجبا لنجاة مؤمن من الهلاك، الا أن يقال ان حفظ النفس واجب و الأخذ مقدمة للواجب و وجوب المقدمة عقلي.

و أما الحرام فكما لو علم بكون المأخوذ غصبا، و أما المستحب فكما لو كان الاخذ سببا لسرور المؤمن، و أما المكروه فقد تقدم البحث حول اخذ الجائزة من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 508

الظالم فراجع، و أما المباح فكما لو لم يعرضه احد العناوين و لم نقل بكراهة الأخذ أو التزمنا بارتفاع الكراهة بما ذكر سابقا و تعرضنا تبعا للشيخ لهذه المسألة.

«قوله قدس سره: و الواجب ما يجب استنقاذه … »

لا ادري ما مدرك الوجوب المذكور، الا أن يقال ان الحقوق المذكورة تتعلق بكلي السادة و الفقير و الولي في هذه الأمور الحاكم الشرعي و شأن الولي التولي للامور و اصلاحها، مثلا ولي الوقف يلزم عليه أن يستنقذ مال الوقف و ولي اليتيم يلزم عليه القيام بشئونه و استنقاذ أمواله فأيضا يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ اموال الفقراء من السادات و غيرهم.

«قوله قدس سره: انه الا انه ذكر بعض الاساطين … »

الظاهر ان المراد منه الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره و الظاهر ان ما افاده الماتن قدس سره تام فانه لا وجه للانصراف كما انه لا يعبأ بالسيرة علي

تقدير تسلمها و بعبارة واضحة: أما المقتضي فهو تام فان الآية الشريفة «فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» «1» الآية تقتضي أن تخرج الديون بأي نحو تحققت عن الأصل و أما المانع اي السيرة فلا يكون مانعا فان السيرة الناشية عن عدم المبالات لا اثر لها.

«قوله قدس سره: كما هو المنصوص … »

لاحظ ما رواه ابن رزين قال: قلت لأبي الحسن موسي عليه السلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها، و الداية الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «2». و غيره

______________________________

(1) النساء/ 12

(2) الوسائل الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 509

من النصوص الواردة في الباب المذكور.

[الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمهما و من الأنعام باسم الزكاة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لاخذ الخراج و المقاسمة من الاراضي … »

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول: انه هل يجوز اخذ مال الصدقة و الخراج و المقاسمة من الحاكم الجائر الغاصب أم لا؟
اشارة

المشهور هو الجواز بل ادعي انه مجمع عليه، و يمكن الاستدلال علي الجواز مضافا الي الشهرة و الإجماع المدعي بوجهين

الوجه الأول: النصوص الدالة علي اخذ جوائز السلطان

منها: ما رواه أبو ولاد «1» و منها: ما رواه ابو المعزي 2 و منها: ما رواه محمد بن هشام «3» و منها ما رواه يحيي بن ابي العلاء 4 و منها ما رواه محمد ابن مسلم 5 و منها: ما رواه ابو بكر الحضرمي 6 و منها: ما رواه يونس بن يعقوب «7» و منها ما رواه محمد بن قيس بن رمانة «8» و منها: ما رواه الفضل بن الربيع 9 و منها ما رواه الفضل أيضا 10 و منها: ما رواه سفيان ابن نزار 11 و منها: ما رواه حسين بن علوان «12» و منها:

ما ارسله الطبرسي 13 و منها: ما رواه محمد بن عيسي «14» فان المستفاد من هذه النصوص انه لا بأس بأخذ ما في يد الجائر من الأموال المشار إليها اذ لا اشكال في أن جوائز السلطان لا تكون من امواله الشخصية بل يتصرف في الزكوات و الصدقات و مال الخراج و المقاسمة فلا اشكال في تمامية دلالة هذه النصوص علي المدعي.

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 468

(3) (3 و 4 و 5 و 6) قد تقدم في ص 468 و 469

(7) قد تقدم في ص 470

(8) (8 و 9 و 10 و 11) قد تقدم في ص 470 و 471

(12) (12 و 13) قد تقدم في ص 471

(14) قد تقدم في ص 472

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 510

الوجه الثاني: النصوص الخاصة الدالة علي المدعي

منها: ما رواه أبو عبيدة «1»

و يمكن الاستدلال علي المدعي بجمل واقعة في الحديث الجملة الأولي: قول السائل «يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم اكثر» فانه يستفاد

من هذه الجملة ان اصل جواز الأخذ مفروغ عنه عند السائل و انما وجه السؤال علمه بأخذهم أزيد، فأجابه عليه السلام بقوله: «لا بأس به حتي تعرف الحرام منه بعينه».

و أورد علي الاستدلال المذكور الأردبيلي قدس سره علي ما نقل عنه: بأن قوله عليه السلام: لا بأس به حتي تعرف الحرام منه بعينه لا يدل الا علي ما كان حلالا بل مشتبها و لا يدل علي جواز شراء ما كان معروفا بالحرمة و لا يدل علي جواز اشتراء الزكاة بالصراحة بل غايته الظهور و لا بدّ من رفع اليد عن الظهور بما يدل علي عدم الجواز، لاحظ ما رواه سماعة «2».

و بعبارة اخري: لا يجوز التصرف في مال الغير شرعا و عقلا و يمكن أن يكون سبب الاجمال في الرواية كونه عليه السلام في مقام التقية

و يرد عليه: انه لا اجمال في الرواية بل تدل بالصراحة علي جواز شراء الزكاة و غيرها و أما حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير فقد ذكرنا مرارا ان العقل منعزل عن ادراك الأحكام الشرعية و الملاكات الواقعية و أما حكم الشرع بحرمة التصرف في مال الغير فلا اشكال فيه، لكن اذا اجاز الشارع الأقدس يخصص دليل المنع.

و أما حمل الرواية علي التقية فلا وجه له، فان مجرد كون حكم موافق مع التقية لا يوجب حمله علي التقية و انما المشهور فيما بين القوم انه اذا تعارض حديثان

______________________________

(1) قد تقدم في ص 473

(2) قد تقدم في ص 478

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 511

و كان احدهما موافقا مع التقية يحمل المتعارض الموافق مع التقية عليها و يؤخذ بمعارضها و قد أبطلنا المسلك المذكور و قلنا ان المرجع

الوحيد في باب التراجيح كون الحديث احدث ان قلت: ما الوجه في حمل السلطان علي الجائر و لما ذا لا يحمل علي الإمام العادل عليه السلام. قلت: قد فرض في الحديث انهم يأخذون اكثر و الحال ان السلطان العادل لا يأخذ أزيد مضافا الي أن المسئول الباقر عليه السلام و الحكام الموجودون في تلك الأزمنة اما بنو امية أو بنو العباس و لم يكن اثر من العدالة فيهم.

الجملة الثانية: قوله عليه السلام في جواب سؤال السائل بعد ما سأله عن جواز ما يأخذه منه «ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس،» فانه يستفاد من هذه الجملة ان ما يرتكبه المصدق يكون مورد الإمضاء من قبل الشارع و يجوز لصاحب المال اشتراء ما يتعين في الصدقة بالعزل و الأخذ و علي الجملة لا اشكال في أنه يستفاد من الجملة المذكورة ان الظالم في نظر الشارع الأقدس بحكم المالك و المتولي في أن فعله مورد الاعتبار الشرعي.

الجملة الثالثة: قوله عليه السلام: «ان كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه» فان هذه الجملة صريحة في جواز اخذ الأموال المشار إليها من الظالم و اشترائها منه.

ان قلت: لعل المراد من القاسم المذكور في الحديث المزارع مع السلطان أو وكيله فلا ترتبط بما نحن فيه قلت: اتحاد السياق يقتضي أن يكون المراد من القاسم هو الذي يقسم الزكوات و غيرها من الأموال التي تقسم مضافا الي أن الظاهر بنظر العرف ان المراد من القاسم هو الذي يكون شغله التقسيم و هو العامل للسلطان.

ان قلت: ان الحديث متعرض لحكم الصدقة فقط فلا يشمل الخراج و المقاسمة قلت: أولا: التقابل بين القاسم و المصدق يقتضي العموم اذ القسمة

تقطع الشركة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 512

و ثانيا: القاسم بماله من المفهوم عام يشمل التقسيم الزكوي و غيره من الخراج و المقاسمة مضافا الي عدم القول بالفصل بين الزكاة و غيرها علي ما ادعي في كلام بعضهم فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه اسحاق بن عمار «1» تقريب الاستدلال علي المدعي بالرواية ان الظاهر من الحديث السؤال عما يشتري من العامل من الأموال التي يأخذها من الناس بعنوان انه عامل للجائر و ان ابيت عن الظهور فلا أقل من الإطلاق و بما ذكرنا يظهر فساد ما اورد في الاستدلال من أنه يمكن أن يكون مورد السؤال اشتراء اموال العامل لا المال الذي يأخذ من السلطان. و منها: ما رواه الحضرمي «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: في القبالة ان يأتي الرجل الأرض الخربة فيتقبلها من اهلها عشرين سنة فان كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها الا أن يتقبل ارضها فيستأجرها من اهلها و لا يدخل العلوج في شي ء من القبالة فانه لا يحل، و عن الرجل يأتي الأرض الخربة الميتة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه فيها؟ قال: الصدقة، قلت: فان كان يعرف صاحبها قال: فليرد إليه حقه و قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الارض و اهلها من السلطان، و عن مزارعة اهل الخراج بالربع و النصف و الثلث قال: نعم لا بأس به قد قبل رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله خيبر اعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف «3».

فانه يستفاد

من الحديث أن اصل القبالة مع الجائر امر مفروض الجواز و انما

______________________________

(1) قد تقدم في ص 474

(2) قد تقدم في ص 469

(3) التهذيب ج 7 ص 201/ الحديث 34

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 513

السؤال عن الخصوصية و هو العقد علي الكسر المشاع من الربع أو النصف.

و منها: ما رواه اسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا، أو يكون، أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل منه قال: اذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا انه قد ادرك فاشتره و تقبل به «منه» «1».

و منها: ما رواه الهاشمي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل استأجر من السلطان من ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمي ثم آجرها و اشترط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو اقل من ذلك أو اكثر و له في الارض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟ قال: نعم اذا حفر نهرا أو عمل لهم عملا يعينهم بذلك فله ذلك، قال: و سألته عن رجل استاجر ارضا من ارض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي ء معلوم أ فيكون له فضل ما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا؟ أو يؤاجر تلك الارض قطعا قطعا علي أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل علي اجارته و له تربة الارض أو ليست له؟ فقال: اذا استأجرت ارضا فانفقت فيها شيئا أو رممت فلا بأس بما ذكرت «2».

و

منها: ما رواه الفيض بن المختار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

جعلت فداك ما تقول في ارض اتقبلها من السلطان ثم او اجرها اكرتي علي أن ما اخرج اللّه فيها من شي ء كان لي من ذلك النصف و الثلث بعد حق السلطان؟ قال:

لا بأس به كذلك اعامل اكرتي «3».

«قوله قدس سره: اقول و الاولي ان يقال … »

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

(2) التهذيب ج 7 ص 203/ الحديث 42

(3) التهذيب ج 7 ص 199/ الحديث 27

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 514

وجه الاولوية ان الإمام عليه السلام لا يكون مالكا للامور المذكورة بل امرها بيده و هو عليه السلام متوليها.

«قوله قدس سره: و في وصفه عليه السلام المأخوذ بالحلية … »

لم يذكر عنوان الحلية في كلامه عليه السلام نعم يستفاد من قوله عليه السلام ان المشكوك فيه حلال و الحكم وارد في مورد خاص و لا وجه للتعدي الا أن يقال أن العرف يفهم عدم الفرق بين الاشتراء و غيره اي يفهم من الحديث انه لا بأس بالأخذ علي نحو الاطلاق و بعبارة اخري يفهم من قوله عليه السلام «لا بأس به ما لم يعرف الحرام» ان المأخوذ من يد الجائر علي قسمين: قسم منه حلال و هو ما لم يعرف كونه حراما، و قسم منه حرام و هو المعلوم كونه حراما، أما القسم الأول فلا بأس به علي الاطلاق و أما القسم الثاني فلا.

«قوله قدس سره: منها الصحيح»

الوسائل الباب 53 من ابواب ما يكتسب به الحديث: 1

«قوله قدس سره: و يظهر من بعض الاخبار … »

لاحظ ما رواه علي بن الريان، عن ابيه، عن

يونس أو غيره عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، بلغني انك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا و انا احب ان اسمعه منك، قال فقال لي: نعم كنت آمر اذا ادركت الثمرة ان يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كل يوم ان يوضع عشر بنيات، يقعد علي كل بنية عشرة، كلما اكل عشرة جاء عشرة اخري يلقي لكل نفس منهم مدمن رطب. و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر ان يجي ء، فيأكل منها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 515

لكل انسان منهم مدا فاذا كان الجذاذ اوفيت القوام و الوكلاء و الرجال اجرتهم و احمل الباقي الي المدينة، ففرقت في اهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الاقل و الأكثر علي قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار «1».

«قوله قدس سره: و منها صحيحة عبد الرحمن «2»»

فان المستفاد من الحديث ان المال كان ملكا شخصيا حيث يقول للامام عليه السلام «و ان شئت وسعت علي» فكان الامر بيده و باجازته فان شاء وسع و ان لم يشأ لم يوسع.

[ينبغي التنبيه علي أمور]
[الأول أن ظاهر كلمات الأكثر بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان]

«قوله قدس سره: و هذا هو الظاهر من الاخبار المتقدمة الواردة في قبالة الارض و جزية الرءوس»

لاحظ ما رواه الهاشمي «3» فان الظاهر من الحديث بل صراحته يقتضي جواز المعاملة و المعاقدة مع السلطان علي ما لم يأخذه بعد و لاحظ ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السلام انه قال في القبالة ان تأتي الارض الخربة فتقبلها من

اهلها عشرين سنة، فان كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها الا أن يتقبل ارضها فيستأجرها من أهلها، و لا يدخل العلوج في شي ء من القبالة فان ذلك لا يحل «الي أن قال» و قال: لا بأس أن يتقبل الأرض و أهلها من السلطان الحديث «4».

فان الظاهر من الحديث المعاقدة مع السلطان علي ما لم يأخذه ان قلت:

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من ابواب زكاة الغلات الحديث 2

(2) قد تقدم في ص 472

(3) قد تقدم في ص 513

(4) الوسائل الباب 18 من ابواب المزارعة و المساقاة الحديث 3

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 516

فرضنا تمامية المقتضي لكن لا بدّ من رفع اليد عنه للتقيد المستفاد من حديث ابي عبيدة «1» فان المستفاد من هذا الحديث عدم الجواز الا بعد الأخذ.

قلت: المفروض في الحديث المشار إليه وقوع المعاملة علي العين الخارجية فلا يرتبط بالمقام فان البحث في المقام ايقاع المعاملة علي ما في الذمة مضافا الي أن الحديث متعرض لحكم الزكاة، اللهم الا أن يقال انه لا قول بالفصل بين الزكاة و غيرها.

[الثاني هل للجائر سلطنة علي أخذ الخراج فلا يجوز منعه منه]

«قوله قدس سره: الثاني: هل يختص حكم الخراج من حيث الخراج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا … »

لا اشكال في أن الجائر و الحاكم غير الشرعي جميع تصرفاته باطلة و لا يترتب علي افعاله و نقله اثر حيث ان المفروض انه غاصب لكن قد ثبت بالنصوص الخاصة جواز قبول جوائزه و براءة الذمة من الحقوق الثابتة فيها بادائها إليه بعد مطالبته و أما الزائد علي ذلك فلا دليل علي وجوبه بل لا دليل علي جوازه بل الدليل قائم علي خلافه، لاحظ ما رواه زرارة قال: اشتري ضريس بن عبد الملك و

اخوه ارزا من هبيرة بثلاثمائة الف قال: فقلت له: ويلك أو ويحك انظر الي خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي قال: فأبي ذلك قال: فادي المال و قدم هؤلاء فذهب امر بني أمية قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السلام فقال مبادرا للجواب: هو له هو له فقلت له: انه قد اداها فعض علي اصبعه «2». فان المستفاد من هذه الرواية جواز عدم الدفع الي الحاكم الجائر بل يستفاد انه أرجح و أما اخراج الخمس فلا يستفاد من كلامه عليه السلام بل هذه الجملة في كلام زرارة و رأي زرارة لا

______________________________

(1) قد تقدم في ص 473

(2) التهذيب ج 6 ص 337/ الحديث 57

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 517

اعتبار به بل الاعتبار بكلامه عليه السلام.

و لاحظ ما رواه علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام. ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: ان كنت لا بدّ فاعلا فاتق أموال الشيعة، قال: فاخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر «1».

فانه يستفاد من الحديث رجحان عدم دفع اموال الشيعة الي الجائر لكن الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و تدل علي عدم جواز اعطائهم الزكاة عدة نصوص:

منها ما رواه عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الزكاة قال:

ما اخذوا منكم بنو امية فاحتسبوا به، و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فان المال لا يبقي علي هذا ان يزكيه مرتين «2».

و منها: ما رواه ابو اسامة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك، ان هؤلاء المصدقين يأتونا و يأخذون منا الصدقة فنعطيهم اياها، أ تجزي عنا؟

فقال: لا،

انما هؤلاء قوم غصبوكم، او قال: ظلموكم اموالكم، و انما الصدقة لأهلها «3».

و منها: ما رواه عبد الرحمن انه كان عند ابي جعفر عليه السلام فذكر له رجل قطع عليه الطريق، قال: فقلت له: فاذا انا فعلت ذلك، اعتد به من الزكاة؟ فقال:

لا، و لكن ان شئت ان يكون من الحق المعلوم «4».

فان المستفاد من هذه النصوص انه لا يجوز اختيارا دفع الزكاة الي الظالم

______________________________

(1) الوسائل الباب 46 من ابواب ما يكتسب به الحديث 8

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب المستحقين الحديث 3

(3) نفس المصدر الحديث 6

(4) نفس المصدر الحديث 9

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 518

و صفوة القول: ان توهم ان الظالم الجائر بعد غصبه مقام الولاية و تقمصه قميص الخلافة تثبت له الاحكام المترتبة علي العادل و يكون في حكمه توهم فاسد لا دليل عليه بل مقتضي الاصل و مقتضي النصوص الخاصة كذلك و اشرنا الي النصوص الواردة في المقام آنفا فلا تغفل.

[الثالث هل يحل ما يعتقده الجائر خراجيا و إن كان عندنا من الأنفال أم يثبت حق الاختصاص]

«قوله قدس سره: الثالث: ان ظاهر الاخبار و اطلاق الاصحاب حل الخراج و المقاسمة الماخوذين من الاراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية»

الحق عدم شمول الحكم لغير الاراضي الخراجية فان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه و الأخبار الواردة تعين حكم الأراضي الخراجية فاذا لم تكن الارض من اراضي الخراج كما لو كان من الأنفال التي تكون للامام عليه السلام او تكون الارض مملوكة للشخص لا تشمله النصوص.

و دعوي لحقوق الانفال بالاراضي الخراجية بعد ادخال الظالم اياها في الاراضي الخراجية و اخذ الخراج منها دعوي باطلة و بلا دليل.

«قوله قدس سره: نعم بعض الاخبار»

يمكن ان يكون مراده من ذلك البعض ما رواه الفيض «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا

يعتد بها.

[الرابع ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة

______________________________

(1) قد تقدم في ص 513

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 519

العامة»

مقتضي القاعدة الاولية عدم جواز التصرف في اموال الناس و عدم نفوذ العقد الواقع عليه فلا بد من خروج مورد و الالتزام بالجواز فيه من دليل يتوسل به و ما يمكن ان يذكر في الاستدلال به علي العموم المزعوم وجهان:

الوجه الأول: ان النصوص الواردة في المقام الدالة علي جواز التصرف فيما يأخذه الجائر متعرضة لهذا الحكم

علي نحو القضية الحقيقية فيشمل الدليل كل سلطان و كل متغلب بلا فرق بين المخالف المدعي للرئاسة العامة و غيره الذي لا يدعي و بلا فرق بين المؤمن و الكافر و المخالف.

و فيه: انه لا يمكن الالتزام بتمامية التقريب المذكور، اما لكون القضية المذكورة في النصوص خارجية يشاربها الي هؤلاء الموجودين في الخارج من خلفاء بني امية و بني العباس و امثالهم و لا يشمل الدليل غيرهم و اما لانصراف الدليل عن غيرهم و ان قلنا بأن النصوص الواردة علي نحو القضية الحقيقية و اما لأن الاطلاق المنعقد في بعض النصوص متعرض لحكم آخر و لا يكون قابلا للاستدلال به علي المدعي لاحظ ما رواه الحلبي «1» فان الحديث متعرض لعدم جواز ادخال العلوج في المعاملة، و لاحظ ما رواه الفيض «2» فان الحديث المشار إليه في مقام بيان ان الزائد علي ما عقد عليه مع السلطان لا بأس به فلا مجال للاستدلال علي المدي بمثلهما، فالوجه الاول غير تام.

الوجه الثاني: انه لو لم نلتزم بشمول الحكم

و بعبارة اخري لو لم نلتزم بالإطلاق يلزم الحرج و الحرج منفي في الشريعة المقدسة، فنقول تارة نبني علي عدم شمول دليل نفي الحرج موردا يكون نفيه خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير و اخري لا نبني

______________________________

(1) قد تقدم في ص 515

(2) قد تقدم في ص 513

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 520

عليه.

أما علي الأول فعدم شمول الدليل و عدم عموم الحكم ظاهر اذ يلزم من نفي الحرج و جواز التصرف خلاف الامتنان بالنسبة الي غير من يشمله الدليل و أما علي الثاني فيلزم الالتزام بجواز حبس مال الغير و التصرف فيه و هل يمكن الالتزام به؟

مضافا الي أن حديث الرفع يقتضي النفي و

لا يقتضي الاثبات.

توضيح المدعي انه تارة يقع الكلام في المعاملة مع الجائر في التصرف في مال الغير و اشترائه منه، و اخري في أن الجائر اذا أخذ مالا بعنوان الخراج يكون ادائه ثانيا حرجيا و علي كلا التقديرين يشكل التمسك بدليل الحرج، اذ المستفاد من الأدلة عدم صحة العقد مع غير المالك فاذا اشتري شيئا من الجائر أو اذا قبل هبته و جائزته و المفروض أن مورد التصرف مال الغير، يكون العقد باطلا و أيضا لو لم يؤد ثانيا يكون تصرفه في مورد الحق تصرفا عدوانيا و دليل الرفع لا يصحح العقد الفاسد، و ان شئت قلت: غاية ما يمكن الالتزام به أن يقال أن مقتضي دليل رفع الحرج جواز التصرف في مورد الحق و في مال الغير تكليفا و أما التصرف الوضعي فلا يستفاد من دليل الحرج انه صحيح و نافذ اذ قلنا ان دليل نفي الحرج متعرض للنفي لا للاثبات فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن شمول الدليل للكافر لا ينافي نفي السبيل فان هذا الحكم بلحاظ رعاية المؤمنين فلا يرتبط باثبات السبيل للكافر علي المؤمن و بعبارة اخري لا تنافي بين نفي سبيله و شمول الحكم له فلاحظ و لا تغفل.

[الخامس: الظاهر أنه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الأخذ للآخذ]

«قوله قدس سره: الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 521

حل الخراج المأخوذان يكون الماخوذ منه ممن يعتقد … ».

لا يبعد أن يكون الأمر كما أفاده للاطلاق المنعقد في بعض النصوص لاحظ ما رواه الهاشمي «1» فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين المخالف و المؤمن و الكافر و لاحظ ما رواه الحلبي «2» و الكلام فيه هو الكلام.

و بعض النصوص الواردة

في المقام يختص مورده بالمؤمن لاحظ ما رواه ابو عبيدة «3» فانه قد صرح في الحديث بلفظ الرجل منا فالسؤال عن المؤمن الشيعي المأخوذ منه.

قوله قدس سره: و اسحاق بن عمار»

يمكن أن يكون المراد من الحديث المشار إليه ما ذكرناه سابقا «4» لكن هذه الرواية لا يختص موردها بالمؤمن.

«قوله قدس سره: و بعض روايات قبالة الاراضي الخراجية»

لم اظفر بحديث يختص مورده بالمؤمن و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و لم يستبعد بعض»

قبل ان المراد من البعض الفاضل القطيفي في رسالته الخراجية.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 513

(2) قد تقدم في ص 512

(3) قد تقدم في ص 473

(4) قد تقدم في ص 474

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 522

«قوله قدس سره: و الاقوي ان المسألة اعم من ذلك»

الأمر كما افاده فان المستفاد من نصوص المقام امضاء الشارع الأقدس التصرفات الصادرة عن الجائر و لا يتوقف الحكم في المقام علي القول بقاعدة الإلزام و يمكن أن يكون مراده من قوله أعم من ذلك ان الصناعة تقتضي الالتزام بصحة تصرفات الجائر اعم من القول بتمامية قاعدة الالزام و عدمه.

[السادس: ليس للخراج قدر معين]

«قوله قدس سره: السادس: ليس للخراج قدر معين بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الارض»

اذ صحة كل عقد تتوقف علي رضي الطرفين، و أما مرسل حماد بن عيسي عن أبي الحسن عليه السلام قال: «و الأرضون التي اخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها علي ما صالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الحق الخراج النصف أو الثلث أو الثلثين علي قدر ما يكون صلاحا و لا يضرهم … «1» الحديث، فهو ضعيف من حيث الارسال و

عمل القوم به علي فرض تحققه لا اثر له كما قلنا مرارا فلا وجه لاشتراط كون العقد بعدم كونه مضرا بحالهم.

«قوله قدس سره: وجهان».

لا يبعد أن يكون الوجه في حرمة الكل، ان المعاملة باطلة فكل مال يؤخذ يكون حراما و يكون مال الغير و الوجه في حرمة البعض و حلية البعض الاخر انه المستفاد من حديث حماد فان المقدار المضر حرام و اما ما لا يضر بحاله فجائز و الحق حرمة الكل فانه مقتضي القاعدة الأولية، و اما الحديث فقد مر انه ضعيف

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه الحديث 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 523

سندا هذا علي تقدير كون العقد بالاكراه، و اما علي تقدير تحقق العقد برضي الطرفين فالحق ان المعاملة نافذة في الكل فانه مقتضي صحة العقد.

«قوله قدس سره: و حكي عن بعض انه يشترط»

لا وجه لهذا الاشتراط اذ لا دليل عليه.

«قوله قدس سره: فالمناط ما ذكر في المرسلة»

تقدم ان المرسلة لا اعتبار بها فلاحظ.

[السابع: ظاهر إطلاق الأصحاب أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج الاستحقاق]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع: ظاهر اطلاق الاصحاب انه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج او الزكاة من السلطان»

في التنبيه السابع فروع:

الفرع الأول: انه هل يشترط فيمن يشتري من الخراج و المقاسمة و الزكوات الاحتياج أم لا؟

الظاهر هو الثاني فان المستفاد من الاخبار و الاجماع ان تصرف الجائر في الامور المذكورة بالبيع و نحوه جائز فلا فرق بين كون المشتري محتاجا أو لم يكن و لا وجه للالتزام باشتراط الفقر في المشتري.

الفرع الثاني: انه لو لم يكن الآخذ مستحقا فهل يجوز له اخذ الزكوات و الخراج مجانا أم لا؟

مقتضي القاعدة الاولية عدم الجواز لكن الظاهر انه لا مانع عن الأخذ بإطلاقات النصوص الواردة في حل جوائز السلطان و عماله اذ لا اشكال في أن السلطان و عماله يتصرفون في الوجوه المذكورة.

لاحظ ما رواه ابو ولاد «1» فان مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين كون الاخذ فقيرا او غنيا و لاحظ ما رواه ابو المعزي 2 و الكلام فيه هو الكلام و لاحظ ما رواه

______________________________

(1) (1 و 2) قد تقدم في ص 468

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 524

اخو عذافر «1» و الكلام فيه هو الكلام.

و لاحظ ما رواه في النوادر «2» و الكلام فيه هو الكلام الي غيرها من النصوص الدالة علي المدعي بالإطلاق.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث قال: علي ما في التقرير و هذا نص عبارته، فان تلك الأخبار غير متعرضة لحكم الحقوق الثلاثة نفيا و اثباتا، انتهي «3». فان العرف يفهم من النصوص المشار إليها ان الجائر و ان كان عاصيا في تصرفاته و تقلباته لكن لا اشكال في أنه يفهم الجواز فان اطلاق النصوص غير قابل للانكار هذا من ناحية و من ناحية اخري يفهم من الادلة الواردة في المقام انه حكم ثانوي وارد علي موضوع خاص فلا يلاحظ النسبة بين هذه الادلة و غيرها فلاحظ.

و أيضا العجب من الماتن قدس سره حيث يقول و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من الخراج حتي يتمسك بإطلاقه عدا أخبار جوائز

السلطان مع ان تلك الاخبار واردة أيضا في أشخاص خاصة فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال الخ.

فانه يكفي للحكم الأخبار الواردة في بيان حكم الجوائز و لا دليل في تلك الاخبار علي ان الاخذ من اشخاص مخصوصة و صفوة القول: ان تلك الاخبار لها اطلاق من ناحيتين:

الاولي: من ناحية ان الجائزة تشمل الزكوات و الخراج و المقاسمة.

الثانية: ان مورد السؤال مطلق الشخص و لا يختص بفرد دون آخر فلا تغفل و اما حديث الحضرمي «4» فهو ضعيف سندا مضافا الي عدم دلالته علي الاختصاص

______________________________

(1) قد تقدم في ص 470

(2) قد تقدم في ص 472

(3) مصباح الفقاهة ج 1 ص 545

(4) قد تقدم في ص 469

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 525

و عدم جواز الدفع الي غير المستحق فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يختص امضاء تصرفات الجائر بما يكون جائزا في مذهبه أم يعم جميع التصرفات

و لو كان التصرف علي خلاف الموازين في مذهبهم لا يبعد أن يقال ان مقتضي الاطلاقات هو الثاني اذ لا دليل علي التقييد و ان شئت فقل:

ان الظاهر من النصوص امضاء الشارع الأقدس مطلق التصرف الصادر عن الجائر الذي يري نفسه خليفة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و يري انه امام المسلمين و يتخيل انه امير المؤمنين كالرشيد و اضرابه لعنهم اللّه.

ان قلت: علي هذا الاساس غصب ابي بكر الفدك من الصديقة الطاهرة عليها السلام مورد الامضاء اذ هو ادعي انه سمع من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله «ان معاشر الأنبياء لا يورثون و كل ما يتركون صدقة» و هل يمكن الالتزام بهذه المقالة.

قلت: أولا: ان امير المؤمنين عليه السلام و الأئمة عليهم السلام من بعده لم يمضوا ما صنعه ابو بكر فلا بد من اتباعهم و بعبارة واضحة: انهم

عليهم السلام كذبوا أبا بكر قولا و عملا.

و ثانيا: ان الصديقة الطاهرة سلام اللّه عليها ادعت ان فدك مملوك لها ملكا شخصيا انتقل إليها في حياة الرسول صلي اللّه عليه و آله فموضوع فدك خارج عن عنوان الارث خروجا تخصصيا و الذي يؤيد المدعي ان جملة من خلفاء الجور ردوا الفدك الي بني هاشم و كان عملهم هذا ردا و اعتراضا عمليا بالنسبة الي ابي بكر فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل يجوز للامام العادل روحي فداه أن يتصرف في بيت المال كيف ما يشاء بأن يدفع الزكاة الي غير مستحقها أم لا؟

لا اشكال في أنه عليه السلام عارف بوظيفته و كل فعل يصدر عنه مطابق للحكم الالهي، و لا ريب و لا كلام فيه.

لكن الذي يختلج بالبال أن يقال ان المستفاد من ادلة ولايتهم و اولويتهم كآية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 526

«النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم «1»» و امثالها ان الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و آله و آله او الامام عليه السلام له الولاية علي الاشخاص كزيد و بكر و خالد و أما الولاية علي الكلي ككلي الفقير أو كلي السادة فلا دليل عليه و علي هذا الاساس لا يمكنه أن يدفع الزكاة للسيد غير الفقير و أيضا ليس له أن يعطي السادة الاغنياء من غير حق السادات و لا من حقهم و هكذا و يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه ما نقل من القضية التي جرت بين سيدنا و مولي الموحدين علي عليه السلام و اخيه عقيل حيث طلب عقيل من المولي الزيادة علي ما يأخذ و كان جوابه عليه السلام الحديدة المحماة مضافا الي اطفائه السراج في مورد آخر و اللّه العالم بحقائق الامور و عليه التكلان.

[الثامن ما يعتبر في كون الأرض خراجيا]
اشارة

«قوله قدس سره: الثامن: ان كون الارض الخراجية بحيث يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من احكام الخراج و المقاسمة يتوقف علي امور ثلاثة»

تعرض الماتن قدس سره لشروط تعنون الارض و دخولها في اراضي الخراج فلا بد من ملاحظة كل واحد من هذه الشروط فنقول:

الشرط الاول: كون الارض مفتوحة عنوة أو صلحا علي أن تكون الارض مملوكة للمسلمين
اشارة

، و البحث في هذا الموضع يقع في مقامين:

المقام الأول: في بيان الدليل الدال علي الشرط المذكور

، المقام الثاني في بيان طريق اثبات تحقق الشرط المذكور أما المقام الأول فقد قال سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف: «الاراضي باعتبار اخذ الخراج، منها علي أقسام ثلاثة: احدها الاراضي المفتوحة عنوة المعمورة حين الفتح أو المأخوذة من الكفار

______________________________

(1) الاحزاب/ 6

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 527

صلحا فانها اراضي خراجية باتفاق الفريقين و هي ملك لجميع المسلمين الخ «1».

و قال في الحدائق: الاول الارض المفتوحة عنوة اي بالقهر و الغلبة و السيف و حكمها علي ما صرح به غير واحد من الاصحاب و به صرح أيضا اخبار الباب انها للمسلمين قاطبة من وجد و من سيوجد الي يوم القيامة ليس للغانمين منها الا كغيرهم من المسلمين الخ «2».

و قال في المقام الثالث من كلامه: «و لو وقع الصلح بأن تكون الأرض للمسلمين خاصة و يكون للكافر السكني خاصة كان حكم هذه الأرض حكم المفتوحة عنوة معمورها حال الفتح «3» و علي الجملة لا اشكال ظاهرا في الشرط المذكور.

و أما

المقام الثاني [في طريق إثبات تحقق الشرط المذكور]

فطريق اثبات كونها ارض الخراج متعدد، الطريق الاول:

العلم الوجداني فانه حجة عقلا و لا اشكال في كونه طريقا الي المعلوم كما هو ظاهر عند الكل الطريق الثاني: الاطمينان فانه حجة عقلائية ممضاة من قبل الشارع الأقدس الطريق الثالث: البينة العادلة فان ثبوت الموضوعات الخارجية بالبينة مما لا اشكال فيه.

الطريق الرابع: اخبار عدل واحد لو قلنا بكونه حجة في الموضوعات بل لا يبعد ثبوته باخبار ثقة واحد فان مقتضي السيرة العقلائية حجية قول الثقة الواحد الا أن يقوم دليل علي التقييد و قد وقعت جملة من الامور مورد الكلام و الاشكال بأنها هل تكون قابلة لاثبات المطلوب:

منها: حمل صحة فعل الجائر، بتقريب ان

مقتضي صحة اخذه الخراج عن ارض كونها مشمولة للكبري و فيه: انه ما المراد من حمل فعل الغير علي الصحة، فان كان المراد انه لا تظنوا الظن السوء باحد فانا نقطع بفسقه و انحرافه و غصبه

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري للسيد علي الشاهرودي قدس سره ج 1 ص 477

(2) الحدائق ج 18 ص 294

(3) نفس المصدر ص 318

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 528

فلا مجال لهذا الكلام و ان كان المراد انه يحمل فعل الغير في المعاملات علي الصحة فان الجائر لا ولاية له و هو غاصب فلا يمكن أن يكون تصرفه طريقا لاثبات المطلوب.

و منها: السيرة الجارية بين الجائرين الغاصبين فانهم يأخذون الخراج عن جملة من الاراضي و فيه: ان السيرة الجارية فيما بينهم لا اثر لها بعد فرض كونهم غصابا و لا يبالون بالحلال و الحرام، نعم لو كانت السيرة الجارية موردا لامضاء الامام العادل كان الأمر تماما و لم يكن قابلا للاشكال.

و منها: قول المورخ و مقتضي القاعدة عدم اعتبار قوله الا بعد اجتماع شرائط الخبر المعتبر من كون المخبر عادلا أو ثقة و يكون خبره مستندا الي الحس و عدم قرائن خارجية أو داخلية علي كون اخباره مخالفا مع الواقع و علي الجملة قول المورخ بما هو كذلك ليس من الطرق المعتبرة الشرعية فلاحظ.

و أما ما أفاده الماتن، من ان الاصل عدم كون الارض الفلانية من ارض الخراج و عدم كونها مأخوذة عنوة و لو مع اخبار الثقة بكونها كذلك فيرد عليه: انه لا مجال للاصل مع وجود الدليل فاذا كان المورخ موثوقا به و قلنا بكفاية اخبار الثقة في الموضوعات و كان خبره مستندا الي الحس فلا مانع

عن العمل بقوله.

اذا عرفت ما تقدم: نقول لو ثبت كون ارض من اراضي الخراج فحكمها ظاهر، و أما اذا لم يقم دليل عليه و لم يثبت فتارة فيها أمارة علي كونها ملكا لاحد و اخري لا أمارة علي الملكية.

أما علي الاول فعلي تقدير احتمال بقاء مالكها أو بقاء وارثه يعمل معها معاملة مجهول المالك و مع عدم بقاء مالكها و عدم وارث له تكون الارض مملوكة للامام عليه السلام فانه وارث من لا وارث له.

و أما علي الثاني: فبمقتضي عدم كونها داخلة في ملك احد تدخل في المباحات الأصلية و يجوز تملكها لكل احد فلاحظ. نعم لو كانت الارض في يد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 529

الجائر و يعامل معها معاملة ارض الخراج فلا يبعد أن تكون يده حجة اذ المفروض ان الشارع الأقدس جعل تصرفاته ممضاة، اللهم الا أن يقال: ان تصرف الجائر نافذ في ارض الخراج و الكلام في تحقق الموضوع و صدقه فاذا فرض عدم طريق لاثبات العنوان لا يترتب عليه الحكم كما انه لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية فلا تغفل.

الشرط الثاني: أن يكون الفتح باذن الامام عليه السلام
اشارة

و عن المستند انه لا يشترط بهذا الشرط و يقع الكلام في هذا الشرط في مقامين:

المقام الأول: في أنه هل يشترط الفتح أن يكون باذن الامام عليه السلام أم لا؟
اشارة

المقام الثاني: في أنه بعد فرض الاشتراط باي طريق يمكن اثبات الشرط المذكور؟

أما المقام الأول فنقول: الّذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:

الوجه الأول: الشهرة

، قال سيدنا الاستاد في هذا المقام و اعتبار هذا الشرط هو المشهور بين الفقهاء و الشهرة لا اعتبار بها.

الوجه الثاني: ما عن الاردبيلي قدس سره،

من انه يكاد يكون اجماعيا و فيه:

انه لم يدع قيام الاجماع بل ادعي انه كاد يكون مورد الاجماع مضافا الي أن الاجماع المنقول غير معتبر.

الوجه الثالث: مرسل الوراق عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للامام الخمس «1».

و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا، مضافا الي أنه يقع التعارض بينها و بين ما يدل علي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك للمسلمين بالعموم من وجه، فان المرسل يفترق عن معارضه في المنقولات و المعارض يفترق عن المرسل فيما فتحت باذن الامام و يقع التعارض بين الجانبين في الارض المفتوحة عنوة بغير اذن الامام فان

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 530

مقتضي المرسل كون الارض للامام عليه السلام و مقتضي المعارض كونها للمسلمين فلا بد من اعمال قانون التعارض و حيث ان المرسل لا اعتبار به سندا فلا وجه لإطالة الكلام، فالحق بمقتضي الصناعة عدم الاشتراط.

قال سيدنا الاستاد: انه يستفاد من حديث محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الامام في الارض التي فتحت بعد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال: ان امير المؤمنين عليه السلام قد سار في اهل العراق سيرة فهم امام لسائر الارضين، و قال: ان أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية «1»، ان الاراضي المفتوحة بعد رسول اللّه صلي اللّه و آله حكمها حكم ارض العراق فجميعها اراضي خراجية فلاحظ، هذا كله بالنسبة الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في أنه بعد فرض الاشتراط بأي طريق يمكن اثبات الشرط المذكور؟]
اشارة

فمقتضي الأصل مع الشك في تحقق الأذن عدمه و ذكرت في مقام رفع اليد عن الأصل المذكور وجوه:

الوجه الأول: ما رواه في الخصال:

عن أبي جعفر عليه السلام أنه أتي يهودي امير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة نهروان فسأله عن المواطن الممتحن بها بعد النبي صلي اللّه عليه و آله و فيه يقول عليه السلام:

و أما الرابعة يا أخا اليهود فان القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي لا أعلمه أحدا و لا يعلمه اصحابي يناظره في ذلك غيري و لا يطمع في الأمر بعده سواي فلما أنته منيته علي فجأة بلا مرض كان قبله، الحديث «2».

فان الحديث يدل علي أن عمر كان يشاور امير المؤمنين عليه السلام و من الظاهر ان الحرب مع الكفار من اعظم الأمور فكان باذنه عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب جهاد العدو الحديث 2

(2) الخصال للصدوق ج 2 أبواب السبعة ص 20

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 531

و الحديث المذكور ضعيف سندا فلا يعتد به مضافا الي أن الحديث علي فرض الاغماض عن سنده لا يمكن الاعتماد عليه في المقام اذ لا شبهة في أن عمر لم تكن اعماله المهمة بتمامها بالمشاورة مع الإمام عليه السلام اضف الي ذلك انه علي فرض تماميته و العمل به انما يؤثر بالنسبة الي الأراضي التي فتحت في زمان عمر و أما المأخوذة بعده فلا.

الوجه الثاني: أن يحمل عمل المسلمين علي الصحة

بأن يحمل فتحهم علي صورة كونه باذن الإمام عليه السلام لقاعدة حمل فعل المسلم علي الصحة و يرد عليه أولا: انا نقطع بعدم تقيد المسلمين بهذا القيد و نقطع بعدم كونهم بهذا الصدد و ثانيا:

انه لا مقتضي بالنسبة إليهم فانهم غير قائلين بامامة الأئمة الطاهرين فلا مجال لهذا التوهم.

و ثالثا: الحمل علي الصحة موضوعه ما

اذا كان فعل يكون فاسدا في صورة و صحيحا في صورة اخري، و بعبارة اخري: يكون علي تقدير موردا للأثر و علي تقدير آخر غير مؤثر كما لو وقع العقد صحيحا في البيع ترتب عليه النقل و الانتقال و الا فلا و أما اذا كان صحيحا علي كلا التقديرين غاية الأمر يختلف اثره فلا مجال لإجراء القاعدة و المقام كذلك اذ لو كان باذن الإمام عليه السلام تكون الأرض للمسلمين و ان لم يكن باذنه عليه السلام تكون للإمام فعلي كلا التقديرين يكون العمل تاما و ذا اثر فلاحظ.

الوجه الثالث: ان الفتوحات كانت برضاء الأئمة عليهم السلام

اذ الفتح موجب لقوة الإسلام و الإمام العادل يرضي بقوة الإسلام و لا موضوعية للاذن بل يكفي الرضا المنكشف، و بعبارة اخري المناط المنكشف و هو كان متحققا.

و فيه: انه لا كلية للدعوي اذ بعض الفتوحات ربما لم يكن سببا لقوة الإسلام بل يمكن أن يكون سببا للضعف و النكبة مضافا الي أن رضي الإمام بقوة سلطنة امثال خلفاء السلف و الخلف اوّل الكلام و اضف الي ذلك انه انما يتم هذه الدعوي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 532

اذا قلنا بكفاية الرضا و أما ان قلنا بلزوم الأذن فلا يكفي الرضا كما ان الأمر كذلك في بيع مال الغير حيث لا اثر لمجرد الرضا بل يلزم الاستناد.

الوجه الرابع: ما اشتهر من حضور الإمام الحسن عليه السلام في بعض الغزوات

و دخول بعض خواص الإمام عليه السلام كعمار في امرهم و فيه أولا: ان الشهرة لا اعتبار بها في حد نفسها و ثانيا: دخوله عليه السلام أو دخول بعض الخواص يمكن أن يكون ناشيا عن الإجبار و التقية و ثالثا: دخوله و حضوره عليه السلام في بعض الغزوات لا يؤثر الا جزئيا و النتيجة عدم الكلية.

الشرط الثالث: أن تكون الأرض المأخوذة عنوة محياة حال الفتح

اذ لو كانت مواتا لا تدخل في ملك المسلمين بل تكون للامام عليه السلام و الدليل عليه ان المأخوذ عنوة من الكفار اذا لم يكن مملوكا لهم لا يصير ملكا للمسلمين و بعبارة اخري اذا كان ملك احد بيد الكفار لا يوجب اخذه منه ملكا للمسلم بل يكون باقيا في ملك مالكه الأول هذا من ناحية و من ناحية اخري ان موات الأرض للامام عليه السلام فالنتيجة ان الأرض المأخوذة اذا لم تكن محياة لا يكون اخذها موجبا لصيرورتها مملوكة للمسلمين.

ثم انه لو فرض ان الأرض كانت محياة حال الفتح لكن صارت مماتا بعده بزمان فهل تكون باقية علي ملك المسلمين او تصير مملوكة للامام عليه السلام؟

لا يبعد ان يكون مقتضي القاعدة هو الثاني و ذلك لأن بعض النصوص الدالة علي ان موات الأرض للامام عليه السلام بالعموم الوضعي:

منها: ما رواه حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا أو قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو للامام من بعده يضعه حيث يشاء «1»

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 1

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 533

فان مقتضي قوله

عليه السلام «و كل ارض خربة» كون كل ارض ميتة مملوكة للامام عليه السلام و ان كانت حال الحياة مملوكة للمسلمين او للمحيي.

و مقتضي قوله عليه السلام في حديث الفضلاء، عن ابي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من احيي ارضا مواتا فهي له «1» ان الأحياء موجب للملكية علي الإطلاق. فيقع التعارض بين الدليلين بالعموم من وجه فان ما به الافتراق من جانب حديث حفص الأرض الخربة التي لم يعرضها العمران، و ما به الافتراق من ناحية حديث الفضلاء الأرض المحياة الباقية علي حياتها و يقع التعارض و التضارب بينهما في الأرض المحياة التي عرضها الخراب، فان مقتضي حديث حفص كونها للامام عليه السلام و مقتضي حديث الفضلاء كونها باقية علي ملك المحيي.

و حيث ان العموم الوضعي يقدم علي العموم الإطلاقي يقدم حديث حفص و قس علي ما ذكرنا، ما ورد في كون الأرض المفتوحة عنوة مملوكة للمسلمين فانه يقع التعارض بينه و بين حديث حفص بالعموم من وجه و الكلام فيه هو الكلام.

و بعبارة اخري: النصوص الدالة علي كون الأرض للمسلمين او للمحيي اذا لم يكن فيها عموم وضعي لا بدّ من رفع اليد عنه بالعموم الوضعي المنعقد في جانب المعارض كما بيناه و علي الجملة: اذا كانت الأرض محياة حال الفتح تكون للمسلمين و الا تكون للامام عليه السلام.

ثم انه لو شكل في تحقق الشرط المذكور و عدمه فعلي تقدير قيام دليل معتبر عليه نلتزم بكونها كذلك و الا فمقتضي الأصل عدم تحقق الشرط و النتيجة عدم صيرورتها مملوكة للمسلمين.

ثم انه لو كانت ارض من اراضي الخراج في يد احد و ادعي

ملكية تلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احياء الموات الحديث 5

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 534

الأرض و احتمل صيرورتها مملوكة لصاحب اليد يحكم بكونها له لقاعدة اليد نعم اذا كانت اليد مسبوقة بعدم الملكية يكون مقتضي الاستصحاب بقائها علي ما كانت و عدم انقلابها الي اليد المالكية.

ثم انه لو فرض وجدان ارض عامرة و شك في كونها مملوكة لا حد أم لا، يمكن اثبات كونها للامام عليه السلام بمقتضي قوله عليه السلام في حديث ابن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأنفال فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للمملوك فهو للامام، و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها، و المعادن منها و من مات و ليس له مولي فماله من الأنفال «1».

فان مقتضي الحديث ان كل ارض لا رب لها تكون للامام عليه السلام و باستصحاب عدم دخولها في ملك احد يثبت كونها له عليه السلام.

و علي هذا يشكل ما افاده الشيخ قدس سره من أنه يراجع الي الحاكم الشرعي نعم مع العلم الإجمالي بكونها مملوكة لواحد من المذكورين لا يمكن أن يحكم بكونها للامام عليه السلام كما هو ظاهر بل لا بدّ من تعيين المالك بالقرعة و لا وجه لما افاده الشيخ قدس سره حيث يقول: و وظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذة عنها اما القرعة و اما صرفها … الي آخر كلامه فانه مع عدم تشخيص المالك لا بدّ من تميزه و معرفته بالقرعة فاذا ثبت للامام عليه السلام يلزم صرفها كبقية امواله في مورد رضاه

روحي فداه و اذا ثبت كونها للمسلمين يعامل معها معاملة بقية الأراضي المملوكة لهم و اذا ثبت كونها لمالك مجهول يعامل معها معاملة مجهول المالك.

لكن لا يخفي انه لو احتمل كون المال ملكا للامام عليه السلام لاحتمال كونه إرثا لمن لا وارث له يكون مقتضي استصحاب بقاء المالك أو وارثه علي تقدير

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 20

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 1، ص: 535

موت المورث بقائه فلا تصل النوبة الي صيرورته ملكا للامام عليه السلام ثم انه لا أثر ليد الجائر فانها عادية فلا اعتبار بيده. ثم انه قدس سره أفاد بأن ظاهر الأخبار كون جميع ارض العراق مفتوحة عنوة و مملوكة للمسلمين لاحظ ما رواه الحلبي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين قال:

لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان يصيرها للمسلمين، فاذا شاء ولي الأمران يأخذها اخذها: قلت: فان اخذها منه قال: يرد عليه راس ماله و له ما اكل من غلتها بما عمل «1».

فان هذه الرواية تدل علي ان جميع ارض السواد مملوكة للمسلمين و ان كلها من الأراضي الخراجية.

و يرد علي التقريب المذكور: ان الحكم رتب علي عنوان السواد و المراد من السواد العامر بلحاظ الأشجار فلا يشمل ما لا يكون معمورا هذا أولا.

و ثانيا: لو قلنا بأنه لو عرض عنوان الموات علي الارض العامرة حال الفتح تخرج عن ملك المسلمين كما تقدم او اذا احتمل دخولها في ملك الغير بالاقطاع او بالاشتراء اذا رأي الوالي الصلاح، فمقتضي القاعدة

كون الأرض مملوكة لمن في يده و لا مانع عن معاملة الملكية الشخصية معها.

فعلي هذا الأساس لا يترتب اثر علي تحقق حدود السواد و مقداره اذ قد ظهر انه لا تنافي بين كون الأرض ارض الخراج و خروجها عن هذا العنوان بالعارض فلاحظ.

و الحمد للّه أولا و آخرا و الصلاة علي محمد و آله الطاهرين و اللعن الدائم علي اعدائهم اجمعين من الآن الي يوم الدين.

و قد وقع الفراغ عن تحرير التعليق علي المكاسب المحرمة في ليلة الاربعاء التاسع عشر من شهر جمادي الأولي من سنة 1412.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4

الجزء الثاني

[كتاب البيع]

[تعريف البيع]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الكلام في تحقيق مفهوم البيع «قوله قدس سره: و هو في الاصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال»

لا يبعد ان قوله في الاصل اشارة الي ان استعمال لفظ البيع تارة في الشراء و اخري في تمليك المنفعة و كيف كان لا اشكال في أن البيع ليس عبارة عن المبادلة بل البيع عبارة عن تبديل عين بعوض و لو لم يكن احد الطرفين مالا و الشاهد عليه انه لو بدل شخص ما لا مالية له كحبة حنطة بشي ء يصدق عليه البيع فالبيع عبارة عن تمليك العين بالعوض.

و يمكن الاستدلال علي المدعي بالتبادر الّذي هو آية الحقيقة بل و بصحة السلب فان المتبادر من لفظ البيع تمليك العين و يصح سلب العنوان عن نقل المنافع و اذا ثبت كون لفظ البيع حقيقة في المعني الخاص و شك في كونه كذلك في عصر المعصوم سلام اللّه عليه يكون مقتضي الاستصحاب القهقهري انه كذلك في ذلك العصر و اعتبار الاستصحاب المذكور ليس بلحاظ حجية الاستصحاب فان دليله لا

يشمل الاستصحاب القهقري بل الدليل عليه السيرة الجارية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 4

بين العقلاء و لولاها لم يمكن اثبات حدود المفهوم في ذلك العصر و ينسد باب الاستنباط لاحتمال الاختلاف بين المعني الفعلي و المفهوم في ذلك الزمان.

و في المقام شبهة و هي ان تحقق البيع هل يتقوم بالقبول و الاشتراء بحيث لا يصدق هذا المفهوم الا بعد تحقق القبول أم لا؟ فان قلنا بتقومه به و عدم تحقق مفهومه الا به يلزم عدم صدق العنوان قبل القبول و الحال ان البيع يتحقق من قبل البائع و القبول يتعلق به.

و ان شئت قلت يتوقف تحقق مفهوم البيع علي قبوله من قبل المشتري و الحال ان القبول فرع تحقق الايجاب و وجوده و بعبارة اخري تحقق البيع يتوقف علي القبول و الحال ان القبول يتوقف علي تحقق البيع فيلزم الدور و ان لم نقل بتقومه به و قلنا بأن البيع يتحقق بلا تعلق القبول به يلزم كون البيع من الايقاعات و لا اشكال في أن البيع من العقود المتقومة بالايجاب و القبول فما الحيلة؟

و الذي يختلج بالبال أن يقال: البيع بماله من المفهوم يصدق و يتحقق بالانشاء من قبل البائع و لا يتوقف تحققه علي القبول بل ربما يتعقبه القبول و اخري لا يتعقبه و لكن لا اشكال في أن الاثر عند العقلاء يترتب علي القسم الخاص و هو الايجاب المتعقب بالقبول من قبل المشتري و الادلة الشرعية كقوله تعالي «احل اللّه البيع و حرم الربا» «1» ناظرة الي ما يكون ممضاة عند العقلاء.

مضافا الي أنه لا اشكال في ان الايجاب وحده و بلا ضم القبول إليه لا أثر له و لا يكون

موردا للامضاء فتحصل مما ذكرنا ان البيع لا يكون عبارة عن المبادلة التي تقوم بطرفين بل البيع عبارة عن تبديل عين

______________________________

(1) البقرة: 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 5

بعوض و تمليك به و المراد من العين ليس الامر الخارجي بل أعم منه و من الكلي و ان شئت قلت: ان البيع عبارة عن تمليك جسم طبيعي خارجي أو كلي بعوض.

[و الظاهر اختصاص المعوض بالعين]

«قوله قدس سره: كالخبر الدال علي جواز بيع خدمة المدبر … »

و هو ما رواه أبان عن أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سئل عن الرجل يعتق جاريته عن دبر أ يطؤها ان شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته قال: نعم أي ذلك شاء فعل «1».

«قوله قدس سره: و بيع سكني الدار … »

لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال:

سألته عن رجل في يده دار ليست له و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله قد أعلمه من مضي من آبائه أنها ليست لهم، و لا يدرون لمن هي فيبيعها و يأخذ ثمنها؟ قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فانه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي و لا اظنه يجي ء لها ربّ ابدا قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: ابيعك سكناي و تكون في يدك كما هي في يدي قال:

نعم يبيعها علي هذا «2».

«قوله قدس سره: و كاخبار بيع الارض الخراجية … »

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم قال: سألته عن شراء أرضهم فقال:

لا بأس أن تشتريها فتكون اذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي فيها كما يؤدون فيها «3».

و غيره من الاحاديث.

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 72 الحديث: 7.

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث: 5.

(3) الوسائل الباب 21 من هذه الابواب الحديث: 7 و غيره من الاحاديث.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 6

فالمتحصل ان المبيع لا بد أن يكون عينا و أما الثمن فيمكن أن يكون عينا و يمكن أن يكون منفعة من المنافع.

«قوله قدس سره: كما ان لفظ الاجارة … »

الظاهر انه لا يمكن مساعدته فان الثمرة اذا كانت موجودة علي الشجرة فلا تتعلق بها الاجارة و ان كان المراد شأنية الشجرة لظهور الثمر و بعبارة أخري قابلية الشجر للاثمار، فيمكن تعلق الاجارة بالشجر باعتبار ثمره و يكون خارجا عن محل الكلام.

[و أما العوض فلا اشكال في جواز كونه منفعة]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما العوض فلا اشكال في جواز كونه منفعة … »

الظاهر انه لا بأس بكون الثمن من المنافع و لا يلزم أن يكون من الاعيان و نسب الي البهبهاني الخلاف في المسألة و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي الاشتراط وجوه:

الوجه الأول: ما اشتهر بين القوم من أن البيع لنقل الاعيان.

و الجواب: انه لا يبعد أن يكون غرضهم المقابلة بين البيع و الاجارة حيث ان الاجارة لنقل المنافع مضافا الي أن البيع فعل البائع و الاشتراء فعل المشتري فلا يرتبط احدهما بالآخر و لا تنافي بين كون البيع لنقل الاعيان و الحال انه لا يشترط في الثمن كونه كذلك.

الوجه الثاني: ان دليل نفوذ البيع منصرف الي المتعارف الخارجي و المتعارف الخارجي جعل الثمن من الاعيان

. و فيه ان المتبادر عن لفظ البيع تمليك العين بعوض و المتعارف الخارجي لا يكون ميزانا كي يقال: انه مانع عن انعقاد الاطلاق و ان شئت قلت: الانصراف الي المتعارف الخارجي علي فرض تسلمه بدوي لا يعتد به فالمرجع اطلاق الدليل و مقتضاه عدم الاشتراط.

الوجه الثالث: ان المنفعة أمر عدمي و الملكية من الاعراض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 7

المحتاجة الي الموضوع فلا مجال لجعل المنفعة ثمنا.

و فيه أولا ينقض ما ذكر بالاجارة فان الاجارة تمليك المنفعة فيكون كلا المقامين من واد واحد.

و ثانيا ان الملكية المبحوثة عنها في المقام لا تكون من الاعراض بل من الامور الاعتبارية فلا مورد للاشكال المزبور.

الوجه الرابع: ان البيع عبارة عن تبديل مال بمال و المنفعة لا تكون مالا

و فيه ان البيع تمليك عين بعوض و لا يشترط فيه كون المبيع أو الثمن مالا مضافا الي أن سلب عنوان المال عن المنافع من غرائب الكلام فان المال ما يبذل بإزائه الشي ء و هل يتوهم انه لا يبذل بإزاء المنافع شي ء فان المنافع المترتبة علي الاعيان توجب الرغبات و بذل الاموال بإزائها و لو لا المنافع المترتبة علي الاعيان لم تكن الاعيان بنفسها مورد الرغبات.

[جعل عمل الحر عوضا]

«قوله قدس سره: و أما عمل الحر … »

الاشكال ناش عن اعتبار المالية في الثمن قبل وقوع البيع عليه و حيث ان عمل الحر قبل وقوع العقد لا يكون مالا و لذا نقول ان حبس الحر لا يوجب الضمان لعدم صدق اتلاف المال و أيضا لا يصدق عنوان الغني علي الحر الذي يمكنه الكسب فاذا لم يكن مالا لا يصح جعله ثمنا في البيع بتقريب ان البيع مبادلة مال بمال.

و فيه أولا انه لا دليل علي الاشتراط المذكور فانه لا تشترط المالية لا في المبيع و لا في الثمن و ثانيا انه علي فرض الاشتراط لا يلزم تحقق العنوان قبل وقوع البيع بل يكفي تحققه بوقوع البيع و لذا لا اشكال في صحة بيع الكلي في الذمة و الحال ان الكلي في الذمة لا تحقق له قبل العقد فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 8

[أقسام الحق و ما يقع منها عوضا]

«قوله قدس سره: و أما الحقوق فان لم تقبل … »

الذي يختلج بالبال أن يقال: كل حق اذا كان قابلا للنقل الي الغير يمكن جعله ثمنا في البيع.

و قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير في جملة كلام له: الا أنه لا يمكن جعله ثمنا في البيع بداهة ان الحق حكم شرعي غير قابل لان تتعلق به اضافة ملكية أو غيرها «1».

و فيه انا نسأل اي دليل دل علي لزوم ما ذكر و بعبارة اخري: لا بد في البيع من مبيع و ثمن أي لا يكون تمليك المبيع بلا عوض و مجانيا.

ان قلت: يلزم التبديل في طرفي الاضافة أي يدخل الثمن مكان المبيع في وعاء الاعتبار فلو خرج الكتاب مثلا من ملك البائع و دخل في ملك المشتري

في مقابل دينار يلزم خروج الدينار من ملك المشتري و دخوله في ملك البائع و هذه المبادلة لا يمكن تحققها في مورد الحق.

قلت: لا دليل علي هذه الدعوي و المقدار اللازم أن لا يكون التمليك بلا عوض فلا مانع من انتقال الحق من ذي الحق الي غيره علي نحو كان عنده.

و ببيان أوضح: انه هل يتصور كون شخص ذا حق أم لا؟ أما علي الثاني فلا مجال للبحث و أما علي الاول فنقول يكفي للعوضية انتقال الحق الي البائع بعنوان الثمن علي ذلك النحو الموجود عند المشتري كما انهم قائلون بانتقال الحق كحق الخيار بالارث فيكون المقام كذلك أي ينتقل الحق الي البائع كما ينتقل الي الوارث فلا اشكال من هذه الجهة انما الاشكال في احراز قابلية الحق للانتقال الي الغير

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص: 43.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 9

و يحتاج اثباته الي الدليل و مقتضي الاصل الاولي عدمه فانه لو شك في القابلية يكون مقتضي الاصل عدم الانتقال كما ان مقتضي الاصل عدم ثبوت هذه السلطنة لذي الحق اي مقتضي الاصل عدم تسلط ذي الحق علي نقل حقه الي الغير فلا اشكال من هذه الجهة.

و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو: ان الدليل المثبت للحق الفلاني اذا كان له اطلاق يكون مقتضي اطلاقه بقاء ذلك الحق لذيه حتي بعد النقل الي الغير كما انه لو شك في قابلية الحق للاسقاط و عدمها يكون مقتضي اطلاق دليل ذلك الحق بقائه حتي بعد اسقاطه كما ان مقتضي استصحاب بقائه كذلك.

لكن هذا التقريب انما يتم علي مسلك المشهور القائلين بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي و أما علي المسلك المختار فلا.

و ربما

يشكل كما في كلام الشيخ قدس سره بأنه لا يمكن أن يتسلط الانسان علي نفسه فلا يمكن أن يكون من له الخيار و من عليه الخيار متحدا.

و يرد عليه أولا: انه يمكن أن يجعل الخيار ثمنا لغير من عليه الخيار كي لا يتوجه المحذور المذكور.

و ثانيا: ان الخيار متعلق بالعقد فذو الخيار مسلط علي العقد لا علي الشخص.

و ثالثا: ان الكلي في الذمة ما دام لا يعتبر في الذمة لا يكون مالا و لا يكون قابلا لان يجعل مملوكا للغير بالبيع و نحوه و مع ذلك قائلون بجواز تملك الانسان لما في ذمته.

و رابعا: انه أي مانع في الاتحاد الذي صار منشأ الاشكال، ان قلت:

ان عنواني المسلط و المسلط عليه متضائفان فلا يمكن تصادقهما علي شي ء واحد قلت: العالم و المعلوم متضائفان و الحال انهما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 10

مجتمعان في ذات الباري فانه تعالي عالم بنفسه.

و بعبارة واضحة: التضايف بما هو لا يقتضي التعدد في المصداق الخارجي نعم بعض أقسام التضايف يستلزم التعدد الخارجي كالعلية و المعلولية.

و صفوة القول: انه لو استفيد من الدليل الشرعي جواز نقل الحق الفلاني فلا يبقي اشكال انما الاشكال تمام الاشكال كما سبق في احراز امكان الانتقال.

و ربما يقال: ان الحق لا يمكن جعله ثمنا لاشتراط المالية في الثمن و الحق لا يكون مالا فانه يرد عليه أولا: انه لا دليل علي الاشتراط المذكور و ثانيا ان سلب المالية عن الحق من غرائب الكلام فان المال ما يبذل بإزائه الشي ء.

و ان شئت قلت: المال ما يكون مورد الرغبات و الحق يكون كذلك بلا اشكال و لا كلام و لعل قوله قدس سره فافهم اشارة الي ما

ذكرنا أو الي بعضه و اللّه العالم.

و لمّا انجر الكلام الي هنا ناسب التعرض لبيان الحق و الفارق بينه و بين الحكم فنقول: الحكم عبارة عن الاعتبار بلا فرق بين أقسامه و افراده غاية الامر الاختلاف في متعلق الاعتبار فان المولي ربما يعتبر فعلا في ذمة المكلف بلا اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل واجبا و اخري مع اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل مستحبا و ثالثة يعتبر بين المكلف و الفعل الفلاني حريما بلا اعتباره الترخيص فيكون ذلك الفعل حراما و رابعة مع الترخيص فيكون ذلك الفعل مكروها و خامسة يعتبر المكلف مطلق العنان بالنسبة الي فعل كشرب الماء مثلا فيكون ذلك الفعل مباحا و سادسة يعتبر الملكية لزيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 11

فيكون زيد مالكا و سابعة يعتبر زوجية هند لبكر فتكون هند زوجة.

و هكذا و هكذا.

و بعبارة واضحة: الاحكام الشرعية تكليفية كانت أم وضعية كلها امور اعتبارية و لا نتصور في قبال الاحكام المجعولة امرا نسيمه حقا نعم جميع الاحكام داخلة تحت عنوان الحق فان الحق مقابل الباطل: «الا كل شي ء ما خلا اللّه باطل.»

و من الظاهر ان الحكم المجعول للشارع الاقدس لا يكون باطلا فان وجوب الصلاة حق و الزواج حق و الملكية حق الي غيرها من الاحكام.

ان قلت: كيف و الحال ان الحق قابل للاسقاط و الحكم الشرعي لا يكون قابلا للاسقاط قلت: هذا توهم فاسد فان حق الخيار في بعض الاحيان غير قابل للاسقاط و مثله كثير من الحقوق التي لا تكون قابلة للسقوط مضافا الي أنه لا نضائق من القول بأن الاحكام الشرعية علي قسمين قسم منها قابل للسقوط كحق القسم فانه قابل للسقوط و قسم منها

لا يكون قابلا كحق رد السلام.

و صفوة القول: انه لا نتصور كما قلنا غير الحكم غاية الامر الاحكام الشرعية تختلف بحسب ما يستفاد من ادلتها فلاحظ و لا تغفل.

[تعاريف الفقهاء و المناقشة فيها]

«قوله قدس سره: ثم الظاهر ان لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية … »

البيع عبارة عن تمليك العين بعوض مع ابرازه بمبرز و بعبارة واضحة: اذا اعتبر شخص ملكية عين لشخص آخر بعوض و أبرز اعتباره الكذائي بمبرز من لفظ أو فعل يصدق انه بايع و يصدق انه باع العين الفلانية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 12

و قد عرف البيع بتعاريف منها «ان البيع انتقال عين من شخص الي غيره بعوض مقدر علي وجه التراضي».

و فيه ان البيع عبارة عن فعل البائع و الانتقال اثر البيع لا نفسه و لعل الماتن ناظر الي ما ذكرنا حيث قال «في هذا التعريف مسامحة واضحة».

و منها تعريفه «بالايجاب و القبول الدالين علي الانتقال».

و فيه ان البيع ليس مركبا من فعلي البائع و المشتري بل البيع فعل البائع

و أورد الشيخ علي التعريف المذكور بأن البيع من مقولة المعني لا من مقولة اللفظ و لا المجموع من اللفظ و المعني و الا لم يعقل انشائه باللفظ.

و يرد عليه: ان البيع لا يكون من مقولة المعني فقط و لا من مقولة اللفظ فقط بل البيع كما ذكرنا آنفا عبارة عن الاعتبار النفساني المبرز بمبرز فعلي أو قولي فالبيع عبارة عن مجموع المبرز بالفتح و المبرز بالكسر.

و ان شئت قلت: المجموع من الانشاء و المنشأ عبارة عن البيع.

و منها تعريفه «بنقل العين بالصيغة المخصوصة».

و يرد عليه انه لا يعتبر في إنشاء البيع الصيغة الخاصة بل يتحقق البيع بكل

مبرز بلا فرق بين كونه فعلا أو لفظا.

و أورد الماتن عليه بايرادين الاول: ان النقل لا يكون مرادفا للبيع و لذا لا يجوز انشائه بلفظ نقلت. الثاني: انه لا يمكن إنشاء النقل بالصيغة.

و يمكن أن يقال ان النقل أي نقل العين بالعوض مرادف للبيع فالاشكال الاول غير وارد و أما الاشكال الثاني فيدفع بأن غرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 13

المحقق ان كان مثل ما ذكرنا لا يتوجه عليه اشكال بأن يقول البيع اسم للمركب من الانشاء و المنشأ نعم يرد عليه اشكال آخر و هو:

انه لا يلزم في البيع أن يكون انشائه باللفظ بل يكفي ابرازه بكل مبرز كما تقدم.

و منها ما ذكره سيدنا الاستاد بقوله: «انه إنشاء تبديل شي ء من الاعيان بعوض في جهة الاضافة».

و يرد عليه: ان البيع اسم للمركب من الانشاء و المنشأ لا أنه اسم لخصوص الانشاء و لذا لو أنشأ و لم يكن معتبرا للملكية في اعتباره لا يصدق عليه عنوان البائع.

و منها ما أفاده الماتن بقوله: «انه إنشاء تمليك عين بمال».

و يرد عليه أولا ما أوردنا علي تعريف سيدنا الاستاد و ثانيا ان الثمن لا يشترط فيه أن يكون مالا.

فالحق ان يقال ان البيع عبارة عن تمليك عين بعوض في عالم الاعتبار و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من قول أو فعل.

ان قلت: يلزم جواز انشائه بلفظ ملكت قلت: نلتزم بالجواز الا أن يدل دليل معتبر علي المنع. ان قلت: هذا التعريف لا يشمل بيع الدين علي من هو عليه لان الانسان لا يملك ما في ذمته قلت:

لا مانع عن الالتزام به و نتيجته السقوط عن الذمة.

ان قلت علي هذا تدخل المعاطاة تحت عنوان البيع قلت: الحق

ان المعاطاة من مصاديق البيع و مشمولة لادلة جوازه كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالي فانتظر و الاجماع المدعي علي انها لا تكون بيعا ليس تحته شي ء.

ان قلت: يلزم أن يكون الاشتراء بيعا لصدق التعريف عليه.

قلت: الاشتراء تقبل تمليك البائع و لا يكون تمليكا بعوض ابتداءً

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 14

و مما ذكرنا يعلم عدم صحة الانتقاض بمستأجر العين فان المستأجر يقبل تمليك المنفعة من قبل المؤجر و تمليكه للعين تبعي و أيضا يعرف عدم الانتقاض بالصلح علي عين بمال و بالهبة المعوضة فان الصلح عبارة عن التسالم و نتيجته تختلف بحسب الموارد و أما الهبة المعوضة فلا معاوضة بل تمليك بلا عوض غاية الامر يشترط فيه التمليك من طرف المتهب أيضا شيئا.

[أولي التعاريف للبيع]

«قوله قدس سره: بقي القرض داخلا في ظاهر الحد … »

فانه انتقض التعريف بالقرض بتقريب: ان القرض تمليك عين بعوض و الحال ان القرض لا يكون بيعا.

و أجاب الماتن بان القرض ليس معاوضة بل تمليك علي وجه ضمان المثل أو القيمة. و يرد عليه انه علي هذا لا يكون للمقترض رد نفس العين في مقام الاداء و الحال انه لا اشكال في جوازه فالحق أن يقال: ان القرض تمليك عين علي وجه ضمان الجامع بين العين و المثل أو ضمان الجامع بين العين و القيمة فان العين ان كانت مثلية يدخل القرض تحت القسم الأول و ان كانت قيمية يدخل تحت القسم الثاني.

و استدل الماتن علي عدم كون القرض معاوضة بعدم جريان ربا المعاوضة فيه اي الربا القرضي أوسع دائرة من الربا الجاري في المعاوضة و بعبارة اخري: مطلق الزيادة ممنوع في باب القرض.

و استدل علي مدعاه ثانيا

بعدم جريان الغرر فيه فان قرض المجهول جائز و استدل ثالثا بعدم ذكر العوض فلا يكون القرض داخلا في المعاوضات و أخيرا أمر بالتأمل بقوله: «فتأمل».

و لعله اشارة الي أن الوجوه المذكورة لا تدل علي المدعي اذ يمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 15

أن يكون القرض من المعاوضات و مع ذلك الشارع الاقدس خصصه بأحكام خاصة و لكن الحق كما تقدم ان القرض تمليك علي وجه الضمان علي النحو الذي ذكرنا.

[استعمال البيع في معان أخر]

«قوله قدس سره: احدها التمليك المذكور لكن بشرط تعقبه … »

الظاهر انه لا يمكن الالتزام بكون لفظ البيع اسما للمركب من الايجاب و القبول لانه اذا باع زيد داره من عمرو بقوله بعتك داري بعوض كذا فلا اشكال في أنه أنشأ البيع و مع تقيد مفهوم البيع بالقبول كيف يمكن إنشاء البيع و كيف يصدق مفهوم البيع.

و بعبارة واضحة لو قلنا بأن مفهوم البيع متقوم بالايجاب و القبول لا يمكن إنشاء البيع قبل القبول اذ يلزم الخلف المحال و أما كون البيع اسما للاثر الحاصل فقد مر انه غير سديد و قلنا:

ان البيع اسم للمؤثر لا للأثر و أما كونه اسما لنفس العقد المركب فقد مر آنفا ان البيع اسم لفعل البائع لا للمجموع من فعلي البائع و المشتري.

«قوله قدس سره: لا الكسر و الانكسار … »

الظاهر انه لا فرق بين الايجاب و الوجوب و بين الكسر و الانكسار فان الايجاب اذا تحقق في الخارج يتحقق الوجوب فان الايجاب عبارة عن ايجاد الوجوب كما ان الكسر اذا تحقق لا يعقل ان لا يتحقق الانكسار و بعبارة واضحة: الانكسار عبارة عن قبول الكسر و اذا فرض تحقق الكسر يتحقق الانكسار بلا اشكال و

لا كلام.

«قوله قدس سره: فضلا عن أن يجعل احد معانيها … »

حق العبارة ان يقال: احد معانيه بتذكير الضمير فان الضمير يرجع الي لفظ البيع فلا بد من كونه مذكرا و الظاهر ان غرضه ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 16

القيد المذكور غير داخل في المصطلح في لفظ البيع فضلا عن أن يكون داخلا في احد معانيه لغة.

[البيع و نحوه من العقود اسم للصحيح أو الأعم]

اشارة

«قوله قدس سره: ثم ان الشهيد الثاني نص في كتاب اليمين من المسالك علي ان عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح … »

يقع البحث في هذا الموضع في جهات:

الجهة الأولي في انه ما الوجه في أن الفقهاء رضوان اللّه عليهم يتمسكون بالإطلاق في أبواب المعاملات

حتي علي القول بكون الفاظها موضوعة للصحيح و أما في باب العبادات فيفصّلون بين القول بكون الفاظها موضوعة للاعم و بين القول بكون الفاظها موضوعة لخصوص الصحيحة فعلي القول بالاعم يأخذون بالإطلاق و أما علي القول بالصحيح فلا.

فنقول الظاهر ان وجه التفصيل ان الاخذ بالإطلاق متوقف علي صدق المفهوم الذي يكون موضوعا للحكم أو يكون متعلقا له و يشك في قيد زائد فيؤخذ بالإطلاق و ينفي القيد الذي احتمل كونه قيدا مثلا لو قال المولي اعتق رقبة و شك في اشتراط الرقبة بكونها مؤمنة يؤخذ بإطلاق الرقبة بأن يقال الرقبة الكافرة رقبة و يصدق عليها عنوان الموضوع المأخوذ في الدليل و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المؤمنة و الكافرة أو لو قال المولي اكرم العالم يكون مقتضي اطلاق الاكرام عدم الفرق بين انواعه فباي نحو يصدق الاكرام يحصل الامتثال و علي هذا الاساس نقول: اذا كان لفظ الصلاة موضوعا للصحيح و شك في جزئية السورة لا مجال للاخذ بالإطلاق اذ صدق لفظ الصلاة بماله من المفهوم علي الفاقد للسورة مشكوك فيه و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالدليل فانه قد قرر في محله انه لا يجوز الاخذ بالعام أو المطلق في الشبهة المصداقية و أما علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 17

الاعم فلا مانع عن الاخذ بالإطلاق اذ قد فرض صدق المفهوم علي الفاقد للسورة و الشك في أمر زائد فلا مانع عن الاخذ بإطلاق الدليل.

و أما في باب

المعاملات فمع فرض كون اللفظ اسما لخصوص الصحيح لا مانع عن الاخذ بالإطلاق لان المقصود بالبيع و نحوه من بقية العقود امور عرفية و لا تكون من مخترعات الشارع كالصلاة مثلا فحدود المفهوم واضحة عند العرف و دليل الامضاء قد أمضي العقد العرفي.

و صفوة القول: ان صدق الموضوع في العقود محرز فلا مانع عن الاخذ بإطلاق دليل الصحة و أما في العبادات فحيث أن حدود الموضوع أو المتعلق غير محرزة علي القول الصحيحي فلا مجال للاخذ بالإطلاق و هذا هو الفارق بين المقامين.

الجهة الثانية في ان ألفاظ العقود و الايقاعات هل تكون موضوعة لخصوص الصحيح أو للاعم من الصحيح؟

فنقول تارة يقع الكلام في الصحة الشرعية و لا اشكال في ان الصحة الشرعية لا دخل لها في الموضوع له و الوجه فيه: ان الامضاء الشرعي تعلق بما يكون بيعا في نظر العرف فمفهوم البيع مثلا مثل مفهوم العالم فكما ان العالم مفهوم عرفي ربما يتعلق به حكم شرعي كوجوب الاكرام كذلك مفهوم البيع بلا فرق.

و ان شئت قلت: لفظ البيع و بقية الفاظ العقود و الايقاعات لا تكون لها حقيقة شرعية بل لا مجال لتوهم ان الصحة الشرعية تكون دخيلة في الموضوع له فان البيع عبارة عن فعل البائع و يتحقق بفعله اعم من أن يتعقبه القبول أم لا كما تقدم و الحال ان الصحة الشرعية لا تتحقق الا بعد تحقق القبول و اجتماع جميع الشرائط المقررة الدخيلة في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 18

حصول الملكية و تحقق النقل و الانتقال فكيف يتصور أن تكون الصحة الشرعية دخيلة في الموضوع له؟

و لكن مع ذلك الحق ان لفظ البيع مثلا موضوع لخصوص الصحيح كما قلنا سابقا فان لفظ البيع اسم للاعتبار المبرز بمبرز من فعل أو لفظ بل لا يتصور

فيه الفساد.

و بعبارة واضحة: كما ان لفظ سقمونيا موضوع لمركب خاص كذلك لفظ البيع موضوع لمركب اي الاعتبار المبرز و ان شئت قلت: كما ان لفظ الذهب اسم لجوهر خاص و ربما يترتب عليه حكم شرعي كحرمة لبسه مثلا كذلك لفظ البيع فهل يصح أن يقال: ان لفظ الذهب هل هو موضوع للصحيح أو للاعم.

نعم يصح أن يقال: ان البيع الذي يكون مورد الامضاء الشرعي مشروط بشروط مقررة في محالها فالحق أن يقال- كما قلنا سابقا: - ان لفظ البيع مثلا اسم للاعتبار المبرز بمبرز من قول أو فعل و هذا الاعتبار المبرز لو تعقبه القبول من قبل المشتري يمكن أن يقع موردا لامضاء العقلاء و أيضا يمكن ان يقع مورد لامضاء الشارع و يمكن ان يقع موردا لامضاء العقلاء و لا يقع مورد امضاء الشارع كما في بيع الغرر.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما أفاده الشهيدان من أن الفاظ العقود موضوعة لما هو الصحيح فان الظاهر من كلامهما بل من صريحه ان لفظ البيع مثلا اسم للبيع التام الاجزاء و الشرائط المترتب عليه النقل و الانتقال فان الامر ليس كذلك كما اتضح كمال الوضوح.

ان قلت: فما الوجه في أخذ المقر بالبيع باقراره؟ قلت: الظاهر ان الوجه فيه الانصراف فان المقر اذا قال بعت داري من زيد يكون المنصرف إليه من كلامه انه باع داره من زيد مع الشرائط المقررة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 19

و تحقق القبول من قبل زيد.

و بعبارة اخري: يكون قوله «بعت داري من زيد» في قوة قوله ان داري انتقلت الي زيد بالبيع» و لا اشكال في حجية ظهور الالفاظ عند العقلاء و أخذ المقرين باقراراتهم و ترتيب

الآثار عليها.

الجهة الثالثة: في أنه هل يمكن ان يقال ان البيع مثلا اسم للصحيح الجامع للاجزاء و الشرائط

و أنما الاختلاف بين الشرع و العرف في الامور الدخيلة فيه و بعبارة اخري لا خلاف في أن اللفظ موضوع لذلك المفهوم الجامع لجميع الخصوصيات؟

الظاهر انه لا مجال للقول المذكور فان البيع ليس من الامور المتأصلة الخارجية كالذهب و الفضة و امثالهما كي يقال بأن الانظار في تشخيصها مختلفة بل البيع أمر اعتباري امره بيد معتبره و من الظاهر ان الامر الاعتباري يختلف باختلاف الانظار و الاشخاص فلا مجال للتخطئة.

الجهة الرابعة: انه علي القول بكون الفاظ العقود اسامي لخصوص الصحيح الشرعي هل يمكن الاخذ بالإطلاق أم لا؟

الحق أن يفصل و يقال أما الاطلاق اللفظي فلا مجال له فان الاخذ بالإطلاق اللفظي يتوقف علي احراز صدق المفهوم و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بالدليل لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية كما تقدم.

و أما الاطلاق المقامي فالحق انه يمكن الاخذ به بتقريب: ان الشارع الاقدس بقوله احل اللّه البيع في مقام الافادة و اعطاء ضابطة كلية في جميع الموارد و اعلام المكلفين بأن البيع في قبال الربا امر جائز مؤثر شرعا.

و بعبارة واضحة: يكون الشارع الاقدس في مقام البيان فلو لم يكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 20

البيع علي نحو الاطلاق صحيحا مؤثرا و تكون صحته منحصرة بخصوص البيع الواجد لجميع الشرائط المقررة الشرعية لا يترتب علي كلامه الاثر المرغوب منه و لعل قول الماتن «فتأمل» اشارة الي فساد اصل المبني كما هو كذلك فانه ظهر مما ذكرنا فساد توهم كون الفاظ العقود و الايقاعات موضوعة لخصوص الصحيحة شرعا فلاحظ.

[الكلام في المعاطاة]

اشارة

«قوله قدس سره: اعلم ان المعاطاة علي ما فسره جماعة أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه … »

يقع الكلام في هذا المقام في جهات:
الجهة الأولي: في بيان معني المعاطاة

و المعاطاة لغة عبارة عن اعطاء كل واحد من شخصين شيئا لآخر علي ما هو مقتضي ما يفهم من باب المفاعلة و أما اصطلاحا فهي عبارة عن إنشاء البيع بالفعل و بعبارة اخري: لا يكون المراد من المعاطاة في اصطلاح الفقهاء تحقق مفهوم المفاعلة بل المراد منها البيع الفعلي في مقابل البيع اللفظي.

الجهة الثانية: في الاقوال الواردة في المعاطاة و بيان المختار منها.
القول الأول: ان المعاطاة تفيد الملكية الجائزة

. و فيه ان المعاطاة اما يصدق عليها عنوان البيع و اما لا يصدق أما علي الثاني فلا مقتضي لترتب الملكية عليها فلا موضوع للجواز و اللزوم و أما علي الاول فلا وجه للالتزام بكونها جائزة فان الجواز كاللزوم محتاج الي الدليل فلا بد من ملاحظة النصوص الخاصة كي نري انه هل فيها ما يدل علي القول المذكور.

القول الثاني: ان المعاطاة تفيد الملكية اللازمة ان كان الدال عليها اللفظ.

و فيه انه ان كان المراد من التفصيل المذكور انه لا بد من اقامة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 21

قرينة علي أن المراد من المعاطاة و المقصود منها البيع فالتفصيل المذكور حق اذ مع عدم اقامة قرينة علي إرادة البيع تكون المعاطاة أعم و ان كان المراد ان اللفظ له خصوصية، فيرد عليه انه لا خصوصية لكون القرينة لفظا بل الميزان بكون المراد بالمعاطاة البيع.

القول الثالث: ان المعاطاة تفيد إباحة جميع التصرفات الا التصرفات التي تتوقف علي الملك.

و فيه ان الكلام في المعاطاة التي يقصد بها الملك و يقصد به البيع فاما يصدق عليها البيع و يصح فلا بد من ترتب آثار البيع عليها و اما لا يصدق عنوان البيع عليها فتكون لغوا و بلا اثر فالقول به بالإباحة المجردة قول بلا دليل.

القول الرابع: انها معاملة فاسدة

. و فيه انه لا بد من ملاحظة ادلة صحة البيع و انها هل تقتضي بطلان البيع اذا كان بالمعاطاة.

القول الخامس: انها معاملة مستقلة مفيدة للملكية و لا تكون بيعا.

و فيه انه قد تقدم منا أن البيع عبارة عن اعتبار الملكية و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من قول أو فعل فاذا قصد بها مفهوم البيع تكون من مصاديق البيع و اذا لم يقصد بها مفهوم البيع فما هو المقصود منها؟

القول السادس: انها تفيد إباحة جميع التصرفات

حتي التصرفات المتوقفة علي الملك مع بقاء كل من العوض و المعوض علي ملك المالك و الانتقال يتوقف علي التلف فانه بتلف احدي العينين ينتقل كل من العوضين.

و فيه: انه قول بلا دليل فان المعاطاة المقصود بها البيع اما يشملها دليل صحة البيع و اما لا يشملها أما علي الاول فلا بد من ترتب الاثر المترتب علي البيع و أما علي الثاني فلا وجه لما افيد لعدم الدليل عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 22

القول السابع: ان المعاطاة كالبيع اللفظي بلا فرق بين المقامين

بتقريب أن المعاطاة المقصود بها البيع من مصاديق البيع فتكون كالبيع اللفظي مشمولا لدليل الامضاء و هذا القول موافق مع القاعدة فلا بد من الالتزام به.

اذا عرفت ما تقدم نقول يمكن الاستدلال علي كون المعاطاة مفيدة للملكية كالبيع بوجوه.
الوجه الأول: السيرة المستمرة الي زمان المعصوم عليه السلام

فانه لا اشكال في تحقق السيرة المذكورة ان قلت: ان السيرة المشار إليها ناشية عن قلة المبالاة بالدين قلت: ليس الامر كذلك فان السيرة جارية بين جميع الطبقات من المتدينين و العلماء و هذه السيرة مستمرة الي زمانهم عليهم السلام.

ان قلت: الاجماع المدعي علي أنّ المعاطاة لا تفيد الملك بل تفيد إباحة التصرف رادع للسيرة قلت: لم يقم الاجماع تعبدي فان أقوالهم مختلفة مضافا الي أن الاجماع علي فرض تحققه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به.

الوجه الثاني: قوله تعالي «قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا»

«1». و يمكن الاستدلال بالآية الشريفة بنحوين: أحدهما: ان الآية الشريفة تدل علي امضاء المعاطاة بالدلالة المطابقية فان الحل في اللغة بمعني الاطلاق و الارسال و هذا المعني يناسب التكليف و الوضع كليهما فان المستفاد من الآية الشريفة ان البيع مطلق و مرسل لا حرمة فيه و يناسب الحلية الوضعية و التكليفية كليهما.

و بعبارة اخري: يراد من الكلمة الاطلاق علي نحو الاطلاق

______________________________

(1) البقرة/ 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 23

فلا يتوجه الاعتراض بأن استعمال اللفظ في أكثر من معني واحد خلاف القاعدة الاولية.

و ان ابيت عن ذلك نقول: لا اشكال في أن المراد من الآية الحلية الوضعية فان جواز الاعتبار النفساني بمبرز لفظي أو قولي كما لا اشكال فيه و غير قابل للذكر فيكون المراد الحلية الوضعية.

و بعبارة واضحة: يكون المولي في مقام جعل القانون للناس في معاملاتهم فلا يناسب بيان التكليف فقط بل اللازم بيان الوضع فلا اشكال في تمامية الاستدلال بالآية.

ثانيهما: ان الحل تعلق بالتصرفات الواقعة بعد البيع. و بعبارة واضحة: ان المستفاد من قوله تعالي حرم الربا، حرمة الربا تكليفا فيناسب أن المراد من الحلية المتعلقة بالبيع الحلية التكليفية و حيث ان الحلية

التكليفية بالنسبة الي نفس الانشاء أمر غير قابل للذكر كما سبق يكون المراد تحليل التصرفات الواقعة في المأخوذ بالمعاطاة فتدل الآية الشريفة علي خصوص الملكية بالمعاطاة بالدلالة الالتزامية فان حلية التصرفات حتي التصرفات المتوقفة علي الملك يستلزم عقلا تحقق الملكية بالمعاطاة.

و يمكن أن يرد علي التقريب المذكور بأن حلية التصرف لا تدل علي تحقق الملكية من اوّل الامر بل يكفي تحققها حين وقوع التصرف.

و ربما يقال: ان جواز التصرف ثابت من اوّل الامر فيدل علي تحقق الملكية من زمان حدوث البيع.

و يجاب عن التقريب المذكور ان جواز التصرف لا يستلزم تحقق الملكية بل المستلزم لها وقوع التصرف خارجا.

ان قلت: الحكم لا يعين موضوع نفسه و بعبارة اخري: الحكم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 24

لا يتعرض لموضوعه وجودا و عدما بل نسبة الموضوع الي الحكم نسبة الشرط الي المشروط فكيف يمكن أن يستفاد من جواز التصرف حصول الملكية؟

بل يمكن أن يقال: ان دليل التوقف يخصّص دليل جواز التصرف قلت: ان الحكم لا يتعرض لموضوعه و هذا صحيح و لا اشكال فيه لكن ندعي ان دليل جواز مطلق التصرف و عمومه يكشف عن حصول الملكية و مع كشف حصول الملكية لا مجال لتقريب التخصيص فان دليل الكشف وارد علي دليل اشتراط التصرف الكذائي بالملكية فان المفروض تحقق الملكية غاية لامر لا دليل علي حصول الملكية من اوّل الامر.

و يمكن اثبات حصول الملكية من اوّل الامر بتقريب آخر و هو ان المستفاد من قوله تعالي «احل اللّه البيع» جواز التصرفات المرتبة علي البيع و ان شئت قلت: العرف يفهم من هذه الجملة ان الشارع الاقدس جعل البيع علي ما هو عليه عند الناس فبالظهور العرفي يتم

الامر.

مضافا الي أنه لو تم هذا الاشكال يعم العقد اللفظي و لا يختص الاشكال بخصوص المعاطاة و الذي يهون الخطب ان الآية الشريفة تدل علي المدعي بالمطابقة فلا تصل النوبة الي التقريب الاخر فلاحظ.

الوجه الثالث: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ»

«1» فان المراد من الاكل في الآية الشريفة التملك و عليه اما يكون الاستثناء الواقع في الآية الشريفة متصلا و اما يكون منقطعا أما علي الاول فتدل الآية

______________________________

(1) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 25

علي عدم جواز تملك مال الغير باي سبب من الاسباب لكون الاسباب كلها باطلة الا التجارة عن تراض فان المستفاد من الآية ان السبب الوحيد الشرعي لتملك مال الغير عبارة عن التجارة عن تراض و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض يحكم بصحتها.

و عن صاحب البلغة: ان الاستثناء الواقع في الآية اذا كان متصلا يلزم اما النسخ و اما التخصيص المستهجن اذ لا ينحصر جواز التملك بالتجارة عن تراض فانه يجوز تملك مال الغير بالهبة و الوصية و الوقف و الصدقة و اروش الجنايات و الاباحة و غيرها من النواقل الشرعية.

و الجواب عن الاشكال المذكور ان جملة من النواقل داخلة تحت عنوان التجارة عن تراض كالاجارة و الهبة و الصدقة و نحوها و الباقي لا يصل الي حد يوجب تخصيص الاكثر المستهجن.

مضافا الي أن الموضوع الذي جعل مستثني منه عنوان التملك و جملة من الاسباب خارجة عن العنوان المذكور كالارث و الزكوات و الاخماس و الوقوف و الوصية التمليكية علي احد الوجهين.

و صفوة القول: انه علي القول بالاتصال يستفاد حصر السبب في التجارة و أما علي فرض كون الاستثناء منفصلا فأيضا تدل الآية علي الحصر و ذلك لان المستفاد من الآية ان الشارع

الاقدس في مقام بيان تميز السبب الصحيح عن السبب الباطل فبالاطلاق المقامي يتم الامر.

و بعبارة اخري: علي القول بالانقطاع لا دلالة في الآية علي الحصر و لكن حيث ان المقام مقام بيان الضابطة فاهمال بعض الاسباب و عدم التعرض له يخل بالبيان فبمقتضي الاطلاق المقامي يتم تقريب الحصر فعلي كلا التقديرين يستفاد من الآية الشريفة حصر السبب المملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 26

شرعا في التجارة عن تراض و حيث ان المعاطاة مصداق للتجارة عن تراض يتم الاستدلال.

و لكن في المقام شبهة و هي ان اثبات كون التجارة أعم من البيع مشكل قال في أقرب الموارد: «تجر تجرا و تجارة باع و اشتري» الي أن يقول «التاجر الذي يبيع و يشتري» فانه يستفاد من كلامه اختصاص مفهوم التجارة بخصوص البيع و الشراء.

و قال في المنجد: «التجارة البيع و الشراء» و هذه العبارة أيضا تدل علي ترادف التجارة مع البيع و يدل علي الاختصاص أيضا حديث تحف العقول «1» فان عنوان المكاسب جعل في هذه الرواية مقسما للاقسام و جعلت اقسامه أربعة الولاية و التجارة و الصناعة و الاجارة فيعلم ان التجارة من أقسام المكاسب و لا يكون لفظ التجارة مرادفا للكسب و أيضا يعلم ان الاجارة قسيم للتجارة كما ان الصناعة كذلك و فسرت التجارة في الحديث بقوله عليه السلام و أما تفسير التجارات في جميع البيوع الخ فيعلم ان التجارة عبارة عن البيع فاذا علمنا مما ذكر ان التجارة عبارة عن البيع فهو و الا فلا اقل من الشك و لا طريق الي اثبات كون التجارة أعم من البيع.

و مع الشك يكون مقتضي الاستصحاب عدم عمومية المفهوم فلا مجال للاخذ بعنوان التجارة

عن تراض المذكور في الآية الشريفة لاثبات صحة غير البيع بتقريب: انه تجارة عن تراض فيحل اكل مال الغير بها فانه قد ظهر مما ذكرنا ان صدق التجارة علي غير البيع مشكوك فيه و عليه يستفاد من الآية الشريفة انحصار جواز تملك مال الغير بالتجارة عن تراض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 27

ان قلت يستفاد من قوله تعالي «رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ» «1»، ان البيع غير التجارة فانه عطف لفظ البيع علي التجارة و حمل العطف علي التفسيري خلاف الظاهر قلت: الامر كما ذكرت فان الظاهر من الآية ان البيع يغاير التجارة و لو بكونه اخص منه و لكن لا بد من رفع اليد عن الظهور المذكور بتصريح اهل اللغة و بحديث تحف العقول بالتقريب الذي ذكرنا.

اضف الي ذلك ان غاية ما في الباب ان لفظ التجارة استعمل في الاعم من البيع كي لا يلزم كون العطف تفسيريا لكن الاستعمال أعم من الحقيقة و اصالة الحقيقة لا تكون اصلا تعبديا كي يقال: ان مقتضي اصالة الحقيقة ان الموضوع له للفظ التجارة أعم من البيع.

فالنتيجة انه لا دليل علي تغاير اللفظين من حيث المعني بل يمكن أن يقال انه يتبادر من لفظ التجارة البيع و مقتضي الاستصحاب القهقري كون لفظ التجارة مرادفا للبيع في زمان الصادقين عليهما السلام.

ان قلت: علي فرض اختصاص عنوان التجارة بالبيع يلزم تخصيص الاكثر فانه يحل اكل مال الغير بالاتهاب و الاجارة و الصلح و القرض الي غيرها من الاسباب المملكة.

قلت يبقي تحت العام جميع التملكات الحاصلة بسبب العقود الفاسدة بالبيع الغرري أو الربوي

و بانواع القمار و المنابذة و الملامسة و الغارة و النهب و علي الجملة كل سبب موجب لتملك مال الغير اذا لم يكن تجارة عن تراض مع اجتماع الشرائط المقررة يكون باطلا الا موارد خاصة مع الشرائط المقررة و لا يلزم تخصيص الاكثر المستهجن.

______________________________

(1) النور/ 37.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 28

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«1» فان مقتضي عموم الآية وجوب الوفاء بكل عقد و المعاطاة من العقود و وجوب الوفاء يستلزم صحة ذلك العقد فتكون المعاطاة صحيحة شرعا بمقتضي الآية الشريفة.

و فيه: ان وجوب الوفاء المستفاد من الآية ليس وجوبا تكليفيا اذ من الظاهر ان الفسخ ليس محرما شرعا فيكون مفاد الآية ارشادا الي اللزوم و عليه نقول: الاهمال غير معقول في الواقع فالعقد الذي حكم بلزومه اما يكون خصوص الصحيح أو الاعم منه و من الفاسد أو خصوص الفاسد لا سبيل الي الثاني و الثالث فيكون الشق الاول متعينا فيلزم فرض العقد صحيحا كي يترتب عليه اللزوم و كون المعاطاة من العقود الصحيحة اوّل الكلام.

و علي الجملة الآية الشريفة لا يمكن جعلها دليلا علي صحة العقود بل الآية دليل علي لزوم العقد الذي فرض كونه صحيحا في الرتبة السابقة.

الوجه الخامس: قوله صلي اللّه عليه و آله ان الناس مسلطون علي أموالهم
اشارة

«2» و تقريب الاستدلال بالحديث ان المستفاد منه ان كل احد مسلط علي أن يتصرف في ماله و مقتضي اطلاق التصرف عدم الفرق بين التصرف الخارجي و التصرف الاعتباري و المعاطاة تصرف اعتباري في المال فيجوز و يصح بمقتضي الحديث المزبور.

و يرد عليه: أولا ان الحديث ضعيف سندا

فلا يكون قابلا للاستناد إليه.

______________________________

(1) المائدة/ 1.

(2) البحار ج 2 ص 272 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 29

ان قلت: ان المشهور عملوا بالخبر و عمل المشهور بالخبر الضعيف جابر لضعفه قلت: عمل المشهور به غير معلوم بل المشهور صحة المعاطاة و هذا اعم من العمل بالخبر اذ دليل صحة المعاطاة غير منحصر في الحديث المشار إليه مضافا الي ان عمل المشهور لا يكون جابرا لضعف الخبر كما قلنا مرارا و العجب من البناء علي عدم حجية الشهرة الفتوائية و الالتزام بكونها جابرة للخبر الضعيف و الحال ان ضم غير حجة الي مثله لا يترتب عليه الاثر هذا أولا.

و ثانيا انه قيل في المراد من الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن يكون المراد منه تجويز كل تصرف علي نحو الاطلاق خارجيا كان أو اعتباريا

أي يكون المراد من الحديث تجويز كل تصرف في المال كما و كيفا و بعبارة واضحة: يكون الحديث في مقام تشريع كل تصرف ففي كل مورد شككنا في جواز تصرف يكون جائزا بمقتضي الحديث.

و فيه ان لازم هذا القول تحليل جملة من المحرمات كأكل الميتة مثلا و أمثاله بأن نقول بين هذه الرواية و ادلة المحرمات عموم من وجه و في مورد الاجتماع يتعارض الدليلان فان قلنا بالتساقط يكون المرجع بعده أصل البراءة و ان قلنا بلزوم اجراء قانون باب التعادل و الترجيح يلزم رعاية اجراء ذلك القانون و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا.

الوجه الثاني: أن يكون المراد من الحديث بيان الكمية فقط

بأن نقول لو شك في جواز العقد الفلاني كعقد السرقفلية أو التأمين يستدل علي الجواز بالحديث و أما من حيث الكيفية فلا يكون الحديث في مقام بيان حكمها و هذا الوجه أيضا مردود اذ لازمه أن يكون الحديث في مقام التشريع.

الوجه الثالث: أن يكون المراد من الحديث ان الناس مسلطون علي أن يتصرفوا في أموالهم علي الطرق الشرعية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 30

و لا يكون الحديث مشرعا فعلي جميع التقادير لا يترتب أثر علي الحديث و لا يستفاد منه المدعي أما علي التقدير الاول و الثاني فلما تقدم و أما علي التقدير الثالث فلان الجواز متوقف علي احراز مشروعيته في الرتبة السابقة فان المستفاد من الحديث ان التصرفات التي تكون جائزة في الشرع لا يكون الناس محجورين في تلك التصرفات.

الوجه السادس: اطلاق بعض ادلة الاجارة و الهبة

فان تلك الاطلاقات تقتضي صحة المعاطاة في الهبة و الاجارة و بعدم القول بالفصل يثبت المدعي في بقية العقود أو بالاجماع المركب.

و فيه انه قد ثبت في الاصول عدم حجية الاجماع المحصل فكيف بالمنقول و الذي يهون الخطب ان ما تقدم من الوجوه كافية لاثبات المدعي فلاحظ.

[دلالة كلام الفقهاء علي بعد التوجيهين]

«قوله قدس سره: من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه … »

يظهر من هذه العبارة ان محل الكلام مورد عدم قصد البيع اذ مع قصد البيع يحصل قصد التمليك من قبل البائع و يحصل قصد التملك من قبل المشتري.

«قوله قدس سره: و لا ينافي ذلك قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة … »

لا يبعد أن يكون نظره في وجه عدم التنافي الي أن العقد الفاسد لا يترتب عليه اثر و في المقام المفروض انه تترتب عليه الاباحة فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي التأويل الاخر … »

لعل المراد بالتأويل الاخر عدم تحقق العقد اللفظي و التأويل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 31

الاول لزوم الغرر.

«قوله قدس سره: فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده … »

نفرض انه لو كان كتاب زيد في يد بكر و عباء بكر في يد زيد فتلف كتاب زيد في يد بكر يصير العباء ملكا لزيد و كيف تتحقق الملكية لزيد أي كيف يصير العباء ملكا لزيد بتلف ملكه في يده بكر و الظاهر أن العبارة غير وافية بالمراد.

«قوله قدس سره: و من منع فقد أغرب … »

لعل المراد ان من منع عن الوطي فقد أغرب.

«قوله قدس سره: لكنه محل تأمل … »

لعل وجه التأمل ان الظاهر من كلمة احل الواقعة في الآية الشريفة الحكم التكليفي فلا يستفاد الحكم الوضعي

منها لكن قد سبق منا انه لا مانع من إرادة الحكم الوضعي من كلمة الاحلال و قلنا تدل الآية علي الجواز الوضعي و التكليفي بالمطابقة و لولاه لا يتم الامر اذ جواز البيع تكليفا لا يستلزم الصحة الوضعية و لذا نقول لا اشكال في جواز بيع مال الغير تكليفا مع عدم جوازه وضعا الا أن يقال: حيث ان الشارع الاقدس في مقام جعل القانون و الضابطة يفهم من حكمه بحلية البيع تكليفا ان المقصود انفاذ البيع أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لذا ذكر بعض الاساطين في شرحه علي القواعد في مقام الاستبعاد ان القول بالإباحة المجردة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد جديدة»

أي

[ذكر بعض الأساطين إن القول بالإباحة المجردة مستلزم لتأسيس قواعد جديدة]
اشارة

يلزم تأسيس قواعد جديدة في جملة من الموارد

المورد الاول: ان العقود تابعة للقصود

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 32

فاذا قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملك و تفيد الاباحة يلزم أن لا يكون العقد تابعا للقصد فان المفروض ان المتعاملين قصدا الملكية و المترتب علي معاملتهما الاباحة.

و اجاب الماتن عن الاشكال الاول بجوابين احدهما: ان القائل بالإباحة في المعاطاة لا يري المعاطاة من العقود و لا من القائم مقامها و بعبارة اخري: تبعية العقد للقصد باعتبار ان صحة العقد معناها ترتب ذلك الاثر المقصود علي ذلك العقد فالتخلف غير معقول و أما في المعاطاة فليس الامر كذلك فان المعاطاة علي ذلك المسلك لا تكون عقدا و لا قائما مقامه و الشارع الاقدس لا يري المعاطاة مؤثرة في الملكية و انما رتب عليها الاباحة فالاشكال المذكور غير وارد علي كلام القائل بالإباحة.

ثانيهما: ان تخلف العقد عن القصد في الشريعة المقدسة له مواضع منها: ان العقد الفاسد عندهم يوجب ضمان كل من العوضين بالقيمة و الحال ان المقصود ضمان كل من العوضين بالآخر و علي الجملة انهم اطبقوا علي أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و قالوا بأن العقد الفاسد يوجب ضمان القيمة فالنتيجة ان العقد لم يتبع القصد لان المقصود ضمان كل من العوضين بالآخر و الحكم الشرعي الضمان بالقيمة.

ان قلت: المدرك للضمان بالقيمة قاعدة اليد قلت: قد عطفت القاعدة في كلام بعضهم علي الوجه الأول و هو اقدامهما علي الضمان فالمقصود قسم خاص من الضمان و لكن المترتب عليه قسم آخر منه.

اقول علي فرض كون المدرك قاعدة اليد يتم النقض أيضا علي كلام بعض الاساطين أي كاشف الغطاء فان المدعي تخلف العقد عن القصد و في مورد

العقد الفاسد تخلف العقد عن القصد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 33

لكن الذي يهون الخطب ان عدم التخلف و تبعية العقد للقصد لا يكون من القواعد العقلية التي لا تكون قابلة للتخصيص بل المراد من هذه القاعدة ان الشارع لو أمضي عقدا فلانيا يترتب عليه ذلك الغرض و هذا يحتاج الي دليل الامضاء و أما اذا فرض عدم امضاء الشارع ذلك العقد فاما يترتب عليه اثر آخر و اما لا يترتب أما علي الاول فيترتب عليه ذلك الاثر الاخر بمقتضي دليله و أما علي الثاني فلا يترتب عليه اثر و يكون فاسدا علي الاطلاق و علي كل تقدير لا يتوجه اشكال فان الاحكام الشرعية تكليفية أو وضعية وجودية كانت أو عدمية تابعة للادلة فلاحظ

و منها: انهم قائلون بان الشرط الفاسد لا يفسد العقد و الحال ان مقصود المتعاملين تحقق العقد مع ذلك الشرط فلم يتبع العقد القصد نعم لو قلنا بفساد العقد رأسا كما عليه بعض لم تنتقض القاعدة.

و قال سيدنا الاستاد «1» ما مضمونه تارة يكون الشرط شرطا لاصل العقد و الانشاء كما لو قال لو جاء زيد من السفر بعتك و الا لم ابع و اخري يكون الشرط شرطا لالتزام آخر غير الالتزام باصل العقد أما علي الاول فالعقد باطل من رأسه للاجماع علي بطلان التعليق بلا فرق بين كون الشرط صحيحا أو فاسدا و أما علي الثاني فلم تنقض القاعدة و لو قلنا بصحة العقد و فساد الشرط.

اقول: الشرط اذا كان لاصل العقد و كان وجود الشرط محرزا لا يكون العقد باطلا مثلا لو قال بعتك ان كان هذا اليوم الجمعة و المتعاملان يعلمان بكون اليوم يوم الجمعة لا يكون

التعليق مبطلا.

و علي الجملة: كون التعليق مبطلا لا يكون بحكم العقل كي لا يكون

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 2 ص 108.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 34

قابلا للتخصيص بل بالاجماع و الاجماع دليل لبي يقصر فيه بالمقدار المتيقن و القدر المتيقن منه مورد الشك و أما مع العلم بتحقق المعلق عليه لا يبطل و عليه نقول اذا علق العقد علي شرط فعل كما لو قال بعتك بشرط أن تخيط ثوبي يكون العقد صحيحا فان البيع لا يكون معلقا علي الخياطة الخارجية بل يكون معلقا علي عزم الطرف علي الخياطة و المفروض ان عزمه علي الخياطة امر محرز و لو من باب كون الظهور حجة.

و بعبارة اخري: المعلق عليه عزمه علي الفعل بالفعل و لو لم يعمل بعد و لذا يكون العقد صحيحا و لو لم يخط بعد غاية الامر التخلف يقتضي الخيار بالجعل الاخر فعلي هذا نقول لو قال بعتك بشرط أن تشرب الخمر و قبل المشتري البيع علي الشرط المذكور يصح العقد و يبطل الشرط لكونه خلاف الشرع فطبعا تكون القاعدة منقوضة فما افاده الشيخ من انتقاض القاعدة تام لكن لا يترتب عليه محذور فان مقتضي الجمع بين القواعد المستفادة من الشرع هكذا.

و منها: بيع ما يملك و ما لا يملك معا فانهم قائلون بالصحة مع ان العقد لم يتبع القصد فان المقصود بيع المجموع و الحال ان الصحة تختص بما يملك.

و اجاب عنه سيدنا الاستاد: بأن البيع فيما هو محل الكلام و ان كان واحدا صورة و لكن يكون متعددا في الحقيقة غاية الامر احد البيعين منجز و الاخر معلق علي اجازة المالك فلم تنقض القاعدة.

و فيه أولا: انه لو كان البيع

متعددا يلزم ان يتعلق بكل واحد منهما خيار مستقل و هل يمكن الالتزام بالخيار المتعدد بتعدد البيع بالانحلال؟

و ثانيا: ان حكم الامثال واحد فاذا باع احد داره بالف دينار مثلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 35

فعلي مبني الانحلال يلزم أن يتحقق بيوع غير متناهية لاستحالة الجزء الذي لا يتجزي و هل يمكن الالتزام به؟ مضافا الي أنه كيف يتحقق في مورد بيع ما يملك و ما لا يملك بيعان فانه علي هذا المبني كل جزء تعلق به البيع فلا يكون البيع منحلا الي بيعين بل الي بيوع غير متناهية.

و الحق أن يقال: ان البيع في أمثال المقام بيع واحد و مقتضي القاعدة الاولية بطلانه اذ المجموع من حيث المجموع لا يشمله دليل الامضاء لكونه مقارنا مع المانع و أما صحة الجزء بما هو جزء فلا يمكن أن يشمله دليل الامضاء اذ ليس بيعا مستقلا نعم بمقتضي النص الخاص يمكن الالتزام بالتبعيض بالالتزام بالصحة في البعض دون البعض الاخر و نتعرض ان شاء اللّه لجهات المسألة عند تعرض المصنف فانتظر و علي الجملة الحق ان البيع الواقع علي المركب بيع واحد و مقتضي القاعدة الاولية هو البطلان و لكن بناء الاصحاب علي التفكيك و الحكم بالصحة فيما يملك فطبعا تكون القاعدة منقوضة فلاحظ.

و منها: ما لو باع الغاصب مال الغير لنفسه فاجازه المالك يقع البيع للمالك فلم يتبع العقد القصد اذ القصد كان لنفسه و العقد يقع للمالك فالقاعدة منقوضة.

و أجاب عنه سيدنا الاستاد: بأن البيع تبديل عين بعوض و قصد وقوعه عن المالك أو عن البائع خارج عن حدود البيع فلا يكون نقضا للقاعدة.

و فيه ان القاعدة عبارة عن تبعية العقد للقصد و

معناه ان العقد يكون علي طبق القصد طابق النعل بالنعل و المفروض ان الغاصب قصد تملك الثمن لنفسه و دليل الامضاء لم يمض العقد علي طبق القصد فالنقض وارد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 36

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: تارة يقصد الغاصب البيع عن المالك و يدعي انه مالك و في هذه الصورة اذا أجاز المالك يقع البيع للمالك بلا توجه النقض اذ المفروض ان البيع وقع عن المالك غاية الامر الغاصب يدعي المالكية و دعوي الغاصب لا تؤثر في الواقع و اخري يبيع لنفسه بمعني انه يقصد خروج المبيع عن كيس المالك و دخول الثمن في كيس نفسه ثم أجاز المالك العقد الفضولي علي ما وقع عليه فان قلنا بأنه لا مانع عن بيع العين بعوض بقصد دخول العوض في كيس غير المالك يصح العقد بالاجازة لما قرر في محله من صحة العقد الفضولي بالاجازة و ان قلنا بعدم الجواز و عدم صحة قصد دخول العوض في كيس غير البائع لا يكون العقد صحيحا.

و ثالثة يبيع لنفسه بمعني انه يقصد خروج المبيع عن كيسه و دخول العوض في كيسه فاجاز المالك العقد الواقع بهذا النحو و الظاهر فساده لعدم دليل علي صحته و علي جميع التقادير لا تنقض القاعدة و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

و منها: انه لو نسي ذكر الاجل في المتعة يصير العقد عقد دائم فالعقد لم يتبع القصد فان المقصود الانقطاع و الذي وقع عقد دائم.

و يمكن أن يقال: ان العاقد تارة يكون بنائه علي الانقطاع لكن نسي أو غفل عن البناء المذكور و حين العقد يقصد الدوام و اخري يقصد الانقطاع لكن لا

يذكر المدة غفلة أو نسيانا أو عمدا أما علي الاول فلا يلزم الانتقاض اذ المفروض انه قصد الدوام فالعقد علي طبق القصد و أما علي الثاني فالعقد باطل لتقوم الانقطاع بذكر الاجل و علي كلا التقديرين لا يلزم الانتقاض و تعرضنا للفرع في كتاب النكاح من كتابنا «مباني منهاج الصالحين» فراجع ما ذكرناه هناك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 37

المورد الثاني: الالتزام بكون إرادة التصرف أو نفس التصرف من المملكات

فانه لو قلنا بأن المعاطاة لا تكون مملكة و المأخوذ بالمعاطاة مباح للآخذ و انما المملك إرادة التصرف أو نفس التصرف و الحال ان المالك لم يخطر بباله التصرف في ماله و لم يأذن فيه بل قصد التمليك فالالتزام بكون الإرادة أو التصرف مملكة أمر جديد و قاعدة جديدة تأسيسية.

و أجاب الماتن عن الاشكال المزبور بأن الجمع بين الادلة يقتضي ذلك فانه لو لم تكن المعاطاة مشمولة لدليل صحة البيع يكون مقتضي الاصل بقاء العين في ملك مالكه و من ناحية اخري علمنا من الشرع جواز جميع التصرفات حتي التصرف الموقوف علي الملك للآخذ بالمعاطاة فنلتزم بكون الإرادة أو التصرف موجبا لتحقق الملكية و مع قيام دليل شرعي علي الحكم لا وجه للاستبعاد.

اقول: أما كون التصرف مملكا فلا محصل له اذ المفروض توقف جواز التصرف علي الملكية و بعبارة اخري: رتبة الملكية مقدمة علي الحكم فكيف يمكن أن يكون التصرف مؤثرا في وجود ما يكون متقدما عليه بالرتبة.

و ان شئت قلت: التصرف الخارجي يتوقف علي كون المتصرف فيه ملكا و الحال ان الملك لا يحصل الا بالتصرف فالتصرف متوقف علي الملك و الملك متوقف علي التصرف و هذا دور و أما كون إرادة التصرف مملكة فأيضا لا ملزم له و لا دليل عليه

بل مقتضي الجمع بين الادلة الالتزام بتحقق الملكية قبل التصرف الذي يتوقف علي الملك آنا ما و كذا في مورد اتلاف الاخذ ما في يده فانه قبل تلف العين تتحقق الملكية آنا ما كي يتحقق الضمان بالمسمي و هذا الذي نقول نظير تصرف ذي الخيار و الواهب في العين التي باعها أو وهبها ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 38

قلنا بجواز تصرفهما في العين تصرفا موقوفا علي الملك.

المورد الثالث: [تلزم مخالفة جملة من الأصول المسلّمة في الفقه]

انه لو قلنا بكون المعاطاة التي يراد بها الملك مفيدا للاباحة و بقاء العين في ملك مالكها تلزم مخالفة جملة من الاصول المسلّمة في الفقه.

منها: تعلق الاخماس بما في يد الاخذ مع ان الخمس لا يتعلق الا بالملك.

و اجاب الشيخ قدس سره بأن تعلق الخمس بغير المملوك مجّرد استبعاد و انه لا مانع عنه ان قلت: يمكن دفع الاستبعاد المذكور بأن السيرة قائمة علي حصول الملكية بالمعاطاة فلا وجه للاستبعاد فان تعلق الخمس بالملك أمر علي القاعدة قلت: مرجع هذا البيان الي الالتزام بأن المعاطاة تفيد الملك بمقتضي السيرة فيرجع الامر بالاستدلال بالسيرة علي كون المعاطاة مفيدة للملكية لا الاباحة.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول: المستفاد من الادلة كتابا و سنة و اجماعا ان الخمس يتعلق بالملك فان قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملك نلتزم بعدم تعلق الخمس بالمأخوذ و لا يتوجه اشكال و لكنه مجرّد فرض اذ قد ثبت بالأدلّة المتقدمة ان المعاطاة كالبيع اللفظي تفيد الملكية فلاحظ.

و منها: تعلق الزكاة بما لا يكون مملوكا و بعبارة اخري: اذا قلنا ان المعاطاة لا تفيد الملكية و لم يوجد احد اسبابها و تمت شرائط تعلق الزكاة بما أخذ بالمعاطاة و الحال ان الزكاة تتعلق بالملك فالالتزام

بتعلق الزكاة بما اخذ بالمعاطاة التزام بتعلقها بغير الملك.

و يظهر الجواب في المقام مما ذكرناه في الخمس فانه ان قلنا بأن المعاطاة لا تفيد الملك مع الالتزام بأن الزكاة تتعلق بالمملوك نلتزم بعدم تعلق الزكاة بما اخذ بالمعاطاة و لكن قلنا ان الذي يهون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 39

الخطب ان مقتضي الادلة عدم الفرق بين البيع اللفظي و المعاطاتي في أن كليهما يقتضيان الملك، و ان قلنا ان المعاطاة من أقسام البيع فيترتب عليها ما يترتب علي العقد اللفظي بلا فرق.

و أفاد سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- كلاما لا محصل له فانه دام ظله فصّل بين المأخوذ بالمعاطاة بحد النصاب و بين ما يكون المتمم مأخوذا بالمعاطاة فقال: أما اذا كان المأخوذ بالمعاطاة بحد النصاب فتعلق به الزكاة لاطلاق الادلة و أما اذا كان المتمم مأخوذا بالمعاطاة فلا تتعلق الزكاة بتقريب: ان ما يكون مملوكا لا يكون بحد النصاب و ما اخذ بالمعاطاة لا يكون مملوكا علي الفرض فشرط تعلق الزكاة مفقود.

و يرد عليه: انه اذا فرض ان المأخوذ بالمعاطاة لا يكون مملوكا كما هو المفروض فلا مجال للتمسك بإطلاق دليل تعلق الزكاة فان الزكاة تتعلق بما يكون مملوكا و ان قلنا بأن المعاطاة تفيد الملك فلا فرق بين المتمم و غيره و لعله ناظر الي امر لم يخطر ببالي لقاصر الفاتر و اللّه العالم.

و منها: حصول الاستطاعة بما اخذ بالمعاطاة و الحال ان الاستطاعة تتوقف علي كون المكلف مالكا لمئونة الحج.

و الجواب: انه لا يبعد ان يستفاد من الادلة حتي من اطلاق قوله تعالي «و للّه علي الناس حج البيت الآية» انه يصدق المستطيع علي من يكون في امكانه أن

يحج و بعبارة اخري: من كان عنده مال مباح له التصرف فيه باي نحو من التصرف يصدق عليه عنوان الاستطاعة و المستطيع فوجوب الحج عليه علي القاعدة.

و منها: صدق عنوان الغني المانع عن اخذ الحقوق الشرعية علي الاخذ و الحال ان المباح له لا يكون مالكا علي الفرض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 40

و الجواب عنه: انه ان قلنا بأن تحقق الغني و صدق عنوان الغني بالإباحة و لا يكون صدقة متوقفا علي خصوص كون الشخص مالكا فلا موضوع للاشكال و ان قلنا ان المباح له فقير و لا توجب الاباحة سلب عنوان الفقير عنه نلتزم بجواز الاخذ فلا اشكال أيضا.

و منها: تعلق حق الشفعة بما اخذ بالمعاطاة و الحال ان حق الشفعة عبارة عن أن الشريك له ان يخرج الحصة المباعة عن ملك المشتري و يدخلها في ملكه.

و الجواب: انه ان قلنا بأن المعاطاة لا تفيد الملك لا يثبت حق الشفعة.

و عن صاحب الكفاية ثبوت الحق بالمعاطاة و لو علي القول بكونها مفيدة للاباحة لان موضوعه البيع و المفروض تحققه.

و يرد عليه: انه ان فرض صدق البيع علي المعاطاة فلا وجه لعدم تحقق الملكية و ان لم يصدق فلا موضوع للتقريب المذكور فلاحظ.

الا أن يقال: انه لا اشكال في صدق عنوان البيع عليها لكن حيث ان الاجماع قائم علي عدم افادتها الملكية نلتزم بالإباحة و لكن مع ذلك نقول: يجري فيها حق الشفعة لصدق البيع عليها فيشمله دليل حق الشفعة و اللّه العالم.

و منها: ان القول بالإباحة يستلزم جريان الربا في المباحات.

و فيه انه ان قلنا بأن المعاطاة بيع فلازمه بطلانه اذا كانت ربوية و لازم البطلان عدم ترتب اثر عليه و

ان قلنا انها لا تكون بيعا فان قلنا بجريان أحكام الربا في كل معاملة فالكلام هو الكلام و ان لم نقل به لا نلتزم بجريان الربا فيها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 41

و منها: ان القول بالإباحة يستلزم ترتب الارث علي المباحات مع عدم كونها مملوكة للآخذ.

و أجاب عن هذا سيدنا الاستاد بأن موضوع الارث ما تركه الميت و المباح مما تركه الميت و لا تكون للملكية موضوعية.

و ما أفاده غريب فان المال المباح لا يكون مما تركه الميت بل ملك لمالكه و المقصود مما ترك مملوكاته لا أموال الناس و الحق في الجواب ان يقال: انه ان قلنا بأن موت احد المتعاملين يلزم المعاطاة يتم الامر اذ يموت الاخذ تتبدل الاباحة بالملكية فيرتفع الاشكال و لا موضوع للاستبعاد.

و منها: تعلق حق المقاسمة و المفارزة بالمباح. و الجواب انه ان قلنا بأن حق المقاسمة يتعلق بمن يجوز له التصرف و لو كان بالإباحة فلا يتوجه اشكال من هذه الجهة كما هو ظاهر.

و منها: تعلق حق المقاصة بغير الملك و الجواب انه علي القول بكون المعاطاة مفيدة للاباحة لا الملك نلتزم بعدم جواز المقاصة من المال المأخوذ بالمعاطاة

و منها: تعلق حق النفقات بغير المملوك و الجواب انه اذا كان التصرف في المأخوذ جائزا للآخذ فيجب عليه أن يعطي نفقة من تجب عليه نفقته.

و منها: تعلق الدين بغير المملوك. و فيه ان كان المراد حق الديان يوجب حجر الاخذ فلا دليل عليه لان المفلس يحجر عن التصرف في مملوكه و ان كان المراد انه يجب عليه اداء دينه فيمكن أن يكون ما ذكر علي القاعدة اذ بعد جواز التصرف في المال يجب عليه اداء ما

يجب عليه.

مضافا الي أن مثل هذه التصرفات يوجب خروج العين عن ملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 42

المالك الاصلي و دخوله في ملك الاخذ.

و منها: جواز الوصية في المباح. و فيه: ان الوصية تؤثر بعد الموت و بالموت ينتقل المال إليه فما دام حيا لا اثر للوصية و اذا مات فالمال يصير ملكا له فلا موضوع للاشكال.

«قوله قدس سره: و دفعه بمخالفته للسيرة رجوع إليها … ».

يمكن أن يكون المراد من العبارة انه لو دفع احد الاستبعاد المذكور بالسيرة بأن يقول: لا وجه للاستبعاد المذكور فان السيرة جارية علي الامور المذكورة نقول: مرجع هذا الكلام الي الرجوع الي السيرة و العمل بها و اذا رجعنا إليها نلتزم بكون المعاطاة مفيدة للملكية فلا موضوع للاستبعاد المذكور فلاحظ.

المورد الرابع: انه لو قلنا بعدم كون المعاطاة مملكة و قلنا انها مفيدة للاباحة يلزم كون التصرف من أحد الطرفين مملكا للطرف الآخر

فانه لا قائل بكون التصرف الصادر من احد مملكا للآخر مضافا الي أن استناد تحقق الملكية الي التصرف غريب.

و الجواب انه لو اقتضي الجمع بين الادلة نلتزم بمقتضاه و لا غرابة بعد تمامية المقتضي و عدم المانع فانه استفيد من الشرع ان الوطي يلزم أن يكون في الملك مثلا و من ناحية اخري لا يمكن الجمع بين العوض و المعوض فلو اشتري احد امة بالمعاطاة بفرش ثم وطئها يلزم أن تدخل الامة في ملك المشتري كي يقع الوطي في الملك و لا بد من الالتزام بدخول الفرش في ملك بايع الامة و الا يلزم الجمع بين العوض اي الفرش و المعوض اي الامة و هو غير ممكن.

المورد الخامس: ان القول بكون المعاطاة مفيدة للاباحة لا الملك يترتب عليه الالتزام بجملة من المفاسد.

الاول: كون التلف من احد الطرفين مملكا للطرف الاخر فانه لو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 43

اشتري كتابا بدرهم بالمعاطاة ثم تلف الكتاب بالتلف السماوي يلزم أن يكون تلف الكتاب مملكا للدرهم و هو غريب و بعبارة اخري:

ان قلنا بأن الملكية تحصل بلا سبب فهو محال و ان قلنا بأن تلف احدي العينين يوجب ملكية الاخري فهو غريب.

الثاني: يلزم انه لو تلف كل من العوضين مع التفريط يكون التلف معينا للمسمي بالنسبة الي الطرفين و لا حق في الرجوع الي المثل أو القيمة و هذا غريب أيضا.

و بعبارة اخري علي القول بعدم الملكية في المعاطاة مقتضي القاعدة الرجوع الي المثل أو القيمة فالقول بضمان المسمي يستلزم الالتزام باحد الامرين و هما حصول الملكية بلا سبب أو حصولها بالتلف و كلاهما محذور.

الثالث: انه ان قلنا بأن من تلف عنده المال يملك التالف قبل التلف فتحقق الملكية قبل التلف ان كان بلا سبب يلزم المعلول بلا علة و

ان قلنا بأن التلف مملّك يلزم تقدم المعلول علي علته و ان قلنا يملكه حين التلف فان زمان التلف زمان انعدام الملكية لا زمان حدوثها.

مضافا الي أنه لا موجب للالتزام بالملكية في زمان التلف و ان قلنا بحصول الملكية بعد التلف يلزم تملك المعدوم و هو غير معقول مضافا الي أنه لغو محض و ان قلنا بعدم دخوله في ملك من تلف عنده يلزم تملك الطرف المقابل البدل بلا عوض و هو غريب و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاملين.

الرابع: انه اذا وضع الغاصب يده علي المأخوذ بالمعاطاة أو تلف عنده فان قلنا بأن الغاصب ضامن للمباح له يلزم أن يكون الغصب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 44

أو التلف عند الغاصب مملكا و هو غريب و ان قلنا بأنه ضامن للمبيع فهو غريب و مناف للسيرة الخارجية.

و يرد عليه ان الاحكام الشرعية لا ترتبط بالامور الخارجية و لا مجال لاجراء الاحكام العقيلية فيها فلا مجال للاستدلال بعدم جواز تقدم المعلول علي علته أو استحالة وجود شي ء بلا علة أو غيرهما من المحاذير العقلية بل الاحكام الشرعية تابعة لادلتها فباي نحو استفيد الحكم الشرعي من دليله يلتزم به.

و علي هذا الاساس لا نبالي بالاستبعادات المذكورة فكل أمر اقتضاه الدليل نحكم به لكن الذي يهون الخطب انه لا وجه للالتزام بالإباحة كي تفتح الباب لهذه الابحاث فلاحظ.

المورد السادس: ان التصرف ان جعلناه من النواقل القهرية فهو بعيد

فان تحقق الملكية بالتصرف الخالي عن قصد التملك أمر بعيد و ان قلنا بتوقفه علي نية التملك فالواطئ للامة من غير نية التملك يكون واطئا بالشبهة و الجاني عليها و المتلف لها جان علي مال الغير و متلف له و هل يمكن الالتزام به؟

و مما ذكرنا آنفا

في الرد علي المورد الخامس يظهر الجواب عما ذكر في المورد السادس فانه لو اقتضي الجمع بين الادلة نلتزم به و لا يترتب عليه اشكال.

المورد السابع: ان تصرف الآخذ في نماء العين المأخوذة بالمعاطاة هل يكون جائزا أم لا؟

أما الثاني فلا سبيل إليه اذ لا اشكال في جواز التصرف و أما الاول فما هو المجوز لجواز التصرف فان قلنا بأن اذن المالك في التصرف يشمل التصرف في العين و في نمائها يقال ان شموله للتصرف في النماء أمر خفي فان المالك الاصلي لم يأذن الا في التصرف في نفس العين و ان قلنا بأن حدوث النماء مملك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 45

و عليه ان قلنا بأن حدوثه مملك لخصوص النماء فقط فهو بعيد اذ لا وجه للتفكيك خصوصا في النماء المتصل.

مضافا الي عدم معهودية كون حدوث النماء من المملكات في الشريعة المقدسة و ان قلنا بأن حدوث النماء مملك للاصل و النماء اما بالاصالة في كليهما و اما بالاصالة بالنسبة الي العين و بالتبع بالنسبة الي النماء فهو غريب و ينافي مع قولهم بعدم حصول الملك الا بعد التصرف المتوقف علي الملك كالوطي مثلا.

و أجاب الشيخ قدس سره عن هذا المورد بجوابين الاول: ان النماء كالاصل لا يكون ملكا للآخذ نعم يجوز له التصرف كما يجوز له التصرف في الاصل.

الثاني: انه يمكن أن يكون إباحة التصرف في العين موضوعا لحكم الشارع بحدوث النماء في ملك المباح له.

و أورد سيدنا الاستاد علي كلا الوجهين أما الاول فلان المالك الاصلي اذا لم يأذن في التصرف في النماء فما وجه جوازه؟ و أما الثاني فلانه لا وجه لحدوث الملكية بعد عدم حصول مملك لاصله و لا نمائه و لا لهما.

و أفاد في مقام الجواب عن الاشكال وجهين آخرين

و قال: يجاب عن الاشكال المذكور بهما علي نحو المنفصلة الحقيقية.

الوجه الأول: ان الاذن في التصرف في شي ء اذن في التصرف في توابعه عرفا.

الوجه الثاني: ان المعاطاة بيع حقيقي و يراد بها التمليك كبقية موارد البيوع غاية الامر الاجماع قائم علي عدم تحقق الملكية و القدر المتيقن من الاجماع ما قبل حدوث النماء فلا يشمل الاجماع بعده

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 46

فنرفع اليد عن مقتضي البيع بهذا المقدار و أما الزائد عليه فيبقي بحاله.

و يرد علي الوجه الأول الذي أفاده ان المفروض ان المالك الاصلي لم يبح التصرف بل ملك العين و ربما لم يخطر بباله التصرف في العين كي يبيح أو لا يبيح مضافا الي أنه يري نفسه اجنبيا عن العين بعد البيع فلا موضوع للتقريب المذكور.

اضف الي ذلك ان كون الاذن في التصرف في عين اذن عرفا في التصرف في توابعه اوّل الكلام و الاشكال مثلا لو اذن المالك أن يتصرف فلان في ناقته بأن يركبه هل يكون اذنا في شرب لبنها أيضا.

و يرد علي الوجه الثاني ان المفروض ان المالك ملك العين من حين العقد و المفروض عدم تحقق ما قصده و بعبارة اخري: قام الاجماع علي تخلف العقد عن القصد فالالتزام بالملك من زمان حدوث النماء يحتاج الي الدليل و ببيان آخر: المالك قصد خروج العين من ملكه من زمان العقد و مقصوده لم يحصل و لم تخرج العين عن ملكه و لا مقتضي لخروجها بعد ذلك فالالتزام به يحتاج الي قيام دليل عليه.

و علي الجملة: ما افاده دام ظله في غاية الغرابة فالاولي أن يقال:

اذا اقتضي الدليل نلتزم بمفاده و الحكم الشرعي تابع لدليله و لا يكون

للعقل سبيل الي الرد و الايراد فيه.

المورد الثامن: قصر التمليك علي التصرف مستندا الي اذن المالك في التمليك

فيلزم كون الاخذ بالمعاطاة موجبا و قابلا مضافا الي أن التصرف المأذون فيه يتحقق بالقبض فلا وجه لتأخر الملكية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 47

عن زمان القبض بل القبض أولي بالتأثير لاقترانه باذن المالك بخلاف غيره.

و فيه انه لا محذور في اتحاد الموجب و القابل مضافا الي أنه مع اقتضاء الادلة نلتزم بأن التصرف بنفسه يقتضي الملكية كي لا يتوجه اشكال اتحاد الموجب و القابل و أما القبض فلا مجال لقياسه بالتصرفات المملكة لان القبض لا يتوقف علي كون المقبوض مملوكا للقابض بخلاف الوطي و نحوه فان الوطي يتوقف علي كون الموطوءة مملوكة للواطي فانه لا وطئ الا في ملك كما انه لا بيع الا في ملك.

«قوله قدس سره: أوفقها بالقواعد هو الاول … »

ان الماتن قدس سره بعد اختياره اللزوم في المعاطاة استدل علي مختاره بوجوه
الوجه الأول: استصحاب الملكية بعد الفسخ فان مقتضاه بقاء الملكية بعد الفسخ.

ان قلت: لا مجال للاستصحاب لان الامر دائر بين الفرد القصير الزائل بالفسخ و الفرد الطويل الباقي بعد الفسخ و مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الفرد الطويل. و ان شئت قلت: ان كان الفرد الذي وجد في الخارج هو الفرد القصير فهو زائل بلا كلام و ان كان هو الفرد الطويل فهو باق لكن حيث انه مشكوك الحدوث يجري فيه استصحاب عدم تحققه و عدم وجوده فمقتضي ضم الاصل الي الوجدان احراز عدم بقاء الملكية.

قلت: هذا التقريب غير تام فان الملكية لا تنقسم الي الجائزة و اللازمة بل الجواز و اللزوم من أحكام الملك لا من أنواعه. و بعبارة واضحة: الاستصحاب الذي مورد البحث في المقام الاستصحاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 48

الشخصي لا الاستصحاب الكلي.

ان قلت: نشك في بقاء العلقة للمالك الاول و عدمه و مقتضي الاستصحاب بقائها فله استرجاع العين بتلك العلاقة الباقية.

قلت: لا نتصور

للمالك الاول علقة بالنسبة الي العين غير الملكية الزائلة بالبيع فلا موضوع لاستصحابها بل مقتضي الاستصحاب عدم تحقق العلقة غير العلقة الملكية الزائلة نعم يمكن ثبوت الخيار له بجعل الشارع و لكن الخيار علي فرض وجوده حق جديد يحدث بعد البيع.

ان قلت: يمكن جريان الاستصحاب في حق الاسترجاع قلت: ظهر الجواب مما ذكرنا فان حق الاسترجاع ان كان فهو يحدث بعد البيع و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه و ان شئت قلت: أن وجوده قبل البيع أيضا مشكوك الحدوث و مقتضي الاستصحاب عدمه.

ان قلت: ان الملكية ذات مراتب و بعض مراتبها زال بالبيع و شك في بقاء بعضها الاخر و مقتضي الاستصحاب بقائه.

قلت: أولا: لا نتصور مراتب للملكية و ثانيا: نسلّم كونها ذات مراتب و لكن نقول اعتبار كل مرتبة مغاير مع الاعتبار الاخر و ان شئت قلت: كل مرتبة منها منوط باعتبار تلك المرتبة و بدون الاعتبار لا توجد و المفروض ارتفاع تلك المرتبة العليا و اما غير تلك المرتبة فلا دليل علي تحققها بل مقتضي الاستصحاب عدم تحققها.

ان قلت لا اشكال في انتفاء الملكية لكن السلطنة علي المال و قدرته علي التصرف في العين غير الملكية و الاستصحاب يجري في بقاء تلك السلطنة.

قلت: هذه السلطنة موضوعها الملك فلا مجال لبقائها بعد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 49

زوال الملك فلاحظ و علي الجملة مقتضي الاستصحاب بقاء ذلك الملك الشخصي كبقية موارد الاستصحابات الشخصية.

و لو سلم ما ذكر من دوران الامر بين القصير و الطويل نقول: لا مانع من جريان الاستصحاب الجامع بين الفردين فانه قد حقق في الاصول جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي.

ان قلت: لا مجال للاستصحاب الكلي اذ

امر الكلي دائر بين مقطوع الانتفاء و مشكوك الحدوث و بعبارة اخري: وجود الكلي عين وجود الفرد و المفروض ان الفرد مردد بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث.

قلت: الكلي ليس عين الفرد بل الكلي موجود بوجود الفرد و بعبارة اخري: الفرد و الكلي كلاهما موجودان في الخارج و حيث نقطع بتحقيق الكلي في الخارج و نشك في بقائه و زواله يكون موضوع الاستصحاب تاما و لا مانع من جريانه.

مضافا الي أنه نسلم ان الكلي عين الفرد لكن نقول: لا اشكال في تحقق فرد في الخارج و لا اشكال في الشك في بقائه فيجري الاستصحاب لتمامية اركانه.

ان قلت: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه فلا تصل النوبة الي جريان الاصل في الكلي.

قلت: الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في أن الفرد الذي وجد هو الطويل أو القصير و لا مجال لتشخيصه مضافا الي أن التسبب المذكور عقلي لا شرعي و لا دليل علي اعتبار الاصل المثبت و مع الاغماض عن هذا يكون جريان الاصل في كل طرف يعارض بجريانه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 50

في الطرف الاخر فانه علي هذا الاساس يمكن أن يقال: مقتضي الاصل عدم حدوث الفرد القصير فالكلي باق ببقاء الفرد الطويل و بعد التعارض تصل النوبة الي استصحاب الكلي الجامع بين الفردين و لعل الشيخ قدس سره اشار الي ما ذكر من الاشكال مع جوابه بقوله «فتأمل».

ثم انه افاد الشيخ بأنه لو سلمنا عدم جريان الاستصحاب في الكلي و يختص جريان الاستصحاب بالشخصي لكن يكفي للجريان الشك في أن اللزوم و الجواز من أحكام الملك أو من خصوصيات السبب.

و

وجهه الميرزا النائيني- علي ما نقل عنه- بأن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية غير جائز و لكن يجوز فيما يكون المخصص عقليا و في المقام كذلك اذ عدم جريان الاستصحاب فيما يدور الامر بين الفرد الطويل و الفرد القصير فان الامر دائر بين مقطوع الزوال و مشكوك الحدوث فلو شك في فرد انه داخل في هذا القسم أم لا؟ لا يكون مانع من الجريان اذ المفروض ان المخصص عقلي و يقتصر فيه علي القدر المتيقن.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن هذا التقريب انما يصح فيما نحرز كون فرد من أفراد العام و نشك في خروجه عن تحت حكمه كما لو قال المولي لعن اللّه بني امية و علمنا من الخارج انه لا يشمل اللعن المؤمن منهم فلو علمنا بكون فرد من بني امية و شككنا في ايمانه يمكن الاخذ بعموم العام و أما اذا لم نحرز كونه من العام فلا مجال للاخذ بعموم العام و ما نحن فيه كذلك اذ مع الشك المذكور لا نحرز كون المورد من موارد نقض اليقين بالشك فلا مجال للاستصحاب.

ثم ان الشيخ قدس سره أيد عدم كون اللزوم و الجواز من خصوصيات الملك بأن المحسوس عدم الفرق بين الهبة اللازمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 51

و الجائزة ثم قال: ان قلنا بأن اللزوم و الجواز و ان كانا من خصوصيات الملك فاما يكون التخصيص بجعل المالك و اما بحكم الشارع أما علي الاول فلازمه ان لزوم العقد و جوازه لا بد أن يكونا منوطين بقصد المالك الرجوع و عدم قصده و هو بديهي البطلان و أما علي الثاني فيلزم انتقاض كون العقود تابعة للقصود.

ان قلت: قد سبق انه

ترفع اليد عن القاعدة المذكورة في المعاطاة انتصارا للقائل بالإباحة فأيضا ترفع اليد عن تلك القاعدة في المقام.

قلت: قاعدة اللزوم اي استصحاب الملك بعد الفسخ تشمل العقود اللفظية و بجريانها في العقود اللفظية يثبت عم تنوع الملك بحكم الشارع و عدم الاختلاف في السبب في وعاء الشرع و بعد ثبوت المدعي في العقود اللفظية يثبت في المعاطاة بعدم القول بالفصل فالنتيجة: انه لو شك في أن العقد الفلاني جائز أو لازم تكون اصالة اللزوم محكمة كما انه لو شك في أن ما وقع في الخارج عقد لازم أو جائز يحكم باللزوم لاصالة لزوم كل عقد.

«قوله قدس سره: نعم لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة … »

يمكن أن يكون المراد من العبارة انه تارة يدعي أحدهما جواز العقد و ثبوت الخيار فمن يدعي كون العقد هبة يكون مرجع دعواه الي أن له الخيار و من يدعي ان العقد صلح ينفي الخيار و حكم هذه الصورة ان المنكر للخيار ان يحلف فانّ قوله موافق للاصل و علي مدعي الخيار اقامة البيّنة و أما لو ادعي كل واحد منهما عقدا بخصوصه بحيث يكون المنظور اثبات ذلك الخاص يدخل المقام في باب التداعي و حكمه التحالف فيحتمل أن يكون من القسم الأول و يحتمل أن يكون من القسم الثاني فان كان داخلا في القسم الأول يدخل في باب المدعي و المنكر و ان كان داخلا في القسم الثاني

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 52

يدخل في باب التداعي فتحقق التحالف في الجملة لا بالجملة هكذا ينبغي أن يفسر هذه العبارة.

و يرد علي الشيخ قدس سره أولا: ان مرجع النزاع بين كون العقد هبة أو صلحا الي اثبات الخيار

و عدمه و بعبارة اخري: المدعي لكون العقد هبة في مقام اثبات الخيار و المدعي لاثبات كونه صلحا في مقام نفي الخيار فيكون مدعي الهبة مدعيا و مدعي الصلح منكرا و لا مجال للتحالف.

و ثانيا: انه سلمنا كون كل واحد مدعيا لكن مع ذلك لا يصل الامر الي التداعي لان مقتضي الاصل عدم كون العقد الواقع في الخارج هبة فلا خيار.

و بعبارة اخري: اصالة عدم كون العقد الواقع في الخارج هبة يترتب عليها عدم الخيار بلا وساطة واسطة و أما اصالة عدم كونه صلحا فلا يترتب عليها الخيار الاعلي تقدير اثبات كون الواقع في الخارج هبة و من الظاهر انه لا دليل علي الاصل المثبت فلاحظ.

و المتحصل مما تقدم انه لا مانع عن التمسك باستصحاب اللزوم لا ثبات عدم كون المعاطاة خياريا لكن الذي ذكرنا من حيث الاقتضاء و مع قطع النظر عن ابتلاء الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي باستصحاب عدم جعل الزائد و أما بلحاظه فلا مجال له اذ بالمعارضة يسقط كلا الاستصحابين فلا تغفل.

الوجه الثاني: قاعدة السلطنة

المستفادة من قوله صلي اللّه عليه و آله: ان الناس مسلطون علي اموالهم «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث: ان المعاطاة مفيدة للملكية و الملكية لا تنفك عن السلطنة الفعلية و مقتضي السلطنة أن لا يمكن

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 272 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 53

لاحد أن يزاحم من له السلطنة فلا يكون لاحد أن يخرج الملك عن ملك مالكه.

ان قلت: ان السلطنة عارضة علي الملك و لا تنافي بين هذه السلطنة و خروج الملك عن الملكية باعمال الخيار. لا يقال: بعد اعمال الخيار و الفسخ يشك في زوال الملكية و عدمه و بالاستصحاب يحكم

ببقائها فانه يقال: هذا رجوع عن الاستدلال بالرواية و قاعدة السلطنة الي الاستصحاب.

قلت: السلطنة المطلقة علي المال تمنع عن تأثير اعمال الخيار و الفسخ. و يرد علي الاستدلال أولا: ان مدرك الاستدلال عبارة عن المرسلة المشار إليها و المرسل لا اعتبار به و ثانيا انه قد قلنا سابقا ان مفاد الحديث عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله و هي التصرفات التي قد ثبت في الشرع جوازها.

و بعبارة اخري: لا تكون قاعدة السلطنة مشرعة فلا يدل الحديث علي مشروعية كل تصرف و ان لم يثبت كونه مشروعا في الرتبة السابقة كما انه لا يدل علي عدم تأثير الفسخ فالحديث قاصر عن افادة المدعي سندا و دلالة فلاحظ.

و بما ذكر ظهر انه لا مجال للاستدلال بالحديث علي لزوم القرض بعد القبض كما استدل به المحقق قدس سره في الشرائع- علي ما نقل عنه- فان الحديث المذكور لا يكون قابلا للاستدلال لا سندا و لا دلالة.

الوجه الثالث: قوله صلي اللّه عليه و آله في حديث سماعة

عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال من كانت عنده امانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 54

امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه «1».

بتقريب انه لا يجوز التصرف بأي نحو في مال الغير الا باذنه و من الظاهر ان تملك مال الغير من انواع التصرف فيه و عدم جواز التملك معناه عدم تأثيره شرعا.

ان قلت: الحكم دائر مدار موضوعه و المفروض ان بقاء الملكية بعد الفسخ مشكوك فيه. قلت: مقتضي التقريب الذي ذكرنا ان نفس التملك ممنوع شرعا فلا تصل النوبة الي الاشكال المشار إليه.

و لكن الاستدلال

بالحديث بالتقريب المتقدم مخدوش من ناحية اخري و هي ان عدم الحل تعلق في الحديث بالمال و لا يعقل تعلق الحرمة بالمال عينا كان أو منفعة الا بتقدير ما يناسب الحرمة و الظاهر بحسب الفهم العرفي انه تحرم التصرفات الخارجية التي تقع في الاعيان و عليه لا يرتبط الحديث بما نحن بصدده.

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

«2» فان للاستدلال بالآية الشريفة علي لزوم المعاطاة تقريبين: الاول انه يستفاد من جملة المستثني حصر سبب التملك في التجارة عن تراض و حيث ان تملك مال الغير بالفسخ ليس داخلا في التجارة عن تراض لا يمكن أن يكون سببا للتملك.

و بعبارة اخري: الفسخ ليس مشمولا للتجارة عن تراض فلا يجوز التملك به شرعا و لا مجال للتوهم المتقدم و هو ان بقاء المال في ملك مالكه بعد الفسخ اوّل الكلام اذ قد فرض ان التملك منحصر

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.

(2) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 55

بالتجارة فلا يتحقق بالفسخ فلا مجال لان يشك في بقاء المال في ملك مالكه.

الثاني: ان يستدل بجملة المستثني منه بتقريب ان المستفاد من الآية النهي عن التملك بالباطل و حيث ان الفسخ من طرف واحد مستقلا باطل عرفا فلا يجوز و لا يصح.

و أورد عليه سيدنا الاستاد بأن الاستدلال المذكور مبني علي أن يكون المراد بالباطل، الباطل العرفي و الحال ان المراد به الباطل الواقعي و حيث انه لا ندري ان الفسخ باطل واقعي أم لا لا يمكن التمسك بالآية لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية.

و فيه انه ما المراد من الباطل الواقعي فان الباطل من الامور التي تختلف فيه الانظار مثلا البيع الربوي باطل في نظر

الشارع و صحيح في نظر العقلاء الذين لا يعتقدون بالشريعة.

مضافا الي أن الخطاب الي العرف و الظاهر ان المراد بكلمة «الباطل» الباطل العرفي فعليه لا مانع من التمسك بالجملة الاولي أيضا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا … »

الظاهر ان الوجه فيه ان التملك و نقل مال الغير الي نفسه يتوقف علي التجارة عن تراض و المفروض ان الفسخ ليس تجارة عن تراض فلا مجال لاحتمال انتقال المال الي الفاسخ.

«قوله قدس سره: لان حصر مجوز اكل المال … »

ربما يتوهم كما هو الظاهر من العبارة ان العلة المذكورة علة لقوله «و التوهم المتقدم غير جار هنا» و لكن الظاهر ان الامر ليس كذلك لعدم ارتباط بين الامرين بل هذا جواب عن اشكال و هو انه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 56

لو قيل: ان جواز التصرف لا ينحصر بالتجارة بل يجوز التصرف في مال الغير باباحة المالك أو باباحة الشارع كما في المارة فانه يقال:

الكلام في التصرف و الاكل الذي يكون المأكول ملكا للآكل اقول:

الاكل في الآية الشريفة عبارة عن التملك، و التصرف في مال الغير بالإباحة المالكية أو الشرعية، يباين التملك فلا ربط بين المقامين فلا مجال للايراد المذكور فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لذا كان اكل المارة من الثمرة الممرور بها … »

قد ظهر بما ذكرنا انه لا مجال للنقض بأكل المارة فان المار، يجوز له أن يأكل من الثمرة الممرور بها و الكلام في التملك نعم النواقل الشرعية كما في حق الشفعة و الخيار مصاديق للاكل و مع ذلك لا تكون باطلة لكونها مأذونة من قبل الشارع.

الوجه الخامس: لإثبات اللزوم عند الشك فيه و الجواز قوله عليه السلام،

في رواية فضيل عن أبي عبد اللّه عليه

السلام في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضاء منهما «1» فان الحديث المذكور يدل علي أن كل بيع يصير لازما بعد افتراق المتبايعين.

الوجه السادس: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«2» فان الآية الشريفة تدل علي لزوم كل عقد بيعا كان أو غيره لفظيا كان أو غيره فان الوفاء عبارة عن الاتمام و لذا يقال: الدرهم الوافي أي الدرهم التام و من الظاهر ان عدم الوفاء و عدم الاتمام و الفسخ لا تكون محرمة شرعا.

و بعبارة اخري: فسخ العقد لا يكون من المحرمات الالهية فالامر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 3.

(2) المائدة/ 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 57

بالوفاء ارشاد الي اللزوم و يكون المراد ان العقد لا ينفسخ بالفسخ فلا تفسخ.

الوجه السابع: قوله عليه السلام: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فلا يجوز

«1». بتقريب: ان الشرط عبارة عن مطلق الالتزام فيكون الالتزام البيعي من الشروط و يجب الوفاء به فلا يجوز الفسخ.

و يرد عليه ان الشرط علي ما يظهر من اللغة و من موارد استعمالاته عبارة عن ارتباط احد الامرين بالآخر فالالتزام الابتدائي لا يصدق عليه عنوان الشرط.

و أورد سيدنا الاستاد علي الاستدلال بالحديث اشكالا آخر و هو ان الظاهر من الحديث ان المراد منه الالتزامات الفعلية أي الالتزامات التي تتعلق بالافعال فوزان الحديث وزان قوله عليه السلام «المؤمن عند عدته» فلو سلم صدق الشرط علي الالتزام الابتدائي لا يشمل الالتزام الوضعي كالبيع و الاجارة و نحوهما.

و ما أفاده دام ظله غير تام اذ لا وجه للتقييد بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المقامين نعم يشكل الامر من ناحية اخري و هي ان الالتزامات الوضعية لها اسباب خاصة و تحققها بالاشتراط يحتاج الي الدليل مثلا لو اشترط في ضمن البيع أن يكون الملك الفلاني مملوكا للمشتري و التزم به فان قلنا ان الهبة لا تتوقف علي صيغة خاصة نلتزم بتحققها.

و الذي يدل علي تمامية المدعي ان الاصحاب و منهم سيدنا الاستاد

قائلون بأنه يصح شرط النتيجة و الشرط عبارة عن الالتزام العقدي أو الايقاعي فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث: 2

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 58

فتحصل مما تقدم ان مقتضي القواعد كون المعاطاة مقيدة للملكية اللازمة
اشارة

و رفع اليد عن القواعد و الالتزام بالجواز فيها يتوقف علي قيام دليل عليه

و ما قيل في هذه المقام وجوه.
الوجه الأول: ما نقل عن صاحب الغنية من دعوي الاجماع علي عدم كون المعاطاة بيعا

فانه لو اريد من هذه الجملة ما ظاهرها اي تكون المعاطاة خارجة عن دائرة البيع و لا يصدق عليها عنوان البيع فبطلان الدعوي المذكورة أوضح من أن يخفي و لو اريد من الجملة نفي لزومها فيدخل الوجه الأول في الوجه الثالث.

الوجه الثاني: الشهرة الفتوائية علي عدم لزوم المعاطاة

و قد تحقق في محله عدم حجيتها.

الوجه الثالث: الاجماع:

و فيه ان الاجماع المنقول غير حجة و أما المحصل منه فعلي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة أيضا فالنتيجة عدم تمامية الوجوه المذكورة لاثبات المدعي.

«قوله قدس سره: و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار … »

الظاهر من العبارة انه يظهر من بعض الاخبار اعتبار اللفظ في إنشاء البيع فيمكن أن يكون ناظرا الي ما ورد في بيع المصحف لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن بيع المصاحف و شرائها فقال لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل اشتري منك هذا بكذا و كذا «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة اشتراط الصيغة في صحة البيع.

و يمكن أن يكون ناظرا الي ما ورد في بيع أطنان من قصب لاحظ ما رواه بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 59

من رجل عشرة آلاف طن قصب في أتبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة و الانبار فيه ثلاثون ألف طن فقال البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري قد قبلت و اشتريت و رضيت فاعطاه من ثمنه الف درهم و وكل المشتري من يقبضه فاصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع «1».

و يمكن أن يكون ناظرا الي النصوص الدالة علي حصر المحلل و المحرّم

في الكلام لاحظ ما رواه ابن الحجاج، قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء ترك و ان شاء أخذ؟ قلت: بلي قال لا بأس به انما يحلل الكلام و يحرم الكلام «2».

«قوله قدس سره: بل يظهر منها ان ايجاب البيع باللفظ دون مجرد التعاطي كان متعارفا بين اهل السوق و التجار».

لاحظ ما رواه بريد «3» و علي جميع التقادير لا يتم ما أفاده فان هذه النصوص لا تكون في مقام بيان كيفية إنشاء البيع كي يقال: ان المستفاد منها اشتراط كون إنشاء البيع باللفظ فان الحديث الوارد في بيع المصحف اريد منه ان البيع يلزم أن لا يقع علي نفس القرآن كما أن الحديث الوارد في بيع الاطنان من القصب في مقام بيان انه لو باع الكلي في المعين و تلف من المبيع مقدار ما حكمه؟ و من ناحية اخري بيع الكلي في المعين كعشرة آلاف طن لا بد ان يبين باللفظ.

______________________________

(1) التهذيب ج 7 ص 126 الحديث 20.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

(3) قد تقدم آنفا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 60

و علي الجملة: لا يستفاد من هذا الحديث اشتراط البيع بكونه لفظيا و أما حديث خالد بن الحجاج فهو ضعيف سندا مضافا الي أنه قد فرض فيه الكلام فقال عليه السلام: الكلام المفروض ان كان بعنوان المقاولة فلا بأس و ان كان علي نحو المعاملة فلا يجوز كما ان المتعارف الخارجي علي فرض تسلمه لا يكون دليلا علي لزوم اللفظ.

و يستفاد من الشيخ انه لو كان دليل لفظي دالا علي الاشتراط

كان الانسب أن يستدل به و الحال انه استدل بالسيرة و الاجماع و الشهرة فلاحظ.

و يمكن أن يكون ناظرا الي ما ذكره آنفا من قوله أم وجد و لكن لم ينشأ به بل كان من جملة القرائن علي قصد التمليك بالتقابض و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار الخ فيفهم من هذه الجملة انه يظهر من الاخبار ان اللفظ يكون قرينة علي المراد لا أن الاخبار تدل علي الاشتراط.

«قوله قدس سره: بل يمكن دعوي السيرة … »

يرد عليه ان الامر ليس كذلك فان السيرة الجارية في زماننا ليست كذلك فان السيرة جارية علي مجرّد التعاطي و علي فرض تحقق السيرة لا أثر لها فان مجرد جريان السيرة علي أمر في الخارج لا تدل علي الوجوب و اللزوم فالادلة الدالة علي كون المعاطاة تفيد الملكية اللازمة محكمة.

اضف الي ذلك ان المستفاد من كلامه ان السيرة جارية علي عدم الاكتفاء بالمعاطاة في بيع الامور الخطيرة اي لا يرون تحقق النقل و الانتقال بها فيها فكان المعاطاة الواقعة في الامور الخطيرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 61

باطلة و الحال ان الكلام في لزوم المعاطاة لا في صحتها.

«قوله قدس سره: بل ينكرون علي الممتنع … »

ليس الامر كذلك بل الانكار علي الرد و الفسخ و بعبارة اخري:

يرون الفسخ من طرف واحد و الاستبداد به أمرا مستنكرا و لا يقبلون و هذا العرف و سوقهم فلاحظ.

[بقي الكلام في الخبر الّذي يتمسك به في باب المعاطاة]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام في الخبر الّذي يتمسك به في باب المعاطاة»

و هو ما رواه ابن الحجاج «1».

«قوله قدس سره: الاول أن يراد من الكلام في المقامين اللفظ»

اساس الاستدلال بالحديث علي المدعي هذا الوجه بأن يكون المراد من الحديث

ان المحلل و المحرم منحصران في اللفظ فلا يحل شي ء و لا يحرم الا باللفظ فلا اثر للفعل في التحليل و التحريم و منه المعاطاة فلا يترتب عليها أثر من حيث الحلية و الحرمة.

و يرد علي الاستدلال بالرواية علي المدعي أولا ان الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به فان خالد بن الحجاج لم يوثق.

ان قلت: ان عمل المشهور به يجبر ضعفه قلت: يرد عليه أولا:

ان عمل المشهور به اوّل الكلام و الاشكال.

و ثانيا: انه قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بالحديث الضعيف لا يكون جابرا لضعفه فالحديث من حيث السند لا يكون قابلا للاستدلال به.

و ثانيا: انه لا يرتبط الحديث بالمدعي فان المستفاد من الحديث

______________________________

(1) لاحظ ص: 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 62

ان ايجاب البيع يحرم و المقاولة عليه يحلل فيكون الحديث من حيث المفاد اجنبيا عن المدعي.

و ثالثا: انه كيف يمكن الالتزام بحصر المحلل و المحرم في الكلام و الحال ان تحقق التحليل و التحريم بغير اللفظ كثير جدا.

و أليك جملة منها فمنها اذا تنجس المأكولات و المشروبات محرم و تطهيرها محلل و صيرورة العصير خمرا محرم و تخليلها محلل و غليان العصير العنبي محرم و ذهاب ثلثيه محلل و جلل الحيوان محرم و استبرائه محلل و خلط المال الحلال بالحرام محرم و تخميسه محلل و وطئ الحيوان محرم و وطئ المرأة محرم لتزويج بنتها و الايقاب بالغلام محرم لتزويج أمه و بنته و اخته و التصرف في الاراضي المتسعة و الانهار الكبار جائز مع عدم محلل لفظي و كذلك الاكل من الشجرة الممرور بها.

و أيضا يجوز التصرف في أموال الناس مع احراز رضاهم و لو من القرائن و أيضا يجوز

الاكل من بيوت الاصدقاء و جملة من الارحام الي غيرها من الموارد و أيضا نقل الاتفاق من العامة و الخاصة علي جواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة فانه لا يتوقف التحليل في هذه الموارد علي محلل لفظي فالتحليل غير اللفظي أمر كثير.

«قوله قدس سره: الثاني أن يراد بالكلام اللفظ مع مضمونه»

فيكون المراد ان المضمون الواحد اذا ابرز بلفظ كذائي يكون محللا و الا يكون محرما فان المتعة لو ابرزت بلفظ متعتك نفسي يحصل الحلية و الا فلا و هذا الاحتمال لا يناسب مع مورد السؤال كما هو ظاهر لمن يتأمل في الحديث.

«قوله قدس سره: منها ما في التهذيب»

لاحظ ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 63

عن الرجل يزارع فيزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا فانّما يحرم الكلام «1».

«قوله قدس سره: الثالث أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد»

و هذا الاحتمال يناسب مورد السؤال في الرواية كما في كلام الشيخ قدس سره فيكون المراد ان وجود إنشاء البيع محرم و عدمه محلل.

و أورد عليه سيدنا الاستاد أولا بأن الظاهر من هذه الجملة ان المحلل و المحرم منحصر ان في الكلام اي منحصران في الكلام الموجود و بعبارة واضحة: ان وجود الكلام محلل كما ان وجود الكلام محرم لا أنّ وجود الكلام محلل أو محرم و عدمه محلل أو محرم و ثانيا ان الالتزام به يستلزم التفكيك بين الجملتين و بين الفقرتين و هو موجب لصيرورة الكلام مستهجنا هذا كلامه.

اضف الي ذلك ان بقاء كل عين في ملك مالكه ببقاء علته لا بعدم علة

ضده كما ان الايجاب المتعلق بما ليس عنده لا يكون محرما بل المحرم عدم تحقق الايجاب الصحيح لا تحقق الايجاب الفاسد.

الا أن يقال: انه لا بد منه و بعبارة اخري: قوله عليه السلام انما يحرم الكلام الخ لا ينطبق علي مورد السؤال الا بهذا النحو بأن نقول المقاولة محللة أي لا توجب الحرمة و ايجاب البيع محرم اذ يوجب التصرف في مال الغير بلا سبب شرعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة»

بأن نقول المراد من تلك الروايات ان الاتيان باللفظ علي النحو

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب المزارعة الحديث 6.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 64

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 64

الخاص المفسد للقصد محرم و عدم الاتيان به محلل.

«قوله قدس سره: الرابع: أن يراد من الكلام المحلل خصوص المقاولة»

و هذا الاحتمال ظاهر من الرواية و منطبق علي مورد السؤال فيها فلا يرتبط الحديث بمسألة المعاطاة.

«قوله قدس سره: نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع بوجه آخر»

و حاصل كلام الماتن انه يستفاد الحصر بوجه آخر و هو ان المستفاد من الرواية ان المحلل و المحرم منحصران في الكلام و مع صحة المعاطاة لا يصح الحصر هذا حاصله كلامه.

و يرد عليه أولا ان ما افاده عين الوجه الأول من الوجوه الاربعة التي ذكرها و ليس شيئا جديدا و ثانيا ان الحصر اضافي أي الرواية ناظرة الي مورد السؤال و قد فرض في مورد السؤال وجود الكلام فلا تدل الرواية علي الانحصار علي نحو الاطلاق و

لعله اشار الي ما ذكرناه بقوله «فتأمل» و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: اذ المفروض ان المبيع عند مالكه الاول»

و أورد عليه سيدنا الاستاد أولا بأن المتاع عند الدلال بقرينة قول المشتري اشتر هذا و اشار الي الثوب فالثوب حاضر.

و يرد عليه انه يمكن أن يشير المشتري الي الثوب الموجود عند مالكه في دكانه فلا يتوجه ايراده علي الشيخ.

و أورد عليه ثانيا بأنه يكفي لتحقق المعاطاة وجود الثمن وحده و لا تتوقف المعاطاة علي وجود المبيع و بعبارة اخري: تتحقق المعاطاة باعطاء الثمن من قبل المشتري و اخذه من قبل البائع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 65

و يرد عليه ان ايجاب البيع قائم بالبايع فما دام لم يتحقق الايجاب لا مجال لتحقق القبول و عليه لا اثر لاعطاء الثمن قبل اعطاء المبيع لان اعطاء الثمن لا يمكن أن يكون ايجابا كما هو ظاهر فلا بد من كونه قبولا و من الظاهر ان القبول متفرع علي الايجاب فلا يتم الامر باعطاء الثمن فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لتوضيح المدعي و ترتيب البحث نقول

ما يمكن ان يذكر لاشتراط اللفظ في العقود و عدم صحة المعاطاة وجوه.
الوجه الأول: الشهرة الفتوائية

و قد ثبت في بحث الشهرة عدم اعتبارها فلا يترتب اثر عليها.

الوجه الثاني: الاجماع المنقول

و فيه انه قد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه.

الوجه الثالث: حديث خالد بن الحجاج

«1» و قد مرّ الكلام حوله و قلنا انه غير معتبر سندا مضافا الي عدم تماميته دلالة فراجع ما ذكرناه حول الحديث.

الوجه الرابع: النصوص الواردة في النهي عن بيع المصحف

«2» و قد ذكرنا عدم ارتباط تلك النصوص بالمقام فراجع ما ذكرناه.

الوجه الخامس: ما ورد في بيع اطنان من القصب

لاحظ ما رواه بريد بن معاوية «3» و قد ذكرنا عدم ارتباط بين الحديث و بين المقام فراجع ما ذكرناه.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 59.

(2) قد تقدم في ص 59.

(3) قد تقدم في ص 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 66

الوجه السادس: جملة من النصوص الواردة في المزارعة

و قد استدل الامام عليه السلام بجملة انما يحرم الكلام و انما يحلل الكلام منهما ما رواه الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزرع الارض فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي شيئا فانما يحرم الكلام «1».

و منها ما رواه سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يزارع فيزرع ارض آخر فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا قال لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام «2».

و منها ما رواه أبو الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الرجل يزرع ارض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر فقال: لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الارض أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط و لا يسمّي بذرا و لا بقرا فانما يحرم الكلام «3».

و هذه الطائفة من النصوص لا ترتبط بالمقام كما تقدم.

الوجه السابع: ما يدل من النصوص الدالة علي النهي عن بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة

«4» بتقريب ان النهي عن المذكورات بلحاظ عدم اللفظ و فيه أولا ان السند مخدوش و ثانيا انه يمكن أن يكون الوجه فيه الجهالة مضافا الي أنه يكفي عدم العلم بوجه الفساد فالنتيجة عدم تمامية دليل علي المطلوب و مقتضي الادلة العامة كون المعاطاة كالبيع اللفظي في كونها مفيدة للملكية اللازمة فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب المزارعة الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 10.

(4) مصباح الفقاهة ج 2 ص 154.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 67

«قوله قدس سره: كما يشعر به قوله عليه السلام … »

لاحظ ما رواه

يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قال لي: اشتر هذا الثوب و هذه الدابة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها «1».

لا اشعار في الرواية علي المدعي اذ غاية ما يستفاد منها ان مورد السؤال ايجاب البيع باللفظ و لا اشعار فيه علي لزوم اللفظ في إنشاء البيع مضافا الي عدم دلالة في الرواية علي وقوع البيع باللفظ و الظهور المدعي في كلام الماتن عهدة اثباته عليه.

«قوله قدس سره: و يشعر به أيضا رواية العلاء»

قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يبيع البيع فيقول:

ابيعك بده دوازده أو ده يازده فقال: لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة «2».

قد ظهر ما في كلامه مما ذكرناه آنفا فان مورد الحديث فرض فيه الانشاء باللفظ و هذا لا يدل علي عدم كفاية المعاطاة كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: و في صحيحة ابن سنان … »

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ثم توجبه علي نفسك ثم تبيعه منه بعد «3» و الكلام فيه هو الكلام فلاحظ.

[و ينبغي التنبيه علي أمور]
[الأول الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم]

«قوله قدس سره: الاول الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم … »

ملخص ما افاده انه ان قلنا: ان المعاطاة تفيد الملكية الجائزة

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 13.

(2) الوسائل الباب 14 من ابواب أحكام العقود الحديث 5.

(3) عين المصدر الباب 8 من هذه الابواب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 68

تشترط فيها شرائط البيع و الوجه فيه انها

من مصاديق البيع فلا بد من رعاية شرائط البيع فيها و أما ان قلنا بكونها مفيدة للاباحة لا الملك فتارة نقول: المعاطاة المقصود بها الملك تفيد الاباحة و اخري نقول: المعاطاة المقصود بها الاباحة تفيدها أما علي الاول فلا بد من رعاية جميع شرائط البيع فيها اذ المعاطاة علي هذا القول بيع عرفي و الشارع الاقدس لم يرتب الملكية عليها فلا بد من اجتماع الشرائط فيها كي تحصل الاباحة بدل الملكية.

و بعبارة واضحة: الدليل قائم علي ترتب الاباحة علي المعاطاة التي تكون بيعا ففي الحقيقة هي مصداق للبيع غاية الامر يختلف الاثر عن المؤثر في حكم الشارع و أما علي الثاني فلا ترتبط بالبيع بل تكون داخلة في الاباحة بالعوض.

و أفاد الشيخ قدس سره: لا بد في نفي القيود المحتملة و الشرائط الممكنة من التمسك بقاعدة السلطنة المستفادة من الرواية.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: انه قد ذكرنا سابقا ان المستفاد من الحديث ان المالك لا يكون محجورا عن التصرف فالمستفاد منه ان التصرفات الجائزة في الرتبة السابقة جائزة للمالك.

و بعبارة اخري: الناس مسلطون علي أموالهم بالتصرفات الجائزة لا أن الناس مسلطون علي أحكامهم.

و أفاد الشيخ قدس سره انه لو تمسك بالسيرة فلا بد من رعاية الشرائط المحتملة حيث ان السيرة دليل لبي و لا بد فيها من الاقتصار علي القدر المتيقن.

اقول: لا اشكال في أن الاباحة المالكية تقتضي جواز التصرف و عدم المنع من ناحية حرمة التصرف في مال الغير و أما لو شك في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 69

جواز تصرف خارجي او اعتباري من غير ناحية كون المال ملكا للغير فلا بد من ملاحظة دليل ذلك

التصرف مثلا لو شك في جواز اكل التفاح قبل طلوع الشمس لا بد من ملاحظة دليل جواز اكله من حيث ان اطلاقه يشمل اكله قبل طلوع الشمس أم لا و هكذا و هكذا.

و علي الجملة: المعاطاة التي يقصد بها الملكية من مصاديق البيع فيشترط فيها ما يشترط في البيع بلا فرق بين الالتزام بكونها مفيدة للاباحة أو الملكية أما علي فرض افادتها الملكية فظاهر و أما علي تقدير الالتزام بكونها مفيدة للاباحة فلان هذه الاباحة لا تكون مالكية بل إباحة شرعية و المفروض ترتبها علي المعاطاة التي من مصاديق البيع و من ناحية اخري قد دلت الادلة علي اشتراط البيع بشروط و قيود فلا بد من رعايتها.

و ان شئت قلت: ان موضوع الاباحة الشرعية المعاطاة الخاصة لا مطلق المعاطاة باي وجه كانت و الا يلزم ترتب الاباحة علي المعاطاة التي يكون احد المتعاطيين صغيرا أو مجنونا فان حكم الامثال واحد و هل يمكن الالتزام به؟

و في مقابل هذا القول قول بعدم الاشتراط بشروط البيع علي الاطلاق أي اعم من القول بافادتها الاباحة و من القول بافادتها الملك اما علي القول بالإباحة فواضح حيث انها خارجة عن دائرة البيع فلا يشترط فيها ما يشترط في البيع و أما علي القول بافادتها الملك فلان المطلق ينصرف الي الفرد المحكوم باللزوم.

و الوجهان المذكور ان كلاهما باطلان أما الوجه الأول فلان البيع مفهوم عرفي و لا تكون له حقيقة شرعية و المفروض ان الشارع الاقدس اعتبر فيه شروطا لا بد من رعايتها و قد علم من الخارج ان المعاطاة التي من مصاديق البيع قد رتبت عليها الاباحة فما دام لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 70

تتوفر فيه

الشرائط المقررة لا يترتب عليه الاثر و لا تفيد الاباحة اذ المفروض ان الاباحة لا تكون مالكية بل إباحة شرعية فلا بد من ملاحظة القيود المستفادة من دليلها.

و بعبارة واضحة: المستفاد من الدليل ترتب الاباحة علي البيع المعاطاتي فلا تترتب علي المعاطاة التي لا تكون واجدة للشرائط و أما الوجه الثاني فهو أوهن من الاول فان البيع مشروط في وعاء الشرع بشرائط و لا فرق فيه بين كونه لازما أو جائزا.

و ببيان واضح: قد سبق ان الخيار و اللزوم حكمان شرعيان مترتبان علي البيع لا أن الملكية قسمان بل الملكية أمر واحد و هذا الامر الواحد قد يكون لازما و اخري يكون جائزا فلاحظ.

و مما ذكرنا علم فساد التفصيل الّذي يستفاد من كلام الشيخ بأن نقول: ان قلنا بأنها تفيد الاباحة لا تشترط فيها الشرائط المقررة و ان قلنا بانها تفيد الملك تشترط بتقريب: انها علي الاول لا تكون بيعا و علي الثاني تكون من مصاديق البيع فعلي الاول لا تشترط فيها و علي الثاني تشترط.

و صفوة القول: انه لا بد من اجتماع الشرائط المقررة في البيع بلا فرق بين كون الدليل اللفظ و كونه الاجماع اذ بدون رعاية الشروط المقررة لا يتحقق عنوان البيع الصحيح و مع عدم تحقق العنوان المذكور لا طريق الي احراز ان الشارع الاقدس رتب الملكية أو الاباحة عليها فلا تغفل.

«قوله قدس سره: حيث ان الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم»

لم يظهر لي وجه ما أفاده فان مقتضي اطلاق ادلة الشروط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 71

المعتبرة اعتبارها في مطلق البيع بلا فرق بين البيع العقدي اللفظي و البيع المعاطاتي و لا وجه للاختصاص و الذي يهون الخطب

ان الماتن بنفسه يصرح بخلاف ما أفاده فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن ان الوجه في الامر بالتأمل ان كونها معاوضة عرفا لا تقتضي جريان الربا فيها فان الربا يختص بالمعاوضة التمليكية و الكلام في المعاطاة التي قصد بها الاباحة فلا وجه لجريان الربا فيها.

و الحق أن يقال ان الاحكام الشرعية امور تعبدية و لا بد فيها من الاقتصار علي مقدار قيام الدليل و حيث ان الدليل الدال علي حرمة الربا يختص بالبيع فلا وجه للالتزام بسريانه في غيره.

«قوله قدس سره: لانها إباحة عندهم فلا معني للخيار»

الامر كما افاده اذ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و المفروض ان العقد المعاطاتي لا يؤثر الاثر المقصود و بعبارة اخري: لا موضوع للخيار علي القول بالإباحة فان العين باقية في ملك مالكها و له التصرف فيها.

«قوله قدس سره: بناء علي صيرورتها بيعا بعد اللزوم»

علي هذا القول تكون المعاطاة بيعا من أول الامر و بعبارة اخري:

تكون المعاطاة من اوّل تحققها بيعا لا انها تصير بيعا بعد اللزوم.

و ان شئت قلت: الشي ء لا ينقلب من قبل نفسه فاذا لم تكن بيعا حدوثا لا يكون بيعا بقاء لكن الحق كما ذكرنا كونها بيعا من اوّل الامر و عليه يترتب عليها الخيار بمقتضي ادلته.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 72

«قوله قدس سره: لاختصاص ادلتها بما وضع علي اللزوم»

لا مقتضي لهذا التفصيل فان لزوم كل عقد بحسب طبعه الاولي اي مع قطع النظر عن دليل الخيار فلو كان دليل الخيار مختصا بالعقد الذي يكون لازما من قبل بقية الجهات لزم تعدد الخيار في عقد واحد و هو كما تري فموضوع الخيار العقد الذي يكون لازما في حد نفسه فلا ينافي كونه جائزا

من قبل خيار آخر فلاحظ.

[الأمر الثاني أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين]

«قوله قدس سره: الأمر الثاني ان المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين»

لا اشكال في أن الميزان صدق عنوان البيع و لا خصوصية لصدق المعاطاة بما لها المفهوم كما انه لا اشكال في صدق عنوان البيع بالاقباض و الاعطاء من قبل البائع و القبض و الاخذ من قبل المشتري فيترتب عليه ما يترتب علي البيع العقدي اللفظي.

هذا علي تقدير أن يقصد بالمعاطاة البيع و التمليك و أما اذا قصد بها الاباحة فالكلام فيها هو الكلام و التقريب هو التقريب و أما اذا قصد بها التمليك لكن يترتب عليها الاباحة بحكم الشارع فلا بد من الاقتصار علي مقدار قيام الدليل اذ المفروض ان ترتب الاباحة مع قصد التمليك علي خلاف القاعدة و علي خلاف كون العقد تابعا للقصد و من ناحية اخري التصرف في مال الغير حرام فلا بد من الاقتصار علي مقدار دلالة الدليل الشرعي علي الجواز.

«قوله قدس سره: فلو كان المعطي هو الثمن كان دفعه علي القول بالملك و البيع اشتراء»

قد مرّ منا سابقا ان الاشتراء عبارة عن قبول ايجاب البيع و القبول لا يمكن تقدمه علي الايجاب الا علي نحو التعليق و الاشتراط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 73

و بعبارة واضحة: قوام القبول بوقوعه بعد الايجاب و الا لا يكون قبولا لما أوجبه الموجب بل امر مستقل فيلزم الخلف.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بالإباحة فيشكل»

قد اشرنا آنفا الي ما أفاده و قلنا علي القول بالإباحة لا بد من التماس دليل و أما التمسك بالسيرة كما في كلامه فغريب اذ المفروض ان المعاطاة من مصاديق البيع فهي مفيدة للملكية و السيرة شاهدة

للمدعي فلا مجال للتمسك بالسيرة علي الاباحة.

«قوله قدس سره: كما تعارف اخذ الماء مع غيبة السقاء و وضع الفلس».

ليس هذا شاهدا علي المدعي فانه لا اشكال في جواز التصرف في مال الغير برضاه و وضع الفلس في المكان المعدّ له وفاء لما في الذمة فان السقاء انما يرضي بالشرب مع العوض لا مجانا فاذا شرب الظامي تشتغل ذمته بالعوض فوضعه الفلس في ذلك المكان اداء لما في ذمته و لا يمكن جعل الشرب و وضع الفلس بيعا معاطاتيا اذ قبل الشرب لم تتحقق المعاطاة و بعد الشرب لا موضوع للبيع فانه يتلف بالشرب فلا موضوع لان يباع فهذا لا يكون شاهدا علي ما ادعاه من تحقق المعاطاة بمجرد ايصال الثمن و اخذ المثمن.

«قوله قدس سره: و كذا غير الماء من المحقرات»

لا يبعد أن يكون ما ذكر داخلا في التوكيل العام بأن نقول المالك يوكل من يريد الاشتراء أن يبيع من قبل المالك وكالة فيكون الاخذ وكيلا من قبل المالك فيبيع وكالة من قبله و يشتري اصالة فان بيعه بالوكالة و اشترائه بالاصالة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 74

و ربما يقال: ان هذه الوكالة لا تكون شخصية فتكون باطلة فانه يقال الوكالة الشخصية انما تعتبر في الوكالة الشخصية و أما الوكالة النوعية فلا تكون وكالة شخصية فلا تكون باطلة.

ان قلت: الوكالة من العقود و العقد يحتاج الي الايجاب و القبول و المفروض عدم تحققهما في المقام قلت: الوكالة من العقود الاذنية فيكفي الاذن من المالك و ان لم تتحقق الوكالة و بعبارة واضحة: المالك اذا اذن في التصرف في ماله يجوز التصرف فيه بلا فرق بين التصرف و التصرف الاعتباري.

«قوله قدس سره: و من

هذا القبيل دخول الحمام و وضع الاجرة في كوز»

الذي يختلج بالبال أن يقال ان صاحب الحمام يرضي بالاغتسال لمن يدفع كذا مقدار فان دفع الداخل في الحمام ذلك المقدار يكون مصداقا لمورد رضي المالك و ان لم يدفع يكون تصرفه عدوانيا و تشتغل ذمته باجرة المثل و أما وضع الفلس في الكوز فهو مصداق للاقباض و القبض فان كوزه كيده فكأن صاحب الحمام خرج عن الحمام و لكن يده مبسوطة لاخذ الاجرة فلا اشكال.

«قوله قدس سره: ثم انه لو قلنا بأن اللفظ الغير المعتبر».

مراده قدس سره من العبارة المذكورة غير واضح فان المراد ان كان مجرد المقاولة و التباني فلا يصدق عليه العقد البيعي فلا يترتب عليه اثر و ان كان المراد ان البيع ينشأ باللفظ الفاقد للشرائط المقررة شرعا فلا أثر له فان القضية بشرط المحمول ضرورية.

لكن الذي يهون الخطب ان الحكم مترتب علي عنوان البيع و التجارة فلو صدق العنوان يتحقق النقل و الانتقال و لذا نقول:

يتحقق البيع بالمعاطاة فالميزان الوحيد صدق عنوان البيع و التجارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 75

بأي وجه لا أزيد من هذا المقدار.

[الأمر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية]

«قوله قدس سره الأمر الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية.»

الذي يختلج بالبال أن يقال ان البيع عبارة عن الايجاب و القبول و من ناحية اخري كما ذكرنا سابقا ان القبول من ناحية المشتري فما دام لا يتحقق الايجاب من قبل البائع لا مجال لان يتحقق القبول من ناحية المشتري فعليه يكون المقام في الانشاء بايعا.

و ببيان واضح: البيع عبارة عن تمليك عين بعوض و الاشتراء عبارة عن قبول تمليك البائع فلا يعقل تقديم الاشتراء علي البيع اذ يلزم الخلف فتميز البائع

عن المشتري امر واضح ظاهر و اذا فرض ان كل واحد من المتعاملين ملك ماله بالعوض يكون كل منهما بايعا و لا يرتبط فعل احدهما بالآخر بل يكون كل من الانشائين إنشاء مستقلا و لا يترتب علي انشائهما اثر اذ المفروض ان البيع مركب من الايجاب و القبول لا من الايجابين.

و صفوة القول: ان البيع عبارة عن تمليك العين بالعوض و الاشتراء عبارة عن قبول التمليك المذكور و لا فرق بين أن يكون كل من العوضين عروضا أو نقدا فكل عين ملكت بالعوض يكون بيعا فلو ملك دينار بمن من الحنطة يكون المملك للدينار بايعا و يكون الدينار مبيعا كما ان القابل و المتملك للدينار مشتريا و الحنطة تكون ثمنا فلا تغفل.

«قوله قدس سره: ففي كونه بيعا و شراء بالنسبة الي كل منهما»

علي ما ذكرنا لا مجال لهذا التقريب لانا ذكرنا ان البيع عبارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 76

عن تمليك عين بعوض و الاشتراء عبارة عن قبول التمليك المذكور فلا يعقل اجتماع العنوانين المذكورين في عقد واحد بل لا بد من اختصاص كل واحد من المتعاملين بعنوان من العنوانين و قلنا يلزم أن يكون عنوان البيع متقدما علي عنوان الاشتراء.

«قوله قدس سره: أو كونها معاطاة مصالحة»

الصلح عبارة عن التسالم لا تمليك عين بعوض فلا مجال للترديد و بعبارة اخري: اذا ملك المالك مملوكه بالعوض يكون بيعا و اذا تسالم مع الطرف المقابل علي أمر يكون صلحا فكل يغاير الاخر فكيف يتردد الامر بين العنوانين.

«قوله قدس سره: و لذا حملوا الرواية»

لاحظ ما رواه ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه و لا

يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي فقال لا بأس بذلك اذا تراضيا و طابت أنفسهما «1».

«قوله قدس سره: لا يخلو ثانيهما عن قوة».

هذا هو المتعين فان من يملك العين بالعوض يكون بايعا و الطرف المقابل اذا قبل التمليك المذكور يكون مشتريا و أما اذا ملك أيضا العين بالعوض يكون كل منهما بايعا و لا يرتبط احدهما بالآخر بل كل واحد منهما ايجاب مستقل و لا يترتب عليه اثر شرعا.

[الرابع أن أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله يتصور بوجوه]

«قوله قدس سره: احدها أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الاخر فيكون الاخر في أخذه قابلا و متملكا»

الظاهر ان ما افاده في المقام ينافي ما افاده في الأمر الثاني

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الصلح الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 77

حيث قال «المتقين من المعاطاة حصول التعاطي فعلا من الطرفين»

فان المعاطاة اذا فرض تحققها بالاعطاء من جانب و الاخذ و القبول من جانب آخر و يكون دفع العوض وفاء بالعقد كما هو كذلك فلا مجال لان يقال: المتيقن من مورد المعاطاة أن يتحقق العطاء من الطرفين.

و علي الجملة: ان العقد المعاطاتي عبارة عن تحقق العقد بالفعل الخارجي في مقابل القول اللهم الا أن يكون غرض الماتن مما أفاده في الأمر الثاني ان تحقق المعاطاة بما لها المفهوم متوقف علي العطاء من الطرفين فان مفهوم باب المفاعلة متقوم به و كيف كان الامر كما أفاده فان المراد من المعاطاة تحقق المعاملة بالفعل دون القول و ليس المراد تحقق هذا المفهوم كي يحتاج الي تحقق العطاء من الطرفين.

«قوله قدس سره: و مثله في هذا الاطلاق لفظ المصالحة»

الظاهر ان مقصود الماتن

ان المصالحة و ما ذكره بعدها لا يتوقف تحققها بما لها المفهوم بل باعتبار تحقق الصلح من طرف و قبوله من الطرف الاخر.

«قوله قدس سره: و بهذا الاطلاق يستعمل المعاطاة»

أي باعتبار تحقق العقد بالفعل الخارجي يستعمل لفظ المعاطاة في الموارد المذكورة مع ان المعاطاة بما لها المفهوم القائم بالطرفين لا تتحقق في الموارد المذكورة.

«قوله قدس سره: و في صحته تأمل»

حيث ان مفهوم المفاعلة بمفهومها متقوم بالطرفين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 78

«قوله قدس سره: و هذا بعيد عن معني البيع»

بل اجنبي عن البيع بالكلية فان البيع عبارة عن تمليك عين بعوض و المفروض في المقام انه جعل التمليك في مقابل التمليك و لا بد من تحقيق الحال فنقول: تارة يملك التمليك بإزاء التمليك بأن يملكه تمليكه في مقام تمليك الاخر تمليكه و علي هذا الفرض لا يتحقق بالانشاء الاول تمليك العين بل يملك كل واحد من المتعاملين تمليكه في مقابل تمليك الاخر تمليكه.

و لا دليل علي صحة هذا النحو من التمليك الا علي القول بأن التجارة عن تراض مفهوم يشمل كل معاملة و عقد و هذه الدعوي بلا دليل.

و اخري يملك العين و يشترط تمليك الاخر أيضا عينه و هذا يكون هبة معوضة و تتحقق الملكية بالتمليك الاول غاية الامر لو لم يملك الثاني و لم يف بالشرط يحصل للواهب الاول خيار الفسخ.

و ثالثة يملك العين بداعي ان الطرف المقابل يملك أيضا و في هذا الفرض لو لم يملك الطرف لا يحصل خيار تخلف الشرط بل يترتب علي العقد المذكور أحكام الهبة غير المشروطة فان تخلف الداعي لا يقتضي الخيار.

«قوله قدس سره: اذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقق التمليك من الاول»

قد

ظهر مما ذكرنا عدم تمامية ما افاده قدس سره فان التمليك اذا تعلق بالتمليك فكل من الطرفين يملك تمليك الاخر و ان تعلق التمليك بالعين فان كان تمليكا بعوض يكون بيعا و ان كان مشروطا يكون هبة مشروطة و ان لم يكن مشروطا يكون هبة غير مشروطة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 79

فعلي جميع التقادير ما افاده غير تام.

«قوله قدس سره: ثالثها أن يقصد الاول إباحة ماله بعوض»

اقول: تارة يملك اباحته في مقابل تمليك الاخر اي تجعل المبادلة بين الاباحة و التمليك و يقع الكلام في صحة هذه المعاوضة و المبادلة و قد مرّ الكلام حوله آنفا و اخري يبيع لمن يملك و في هذا الفرض تتحقق الاباحة لكن لمن يكون مملكا و في الفرض المزبور لا معاوضة و لا اشكال في جواز مثلها فان هذه الاباحة كإباحة المالك ملكه لمن يكون زائرا للحسين عليه السلام مثلا و بعبارة اخري: لا كلام و لا اشكال في جواز إباحة المالك ماله لشخص خاص أو في زمان مخصوص.

«قوله قدس سره: رابعها أن يقصد كل منهما الاباحة بإزاء إباحة».

الكلام في هذا القسم هو الكلام فانه تارة تجعل المبادلة بين الاباحتين و اخري يبيح ماله لمن يبيح ماله و قد مرّ الكلام حول الفرع السابق و ما ذكرناه يجري في هذا الفرع أيضا فلا نعيد.

«قوله قدس سره: و منشأ الاشكال أوّلا الاشكال في صحة إباحة جميع التصرفات»

الوكالة من العقود الاذنية فكل ما يترتب علي الوكالة يترتب علي الاذن مثلا يجوز بيع مال الغير بالوكالة فيجوز بالاذن فيه و قس عليه العتق و هكذا و هكذا هذا في التصرفات الاعتبارية و أما التصرف التكويني الخارجي فالظاهر جوازها بالإباحة

مثلا وطئ امة الغير يجوز بالتحليل فاذا أباح وطء الامة يكون مرجعها الي تحليلها فعليه يمكن أن يقال: انه يجوز للمالك إباحة جميع التصرفات اعتبارية كانت أو تكوينية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 80

الا أن يقال: ان تحليل الامة يشترط بصيغة خاصة فلا يتحقق بالإباحة و صفوة القول: ان دليل سلطنة الناس علي أموالهم لا يمكن جعله مستندا في الموارد المشار إليها اذ قد قلنا سابقا ان دليل السلطنة مخدوش سندا.

مضافا الي أنه لا يكون مشرعا فلا مجال لاستفادة جواز التصرف في المال كيف ما كان و إلا جاز اكل لحم ما يكون حراما بإباحة المالك الي غيره من المحرمات الشرعية و هو خلاف الضرورة.

و لكن الذي يهون الامر ما قلناه و هو ان كل تصرف اعتباري من التصرفات التي تكون جائزة للمالك يجوز التوكيل فيها للغير و كل أمر يجوز فيه الوكالة يجوز بالاذن فان المطلوب حصول الاذن المالكي و الاذن المالكي تارة يحصل بالوكالة و اخري يحصل بلا تحقق الوكالة بأن يأذن المالك لغيره في التصرف الفلاني كما لو اذن للغير في بيع داره أو اجارتها أو طلاق زوجتها و هكذا فلاحظ نعم اذا كان التصرف الاعتباري أو الخارجي لم يكن جائزا للمالك لا يجوز بالاذن للغير بلا كلام.

«قوله قدس سره: فاذا كان بيع الانسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول»

لم يظهر لي وجه عدم معقوليته بل لا مجال في مثل المقام الاستدلال بحكم العقل فان مثله لا يرتبط العقل بل يرتبط بالعرف و الشرع و الظاهر انه امر واقع في العرف مثلا اذا سئل السائل بالكف أن يشتري له رغيفا فاشتري المسئول

من الخباز رغيفا للسائل يخرج الثمن من كيس المسئول و يدخل الرغيف في ملك السائل هذا بحسب العرف و أما شرعا فالظاهر انه لا دليل علي المنع عنه فالنتيجة انه جائز عرفا و شرعا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 81

«قوله قدس سره: و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله»

كيف يمكن ما أفاده و الحال ان البيع علي حسب تقريره يتوقف علي صيرورة العين ملكا له و بعبارة اخري: ما دام لم تدخل العين في ملكه لا يجوز له البيع و المفروض ان الملكية تتحقق بالبيع و ان شئت قلت: لازم هذا الكلام ان العين الواحدة في زمان واحد تدخل في ملك البائع و أيضا تخرج عن ملكه و هذا أمر غير معقول.

«قوله قدس سره: و يقدر وقوعه قبل العتق»

لا اشكال في أن الالتزام بمثله متوقف علي قيام دليل عليه و ببيان واضح هذا و أمثاله لا يمكن الالتزام بها علي طبق القواعد الاولية كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: مع ان الاباحة المتحققة من الواهب يعم جميع التصرفات»

الواهب لا يقصد الاباحة بل يقصد التمليك فاذا لم يتحقق التمليك يكون العقد فاسدا بلا اثر نعم اذا قام الدليل علي أن الهبة الكذائية تترتب عليها الاباحة نلتزم بها و الميزان في سعة دائرة الاباحة و ضيقها مقدار دلالة ذلك الدليل الدال علي تحقق الاباحة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و عرفت أيضا ان الشهيد في الحواشي لم يجوز اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة»

ان قلنا بتعلق الخمس أو الزكاة بالعين فلا يجوز تبديلها بمال الغير و بعبارة اخري لا يجوز الاخراج من مال الغير لعدم الدليل عليه نعم يجوز الاخراج من مال نفسه اذا كان من التعدد للدليل

الخاص و أما ان كان متعلقا بالذمة فأداء ما في الذمة بمال الغير علي طبق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 82

القاعدة الاولية هذا بحسب الكبري الملكية.

و أما المأخوذ بالمعاطاة فلا اشكال في أن المالك لم يقصد بعطائه الخارجي الاباحة بل قصد البيع و التمليك و الاباحة علي القول بها إباحة شرعية فلا بد من ملاحظة مقدار الدليل عليها فان كان مقتضي الدليل إباحة جميع التصرفات حتي المتوقفة علي الملك نأخذ به فان الميزان في الامور التعبدية المتابعة للشارع الاقدس و لكن هذا مجرّد فرض و خيال اذ قد علم مما تقدم و سبق ان مقتضي الادلة ان المعاطاة كالبيع اللفظي تؤثر في حصول الملكية و انها قسم من أقسام البيع بلا فرق بينها و العقد اللفظي.

«قوله قدس سره: و ثمن الهدي»

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام «1» الظاهر عدم اعتبار الملك في ثمن الهدي فان ما يظهر من الاخبار وجوب سوق الهدي في حج القران و وجوب ذبحه هناك في حج التمتع و ليس في شي ء منهما تعرض لملك الثمن أصلا بل لا يبعد استفادة عدمه مما ورد في بذل الحج هذا.

مضافا الي أنه لا يتصور لاخراج ثمن الهدي من مال الغير معني معقول و ذلك لان المهدي اما أن يشتري الهدي بذمته ثم يؤديها مما ابيح له و عليه يكون الثمن مال نفسه و انما أوفاه من مال الغير و أما أن يشتريه بشخص مال الغير و عليه ان قصد الشراء للمالك فالهدي بنفسه يكون للمبيح فهو نظير أن يبيح له سوق الهدي الموروث له من والده مثلا و ان قصد الشراء لنفسه فهو داخل فيما هو معلوم من شراء احد بمال

الغير لنفسه شيئا و لا معني لاخراج ملك الغير في ثمن الهدي.

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري ج 2 ص 93.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 83

«قوله قدس سره: و لا وطي الجارية»

المستفاد من الآية الشريفة توقف الجواز علي الملكية و أما التحليل فان كان المستفاد من الدليل لزوم كونه بلفظ خاص فلا يجوز بمطلق الاباحة و لكن الكلام في المقام في الاباحة الشرعية فالميزان بسعة دائرة دلالة الدليل و ضيقها و حيث ان التوقف شرعي لا عقلي يمكن للشارع أن يجوز الوطي و لو مع عدم الملك بلا كلام و لا اشكال.

«قوله قدس سره: مع ان مقصود المتعاطيين الاباحة المطلقة».

مقصود المتعاطيين التمليك لا الاباحة لا المطلقة و لا المقيدة فلا تغفل.

«قوله قدس سره: الا انه لا يباح بتلك الاباحة المطلقة الا ما هو جائز بذاته في الشريعة».

مضافا الي أنه قد سبق و تقدم ان سند الحديث ضعيف و لا جابر له.

«قوله قدس سره: بمقتضي العقل و النقل»

لم يقم دليل علي بطلانه لا من العقل و لا من النقل أما العقل فلا يرتبط بالمقام و أما النقل فقد دل علي صحة البيع و البيع أمر عرفي لغوي و لم يستفد من العرف لزوم دخول كل من العوضين في محل خروج العوض الاخر عن ذلك المحل بل قوام البيع بالتمليك بالعوض بلا فرق بين دخول المعوض في كيس من خرج عنه العوض و بين دخوله في كيس غير من خرج عنه الثمن كما مثلنا باشتراء احد الخبز من الخباز للفقير فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 84

و لقد اجاد السيد قدس سره في الحاشية حيث قال: «قد عرفت امكان اعتبار البدلية بين المالين

مع قطع النظر عن المالكين و لذا يطلق علي بيع الغاصب لنفسه البيع مع ان المعوض للغير و دعوي ان ذلك من جهة ادعائه الملكية كما تري اذ كثيرا لا يخطر بباله هذا التنزيل و هذا الادعاء و مع ذلك يطلق عليه البيع.

نعم لا يبعد أن يقال بأن قوام البيع عرفا بخروج المبيع عن كيس البائع و دخول الثمن في كيسه فلا يمكن أن يبيع احد داره في مقابل مائة دينار تدخل في كيس ثالث و علي فرض الشك في الصدق لا يمكن الاخذ بإطلاق دليل الامضاء لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية مضافا الي أنه يمكن احراز عدم كون المصداق المشكوك فيه من مصاديق العام أو المطلق باستصحاب عدم كونه كذلك فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم لو كان هناك تعارض و تزاحم من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كل منهما لاجل الاخر».

اذا كان التعارض من الطرفين بحيث لا يكون احدهما مقدما علي الاخر بالتخصيص أو بالحكومة كما لو كانت النسبة بين الدليلين عموما من وجه لا مجال لتخصيص احدهما بالآخر بل اللازم في مثله اما التساقط لعدم الترجيح اذ المفروض عدم مرجح لاحدهما علي الاخر و اما الترجيح بمرجح خارجي ان كان.

و لعل الوجه في امره بالتأمل بقوله «فتأمل» ما ذكرنا و اللّه الهادي الي سواء السبيل و العجب من السيد قدس سره في الحاشية حيث صرح بأن اللازم تخصيص احدهما بالآخر مع كون النسبة بالعموم من وجه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 85

«قوله قدس سره: من جهة كشف البيع عن الرجوع»

ان قام دليل علي صحة الرجوع المشار إليه فهو و الا فيشكل الالتزام بتماميته اذ الرجوع من الامور الانشائية المحتاجة الي الابراز

و ابرازه بالبيع أو بالعتق دوري اذ المفروض انه ما لم يتحقق الرجوع و لم يتحقق الملك لا يصح البيع و العتق و الحال ان الرجوع المعتبر يتوقف علي البيع أو العتق فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بالجملة فما نحن فيه لا ينطبق»

توضيح كلامه: انه لا يمكن تصحيح التصرف الموقوف علي الملك كالبيع لنفسه في المقام لا بالتمليك الضمني لعدم قصد التمليك من قبل المالك علي الفرض و لا بالتمليك الفرضي التقديري لعدم التنافي لان المفروض ان قاعدة السلطنة لا تكون مشرعة و لا يكشف البيع عن تحقق سبب الملك كما هو كذلك في بيع الواهب أو عتقه اذ المفروض انه لم يتحقق سبب ملك بالنسبة الي المباح له بل العين باقية في ملك المبيح.

«قوله قدس سره: وقع البيع للمالك اما لازما»

مقتضي الصناعة عدم وقوع البيع للمالك لا بنحو اللزوم و لا بنحو الجواز اما عدم تحققه لازما فلعدم قصد المباح له المالك بل انما قصد نفسه و أما عدم وقوعه للمالك بالاجارة فلما ذكرنا من عدم قصده فلا موضوع للاجازة.

«قوله قدس سره: و لكن الّذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين»

المشتري لا يبيح للبائع الغاصب التصرفات في الثمن بل تسليم الثمن بعنوان الوفاء بالعقد و لذا قالوا بأن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و لعل الماتن اشار الي ما ذكر بقوله «فتأمل».

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 86

«قوله قدس سره: ليست معاوضة مالية»

ان قلنا بأن كل واحد يملك اباحته في مقابل تملك إباحة الاخر تكون المعاوضة متحققة لكن الظاهر ان المقصود الاباحة في مقابل الاباحة أي في ظرف إباحة الاخر و من الظاهر انه لا معاوضة في الصورة المفروضة.

«قوله قدس سره: من جهة

خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا»

بل لا معاوضة اصلا فلا تصل النوبة الي أنها معاوضة عرفا أو شرعا و قلنا انها إباحة في ظرف خاص و في هذه الصورة لا تكون تجارة بلا كلام بل قد قلنا سابقا ان صدق عنوان التجارة علي غير البيع اوّل الكلام و الاشكال.

«قوله قدس سره: الا أن يكون نوعا من الصلح»

الصلح عبارة عن التسالم و نتيجته تختلف باختلاف قصد المتصالحين.

«قوله قدس سره: كما يستفاد من بعض الاخبار»

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «1» و لا يستفاد من هذه الرواية عدم اشتراط الاتيان بلفظ الصلح في المصالحة بل المستفاد من هذه الرواية جواز المبادلة بهذا النحو من التراضي و بعبارة اخري:

يستفاد من هذا الحديث جواز المبادلة و المعاوضة بين المالين بهذا النحو و لكن مع ذلك لا يمكن الحكم بجواز الاباحة بالإباحة و بالتمليك بهذا النحو لان المستفاد من الحديث المبادلة بين العينين فلاحظ.

«قوله قدس سره: و نحوه ما ورد في مصالحة الزوجين»

لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول

______________________________

(1) تقدم في ص 76.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 87

اللّه عز و جل «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً» فقال:

هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: اني اريد ان اطلقك فتقول له: لا تفعل اني اكره أن تشمت بي و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت و ما كان سوي ذلك من شي ء فهو لك و دعني علي حالتي فهو قوله تعالي «فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً»

و هذا هو الصلح «1».

و ما عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السلام

عن قول اللّه عز و جل «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً» قال اذا كان كذلك فهّم بطلاقها فقالت له امسكني و ادع لك بعض ما عليك و احللك من يومي و ليلتي حل له ذلك و لا جناح عليهما «2».

و ما رواه ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن قول اللّه جل اسمه «وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً»

قال هذا تكون عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له امسكني و لا تطلقني و ادع لك ما علي ظهرك و اعطيك من مالي و احللك من يومي و ليلتي فقد طاب ذلك كله «3».

و ما رواه زرارة قال سئل ابو جعفر عليه السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها ما شاء نهارا أو من كل جمعة أو شهر يوما و من النفقة كذا و كذا؟ قال فليس ذلك الشرط بشي ء من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة و القسمة و لكنه ان تزوج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها فصالحت من

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 88

حقها علي شي ء من قسمتها أو بعضها فان ذلك جائز لا بأس به «1».

«قوله قدس سره: و لو كانت معاملة مستقلة كفي فيها عموم الناس مسلطون»

العجب كل العجب من الماتن حيث افاد آنفا بعدم كون القاعدة مشرعة و مع ذلك يقول في المقام بكفاية القاعدة لاثبات المدعي و العصمة مخصوصة باهلها و علي الجملة: لا مجال للاستدلال بالقاعدة فانها

مخدوشة سندا و دلالة كما مر الكلام حول كلا الامرين.

«قوله قدس سره: و المؤمنون عند شروطهم»

الشرط لا يصدق علي الجعل الابتدائي فلا مجال لاتمام الامر بقاعدة نفوذ الشرط و لكن ذكرنا سابقا ان جواز الاباحة المقيدة علي طبق القواعد الاولية و لا تحتاج الي التماس دليل فانه لا اشكال في أن المالك له أن يبيح التصرف في ماله لغيره.

«قوله قدس سره: ففي لزومها مطلقا لعموم المؤمنون عند شروطهم»

الاشكال في صحة مثل التمليك المذكور و علي فرض الاغماض يمكن الاستدلال علي اللزوم بوجوب الوفاء بالعقد بمقتضي قوله تعالي «أوفوا بالعقود» و أما لو قلنا بأنها إباحة في ظرف خاص فلا اشكال في عدم لزومها لعدم ما يقتضي اللزوم فلاحظ.

[الخامس في حكم المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه]

«قوله قدس سره: سيما»

الظاهر انه لا موقع لهذه الكلمة لانه مع فرض فساد الاجارة لا يجوز التصرف في مال المستأجر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 89

«قوله قدس سره: لا يدل علي جريان المعاطاة فيها»

بل يدلّ، اذ مع فرض كون الهبة فاسدة لا يجوز للمتهب التصرف في العين الموهوبة.

«قوله قدس سره: و لكن الاظهر بناء علي جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره»

الحق جريان المعاطاة في جميع العقود الا فيما قام الدليل علي عدم كفاية المعاطاة و تقريب المدعي هو التقريب الذي ذكرناه في البيع.

و ملخص الكلام: انه لا فرق بين الفعل و القول فكل فعل صدق عليه عنوان البيع أو الاجارة أو الهبة الي غيرها من العقود و الايقاعات نلتزم بالكفاية لاطلاق الدليل و الاجماع المدعي علي عدم الكفاية غايته اجماع منقول و قد حقق في الاصول انه لا اعتبار بالاجماع المحصل فكيف

بمنقوله.

«قوله قدس سره: و لعل وجه الاشكال عدم تاتي المعاطاة بالاجماع»

ظهر بما ذكرنا فساد أصل الاشكال و ان الحق جريان المعاطاة في عامة العقود و الايقاعات الا ما خرج بالدليل المعتبر فلا تصل النوبة الي الاشكالات المتفرعة عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: لاطلاق بعض ادلة الرهن»

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السلم في الحيوان و الطعام و يرتهن الرجل بماله رهنا قال نعم استوثق من مالك «1» فان مقتضي الاطلاق المستفاد من الحديث عدم الفرق بين وقوعه بالقول و بالفعل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من الرهن الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 90

«قوله قدس سره: فتأمل»

قال السيد قدس سره في الحاشية «لعل وجهه ان مجرد عدم معروفية الجواز فيه غير مانع و لا يكون دليلا علي كون بنائه شرعا علي اللزوم بأن يكون من لوازمه هذا علي أن القبض عند بعضهم شرط في اللزوم فيكون الوقف قبله صحيحا جائزا» انتهي محل الحاجة من كلامه و الحق ان المعاطاة جارية في الوقف و لعل السيرة جارية عليه و اللّه العالم.

[السادس في ملازمات المعاطاة علي كل من القول بالملك و القول بالإباحة]
اشارة

«قوله قدس سره: من الوجوه الثمانية»

اي الوجوه التي استدل بها علي لزوم المعاطاة سابقا.

«قوله قدس سره: و اصالة سلطنة المالك»

لا يحتاج الي الاصل المذكور اذ المفروض ان العين باقية في ملك مالكها و مقتضي اطلاق دليل جواز التصرفات الصادرة من المالك جوازه حتي بعد تحقق الاباحة الشرعية المفروضة في مورد المعاطاة و أما علي فرض الاحتياج الي اجراء الاصل فيشكل بكون الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

«قوله قدس سره: و هي حاكمة»

لان الشك في بقاء الاباحة ناش من بقاء تلك السلطنة و

مع جريان الاصل في السبب لا تصل النوبة الي الاصل في المسبب.

«قوله قدس سره: لو سلم جريانها»

لعل وجه الترديد ان المورد من موارد الشك في المقتضي و الماتن لا يري جريان الاستصحاب فيما يكون الشك في المقتضي.

«قوله قدس سره: مندفع بما سيجي ء»

و هو ان الضمان قبل التلف لم يكن و بعبارة اخري لم تكن اليد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 91

قبل التلف يد ضمان و بعد التلف نشك في الضمان و مقتضي استصحاب عدمه بقاء العدم بحاله و ببيان آخر نشك في حدوث الضمان و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه.

«قوله قدس سره: و حيث ارتفع مورد التراد امتنع»

و علي الجملة موضوع الخيار العين الخارجية و مع عدم بقائها لا مجال لتوهم الخيار و لا فرق فيما ذكر بين تلف كلتا العينين و تلف احداهما اذ المتيقن جواز التراد و مع عدم امكانه لا خيار هذا علي تقدير العلم بكون الموضوع للخيار عبارة عن تراد العينين و أما اذا شك في أن الموضوع العين الخارجية أو العقد فأيضا تكون النتيجة عدم الخيار فان المحكم اصالة اللزوم فيلزم قيام دليل معتبر علي الخيار و حيث ليس فليس.

و علي الجملة: اذا قلنا: ان المستفاد من الاجماع ان موضوع الخيار متقوم بتراد العينين فلا اشكال و لا كلام في انتفائه مع تلف العينين و أما لو شك في أن متعلقه التراد أو العقد أو العين كما في الهبة يكون دليل اللزوم محكما و مقتضيا للحكم باللزوم.

«قوله قدس سره: لاصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها»

لا مجال لهذا الاصل فان استصحاب الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد لكن لا يحتاج الي الاستصحاب المذكور فان خروج العين

عن مالك مالكها يتوقف علي الدليل و لا دليل علي الخروج فيمكن الرجوع الي القاعدة الاولية.

الا أن يقال: لا يمكن الالتزام به اذ يلزم الجمع بين العوض و المعوض و صفوة القول: انه لو قلنا بأن المستفاد من الشرع الاقدس انه لا يمكن الجمع بين عدم ضمان من تلفت احدي العينين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 92

عنده و بقاء العين الاخري الباقية في ملكه فلا مجال للرجوع بل مقتضي القاعدة الالتزام بصيرورة العين الباقية مملوكة لمن تكون عنده.

«قوله قدس سره: انما الكلام في الضمان اذا اراد الرجوع»

قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لرجوعه فانا لو قلنا بأنه لا يمكن الجمع بين العوض و المعوض و المفروض عدم ضمان من تلفت عنده العين فلا مجال لرجوعه.

«قوله قدس سره: و ليس هذا من مقتضي اليد»

اذ المفروض ان العين التالفة قبل تلفها لم تكن مضمونة و بعد تلفها لا موضوع للضمان.

«قوله قدس سره: و لكن يمكن أن يقال: ان اصالة بقاء السلطنة حاكمة علي اصالة عدم الضمان»

الظاهر ان مراده ان مقتضي الاستصحاب بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و بعد رجوعه في العين لا يبقي مجال لاصالة البراءة عن الضمان بالمثل أو القيمة لكن الاشكال في أن الاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و المتعين أن يقال: ان العين الموجودة باقية في ملك مالكها فرجوعه فيها لا يتوقف علي الاصل بل الرجوع علي طبق القاعدة الاولية و ان قلنا بصيرورتها مملوكة لذي اليد فلا مجال للرجوع.

و يمكن أن يقال: ان مقتضي بقاء العين الموجودة في ملك مالكها جواز استردادها لمالكها و لازمه كون الاخذ ضامنا للتالف بالمثل أو القيمة.

و لقائل أن يقول: لا مجال لهذا البيان

و ان اصالة بقاء السلطنة و استصحابه حاكم علي اصالة عدم الضمان لان الاستصحاب معارض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 93

باستصحاب عدم الجعل الزائد و علي فرض جريانه لا يكون حاكما علي اصالة عدم الضمان الاعلي القول بالمثبت لان لازم بقاء السلطنة كون التالف مضمونا بالمثل أو القيمة و لا نقول بالمثبت.

و ان شئت قلت:

يمكن تقرير الحكومة بوجهين
الوجه الأول: أن يقال: ان الشك في ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة مسبّب عن الشك في بقاء سلطنة المالك الاول

و عدم بقائها و الاصل السببي حاكم علي الاصل المسبّبي.

و فيه ان مجرد كون احد الاصلين مسببا عن الاخر لا يوجب الحكومة بل الحكومة تتوقف علي كون الاثر المترتب علي الاصل المسببي اثرا للاصل السببي و من الظاهر ان المقام لا يكون كذلك اذ الاثر المترتب علي اصالة بقاء السلطنة جواز رجوع المالك في العين و لازمه ضمان من تلفت العين عنده بالمثل أو القيمة و هذا من مصاديق الاصل المثبت الذي لا نقول به.

الوجه الثاني: أن يقال: ان الاستصحاب الجاري في طرف يتقدم علي البراءة في الطرف الآخر

ففي المقام الاستصحاب الجاري في طرف مالك العين الباقية يتقدم علي اصالة براءته عن المثل أو القيمة.

و يرد عليه أولا: ان تقدم الاستصحاب علي البراءة فيما يكون مجراهما واحدا مثلا لو شك في حلية لحم و حرمته من حيث الشك في التذكية و عدمها يكون استصحاب عدم التذكية حاكما علي اصالة البراءة و أما اذا لم يكن كذلك كما لو علم اجمالا بأنه اما وقع نجاسة في الاناء الفلاني و تنجس ما فيه من المائع الموجود فيه و اما يكون ذلك المائع الاخر بولا لا يمكن أن يقال ان استصحاب عدم وقوع النجاسة في الاناء يجري و به يحرز كون المائع الاخر بولا الاعلي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 94

القول باعتبار الاصل المثبت بل يقع التعارض بين الاستصحاب و قاعدة الطهارة الجارية في الاناء الاخر.

و ثانيا: انه يمكن أن يقال: ان مقتضي الاستصحاب عدم اشتغال ذمة مالك العين الموجودة بالمثل أو القيمة فالتعارض بين الاستصحابين لا بين الاستصحاب و البراءة.

اضف الي ذلك كله: ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و الحق أن يقال- كما قلنا: - لا دليل علي ضمان التالف و من

ناحية اخري لا يمكن الجمع بين العوضين فنقول: القاعدة دخول العين الباقية في ملك ذي اليد بمجرد تلف العين الاخري أي بتلف العين التالفة تدخل العين الباقية في ملك من تكون في يده.

و قال سيدنا الاستاد: مقتضي استصحاب بقاء العين التالفة في ملك مالكها تحقق الضمان بالمثل أو القيمة.

و يرد عليه أولا: ان الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ثانيا انه باي دليل نحكم بالضمان مع عدم كون اليد يد ضمان.

و قال أيضا في هذا المقام: ان المعاطاة تقتضي الملكية غاية الامر الاجماع قائم علي عدم تحقق الملكية و تحقق الاباحة الي زمان تلف احدي العينين فنلتزم بدخول العين قبل التلف في ملك من تلفت عنده و دخول مقابل التالف في ملك من تكون العين باقية في يده فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء السلطنة و لو اغمض عن الدليل الاجتهادي نقول: مقتضي استصحاب بقاء كل من العينين في ملك مالكه الضمان بالمثل أو القيمة فلا تصل النوبة الي استصحاب بقاء السلطنة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 95

و يرد عليه: ان المستفاد من الاجماع ان الملكية لم تحصل فيكون البيع الصادر من المالك غير مؤثر و بعبارة اخري: بعد قيام الاجماع نعلم ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد فاذا كان كذلك يكون الالتزام بتحقق الملكية حين التلف محتاجا الي قيام دليل شرعي عليه.

و علي الجملة: بعد قيام الاجماع يسقط البيع الواقع الصادر عن المالك عن الاعتبار هذا بالنسبة الي ما أفاده أولا و يرد عليه بالنسبة الي ما أفاده ثانيا بأنّ استصحاب بقاء الملكية معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

مضافا الي انه ما الدليل علي تحقق الضمان بالمثل

أو القيمة فلاحظ.

اذا عرفت ما ذكرنا فالحق كما تقدم ان نقول: ان العين التالفة مضمونة بالعين الباقية بمقتضي السيرة العقلائية و لكن الذي يهون الخطب انه لا اساس لهذا البحث المذكور و الحق ان المعاطاة قسم من البيع فلا مجال لهذا البحث الطويل العريض الا من باب تبعية الاساطين حيث تعرضوا لهذا الفروع التي لا أصل لها.

و يمكن أن يقال: ان مقتضي قاعدة التسلط علي المال تسلط المالك علي ارجاع العين الموجودة و حيث ان قاعدة التسلط دليل اجتهادي يترتب عليه ان ضمان التالف بالمثل أو القيمة الا أن يقال:

انه لا دليل علي أن كل دليل اجتهادي يترتب عليه اللوازم العقلية و بعبارة اخري: لا دليل علي اعتبار مثبتات الامارة علي الاطلاق فلاحظ.

«قوله قدس سره: فعلي القول بالملك يملكه من في ذمته فيسقط عنه»

كما هو المعروف عندهم من أن نتيجة ملك ما في الذمة السقوط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 96

عما في الذمة و ربما يرد عليه بأن ملكية الانسان لما في نفسه ان كانت امرا ممكنا فلا وجه للسقوط و ان لم تكن ممكنة فلا وجه للحدوث و بعبارة اخري: لا وجه للتفريق بين الحدوث و البقاء.

و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور ان المراد من الحدوث الملك التقديري الفرضي نظير ملكية الانسان للعمودين.

«قوله قدس سره: و يحتمل العود و هو ضعيف»

بل لا وجه له و يمكن الاستدلال علي المدعي بوجه آخر أيضا و هو ان القدر المعلوم من الاجماع صورة امكان التراد و حيث انه لا مجال له فلا خيار فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الظاهر ان الحكم كذلك علي القول بالإباحة»

بأن نقول: يملك المدين ما في ذمته فيسقط. و يرد عليه

انه لا موجب لتملكه ما في ذمته بمجرد الاباحة و لعله اشار الي هذا بقوله «فافهم» و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و لو نقل العينان»

فان القدر المعلوم من الاجماع صورة امكان التراد و أما اذا لم يمكن فلا خيار.

«قوله قدس سره: و كذا علي القول بالإباحة»

الكلام فيه هو الكلام بلا كلام.

«قوله قدس سره: فيستصحب»

لا مجال للاستصحاب المذكور اذ المفروض ان موضوع التراد انعدم و ارتفع الخيار و عوده خلاف مقتضي الاستصحاب فان مقتضاه عدم العود مضافا أن استصحاب الحكم الكلي معارض بعدم الجعل الزائد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 97

«قوله قدس سره: لكن الوجهين ضعيفان»

أما وجه ضعف الوجه الأول فلان دخول العين في ملك البائع يقطع علقة العين عن المالك الاول و لا دليل علي رجوعها و أما وجه ضعف الوجه الثاني فلما تقدم من الماتن من عدم جواز البيع من غير المالك و قد تقدم منّا النقاش في الدعوي المذكورة فلا نعيد.

«قوله قدس سره: نعم لو كان غير المعاوضة كالهبة».

بلا فرق بين كون الاباحة شرعية أو مالكية اذ علي كلا التقديرين تكون العين باقية في ملك المالك الاول.

«قوله قدس سره: لم يبعد كون اجازته رجوعا»

بل يبعد اذ علي القول بالملكية لا بد من انتقال العين الي ملك المالك الاول فتأثير الاجازة يتوقف علي الفسخ و الحال ان الفسخ يتوقف علي الاجازة.

«قوله قدس سره: لغي الرجوع»

ما ذكر مبني علي كون الاجازة معرفة محضة و هذا القول فاسد مضافا الي أن القول المذكور مبني علي صدور الاجازة من المالك و المفروض ان الرجوع الذي فرض قبلها اخرج العين عن ملك المجيز فلا اثر للاجازة بعد رجوع المالك الاول.

«قوله قدس سره: و هو ضعيف»

اذ لا

وجه للرجوع بعد عدم امكان التراد.

«قوله قدس سره: فالاصل بقاء التسلط علي ماله»

ان كان المراد من الاصل المذكور الاستصحاب فيرد عليه ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد كما مرّ مرارا و ان كان المراد قاعدة سلطنة المالك علي ماله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 98

فالظاهر تمامية المدعي بلا فرق بين كون الاباحة مالكية أو شرعية.

«قوله قدس سره: فلا لزوم علي القول بالإباحة».

لعدم المقتضي لتحقق اللزوم كما مرّ آنفا.

«قوله قدس سره: ففي اللزوم وجهان»

لا مجال للاستصحاب أما أولا فلان مقتضي دليل كون العقد لازما لزومه و أما ثانيا فلعدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي.

«قوله قدس سره: ثم انك قد عرفت مما ذكرنا انه ليس جواز الرجوع»

تارة نقول بأن المعاطاة توجب الملكية و الانتقال غاية الامر بلحاظ الاجماع نلتزم بالملكية الجائزة و اخري نقول: بأن المعاطاة التي قصد بها الملكية توجب الاباحة و ثالثة نتكلم في المعاطاة التي قصد بها الاباحة أما علي الاول فنقول: القدر المعلوم من الاجماع وجود الخيار ما دام كون المتعاملين في قيد الحياة و لم يعرضهما جنون أو سفه فيؤخذ بدليل اللزوم الا في المقدار الذي علم بوجود الخيار كما ان مقتضي الاقتصار علي القدر المعلوم عدم الخيار علي فرض الاسقاط.

و بعبارة اخري: المقتضي لبقاء الخيار بعد الاسقاط احد أمرين احدهما: اطلاق دليل الخيار ثانيهما: استصحاب الخيار بعد الاسقاط و شي ء من الوجهين لا يؤثر أما الوجه الأول فلان المفروض عدم الاطلاق و الدليل هو الاجماع و الاجماع دليل لبي لا اطلاق له.

و أما الوجه الثاني فلان الاستصحاب لا يجري في الحكم الكلي و أما علي الثاني فلا بد من متابعة الدليل اذ قد مر

منا ان مقتضي دليل الاباحة الشرعية ان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و لا مجال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 99

لان يقال: ان البيع الصادر من المالك أثر في الانتقال و الملكية فنأخذ بمقتضاه و نرفع اليد بالمقدار الذي دل الدليل علي ارتفاعه فان المقصود للمالك البائع و المشتري الانتقال من اوّل الامر و المفروض عدم تحققه و أيضا المفروض انهما لم يقصدا الا الملكية الخاصة و لم تحصل و غيرها لم يكن مقصودا و التمسك لاثبات القسم الاخر بالسيرة غير صحيح اذ المفروض ان السيرة جارية علي الملكية من أول الامر علي نحو اللزوم و لا سيرة علي فرض القول بالإباحة.

و أما علي الثالث فالامر أشكل فان المفروض ان المتعاملين لم يقصدا البيع بل مقصودهما الاباحة و تحقق الملكية بلا معاملة جديدة يحتاج الي الدليل و لولاه فمقتضي القاعدة بقاء العين في ملك مالكها و عدم انتقالها الي غيره فلاحظ.

[السابع: أن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف]

«قوله قدس سره: السابع: ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف»

تارة يقصد المتعاقد ان بالمعاطاة الاباحة و اخري يقصد ان الملكية و علي الفرض الثاني تارة نقول بأنها تفيد الملك اللازم كالعقد اللفظي و اخري نقول انها تفيد الملك الجائز و ثالثة نقول انها تفيد الاباحة فالصور المتصورة اربع.

أما الصورة الاولي فلا كلام في كونها خارجة عن دائرة البيع و لا مجال لتوهم جريان احكام البيع عليها اذ المفروض ان المالك قصد الاباحة فان لكل مالك أن يبيح التصرف في ماله لغيره و بقاء الاباحة ببقاء إباحة المالك و من بيده الامر.

و أما الصورة الثانية فلا اشكال في ترتب احكام البيع عليها

و لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 100

اختصاص لتلك الاحكام بالعقد اللفظي و لا دليل عليه و عهدة دعوي انصراف ادلة تلك الاحكام الي العقد اللفظي، علي مدعيها.

و أما الصورة الثالثة فأيضا الامر كذلك اي يترتب عليها احكام البيع من الخيار و غيره و اختصاص حكم الخيار بالعقد الذي بنائه علي اللزوم لو لا ترتب الخيار، لا وجه له و الا يلزم عدم ترتبه علي البيع الّذي اشترط فيه الخيار من اوّل الامر.

و أما الصورة الرابعة فان قلنا بأنه استفيد من الشرع الاقدس انه لا تترتب عليها الملكية الا بعد عروض احد الملزمات نلتزم بجريان أحكام البيع عليها من ذلك الزمان كزمان التلف مثلا نظير تحقق الانتقال في الصرف و السلم من زمان تحقق القبض.

و علي الجملة: ان تم الدليل يمكن أن يقال ان البيع المؤثر الشرعي عبارة عن المعاطاة و تحقق الملزم فتكون المعاطاة قسما من البيع و يترتب عليها احكام البيع من الخيار و غيره و عليه يكون مبدأ الخيار من زمان اعتبار الشارع كونها بيعا و هو زمان الانتقال و قبله تكون العين باقية علي ملك مالكها غاية الامر الشارع الاقدس جوز التصرفات التي تصدر ممن تكون العين في يده و هذا الّذي نقول لا ينافي مع ما مرّ منا من أن الحكم بالإباحة ينافي الصحة بل لا بد من الحكم بالبطلان فان ما وقع لم يقصد و ما قصد لم يقع، فان ما ذكرناه سابقا مبني علي عدم قيام دليل علي الصحة من زمان اللزوم و أما مع قيام الدليل فلا مانع عن الالتزام بهذه المقالة كما ان الامر كذلك في بابي الصرف و السلم.

و بما ذكرنا ظهر ان

المعاطاة بيع من اوّل الامر لا انها تصير بيعا بعد التلف كي يقال: انه لا مقتضي لكونها بيعا بعد ما لم تكن فانها بيع من اوّل الامر غاية الامر الشارع الاقدس قيدها بقيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 101

و اشترط فيها شرطا.

«قوله قدس سره: لاطباقهم علي أنها ليست بيعا حال وقوعها»

الظاهر ان مرادهم بالنفي عدم ترتب اثر البيع عليها حال وقوعها لا سلب العنوان اي عنوان البيع عنها و بين المقامين بون بعيد.

«قوله قدس سره: فهل الثلاثة من حين المعاطاة»

قد ظهر مما ذكرنا ان مبدأ الخيار من حين اللزوم لا من باب ان الخيار لا يتصور مع الجواز بل من باب ان الخيار حكم للعقد الصحيح و المفروض ان العقد قبل تحقق الملزم غير تام في نظر الشارع.

«قوله قدس سره: اللهم الا أن يجعل المعاطاة جزء السبب»

فانه المتعين.

«قوله قدس سره: و الاقوي عدم ثبوت خيار الحيوان»

بل مقتضي القاعدة جريان خيار الحيوان فيها بعد تحقق اللزوم و أما قبله فلا يجري فيه خيار الحيوان و لا غيره لعدم تمامية العقد شرعا كما مرّ.

«قوله قدس سره: و أما خيار العيب و الغبن»

قد ظهر بما ذكرنا عدم الفرق بين أقسام الخيار و ان جميع اقسامه تجري في المعاطاة.

«قوله قدس سره: كما ان خيار المجلس منتف»

لا فرق بين خيار الحيوان و المجلس فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو بيعا متزلزلا»

هذا هو المتعين فانه لا اشكال في كونها بيعا غاية الامر تكون جائزة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 102

«قوله قدس سره: حتي يتبعه حكمها بعد اللزوم»

بل تعرضها احكام البيع قبل اللزوم كما مرّ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ان القول بالإباحة لا تنافي الالتزام بالملكية بعد تحقق احد

الملزمات.

[الثامن لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي المعركة بين الخاصة و العامة بما إذا تحقق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل]

«قوله قدس سره: فهل يرجع ذلك الانشاء القولي الي حكم المعاطاة»

الذي يختلج بالبال أن يقال انه لا وجه لاشتراط قيد في العقود و الايقاعات بل الميزان بصدق العنوان المأخوذ في دليل صحة ذلك العقد أو الايقاع فانه مع صدق العنوان يؤخذ بإطلاق دليل الصحة مثلا الميزان في باب البيع صدق عنوانه و بعد فرض الصدق يؤخذ بإطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و هكذا في بقية العقود و الايقاعات و لا يشترط في شي ء منها خصوص اللفظ فضلا عن اشتراط شروط في اللفظ فان الامر الانشائي متقوم بالاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز بلا فرق بين الفعل و القول.

نعم يشكل الامر في موردين احدهما: في مورد لا يكون لدليل الامضاء اطلاق فلا بد فيه من الاقتصار علي القدر المتيقن اذ مع الشك يكون المرجع في باب الوضعيات التقييد و التضييق بخلاف باب التكاليف فان المرجع فيها أصل البراءة.

ثانيهما: أن يقوم دليل علي الاشتراط في مورد خاص كما هو كذلك في باب الطلاق فانه لا يتحقق الا بالصيغة الخاصة فعلي هذا الاساس لا يبقي مجال لهذا البحث لكن لو اغمض عما ذكرنا و قلنا:

ان البيع لا يتحقق الا بالصيغة الخاصة فلو تحقق اللفظ خاليا عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 103

الشرط فهل يترتب عليه حكم المعاطاة؟

الحق انه لا يترتب عليه فانه علي هذا الاساس يكون الالتزام بتأثير المعاطاة في الاباحة الشرعية بدليل خاص و لا وجه لتسرية ذلك الحكم الوارد في ذلك المقام الي غيره بلا فرق بين تحقق التقابض بعد العقد اللفظي الفاسد و عدمه اذ التقابض الواقع بعد اللفظ كالتقابض الواقع بعد كل عقد فاسد و كالتقابض الواقع بعد القمار

فانه وفاء بذلك العقد الفاسد نعم لو قصدا المعاملة و تعاملا معاطاة يترتب عليها ذلك الاثر اذ لا نشترط في المعاطاة أن لا يسبقها عقد فاسد لكن هذا استثناء منفصل و أيضا لو كان المالك راضيا بتصرفات الطرف الاخر في ماله يجوز التصرف له بجواز التصرف في مال الغير برضاه و هذا فرض خارج عن محل الكلام و لو أراد كل منهما إباحة ماله للآخر باللفظ تتحقق الاباحة بلا كلام و لا اشكال.

«قوله قدس سره: و لا يكفي فيه عدم العلم»

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: «انه لا مجال لاستصحاب بقاء الرضا اذ كل تصرف يحتاج الي الرضا و مقتضي الاصل عدمه فالاستصحاب يقتضي الحرمة لا الجواز».

و الذي يختلج بالبال أن يقال: تارة يتعلق رضي المالك بالتصرف في ماله بمقدار ساعة فلو شك في الزائد يكون مقتضي الاصل عدم حدوثه، و اخري يتعلق بالتصرف بمقدار ساعة و قبل انتهاء الساعة يشك في رجوعه فلا اشكال في أن مقتضي الاستصحاب عدم رجوعه الغير في داره و يقول في الحال الحاضر انا راض بسكونتك في داري و أما بعد فلعل اللّه يحدث امرا فلا اري مانعا من استصحاب بقاء رضاه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 104

بالسكونة لو شك في بقاء رضاه كما ان الامر كذلك في بقية الموضوعات مثلا لو كان زيد مشغولا بالتكلم و نشك في بقائه و عدمه يجري الاستصحاب و نحكم ببقائه علي التكلم و كذا لو كان قائما و هكذا و هكذا فلاحظ.

«قوله قدس سره: جهة تقييدية»

أي دفع العين بعنوان ان المدفوع إليه مالك للعين و داين و بعبارة اخري: لا يرضي بالدفع الا بعنوان الوفاء بالعقد و لا يكون راضيا

بالدفع علي الاطلاق.

«قوله قدس سره: فان بناء الناس علي أخذ الماء»

لا يبعد أن تتحقق المعاطاة بما ذكر فان المالك أي صاحب الدكان قد اذن بقبض الماء و البقل و وضع الفلوس في المحل المعدّ له فكأن القابض و الاخذ بالوكالة من المالك يأخذ البقل و بالاصالة يدفع الفلس و صاحب البقل باذنه في الوضع في المحل المعد له كانّه يقبض الفلوس بالواسطة و بالآلة فيتحقق البيع و الشراء بهذا النحو.

«قوله قدس سره: و علي دخول الحمام»

لا يبعد أن يكون صاحب الحمام راضيا بالغسل بالضمان فالداخل في الحمام يصير ضامنا و يدفع دينه بوضع الفلوس في الكوز و كان الحمامي يأخذ الفلوس بالواسطة فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي القول بالإباحة»

بل الامر كذلك علي القول بالملكية و لم يعلم وجه تخصيص الحكم بصورة القول بالإباحة أما الاباحة المالكية أي يكون آخذ البقل يقصد الاباحة فهو خارج عن محل الكلام اذ الكلام في المعاملات المتعارفة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 105

التي يقصد بها التمليك و مع قصد التمليك لا فرق في النتيجة بين أن يحكم الشارع بالملكية و بين ما يحكم بالإباحة فلاحظ.

مقدمة في خصوص الفاظ البيع:

اشارة

«قوله قدس سره: قد عرفت ان اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود مما نقل عليه الاجماع»

ربما يقال: انه يمكن الاستدلال علي المدعي أي اعتبار اللفظ في العقود بأمور: الاول الشهرة العظيمة الفتوائية.

و فيه انه قد ثبت في محله ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة بلا فرق بين العظيمة منها و غيرها.

الثاني: الاجماع المنقول. و فيه: انه قد تقرر في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه سيّما في المقام حيث انه يحتمل استناد المجمعين الي بعض النصوص الذي نشير إليه إن

شاء اللّه تعالي.

الثالث: جملة من النصوص و قد تعرضنا لهذه النصوص في اوائل بحث المعاطاة تبعا للشيخ حيث قال قدس سره «و قد يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار» فراجع ما ذكرناه هناك و ملخص ما قلناه هناك ان الاخبار المشار إليها لا تدل علي المدعي أما النص الوارد في بيع المصحف «1» فيدل علي النهي عن بيع المصحف و جواز بيع الغلاف و نحوه.

و أما الخبر الدال علي تحليل الكلام و تحريمه «2» فقد فرض في

______________________________

(1) تقدم في ص 59.

(2) تقدم في ص 59.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 106

مورده الكلام و أما الخبر الوارد في بيع القصب «1» فقد فرض كون البيع واقعا علي الكلي و لا يتحقق بالمعاطاة بالإضافة الي أن السائل يسأل عن حكم ما لو احترق القصب فلا يستفاد من تلك الاخبار الاشتراط و يضاف الي ذلك عدم تمامية اسناد تلك الروايات فلاحظ.

«قوله قدس سره: لا لاصالة عدم وجوبه»

فان مقتضي الاصل في الامور الوضعية هو الاشتراط و التقييد مثلا لو شك في اعتبار العربية في صيغة النكاح لا بد من الالتزام باعتبارها اذا لم يكن اطلاق لان مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الزوجية و قس عليه بقية الموارد بخلاف باب التكاليف فان مقتضي البراءة السعة و عدم الالزام.

و ربما يقال- كما عن المحقق الايرواني قدس سره-: انه لا فرق بين التكليف و الوضع من هذه الجهة أي يمكن رفع الحكم الوضعي بحديث الرفع حيث ان الامام عليه السلام استدل بحديث الرفع علي فساد طلاق المكره و عتاقه.

لاحظ ما عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك

أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا ثم قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2».

و لاحظ ما رواه سعد بن أبي خلف قال: قلت لابي الحسن موسي عليه السلام اني كنت اشتريت أمة سرا من امرأتي و انه بلغها ذلك فخرجت من منزلي و أبت أن ترجع الي منزلي فاتيتها في منزل أهلها فقلت لها ان الذي بلغك باطل و ان الذي أتاك بهذا عدو لك أراد أن

______________________________

(1) تقدم في ص 59.

(2) الوسائل الباب 16 من ابواب الايمان الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 107

يستفزّك فقالت: لا و اللّه لا يكون بيني و بينك خير ابدا حتي تحلف لي بعتق كل جارية لك و بصدقة مالك ان كنت اشتريت جارية و هي في ملكك اليوم فحلفت لها بذلك فأعادت اليمين و قالت لي: فقل:

كل جارية لي الساعة فهي حرة فقلت لها: كل جارية لي الساعة فهي حرّة و قد اعتزلت جاريتي و هممت ان أعتقها و اتزوجها لهواي فيها فقال ليس عليك فيما احلفتك عليه شي ء و اعلم انه لا يجوز عتق و لا صدقة الا ما اريد به وجه اللّه عز و جل و ثوابه «1».

فانه يستفاد من النص الخاص ان الحديث الرفع يرفع الحكم الوضعي كما يرفع الحكم التكليفي.

اقول: يرد علي الاستدلال المذكور أولا ان حديث الرفع المتضمن لرفع ما لا يعلم ضعيف سندا و علي فرض تسلم ان المشهور عمل به لا اثر له لما ذكرناه مرارا من عدم جبر الحديث الضعيف سندا بعمل المشهور.

و ثانيا: ان الرفع قابل في مورد يكون الوضع قابلا و

حيث ان الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية امور واقعية انتزاعية و غير قابلة للجعل لا يمكن رفعها أيضا الا برفع منشأ انتزاعها.

توضيح المدعي: ان الامر اذا تعلق بمركب اعتباري كالصلاة مثلا ينتزع من المركب المأمور به ان الركوع جزء للصلاة و أيضا السجود من أجزائها و هكذا و الا فلا يتصور كون الامر الفلاني جزء للصلاة و هذا الجزء المنتزع لا يسقط عن الجزئية الا برفع الامر عن المركب و اذا فرض رفع الامر عن المركب فتعلق الامر بالمركب الفاقد لذلك الجزء يحتاج الي دليل آخر غير حديث الرفع.

و ان شئت قلت: ان حديث الرفع يكون متكفلا للرفع لا للوضع

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من الايمان الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 108

و قس علي الجزئية بقية المذكورات من الشرطية و المانعية و القاطعية.

و ما ورد من الامام عليه السلام من الاستدلال بحديث الرفع لرفع الاثر عن الطلاق الاكراهي مغاير مع المقام فان المستفاد من حديث الرفع و كذلك من استدلال الامام عليه السلام ان الامر الاكراهي لا أثر له و لا يكون موضوعا للحكم الشرعي.

و بعبارة اخري: يكون الرفع واقعيا و تكون النتيجة انه يشترط الطلاق مثلا بعدم كونه اكراهيا و لا يقاس مقامنا بذلك المقام حيث ان ما لا يعلم يكون الحكم الواقعي محفوظا فيه في الواقع فان الاحكام الواقعية محفوظة في حال الجهل كما حقق في محله.

فغاية ما يمكن أن يقال ان حديث الرفع لا يختص بالتكليف بل يشمل الامور الوضعية فتكون النتيجة رفع الحكم عن المجهول و لكن لا دليل علي تعلق الاثر بالفاقد فطبعا يكون داخلا في مورد الشك و مقتضي الاصل عدم ترتب الاثر و

عليه لا بد من الالتزام بالتفصيل بأن نقول في كل عقد أو ايقاع اذا كان اطلاق أو عموم موجودا يرجع إليه في كل مورد مشكوك فيه و يدفع احتمال القيد الفلاني و الشرط الكذائي و مع عدم الاطلاق و العموم لا مناص عن الاحتياط و التحفظ علي كل قيد و شرط الا مع قيام اجماع تعبدي كاشف في مورد خاص.

«قوله قدس سره: بل لفحوي ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الاخرس»

لاحظ ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة ثم يصمت فلا يتكلم قال:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 109

يكون أخرس؟ قلت: نعم فيعلم منه بغض لامرأته و كراهته لها أ يجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا و لكن يكتب و يشهد علي ذلك قلت: لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها؟ فقال بالذي يعرف منه من فعاله مثل ما ذكرت و من كراهته و بغضه لها «1»

«قوله قدس سره: ثم لو قلنا ان الاصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بافادتها الملكية»

يختلج بالبال ان مراده قدس سره من العبارة ان المعاطاة علي فرض عدم كونها كالبيع اللفظي و عدم جوازها انما يختص الحكم بالخروج بالنسبة الي القادر علي الانشاء باللفظ و أما من لا يقدر علي اللفظ فالمعاطاة الصادرة عنه كالبيع اللفظي بلا فرق.

«قوله قدس سره: لفحوي ما ورد من النص علي جوازها في الطلاق»

لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: طلاق الاخرس أن يأخذ مقنعتها فيضعها علي رأسها و يعتزلها «2» و الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: و في بعض روايات الطلاق ما يدل

علي العكس»

لاحظ ما رواه البزنطي «3» فانه يفهم من الحديث ان الكتابة مقدمة علي الاشارة فلاحظ.

«قوله قدس سره: عملا باصالة بقاء الملك»

قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض

______________________________

(1) الكافي ج 6 ص 128 باب طلاق الاخرس الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 3.

(3) تقدم في ص 108.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 110

باستصحاب عدم الجعل الزائد فلا يجري استصحاب بقاء الملك و لكن لا تصل النوبة إليه بل لو لم يتم الدليل علي النقل لكفي لبقاء كل عين في ملك صاحبها قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

فان المستفاد من الآية الشريفة بقاء كل ملك في ملك مالكه و يكون السبب الوحيد للخروج التجارة عن تراض.

«قوله قدس سره: و لان المخاطب لا يدري بم خوطب»

هذا الاشكال في غاية السقوط اذ يمكن افهام المخاطب باقامة القرينة بحيث لا يبقي له شك في المراد و مقتضي القاعدة أن يقال كما مرّ: ان كل عقد أو ايقاع يكون لدليل امضائه الاطلاق و صدق عنوان ذلك العقد أو الايقاع في الخارج يحكم بصحته بمقتضي ذلك الاطلاق الذي فرض بلا فرق بين كون المبرز لذلك الاعتبار النفساني لفظا أو فعلا و علي تقدير كونه لفظا لا فرق بين كونه باللفظ الصريح و كونه بالظاهر في المراد و بلا فرق بين كونه مجازا أو كناية و لا وجه لاشتراط أمر آخر بل الميزان انطباق ذلك العنوان علي ما في الخارج.

«قوله قدس سره: فيفيد إرادة نفسه بالقرائن»

الظاهر انه لا مصداق لهذا الكلي المذكور فان البائع اذا قال أدخلت الدار في ملكك بكذا مقدار و اراد البيع يتحقق البيع و بعبارة اخري: الادخال في الملك له مصاديق فان

كان مع العوض يكون بيعا و ان كان بلا عوض يكون هبة و هكذا.

و ببيان آخر: الانشاء يقع من أول الامر علي التمليك الخاص الا أن يقال هذا هو المقصود اي المقصود ان الادخال في الملك لازم اعم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 111

و فيه ان الادخال في الملك مع العوض ليس الا البيع و لا يقاس بقول القائل زيد كثير الرماد فانه يخبر عن كثرة رماده لكن مراده الجدي كونه جوادا نعم لا يبعد أن ينطبق علي المقام ما لو قال البائع للمشتري تصرف في هذه العين تصرفا جائزا و أراد بهذا الجملة بيع العين فان جواز التصرف في العين لازم أعم للبيع اذ جواز التصرف يجتمع مع البيع و الاجارة و الهبة و العارية و القرض الي غيرها فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الّذي يظهر من النصوص المتفرقة»

قد اشيرت الي هذه النصوص سابقا و قلنا هذه النصوص لا تدل علي اشتراط اللفظ في الايجاب و القبول فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه الامر بالتأمل ان الفقهاء الذين لم يتعرضوا لخصوص لفظ خاص في الايجاب لم يكونوا في مقام البيان من هذه الجهة بل كانوا في مقام بيان لزوم كون العقد باللفظ فقط فلا يمكن استفادة الاطلاق من كلامهم لعدم تمامية مقدمات الحكمة هذا.

و لكن يرد علي هذا البيان انه لو فتح باب هذا التقريب لا نسد باب الاخذ بإطلاق الكلام في كل مورد شك في كون المتكلم في مقام البيان أم لا و الحال ان مقتضي اصالة البيان حمل كون المتكلم في مقام البيان فلاحظ.

«قوله قدس سره: بلفظ السلم»

السلم عبارة عن تعجيل الثمن و التأخير في المبيع و بعبارة اخري

دفع الثمن عاجلا و تسليم المبيع آجلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 112

«قوله قدس سره: وليتك العقد … »

التولية في البيع، بيع السلعة برأس المال فان هذا كله يؤيد ما قلناه من عدم وجه لاشتراط مادة خاصة و نحو مخصوص في صيغة البيع بل ينعقد بكل لفظ يدل علي المراد و يصدق عليه في العرف عنوان البيع.

«قوله قدس سره: و التشريك في المبيع بلفظ شركتك»

لا يبعد أن يكون المراد من الجملة أن المشتري بعد اشتراء العين يشرك صديقه في المبيع و يبيع نصف العين منه و يقول له شركتك.

«قوله قدس سره: فالخطاب في نفسه محتمل لا يدري المخاطب … »

لا اشكال في أن ابراز ما في النفس يمكن باللفظ فابراز المقصود باللفظ أمر ممكن و عليه لا يتجه ما أفاده الماتن و لا يصح ما أفيد في المقام فلاحظ.

«قوله قدس سره: لكن هذا الوجه لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثله الكناية»

مثلا لو قال البائع: أدخلت الدار في ملكك بكذا يكون الدال علي البيع اللفظ الكنائي و مع ذلك يكون باللفظ اضف الي ما مرّ آنفا من أنه يمكن الابراز باللفظ في جميع الموارد.

«قوله قدس سره: دخلت في الكناية التي عرفت ان تجويزها رجوع الي عدم … »

قد عرفت انه يمكن الانشاء باللفظ و لا ينافي الاتيان بالكنايات مع الانشاء باللفظ فلا يتم التوجيه المذكور و صفوة القول: انه لو صدق في العرف ان زيدا باع داره من بكر يترتب عليه الاثر اعم من أن يكون انشائه بلفظ بعت أو بغيرها فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 113

«قوله قدس سره: منها لفظ بعت في الايجاب»

لا اشكال في تحقق ايجاب البيع

بلفظ بعت انما الاشكال في أن المستفاد من كلام المصباح- حيث قال في مقام تعريف البيع- «مبادلة مال بمال» ان مفهوم البيع مفهوم متقوم بالطرفين و من ناحية اخري الصحة الوضعية عارضة علي البيع بمقتضي قوله تعالي «احل اللّه البيع» فيقع الكلام في أنه ان قلنا ان البيع عبارة عن مجموع الايجاب و القبول يلزم أن يكون استعمال البيع في قول البائع بعت استعمالا مجازيا أو نلتزم بكون لفظ البيع مشتركا بين معنيين و الالتزام بكلا الامرين مشكل.

و ان قلنا البيع اسم لخصوص الايجاب فتعريف المصباح يقع مورد الاشكال مضافا الي أن لازمه أن يكون البيع في قوله تعالي «احل اللّه البيع» مجازا اذ من الظاهر ان مجرد الايجاب لا يكون مورد الامضاء فما الحيلة.

و الذي يختلج بالبال أن يقال لفظ البيع موضوع لخصوص الايجاب مقابل الاشتراء و أيضا مفهوم البائع في مقابل المشتري و لا يتوجه اشكال.

و أما امضاء البيع فنقول المراد من البيع الذي يكون مورد الامضاء الحصة الخاصة منه و هي الايجاب المتعقب بالقبول مع بقية الشرائط.

و ان شئت قلت: لا اشكال في أن البيع علي اطلاقه و ارساله لا يكون مورد الامضاء بل الممضي بالفتح البيع مع جميع الشرائط المقررة و من جملة تلك الشرائط أن يتعلق به القبول.

و أما تعريف المصباح فيمكن أن يقال ان مراده من المبادلة التبديل و استعمال باب المفاعلة بالفعل القائم بطرف واحد كثير و ليس بعزيز و يمكن أنه أراد بالبيع الحصة الخاصة منه مضافا الي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 114

أن الامر اذا وصل الي كلامه يكون سهلا اذ غاية ما يلزم أن يكون كلامه ناشيا عن الاشتباه و هو أمر ممكن.

[الإشارة إلي بعض ألفاظ عقد البيع]

«قوله قدس سره: و لا يخلو عن وجه»

و لكنه غير وجيه فان الميزان الذي ذكرناه صدق عنوان ذلك العقد أو ذلك الايقاع و لا دليل علي أكثر من هذا المقدار فلاحظ.

«قوله قدس سره: و فيه اشكال»

لعل وجه الاشكال ان مقتضي اطلاق كلامهم عدم الفرق فلا وجه للتفصيل.

«قوله قدس سره: و أما القبول فلا ينبغي الاشكال في وقوعه بلفظ قبلت»

ظهر مما تقدم منا ان هذه التفصيلات بلا طائل فان الميزان بصدق عنوان العقد المقصود أو الايقاع كذلك و الزائد عن هذا المقدار لا دليل عليه.

و لسيدنا الاستاد كلام في المقام و هو انه لو تحقق الايجاب من الطرفين بأن قال احدهما بعت داري ببستانك و مقارنا لهذا الايجاب قال الاخر بعتك بستاني بدارك يتحقق العقد و يترتب عليه الاثر لصدق العقد و التجارة فان العقد ارتباط احد الالتزامين بالآخر و التجارة لا تتقوم بالايجاب و القبول.

و يرد عليه أولا ان قد ذكرنا مرارا ان دليل وجوب الوفاء بالعقد لا يمكن أن يكون ناظرا الي جعل الصحة بل متعرض للزوم العقد الذي فرض كونه صحيحا و ذكرنا أيضا ان صدق التجارة علي غير البيع محل الكلام و الاشكال و ثانيا: انه كيف يرتبط احد الايجابين بالآخر مع فرض كون ايجاب كل واحد من الطرفين ايجاب مستقل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 115

و إنشاء اجنبي عن إنشاء الطرف المقابل.

«قوله قدس سره: وجهين»

ربما يقال بأن القبول لا يتحقق بلفظ الامضاء اذ الامضاء يتعلق بالعقد و العقد مركب من الايجاب و القبول فالامضاء متأخر عن القبول رتبة.

و بعبارة واضحة ان الامضاء فرع تحقق العقد و العقد مركب من الايجاب و القبول فكيف يمكن تحقق القبول بلفظ الامضاء و

فيه انه يكفي في تحقق القبول انشائه فاذا فرض صدق انشائه بانشاء مفهوم الامضاء يتحقق الموضوع و لا وجه للاشكال فالصحيح تحققه به.

«قوله قدس سره: لو اوقعا العقد بالالفاظ المشتركة»

يمكن تصوير المقام علي نحو يدخل في باب المدعي و المنكر مثلا لو كان احد العوضين حيوانا فادعي من انتقل إليه الحيوان كونه مشتريا و ادعي الاخر كونه بايعا يكون المدعي للخيار قوله خلاف الاصل و يلزم عليه أن يقيم البينة و أما الطرف الاخر فيكون قوله موافقا للاصل و هو اللزوم و عدم الخيار فيكون القول قوله.

[في شروط عقد البيع]
[مسئلة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة المحكي عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان اعتبار العربية في العقد»

ما يمكن أن يذكر أو ذكر في وجه الاشتراط امور:
الأمر الأول: التأسي بالنبي صلي اللّه عليه و آله

فانه كان ينشئ العقود و الايقاعات بالعربي و فعله حجة كقوله و تقريره.

و فيه انه لا دليل علي وجوب التأسي به علي الاطلاق الا فيما علم ان فعله بعنوان التشريع و بيان الحكم و لم يعلم منه ذلك في المقام بل علم عدمه فانه لو كانت العربية شرطا في عقد البيع لذاع و شاع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 116

و لم يقع مورد البحث مع عموم البلوي به في كل زمان و مكان مضافا الي أن احتمال اشتراطها مرفوع بإطلاق دليل صحة البيع و التجارة فالوجه المذكور في غاية السقوط.

الأمر الثاني: ان عدم جواز إنشاء البيع بالعربي غير الماضي يدل بالاولوية علي عدم جوازه بغير العربي.

و فيه: أولا ان عدم الجواز بغير الماضي ممنوع فلا موضوع للاولوية المدعاة.

و ثالثا: انه قد دل بعض النصوص علي جواز إنشاء البيع بغير الماضي و غير العربي لاحظ حديث محمد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أني لاكره بيع عشرة باحدي عشر و عشرة باثني عشر و نحو ذلك من البيع و لكن أبيعك بكذا و كذا مساومة، قال: و أتاني متاع من مصر فكرهت أن ابيعه كذلك و عظم علي فبعته مساومة «1».

و حديث العلاء قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يبيع البيع فيقول ابيعك بده دوازده أو ده يازده فقال لا بأس انما هذه المراوضة فاذا جمع البيع جعله جملة واحدة «2».

و رابعا: انه لا مجال لتوهم الاشتراط المذكور فان السيرة جارية في تمام انحاء العالم الاسلامي غير العربي بانشاء البيع بلغات مختلفة و هل يمكن الالتزام ببطلان معاملاتهم كلا.

الأمر الثالث: ان مفهوم العقد لا يصدق علي الانشاء بغير العربي فلا بد من التحفظ علي العربية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب احكام العقود الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 117

و بطلان دعوي المذكور أوضح من أن يخفي فان الانشاء عبارة عن ابراز ما في النفس باي نحو بلا تقيده بقيد من القيود فاذا كان امرا قائما بالطرفين يصدق عليه العقد و ان كان قائما بالطرف الواحد يصدق عليه الايقاع فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هل يعتبر عدم اللحن من حيث المادة و الهيئة بناء علي اشتراط العربي الاقوي ذلك».

قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: لا بد من التفصيل بين كون الملحون غلطا كلفظ «بغت» بدل «بعت» و ما لم يكن غلطا فنقول بعدم الصحة في الاول و بها في الثاني.

و يرد عليه أولا انه كيف يجمع بين كونه

ملحونا و عدم كونه غلطا قال في مجمع البحرين «يقال لحن فلان في كلامه اذا مال عن صحيح النطق» و قال أيضا «غلط في منطقه كفرح غلطا بالتحريك أخطأ وجه الصواب» و الحاصل انه لا واسطة بين الغلط و الصحيح.

و ثانيا: ان الميزان صدق عنوان البيع فان صدق العنوان يحكم بصحته لعدم دليل علي التقييد في مقابل دليل الامضاء فكل قيد و شرط يرفض بالإطلاق الا أن يقوم دليل معتبر علي الاعتبار فنأخذ به.

«قوله قدس سره: و حكي عن فخر الدين الفرق»

بما ذكرنا ظهر انه لا وجه للتفصيل المذكور و أمثاله فان كلها بلا وجه و المتبع اطلاق دليل الامضاء المقتضي لالغاء جميع القيود.

«قوله قدس سره: الا مع العجز عن التعلم و التوكيل»

لا فرق بين القادر و العاجز فان القادر العالم بجميع الخصوصيات لو أنشأ البيع بغير العربي أو بالعربي غير الماضي غلطا بداع من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 118

الدواعي يكون مؤثرا لاطلاق الدليل حتي في صورة تغير المعني اذ الميزان الكلي كما ذكرنا صدق عنوان البيع.

«قوله قدس سره: ثم هل المعتبر عربية جميع أجزاء الايجاب»

علي ما ذكرنا لا مجال لهذه الابحاث و لكن علي القول به لا بد من ملاحظة المدرك فان كان المدرك الاجماع فلا بد من الاقتصار فيه علي القدر المتيقن منه حيث انه دليل لبي الا أن يفرض اطلاق في معقد الاجماع و هذا فرض في فرض.

و ان كان المدرك للاشتراط الاقتصار علي القدر المتيقن بدعوي ان مقتضي الاصل الفساد فلا بد من رعاية جميع القيود المحتملة كما لا بد من رعاية الخصوصيات المعتبرة في قراءة الصلاة اذ بدون رعايتها لا يحصل اليقين و مقتضي الاصل الفساد.

«قوله قدس

سره: ثم انه هل يعتبر كون المتكلم عالما تفصيلا»

الحق انه يصدق انه إنشاء البيع بالعربي و لا يتوقف علي معرفة المتكلم الخصوصيات المذكورة في كلام الماتن و اللّه العالم.

[مسألة المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية]
اشارة

«قوله قدس سره: المشهور كما عن غير واحد اشتراط الماضوية»

يظهر من كلامه قدس سره أن

ما يمكن ان يذكر في مقام الاستدلال علي الاشتراط وجوه:
الوجه الأول الشهرة الفتوائية

و قد حقق في محله عدم كون الشهرة حجة.

الوجه الثاني: الاجماع المدعي.

و فيه انه حقق في الاصول عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بمنقوله.

الوجه الثالث: عدم صراحة المضارع و الامر في إنشاء البيع.

و فيه أولا انه لا وجه للصراحة بل يكفي الظهور. و ثانيا: انه تتحقق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 119

الصراحة مع القرينة.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 119

و ان شئت قلت: لا فرق بين قول البائع «بعت» و قوله «أبيع» فان كل واحد من اللفظين مع القرينة يمكن أن يكون صريحا في المراد و أما مع عدم القرينة فشي ء منهما لا يكون صريحا و لا ظاهرا.

الوجه الرابع: عدم التعارف الخارجي:

و فيه: انه علي فرض التسليم لا يشترط في صيغة البيع التعارف الخارجي بل بمقتضي الاطلاق أي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و قوله تعالي «تجارة عن تراض» كفاية صدق العنوان.

«قوله قدس سره: في بيع الآبق»

لاحظ ما رواه رفاعة النخاس قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام قلت له: أ يصلح لي أن اشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها انا؟ قال: لا يصلح شراؤها الا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم اشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز «1».

و لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله قال: لا يصلح الا أن يشتري معه شيئا آخر و يقول أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه «2».

«قوله قدس سره: و اللبن في الضرع»

لاحظ ما رواه سماعة قال: سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع فقال

لا الا أن يحلب لك منه اسكرجة فيقول اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمي فان لم يكن

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 120

في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجة «1».

«قوله قدس سره: و فحوي ما دل عليه في النكاح»

و هي جملة من النصوص منها ما رواه ابان بن تغلب قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام كيف اقول لها اذا خلوت بها؟ قال تقول أتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و ان شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما و تسمي (من الاجر) ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فاذا قالت نعم فقد رضيت و هي امرأتك و انت أولي الناس بها «2».

و منها ما رواه ابن أبي نصر عن ثعلبة قال: تقول: اتزوجك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه نكاحا غير سفاح و علي أن لا ترثيني و لا ارثك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما و علي أن عليك العدة «3».

و منها ما رواه هشام بن سالم قال: قلت كيف يتزوج المتعة؟

قال يقول اتزوجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما فاذا مضت تلك الايام كان طلاقها في شرطها و لا عدة لها عليك «4».

و منها ما رواه ابو بصير قال: لا بد من أن يقول فيه هذه الشروط اتزوجك متعة كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما نكاحا غير سفاح علي كتاب اللّه و سنة نبيه و علي أن

لا ترثيني و لا ارثك و علي أن تعتدي خمسة و اربعين يوما و قال بعضهم حيضة «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من هذه الابواب الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 18 من ابواب المتعة الحديث 1.

(3) عين المصدر الحديث 2.

(4) عين المصدر الحديث 3.

(5) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 121

و منها ما رواه الاحول قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت:

ادني ما يتزوج الرجل به المتعة قال كفّ من برّ يقول لها زوجيني نفسك متعة علي كتاب اللّه و سنة نبيه نكاحا غير سفاح علي أن لا ارثك و لا ترثيني و لا أطلب ولدك الي أجل مسمي فان بدا لي زدتك و زدتني «1».

و منها ما رواه هشام بن سالم الجواليقي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال قلت ما اقول لها قال تقول لها اتزوجك علي كتاب اللّه و سنة نبيه و اللّه وليي و وليك كذا و كذا شهرا بكذا و كذا درهما علي أن لي اللّه عليك كفيلا لتفين لي و لا اقسم لك و لا اطلب ولدك و لا عدة لك عليّ فاذا مضي شرطك فلا تتزوجي حتي يمضي لك خمسة و اربعون يوما و ان حدث بك ولد فاعلميني «2».

«قوله قدس سره: علي وجه لا يحتاج الي قرينة»

يرد عليه أولا انه لا وجه لهذا الاشتراط فان الميزان صدق عنوان البيع أو غيره من العقود و الايقاعات باي وجه كان و ثانيا انه كيف يمكن تصوير ما أفاده فان فعل المضارع لا يستفاد منه إنشاء البيع أو غيره الا مع القرينة حالية أو مقالية أو غيرهما فصراحته في الانشاء بلا قرينة أمر غير

ممكن ظاهرا.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل وجه الامر بالتأمل ما ذكرناه فلاحظ.

بقي شي ء و هو ان سيدنا الاستاد أفاد في المقام بانه يجوز إنشاء البيع بالجملة الاسمية كما لو قال هذا لك بكذا اذا قام قرينة علي أن القائل في مقام البيع و أما إنشاء البيع بقوله انا بايع و نحوه فلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من ابواب المتعة الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 122

يجوز اذ يعد في نظر العرف من الاغلاط و مع عدم صدق عنوان البيع علي ما يتحقق في الخارج من الانشاء لا يصح البيع.

و فيه أولا انا نمنع عن كون مثله غلطا و ثانيا انه يفرض كونه غلطا لكن لا نسلم ان عنوان البيع لا يصدق علي الانشاء الغلط و اللّه العالم.

[مسألة الأشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول]

«قوله قدس سره: مسئلة الاشهر كما قيل لزوم تقديم الايجاب علي القبول»

ربما يستدل علي المدعي بالاجماع و حال الاجماع في الاشكال ظاهر مضافا الي أنه علي تقدير تحققه يحتمل استناده الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

كما ان الاستدلال عليه بأن تقديم القبول علي الايجاب خلاف المتعارف مردود بأن مقتضي اطلاق الدليل عدم الفرق بين المتعارف و غيره.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان القبول علي قسمين احدهما:

أن يكون متضمنا للمطاوعة للايجاب ثانيهما: أن لا يكون كذلك بل ينشأ به الاشتراء من دون قصد المطاوعة قال الراغب في مفرداته:

«البيع اعطاء المثمن و أخذ الثمن» «و الشراء اعطاء الثمن و أخذ المثمن» فالشراء عبارة عن اخذ المبدل و اعطاء البدل فان كان القبول بعنوان المطاوعة فلا بد أن يكون متأخرا عن الايجاب اذ قوام المطاوعة بقبول ما وقع في الخارج فلا يعقل فيه التقدم.

و أما

ان لم يكن كذلك فلا محظور في تقدمه علي الايجاب و يؤيد المدعي بل يدل عليه جملة من النصوص منها ما رواه رفاعة «1» فان المستفاد من الحديث جواز تقديم الاشتراء علي ايجاب البيع.

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 119.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 123

و منها ما رواه سماعة «1» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه سماعة أيضا 2 و التقريب هو التقريب.

و صفوة القول: ان القبول اذا كان متضمنا للمطاوعة فلا بد من تأخره عن الايجاب و الا فلا.

و ما في كلام سيدنا الاستاد من التفصيل بين مطاوعة المصدر و اسم المصدر بأن المطاوعة للمصدر غير لازم و مطاوعة معني اسم المصدر لا يتوقف علي التأخر لا يرجع الي محصل صحيح اذ المقصود ان العقد مركب من الايجاب و القبول و لا دليل علي لزوم تقدم الايجاب لكن القبول اذا كان عبارة عن إنشاء الرضا بما تحقق من قبل الموجب فلا يعقل تحققه قبل الايجاب الا علي نحو الوعد و لا يكون قابلا للتفصيل و الظاهر ان عنوان القبول لا يمكن تحققه الا أن يقع بعد الايجاب.

فالنتيجة انه لا يشترط في القبول أن يكون متأخرا عن الايجاب بل البيع متقوم بالتبديل بين المثمن و الثمن و ان الموجب يعطي المعوض و يأخذ الثمن و المشتري يأخذ المعوض و يدفع الثمن بلا فرق بين تأخره عن الايجاب و تقدمه عليه.

و أما لزوم تأخره عنه فيما يكون بعنوان القبول فهو من باب خصوصية في عنوان القبول و مادته.

و ربما يقال: يمكن الاستدلال علي المدعي أي علي عدم اشتراط تأخر القبول عن الايجاب بالنصوص الواردة في المتعة الدالة علي جواز تقدم القبول

علي الايجاب «3».

______________________________

(1) (1 و 2) لاحظ ص: 119.

(3) تقدم تلك النصوص في ص 119 و 120 و 121.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 124

بتقريب ان النصوص المشار إليها تدل علي المقصود في المقام بالاولوية: و فيه انه لا أولوية بل الامر علي العكس اذ يمكن ان الشارع الاقدس سهل الامر في باب النكاح حذرا عن وقوع الزنا فما دونه بخلاف غيره فالتسهيل في ذلك الباب لا يدل علي أن غيره مثله في السهولة.

«قوله قدس سره: و لعله الاصل»

قد ظهر بما ذكرنا انه لا أصل للاصل المذكور و ان المتعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاخذ بالإطلاق و لا يوجب الانصراف فلاحظ.

«قوله قدس سره: و زاد بعضهم ان القبول فرع الايجاب»

قد ظهر مما تقدم ان القبول الذي شرب فيه مفهوم المطاوعة و الرضا بما وقع في الخارج لا بد من أن يكون متأخرا عن الايجاب لكن قد ذكرنا ان البيع متوقف علي البيع من قبل البائع و الاشتراء من قبل المشتري باي نحو تحقق و لا دليل علي لزوم تأخر الاشتراء عن ايجاب البيع بل الدليل علي خلافه.

«قوله قدس سره: و رواية السهل الساعدي»

لاحظ ما رواه سهل الساعدي ان النبي صلي اللّه عليه و آله جاءت إليه امرأة فقالت: يا رسول اللّه اني قد وهبت نفسي لك فقال صلي اللّه عليه و آله لا اربة لي في النساء فقالت زوجني بمن شئت من أصحابك فقام رجل فقال يا رسول اللّه زوجنيها فقال: هل معك شي ء تصدقها فقال و اللّه ما معي الا ردائي هذا فقال ان اعطيتها اياه تبقي و لا رداء لك هل لك شي ء من القرآن فقال نعم سورة كذا و

كذا فقال صلي اللّه عليه و آله زوجتكها علي ما معك من القرآن «1».

______________________________

(1) المستدرك الباب 1 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 125

«قوله قدس سره: و التحقيق ان القبول اما أن يكون بلفظ قبلت و رضيت»

قسم القبول الي اقسام الاول: أن يكون بلفظ قبلت و رضيت و أفاد بأنه لا يجوز تقديمه علي الايجاب و استدل عليه بوجوه.

الوجه الأول: الاجماع. الوجه الثاني: انه خلاف المتعارف من العقد.

الوجه الثالث: ان الرضا بالايجاب يستلزم النقل في الحال لا مجرد ابراز الرضا كي يقال انه يمكن ابراز الرضا بالامر المستقبل.

و يرد علي الوجه الأول ان الاجماع المحصل لا اعتبار به فضلا عن المنقول منه سيما في مثل المقام. و يرد علي الوجه الثاني ان التعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاطلاق كما تقدم. و يرد علي الوجه الثالث ان القبول متضمن للنقل بلا فرق بين تقدمه علي الايجاب و تأخره عنه فان الملكية المتحققة في البيع اما ملكية شرعية و أما عقلائية و اما من قبل البائع و اما من قبل المشتري.

توضيح المدعي: انه لو قال البائع للمشتري بعتك داري بكذا تكون الدار منتقلة الي المشتري و الثمن منتقلا الي البائع و اذا قال المشتري قبل ايجاب البائع اشتريت منك دارك بكذا يتحقق الانتقال كذلك فاذا وقع انشائهما موردا لامضاء العقلاء يتحقق الملكية العقلائية و اذا وقع مورد امضاء الشرع تتحقق الملكية الشرعية.

و صفوة القول: ان الملكية و الانتقال يتحقق من قبل كل واحد من البائع و المشتري بالفعل غاية الامر تارة يكون صحيحا بلحاظ الشرع و اخري لا يكون صحيحا فهذا الوجه أيضا غير صحيح.

و علي

الجملة: ان القبول علي الاطلاق متضمن للنقل بالفعل و لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 126

يفرق فيه بين تقدمه علي الايجاب و تأخره عنه فالحق أن يقال كما تقدم ان القبول اذا كان بعنوان المطاوعة و الرضا بما تحقق فلا بد من كونه متأخرا عن الايجاب و لا يمكن تقدمه عليه و الا فلا مانع من تقدمه و الظاهر ان مادة القبول لا بد فيها من تأخرها.

ثم ان الماتن منع عن جواز تقديم القبول اذا كان بلفظ الامر و استدل عليه بأن الامر يدل علي الرضا بالمعاوضة و لا يدل علي تحققه خارجا.

و بعبارة اخري: الامر طلب للمعاوضة لارضاء بها و ببيان واضح:

لا يتحقق النقل بالفعل بالطلب فلا يتحقق القبول.

و يرد عليه انه تارة يراد بالامر و الطلب مجرد الاستدعاء و طلب إنشاء المعاملة و اخري يقصد بالطلب و الامر الاشتراء اي ينشئ بالامر ما ينشئ بقوله اشتريت فعلي الاول لا يتحقق القبول و أما علي الثاني فيمكن القول بتحقق احد ركني العقد و الالتزام بتقدم الاشتراء علي البيع.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي ان دعوي الاجماع موهونة بكثرة الخلاف و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: متعاكسان»

لا يبعد أن يكون المراد من العبارة ان لفظ رضيت لو تأخر عن الايجاب يدل بالمطابقة علي القبول و بالملازمة علي نقل مال البائع الي نفسه و أما لفظ اشتريت لو تأخر عن الايجاب يدل بالمطابقة علي النقل و بالملازمة علي الرضاء و أما لو تقدم علي الايجاب فلا تدل علي الرضاء بالايجاب حتي التزاما و يدل علي النقل بالمطابقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 127

و أما لفظ رضيت لو تقدم علي الايجاب فلا يدل علي

النقل بل يدل علي الرضاء بالايجاب.

«قوله قدس سره: و لا يخفي انه لا يصدق الارتهان»

لو فرض عدم صدق الارتهان الا بعد تحقق الرهن من الراهن فما أفاده تام بلا اشكال لكن الكلام و الاشكال في أصل الدعوي فان باب الافتعال لم يشرب فيه عنوان المطاوعة و لذا يصدق عنوان الاكتساب و أمثاله علي فعل الشخص ابتداءً.

و دعوي ان اخذ شي ء بعنوان الوثيقة متوقف علي الايجاب السابق من قبل الراهن بلا دليل و علي الجملة: يتصور تقديم القبول علي الايجاب في جميع الموارد المذكورة فلا وجه للتفصيل نعم عنوان المطاوعة و قبول ما وقع من قبل الموجب يتوقف علي التأخر و الا يلزم الخلف المحال.

و صفوة القول: انه لا دليل في مقام الثبوت علي لزوم تأخر القبول عن الايجاب نعم لا بد في مقام الاثبات من وجود دليل يمكن الاخذ به و الا يكون مقتضي الاصل الاولي الجاري في المعاملات الفساد فلاحظ.

[و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه و قبوله»

قال سيدنا الاستاد في منهاج الصالحين في بحث شروط العقد في مسألة 3 «يعتبر في تحقق العقد الموالاة بين الايجاب و القبول فلو قال البائع بعت فلم يبادر المشتري الي القبول حتي انصرف البائع عن البيع لم يتحقق العقد و لم يترتب عليه الاثر أما اذا لم ينصرف و كان ينتظر القبول حتي قبل صح».

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 128

و هذه العبارة تدل علي أن سيدنا الاستاد لا يري الموالاة بين الايجاب و القبول معتبرة و كيف كان

الذي يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و اشكاله ظاهر.

الوجه الثاني: ما افاده المحقق الايرواني قدس سره

و هو انه مع عدم الموالاة ان القبول إما يطابق الايجاب و إما يخالفه أما علي الاول فيلزم تحقق الملكية من حين الايجاب نظير كون الاجازة في البيع الفضولي كاشفا عن صحة العقد من حين تحققه و أما علي الثاني فلا يكون العقد صحيحا لاشتراط التطابق بين الايجاب و القبول.

و فيه أولا: ان الاشكال المذكور جار فيما يكون الفصل قصيرا فان حكم الامثال واحد.

و ثانيا: انه لا دليل علي لزوم التطابق بين الايجاب و القبول بهذا المقدار فان البائع يعتبر المبادلة بين العوضين من زمان الايجاب و المشتري يعتبر المبادلة بينهما من زمان القبول و الشارع الاقدس يمضي العقد من زمان تحققه.

الوجه الثالث: ما عن الشهيد قدس سره

من أن كل أمرين أو امور يجمعها عنوان واحد كالصلاة و الاذان و أمثالهما تشترط الموالاة بينها و يعتبر عدم الفصل بين أجزائها بحيث لا تنعدم الصورة الاتصالية و من هذا القبيل العقد فانه لا بد في تحققه من عدم الفصل بين ايجابه و قبوله و الا لا يصدق عليه عنوان العقد.

و بعبارة اخري: الامر المتدرج الذي له صورة اتصالية لا بد فيه من الموالاة كي لا تختل صورته و أما اذ اختلت الصورة لا يترتب عليه الاثر المطلوب شرعا و العقد من هذا القبيل فلا بد فيه من رعاية الموالاة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 129

و فيه أولا: ان العقد عبارة عن ارتباط احد الالتزامين بالالتزام الاخر و ليس العقد من باب الالفاظ كي يجري فيه هذا التقريب نعم يحتاج العقد الي الابراز و مبرزه ربما يكون اللفظ كما انه يمكن أن يبرز بالفعل كما لو أبرز بالمعاطاة.

و ثانيا: انا نفرض كونه من عالم الالفاظ لكن لا تشترط في صدق

العنوان الموالاة و لذا نري انه لو قرء و ختم القرآن احد في مدة شهر يصدق انه ختم القرآن و عليه الديدن الخارجي و المتعارف عند المؤمنين فصدق العنوان لا يتوقف علي الموالاة علي نحو الاطلاق.

و لا يقاس المقام بالفصل بين الاستثناء و المستثني منه فانه مع الاتصال يكون للكلام ظهور واحد بخلاف صورة الانفصال و لذا يقال الاستثناء من الاثبات نفي و من النفي اثبات و اذا قال احد لا إله و لم يقل الا اللّه يحكم عليه بالكفر.

و علي الجملة: الظهورات العرفية معتبرة عند العقلاء و المستفاد من جملة الاستثناء و المستثني منه يتوقف علي الاتصال.

و بعبارة واضحة: قوامه بالاتصال و أما مسألة استتابة المرتد و أيضا مسألة وجوب تحريم المأموم قبل ركوع الامام فلا يرتبطان بالبحث بل ترتبطان بالدليل الشرعي فان تم الدليل علي الفورية نلتزم بها و الا فلا كما ان لزوم الموالاة في التعريف في مسألة اللقطة متقوم بالدليل الدال عليه و لا يرتبط بالمقام.

نعم لا اشكال في أن الامر التدريجي المتصل المتوالي اذا صار موضوعا للحكم لا بد من رعاية الموالاة فيه فان القضية بشرط المحمول ضرورية لكن الكلام في الصغري.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 130

و ثالثا: انا نفرض عدم صدق عنوان العقد لكن يكفي عنوان البيع و التجارة.

الوجه الرابع: ما عن الميرزا النائيني

و هو ان العقد المعاوضي خلع و لبس و مع عدم الموالاة يلزم أن يتحقق الخلع بلا لبس فيلزم الخلف.

و فيه أولا: ان الاشكال المذكور علي تقدير تماميته جار في الفصل القصير فان حكم الامثال واحد.

و ثانيا: ان الخلع من قبل البائع ملازم مع اللبس كما ان الامر كذلك بالنسبة الي المشتري بيان ذلك: ان البائع اذا

باع داره من احد بالف دينار يخلع ملكية الدار عن نفسه و يجعل تلك الملكية للمشتري و يخلع ملكية الدينار عن المشتري و يجعل لنفسه و المشتري أيضا يفعل مثل فعل البائع غاية الامر ينعكس الامر من قبله و تتحقق المبادلة بفعلهما و العرف يمضي المبادلة المذكورة و كذلك الشارع ففي جميع المراحل يكون الخلع ملازما مع اللبس و لا يلزم الانفكاك فلا يتم الوجه المذكور أيضا.

الوجه الخامس: ان المتعارف الخارجي تراعي فيه الموالاة.

و فيه ان الاطلاق كما ذكرنا مرارا لا ينصرف الي المتعارف الخارجي و التعارف الخارجي لا يكون مانعا عن الاخذ بالإطلاق.

فالنتيجة انه لا دليل علي اشتراط الموالاة بين الايجاب و القبول بل

يمكن الاستدلال علي عدم لزوم الموالاة بوجوه.
الوجه الأول: اطلاق دليل صحة البيع

كقوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» فان مقتضي الاطلاق عدم اشتراط الموالاة.

الوجه الثاني: السيرة العقلائية الخارجية بل السيرة الجارية بين المتشرعة

فانا نري بالعيان و الوجدان عدم رعايتهم للموالاة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 131

في عقودهم فانهم يرسلون الهدايا من البلاد النائية و يحصل قبولها بعد زمان طويل و أيضا يوكلون غيرهم في أمر و يحصل قبول الوكالة من الوكيل بعد فصل زماني طويل.

و الحاصل انه لا اشكال في تحقق المعاملات و العقود بين العقلاء مع كونهم متباعدين و السيرة جارية بينهم بلا نكير من احد.

الوجه الثالث: ما رواه الساعدي

«1» فان المستفاد من الحديث تحقق الفصل بين ايجاب المرأة و قبول نكاحها.

الوجه الرابع: ما رواه ابن صدقة

عن جعفر عن ابيه عليهما السلام قال ولد لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من خديجة القاسم و الطاهر، الي أن قال ثم ولد لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله من أمّ ابراهيم ابراهيم و هي مارية القبطية أهداها إليه صاحب الاسكندرية مع البغلة الشهباء و أشياء معها «2».

فانه يستفاد من هذه الرواية الفصل بين الايجاب و القبول ان قلت:

الكلام في العقد اللفظي و قصّة المارية تحققت بالمعاطاة قلت:

الكلام في اشتراط الموالاة بين الايجاب و القبول فلا فرق بين اللفظ و الفعل.

[و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز في العقد»

ما يمكن أن يذكر لتقريب المدعي وجوه
الوجه الأول: الاجماع

. و قد حقق في محله عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه مضافا الي امكان استنادهم الي الوجوه المذكورة في المقام ان لم يكن مقطوعا به.

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 124.

(2) البحار ج 22 ص 151.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 132

الوجه الثاني: ان التعليق في العقد غير معقول.

و فيه ان التعليق في الانشاء غير معقول اذ الانشاء إما يتحقق و إمّا لا يتحقق و أما التعليق في المنشأ فأمر معقول و واقع في الخارج فان الوصية إنشاء للملكية مثلا بعد الموت و قد حقق في الاصول ان الواجب ينقسم الي المطلق و المشروط فالتعليق اذا تعلق بالمنشإ فلا مانع منه.

الوجه الثالث: ان وجوب الوفاء بالعقد لا ينفك عن العقد فلا بد من كون العقد منجزا كي يترتب عليه وجوب الوفاء.

و يرد عليه أولا: ان وجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا بل وجوب وضعي أي يكون العقد لازما و لا تنافي بين التعليق و اللزوم و بعبارة اخري: مقتضي وجوب الوفاء انه ليس للعاقد الفسخ.

و ثانيا: انه سلمنا ان وجوب الوفاء وجوب تكليفي لكن وجوبه تابع لموضوعه فان كان موضوعه فعليا يكون مترتبا عليه بالفعل و الا يترتب عليه عند تحققه.

و ثالثا: ان هذا التقريب علي فرض تماميته يتم فيما لو كان المعلق عليه أمرا استقباليا كما لو قال بعتك بعد قدوم زيد من السفر و أما لو علق علي أمر فعلي كما لو قال بعتك ان كان هذا اليوم يوم الجمعة فلا يتوجه الاشكال.

و رابعا: انا فرضنا عدم ترتب اللزوم علي العقد لكن نقول لا ينحصر دليل صحة العقد بدليل وجوب الوفاء كي يتم التقريب المذكور فان قوله تعالي «احل اللّه البيع» و أيضا قوله تعالي «تجارة عن تراض» يدلان علي صحة العقد فهذا الوجه أيضا غير تام.

الوجه الرابع: ان دليل صحة العقود توقيفي

فلا بد من الاقتصار علي ما علم من الشرع كونه مؤثرا و الا يكون محكوما بالفساد بمقتضي اصالة الفساد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 133

و يرد عليه ان الميزان اطلاق دليل الامضاء و المفروض ان اطلاق دليل الصحة يقتضي صحة المعلق.

الوجه الخامس: ان اطلاق الدليل ينصرف الي المتعارف فاذا كان التعليق خلاف المتعارف لا يشمله دليل الصحة.

و فيه انه لا دليل علي كون المطلق منصرفا الي المتعارف مضافا الي أن كون التعليق غير المتعارف غير تام.

و ربما يقال ان التقريب المذكور علي فرض تماميته انما يتم بالنسبة الي الدليل المطلق كقوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» لكن لا يتم بالنسبة الي العموم كقوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و هذا التوهم فاسد اما أولا فلان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة بل دليل للزوم العقد الصحيح فانا ذكرنا سابقا ان الوجوب المستفاد من دليل وجوب الوفاء ليس وجوبا تكليفيا اذ من الظاهر ان الفسخ لا يكون حراما فيكون ارشادا الي اللزوم و من الظاهر ان اللزوم فرع الصحة و من ناحية اخري الحكم غير متعرض لموضوع نفسه بل الحكم تابع لوجود موضوعه فلا بد من فرض وجوده كي يترتب عليه الحكم.

و عليه نقول: العقد الذي يترتب عليه اللزوم اما خصوص العقد الباطل أو الجامع بين الفاسد و الصحيح أو خصوص الصحيح لا سبيل الي الاول و الثاني فيكون المراد منه خصوص الصحيح فالنتيجة ان دليل وجوب الوفاء لا يكون دليلا للصحة هذا أولا.

و ثانيا: ان الاطلاق عبارة عن الشمول المستفاد من دليل الحكمة و بعبارة واضحة: الشمول و السريان تارة يستفاد من دليل الحكمة و اخري من الوضع فاذا قال المولي اكرم العالم يستفاد سريان الحكم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 134

من اجراء مقدمات الحكمة في مفهوم العالم و اذا

قال اكرم كل عالم يستفاد العموم من وضع لفظ الكل للعموم و السريان و لكن الحكم يشمل لكل فرد قابل لان يكون مصداقا لمفهوم العالم و لذا لا يشمل من لا يكون عالما.

و بعبارة واضحة: العموم المستفاد من لفظ الكل يقتضي سريان الحكم بالنسبة الي كل فرد من أفراد العالم و أما غير العالم فلا فلو ثبت انصراف لفظ العالم الي خصوص الفقيه لا يستفاد من دليل وجوب الاكرام وجوب اكرام غير الفقيه من العلماء و لا مجال لدعوي ان العموم يقتضي الشمول و عليه لو ادعي احد ان العقد منصرف الي العقد المتعارف الخارجي و فرضنا ان المتعارف الخارجي ما لا يكون فيه التعليق يثبت المدعي و لا اثر للعموم اذ العموم ناظر الي تسرية الحكم الي كل فرد من أفراد مدخول الكل.

و بعبارة اخري: ما يفهم من المدخول يصير عاما ببركة الكل فالعمدة في الجواب عن الاشكال ان الانصراف البدوي لا اثر له.

الوجه السادس: انه يشترط الجزم في العقد و التعليق ينافي الجزم.

و يرد عليه أولا: انهم قائلون بالصحة في مورد التعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد كما لو قال الموكل اذا كانت هذه الدار مملوكة لي فانت وكيلي في بيعها و الحال ان الجزم هنا أيضا مفقود.

و ثانيا: انه ما المراد من الجزم اذ مع تحقق الشرط يجزم بالصحة و التمامية و بعبارة اخري: يجزم العاقد بتحقق العقد مع تحقق الشرط و أي دليل دل علي اشتراط الجزم علي الاطلاق.

و ان شئت قلت: الاستدلال علي المدعي بهذا الوجه مصادرة بالمطلوب مضافا الي أنه يلزم القول بالصحة فيما لو علق علي أمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 135

استقبالي يجزم بتحققه كما لو قال بعتك داري ان جاء زيد من

السفر يوم الجمعة و يلزم القول بالبطلان مع عدم الجزم و لو فيما علق علي امر تتوقف صحة العقد عليه كما لو قال ان كان لي هذا بعتك و الحال انه لا يدري له أم لا و الاصحاب قائلون بعدم الصحة في الصورة الاولي و بالصحة في الصورة الثانية.

و الانصاف انه لا ترجع كلماتهم تحت ضابط كلي و لذا نري ان بياناتهم متناقضة حيث يقولون اذا قال الموكل للوكيل في يوم الاربعاء مثلا انت وكيلي في يوم الجمعة في بيع داري تكون الوكالة باطلة للتعليق و اما لو قال انت وكيلي في بيع داري و لا تبع داري الا في يوم الجمعة تصح الوكالة و الحال انه لا فرق بين الموردين إلا من حيث اللفظ فان الوكالة في المورد الثاني أما مطلقه و أما معلقة و أما مهملة أما الاهمال فهو غير معقول و أما التعليق فالمفروض انه باطل و أما الاطلاق فهو ينافي النهي الواقع في الذيل فان الوكالة الطلقة تقتضي كون الوكيل مطلق العنان و أما الذيل فهو يقتضي التقييد فالذيل ينافي الصدر.

فالنتيجة: انه لا دليل علي لزوم التنجيز في العقود لكن هل يمكن الالتزام بالجواز علي الاطلاق و هل يمكن أن يلتزم الفقيه بجواز بيع زيد داره بعد مضي عشرة أيام؟ أو هل يمكن أن يلتزم بجواز تزويج المرأة نفسها من أول السنة الآتية؟ و هكذا كلا ثم كلا.

«قوله قدس سره: و ان كان الشرط المشية»

المراد من المشية مشية المشتري الاشتراء و من الظاهر ان البيع غير معلق علي مشية المشتري و لذا يمكن أن يقال ان المشتري اذا كان جامعا للشرائط و كان عازما علي عدم البيع و مع ذلك باع

عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 136

البائع منه متاعه و قال بعتك داري و بعد ايجاب البائع بدا له و عزم علي القبول و قبل و قال اشتريت دارك، يصح البيع.

الا أن يقال: ان المراد من العبارة ان التعليق يضر بصحة العقد و لو كان المعلق عليه المشية و ليس المراد اشتراط العقد بالمشية فلا يرد الاشكال علي العبارة.

«قوله قدس سره: لان هذه صفة يقتضيها اطلاق العقد»

يمكن أن يكون المراد من العبارة ان اطلاق العقد من المشتري يدل علي مشيته اذ لو لم يرد لم يشتر و الامر سهل.

«قوله قدس سره: و لهذا احتمل العلامة في النهاية و ولده في الايضاح بطلان بيع الوارث»

الظاهر انه لا وجه للبطلان فان التعليق علي موت المورث تعليق علي ما يتوقف عليه صحة العقد و مثله غير مضر بالصحة جزما فلا وجه للاشكال.

«قوله قدس سره: كما لو شرط في البيع تسليم الثمن»

الظاهر ان مثله خارج عن محل الكلام فان الكلام في تعليق نفس العقد علي أمر و تسليم الثمن متفرع علي العقد فلو علق العقد علي تسليمه لدار فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو ان المشتري راض حين الايجاب»

قد تقدم منا ان ايجاب البائع لا يشترط برضي المشتري لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا و لا عند البائع فلا يكون داخلا في محل البحث.

«قوله قدس سره: كعدم الزوجية»

الانشاء خفيف المئونة و يتحقق علي كل تقدير فلا فرق بين العلم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 137

بالزوجية و الشك فيها و القطع بعدمها فان اعتبار طلاق الاجنبية أمر ممكن فلا تغفل.

[و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول]

«قوله قدس سره: و من جملة شروط العقد التطابق بين الايجاب و القبول»

اشتراط التطابق من الامور الواضحة

فان العقد مركب من الايجاب و القبول و اشرب في القبول المطاوعة و مع عدم المطابقة لا تحصل المطاوعة و لا يرتبط احد الامرين بالآخر فلا بد من التطابق بين الايجاب و القبول في الثمن و المثمن.

و أما الشروط فأفاد سيدنا الاستاد ان الشروط لا ترتبط بالعقد و الا يلزم التعليق في العقد.

و ما أفاده غريب اذ يرد عليه أولا: ان لازم كلامه انه لو باع احد داره من شخص و اشترط عليه أن يخيط ثوبه لم تكن الخياطة علي المشتري واجبا اذ لا يرتبط بالعقد.

و ثانيا: ان الشرط لا يتحقق بماله من المفهوم الا مع الارتباط كما ذكرناه مرارا فالحق أن يقال ان جميع الشروط مربوطة بالعقد فلو باع داره بشرط الخياطة يكون معناه تعليق البيع علي الالتزام بالخياطة فالبيع معلق علي الالتزام و بهذا الاعتبار يصدق مفهوم الشرط و يتعلق به الوجوب فان المؤمن عند شرطه و لا ينفك عنه.

و أما تعليق العقد علي الالتزام فهو غير مضر فان التعليق علي الامر الموجود بالفعل المحرز عند المتعاملين خارج عن مورد الاجماع مضافا الي أنه لا اشكال في صحة مثله و الا يلزم بطلان الشرط علي الاطلاق و هو خلاف ضرورة الفقه فان شرط الفعل جائز بالضرورة.

نعم لو تخلف المشروط عليه و عصي و لم يخط الثوب يترتب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 138

عليه الخيار فان المستفاد من الشرع جواز جعل الخيار علي الاطلاق أو عند التخلف و بعبارة اخري: جعل خيار الشرط ارتكازي و يجوز بلا اشكال.

«قوله قدس سره: و لو قال بعتك العبد بكذا فقال اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه لم ينعقد»

قال السيد اليزدي قدس سره في حاشيته في

هذا المقام: «اقول فيه اشكال و لا يبعد الصحة بل ينبغي القطع بها فيما لو قال بعتك الكتاب بدرهم و الثوب بدرهم و كذا لو قال بعتك الكتاب بدرهم و بعتك الثوب فقال قبلت البيع دون الهبة أو قال بعتك كذا و انكحتك بنتي فقال قبلت البيع أو النكاح و هكذا فيما يرجع الي تعدد المعاملة في الحقيقة» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و الذي يختلج بالبال أن يقال انه تارة يكون العقد متعددا و انما الوحدة في مقام الانشاء كالجمع بين البيع و النكاح و اخري لا يكون كذلك كبيع الدار فان المشتري لو قبل البيع و لم يقبل النكاح يكون صحيحا لتمامية المقتضي و عدم المانع غاية الامر ثبوت خيار الفسخ للبائع ان قلنا بأن المستفاد من كلامه بحسب الفهم العرفي جعل الخيار لنفسه في ظرف عدم قبول النكاح.

و أما لو أوقع البائع البيع علي الدار و قال بعتك داري بمائة دينار فقال المشتري اشتريت نصفها بالمائة أو بخمسين دينارا لم يصح العقد لعدم التطابق و يترتب علي ما ذكر انه لو باع الدار و بعد البيع انكشف ان الدار مشتركة بين البائع و غيره يكون البيع باطلا لان ما وقع غير قابل شرعا للصحة و ما يكون قابلا لها لم يقع.

و الالتزام بالصحة بالنسبة بتقريب الانحلال غير تام و الا يلزم تعدد البيع الي ما لا نهاية له لامتناع الجزء الذي لا يتجزي و ثبوت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 139

خيار المجلس كذلك و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ و هل يمكن أن يلتزم الفقيه بتعدد الخيار باعتبار كون المبيع ذا اجزاء؟ كلا ثم كلا.

و صفرة القول: ان الميزان تعدد العقد

و وحدته فمع التعدد يمكن الالتزام بجواز التبعيض من قبل المشتري و أما مع عدمه فلا مجال للصحة و ليكن هذا في ذكرك كي ينفعك فيما بعد إن شاء اللّه تعالي.

«قوله قدس سره: لم يقع»

الامر كما أفاده اذ المفروض انه بيع واحد و عقد فارد و لا مجال للتبعيض و ما أفاده يؤيد ما بيناه و نعم المؤيد.

«قوله قدس سره: لا يبعد الجواز»

يمكن أن يقال ان ما افاده قدس سره يرجع الي التناقض اذ لو فرض التعدد في الايجاب فما الوجه فيما أفاده أولا بقوله لم يقح؟

و اذا فرض ان العقد واحد فما الوجه فيما افاده ثانيا بقوله لا يبعد.

و الحق أن يقال: يتوقف العقد علي قبولهما معا بأن يقولا قبلنا البيع فكأن المشتري مجموعهما و المبيع مجموع الدار فالمشتري واحد كما ان المبيع كذلك.

«قوله قدس سره: و فيه اشكال»

قد ظهر مما ذكرنا وجه الاشكال فان المفروض ان البيع واحد و المبيع واحد أيضا فلا مجال لقول المشتري قبلت كل نصف فان العقد لم يتعلق بالنصف و بالكسر المشاع و الا فلا يقف الي حد معين فلاحظ.

و في المقام رواية و هي مكاتبة الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في رجل له قطاع ارضين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 140

«الارض» فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود ارضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود اشهدوا اني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حدّ منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري

ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد اقر له بكلها؟ فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانه ربما يستفاد من الحديث انحلال البيع بانحلال أجزاء المبيع و يمكن أن يقال: ان القاعدة الاولية كما بينا عدم الجواز فلا بد من رفع اليد عن القاعدة بمقدار دلالة المكاتبة و أما الزائد فلا و المقدار المستفاد من الحديث ان البائع لو باع مملوكه و غير مملوكه صفقة واحدة يصح البيع بالنسبة الي مملوكه و لا يصح بالنسبة الي غير مملوكه و أما لو باع داره و قبل المشتري بيع نصف الدار فهل يمكن الحكم بالجواز بلحاظ حديث الصفار؟ الانصاف انه يشكل الالتزام بعموم الحكم فالنتيجة الحكم بعدم الجواز الا بالمقدار المستفاد من الحديث فلاحظ.

«قوله قدس سره: و من جملة الشروط في العقد أن يقع كل من ايجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء»

لم يرد في هذا المقام دليل خاص لا من الكتاب و لا من السنة و انما الميزان صدق العناوين المأخوذة في لسان ادلة الامضاء من البيع و التجارة و أمثالهما.

فنقول: لا دليل علي لزوم كون المشتري واجدا لشرائط الصحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 141

حين إنشاء البائع فلو كان محجورا حين انشائه و بعد تمامية انشائه زال عنه الحجر و قبل يصح العقد و هكذا و لذا نري ان فلانا يكتب كتابا الي غيره و يبيعه كذا مقدار حنطة بثمن و يصل المكتوب الي الطرف بعد شهر و في اثناء الشهر المذكور يمكن أن لا يكون الطرف

قابلا للمعاقدة لجنون أو حجر أو غيرهما و أما عند وصول الكتاب يكون جامعا للشرائط يكون العقد صحيحا لو تم القبول من قبل الطرف المقابل.

نعم لو زال جواز التصرف من قبل البائع كما لو صار مجنونا قبل قبول الطرف لا يصح العقد و أما لو غفل أو نام أو نسي كما هو المتعارف الخارجي فلا يضر بصحة القبول فالميزان الكلي صدق العنوان المأخوذ في موضوع الدليل و عدم قيام دليل من الخارج علي الخلاف فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انهم صرحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره»

المصنف يتعرض لحكم بيع المكره و نتعرض هناك لما يخطر ببالنا القاصر إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

[فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه]

«قوله قدس سره: فرع لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة فهل يجوز أن يكتفي كل منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا وجوه ثالثها اشتراط عدم كون العقد المركب منهما مما لا قائل بكونه سببا في النقل كما لو فرضنا انه لا قائل بجواز تقديم القبول علي الايجاب و جواز العقد بالفارسي أردؤها اخيرها»

يمكن أن يكون وجه كونه أردأ الوجوه ان عدم القائل بالفارسية مثلا ان كان موجبا لكشف بطلان القول بها فالقائل بها أيضا يرجع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 142

عن قوله فلا يبقي موضوع للاختلاف و ان لم يكن موجبا لكشف البطلان فلا خصوصية لعدم القول بها.

«قوله قدس سره: و الاولان مبنيان»

أما علي القول بالطريقية في باب الامارات فالامر ظاهر فان الاثر مترتب علي الواقع و لا اثر لوجود الامارة و بعبارة اخري:

وجود الامارة كعدمها و الميزان هو الواقع و أما علي السببية فالشيخ قدس سره في مقام التصحيح.

و قد فسر مرامه بعض المحققين بأنه فرق بين الامور

التكليفية و الامور الوضعية فان الامور التكليفية تختص بالقائل بها حتي علي القول بالموضوعية مثلا لو ذهب مجتهد الي القول بجواز شرب العصير قبل ذهاب الثلثين لا وجه لتسرية الحكم الي غيره و النتيجة ان الشرب يكون للقائل جائزا و لغيره حراما و أما في البيع و أمثاله فلا مجال للتفصيل مثلا لو ذهب فقيه الي جواز البيع بالعقد الفارسي و باع داره به تكون الدار خارجة عن ملكه واقعا و يكون الثمن داخلا في ملكه واقعا فكيف يمكن أن لا تكون الدار داخلة في ملك الطرف المقابل القائل بالبطلان هذا ملخص التقريب المستفاد من كلام بعض اهل النظر في مقام توجيه كلام الشيخ قدس سره.

و الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال لا يتم التقريب المذكور و لا وجه للتفصيل بين التكليف و الوضع فان الاعتبار خفيف المئونة و أي تناف بين اعتبار كون شي ء ملكا لزيد بالنسبة الي احد و عدم اعتباره بالنسبة الي الاخر و لا نري تلازما بين الامرين فكما انه يمكن التفكيك في الحكم الظاهري كذلك يمكن في الحكم الواقعي فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 143

«قوله قدس سره: و أما الموالاة و التنجيز»

فعليه لا بد من التفصيل بين القسم الأول و الثاني بأن يلتزم بالصحة في الاول و الفساد في الثاني بالتقريب المذكور في العبارة.

و يرد عليه انه ان قلنا و التزمنا بالصحة في القسم الأول لا بد من الالتزام بها في القسم الثاني أيضا اذ لا اشكال في ارتباط احد الامرين بالآخر فان الايجاب لو لم يكن تاما عند القابل يكون قبوله لغوا و أيضا لو كان القبول باطلا في نظر الموجب يكون ايجابه لغوا فلا مجال

للتفصيل اذ لو كانت الصحة عند احدهما كافية بالنسبة الي الاخر يتحقق العقد علي نحو الكمال عنده و الا فلا و لعل أمره بالتأمل في ذيل كلامه اشارة الي ما ذكرنا.

[مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و ضمانه عليه]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه»

هذا من الواضحات اذ المفروض فساد العقد و الفارق بين السبب الفاسد و الصحيح عدم ترتب الاثر علي الاول و ترتبه علي الثاني و بعبارة واضحة: دليل الامضاء إمّا يشمل السبب الفاسد و إمّا لا يشمل أما علي الاول فيلزم الخلف المحال فانّه فرض فساد السبب و أما علي الثاني فيتم المدعي و علي الجملة: فهذا المقدار مما لا كلام فيه و لا ريب يعتريه فلاحظ.

[الأول مما يتفرع علي القبض بالعقد الفاسد الضمان]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما الضمان بمعني كون تلفه عليه»

المدعي ان المقبوض بالعقد الفاسد لو تلف في يد القابض يكون ضمانه عليه

و ما يمكن أن تذكر في تقريب الاستدلال عليه وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ان الاجماع المحصل لا يكون حجة كما ثبت في محله فكيف بالمنقول منه مضافا الي أن المظنون بل المقطوع به ان المجمعين مستندون الي الوجوه المذكورة في المقام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 144

الوجه الثاني النبوي المعروف «علي اليد ما أخذت حتي تؤديه «1»»

و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا جابر لها.

ان قلت: ان المشهور عملوا بها و عملهم بالحديث الضعيف جابر له قلت: أولا ان عملهم بها اوّل الكلام و الاشكال فتأمل و ثانيا: انّه قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعفه.

و ان شئت: فقل ان الشهرة بنفسها لا تكون حجة فكيف توجب اعتبار ما لا اعتبار له و بعبارة اخري: ضم ما لا حجية له الي مثله لا يوجب الا تكثير عدد غير المعتبر هذا بالنسبة الي سند الحديث.

و أما من حيث الدلالة فان الحديث لا ينطبق علي ما هو المشهور عند القوم من ضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي من أول الامر فان المستفاد من الحديث ان المأخوذ بعينه في عهدة الاخذ و لا يستفاد التفصيل منه.

و يمكن أن يقال: ان المستفاد من الحديث ان المأخوذ ما لم يرد الي مالكه يكون ضمانه علي الاخذ و بعبارة اخري: الحديث متعرض لاصل الضمان و أما ما يضمن به فالحديث ساكت عنه و لا ينطبق علي القول المشهور فان المدعي ان الاخذ ضامن للبدل الواقعي و الحال ان الحديث غير متعرض لهذه الجهة.

الوجه الثالث: [حرمة مال المؤمن كحرمة دمه]

ما رواه ابو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله سباب المؤمن فسوق و قتاله كفر و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه 1.

و فيه أولا: ان الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان المؤمن فالدليل اخص من المدعي.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أبواب الغصب الحديث: 4.

(2) الوسائل الباب 158 من ابواب العشرة الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 145

و ثانيا: ان الظاهر من الدليل بيان الحكم

التكليفي اي يحرم التصرف في مال المؤمن بدون اذنه و أما الضمان فلا يستفاد من الرواية.

و ثالثا: ان الحديث علي فرض دلالته علي الضمان انما يدل عليه في مورد الاتلاف و الكلام في المقام في التلف و لو كان تلفا سماويا و هل يتوهم احد انه يستفاد من الحديث المذكور ان تلف مال احد بالتلف السماوي يوجب الضمان.

ان قلت: ان المستفاد من الحديث عدم جواز مزاحمة المالك لا حدوثا و لا بقاء أو هذا لا يستفاد منه الا الحكم التكليفي لكن يدل علي الضمان بالالتزام أي لا يجوز المزاحمة حتي بعد التلف فيدل علي الضمان بالالتزام.

قلت: الدلالة الالتزامية المذكورة فرع تحقق الضمان و لا دليل عليه و بعبارة اخري: ما دام لا يكون ضمان لا يكون موضوع للمزاحمة و لا دليل علي الضمان.

و ان شئت قلت: دلالة الحديث علي الضمان بالتقريب المذكور متوقف علي فرض الضمان فلو توقف الضمان علي دلالة الحديث لدار فلاحظ.

الوجه الرابع: ما يدل علي عدم حلية مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه

لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من كانت عنده أمانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1».

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان عدم حلية ماله يقتضي

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 146

الضمان عند التلف. و يرد عليه أولا: ان المذكور في النص عنوان المسلم فالدليل اخص من المدعي.

و ثانيا: انه لا مجال لتعلق الحرمة بالعين الخارجية فان الحكم الشرعي لا يتعلق بالاعيان بل يتعلق بالافعال فلا بد من التقدير فيكون المراد انه لا

يجوز التصرف في مال الغير كما ورد التصريح به في حديث الاحتجاج «و اما ما سألت عنه عن أمر الضياع لناحيتنا هل يجوز الي أن قال فلا يحل لاحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه فكيف يحل ذلك في مالنا الخ» «1»

و ثالثا: انّه علي فرض الاغماض عما ذكرنا يدل الحديث علي الضمان في مورد الاتلاف و الكلام في كون التلف موجبا للضمان و لو كان تلفا سماويا اذ كيف يمكن ان يكون تلف مال المسلم بنفسه موجبا لضمان الغير.

الوجه الخامس: النصوص الدالة علي ان الامة المسروقة اذا وجدت بعد ان أولدها المشتري أخذها صاحبها و اخذ المشتري ولده بالقيمة،

لاحظ ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلمّا أخذ البيع الابن قال ابوه أرسل ابني فقال لا أرسل ابنك حتي ترسل ابني فلمّا رأي ذلك سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «2».

و ما رواه زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: الرجل يشتري

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي المطبوع بالنجف ص 268.

(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 147

الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء الرجل فيقيم البيّنة علي أنها جاريته لم تبع و لم توهب فقال يرد إليه جاريته و يعوضه بما انتفع قال: كان معناه قيمة الولد «1».

و ما رواه جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال يأخذ الجارية

صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته «2».

و ما رواه زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي ارضه فولدت منه أولادا ثم ان أباها يزعم أنها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «3».

و ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه «4».

فان الحكم بضمان الولد مع كونه نماء لم يستوفه المشتري يدل علي ضمان الاصل بالاولوية ان قلت: الكلام في المقام في التلف و المفروض في الرواية الاتلاف قلت: الاستيلاد لا يكون من قبيل اتلاف النماء بل من قبيل احداث نمائها غير قابل للمملوكية فهو كالتالف لا كالمتلف.

و فيه ان الانصاف يقتضي أن يكون من قبيل الاتلاف اذ قد فرض انه قد اشتغل رحمها و جعلها معطلة و لعل أمر الماتن بالفهم بقوله

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 148

«فافهم» اشارة الي ما ذكرنا.

مضافا الي أن الكلام في المقام في أخذ العين من مالكها بالعقد الفاسد و النصوص المشار إليها موردها الاخذ من الغاصب و لا اشكال في أن الاخذ من الغاصب يوجب الضمان و لو كان الاخذ بعنوان الهبة فلا وجه لقياس المقام علي ذلك الباب. و

ان ابيت عما ذكرنا فلا اقل من الاجماع و عدم الظهور في مدعي الخصم.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي عدم صلاح ذهاب حق احد

لاحظ ما رواه سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شهادة أهل الملة قال: فقال لا تجوز الاعلي أهل ملتهم فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم علي الوصية لانه لا يصلح ذهاب حق احد «1».

و لاحظ ما رواه الحلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل تجوز شهادة اهل الذمة علي غير اهل ملتهم قال نعم ان لم يوجد من اهل ملتهم جازت شهادة غيرهم انه لا يصلح ذهاب حق احد 2.

بتقريب ان اطلاق النص يشمل المقام. و فيه: ان الاستدلال يتوقف علي كون المراد من الحق المال و كون المراد من عدم الذهاب الضمان و لا دليل علي شي ء من الامرين فان النص في مقام بيان اثبات حق الوصية فيجوز اشهاد غير أهل الملة علي الوصية.

مضافا الي أنه لو قلنا بأن الحديث يدل علي الضمان فانما يدل علي مورد الاتلاف و الكلام في التلف و هل يمكن الالتزام بأن المستفاد من النص انه لو تلف مال احد بتلف سماوي يكون غيره ضامنا؟

الوجه السابع: النصوص الدالة علي نفي الضرر في الشريعة المقدسة

منها ما عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان اذا جاء

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 40 من أبواب الشهادات الحديث 4 و 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 149

الي نخلته ينظر الي شي ء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال فذهب الرجل الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فشكاه فقال: يا رسول اللّه ان سمرة يدخل عليّ بغير اذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتي تأخذ أهلي حذرها منه فأرسل إليه رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فدعاه فقال يا

سمرة ما شأن فلان يشكوك و يقول يدخل بغير اذني فتري من أهله ما يكره ذلك يا سمرة استأذن اذا أنت دخلت ثم قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا قال: لك ثلاثة قال: لا قال: ما أراك يا سمرة الا مضارّا اذهب يا فلان فاقطعها [فاقلعها] و اضرب بها وجهه «1» و منها ما عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ان الجار كالنفس غير مضارّ و لا اثم 2.

الي غيرها من النصوص بتقريب انه لو تلف مال البائع بالبيع الفاسد في يد المشتري و لم يصر المشتري ضامنا للتالف يكون عدم الحكم بالضمان ضررا علي البائع و بمقتضي نفي الضرر في الشريعة ينفي عدم الالزام بالتدارك.

و يرد عليه أولا انا قد ذكرنا في بحث لا ضرر ان حديث لا ضرر غير ناظر الي نفي الاحكام الضررية في الشريعة بل مفاد الحديث النهي عن الاضرار بالغير فلا يرتبط مفاد الحديث بالمقام.

و ثانيا: انه علي فرض الاغماض عما ذكرنا هناك و سلمنا مقالة المشهور في مفاد الحديث نقول: المستفاد من الحديث نفي الحكم الضرري مثلا لو كان الوضوء ضرريا ينفي وجوبه بالحديث و تصل النوبة الي التميم و بعبارة واضحة: المستفاد من الحديث النفي لا الاثبات فلا يستفاد منه اعتبار الضمان.

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 150

و ثالثا: ان الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد يكون بالبدل الواقعي لا بالمسمي فربما يكون أزيد من المسمي بكثير فالحكم بضمان القابض بالبدل الواقعي مع عدم اقدامه عليه

ضرر بالنسبة إليه فيقع التعارض بين الضررين.

الوجه الثامن: قاعدة الاقدام بتقريب ان كل طرف من طرفي المعاملة أقدم علي الضمان

و بعبارة اخري: القابض أقدم علي الضمان بالمسمي فاذا لم يسلم له المسمي يرجع الي المثل في المثلي و الي القيمة في القيمي.

و في التقريب المذكور ايرادات: الايراد الاول: انه ربما يكون الاقدام موجودا و لا ضمان فانه لو تلف المبيع قبل القبض يكون ضمانه علي البائع و الحال ان المشتري أقدم علي الضمان.

و هذا الايراد غير وارد علي الوجه المذكور اذ عدم الضمان قد ثبت بدليل قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و قالوا بمقتضي القاعدة المذكورة ينفسخ العقد و في فرض الانفساخ لا موضوع للضمان.

و ربما يقال: ان المشتري يشترط بالشرط الضمني علي البائع أن يكون ضامنا لو تلف المبيع قبل القبض بل يمكن أن يقال: ان مقتضي الارتكاز العقلائي اشتراط الضمان بالقبض فلاحظ.

الايراد الثاني: انه ربما لا يكون اقدام و مع ذلك يتحقق الضمان كما لو شرط المشتري في ضمن العقد كون ضمان المبيع علي البائع اذا تلف المبيع في يد المشتري.

و فيه ان الاقدام بالضمان تحقق غاية الامر قد شرط المشتري علي البائع شرطا فاسدا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 151

الايراد الثالث: ان البيع بلا ثمن و الاجارة بلا اجرة و أمثالهما ليس فيها اقدام و مع الوصف الضمان موجود.

و فيه ان البيع بلا ثمن مرجعه الي التمليك المجاني فلا يكون بيعا و لا مقتضي للضمان فيه.

الايراد الرابع: ان الاقدام متعلق بالضمان الخاص و هو ضمان المسمي فما وقع لم يمض و ما امضي من قبل الشارع لم يتحقق.

و عن المحقق الخراساني ان المتعاقدين أقدما علي أصل الضمان في الضمان الخاص و الشارع الاقدس أمضي اصل الضمان و

لم يمض الخصوصية.

و فيه: انهما لم يقدما علي امرين بل أقدما علي امر خاص و المفروض انه لم يمض و هذا الاشكال متين.

الوجه التاسع: السيرة الارتكازية المتشرعية

فان مقتضاها الضمان و بعبارة واضحة: السيرة جارية علي أن وضع اليد علي مال الغير بلا اذن شرعي يوجب الضمان.

لا يقال: علي هذا الاساس لا بد من الالتزام بالضمان في الهبة الفاسدة و أمثالها و الحال انهم غير ملتزمين بالضمان هناك.

قلت: في مورد الهبة الفاسدة و ان كان وضع اليد بلا مجوز شرعي لكن حيث ان دليل الضمان السيرة و لا اطلاق لها فلا بد من الاقتصار علي المقدار المتيقن منها فلاحظ و اللّه العالم بحقائق الامور.

[قاعدة ما يضمن]

«قوله قدس سره: ثم ان هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة كل عقد يضمن»

فلا بد من ملاحظة المراد من القاعدة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 152

«قوله قدس سره: ان المراد بالعقد اعمّ من الجائز و اللازم».

اذ ملاك الضمان موجود حتي في مورد العقد غير اللازم و أيضا ملاك الضمان موجود في الايقاع الذي فيه شائبة العقد أي يكون الامر قائما بالطرفين كالجعالة مثلا فان الجعالة لا تتم الا بقيام الغير بالعمل الذي لاجله جعل الجعل و أيضا الامر كذلك في الخلع فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو كان أقرب إليه».

بتقريب ان الجعالة تحقق بفعل الجاعل فيكون أقرب الي الايقاع و كذلك الخلع طلاق فيكون أقرب الي الايقاع و لكن مع ذلك لا يتحقق الجعل الا بالعمل و لا يتحقق الخلع الا بالعوض من ناحية الزوجة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و المراد بالضمان في الجملتين»

أي المراد بالضمان الزامه.

«قوله قدس سره: مثل تلف الموهوب»

يظهر من كلماتهم في المقام ان الاقوال حول المسألة مختلفة القول الاول: عدم الضمان.

القول الثاني: تعيّن دفع العوض المسمي اذ انه كان مخيرا في صورة عدم التلف بين رد نفس العين و دفع العوض المسمي فاذا تلفت العين

تعين الاخر.

القول الثالث: وجوب اقل الامرين من المسمي و العوض الواقع للعين اذ المتهب مخيّر بين رد العين و العوض المسمي فان كان العوض المسمي اقل فقد رضي الواهب به و ان كان الاقل العين فقد فرض ان المتهب مخير بين رد العين و العوض فاذا تلفت يمكنه رد عوضه الواقعي.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المتعين دفع العوض المسمي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 153

فان المفروض انه المجعول بالعقد فيلزم القيام علي مقتضاه و للمسألة مجال آخر.

«قوله قدس سره: فافهم»

يمكن أن يكون امره بالفهم اشارة الي أن الضمان بقول مطلق عبارة عن كون خسارته علي الضامن أي اذا تلف يضمن الضامن بمثله أو قيمته فلا بد من التفكيك و بعبارة واضحة: الضمان بالعوض المسمي غير الضمان بالعوض الواقعي.

«قوله قدس سره: ثم المتبادر من اقتضاء الصحيح»

لا ينبغي بسط الكلام حول هذه الجملة اذ المفروض انها لم تصدر عن مخزن الوحي فلا وجه للتطويل حول مفرداتها و جملها و لكن لو اغمض عما ذكر فالحق ان يقال: ان مقتضي القاعدة ان ما يضمن بصحيحه و لو بالشرط يضمن بفاسده كذلك فلا وجه لما أفاده الشيخ قدس سره من التفصيل.

«قوله قدس سره: و يضعف بأن الموضوع هو العقد الّذي»

أفاد سيدنا الاستاد في المقام ان المراد شخص العقد بأن يقال كل شخص من العقد اذا فرض الضمان فيه علي تقدير كونه صحيحا يكون فاسده أيضا موجبا للضمان فليس المراد النوع أو الصنف و السرّ فيه ان هذه الجملة لم ترد تحت دليل لفظي كي يحمل علي النوع أو الصنف.

و يرد عليه ان الكلام فيما يظهر من هذه الجملة و الظاهر منها كما يقول الشيخ قدس

سره ان كل عقد له فردان بالفعل و يكون أحدهما صحيحا و الاخر باطلا اذا كان الصحيح منه موجبا للضمان يكون فاسده أيضا يوجبه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 154

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أنه لا تنافي بين كون السبب للضمان العقد و بين اشتراط كونه مؤثرا بالقبض.

«قوله قدس سره: بشرط القبض»

قد ذكرنا سابقا ان مقتضي السيرة تحقق الضمان بوضع اليد علي مال الغير بلا اذن شرعي فلا دخل للعقد الفاسد في الضمان بل الدخيل القبض فلاحظ. و الاولي أن يكون الجار للظرفية لا للسببية لكن الانصاف ان الظاهر من اللفظ السببية.

«قوله قدس سره: الا ان مورده مختص بالاعيان».

لا اشكال في أن الضمان علي خلاف الاصل الاولي و علي خلاف القاعدة فان الضمان أمر حادث و مسبوق بالعدم و مقتضي الاستصحاب عدم تحققه فيحتاج الالتزام به من التماس دليل معتبر عليه و قلنا مقتضي السيرة تحقق الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد كما ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان بمقتضي الارتكاز و السيرة و أما المنافع فلا اشكال في أن استيفاء منافع مال الغير يوجب الضمان بمقتضي السيرة و الارتكاز بل من الواضحات كما أن الامر بعمل محترم يوجب الضمان بمقتضي السيرة العقلائية.

«قوله قدس سره: لم يعد نفعه الي الاخر»

الظاهر ان عود النفع لا موضوعية له بل الميزان في تحقق الضمان الاستيفاء أو الامر و لذا لا مقتضي للضمان في السابقة الفاسدة فلا ضمان للمسبوق بالنسبة الي السابق.

«قوله قدس سره: شرعيته علي خلاف القاعدة»

بتقريب انه مصداق للاكل للمال بالباطل فلا يجوز و لا يصح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 155

و لكن ذكرنا مرارا ان الجار في الآية الشريفة لا

يكون للمقابلة كي يتم التقريب المذكور بل الجار سببية نعم المسابقة نوع من أنواع القمار فحرمتها تكليفا و فسادها وضعا علي طبق القاعدة الاولية و انما الشارع جوزها تكليفا و وضعا لمصلحة و من الممكن أن تكون المصلحة المجوزة كونها سببا لكون الشخص مستعدا للحرب و من الفنانين في هذا المجال فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان»

ربما يقال: بأن الدافع المالك اذا كان عالما بالفساد و كان القابض جاهلا به لا يكون قبضه موجبا للضمان بتقريب: ان المالك بنفسه أقبض مملوكه من الغير فيكون المدفوع من مصاديق الامانة المالكية فلا ضمان.

و فيه ان المفروض ان دفع المالك العين لا يكون بعنوان الامانة بل من باب ترتيب الاثر علي العقد الصادر منهما و لذا لا يجوز للقابض التصرف في العين اذ فرض فساد العقد و التصرف في مال الغير غير جائز.

و من ناحية اخري قد مرّ ان وضع اليد علي مال الغير بلا مجوز شرعي يوجب الضمان.

و ربما يتوهم ان القابض لا يكون ضامنا لقاعدة الغرور و فيه:

ان المفروض ان قبضه علي مبني المعاملة و المعاوضة و ليس قبضا مجانيا و تمليكا بلا عوض نعم اذا كان الدافع عالما و كان القابض جاهلا جهلا قصوريا و كان اقدامه علي العقد الفاسد ناشيا من ناحية الدافع بحيث صدق عنوان الغرور لا يكون ضامنا بالنسبة الي أزيد من المسمي اذ المفروض ان الدافع أي المالك غرّه و خدعه و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 156

اذا كان المال مملوكا لثالث يضمن القابض له و يرجع فان المغرور يرجع الي من غره فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان مقتضي ذلك عدم ضمان العين

المستأجرة»

ربما يقال: ان العين المستأجرة بالاجارة الفاسدة في يد المستأجر مضمونة لقاعدة اليد. و فيه: ان قاعدة اليد دليلها ضعيف فلا يعتد بها و الذي يختلج ببالي القاصر أن يقال: ان الموجب لضمان العين اما الاتلاف و اما وضع اليد علي مال الغير بلا مجوز شرعي بمقتضي السيرة و الارتكاز العقلائي المتشرعي أما الاتلاف فلم يفرض في المقام فان الكلام في التلف السماوي و أمثاله و أما وضع اليد علي مال الغير و ان كان مفروضا لكن الوضع المفروض في المقام لا يكون موجبا للضمان اذ المفروض ان اليد موضوعة علي الامانة المالكية.

توضيح ذلك ان الموجر للدار مثلا يقبض الدار من المستأجر و يجعلها في يده امانة فوجه عدم ضمان العين في الاجارة الصحيحة كون العين امانة في المستأجر و الامين لا يكون ضامنا الا مع الاتلاف أو التفريط و الخيانة.

و هذا الوجه اي كون العين امانة مشترك بين الاجارة الصحيحة و الفاسدة فان المالك يجعل العين امانة في يد المستأجر غاية الامر بداعي كونه ملزما بمقتضي الاجارة و الميزان في تحقق الامانة التي لا ضمان فيها علي الامين قصد المالك و وضع العين بهذا العنوان و لا يؤثر في حكم الامانة اختلاف الدواعي مثلا اذا تخيل زيد ان وضع ماله عند بكر الامانة واجب عليه و وضعه بعنوان الامانة و الحال انه مشتبه و لا يكون الوضع واجبا عليه فهل يتوهم احد ان الامين في الصورة المفروضة ضامن؟ كلا ثم كلا.

ان قلت: ما الفرق بين المقام و بين اقباض العين المبيعة بالبيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 157

الفاسد و بأي بيان يفرق بين المقامين و يقال هناك يكون القبض موجبا للضمان و

أما في المقام فلا.

قلت: المفروض عدم صحة العقد هناك و الشارع لم يمض العقد و لا يكون اقباض العين بعنوان الامانة بل بعنوان انها مملوكة للمشتري و المفروض ان الشارع لا يري العين مملوكة للمشتري اذ المفروض انه لم تتحقق التجارة عن تراض و يكون اكل المال بالباطل فوضع اليد علي المال غير جائز شرعا و اليد عدوانية فلا بد من الالتزام بالضمان لتمامية اركانه.

و أما في مسئلة الاجارة فالمفروض تحقق عنوان الامانة و الامين ليس عليه الا اليمين و اللّه العالم بالامور.

و صفوة القول: ان الميزان لعدم ضمان القابض تحقق عنوان الامانة من قبل المالك و هذا الميزان متحقق في الاجارة الفاسدة كما انه متحقق في الاجارة الصحيحة بلا فرق.

[ثم إنه يشكل اطراد القاعدة في موارد]
[منها الصيد الذي استعاره المحرم]
اشارة

«قوله قدس سره: منها: الصيد الّذي استعاره المحرم»

وقع الكلام بين القوم في استعارة المحرم الصيد من المحل بأن مقتضي قاعدة عدم الضمان فيما لا يضمن بصحيحة عدمه و الحال انهم حكموا بالضمان

و ما ذكر في تقريب المدعي وجهان:
الوجه الأول: ان الكلام في التلف و أما الاتلاف فلا اشكال في كونه موجبا للضمان

و المفروض ان المحرم المستعير يجب عليه ارسال الصيد و ارساله اتلافه فالضمان بلحاظ الاتلاف لا التلف.

و فيه أولا: انه يرد عليه النقض بمورد يجب اتلاف العارية كما لو توقف انجاء نفس محترمة علي اتلاف العارية فهل يحكم بالضمان بمجرد الايجاب؟ أو ان الضمان متوقف علي الاتلاف؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 158

و ثانيا: انا نجيب بالحل و هو ان مجرد الايجاب الشرعي لا يقتضي الضمان فان الضمان مترتب علي عنوان الاتلاف و ما دام لا يتحقق الموضوع في الخارج لا يترتب عليه الحكم و لذا لو عصي المحرم ورد الصيد الي مالكه فهل يكون ضامنا؟ كلا أو اذا ارسل الصيد فأخذه مالكه هل يمكن القول بالضمان؟ فهذا الوجه غير تام.

الوجه الثاني: ان اخذ المحرم الصيد من المحل يوجب خروجه عن ملكه فيكون اتلافا لمال الغير فالضمان بلحاظ الاتلاف فلا تتحرم القاعدة.

و فيه: انه قول بغير دليل و بعبارة اخري قيام الدليل علي عدم تملك المحرم الصيد لا يدل علي خروج الصيد عن ملك مالكه باستعارة المحرم. فالحق ان يقال: انه لا دليل علي الضمان و مقتضي القاعدة الاولية عدمه اذ المفروض انه امانة مالكية و لا ضمان فيها فلاحظ.

[و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع الفاسد]

«قوله قدس سره: و يشكل اطراد القاعدة أيضا في البيع الفاسد بالنسبة الي المنافع التي لم يستوفها»

وقع الكلام في انه ما الوجه في تخصيص الاشكال بالمنافع المستوفاة و يمكن أن يكون الوجه في التخصيص ان المنفعة المستوفاة تدخل تحت قاعدة الاتلاف و الكلام في التلف و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المدرك في اصل القاعدة و عكسها هي السيرة و مقتضي السيرة الضمان بالنسبة الي المنافع بلا فرق بين المستوفاة و غير المستوفاة فلاحظ.

«قوله قدس سره: بحمل المبيع فاسدا»

ما أفاده قدس سره في مقام المصالحة بين الجانبين متين فانه لو جعل جزء المبيع يترتب عليه حكم المبيع و النتيجة الضمان و لو لم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 159

يجعل جزءا له لا مقتضي للضمان لانه يكون امانة عند المشتري و ليس علي الامين الا اليمين.

«قوله قدس سره: بناء علي أنه لا يجوز»

عدم جواز التصرف تكليفا لا يقتضي الضمان فان لمس الامة الاجنبية حرام و مع ذلك لا يكون موجبا للضمان كما ان جواز التصرف لا يلازم عدم الضمان فانه يجوز للمستعير التصرف في العارية المضمونة و مع ذلك ضامن.

و الحق: ان المقام ليس من موارد النقض فان المال المشترك في عقد الشركة اذا كان في يد الشريك و تلف لا يوجب الضمان لان المالك جعله في يد الشريك امانة و الامين لا يكون

ضامنا.

«قوله قدس سره: هي الاولوية»

لا مجال للاخذ بالاولوية اذ لا أولوية فان الحكم بالضمان و عدمه تابع لدليله فان دلّ الدليل علي الضمان نلتزم به و الا فلا و قد تقدم ان مدرك الضمان عبارة عن السيرة الجارية و الارتكاز و المفروض انه لا سيرة علي الضمان في أمثال الموارد المذكورة و مقتضي الاصل الاولي عدم الضمان فان الضمان أمر وجودي يحتاج اثباته الي دليل شرعي و مع الشك يحكم بعدمه ببركة الاستصحاب.

[الثاني من الأمور المتفرعة علي عدم التملك بالبيع الفاسد وجوب رده فورا إلي مالكه]
اشارة

«قوله قدس سره: وجوب رده فورا الي المالك و الظاهر انه مما لا خلاف فيه علي تقدير عدم جواز التصرف فيه»

يقع الكلام في مقامين:
اشارة

المقام الأول: في أنه هل يجوز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد أم لا.

المقام الثاني: في وجوب رد المقبوض الي مالكه

أما المقام الاول فنقول: لا يجوز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد

اذ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 160

المفروض ان العقد فاسد و من ناحية اخري لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

ان قلت: ان المالك بنفسه سلط الغير علي مملوكه فالتصرف يكون باذن المالك. قلت: تسليم المالك و اقباضه للمال مبني علي كون العين مملوكة للطرف و لا مجال لان يقال: ان التصرف باذنه فان الانسان يأذن للغير أن يتصرف في ماله لا أن يتصرف في مال نفسه.

و بعبارة اخري: بعد العقد يكون المالك أجنبيا عن مملوكه فلا مجال لان يأذن في التصرف فيه و الا يلزم القول بجواز التصرف في المال المأخوذ بعنوان القمار لعين الملاك و هل يمكن الالتزام به؟

ثم انه هل يفرق بين علم الدافع بالفساد و جهله به أم لا؟ الحق هو الثاني اذ علي القول بالتفصيل يلزم أن يفصل في المأخوذ بالقمار أيضا و هل يمكن الالتزام به؟ مضافا الي أنه قد تقرر آنفا تحقق الضمان و السر في تحقق الضمان علي ما ذكرنا ان القابض وضع يده علي مال الغير بلا مجوز شرعي و بعد اتمام الامر لا تصل النوبة الي البحث المذكور.

و صفوة القول: ان الدافع في المقبوض بالعقد الفاسد اذا كان راضيا بالتصرف مع قطع النظر عن العقد فهو خروج عن الفرض و يترتب عليه عدم الضمان و ان لم يكن كذلك كما هو المفروض فلا اشكال في عدم جواز التصرف فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الاول.

و أما المقام الثاني ففي وجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد فورا الي مالكه
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي أو ذكر وجوه:

الوجه الأول: الاجماع.

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر خصوصا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 161

مع كثرة الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: النبوي المعروف

و هو قوله صلي اللّه عليه و آله علي اليد ما اخذت حتي تؤدي «1».

و هذا الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و عليه لا وجه لملاحظة تقريب دلالته علي المدعي.

الوجه الثالث: ما رواه سماعة «2»

بتقريب ان الحكم الشرعي التكليفي يتعلق بافعال المكلف فالمقدر في الرواية التصرف أي لا يحل التصرف في مال المسلم الا باذنه.

و يرد عليه أولا: ان الدليل المذكور اخص من المدعي اذ الحديث يختص بحرمة التصرف في مال المسلم.

و ثانيا: ان مجرد امساك مال الغير لا يكون تصرفا و لذا لو وقع ثوب زيد في دار عمرو باطارة الريح لا يكون تسليمه واجبا نعم الامتناع عن التسليم و الكف عن الدفع مصداق للتعدي و من مصاديق الغصب و أما مجرد الامساك فلا.

و ان شئت قلت: التخلية بين المال و مالكه تكفي في اداء الوظيفة و لا دليل علي الازيد من ذلك.

الا أن يقال: لا وجه للمقايسة بين المقام و اطارة الريح ثوب الغير فان المفروض في المقام انه وضع يده علي مال الغير و أخذه بلا مجوز شرعي فانه يصدق عرفا انه متصرف في مال الغير بامساكه و عدم رده و الا يلزم انه لو سرق سارق فرش الغير ثم تاب لم يكن الرد واجبا عليه بتقريب: ان الامساك بما هو لا يكون تصرفا و هل يمكن الالتزام به؟

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من ابواب الغصب الحديث 4.

(2) قد تقدم الحديث في ص 145.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 162

الوجه الرابع: قوله تعالي «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا» «1»

فان المستفاد من الآية الشريفة وجوب رد أموال الناس إليهم و الظاهر ان الاستدلال المذكور علي المدعي تام.

الوجه الخامس: التوقيع الشريف «2»

بتقريب ان امساك مال الغير نوع تصرف فيه و لا يجوز و السند مخدوش مضافا الي الاشكال المتقدم ذكره مع رده.

الوجه السادس: جملة من النصوص التي تدل علي وجوب رد المال الي صاحبه

منها ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له امساكه؟ فقال اذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جاءك طالب لا تتهمه رده عليه «3».

و منها ما رواه حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال لا يرده فان أمكنه أن يرده علي أصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فان أصاب صاحبها ردها عليه و الا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر و الغرم فان اختار الاجر فله الاجر و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له «4» فان المستفاد من هذه الطائفة وجوب رد المال الي مالكه.

______________________________

(1) النساء/ 58.

(2) و قد تقدم ذكره في ص 146.

(3) الوسائل الباب 15 من اللقطة الحديث 1.

(4) الوسائل الباب 18 من اللقطة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 163

«قوله قدس سره: لوجوب ما لا يتم الرد الا به»

الامر كما أفاده قدس سره فان مقدمة الواجب واجبة عقلا فيلزم كبقية الموارد.

«قوله قدس سره: الا أن يقيد»

تارة نقول بأن المستفاد من دليل لا ضرر الحكم التكليفي فقط أي حرمة الاضرار كما عليه شيخ الشريعة و اخترناه و اخري نلتزم بمفاد

القاعدة علي طبق المشهور فيما بين القوم أما علي الاول فلا مجال للبحث كما هو ظاهر و أما علي الثاني فلا وجه للتفصيل بين المئونة الكثيرة و القليلة فان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين القليل و الكثير و الميزان صدق الضرر.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث انه يظهر من كلامه في المقام علي ما في التقرير- ان الضرر يوجب ارتفاع الايجاب الضرري و الحال ان رفع الضرر حكم امتنائي و رفع الايجاب خلاف الامتنان بالنسبة الي صاحب المال نعم علي ما هو الحق عندنا في الحكم الامتناني لا يتوجه الاشكال فانا ذكرنا و قلنا مرارا ان الامتنان يلزم أن يتحقق بالنسبة الي من يشمله دليل الحكم فان رفع وجوب الوضوء الضرري يلزم أن يكون امتنانيا بالنسبة الي من يرتفع عنه وجوب الوضوء لا بالنسبة الي غيره و لذا نلتزم برفع الوجوب عن الوضوء و لو كان الرفع خلاف الامتنان بالنسبة الي الغير فلاحظ.

بقي شي ء و هو انه لو قلنا بوجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد الي مالكه كما قلنا فهل يفرق بين موارده بأن يفصل بين نقل العين من بلد القبض الي ذلك البلد و بين انتقال المالك من بلد القبض الي بلد آخر بأن يقال: يجب الرد في الصورة الاولي و لا يجب في الثانية أم لا يفرق بين الموارد؟.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 164

الظاهر انه لا فرق في الحكم المذكور بين المصاديق فانه ما دام لم يعرض عنوان ثانوي كالحرج أو التغرير من قبل المالك يجب الرد بلا فرق بين الصور لوحدة الملاك نعم يرتفع الوجوب بالحرج الرافع للاحكام الاولية كما انه لو صار القابض مغرورا من قبل المالك يمكن أن

يقال: انه لا يجب عليه الرد بل تكفي التخلية بين المال و مالكه.

[الثالث لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد كان عليه عوضها]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث انه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرد كان عليه عوضها»

وقع الكلام بين الاصحاب في أن استيفاء المنافع من العين المقبوضة بالعقد الفاسد هل يوجب الضمان أم لا،

و ما يمكن أن تذكر في تقريب الاستدلال علي الضمان وجوه
الوجه الأول الاجماع

و اشكاله واضح و لا يحتاج الي البيان.

الوجه الثاني قاعدة علي اليد «1»

و قد تقدم ان الحديث ضعيف سندا و غير منجبر فلا يعتد به مضافا الي أن الظاهر منه ان الموضوع المذكور فيه العين الخارجية فلا يصدق العنوان المأخوذ في الحديث علي المنافع.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله «2»

و قد تقدم ان المستفاد من الحديث الحكم التكليفي و أما الحكم الوضعي أعني الضمان فلا.

و بعبارة اخري: يستفاد من الحديث انه كما يكون دم المؤمن محترما لا تجوز اراقته كذلك لا يجوز اتلاف ماله و ان ابيت عما ذكر

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 161.

(2) تقدم ذكره في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 165

فلا اقل من الاجمال مضافا الي أن الموضوع المأخوذ في الدليل عنوان المؤمن فلا يشمل غير المؤمن.

الوجه الرابع: ما رواه سماعة «1»

و فيه ان الظاهر من الحديث الحكم التكليفي و أما الضمان فلا يستفاد منه مضافا الي أن العنوان المأخوذ في الدليل عنوان المسلم فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الخامس: التوقيع الشريف «2»

و فيه ان الحديث بصراحته يدل علي عدم جواز التصرف في مال الغير تكليفا و لا يرتبط بالمقام مضافا الي أن السند مخدوش.

الوجه السادس: النصوص الدالة علي نفي الضرر في الشريعة «3»

بتقريب ان عدم تضمين القابض يوجب تضرر الدافع و هو منفي في الشريعة المقدسة.

و فيه أولا: انا ذكرنا في بحث القاعدة ان المستفاد من النصوص المشار إليها النهي لا النفي فلا ترتبط تلك القاعدة بما نحن فيه.

و ثانيا: انا نفرض ان المستفاد منها النفي كما عليه المشهور لكن نقول: المستفاد منها نفي الحكم الضرري لا اثبات الضمان.

و بعبارة اخري يستفاد من القاعدة نفي الاحكام الضررية و ان الشارع لا يجعل حكما موجبا للاضرار لا أن الشارع يحكم بتدارك الضرر الوارد.

مضافا الي أن الحكم بضمان القابض حكم ضرري بالنسبة إليه و لا وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر.

الوجه السابع: السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع

فانه

______________________________

(1) تقدم ذكره في ص 146.

(2) تقدم ذكره في ص 148.

(3) تقدم ذكر تلك النصوص في ص 148 و ص 149.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 166

لا اشكال في أن استيفاء منافع مال الغير يوجب الضمان عند العقلاء و لا يمكن الاستيفاء مجانا و بلا عوض مع عدم ما يقتضي العدم.

الوجه الثامن: قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن»

فانه يمكن أن تستفاد القاعدة المذكورة من جملة من النصوص و ان اتلاف مال الغير يوجب الضمان منها ما رواه أبان بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرهن اذا ضاع من عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع بحقه علي الراهن فأخذه و ان استهلكه ترادّا الفضل بينهما «1».

و منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا رهنت عبدا أو دابة فمات فلا شي ء عليك و ان هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن «2».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك أعلي الرجل أن يرد علي صاحبه مائتي درهم؟ قال: نعم لانه اخذ رهنا فيه فضل وضيعه قلت: فهلك نصف الرهن قال: «علي» حساب ذلك قلت: فيترادان الفضل؟ قال: نعم «3».

و منها ما رواه ابو حمزة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول علي عليه السلام يترادان الفضل فقال: كان علي عليه السلام يقول ذلك قلت: كيف يترادان فقال ان كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب رد المرتهن الفضل علي صاحبه و ان كان لا يسوي رد الراهن

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الرهن الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) الوسائل

الباب 7 من ابواب الرهن الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 167

ما نقص من حق المرتهن «1».

و منها ما رواه ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في الرهن فقال: ان كان اكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل الي صاحب الرهن و ان كان اقل من ماله فهلك الرهن أدّي إليه صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن سواء فليس عليه شي ء «2».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن اذا كان اكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدّي الفضل الي صاحب الرهن و ان كان الرهن أقل من ماله فهلك الرهن أدّي الي صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن يسوي ما رهنه فليس عليه شي ء «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن الحكم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا علي ألف درهم و الرهن يساوي ألفين وضاع قال: يرجع عليه بفضل ما رهنه و ان كان انقص مما رهنه عليه رجع علي الراهن بالفضل و ان كان الرهن يسوي ما رهنه عليه فالرهن بما فيه «4»

و منها ما رواه وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان عليا عليه السلام كان يقول من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن «5».

و منها ما رواه محمد بن الحسن قال كتبت الي أبي محمد عليه السلام:

رجل دفع الي رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب الرهن الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 3.

(3) عين المصدر الحديث 4.

(4) عين المصدر الحديث 5.

(5) الوسائل الباب 1

من ابواب العارية الحديث 11.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 168

عليه اذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه فوقع عليه السلام: هو ضامن لها ان شاء اللّه «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن القصّار يفسد فقال كلّ اجير يعطي الاجرة علي أن يصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الغسال و الصباغ ما سرق منهم من شي ء فلم يخرج منه علي أمر بين انه قد سرق و كل قليل له أو كثير فان فعل فليس عليه شي ء و ان لم يقم البينة و زعم انه قد ذهب الذي ادّعي عليه فقد ضمنه ان لم يكن له بينة علي قوله «3».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن الصباغ و القصّار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب … الحديث «4».

و منها ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الثوب أدفعه الي القصار فيخرقه قال أغرمه فانك انما دفعته إليه ليصلحه و لم تدفع إليه ليفسده «5».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه فضرب المسمار

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الوديعة.

(2) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

(4) نفس المصدر الحديث 6.

(5) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 169

فانصدع الباب فضمّنه أمير المؤمنين

عليه السلام «1».

و منها ما رواه ابو الصباح قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القصّار هل عليه ضمان؟ فقال: نعم كل من يعطي الاجر ليصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده فقال: كل عامل اعطيته اجرا علي أن يصلح فأفسد فهو ضامن «3».

هذا تمام الكلام في الوجوه التي يمكن أن يستدل بها علي الضمان و في مقابل هذا القول قول بعدم الضمان و نسب هذا القول الي ابن حمزة و استدل علي المدعي بالنبوي و هو قوله صلي اللّه عليه و آله «الخراج بالضمان» «4».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان منافع العين في مقابل ضمانها فمن يكون ضامنا لنفس العين لا يكون ضامنا لمنافعها و قد احتمل في معني الحديث احتمالات عديدة و حيث ان الرواية ضعيفة سندا و غير قابلة للاستناد إليها لا وجه لملاحظة معناها فالمتعين صرف النظر عنها.

مضافا الي أنه يستفاد من حديث أبي ولاد الحناط قال: اكتريت بغلا الي قصر ابن هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت ان صاحبي توجه الي النيل فتوجهت نحو النيل فلما اتيت النيل خبّرت ان صاحبي

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 13.

(3) نفس المصدر الحديث 19.

(4) سنن البيهقي ج 5 ص 321 نقلنا المدرك عن الجزء الثالث من كتاب مصباح الفقاهة ص 133.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 170

توجه الي بغداد فاتبعته و ظفرت به و فرغت ممّا بيني و بينه و رجعنا الي الكوفة و كان ذهابي و

مجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت ان اتحلل منه مما صنعت و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبي أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة و أخبره الرجل.

فقال لي ما صنعت بالبغل. فقلت: قد دفعته إليه سليما قال: نعم بعد خمسة عشر يوما قال: فما تريد من الرجل؟ فقال: اريد كراء بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما فقال: ما أري لك حقا لانه اكتراء الي قصر ابن هبيرة فخالف و ركبه الي النيل و الي بغداد فضمن قيمة البغل و سقط الكراء فلمّا رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء، قال: فخرجنا من عنده و جعل صاحب البغل يسترجع فرحمته مما افتي به أبو حنيفة فاعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فاخبرت أبا عبد اللّه عليه السلام بما أفتي به أبو حنيفة.

فقال: في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الارض بركتها، قال: فقلت لابي عبد اللّه عليه السلام: فما تري انت؟

فقال: أري له عليك مثل كراه بغل ذاهبا من الكوفة الي النيل و مثل كراء بغل راكبا من النيل الي بغداد و مثل كراه بغل من بغداد الي الكوفة توفيه اياه.

قال: فقلت: جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفة؟ فقال لا لانك غاصب قال: فقلت: له أ رأيت لو عطب البغل و نفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فان اصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فقال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه فقلت: من يعرف ذلك؟ قال: انت و هو اما أن يحلف هو علي القيمة فيلزمك فان رد

اليمين عليك فحلفت علي القيمة لزمه ذلك أو يأتي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 171

صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا فيلزمك.

فقلت: اني كنت اعطيته دراهم و رضي بها و حللني فقال: انما رضي بها و حللك حين قضي عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع إليه فأخبره بما افتيتك به فان جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك … الحديث «1»، فساد القاعدة المذكورة حيث ان الامام عليه السلام رد علي أبي حنيفة و قال عليه السلام: «لمثل هذا ينقطع المطر من السماء».

لكن يرد عليه ان حديث أبي ولاد وارد في الغصب و الكلام في المقام في المقبوض بالعقد الفاسد.

و ربما يقال: ان مذهب ابن حمزة و هو عدم الضمان يستفاد من جملة من الروايات منها ما رواه اسحاق بن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال: رجل مسلم احتاج الي بيع داره فجاء الي اخيه فقال ابيعك داري هذه و تكون لك احبّ إليّ من أن تكون لغيرك علي أن تشترط لي ان انا جئتك بثمنها الي سنة أن ترد علي فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه قلت: فانها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ فقال:

الغلة للمشتري ألا تري انه لو احترقت لكانت من ماله «2».

و منها ما رواه معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشتري منه الدار حاصر فشرط انك أن

اتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فاتاه بماله قال: له شرطه قال له

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب الاجارة الحديث 1.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 171

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 172

ابو الجارود: فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال: هو ماله و قال أبو عبد اللّه عليه السلام أ رأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال قلت لابي ابراهيم عليه السلام الرجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة علي من يكون؟ قال علي مولاه ثم قال: أ رأيت لو قتل قتيلا علي من يكون؟ قلت: هو في عنق العبد قال ألا تري فلم يذهب مال هذا ثم قال أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مائتي دينار لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه قال كذلك يكون عليه ما يكون له «2».

بتقريب: ان المستفاد من هذه النصوص ان ضمان العين يقتضي عدم ضمان المنافع. و فيه: ان المستفاد من هذه الروايات ان منافع العين تابعة للعين في كونها مملوكة لمالك العين و لا ترتبط بما نحن بصدده فالحق هو القول المشهور فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله قدس سره بأمره بالتأمل يشير الي أنه لا تنافي بين الامرين و بعبارة اخري: ضمان العين يقتضي عدم ضمان المنافع أعم من أن يكون الضامن مالكا للمنفعة أو مالكا للانتفاع.

«قوله قدس سره: و

أما المنفعة الفائتة بغير استيفاء»

يظهر من كلماتهم ان

المشهور بين الاصحاب ضمان المنافع غير المستوفاة
و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و حال الاجماع في الاشكال- خصوصا في امثال المقام- واضح.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الرهن الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 173

الوجه الثاني: قاعدة علي اليد

بتقريب ان وضع اليد علي العين و قبضها يستلزم تسلم المنافع فالمنافع مأخوذة.

و فيه ان حديث علي اليد ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد إليه.

الوجه الثالث: قاعدة الاتلاف

فان امساك مال الغير و حبسه و عدم تسليمه منه اتلاف لمنافعه و قد تقدم ان المستفاد من جملة من النصوص الخاصة كون الاتلاف موجبا للضمان.

الوجه الرابع: السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع

فانها جارية علي احترام أموال الناس و ان حبسها من غير حق يوجب الضمان و الظاهر عدم الفرق بين علم المالك بالفساد و جهله فان الميزان في تحقق الضمان عدم كون الاستيلاء عن حق.

«قوله قدس سره: و انما يتحقق ذلك في الاستيفاء»

قد ظهر مما ذكرنا عدم اختصاص عنوان الاتلاف بصورة الاستيفاء.

«قوله قدس سره: موافق للاصل»

جريان الاصل متوقف علي عدم الدليل علي الضمان و أما مع قيام الدليل كما قام فلا مجال لجريانه.

«قوله قدس سره: شمول قاعدة ما لا يضمن»

هذه القاعدة المشهورة لا اساس لها فلا وجه للتعرض لها و اللازم ملاحظة الادلة المعتبرة و الالتزام بمقتضاها.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة»

و تقريب الاستدلال بهذه النصوص «1» ان الامام عليه السلام في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر تلك النصوص في ص 147 و ص 148.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 174

مقام بيان حكم المنافع و لم يتعرض لضمان المنافع غير المستوفاة و مقتضي عدم تعرضه لهذه الجهة مع كونه في مقام البيان، عدم الضمان.

و يرد عليه انه عليه السلام تعرض في هذه النصوص لحكم الولد و لعله لدفع توهم كون الولد رقا و لم يتعرض لحكم المنافع المستوفاة و الحال انه لا اشكال في ضمانها. و بعبارة واضحة: عدم التعرض من ناحيته عليه السلام لا يدل علي العدم و الا يلزم أن تكون النصوص المشار إليها دليلا علي عدم ضمان المنافع المستوفاة و هو كما تري.

بقي شي ء و هو انه هل يكون فرق بين العين

المغصوبة و المقبوض بالعقد الفاسد؟ أفاد سيدنا الاستاد علي ما في تقرير مقرر بحثه ان: الفارق بينهما كالشمس في كبد السماء لان الغاصب يأخذ المال من المغصوب منه بالقهر و الغلبة فيكون ضامنا لجميع الخصوصيات و أما في المقبوض بالعقد الفاسد فالمالك يدفع العين باختياره الي القابض و المفروض ان القابض لا يمنع الدافع عن التصرف في العين ففوت المنافع مستند الي نفس المالك فلا وجه لقياس المقام بالمغصوب.

و فيه انه لو فرض ان الغاصب لا يمنع عن التصرف في العين فلازم كلامه عدم الضمان أيضا و هل يلتزم به؟

و ثانيا: ان المفروض في العقد الفاسد ان دفع المالك لا أثر له و لذا لا يجوز التصرف في العين و قد تقدم ان يد القابض يد ضمان و يجب عليه أن يرد العين الي مالكه فما الفارق بين المقامين؟ و انا لا نري فارقا بينهما.

و يؤيد ما ذكرنا ما عن التذكرة و هذا لفظه: «ان منافع الاموال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 175

من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدة في يده لا يستعملها عند علمائنا اجمع» الخ.

فنسأل ان اليد علي المقبوض بالعقد الفاسد عادية أو أمانية فان كانت امانية فما الوجه في الضمان اذا تلفت العين؟ و ان كانت عادية فتشمله العبارة المنقولة عن التذكرة.

و يؤيد المدعي أيضا ما عن السرائر في آخر باب الاجارة من الاتفاق علي ضمان منافع المغصوب الفائتة مع قوله في باب البيع ان البيع الفاسد

عند اصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب الخ.

«قوله قدس سره: و ان كان المترائي من ظاهر صحيحة أبي ولاد «1»»

الانصاف ان ما ادعاه الماتن من الظهور في الحديث محل الاشكال و الكلام اذ لم يفرض نفع غير مستوفي كي يكون عدم تعرضه عليه السلام لضمانه دليلا علي عدم ضمان المنفعة غير المستوفاة مضافا الي أن عدم الضمان في المغصوب خلاف الاجماع و التسالم فلا يعتد بالظهور المدعي علي فرض تسليمه فلاحظ.

[الرابع: لو تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع: اذا تلف المبيع فان كان مثليا وجب مثله»

ما يمكن أن يذكر أو ذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

و عدم الخلاف و اشكال الوجه المذكور واضح.

الوجه الثاني: حديث علي اليد «2»

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا انه لا ينطبق الحديث علي المشهور

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169 و 170.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 161.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 176

بين الاصحاب في باب الضمان فانهم قائلون بضمان المثل في المثلي و القيمة في القيمي من أول الامر و لا يستفاد مدعاهم من الحديث بل المستفاد منه ان نفس العين العين في العهدة.

و ثالثا: انه يمكن أن يقال: ان الحديث في مقام بيان ان الاخذ للعين ضامن لها الي زمان تأديتها الي مالكها و لا تعرض في الحديث بأنها اذا تلفت بما ذا تشتغل ذمة القابض و من في يده العين.

الوجه الثالث: ما رواه ابو بصير «1»

و فيه انه قد تقدم ان المستفاد من الحديث الحكم التكليفي و انه كما يحرم اراقة دمه يحرم التصرف في ماله فلا تعرض في الرواية للحكم الوضعي مضافا الي أنه علي فرض التسليم لا تدل علي التفصيل بأن نقول: يجب المثل في المثلي و القيمة في القيميّ.

و بعبارة اخري: علي فرض التعرض تكون الرواية متعرضة لاصل الضمان لا للتفصيل المذكور اضف الي ما ذكر ان الدليل اخص من المدعي حيث ان المأخوذ في الموضوع عنوان المؤمن.

الوجه الرابع: النصوص الواردة في الامة المسروقة «2»

فانها تدل علي أن المشتري يأخذ الولد بالقيمة.

و فيه ان هذه النصوص لا تدل علي ضمان المثل في المثلي بل لا تدل علي ضمان القيمة في القيمي و انما تدل علي ضمان القيمة في المورد الخاص نعم لا تخلو من الاشعار بالنسبة الي ضمان القيمة في القيمي.

الوجه الخامس: قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «3».

بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 144.

(2) قد تقدم ذكر تلك النصوص في ص 147 و 148.

(3) البقرة/ 194.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 177

المماثلة فيما يعتدي به فان كان مثليا يجب المثل و ان كان قيميا تجب القيمة.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: ان استفادة المدعي عن الآية تتوقف علي ثلاثة امور:

الأمر الأول: أن يكون لفظ «ما» المذكور في الآية موصولا لا مصدرا.

الأمر الثاني: أن يكون المراد بالموصول الشي ء المعتدي به.

الأمر الثالث: أن يكون المراد من المعتدي به المثل في المثلي و القيمة في القيمي و هذه المقدمات كلها مخدوشة أما الأمر الأول فيخدش بأنه يمكن أن اللفظ يكون مصدرا أي يكون الفعل الصادر مثل ما صدر عن المعتدي فان كان ضربا يكون مثله و ان كان شتما يكون كذلك و هكذا.

و أما الأمر الثاني فيمكن أن يكون المراد من الموصول الفعل لا العين الخارجية أي يكون ما يعتدي به مثل ما اعتدي به المعتدي ابتداءً فلا ترتبط بالمقام.

و أما الأمر الثالث ففيه انه علي تقدير تسليم المدعي يكون المستفاد من الآية وجوب المثل علي الاطلاق لا التفصيل المذكور في كلام القوم من وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

اضف الي ما ذكر انه بعد تمامية المقدمات فرضا لا يستفاد من الآية الحكم الوضعي الذي هو محل

الكلام بل المستفاد من الآية الشريفة الحكم التكليفي.

الوجه السادس: ان مقتضي السيرة العقلائية

و الارتكاز ان الانسان اذا وضع يده علي مال غيره بلا مجوز يكون ضامنا لذلك المال و تلك العين في عهدته و ضمانه فما دامت موجودة يجب ادائها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 178

و ايصالها الي مالكها و اذا تلفت يجب عليه اداء مثلها من باب أن المثل اقرب الي التالف و مع عدم المثل تصل النوبة الي القيمة.

و بعبارة واضحة: في المرحلة الاولي يجب اداء نفس تلك العين التالفة و لذا لو عادت بعد التلف الي صورتها الاولية يجب ردها و لا تصل النوبة الي المثل أو القيمة.

و العجب من سيدنا الاستاد حيث أفاد في المقام بأنه يجب المثل في المثلي و القيمة في القيمي و لا يكفي اداء احدهما عن الاخر الا أن يرضي المالك «1».

فانه يرد عليه أولا: انه كيف يمكن اداء المثل في القيمي فان القيمي قوامه بعدم المماثل. و ثانيا: ان الحق ان العين بنفسها في العهدة و انما الاكتفاء بغيرها من باب الاقربية بالتالف و علي هذا الاساس لا مجال لما اشتهر بين القوم من وجوب المثل في المثلي و القيمة في القيمي بل الواجب في المرحلة الاولي اداء نفس العين و مع عدم الامكان تصل النوبة الي الاقرب و لا اشكال في أن المثل أقرب الي التالف و علي تقدير عدم امكان المثل تصل النوبة الي القيمة.

[كلمات أصحابنا في تعريف المثلي]

«قوله قدس سره: و قد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي»

مفهوم المثل من المفاهيم الواضحة العرفية و لا يحتاج الي تطويل البحث فيه و القيل و القال فان أصناف الحنطة من المثليات و البقر من القيميات.

و علي الجملة: الاحالة الي العرف تكفي لبيان الموضوع و لا موضوعية للتحديد كي

يشكل تارة بعدم كونه جامعا و اخري بعدم كونه مانعا و لا أثر للاجماع المدعي في المقام لا الاجماع علي الحكم و لا القائم علي الموضوع أما القائم علي الحكم فان كان منقولا فقد

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 3 ص 150.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 179

حقق في الاصول عدم اعتباره و ان كان محصلا فعلي فرض تحققه يرد فيه بأنه لا اعتبار به خصوصا مع الاحتمال بل القطع بكونه مدركيا و أما القائم علي الموضوع فحاله أسوأ فان المثل مفهوم عرفي واضح و لا يحتاج الي قيام الاجماع عليه الا أن يرجع الي الحكم فيدخل تحت القسم الأول.

«قوله قدس سره: فلا بد من ملاحظة ان الاصل الّذي يرجع إليه»

مقتضي ما ذكرنا عدم وصول النوبة الي الشك فان الثابت في الذمة بمقتضي السيرة العقلائية نفس العين التالفة و وصول النوبة الي المثل ثم الي القيمة من باب عدم امكان اداء نفس العين أو المثل فلا مورد للشك نعم بعد وصول النوبة الي القيمة يمكن أن يشك في مقدارها من حيث الزيادة و النقيصة و مقتضي الاصل عدم وجوب الاكثر مثلا لو تردد أمر قيمة الشي ء الفلاني بين الخمسة و السبعة يكون مقتضي الاصل عدم وجوب السبعة و هذا الذي نقول لا فرق فيه بين الجهة الوضعية و التكليفية فان مقتضي الاستصحاب عدم ثبوت الضمان بالاكثر كما ان مقتضي البراءة عدم وجوبه.

و يظهر من كلام الشيخ قدس سره

ان الاحتمالات المتصورة في المقام متعددة و وجوه عديدة
الوجه الأول: أن يكون الواجب من أول الامر المثل

من باب ان الاقرب الي التالف المثل و انما يكفي اداء القيمة في القيميات من باب الارفاق بالضامن فلو دار الامر بين كون الضمان بالمثل أو القيمة يتعين المثل فان الامر دائر بين التعيين و التخيير.

و أورد

علي التقريب المذكور أولا: ان الثابت في القيميات القيمة فالكبري الكلية المدعاة غير تامة.

و ثانيا: ان دوران الامر بين التعيين و التخيير اذا كان بين الحكمين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 180

المتزاحمين و دار الامر بين محتمل الاهمية و غيره يكون المتعين الاخذ بما يكون محتمل الاهمية لسقوط الاطلاق عن الطرف الاخر و عدم سقوطه في هذا الطرف و أما اذا كان المورد موردا لحكم واحد و دار الامر بين تعلقه بالجامع أو بالمقيد يكون المرجع البراءة لا الاشتغال.

و يرد عليه: ان هذا التقريب انما يتم فيما يكون الشك في التكليف و في المقام لا اشكال في تعلق المثل بالعهدة فان الضمان لا يكون تكليفا محضا و انما الشك في الارفاق و عدمه و الاصل عدم الارفاق. و ان شئت قلت: لا ريب في ثبوت المثل في الذمة و انما الشك في سقوطه باداء القيمة و عدمه و يكون مقتضي الاصل بقائه.

ان قلت: استصحاب بقاء المجعول يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد قلت: الشك في البقاء مسبب عن الشك في الارفاق و الاصل عدمه فلاحظ.

الوجه الثاني: الضمان بالقيمة عند الشك في المثلية و القيمية

و تقريب الاستدلال عليه: ان المقام من موارد دوران الامر بين الاقل و الاكثر فلا بد من الاخذ بالاقل فان المراد بالقيمة المالية المشتركة بين جميع الاشياء فالجامع بين جميع الموارد الجهة الجامعة غاية الامر في المثلي ذلك الجامع مقيد بقيد خاص و علي هذا الاساس في مورد الشك يكون الامر دائرا بين الاقل و هو الجامع و الاكثر و هو المقيد بالقيد الخاص و مقتضي البراءة عدم وجوب الزائد و عليه يكون الضامن مخيرا بين اداء المثل و اداء القيمة.

و فيه: ان القيمة في القيمي المالية المتقيدة بالنقود

و في المثلي الجامع المقيد بالمثلية فالامر دائر بين المتباينين لا الاقل و الاكثر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 181

الوجه الثالث: خيار الضامن بين اداء المثل و القيمة

بتقريب:

انه اما ضامن للمثل و أما ضامن للقيمة و بمقتضي الضرورة و الاجماع و قاعدة الضرر لا يكلف بكلا الامرين فيحكم بالتخيير.

و يرد عليه أولا: ان الالزام بحكم العقل لا بحكم الشارع و ثانيا:

انه يمكن أن يرجع الامر الي الحاكم الشرعي و يتصالح المالك و الضامن علي شي ء واحد فان الحاكم مرجع الامور عند التشاح و النزاع و أما احتمال الرجوع الي القرعة فهو بعيد اذ لا دليل عليها في الشبهات الحكمية بل هي تختص بالشبهة الموضوعية.

و يمكن تقريب الاكتفاء باحد الامرين و كون الضامن مخيرا بوجه آخر و هو انه بعد اداء المثل أو القيمة يشك في بقاء الاشتغال فيتعارض الاصل الجاري في المجعول مع الاصل الجاري في مقدار الجعل و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي البراءة عن الالزام فلاحظ.

الوجه الرابع: خيار المالك بين الامرين بأن يكون الاختيار بيده

بتقريب: ان ذمة الضامن و ان كانت مشغولة باحد أمرين لكن ما يختاره المالك اما بدل واقعي و أما بدل البدل و علي كلا التقديرين يكفي أما علي الاول فظاهر و أما علي الثاني فلرضا المالك و لا بد من تحصيل رضاه فان مقتضي الاصل عدم فراغ ذمة المالك الا برضا المالك.

و يرد عليه انه لا بد من مراجعة الحاكم في أمثال المقام كما مرّ آنفا و أما استصحاب بقاء الاشتغال فهو معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

و ببيان واضح. بعد اداء المثل أو القيمة لو شك في الفراغ يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 182

مقتضي استصحاب. اشتغال الذمة بقاء الشغل و مقتضي استصحاب عدم الجعل الزائد عدم الاشتغال و بعد التعارض و التساقط تكون اصالة البراءة عن التكليف محكمة فلاحظ.

و أما ما أفاده الشيخ قدس سره من تخيير المجتهد في

الفتوي فلا دليل عليه فان تخيير المجتهد في باب تعارض الاخبار و أما في المقام فلا وجه له و لعله اشار الي ما ذكرنا بقوله «فتأمل».

و الذي يختلج بالبال ما تقدم منا من أن الثابت في الذمة نفس العين و عند التعذر تصل الي المثل و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة.

و يؤيد المدعي بل يدل عليه بعض النصوص منها ما رواه محمد ابن عيسي عن يونس قال كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السلام انه كان لي علي رجل دراهم و ان السلطان أسقط تلك الدراهم و جاء بدراهم أعلي من تلك الدراهم الاولي و لهم اليوم وضيعة فاي شي ء لي عليه الاولي التي اسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب عليه السلام الدراهم الاولي «1».

و منها ما رواه صفوان قال سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت و لا يباع بها شي ء الصاحب الدراهم الدراهم الاولي أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ قال: فقال: لصاحب الدراهم الدراهم الاولي «2».

الا أن يقال: ان النصوص المشار إليها لا يؤيد المدعي حيث ان الدرهم مثلي. لكن يرد عليه: انه لو كان مثليا يلزم أن يدفع بدل الدرهم درهم و الحال انه يكفي دفع نصفي درهم بدل الدرهم الواحد.

______________________________

(1) تهذيب الاحكام ج 7 ص 117 الحديث 507.

(2) عين المصدر الحديث 508.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 183

و أيضا يؤيدنا في هذه المقالة انه يظهر من الماتن الميل الي هذا القول حيث قال: «و لكن يمكن أن يقال ان القاعدة المستفادة من اطلاقات الضمان في المغصوبات و الامانات المفرط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل

لانه أقرب الي التالف من حيث المالية و الصفات ثم بعده قيمة التالف من النقدين و شبههما» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل أمره بالتأمل اشارة الي أنه لا يترتب اثر شرعي علي مثل هذه الاجماعات و بعبارة أخري لا يمكن جعل الاجماع مدركا للحكم و اللّه العالم.

[الخامس لو لم يوجد المثل الا بالأكثر]

«قوله قدس سره: الخامس ذكر في القواعد انه لو لم يوجد المثل الا باكثر»

مقتضي القاعدة انه يلزم اداء المثل و لو مع كون ثمنه اكثر لا للوجوه المذكورة في كلام الشيخ فان الوجوه المذكورة مخدوشة أما الاجماع فلا يكون حجة و أما النصوص فقد مرّ الاشكال فيها اما سندا و أما دلالة و أما من كلتا الناحيتين و أما الفتاوي فلا أثر لها و لا اعتبار بها و أما الفحوي فأيضا لا يترتب عليه اثر اذ الحكم في الاصل مستند الي الفتاوي.

«قوله قدس سره: و هو ضرر»

أما علي مسلكنا في مفاد القاعدة فلا مجال للاستدلال بها علي المدعي كما هو ظاهر و أما علي مسلك القوم و ان مفادها النفي، فتارة تكون الزيادة زيادة سوقية و اخري تكون الزيادة باعتبار طمع البائع في الزيادة و الحال ان القيمة السوقية اقل أما علي الاول فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 184

مجال للاخذ بالقاعدة لان المفروض ان الحكم الشرعي وارد في مورد الضرر و لا بد من تخصيص القاعدة كما في نظائر المقام.

و أما علي الثاني فأيضا يشكل الاخذ و الاستدلال بها لان الالزام بحكم العقل لا بحكم الشارع فلا بد من الالتزام بوجوب الشراء و لو باضعاف القيمة الا أن يقال ان مدرك وجوب المثل السيرة و في الفرض المذكور لا سيرة.

«قوله

قدس سره: ثم انه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل»

الظاهر ان ما أفاده تام و الامر كما قرره قدس سره و صفوة القول:

ان الذي يختلج بالبال ان المالك له المطالبة في كل مكان فانه مسلط علي مملوكه و يجب علي الضامن رد المثل الي المالك و لو ببذل مال كثير لكن لقائل أن يقول: العمدة في مستند الحكم السيرة العقلائية فلا بد من رعايتها و مقدار تحققها.

[السادس: لو تعذر المثل في المثلي فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة]
اشارة

«قوله قدس سره: السادس: لو تعذر المثل في المثلي فمقتضي القاعدة وجوب دفع القيمة»

يقع الكلام في المقام في فروع:
الفرع الأول: انه لا اشكال انه لو تعذر المثل تصل النوبة الي القيمة

فان السيرة جارية عليه فوجوب القيمة مع تعذر المثل في الجملة مما لا اشكال فيه.

الفرع الثاني: ان الميزان قيمة يوم التلف أم قيمة يوم الاخذ أم قيمة يوم الدفع أم اعلي القيم

من زمان الاخذ الي يوم الدفع أو الي يوم التلف و هذا الاختلاف ناش من تبدل المثل الي القيمة فوقع الكلام بين القوم في أن التبدل المذكور متي يتحقق و أما اذا لم نلتزم بالتبدل فلا موضوع لهذا الاختلاف.

و ربما يقال: ان الضمان لا بد أن ينتقل الي القيمة عند اعواز

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 185

المثل في الخارج و الا لم ينتقل الي المثل أيضا عند تلف العين الشخصية.

و أجاب عنه سيدنا الاستاد بأن انتقال العين بعد التلف الي المثل أمر قهري لانه لا معني لبقائها في الذمة مع تلفها و أما المثل فهو امر كلي قابل للبقاء في الذمة الي حين الاداء.

و الذي يحتلج بالبال أن يقال: ان التالف بشخصه ثابت في الذمة و لا مانع من اعتباره و بقائه فيها فان الاعتبار خفيف المئونة و لا فرق بين الجزئي الخارجي و الكلي من هذه الجهة.

و الذي يدل علي المدعي ان التالف لو رجع الي ما كان أولا ببركة دعاء ولي من الاولياء يجب رده الي صاحبه و لا مجال لاداء المثل أو القيمة و علي هذا يكون المناط قيمة يوم الاداء.

الفرع الثالث: انه لا يجوز للضامن اجبار المالك بأخذ القيمة مع الاعواز

فانه لا وجه له و بعبارة اخري لا يجوز اجبار المالك علي قبول شي ء آخر بدلا عن ملكه و لذا لا اشكال في عدم جواز اجبار مالك العين الموجودة علي قبول شي ء آخر بدلا عن العين الموجودة.

و هذا مع رجاء وجدان المثل ظاهر و أما مع اليأس فأفاد سيدنا الاستاد قدس سره: بأنه لا يجوز الاجبار أيضا. و لكن لقائل أن يقول:

مع فرض اليأس لا وجه لامتناع المالك عن القبول فان التأخير و ابقاء ذمة الضامن مشغولة بالعين لا

وجه له و اللّه العالم.

الفرع الرابع: انه يجوز اجبار المالك الضامن بدفع القيمة

فان المالك مسلط علي حقه و يجوز له أن يأخذ القيمة مع الاعواز و الصبر.

و ان شئت قلت: لا اشكال في تحقق السيرة العقلائية علي ذلك.

و لا مجال لتوهم ان اجباره علي دفع القيمة اضرار بالنسبة الي الضامن فلا يجوز فانه يقال: هذا التوهم فاسد و ذلك لانه ليس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 186

اضرارا بالنسبة إليه بل ارفاق حيث رفع اليد عن الخصوصية و اكتفي بالقيمة و لا فرق فيما ذكر بين التعذر الابتدائي و التعذر العارضي كما انه لا فرق فيما ذكر بين كون التعذر مستمرا أو موقتا فلاحظ.

الفرع الخامس: في مناط التعذر و الاعواز

لا يبعد أن يقال ان الميزان التعذر الشخصي فمع التمكن من تحصيل المثل و لو من البلاد البعيدة التي لا يتعارف نقل المثل منها يجب تحصيله علي الضامن. و بعبارة واضحة: يجب عليه تحصيله باي وجه ممكن و لا وجه لجعل ميزان و معيار له.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: انه لو كان في نقله من بلد بعيد مئونة زائدة بحيث يتضرر نحكم بعدم الوجوب لقاعدة نفي الضرر.

و يرد عليه أولا: ان الاخذ بدليل نفي الضرر متوقف علي مقالة المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مقتضي مختار شيخ الشريعة قدس سره فلا مجال للاخذ بها كما هو ظاهر.

و ثانيا: ان الاخذ بالقاعدة لنفي الوجوب ينافي مسلكه حيث انه يقول ان القاعدة قاعدة امتنانية و لا بد أن لا يكون اجرائها علي خلاف الامتنان و المفروض ان الاخذ بها في المقام و نفي وجوب التحصيل خلاف الامتنان بالنسبة الي المالك.

فالحق أن يقال: يجب تحصيل المثل علي الضامن مطلقا و لا وجه لقياس المقام بباب السلف اذ يمكن أن يقال ان مقتضي الانصراف

تحصيل المبيع من بلد المعاملة فتأمل مضافا الي النصوص الواردة في ذلك الباب منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك الي اجل مسمّي؟

قال: لا بأس ان لم يقدر الذي عليه الغنم علي جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس مال ما بقي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 187

من الغنم دراهم و يأخذون دون شروطهم و لا يأخذون فوق شرطهم و الاكسية أيضا مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسلم في الطعام الي أن قال: أ رأيت ان أوفاني بعضا و عجز عن بعض أ يصلح أن آخذ بالباقي رأس مالي قال: نعم ما أحسن ذلك «2».

و منها ما رواه سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه و يبقي بعض لا يجد وفاءه فيعرض عليه صاحبه رأس ماله قال يأخذه فانه حلال الحديث «3».

و رواه الشيخ باسناده عن احمد مثله و زاد: قلت فانه يبيع ما قبض من الطعام فيضعف قال و ان فعل فانه حلال «4».

و منها ما رواه ابان بن عثمان عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسلم الدراهم في الطعام الي اجل فيحل الطعام فيقول: ليس عندي طعام و لكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه فقال لا بأس بذلك «5».

و منها ما رواه العيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عليه

السلام قال: سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة حتي اذا حضر الاجل لم يكن عنده طعام و وجد عنده دواب و متاعا و رقيقا يحلّ له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه قال نعم يسمّي كذا و كذا بكذا و كذا صاعا «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب السلف الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

(5) عين المصدر الحديث 5.

(6) عين المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 188

و منها غيرها.

فانه ربما يدعي ان المستفاد من تلك الروايات ان الميزان بالقدرة علي التحصيل في بلد المعاملة و ان كان للنقاش في هذه المقالة مجال اذ يمكن أن يقال ان المستفاد من النصوص المشار إليها ان الميزان عدم القدرة علي الاطلاق فلاحظ.

ثم ان الميزان بالقيمة في بلد المطالبة و لا مدخلية لبلد الضمان و ببيان واضح: ان المفروض ان المثل ثابت في ذمة الضامن فلا بد من اداء قيمته عند التعذر و لا فرق فيما ذكر بين عزة الوجود و عدمها لوحدة الملاك.

و قال سيدنا الاستاد لو طالب من عنده المثل بأزيد من القيمة السوقية لم يجب الدفع لقاعدة الضرر. و يرد عليه ما أوردناه عليه آنفا من الايرادين فلاحظ.

الفرع السادس: انا ذكرنا انه لو تلف المأخوذ بالعقد الفاسد تصير ذمة الضامن مشغولة بنفس العين أو بالمثل

علي المعروف بين القوم فلو فرض سقوطه عن المالية كالماء علي الشاطئ اذا أتلفه في المفازة و المهلكة و الثلج في الشتاء اذا أتلفه في الصيف فما حكمه؟ قال سيدنا الاستاد تثبت في ذمة الضامن قيمة يوم السقوط عن المالية بتقريب ان المثل ثابت في ذمته الي ذلك الزمان و المثل في ذلك الزمان في حكم التالف فالميزان بقيمة ذلك الوقت.

و يترتب علي ما أفاده

انه لو لم يدفع القيمة النازلة و هي قيمة ذلك الزمان المشار إليه و صار الماء أو الثلج عزيز الوجود و ترقت قيمته لا يجب علي الضامن الا اداء ذلك المقدار القليل الذي انتقل الي ذمته و علي الشاطئ مثلا و هل يمكن الالتزام به؟

و أيضا يترتب عليه انه لو قنع المالك بالمثل مع عدم كونه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 189

متمولا لا يجب علي الضامن دفع الماء أو الثلج و هل يمكن الالتزام به؟ و اللّه العالم.

الفرع السابع: لو دفع القيمة في المثل المتعذر ثم تمكن من المثل فما حكمه؟

أفاد الشيخ قدس سره: الظاهر عدم عود المثل بذمته لان المثل كان دينا سقط عن الذمة بالتراضي فلا يعود كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده.

و هذا علي المختار من كون المثل ثابتا في الذمة ظاهر و أما علي القول بعدم بقاء المثل في الذمة بل يتبدل بالقيمة فان قلنا بأن التالف بالاعواز يصير قيميا فالامر أوضح اذ المدفوع مصداق للثابت في الذمة فلا وجه للعود و أما لو قلنا ان المثل الثابت في الذمة يصير قيميا فيحتمل العود و يكون المدفوع بدل الحيلولة.

و يرد عليه: ان الالتزام ببدل الحيلولة متوقف علي بقاء العين في ملك مالكه و في المقام المفروض انقلاب ما في الذمة الي القيمة فلا مجال لاجراء قاعدة بدل الحيلولة في المقام.

مضافا الي فساد اصل المدعي فانه لا وجه لهذا التقريب بل الحق بقاء نفس العين في الذمة بلا فرق بين الموارد و بعبارة واضحة:

انه لا وجه للالتزام بالقسمين بل الامر منحصر فيما ذكرنا و هو ثبوت نفس العين في ذمة الضامن.

«قوله قدس سره: فليتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن المراد بيوم المطالبة يوم الدفع اذ لا خصوصية ليوم المطالبة بلا دفع فالمناط

و الميزان الدفع.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله اشارة الي ضعف المبني فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 190

[السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا»

أقول: اذا تلف القيمي فهل يضمن التالف بمثله أو يضمن بقيمته و الكلام حول هذه المسألة يقع في مقامات

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية

فنقول: القاعدة تقتضي أن يضمن التالف بعينه علي ما قلنا أو يضمن بمثله كما ذهب إليه سيدنا الاستاد قدس سره و نسب الي المشهور انه يضمن بالقيمة. و الحق ما ذكرنا فانه لو خلي و طبعه يكون المضمون نفس العين بلا فرق بين تعذر المثل و عدمه.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: انه مع التعذر المطلق ينتقل الضمان الي القيمة بتقريب: ان اعتبار الاشتغال مع عدم امكان اداء المثل لغو.

و فيه: ان لازم ما أفاده انه لو وجد المثل اتفاقا و علي خلاف القاعدة الطبيعية لا يكون دفعه مؤثرا و موجبا للبراءة بل الواجب رد القيمة بدلا عن التالف و هل يمكن الالتزام به؟ فالحق ما أفاده السيد قدس سره في الحاشية من المنع عن الانتقال علي الاطلاق و لا يرد عليه ما أورده عليه سيدنا الاستاد: من أن لازم كلامه جواز امتناع المضمون له عن قبول القيمة و لو مع التعذر علي الاطلاق لان المفروض ان الذمة مشغولة بالمثل.

فان ما أورده عليه غير تام اذ ذكرنا سابقا انه مع اليأس عن الوجدان لا وجه لبقاء ذمة الضامن مشغولة فانه خلاف سلطنة الناس علي انفسهم و ذمهم.

و صفوة القول: ان القاعدة الاولية تقتضي الاشتغال بالعين أو المثل بلا فرق بين المثلي و القيمي و يؤيد المدعي بعض النصوص منها ما رواه الصباح بن سيابة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 191

عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني ان أسألك

قال: انا نستقرض الخبز من الجيران فنردّ أصغر منه أو اكبر فقال عليه السلام: نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين عددا فيكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

استقرض الرغيف من الجيران و نأخذ كبيرا و نعطي صغيرا و نأخذ صغيرا و نعطي كبيرا قال لا بأس «2».

المقام الثاني: انه لا بد من رفع اليد عن القاعدة الاولية بالدليل الدال علي أن التالف في القيمي يضمن بالقيمة
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجهان:

الوجه الأول الاجماع

و فيه: ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و علي فرض تحصيله محتمل المدرك.

الوجه الثاني: ما أفاده الشيخ قدس سره

بقوله و تدل عليه الاخبار المتفرقة في كثير من القيميات و لا بد من ملاحظة هذه الاخبار المشار إليها في كلامه منها ما ورد في تحرير بعض الشركاء نصيبهم من العبد.

لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه، فقال: ان ذلك فساد علي أصحابه (فلا يستطيعون) بيعه و لا مؤاجرته فقال: يقوّم قيمة فيجعل علي الذي أعتقه عقوبة و انما جعل ذلك عليه «عقوبة» لما أفسده «3».

فانه يستفاد من الحديث ان الملاك و الميزان في ضمان القيمة الافساد حيث قال في ذيل الرواية و انما جعل ذلك عليه عقوبة لما

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب الدين و القرض الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 18 من العتق الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 192

أفسده فبعموم العلة نحكم بضمان القيمة في القيمي فلا مجال لان يقال: ان الحكم المذكور وارد في موضوع خاص و لا مجال لتسريته الي غير مورده.

و مثله في الدلالة علي المدعي بالتقريب المذكور ما رواه سماعة قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق احدهم نصيبه فقال: هذا فساد علي أصحابه يقوّم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه لانه أفسده علي أصحابه «1».

و يمكن التعرض لاشكالين في المقام الأول: انه ما الوجه في اختصاص الحكم بخصوص القيمي فان عموم العلة يقتضي الحكم بضمان القيمة في كلية الموارد بلا فرق بين القيمي و المثلي.

الا أن يقال: لا اشكال في ضمان المثل في المثلي بالتسالم و السيرة الجارية بين العقلاء الممضاة من قبل الشارع الاقدس.

الثاني:

انه بمقتضي العلة لا بد من تخصيص الحكم بمورد الاتلاف و أما في مورد التلف فلا مجال للاخذ بعموم العلة فان الموضوع المأخوذ في لسان الدليل كما تري عنوان الافساد.

ان قلت: حيث انه لا قول بالفصل يلزم عموم الحكم أي لاجل عدم الفصل في القيميات لا بد من الالتزام بعموم الحكم فيها قلت:

عدم القول بالفصل غايته الاجماع و لا يترتب علي الاجماع اثر مع احتمال كونه مدركيا و من الممكن استناد الاجماع الي النصوص المشار إليها.

و منها ما ورد في بيان حكم سفرة مطروحة لاحظ ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من العتق الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 193

و بيضها و فيها سكين فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن فقيل يا أمير المؤمنين عليه السلام: لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي فقال: هم في سعة حتي يعلموا «1».

فان المستفاد من الحديث انه يضمن المأكول بالقيمة و الحديث ضعيف سندا بالنوفلي.

و منها مرسلة الصدوق قال الصادق عليه السلام أفضل ما يستعمله الانسان في اللقطة اذا وجدها أن لا يأخذها و لا يتعرض لها فلو ان الناس تركوا بما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه و ان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرفها فان وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه و ان وجدت طعاما في مفازة فقومه علي نفسك لصاحبه ثم كله فان جاء صاحبه فردّ عليه القيمة فان

وجدت لقطة في دار و كانت عامرة فهي لاهلها و ان كانت خرابا فهي لمن وجدها «2».

فان المستفاد من الحديث ان الضمان بالقيمة و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله هي لك أو لاخيك أو للذئب فخذها و عرفها حيث اصبتها فان عرفت فردّها الي صاحبها و ان لم تعرف فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها عليه «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب اللقطة.

(2) الوسائل الباب 2 من هذه الابواب الحديث 9.

(3) الوسائل الباب 13 من ابواب اللقطة الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 194

فان المستفاد من الحديث ان الشاة تصير مضمونة بالقيمة و يشكل بأنه حكم وارد في مورد خاص و لا وجه لاسرائه الي غيره من الموارد مضافا الي أن الظاهر من الرواية ان المضمون عين الشاة حيث قال عليه السلام: «فكلها و انت ضامن لها» فان الظاهر أن تحقق الضمان زمان الاكل و الظاهر من قوله في ذيل الحديث: «ان جاء صاحبها يطلبها أن ترد عليه ثمنها» ان الضمان يرتفع برد ثمن الشاة حين الرد.

و بعبارة واضحة: ان الواجب عليه قيمة الشاة حين الدفع فالثابت في الذمة عين الشاة و لذا الميزان قيمتها في ذلك الزمان.

و منها ما رواه أيضا علي بن جعفر عن أخيه قال: و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدق بها و لمن الاجر هل عليه أن يردّ علي

صاحبها أو قيمتها؟ قال: هو ضامن لها و الاجر له الا أن يرضي صاحبها فيدعها و الاجر له «1»

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الضمان بالقيمة. و فيه انه حكم خاص في مورد مخصوص فلا وجه للتعدي مضافا الي أن المستفاد من الحديث ان الضامن ضامن للقيمة في زمان التغريم أي قيمة ذلك الوقت و الحال ان مقتضي ضمان المضمون بالقيمة القيمة الثابتة للعين في زمان التصدق فلاحظ.

و منها ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال: أتاه رجل تكاري دابة فهلكت و أقرّ انه جاز بها الوقت فضمنه الثمن و لم يجعل عليه كراء «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من هذه الابواب الحديث 14.

(2) الوسائل الباب 17 من الاجارة الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 195

و المستفاد من الحديث ان الضامن ضمن بقية زمان التغريم فلا تدل الرواية علي المدعي.

و منها ما رواه ابو حمزة «1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الذي يثبت في الذمة القيمة و لذا حكم عليه السلام بالتهاتر و الا لم يكن وجه له: و الظاهر ان التقريب تام كما ان السند لا خدش فيه لكن لا دليل الحديث لتخصيص الحكم بخصوص القيمي بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين المثلي و القيمي.

و منها ما رواه ابن عمار «2» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه ابن بكير «3» و منها ما رواه محمد بن قيس «4» و التقريب هو التقريب و منها ما رواه ابان بن عثمان «5» و منها ما رواه سليمان بن خالد «6».

و يستفاد من الحديث التفصيل بين التفريط و عدمه باثبات الضمان علي نحو التهاتر في الاول و عدم الضمان

في الثاني و الظاهر ان الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي لا اشكال فيه غاية الامر يلزم عدم التفصيل بين المثلي و القيمي الا أن يتم التفصيل بالاجماع و التسالم و وضوح الحكم و اللّه العالم.

و أيضا يلزم أن يفصل بين الاتلاف و التلف فان المستفاد من نصوص الرهن الضمان بالقيمة في صورة الاتلاف أي في صورة التفريط و عدم التحفظ و الحال انهم لم يفرقوا بين الصورتين في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 167.

(5) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

(6) قد تقدم ذكر الحديث في ص 166.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 196

ضمان القيمي الا أن يستند عموم الحكم الي الاجماع و هل يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف في المقام؟

«قوله قدس سره: و يدل عليه الاخبار المتفرقة في كثير من القيميات»

قد اشرنا الي جملة من الاخبار التي اشار إليها في كلامه.

«قوله قدس سره: فلا حاجة الي التمسك بصحيحة أبي ولاد» «1»

و حديث أبي ولاد مورده الغصب و الخيانة و لا اطلاق فيه فباي وجه نتعدي الي مطلق التالف و لو لم يكن مورده التعدي و العدوان اللهم الا أن يتم الامر بالاجماع التعبدي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لا بقوله عليه السلام من أعتق شقصا»

لاحظ ما رواه في عوالي اللئالي قال النبي صلي اللّه عليه و آله:

من أعتق شقصا له من مملوك و له مال قوم عليه الباقي «2».

و لا يخفي انه اذا قطع النظر عن واحد واحد من هذه الاحاديث لا يبقي مستند لما ادعاه و ان شئت قلت: كيف

يجمع بين قوله يدل عليه الاخبار المتفرقة و بين قوله لا حاجة الي التمسك الخ.

«قوله قدس سره: بل قد عرفت ان مقتضي اطلاق ادلة الضمان»

ما أفاده مخدوش فانا ذكرنا ان مقتضي القاعدة الاولية ان التالف بشخصه مضمون و يستفاد المدعي من جملة من النصوص كما اشرنا الي بعضها.

«قوله قدس سره: بقوله تعالي «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ»

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

(2) المستدرك الباب 16 من العتق الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 197

كيف يستدل بالآية علي المدعي و الحال ان موردها الاعتداء مضافا الي أنه لا يبعد أن يستفاد من الآية الشريفة ان العدو ان كالضرب و الشتم و أمثالهما يجوز مثله و أما الضمان فلا يستفاد منها فلاحظ.

«قوله قدس سره: فيكون الفصل بين التيسر و عدمه قولا ثالثا»

فيكون خرقا للاجماع المركب هذا تقريب كلامه. و يرد عليه ان الاجماع البسيط مع كونه محتمل المدرك لا أثر له فكيف بالمركب منه. و بعبارة واضحة: مع ذهاب الاصحاب الي القولين المذكورين و اختلافهم لا اجماع لهم علي أمر فعلي تقدير اعتبار الاجماع لا اعتبار له في أمثال المقام اذ عدم قول كل واحد من القولين بالقول الثالث ناش من التزامه بما ذهب إليه.

و ببيان أوضح: ان الاصحاب لم يجمعوا علي نفي القول الثالث فلا اجماع لهم فلا تغفل.

«قوله قدس سره: ثم انهم اختلفوا في تعيين القيمة»

وقع الخلاف بين القوم في تعيين القيمة المضمونة
اشارة

و قد ذكرت في المقام أقوال:

القول الاول: المضمون قيمة زمان التلف

و استدل عليه ان العين ما دامت باقية يجب ردها و الانتقال الي القيمة زمان التلف فالميزان ذلك الزمان.

و أورد فيه بأن زمان الانتقال و ان كان زمان التلف و لكن مجرد الانتقال لا يقتضي تعين قيمة العين في ذلك الزمان.

و هذا الاشكال غير تام لانه تارة نقول بأن العين التالفة مطلقا بنفسها باقية في الذمة الي زمان ارتفاع الضمان أي زمان الدفع كما هو ليس ببعيد فلا موضوع للانتقال و أما علي القول بالانتقال الي القيمة فلا مناص عن الالتزام بانتقال القيمة الثابتة في ذلك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 198

الزمان الا أن يقوم دليل علي الخلاف.

القول الثاني: ان الميزان قيمة يوم الدفع

بتقريب ان العين ثابتة في الذمة فلا بد من ملاحظة قيمة ذلك الزمان أي زمان الدفع.

و بعبارة اخري: زمان الدفع يتبدل ما في الذمة بالقيمة فلا بد من ملاحظة ذلك الزمان.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره: ان هذا القول ينافي ان الضامن له الزام المالك بقبول القيمة فانه يقتضي أن لا تجب علي الضامن الا القيمة فلا تكون العين ثابتة في ذمته.

و يرد عليه ان المبني الذي بني عليه فاسد فان اليأس من الظفر بالعين كما تقدم منا يقتضي جواز الزام المالك لان الضامن مسلط علي نفسه لكن قبل اداء القيمة لو وجد المثل أو لو اعيد التالف بدعاء ولي من أولياء اللّه يكون الواجب رده.

و هذا القول تام بحسب القاعدة الاولية الا أن يقوم دليل علي الخلاف فلنا ان نقول ان حديث الحناط مرجع في جميع الموارد حتي فيما لا يكون الاخذ غاصبا و يلزم رفع اليد عن القاعدة الاولية و نلتزم بأن الواجب دفع قيمة يوم الغصب.

القول الثالث: وجوب رد اعلي القيم من زمان القبض الي يوم الاداء
اشارة

و قد استدل علي القول المذكور بوجوه:

الوجه الأول: ان الضمان لا يختص بوقت معين

ففي كل يوم ارتفعت القيمة تكون الذمة مشغولة بها و النتيجة اعتبار أعلي القيم من زمان القبض الي زمان الاداء.

و يرد عليه: ان العين ما دامت موجودة لا تصل النوبة الي ضمان القيمة بل الواجب ادائها و أما بعد التلف فكما تقدم تكون ثابتة في الذمة و لا مقتضي لانتقالها الي القيمة بل هي بنفسها في الذمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 199

فالميزان قيمة وقت الاداء لا أعلي القيم و علي القول بانتقال القيمة الي الذمة يكون الميزان قيمة زمان التلف فعلي كلا التقديرين لا وجه للالتزام بضمان أعلي القيم.

الوجه الثاني: ان المستفاد من حديث أبي ولاد الحناط «1» ان المغصوب مضمون علي الغاصب من يوم الغصب

و كل يوم يصدق عليه هذا العنوان فان رد نفس العين فهو و الا فان رد أعلي القيم فقد رد قيمة يوم المخالفة بقول مطلق لدخول السفلي في العليا ضرورة عدم وجوب رد قيمة كل يوم و اذا رد القيمة النازلة لم يرد القيمة بقول مطلق فلا بد من دفع أعلي القيم من يوم الغصب الي يوم الاداء.

و فيه أولا: ان المقبوض بالعقد الفاسد مع جهل الاخذ بالغصبية لا يكون غصبا و ثانيا: انه مع بقاء العين لا تصل النوبة الي القيمة و أما مع التلف فالمستفاد من حديث الحناط وجوب اداء يوم الغصب و الدليل عليه قوله عليه السلام «و لو شهد شاهدان علي قيمة يوم الاكتراء» فان يوم الاكتراء هو يوم الغصب اذ الاكتراء في الاسفار القريبة نفس يوم السفر لا من قبل ذلك اليوم بايام.

هذا بالنظر الي الرواية و أما مع قطع النظر عنها فان قلنا ببقاء نفس العين في الذمة فلا تصل النوبة الي ملاحظة القيمة الا حين الاداء كما هو ظاهر و ان قلنا بالانتقال فالمنتقل إليه فرد

من أفراد القيمة فلا وجه لملاحظة أعلي القيم.

الوجه الثالث: ان الغاصب بمجرد وضع يده علي العين تشتغل ذمته

فان أدي العين أو أعلي القيم تفرغ ذمته قطعا و أما في غير

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 200

هذين التقديرين يشك في البراءة و الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك.

و يرد عليه ان العين قبل التلف في عهدة الاخذ و بعد التلف ان قلنا ببقائها في ذمته فالميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا تشتغل الذمة بالقيمة حين التلف فلازمه اشتغال الذمة بقيمة ذلك الزمان هذا بالنسبة الي القاعدة الاولية و أما بلحاظ حديث الحناط فالميزان قيمة يوم الغصب.

اضف الي ذلك انه قد ثبت في محله من الاصول انه لو دار الامر بين الاقل و الاكثر خصوصا مع عدم كونهما مرتبطين كالمقام يكون المرجع البراءة من الاكثر فلا مجال للاشتغال.

و ان شئت فقل: ان قاعدة الاشتغال عند القائلين بها انما تجري فيما يشك في الفراغ بعد العلم بالاشتغال و أما مع الشك في الاشتغال فلا مجال للقاعدة و المقام كذلك اذ الشك في اشتغال الذمة بالاكثر و الاصل عدمه.

الوجه الرابع: ان مقتضي الاستصحاب بقاء الاشتغال الا فيما يدفع الاعلي.

و فيه أولا: انه مع وجود النص لا مجال للاصل و ثانيا:

ان مقتضي الاستصحاب عدم الاشتغال الا بالاقل.

و ثالثا: ان استصحاب بقاء الاشتغال يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

الوجه الخامس ان قاعدة لا ضرر تقتضي دفع أعلي القيم و الا يتضرر المالك.

و يرد عليه أولا ان ضرر المالك يعارض بضرر الغاصب ان قلت:

الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال قلت: لا أصل صحيح لهذه الكلية مضافا الي أن كل ضامن لا يكون غاصبا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 201

و ثانيا: ان المستفاد من حديث الحناط ان المناط قيمة يوم الغصب.

و ثالثا ان الاستدلال بقاعدة لا ضرر انما يتم علي مسلك المشهور في مفادها و أما علي مسلك شيخ الشريعة الذي اخترناه فلا يتم الاستدلال فان مفاد لا ضرر علي مسلكه النهي عن الاضرار لا نفي الضرر كي تكون القاعدة حاكمة علي ادلة الاحكام.

و رابعا: ان حديث لا ضرر يقتضي النفي أي ينفي الاحكام الضررية لا انه يثبت امرا.

الوجه السادس: ان الغاصب ازال يد المالك عن العين في جميع الازمنة

و منها زمان علو القيمة فان رد العين فقد خرج من الضمان و أما مع تلف العين فلا يخلص من الضمان الا بدفع أعلي القيم اذ المفروض انه حال بين المال و مالكه و لذا يجب بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان وجوب بدل الحيلولة اوّل الكلام و الاشكال و نتعرض لحكمه تبعا للماتن إن شاء اللّه تعالي فانتظر.

و ثانيا: ان قياس المقام بذلك الباب مع الفارق فان بدل الحيلولة مع بقاء العين و المفروض في المقام تلف العين فان قلنا المرجع حديث الحناط فالمستفاد منه ان اللازم دفع قيمته يوم الغصب و ان قلنا لا بد من العمل علي طبق القاعدة فان قلنا العين بعد التلف موجودة في الذمة فالميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا انها تنتقل الي القيمة فالميزان قيمة يوم التلف اذ يوم التلف يوم الانتقال.

اضف الي جميع ذلك ان اسراء حكم الغصب الي مطلق موارد الضمان يتوقف علي قيام دليل عليه.

الوجه السابع: قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 202

بمثل ما اعتدي عليكم» «1» فان الاعتداء يلزم أن يكون بمقدار من الاعتداء الذي تحقق لا أزيد و حيث انه يصدق الاعتداء بأعلي القيم اذ المفروض ان العين في ضمان الغاصب في ذلك الزمان فيجوز الاخذ منه بهذا المقدار.

و يرد عليه أولا: انه قد تقدم انه لا يستفاد من الآية الشريفة الحكم الوضعي بل المستفاد منها مجرد الحكم التكليفي فلا يرتبط الآية بالمقام.

و ثانيا: انه ما دام العين موجودة لا تصل النوبة الي اشتغال الذمة بالبدل و أما بعد التلف فان عملنا بحديث الحناط فالميزان المذكور فيه قيمة يوم الغصب و ان لم نعمل به فاما نقول ببقاء العين في الذمة

الي زمان الدفع فالميزان ذلك الزمان و ان قلنا بالانتقال الي القيمة فالميزان قيمة يوم التلف.

الوجه الثامن: ان اليد يد ضمان في جميع الازمنة و من جملة تلك الازمنة زمان علو القيمة فلا بد من رعاية الاعلي.

و فيه: انه مع بقاء العين لا ضمان للقيمة و الا يلزم الجمع بين العوض و المعوض مضافا الي أنه خلاف الاجماع و التسالم و ان كان المراد انه يلزم رعاية الا علي بعد تلف العين فلا دليل عليه مضافا الي أنه خلاف النص المشار إليه فتحصل ان هذا القول أيضا غير تام.

القول الرابع: ان العبرة بأعلي القيم من يوم القبض الي يوم التلف

بتقريب: ان مراتب القيمة كلها مضمونة و بعبارة اخري:

العين ما دامت باقية تكون مضمونة فمراتب قيمتها مضمونة الي زمان التلف و أما بعد التلف فلا أثر للتفاوت اذ المفروض ان القيمة تنتقل الي الذمة.

______________________________

(1) البقرة/ 194.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 203

و يرد عليه: ان العين ما دامت باقية مضمونة بنفسها فلا تصل النوبة الي زمان القيمة و أما بعد التلف فان قلنا ان العين تنتقل الي الذمة يكون الميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا بتبدل العين بالقيمة حين التلف يكون الميزان قيمة يوم التلف.

هذا بحسب القاعدة الاولية و أما بحسب حديث الحناط فلا بد من ملاحظته و الحكم علي طبق ما يستفاد منه.

القول الخامس: ان العبرة بأعلي القيم من يوم التلف الي زمان الاداء

و يمكن أن يقال في تقريب وجهه ان الضمان بالقيمة انما يتحقق عند التلف فما دام لا يخرج الضامن عن عهدة الضمان تكون القيمة في ذمته.

و بعبارة اخري: المفروض تبدل العين بالقيمة هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المفروض اختلاف القيمة بحسب اختلاف الازمان.

و فيه انه ان قلنا بكون العين في الذمة الي زمان اداء القيمة يكون الميزان قيمة يوم الاداء و ان قلنا يلزم العمل بحديث الحناط فالمستفاد منه ان الميزان قيمة يوم الغصب.

القول السادس: ان العبرة بقيمة يوم القبض

بتقريب ان المستفاد من حديث الحناط ان المناط قيمة يوم الاكتراء و المفروض ان يوم الاكتراء يوم القبض هذا علي تقدير العمل بالنص الخاص الوارد في المقام و هو حديث الحناط بتقريب ان الحديث و ان كان واردا في مورد الغصب و لكن ببركة الاجماع المستفاد من كلام الشيخ الاعظم قدس سره يعم الحكم المقبوض بالعقد الفاسد قال قدس سره في جملة كلام له في هذا المقام «نعم لو تم ما تقدم عن الحلي في هذا المقام من دعوي الاتفاق علي كون البيع فاسدا بمنزلة المغصوب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 204

الا في ارتفاع الاثم الحقناه بالمغصوب» «1» الخ.

و اما لو لم نتعد من مورد الحديث و خصّصناه بمورد الغصب نقول: ان قلنا ببقاء نفس العين حتي بعد التلف في الذمة يكون الميزان قيمة يوم الدفع و ان قلنا بانتقال العين الي القيمة حين التلف يكون الميزان قيمة يوم التلف.

القول السابع: ان الميزان قيمة يوم البيع

قال السيد قدس سره في الحاشية نقل عن المفيد و القاضي و الحلبي و قال: لا بد من تأويله الي القول الاول أي كون الميزان بيوم القبض هذه هي الاقوال المذكورة في كلمات القوم قدس اللّه اسرارهم.

[فالمهم حينئذ صرف الكلام الي معني الصحيحة]
اشارة

«قوله قدس سره: فالمهم حينئذ صرف الكلام الي معني الصحيحة»

المراد منها ما رواه الحناط «2».

«قوله قدس سره: اما لما ادعاه الحلي»

حيث ادعي كما تقدم قريبا ان المبيع بالبيع الفاسد بمنزلة المغصوب اتفاقا الا في ارتفاع الاثم.

و قد ثبت في محله من الاصول عدم اعتبار الاجماع المنقول بل ثبت هناك عدم اعتبار المحصل منه و معه كيف يمكن تأسيس قاعدة كلية جارية في جميع الموارد مضافا الي أنه لو تم الاجماع بالنسبة الي المقبوض بالعقد الفاسد فما الوجه في سراية الحكم الي بقية الموارد و ببيان واضح: لا وجه للالتزام بالكبري الكلية.

«قوله قدس سره: و اما لكشف الصحيحة»

الظاهر انه لا طريق الي كشف هذه الجهة من الحديث كما

______________________________

(1) كتاب المكاسب المطبوع في التبريز ج 1 ص 109.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 205

سيظهر عن قريب إن شاء اللّه تعالي و صفوة القول: انه ان قلنا لا بد من العمل علي طبق القاعدة الاولية فالذي يختلج بالبال كما ذكرنا كرارا أن نقول: اذا تلفت العين المضمونة تنتقل بنفسها الي الذمة فالمدار بيوم الدفع.

نعم هنا اشكال لا يختص بصورة تلف العين بل يعم صورة بقائها و هو ان تنزل القيمة السوقية لا يوجب الضمان عند القوم و الحال ان الجزم به و بأنه موافق مع السيرة العقلائية مشكل لكن الشك في السيرة يكفي لعدم الضمان فان عدمه علي طبق الاصل الاولي و

الضمان يحتاج الي الدليل و اللّه العالم.

و أما ان قلنا بأن المستفاد من النص الخاص أي حديث أبي ولاد جار في جميع الموارد و لو بضميمة الاجماع المدعي فلا بد من ملاحظة مدلول النص و عليه ينبغي بل يلزم النظر في مفاد الحديث و استخراج الحكم الكلي منه كي يكون مرجعا في جميع الموارد و قد مرّ ان الالتزام بقيمة يوم الغصب الذي هو احد الاقوال مستفاد من حديث الحناط «1» و محل الشاهد في الرواية قوله عليه السلام «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

[احتمالات في المراد من قوله ع نعم قيمة بغل يوم خالفته]
اشارة

و في المراد من الجملة اختلاف و احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون لفظ القيمة مضافا الي البغل و لفظ البغل يكون مضافا الي اليوم

بتتابع الاضافات فيكون المراد القيمة يوم الغصب.

و فيه ان تتابع الاضافات و ان كانت امرا جائزا كقول الشاعر.

«و ليس قرب قبر حرب قبر»

لكن في المقام لا يمكن الالتزام به لوجهين احدهما: ان لفظ البغل في بعض النسخ ذكر مع الألف و الكلام و المعرف بهما لا يضاف.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 169.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 206

ثانيهما: ان لفظ البغل من أسماء الذوات و اسماء الذوات لا تضاف الي الزمان و لا يقيد بها مثلا لا يصح أن يقال رجل يوم الجمعة.

و يمكن أن يقال ان الوجهين المذكورين غير واردين أما الوجه الاول فانا لم نظفر بنسخة يكون لفظ البغل مع الألف و اللام و أما الوجه الثاني فالظاهر ان الاستعمال المذكور لا بأس به فلو قيل ان فلانا رجل اليوم يصح الاستعمال كما انه لو قيل ان فلانا كان من رجال الزمان السابق يكون الاستعمال صحيحا.

الاحتمال الثاني: أن يضاف لفظ القيمة أولا الي البغل و ثانيا يضاف الي اليوم

و هذا الاحتمال و ان كان مصونا من الاشكالين لكن الاستعمال المذكور غير معهود فلا يصار إليه.

الاحتمال الثالث: أن يضاف لفظ القيمة أولا الي لفظ البغل ثم يضاف المجموع من المضاف و المضاف إليه الي اليوم

كقولهم ماء رمان زيد و الحال انه لا يكون رمان له بل له مائه.

و يتوجه إليه انه قد مرّ ان لفظ البغل في بعض النسخ معرف باللام و المعرف لا يضاف و قد مرّ الجواب عن الاشكال المذكور.

فالنتيجة انه استعمال صحيح كما يقال ماء رمان زيد لكنه صرح سيدنا الاستاد علي ما في التقرير بان لفظ البغل في بعض نسخ التهذيب و نسخة الوافي معرف باللام فلا يمكن الالتزام بصحة اضافة لفظ البغل الي اليوم.

الاحتمال الرابع: أن يكون الظرف أي قول عليه السلام «يوم خالفته» متعلقا بقوله عليه السلام «نعم»

أي يلزمك يوم المخالفة فيكون المراد ان الضمان بالقيمة يحصل يوم المخالفة و لكن لا تعرض لمقدار القيمة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 207

و في هذا الاحتمال اشكالان: احدهما: ان لازمه تحقق الضمان بالقيمة قبل تلف العين و هذا خلاف الاجماع فان العين ما دامت باقية مضمونة بها.

ثانيهما: ان تحقق الضمان يوم المخالفة أمر ظاهر و لا يحتاج الي البيان. ان قلت: أصل الضمان أمر ظاهر و لكن الضمان بالقيمة أمر غير ظاهر. قلت: ان كان المراد الضمان بالقيمة علي الاطلاق حتي قبل تلف العين فهو خلاف الاجماع و ان كان المراد أصل الضمان فهو أمر معلوم. مضافا الي أنه لا وجه لذكر القيمة.

الاحتمال الخامس: أن يكون اليوم ظرفا للقيمة بلا إضافة
اشارة

و يؤيد هذا الاحتمال كون لفظ البغل معرفا في بعض النسخ و المعرف لا يضاف و أيضا يؤيده كون لفظ القيمة أقرب الي لفظ اليوم من لفظ نعم و الاقرب يمنع الابعد فيكون المستفاد من الحديث ان الواجب قيمة يوم الغصب.

و أورد في المقام وجوه من الاشكال:
الوجه الأول: انه لو كان المناط قيمة يوم المخالفة فما الوجه لتعرضه عليه السلام ليوم الاكتراء

بقوله عليه السلام أو يأتي صاحب البغل الخ فلا خصوصية ليوم الغصب.

و الجواب انه يمكن أن يكون الوجه فيه ان يوم الاكتراء هو يوم الغصب اذ الاكتراء في الاسفار القريبة يوم السفر بخلاف الاسفار البعيدة حيث يتحقق الاكتراء قبل يوم السفر بايام و قصر ابن هبيرة قريب من الكوفة فيوم الاكتراء يوم السفر كما ان يوم السفر يوم الغصب كما انه يظهر من نفس الحديث.

الوجه الثاني: ان أبا ولاد قال قلت: فان أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز

فقال عليه السلام: «عليك قيمته ما بين الصحة و العيب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 208

يوم ترده عليه» حيث ان الظاهر من الجملة ان الميزان قيمة يوم الرد فتكون منافية مع كون الميزان قيمة يوم الغصب.

و الجواب ان المستفاد من هذه الجملة ان اللازم رد ما به التفاوت في يوم الرد و لم يتعرض الامام عليه السلام لمقدار التفاوت بالنسبة الي أي يوم فيعلم انه اكتفي بما يفهم من الجملة السابقة الصادرة عنه عليه السلام حيث علم من كلامه ان المناط قيمة يوم الغصب.

الوجه الثالث: ان الظرف متعلق بلفظ القيمة

فيكون الميزان قيمة يوم الرد. و أورد عليه الشيخ قدس سره بأن الاجماع قائم علي عدم التفكيك بين ضمان العين و ضمان العيب في المقدار و ان الارش تابع لضمان أصل العين.

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن الاجماع علي عدم التفكيك لا يقتضي أن يكون الميزان بقيمة يوم الغصب بل يمكن أن يكون المناط قيمة يوم الرد.

و الذي يختلج بالبال ان يقال: ان المستفاد من ذيل الخبر ان المناط بقيمة يوم الغصب حيث ان السائل يسأل الامام عليه السلام بقوله: «فقلت من يعرف ذلك» قال عليه السلام: «انت و هو» الي آخر كلامه عليه السلام فان المستفاد بالصراحة من كلام الامام عليه السلام ان الميزان قيمة يوم الاكتراء و من الظاهر ان الفصل الزماني بين يوم الاكتراء و يوم الرد كثير و لا يكونان متحدين و لكن يوم الاكتراء و يوم الغصب متحدان فيكون الميزان بيوم الغصب.

و ان ابيت عن ذلك نقول: مقتضي قوله عليه السلام «قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده» ان الميزان يوم الرد و مقتضي قوله عليه السلام «يشهدون ان قيمة البغل

حين اكتري» ان الميزان يوم الغصب و بالتعارض يتساقطان فتصل النوبة الي الاخذ بقوله عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 209

«قيمة بغل يوم خالفته» حيث ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام كما تقدم ان الميزان يوم الغصب و بعد قيام الاجماع علي عدم التفكيك بين ضمان العين و الارش في المقدار نلتزم بأن الميزان في كلا الموردين يوم الغصب فيتم الاستدلال.

لكن تبقي شبهة ان الحديث مورده الغصب فلا وجه للتعدي الي المقام الا أن يتم اجماع تعبدي كاشف عن قول المعصوم عليه السلام الدال علي عموم الحكم و هل يمكن الجزم بتحقق مثل هذا الاجماع؟

و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: اما باضافة القيمة المضافة الي البغل إليه ثانيا»

قد تقدم ان تعدد الاضافة في كلمة واحدة غير معهود و خلاف الاستعمالات المتعارفة فلا يصار إليه مضافا الي أنه علي هذا التقدير لا وجه لاسقاط التعريف من البغل فان الحذف في صورة اضافة لفظ البغل و المفروض في كلامه ان لفظ القيمة اضيف الي البغل أولا و الي اليوم ثانيا.

ان قلت: المراد اضافة لفظ القيمة الي البغل ثم اضافة مجموع المضاف و المضاف إليه الي اليوم كقولهم «ماء رمان زيد» فيلزم حذف حرف التعريف للاضافة قلت: علي هذا التقدير لا يتم قوله ثانيا فان المجموع لم يضف أولا كي يصح أن يقال ثانيا فلاحظ.

«قوله قدس سره: الثانية قوله: أو يأتي صاحب البغل بشهود»

بتقريب ان يوم الاكتراء بما هو لا موضوعية له فيفهم ان الميزان قيمة يوم الغصب و الا فلا وجه لذكر يوم الاكتراء و بعبارة اخري:

انه يفهم من الخبر ان المستأجر للبغل خالف و صار غاصبا في نفس يوم الاكتراء فيوم الاكتراء نفس

يوم الغصب و عليه يكون المراد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 210

من يوم الاكتراء يوم الغصب و هذا هو المقصود.

«قوله قدس سره: فالظرف متعلق بعليك»

أي يلزمك في ذلك اليوم.

«قوله قدس سره: اذ لا عبرة في ارش العيب بيوم الرد اجماعا»

أورد عليه السيد قدس سره في الحاشية بأن التبعية المذكورة محل المنع و علي فرض تحقق الاجماع يمكن أن يقال بأن الميزان قيمة يوم الرد بأن نقول: المستفاد من هذه الجملة ان الميزان قيمة يوم الرد هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الاجماع قائم علي الاتحاد فيعلم ان الميزان في ضمان العين قيمة يوم الدفع فيؤيد ما ذكرناه من ان العين بنفسها تبقي في الذمة فيكون المدار يوم الرد.

أقول: لا اشكال في أن ذكر يوم الاكتراء يدل علي كون الميزان يوم الغصب و قوله عليه السلام في الذيل «يوم ترده» يدل علي كون العبرة بيوم الرد فيقع التعارض بين الجملتين و بالتعارض يتساقطان.

و لقائل أن يقول: علي هذا الاساس تقع المعارضة بين قوله عليه السلام «يوم ترده» و قوله «يوم الاكتراء» و أيضا يقع التعارض بين قوله عليه السلام «يوم ترده» و قوله «نعم قيمة بغل يوم خالفته»

فان قوله «قيمة بغل يوم خالفته» يدل علي أن الميزان يوم الغصب و كذا قوله عليه السلام «يوم الاكتراء» يدل علي أن الميزان بيوم الغصب و أما قوله في الذيل «يوم ترده» فيدل علي أن الميزان يوم الرد فان تم الاجماع التعبدي الكاشف علي اتحاد الميزان في كلا الموردين كما يدعيه الشيخ قدس سره لا بد من السقوط بالتعارض و لا يبعد أن يقال: الميزان يوم الرد و اما ان قلنا بأن تحقق الاجماع محل

الاشكال و الكلام فنفصل بين ضمان العين و الارش بأن نقول

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 211

الميزان في ضمان العين يوم الغصب لحديث الحناط و الميزان في ضمان الارش يوم الرد للقاعدة الاولية.

«قوله قدس سره: و يحتمل أن يكون قيدا للعيب»

الظاهر انه لا فرق بين كون اليوم متعلقا بالعيب و كونه متعلقا بالقيمة من حيث النتيجة و ان الظاهر من سوق العبارة رجوعه الي قوله عليه السلام «قيمة ما بين» الخ.

«قوله قدس سره: لم يسقط ضمان ما حدث منه و ارتفع علي مقتضي الفتوي»

قال السيد قدس سره في الحاشية: «فيه منع لان الواجب رد العين كما كانت و هو متحقق مع عود الصحة و الظاهر ان فتواهم أيضا علي هذا لا علي ما ذكره الشيخ و المصنف بل لم اجد من صرح بما ذكره و ان لم اتبع نعم صرح في المسالك بما ذكرنا من سقوط الضمان و يظهر منه المسلمية» الي آخر كلامه.

و نعم ما أفاده قدس سره فانه لا مقتضي للضمان مع العود و الواجب رد العين علي ما كانت و المفروض تحقّقه و يظهر من كلامه عدم تحقق الفتوي مضافا الي أن غاية ما يتحقق الشهرة الفتوائية و من الظاهر عدم اعتبارها فلا بد من العمل علي طبق القواعد الاولية.

«قوله قدس سره: فتعين تعلقه بقوله عليه السلام عليك»

قد ظهر مما ذكرنا انه لا تعين له بل الظاهر من كلامه عليه السلام انه متعلق بلفظ القيمة فالميزان ان في الارش قيمة يوم رد العين و هذا موافق مع الاعتبار و مع السيرة العقلائية الجارية فيما بينهم.

«قوله قدس سره: تعين حمل هذا أيضا»

لا وجه للتعين أما مع عدم تمامية الاجماع علي اتحاد

الحكمين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 212

فلا ربط بين ضمان العين و ضمان الارش و أما مع تمامية الاجماع المدعي فغاية ما في الباب تسلم الاتفاق في الحكمين و هذا لا يقتضي تسلم كون المناط بيوم الغصب بل يتم الامر بكون الميزان بيوم الرد.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون اشارة الي أن التنبيه المذكور يوجب الوقوع في خلاف الواقع مع ان تعليم معرفة القيمة لا يكون من شأن الامام عليه السلام و الحاصل: ان الشيخ قدس سره في مقام ان المستفاد من الحديث كون الميزان بيوم الغصب و تغيير العبارة و الاتيان بيوم الاكتراء لفرض التعليم ثم أمر بالتأمل و لعله اشارة الي ما ذكرناه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و يؤيده أيضا قوله عليه السلام فيما بعد في جواب قول السائل «و من يعرف ذلك»».

أي يؤيد كون المدار بيوم التلف لا يوم المخالفة و لعله ناظر الي أن الامام عليه السلام جعل الحلف و البينة كليهما علي المالك و الحال ان مقتضي القاعدة المستفادة من الدليل الشرعي ان البينة علي المدعي و اليمين علي المنكر فالمالك ان كان مدعيا فلا وجه لكون اليمين عليه و ان كان منكرا فلا وجه لاقامة البيّنة فلا بد من تصحيح الامر و الخلاص عن هذه العويصة.

فنقول: ان كان المدار بيوم التلف يمكن تصوير تمامية الامر و انطباقه علي القاعدة المقررة بأن نقول: ان كان الغاصب و المالك متفقين علي القيمة قبل يوم التلف لكن الغاصب يدعي تنزل القيمة و المالك ينكر التنزل يكون البينة علي الغاصب لكونه مدعيا و اليمين علي المالك لكونه منكرا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 213

و أما لو اتفاقا علي

عدم التغير و ان القيمة ثابتة لكن اختلافهما في الاقل و الاكثر في تلك القيمة الثابتة بأن يدعي المالك الاكثر و الغاصب ينكر و يدعي الاقل فالبينة علي المالك لكونه مدعيا و اليمين علي الغاصب لكونه منكرا.

و أما لو قلنا بأن المناط قيمة يوم المخالفة فيتوقف توجيه الرواية بأن نقول: انهما كانا يتفقان علي القيمة قبل يوم المخالفة و لكن الغاصب يدعي التنزل و المالك ينكره فيكون اليمين علي المالك و البينة علي الغاصب و أما ان كانا مختلفين في أصل القيمة بين الاكثر و الاقل بأن يدعي المالك الاكثر و الغاصب أنكره يكون المالك مدعيا و الغاصب منكرا و حيث ان توجيه الرواية بهذا النحو بعيد و ذاك قريب يؤيد الحكم بكون المدار قيمة يوم التلف.

و يرد عليه أولا: ان كلا التوجهين من واد واحد بلا فرق و لا يكون أحدهما أقرب من الاخر. و ثانيا: ان الوجوه الاعتبارية كالوجه الاعتباري المذكور في المقام لا تكون مناط الظهور. و ثالثا: انه يستلزم التوجيه المذكور التفكيك في مورد اقامة البينة و الحلف و الحال ان الظاهر من الحديث ان كلا الامرين في موضوع واحد.

«قوله قدس سره: و حمل الحلف هنا علي الحلف المتعارف الّذي يرضي به المحلوف له»

الانصاف انه حمل لطيف و أما كونه خلاف الظاهر فلا يكون مانعا اذ ما حمله عليه الشيخ قدس سره أيضا خلاف الظاهر.

«قوله قدس سره: يعلم من حكم عكسها»

أي صورة توجه اليمين علي المالك.

«قوله قدس سره: أو اللاحق له»

الظاهر ان مراده انه لو اتفقا علي قيمة يوم قبل المخالفة و اختلفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 214

فيها بالنسبة الي يوم المخالفة فادعي الغاصب تنزله و تغيره و

أنكر المالك التغير يكون القول قول المالك و أما اذا اتفقا علي قيمة يوم بعد المخالفة و اختلفا في قيمة يوم المخالفة فادعي المالك ان قيمته في يوم المخالفة كان ألف درهم و انكر الغاصب و قال كان أقل يكون القول قول الغاصب.

«قوله قدس سره: و لا يخفي بعده»

الانصاف انه لا بعد فيه و أما كونه خلاف الظاهر فهو أمر مشترك.

«قوله قدس سره: و أبعد منه حمل النص علي التعبد»

الانصاف انه حمل قريب و مناسب مع الموضوع فان كبري ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال و ان لم تكن حديثا تاما من حيث السند لكن التناسب بين الحكم و الموضوع يقتضيه مضافا الي أن تخصيص العموم و تقييد الاطلاق ليس أمرا عزيزا فمن الممكن ان قاعدة كون البينة علي المدعي و اليمين علي من أنكر قد خصصت بمورد الغاصب فلاحظ.

«قوله قدس سره: من قاعدة نفي الضرر»

تقدم منا الاشكال في الاستدلال علي المدعي بالقاعدة و أيضا تقدم الاشكال في الوجوه الاخر التي استدل بها علي المدعي فراجع.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

لعله ناظر في وجه النظر الي ما تقدم منا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله ناظر في أمره بالتأمل ان مقتضي القاعدة القيمة عند الدفع حيث ان العين بنفسها في العهدة و في زمان الدفع بمطالبة المالك يجب علي الغاصب دفع البدل و هي القيمة الثابتة للعين في ذلك الزمان و يمكن أن يكون ناظرا الي أن القيمة العليا ان كانت مضمونة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 215

فما الوجه في عدم ضمانها مع رد العين؟

و ان شئت قلت: هذان القولان متضادان فان القيمة ان كانت لها موضوعية في نظر العقلاء فما الوجه في عدم

الضمان في صورة رد العين؟ و ان لم تكن لها موضوعية فما الوجه لرعاية أعلي القيم عند التلف؟ فلاحظ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعل الامر بالفهم اشارة الي بعد الحمل المذكور و لكن لا بد منه صونا لكلامهم عن الفساد و اللغوية و كيف كان لا وجه لتخصيص الحكم بخصوص صورة التفويض بل مقتضي القاعدة سريان الحكم الي كل مورد يكون مصداقا للغصب و بعبارة واضحة: ان المستفاد من النص ان الحكم المذكور للمغصوب.

«قوله قدس سره: ثم انه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف»

ان قلنا بأن العين بنفسها باقية في الذمة كما هو كذلك علي طبق القاعدة الاولية المستفاد من السيرة العقلائية، يكون الميزان قيمة يوم الاداء و الالتزام بخلافه يحتاج الي الدليل الخاص و قد تكلمنا حول النصوص الواردة في الابواب المتفرقة علي نحو التفصيل.

«قوله قدس سره: فالظاهر اعتبار محل التلف»

لا اشكال في اختلاف العين من حيث القيمة بحسب اختلاف الامكنة كما تختلف باختلاف الازمنة و عليه لو قلنا باعتبار يوم الرد يكون المعيار مكان الرد و ان قلنا المناط يوم التلف كما عليه الشيخ يكون المناط مكانه و ان قلنا بان الميزان يوم المخالفة يكون المناط مكانها فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالظاهر كما قيل عدم الخلاف في ضمان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 216

أعلي القيم»

هذا علي طبق القاعدة الاولية و الذهاب الي خلافه يحتاج الي الدليل الدال عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة»

فانه مع تعذر الوصول و عدم رجاء وجدانه و وصوله يكون محكوما بكونه تالفا و يترتب عليه حكم التالف و هذا ظاهر و النصوص المشار إليها في كلامه قدس

سره تدل علي الضمان في صورة صدق عنوان التلف.

لاحظ ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام رجل دفع الي رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه اذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه فوقّع عليه السلام:

هو ضامن لها ان شاء اللّه «1».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن القصّار يفسد فقال: كل اجير يعطي الاجرة علي أن يصلح فيفسد فهو ضامن «2».

و ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الغسال و الصباغ: ما سرق منهم من شي ء فلم يخرج منه علي أمر بين انه سرق و كل قليل له أو كثير فان فعل فليس عليه شي ء و ان لم يقم البينة و زعم انه قد ذهب الذي ادعي عليه فقد ضمنه ان لم يكن له بيّنة علي قوله. «3».

و ما رواه الحلبي أيضا مثله و زاد قال: و عن رجل استأجر اجيرا

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الوديعة الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الاجارة الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 217

فاقعده علي متاعه فسرقه قال هو مؤتمن «1».

و ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصّار و الصائغ احتياطا للناس و كان أبي يتطول عليه اذا كان مأمونا «2».

و ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قصّار دفعت إليه ثوبا فزعم انه سرق من بين متاعه قال: فعليه أن يقم البيّنة انه سرق من بين متاعه و ليس عليه شي ء

فان سرق متاعه كله فليس عليه شي ء «3»

و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن الصباغ و القصار و الصائغ احتياطا علي أمتعة الناس و كان لا يضمن من الغرق و الحرق و الشي ء الغالب …

الحديث «4».

و ما رواه الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن القصّار يسلّم إليه الثوب و اشترط عليه يعطيني في وقت؟ قال:

اذا خالف وضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن 5.

و ما رواه اسماعيل بن ابي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الثوب ادفعه الي القصّار فيخرقه؟ قال: اغرمه فانك انما دفعته إليه ليصلحه و لم تدفع إليه ليفسده و أيضا عن اسماعيل بن الصباح نحوه الا انه قال عن القصّار يسلّم إليه المتاع فيخرقه أو يحرقه أ يغرمه قال: غرمه بما جنت يده «6».

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 3.

(2) عين المصدر الحديث 4.

(3) عين المصدر الحديث 5.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 6 و 7.

(6) عين المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 218

و ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان امير المؤمنين عليه السلام رفع إليه رجل استأجر رجلا يصلح بابه فضرب المسمار فانصدع الباب فضمنه امير المؤمنين عليه السلام «1».

و ما رواه أبو بصير «يعني المرادي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لا يضمن الصائغ و لا القصار و لا الحائك الا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة و يستحلف لعلّه يستخرج منه شيئا، و في رجل استأجر حمالا فيكسر الذي يحمل أو يهريقه فقال علي نحو من العامل ان كان مأمونا فليس

عليه شي ء و ان كان غير مأمون فهو ضامن «2».

و ما رواه ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يضمن القصّار و الصائغ يحتاط به علي أموال الناس و كان ابو جعفر عليه السلام يتفضل عليه اذا كان مأمونا 3.

و ما رواه ابو الصباح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القصّار هل عليه ضمان فقال: نعم كل من يعطي الاجر ليصلح فيفسد فهو ضامن «4».

و ما رواه يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبيع للقوم بالاجر و عليه ضمان مالهم قال: انما كره ذلك من أجل اني أخشي أن يغرموه اكثر مما يصيب عليهم فاذا طابت نفسه فلا بأس 5.

و ما رواه بكر بن حبيب قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اعطيت جبة الي القصّار فذهبت بزعمه قال: ان اتهمته. فاستحلفه و ان لم تتهمه فليس عليه شي ء 6.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 10.

(2) (2 و 3) عين المصدر الحديث 11 و 12.

(4) (4 و 5 و 6) عن المصدر الحديث 13 و 15 و 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 219

و بهذا الاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يضمن القصّار الا ما جنت يده و ان اتهمته احلفته «1».

و ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الي الفقيه عليه السلام في رجل دفع ثوبا الي القصّار ليقصّره فدفعه القصار الي قصّار غيره ليقصّره فضاع الثوب هل يجب علي القصار أن يرده اذا دفعه الي غيره و ان كان القصّار مأمونا؟ فوقع عليه السلام: هو ضامن له الا أن يكون ثقة

مأمونا ان شاء اللّه «2».

و ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الثوب ليصبغه فيفسده فقال كل عامل أعطيته اجرا علي أن يصلح فأفسد فهو ضامن «3»

قال: و قال عليه السلام كان ابي عليه السلام يضمّن الصائغ و القصّار ما أفسدا الحديث «4».

و ما في كتاب (المقنع) قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن القصّار و الصائغ و كل من أخذ شيئا ليصلحه فأفسده «5» و كان ابو جعفر عليه السلام يتفضّل علي القصّار و الصائغ اذا كان مأمونا 6.

و غيرها ما ورد في الباب 30 من أبواب أحكام الاجارة من الوسائل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الاجارة الحديث 17.

(2) عين المصدر الحديث 18.

(3) عين المصدر الحديث 19.

(4) عين المصدر الحديث 20.

(5) (5 و 6) عين المصدر الحديث 22 و 23.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 220

«قوله قدس سره: لكن ظاهر اطلاق الفتاوي الاخير»

وقع الكلام في تمامية قاعدة بدل الحيلولة و عدمها
اشارة

و لا بد من النظر في وجهها فنقول:

ما يمكن أن يستدل به عليها عدة وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: قاعدة نفي الضرر في الشريعة المقدسة

فان صبر المالك الي زمان وصول ماله بيده ضرر عليه فينفي بالقاعدة.

و يرد عليه أولا: ان الاستدلال بالقاعدة علي فرض تماميتها انما يمكن اذا قلنا بمقالة المشهور و أما علي قول شيخ الشريعة فلا اذ علي قوله يكون مفاد القاعدة النهي عن الاضرار لا نفي الاحكام الضررية.

و ثانيا: ان مقتضي القاعدة علي مسلك المشهور نفي الاحكام الضررية و لا تنطبق القاعدة علي المقام فان الاضرار ورد علي المالك بفعل الغاصب و حديث القاعدة لا يفي بوجوب التدارك و الا يلزم انه لو ورد ضرر سماوي علي احد تداركه بالقاعدة و هو كما تري. و ان شئت قلت: ان المستفاد من الحديث نفي الاحكام الضررية و لا تدل القاعدة علي اثبات حكم في مورده.

و ثالثا: انه يتعارض ضرر المالك بضرر الغاصب و لا مرجح و قاعدة ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال قاعدة شعرية و لا اساس لها مضافا الي أن باب الضمان أعم من الغصب.

اضف الي ذلك ان المستفاد من كلمات القوم ان بدل الحيلولة يجب في مورد تعذّر وصول المال الي مالكه مدة طويلة و الحال انه يمكن أن يتضرر المالك ببعده عن ماله في مدة قصيرة الا أن يقال: انه يظهر من كلام الشيخ قدس سره ان مقتضي اطلاق كلماتهم وجوب بدل الحيلولة و لو كانت مدة البعد عن المملوك قصيرة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 221

الوجه الثالث: قاعدة الناس مسلطون علي اموالهم

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 221

بتقريب:

ان مقتضي السلطنة علي المال السلطنة علي المالية و هذه السلطنة تمكن المالك من التصرف فيها

يأخذه بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان حديث السلطنة ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا: ان المستفاد من الحديث ان المالك يجوز له أن يتصرف في ماله التصرفات الجائزة في الشريعة و أخذ بدل الحيلولة أجنبي عن مفاد الحديث.

و ثالثا: انه لو كان تعذر الوصول الي المال مجوزا لاخذ بدل الحيلولة يلزم انه لو حبس احد غيره و بعده عن ماله وجب عليه اعطاء بدل الحيلولة و القوم غير ملتزمين به فلاحظ.

الوجه الرابع: قاعدة الاتلاف

بتقريب ان الغاصب فوت سلطنة المالك علي ماله في موارد بدل الحيلولة فحيث انه غير قادر علي اعادة تلك السلطنة بعينها تصل النوبة الي مثلها فيجب عليه اداء بدل الحيلولة.

و يرد عليه أولا: ان هذه القاعدة مستفادة من النصوص الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة و من السيرة الجارية بين العقلاء فلا بد من الاقتصار علي المقدار المستفاد من النصوص و السيرة و المستفاد منهما ليس وجوب بدل الحيلولة بل المستفاد منهما ضمان نفس العين.

و ثانيا: انه يرد عليه انه لو فوت الجائر المنفعة بحبس الغير و تبعيده عن ماله وجب الضمان و الحال انهم لا يقولون به.

الوجه الخامس: قاعدة اليد

بتقريب: ان اداء العين في صورة التلف باداء البدل و أيضا باداء البدل في فرض الحيلولة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 222

و يرد عليه أولا: ان الرواية ليس لها مدرك صحيح و لا جابر لها فلا يعتد بها.

و ثانيا: انه لا يبعد أن يستفاد من الجملة المذكورة ان المأخوذ ما دام لم يصل الي مالكه يكون في ضمان الاخذ اي لو تلف يكون دركه عليه فلا يرتبط الحديث بالمقام اصلا.

و ثالثا: ان المستفاد من الحديث و لو مع قطع النظر عن الاشكال الثاني ان المأخوذ بنفسه في عهدة الاخذ و يجب عليه أن يؤديه الي مالكه فلا ترتبط أيضا بما نحن بصدده.

الوجه السادس: اطلاق كلمات القوم

فان مقتضاه شمول الحكم لصورة رجاء الوجدان و عدم اليأس بل صورة القطع بالوصول بعد مدة قصيره و لا اشكال في عدم اعتبار كلامهم فان غاية التقريب المذكور تحقق الاجماع و قد تقدم عدم اعتباره.

الوجه السابع: انه جمع بين حقي المالك و الغاصب

بتقريب:

ان أخذ بدل الحيلولة ايصال المال الي مالكه و بعد وصول العين يرجع بدل الحيلولة الي الغاصب و العدل و الانصاف يقتضيان أن يجمع بين حقوق الاطراف.

و يرد عليه ان التقريب المذكور خطابي و لا واقعية له فان الكلام في أصل الموضوع و مع الشك فيه لا يترتب عليه الحكم. و بعبارة اخري: ثبوت الحق للمالك أول الكلام و الاشكال.

الوجه الثامن: النصوص الواردة في الموارد المختلفة الدالة علي الضمان

و يرد عليه ان الظاهر منها ترتب الضمان علي التلف الحقيقي أو الحكمي و لا صلة لها بباب بدل الحيلولة. ان قلت:

المالك يتضرر بكونه بعيدا عن ماله فما الحيلة؟ قلت: لا اشكال في أن الغاصب يضمن المنافع الفائتة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 223

و صفوة القول: ان الالتزام بالضمان الشرعي كبقية الاحكام الشرعية يتوقف علي قيام دليل معتبر و مع عدمه لا يمكن الحكم به غاية ما في الباب امكان الضمان و احتماله و مقتضي الاصل هو العدم كما هو كذلك في كافة موارد الشك في الضمان بل في كل مورد يشك في حكم شرعي وضعيا كان أو تكليفيا يكون مقتضي الاصل الاولي عدمه و يحتاج الاثبات الي الدليل.

«قوله قدس سره: ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر»

الظاهر انه ليس وجها آخر بل عين الوجه المذكور في كلامه بقوله «لكن ظاهر اطلاق الفتاوي» الخ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون اشارة الي ان اصالة عدم الضمان لا تقاوم الدليل فان مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم وجوب بدل الحيلولة و لكن قد تقدم آنفا فساد الاستدلال بالقاعدة علي المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان ثبوت القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها»

التحقيق يقتضي أن يقال الامر يختلف باختلاف المدرك للحكم فان مدرك

بدل الحيلولة ان كان هو الاجماع فقيامه و وفائه بهذا المقدار غير معلوم و ان كان المدرك قاعدة السلطنة فمقتضاه ان الامر و الاختيار بيد المالك و هكذا ان كان المدرك قاعدة العدل و الجمع بين الحقين و أما ان كان المدرك قاعدة الاتلاف أو قاعدة اليد أو اطلاق كلمات القوم أو النصوص الخاصة فلا مجال لبقاء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 224

الاختيار للمالك بل الاختيار بيد الضامن فاذا اراد افراغ ذمته من الضمان أمكنه هكذا ينبغي أن يفصل و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و كما ان تعذر رد العين»

الظاهر ان ما أفاده تام فان الساقط عن المالية في حكم التالف انما الكلام في ان المقدار بأي يوم هل المدار يوم الغصب أو يوم السقوط أو أعلي القيم و بمقتضي حديث أبي ولاد يكون المدار بيوم الغصب و أما علي مقتضي القاعدة فالمدار يوم السقوط.

«قوله قدس سره: ثم ان المال المبذول يملكه المالك»

وقع الكلام بين القوم في أن المال المبذول في مقابل الحيلولة هل يملكه المالك أم لا؟ و علي الاول هل يكون ملكا لازما أو ملكا جائزا و انت خبير بأن الوجوه التي يمكن أخذها للاستدلال علي ثبوت بدل الحيلولة كلها مخدوشة فلا يبقي موضوع لهذه الابحاث و القيل و القال الاعلي سبيل الفرض و الخيال و لا اشكال ظاهرا في أن بدل الحيلولة لا يصير ملكا للمالك في سيرة العقلاء بل يبقي البدل في ملك مالكه الاول.

مثلا لو حال الغاصب بين زيد و داره يكون بدل الحيلولة للدار دار اخري في زمان تحقق الحيلولة و لا اشكال في أن العقلاء لا يرون الدار الثانية مملوكة للمغصوب منه و ترجع الدار الي

مالكها بعد رد الدار المغصوبة الي مالكها و لما انجر الكلام الي هنا نقول علي فرض القول بوجوب بدل الحيلولة لا وجه لدفع القيمة بل مقتضي القاعدة دفع المثل نعم اذا لم يمكن المثل تصل النوبة الي القيمة.

«قوله قدس سره: و لو لا ظهور الاجماع»

كيف يدعي الاجماع و الحال انه قدس سره تعرض لاستشكال المحقق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 225

و الشهيد الثانيين و أيضا يتعرض لنقل حكاية جزم القمي بعدم صيرورة بدل الحيلولة ملكا و أيضا نقل مقالة السبزواري من الاشكال فكيف يتحقق الاجماع مضافا الي أنه قد حقق في الاصول عدم تمامية اعتبار الاجماع لا منقوله و لا محصله اضف الي ذلك انه علي تقدير تحقق الاجماع يحتمل كونه مدركيا ان لم يكن مقطوعا به.

«قدس سره: قيام مقابله مقامه في السلطنة»

أي دليل دل علي لزوم تدارك السلطنة الفائتة فان دليل الضمان احد الامور الثلاثة و هي قاعدة الاتلاف و التلف و السيرة العقلائية الجارية فيما بينهم و شي ء من هذه الوجوه لا يفي باثبات المدعي فان مقتضي قاعدة الاتلاف ان المتلف ضامن للتالف كما ان مفاد علي اليد كذلك علي بعض الوجوه و أيضا السيرة جارية علي الحكم بضمان المتلف بالنسبة الي العين و علي جميع التقادير لا وجه لضمان السلطنة.

«قوله قدس سره: فمقتضي قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين»

ما المراد من القاعدة المذكورة؟ فان المرجع في هذه الامور السيرة العقلائية و السيرة الجارية بينهم علي خلاف مدعاه فان العقلاء لا يرون المالك مالكا لاجزاء العين التالفة بعد أخذ المثل أو القيمة و هذا العرف ببابك فلو كسر احد كأسا لآخر و دفع عوضه لمالك الكأس يرون الضامن مالكا

للقطعات المكسورة بلا اشكال و لا كلام.

و يستفاد من كلام السيد في الحاشية ان ما لا مالية له لا يكون مملوكا بل للمالك حق الاولوية. و ما أفاده ليس تاما فان النسبة بين الملكية و المالية عموم من وجه فان الجوهر الذي لا يكون ملكا لاحد مال و لا يكون ملكا و الكأس المكسور كسرا تاما لا يكون مالا و لكن يكون ملكا و الاموال المملوكة للناس مجمع للملكية و المالية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 226

«قوله قدس سره: فيقوي عدم جواز … »

لا قوة فيه بل يقوي جواز المسح به بعد خروج الضامن عن الضمان و السيرة العقلائية اكبر شاهد علي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: من ان جناية الغاصب»

هذه المسألة لا ترتبط بالمقام فانها من باب التعبد و بعبارة اخري: تجب اطاعة الشارع في أوامره و نواهيه و هذا احد مصاديق تلك الكبري و لا صلة له بالمقام.

«قوله قدس سره: بل قال: يمكن أن لا يجوز»

لا يبعد أن يكون الوجه في الحرمة صدق الاسراف المحرم شرعا.

«قوله قدس سره: يمكن جواز الصلاة»

لا بد من أن يفرض الكلام فيه بعد اداء العوض كي تصير الخيوط المغصوبة ملكا للغاصب بقانون المعاوضة القهرية العقلائية الممضاة شرعا. و لا يخفي ان الجواز و عدمه مبنيان علي فساد الصلاة في اللباس المغصوب و أما علي طبق المسلك المنصور فلا مقتضي للفساد و التفصيل موكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل أمره بالتأمل اشارة الي ان اجراء قاعدة لا ضرر ينافي كونها امتنانية و الحكم بعدم وجوب الرد و ان كان امتنانا بالنسبة الي الضامن لكن يكون خلاف الامتنان بالنسبة الي المالك فيتعارض الضرران و بعد التساقط تصل

النوبة الي وجوب رد العين الي مالكها.

«قوله قدس سره: مع بقاء حق الاولوية»

اثبات حق الاولوية مشكل مضافا الي أنا قلنا ان الغرامة توجب ازالة علاقة المالك عن العين المضمونة بتمام معني الكلمة فلا مقتضي لحق الاولوية. اضف الي ذلك انه لو شك في حق الاولوية يكون مقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 227

الاصل عدمه.

و لما انجر الكلام الي هنا لا بأس بارسال عنان الكلام و بيان ما هو مقتضي النظر الدقيق في هذا المجال فنقول: ما يمكن أن يذكر في

مستند حق الاختصاص و الاولوية
اشارة

وجوه:

الوجه الأول: ان حق الاختصاص سلطنة في قبال الملكية

فاذا زالت الملكية يبقي حق الاختصاص بحاله.

و يرد عليه أولا: انه لا دليل علي هذه الدعوي و مجرد الامكان لا يقتضي الوقوع و التحقق بل مقتضي الاصل عدمه. و ثانيا: انا فرضنا وجوده و لكن بقائه بعد زوال الملكية دعوي ثانية بلا دليل.

و بعبارة اخري: غاية ما يمكن أن يقال: ان حق الاختصاص تابع للملكية و يدور مدارها و أما الزائد عليه فيحتاج في مقام الاثبات الي الدليل و بقائه بعد زوال الملكية بالاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني: ان حق الاختصاص مرتبة ضعيفة عن الملكية

توجد معها و لكن يبقي بعد زوالها و ان شئت قلت: تابع لها في الحدوث لا في البقاء و الزوال.

و يرد عليه ان الملكية امر بسيط لا جزء لها فلا موضوع لهذه الدعوي مضافا الي انه لو سلمنا تركبها، لكن نقول عند زوالها يرتفع المركب من الاجزاء و الا يلزم الخلف اذ فرض ارتفاعها.

اضف الي ذلك: ان رفع بعض المركب و ابقاء بعضه الاخر بيد من بيده الامر و ابقائه للجزء اوّل الكلام و الاشكال بل مقتضي القاعدة عدم ابقاءه و بقاء البعض بالاستصحاب معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثالث: انه لو ثبت في الشريعة المقدسة حرمة التصرف في مال الغير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 228

و بعد زوال الملكية نشك في بقاء الحرمة نحكم ببقائها ببركة الاستصحاب.

و يرد عليه ان الثابت في الشريعة حرمة التصرف في مملوك الغير و مع زوال الملكية و ارتفاع الموضوع لا مجال لاستصحاب الحكم مضافا الي أنه معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الرابع: قاعدة «من سبق الي ما لم يسبقه إليه مسلم فهو احق به».

و يرد عليه أولا: ان القاعدة لا اساس لها و لا سند معتبر لها و ثانيا: ان القاعدة لا يثبت للسابق حقا في قبال الملكية بل مقتضاها ان السابق يحدث له حق السبق كالسابق في المسجد و غيره من الاوقاف العامة و الخاصة.

الوجه الخامس: الاجماع.

و فيه انه علي فرض تحققه مدركي و الحق انه لا اجماع.

الوجه السادس: السيرة العقلائية و الشرعية

فانه لا اشكال في أن المالك للعين اذا زالت ملكيته عن عين كما لو صار الخل خمرا يكون للمالك حق الاختصاص و لا يجوز لغيره التصرف في العين الا باذنه.

«قوله قدس سره: و لعله من استصحاب وجوب ردها»

يرد عليه أولا: انه لا مجال للاستصحاب بعد رد البدل كما تقدم و ثانيا: ان الموضوع متقوم بعنوان المملوك و المفروض زوال العنوان و ثالثا: ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي يعارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان مقتضي صدق الغرامة علي المدفوع»

لا بد من ملاحظة المدرك في الالتزام ببدل الحيلولة فان كان المدرك قاعدة الاتلاف أو التلف فالظاهر ان بدل الحيلولة يقوم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 229

مقام العين فلا مقتضي للضمان بعد و أيضا لو كانت السيرة العقلائية مستندة للحكم و أما ان كان المدرك قاعدة السلطنة فالمقتضي للضمان موجود فتأمل. و العمدة ان البحث لا واقع له و فرض في فرض و تقدير علي تقدير فلاحظ.

«قوله قدس سره: لان مع التلف يتعين القيمة»

الحق انه لا يتعين القيمة فانا قلنا: ان العين بنفسها تبقي في الذمة و انما تسقط عنها بدفع البدل من المثل أو القيمة فعلي القاعدة يكون المعيار يوم الرد و الدفع و مقتضي حديث الحناط كون المعيار يوم الغصب

و صفوة القول: انه لا مقتضي لانتقال القيمة الي ذمة الضامن بل ذمته مشغولة بنفس العين و انما تسقط بالدفع أو الابراء أو الصلح و هكذا.

«قوله قدس سره: و ان كان في احضارها مئونة»

يمكن أن يقال: انه علي رأي المشهور في مفاد قاعدة لا ضرر يشكل الحكم بوجوب

الرد في صورة توقفه علي دفع المئونة فانه يقال يتعارض ضرر الضامن بضرر المالك و المرجع بعد التعارض دليل وجوب رد كل مال الي مالكه.

«قوله قدس سره: لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة»

لو وصلت النوبة الي الاستصحاب يتعارض الاصل الجاري في المجعول مع الاصل الجاري في الجعل و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي الاخذ بالدليل الاول الدال علي كون الغرامة مملوكة للضامن. و بعبارة اخري: المدفوع بعنوان الغرامة مملوك للضامن و علمنا من الدليل دخوله في ملك المالك في هذا المقدار من الزمان و أما الزائد عليه فلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 230

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أنه لو لا الوضع لم يكن وجه للتكليف و بعبارة اخري: تكون الغرامة في مقابل نفس العين.

«قوله قدس سره: و لذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة»

أي لا يباح العين لغير المالك بمجرد بذل الغرامة و بعبارة واضحة:

الغرامة بدل عن السلطنة الفائتة لا عن مطلق السلطنة حتي السلطنة علي المطالبة بل بدل عن السلطنة علي الانتفاع و الذي يدل علي عدم قطع علاقة المالك عن العين انه بعد دفع الغرامة لا يجوز لغير المالك التصرف في العين و لا مجال لان يقال: علقة المالك انقطعت عن العين فتكون من المباحات الاصلية التي يجوز لكل احد التصرف فيها.

[الكلام في شروط المتعاقدين]

[من جملة شرائط المتعاقدين البلوغ]
[بطلان عقد الصبي]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي»

وقع الكلام بين القوم في نفوذ تصرفات الصبي و عدمه و المسألة ذات اهمية فانها من المسائل التي تعم جميع المكلفين و

يقع الكلام فيها في مقامين:
المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية.

المقام الثاني فيما تقتضيه الادلة الخاصة أما المقام الأول فنقول: يمكن أن يقال ان مقتضي الادلة العامة نفوذ تصرفاته فان مقتضي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» و غيرهما من ادلة الصحة و النفوذ عدم الفرق بين البالغ و غيره.

و أما

المقام الثاني [فيما تقتضيه الأدلة الخاصة]
اشارة

فنقول

ما يمكن أن يستدل به أو استدل به علي المنع وجوه:
الوجه الأول: الاجماع

فعن الغنية دعوي الاجماع علي ذلك و عن العلامة في التذكرة ان الصبي محجور عليه بالنص و الاجماع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 231

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر اذ قد ثبت في الاصول عدم اعتبار الاجماع منقولا و محصلا مضافا الي أن الاجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون كاشفا تعبديا.

الوجه الثاني: قوله تعالي

«وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «1».

بتقريب: ان المستفاد من الآية انه يشترط في دفع ماله إليه بلوغه و رشده فلا ينفذ أمره قبل بلوغه و رشده.

و فيه: ان المستفاد من الآية الشريفة عدم جواز دفع ماله إليه قبل بلوغه و رشده و لا تدل الآية علي عدم نفوذ تصرفاته.

الوجه الثالث: النصوص

منها ما رواه حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متي يجب علي الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و يقام عليه و يؤخذ بها؟ قال اذا خرج عنه اليتم و أدرك قلت: فلذلك حد يعرف به؟ فقال اذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامة و اخذ بها و اخذت له قلت:

فالجارية متي تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و يؤخذ لها؟ قال:

ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية اذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و اقيمت عليها الحدود التامة و اخذ لها و بها قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتي يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «2».

بتقريب: ان المستفاد من الحديث انه لا يجوز أمر غير البالغ.

______________________________

(1) النساء/ 6.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 2 و الباب 3 من ابواب الحجر الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 232

و فيه: ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاعتماد و لا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

و منها:

ما أرسله الصدوق عن الصادق عليه السلام انه سئل عن قول اللّه عز و جل «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» قال ايناس الرشد حفظ المال «1».

و ظهر تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي من الاستدلال بالآية و المرسل لا اعتبار به مضافا الي النقاش في الدلالة علي المدعي كما سبق.

و منها ما ارسله أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام اذا بلغت الجارية تسع دفع إليها مالها و جاز أمرها في مالها و اقيمت الحدود التامة لها و عليها 2. و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه الخادم بيّاع اللؤلؤ عن ابي عبد اللّه عليه السلام سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم متي يجوز أمره؟ قال: حتي يبلغ اشده قال و ما أشده؟ قال: احتلامه قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو اقل أو اكثر و لم يحتلم قال: اذا بلغ و كتب عليه شي ء جاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا 3.

و المستفاد من الحديث ان البلوغ دخيل في نفوذ الامر فالتصرف الصادر عن غير البالغ لا أثر له و لا يبعد أن يكون السند معتبرا و ان كان للنقاش فيه مجال فان النجاشي وثق آدم بن المتوكل أبا الحسين بيّاع اللؤلؤ و المذكور في السند أبو الحسين الخادم بيّاع اللؤلؤ و من الممكن عدم انطباق من وثق علي المذكور في السند فلاحظ.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ ثلاث عشرة سنة و دخل في الاربع عشرة وجب عليه ما

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من أبواب الحجر الحديث 4 و 3 و

5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 233

وجب علي المحتلمين احتلم أو لم يحتلم و كتب عليه السيئات و كتبت له الحسنات و جاز له كل شي ء الا أن يكون ضعيفا أو سفيها «1».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط عدم نفوذ أمر غير البالغ و الحديث ضعيف بالوشاء.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سأله أبي و أنا حاضر عن قول اللّه عز و جل «حَتّٰي إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ» قال:

الاحتلام قال: فقال: يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها فقال لا اذا اتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات و جاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا فقال و ما السفيه؟ فقال: الذي يشتري الدرهم باضعافه قال و ما الضعيف قال الابله «2».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط عدم نفوذ أمر غير البالغ و الحديث ضعيف بضعف اسناد الشيخ الي ابن الفضال.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عمد الصبي و خطاه واحد «3».

فان المستفاد من الحديث ان عمد الصبي خطأ فكل ما يصدر عنه يكون في حكم الخطاء في اعتبار الشارع الاقدس و الحديث تام سندا فيمكن الاستناد إليه في جميع الموارد الا فيما يقوم دليل علي الخلاف.

و أورد علي الاستدلال بالرواية سيدنا الاستاد بايرادين:

احدهما: بوجود المانع ثانيهما: بعدم المقتضي أما الاول فبتقريب

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من ابواب الوصية الحديث 11.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) الوسائل الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 234

ان لازم هذا القول ان تعمد الصبي

للافطار لا يوجب فساد صومه و تعمد الصبي للاخلال في الصلاة لا يوجب بطلان صلاته فيلزم أن تكون صحيحة و أيضا لازمه تمامية صومه و الحال انه خلاف لضرورة المذهب.

و أما عدم المقتضي فلان تنزيل العمد منزلة الخطاء يتوقف علي أن يكون لكل من العمد و الخطاء حكم غير ما يكون للآخر و بعده يصح أن يعتبر العمد في حكم الخطاء فان الجناية كذلك فان الجناية العمدية لها حكم خاص في مقابل الجناية الخطائية فيكون الحديث ناظرا الي باب الجنايات و الديات و أما في المقام فلا اذ لا يكون للخطاء في باب المعاملات حكم فان الحكم الشرعي يختص بالعمد فلا مجال للاخذ بالحديث فانه لا مقتضي للاستدلال به أولا و الاخذ به ممنوع ثانيا هذا ملخص ما افاده «1» في المقام.

و ما أفاده غير تام أما ما أفاده من حيث المانع فيرد عليه ان تخصيص العام أو تقييد المطلق أمر علي طبق القاعدة الاولية و الكلية المستفادة من الحديث ليست قضية عقلية كي يقال: الحكم العقلي لا يكون قابلا للتخصيص فلا بد من رفع اليد عنه بعد قيام الدليل علي التخصيص و يكفي دليلا قيام الضرورة المدعاة في كلامه.

و أما ما أفاده من حيث المقتضي فيرد عليه ان الشرط الذي ذكره لصحة التنزيل لا دليل عليه و عهدة دعواه عليه فان التنزيل يقتضي أن يكون عمد الصبي في اعتبار الشارع الاقدس خطاء و لا يلزم أن يكون الخطاء محكوما بحكم بل يكفي نفي احكام العمد عن أفعاله و أقواله و العرف ببابك.

و منها ما رواه ابن ظبيان قال: اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 3 ص 254.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 2، ص: 235

فأمر برجمها فقال علي عليه السلام: أ ما علمت ان القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتي يحتلم و عن المجنون حتي يفيق و عن النائم حتي يستيقظ؟ «1».

بتقريب ان القلم مرفوع عن غير البالغ فلا اثر لافعاله فلا يرتب أثر علي عقده و ايقاعه و الحديث ضعيف سندا بالاعمش و غيره.

و منها ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن الغلام متي تجب عليه الصلاة فقال اذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة أو حاضت فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم و الجارية مثل ذلك ان أتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة و جري عليها القلم «2».

فان المستفاد من الحديث بمقتضي مفهوم الشرط ان غير البالغ لا يجري عليه القلم لا قلم التكليف و لا قلم الوضع و الحديث تام سندا فتحصل مما تقدم ان مقتضي الدليل عدم نفوذ تصرفات غير البالغ و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين اذن الولي و عدمه كما ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين تصديه لامر بالاصالة أو بالوكالة فلا اثر لانشائه علي الاطلاق.

و استدل علي نفوذ امر غير البالغ أيضا بوجوه:
الوجه الأول: قوله تعالي

«وَ ابْتَلُوا الْيَتٰاميٰ حَتّٰي إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ» «3».

و للاستدلال بها علي المدعي تقريبان التقريب الاول ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات الحديث 11.

(2) نفس المصدر الحديث 12.

(3) النساء/ 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 236

المستفاد من الآية ان الميزان هو الرشد و البلوغ أمارة عليه.

و فيه: ان جعل البلوغ أمارة علي الرشد خلاف الظاهر لا يصار إليه.

التقريب الثاني: ان المستفاد من الآية ان الموضوع

غير البالغ فيعلم ان غير البالغ يترتب الاثر علي ما يصدر عنه بشرط الرشد.

و فيه أولا: انه يمكن أن يكون الابتلاء بلحاظ استعلام بلوغه و عدمه لا بلحاظ رشده. و ثانيا انه لا تنافي بين كون الابتلاء بلحاظ رشده و بين اشتراط البلوغ و علي الجملة لا مناص عن العمل بالظاهر و ظاهر الآية يقتضي اشتراط البلوغ فلاحظ.

الوجه الثاني ما ورد من النصوص الدالة علي جواز وصية غير البالغ و عتقه

منها ما رواه محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ان الغلام اذا حضره الموت فأوصي و لم يدرك جازت وصيته لذوي الارحام و لم تجز للغرباء «1».

و منها ما رواه أبو بصير «يعني المرادي» عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا بلغ الغلام عشر سنين و أوصي بثلث ماله في حق جازت وصيته و اذا كان ابن سبع سنين فأوصي من ماله باليسير في حق جازت وصيته «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: اذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته «3»

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال اذا أتي علي الغلام عشر سنين فانه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصي علي حد معروف و حق فهو جائز «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 237

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا بلغ الصبي خمسة أشبار اكلت ذبيحته و اذا بلغ عشر سنين جازت وصيته «1».

و منها ما

رواه أبو أيوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال اذا أصاب موضع الوصية جازت «2».

و منها ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال: اذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته «3».

فان مقتضي هذه النصوص جواز وصيته و عتقه. و فيه: انه ان تم أسناد هذه النصوص يؤخذ بها و يلتزم بمفادها و يخصص بها عموم حجره و التخصيص في الاحكام الشرعية لا يكون عزيزا.

الوجه الثالث: ما أرسله في المبسوط

علي ما نقل عنه «و روي انه اذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف» و المرسل لا اعتبار به.

الوجه الرابع: السيرة الجارية الخارجية

فانها جارية علي ترتيب الاثر علي عقده و معاملاته.

و فيه انه ان كان المراد من السيرة الجارية بين المتشرعة و المبالين بالدين و شريعة سيد المرسلين فتحققها اوّل الكلام و الاشكال بل يمكن الجزم بالعدم و ان كان المراد السيرة الجارية بين الناس فلا أثر لها فالنتيجة عدم اعتبار معاملات الصبي و ايقاعاته

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 238

بل المستفاد من مجموع ما تقدم عدم ترتب اثر علي فعله حتي لو أتلف مال الغير لا يكون ضامنا الا أن يقوم دليل بالخصوص في مورد خاص و أطار مخصوص فلاحظ ما بيناه و اغتنم.

«قوله قدس سره: فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف»

الحق انه ينافي فان مقتضي الاطلاق عدم ترتب الاثر عليه علي الاطلاق و لذا قلنا لا اثر لما يصدر عنه حتي فيما لو كان باذن الولي فكما ان الاذن السابق لا يؤثر كذلك الاجازة اللاحقة لا اثر لها.

«قوله قدس سره: كما يقال بيع الفضولي … »

الامر في البيع الفضولي أيضا كذلك و نتعرض للمسألة فيما يأتي عن قريب إن شاء اللّه تعالي فان مقتضي قوله «لا تبع ما ليس عندك» عدم جواز بيع الفضولي و ان لحقه الاجازة من المالك و انما نلتزم بالصحة مع الاجازة بلحاظ النص الخاص و التفصيل موكول الي ذلك الباب فانتظر.

«قوله قدس سره: و يشهد له الاستثناء في بعض تلك الاخبار»

لاحظ ما رواه ابن سنان «1» بتقريب: ان الوجه في الشهادة

ان السفيه لا يكون مسلوب العبارة هذا تقريب ما أفاده و الحق عدم تماميته فان المستفاد من الحديث ان ما يصدر عن غير البالغ لا اثر له علي الاطلاق و أما البالغ فيؤثر ما يصدر عنه الا أن يكون سفيها فلا يرتبط احد الموردين بالآخر و العرف ببابك.

«قوله قدس سره: ففيه أولا ان الظاهر منه قلم المؤاخذة»

بل الظاهر من الحديث قلم التكليف و الوضع.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 233.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 239

«قوله قدس سره: و لذا بنينا … »

شرعية عبادات الصبي مستفادة من النصوص مضافا الي التسالم.

«قوله قدس سره: و ثانيا ان المشهور … »

الشهرة الفتوائية لا تكون حجة و قد تقدم ان النصوص الخاصة تكفي لاثبات المدعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ»

الظاهر من العبارة ان الشيخ يري وجوب الوفاء وجوبا تكليفيا و الحال ان وجوبه وضعي سلمنا كون الوجوب تكليفيا لكن لا مجال لتوجهه بعد البلوغ اذ المستفاد من الدليل كما تقدم ان ما يصدر عنه في حكم العدم و لا يترتب عليه الاثر فلا مجال لان يكون موضوعا للوجوب بعد البلوغ و بعبارة واضحة: لم يتحقق الموضوع في اعتبار الشارع و مع عدم الموضوع لا مجال لترتب الحكم كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: كما يكون جنابته … »

القياس مع الفارق فان الجنابة بحسب المستفاد من الدليل تحصل بالتقاء الختانين و لا دخل في تحققها فعل اختياري و بعبارة اخري: تحقق الجنابة بالتقاء الختانين كتحقق النجاسة بتلاقي شي ء مع الجنس و ان كان سبب التلاقي أمرا تكوينيا خارجيا.

«قوله قدس سره: لكن لا مانع»

نعم لا مانع لكن مجرد عدم

المانع لا اثر له ما دام القصور في المقتضي فانا بينا ان النصوص دالة علي بطلان ما يصدر عن غير البالغ فلا مجال لان يترتب عليه اثر في وعاء الشرع و الشريعة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 240

«قوله قدس سره: فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع»

بل العمدة الاخبار و النصوص الواردة في المقام.

«قوله قدس سره: ما عن قرب الاسناد»

لاحظ ما رواه أبو البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام انه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم «1».

«قوله قدس سره: و لا يخلو من بعد»

بدعوي ان اللسان غير قابل للتخصيص و إبائه عنه و هو كما تري.

«قوله قدس سره: من احتمال كونه معلولا … »

يرد عليه أولا انه يمكن أن يقال: بأن المتفاهم العرفي من العبارة ان قوله عليه السلام «رفع القلم علة» للحكم لا العكس و ثانيا:

ان الرواية ضعيفة سندا و العمدة في الاستدلال علي المدعي غيره كحديث ابن مسلم «2» فان المستفاد منه ان عمده خطأ و كحديث الساباطي «3» فان المستفاد من الحديث انه لا يجري علي غير البالغ القلم علي نحو الاطلاق.

«قوله قدس سره: فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات»

بل ينافي فان مقتضي حديث عمار عدم جريان القلم عليه علي نحو الاطلاق فلا يكون اتلافه موجبا للضمان و لا بد في اثبات الضمان بفعله من التماس دليل و الاجماع المدعي في المقام لا اثر له فانه مدركي لا تعبدي كاشف.

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب القصاص في النفس الحديث 2.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 335.

(3) قد تقدم ذكر الحديث

في ص 336.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 241

«قوله قدس سره: ثم انه ظهر مما ذكرنا انه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الاشياء اليسيرة أو الخطيرة»

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال علي صحة تصرفاته في الاشياء اليسيرة وجوه:
الوجه الأول حكاية أبي الدرداء

التي نقلها الشيخ قدس سره و هي ان أبا الدرداء اشتري عصفورا من صبي فأرسله بتقريب:

ان عمل أبي الدرداء يدل علي صحة بيع غير البالغ.

و يرد عليه أولا انه لا طريق الي صحة القضية و لعلها لا تكون مطابقة مع الواقع. و ثانيا: ان عمل أبي الدرداء لا يكون من الادلة الشرعية.

و ثالثا: انه من الممكن ان أبا الدرداء رأي ان الطفل أخذ العصفور و حيث ان أخذه كلا اخذ يجوز التصرف في مأخوذه فاشترائه صوري و غرضه انقاذ العصفور.

الوجه الثاني: ما رواه السكوني

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن كسب الاماء فانها ان لم تجد زنت الا امة قد عرفت بصنعة يد و نهي عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فانه ان لم يجد سرق «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان النهي بلحاظ سرقة الطفل في صورة عدم الوجدان فيعلم ان معاملته بلا اشكال فانه لو كان عقده فاسدا لم يكن وجه للتعليل المذكور.

و يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا:

انه لا وجه لاختصاص مدلوله بخصوص المحقرات بل مدلوله مطلق

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من ابواب ما يكتسب به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 242

فلا يكون سندا للتفصيل.

و ثالثا: انه لا وجه لرفع اليد عن ظاهر الدليل فان مقتضي النهي الارشاد الي فساد ما يصدر عنه من العقود معللا بالعلة المذكورة و بعبارة اخري: المستفاد من النهي المذكور ان عقد الطفل باطل و هذا هو المدعي غاية الامر بهذا السبب.

الوجه الثالث: ان السيرة جارية علي المعاملة مع الصغير في الامور اليسيرة.

و فيه: ان المراد بالسيرة ان كانت سيرة العقلاء فهي مردوعة بالنصوص و ان كانت سيرة المتشرعة بما هم كذلك فتحققها اوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الرابع: انه يلزم الحرج و الحرج مرتفع في الشريعة بدليل نفيه.

و فيه أولا ان لزوم الحرج اوّل الكلام بل لا يلزم و ثانيا:

ان دليل لا حرج يقتضي نفي الاحكام الحرجية و بعبارة اخري: مفاده نفي الحكم لا الاثبات و ان شئت قلت: لا يستفاد من دليل نفي الحرج اعتبار العقد الفلاني و صحة الايقاع الكذائي فالمتحصل مما تقدم عدم الدليل علي التفصيل بل مقتضي اطلاق النصوص فساد ما يصدر عن غير البالغ بلا فرق بين الموارد فلاحظ.

«قوله قدس سره: من التقاط … »

اذا قلنا ان مقتضي النصوص عدم ترتب أثر علي ما يصدر عنه يكون التقاطه بلا اثر.

«قوله قدس سره: فأعطاه المستأجر … »

مقتضي القاعدة عدم اعتبار أخذه اجرة المثل من المستأجر أو الامر فلا يتشخص المأخوذ و لا يصير مملوكا له نعم يصير مالكا في ذمة المستأجر و الامر اجرة المثل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 243

«قوله قدس سره: لكن يستحب … »

يرد عليه أولا انه أي دليل دل علي الاستحباب المذكور فان الفتوي بالاستصحاب لا بد أن يكون مستندا الي دليل شرعي كالفتوي بالوجوب. و ثانيا: ان المأخوذ من المستأجر أو الامر كما قلنا آنفا لا يصير مملوكا للصغير.

«قوله قدس سره: بل ما ذكرنا أولي بالجواز من الهدية من وجوه:»

قال الشهيدي قدس سره في تعليقته «1» علي المتن أقول: أحدها تخصيص المال في المقام باليسير و تعميمه في الهدية له و للخطير علي ما هو ظاهر اطلاقهم و ثانيها: وجود الامارات المفيدة للظن بالاذن مثل القعود في الدكان و المعاملة بمرئي و مسمع من الناس هنا

دون الهدية و ثالثها: ان المقام من باب الاباحة و الهدية من باب التمليك و يتسامح في الاول بما لا يتسامح به في الثاني و رابعها:

ان المقام فيه العوض بخلاف الهدية.

«قوله قدس سره: و ان كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل»

يستفاد من مكاتبة الحميري الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا و تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمّال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتجرح من شرائها لانّه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان

______________________________

(1) ص: 253.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 244

فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع أولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه، فأجابه عليه السلام: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بأمره او رضا منه «1»، كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة لكن الاشكال في سند الحديث من حيث الارسال فلاحظ.

و في المقام فروع ينبغي التعرض لها فانها مورد الابتلاء
الفرع الاول: انه لو اذن الصبي في الدخول في الدار فهل يكون قوله معتبرا أم لا؟

و الحق ان يقال انه لو حصل الاطمينان من اذنه بالدخول بأن المالك اذن كما هو كذلك بحسب الطبع الاولي فيجوز الدخول و يجوز ترتيب الاثر علي قوله لكن هذا لا يرتبط بالبحث في المقام فان الاطمينان حجة عقلائية فلا يرتبط بعدم اعتبار ما يصدر عن الصبي. و ان شئت قلت: المستند الاطمينان و

هو حجة بلا فرق بين أسباب حصوله.

الفرع الثاني: اذا كان الطفل واسطة في ايصال الهدية هل يترتب اثر عليه أم لا؟

الكلام في هذا الفرع هو الكلام فان وصول الهدية بواسطة الطفل كوصوله بواسطة سبب خارجي أو حيوان فانه اذا وصل الهدية الي المهدي إليه يترتب عليه الاثر و لا فرق بين الوسائط فلا يرتبط أيضا بما نحن بصدده فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يصح اسلام غير البالغ أم لا؟

و اعلم انه لو قلنا بصحة عبادات الصبي نقول بصحة اسلامه بالاولوية و أما لو لم نقل بصحة عباداته فيجري الكلام في اسلامه فنقول: مقتضي

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 245

القاعدة الاولية صحة اسلامه فان مقتضي اطلاق الادلة الدالة علي أن شهادة ان لا إله الا اللّه و ان محمد رسول اللّه صلي الله عليه و آله توجب دخول الشاهد في زمرة المسلمين، اسلام كل من يشهد بالشهادتين و لو كان غير بالغ.

لاحظ ما رواه سماعة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال: ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي فقال: الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلي اللّه عليه و آله به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و علي ظاهره جماعة الناس و الايمان الهدي و ما يثبت في القلوب من صفة الاسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان أرفع من الاسلام بدرجة ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر و الاسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة «1».

فان مقتضي اطلاق الحديث عدم الفرق بين البالغ و غير البالغ و ان كل مميز يعتقد بالتوحيد و الرسالة يكون محكوما في الشريعة المقدسة بكونه

مسلما.

و لكن مقتضي خبر ابن مسلم «2» ان عمد الصبي و خطاه واحد فلا اثر لقوله و شهادته بالتوحيد و الرسالة نعم لا مجال للتوقف في صحة اسلامه فانه قد ثبت بالدليل المعتبر صحة عباداته و هل يمكن أن تكون عبادته صحيحة و لم يكن اسلامه صحيحا و الحال ان الايمان شرط في صحة العبادة.

بقي شي ء و هو ان المستفاد من جملة من النصوص ان اطفال

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 25 الباب ان الايمان يشرك الاسلام و الاسلام لا يشرك الايمان الحديث: 1.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 233.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 246

المشركين يلحقون بآبائهم أو انهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع يدخل الجنة و من عصي يدخل النار «1».

و لا يمكن الالتزام بمفادها مضافا الي أنه لا منافاة بين كونهم محكومين بالاسلام و بين إلحاقهم بآبائهم في الآخرة فتأمل.

الفرع الرابع: هل تصح عبادات الصبي أم لا؟

قال سيدنا الاستاد «2». «العبادات المستحبة الصادرة من الصبي صحيحة بلا اشكال فان ادلتها تشملهم كما تشمل البالغين و حديث رفع القلم لا ينافيها لان الاستحباب لا كلفة فيه».

و يرد عليه ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الوجوب و الاستحباب و ان شئت قلت: لا اشكال في صدق وضع القلم و ان كان استحبابيا مضافا الي أن مقتضي اطلاق حديث ابن مسلم فساد ما يصدر عنه فان عمده خطاء و لكن ترفع اليد عن تلك الرواية بالنصوص الدالة علي صحة عباداته منها ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟ فقال: فيما بين سبع سنين و ست سنين الحديث «3».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما

السلام في الصبي متي يصلّي؟ فقال: اذا عقل الصلاة قلت: متي يعقل الصلاة و تجب عليه؟ قال لست سنين «4».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي عليه السلام قال سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال اذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم 5.

______________________________

(1) الكافي ج 3 ص 248 الباب الاطفال.

(2) مصباح الفقاهة ج 3 ص 241.

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض الحديث 1.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 2 و 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 247

و منها ما رواه عن اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا اتي علي الصبي ست سنين وجب عليه الصلاة و اذا أطاق الصوم وجب عليه الصيام «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه قال انّا نأمر صبياننا بالصلاة اذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة اذا كانوا بني سبع سنين الحديث «2».

و منها ما رواه الحسن بن قارن انه قال: سألت الرضا عليه السلام أو سئل و أنا أسمع عن الرجل يجبر ولده و هو لا يصلّي اليوم و اليومين فقال: و كم أتي علي الغلام؟ فقلت: ثماني سنين فقال:

سبحان اللّه يترك الصلاة قال: قلت: يصيبه الوجع قال يصلي علي نحو ما يقدر «3».

و منها ما رواه عبد اللّه بن فضالة عن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر عليهما السلام في حديث قال سمعته يقول: يترك الغلام حتي يتم له سبع سنين فاذا تمّ له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك و كفيّك فاذا غسلهما قيل له: صل ثم يترك حتي يتم له تسع

سنين فاذا تمت له علم الوضوء و ضرب عليه و امر بالصلاة و ضرب عليها فاذا تعلّم الوضوء و الصلاة غفر اللّه لوالديه ان شاء اللّه «4».

و منها ما رواه في الخصال عن علي عليه السلام في حديث الاربعمائة قال: علّموا صبيانكم الصلاة و خذوهم بها اذا بلغو ثماني سنين «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض الحديث 4.

(2) عين المصدر الحديث 5.

(3) عين المصدر الحديث 6.

(4) عين المصدر الحديث 7.

(5) عين المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 248

و منها ما رواه الفضيل بن يسار قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يأمر الصبيان يجمعون بين المغرب و العشاء و يقول هو خير من أن يناموا عنها «1».

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الصبيان اذا صفّوا في الصلاة المكتوبة قال لا تؤخروهم عن الصلاة و فرقوا بينهم «2».

و منها ما رواه زرارة و عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الصلاة علي الصبي متي يصلّي عليه؟ قال اذا عقل الصلاة قلت: متي تجب الصلاة عليه؟ فقال: اذا كان ابن ست سنين و الصيام اذا اطاقه «3».

و منها مرسل الصدوق قال و سئل ابو جعفر عليه السلام متي تجب الصلاة عليه فقال اذا عقل الصلاة و كان ابن ست سنين «4».

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته «5».

و منها

ما رواه سماعة قال سألته عن الصبي متي يصوم؟ قال اذ قوي علي الصيام «6».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال انّا نأمر صبياننا بالصيام اذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب اعداد الفرائض الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1.

(4) عين المصدر الحديث 2.

(5) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 1.

(6) عين المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 249

اليوم فان كان الي نصف النهار أو اكثر من ذلك أو اقلّ فاذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتي يتعودوا الصوم و يطيقوه فمروا صبيانكم اذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما أطاقوا من صيام فاذا غلبهم العطش أفطروا «1».

و منها ما رواه الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث قال: و أما صوم التأديب فأن يؤخذ الصبي اذا راهق بالصوم تأديبا و ليس بفرض «2».

و منها ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا أطاق الغلام صوم ثلاثة ايام متتابعة فقد وجب عليه صوم شهر رمضان «3».

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي عليه السلام قال سألته عن الغلام متي يجب عليه الصوم و الصلاة؟ قال اذا راهق الحلم و عرف الصلاة و الصوم «4».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال اذا اطاق الصبي الصوم وجب عليه الصيام «5».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن الصبي متي يصوم؟ قال اذا أطاقه «6».

و

منها ما رواه سماعة انه سأل الصادق عليه السلام عن الصبي متي يصوم؟ قال: اذ اقوي علي الصيام «7».

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) نفس المصدر الحديث 5.

(4) نفس المصدر الحديث 6.

(5) عين المصدر الحديث 8.

(6) عين المصدر الحديث 9.

(7) عين المصدر الحديث 10.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 250

و منها ما رواه الصدوق: و قال الصادق عليه السلام الصبي يؤخذ بالصيام اذا بلغ تسع سنين علي قدر ما يطيقه فان اطاق الي الظهر أو بعده صام الي ذلك الوقت فاذا غلب عليه الجوع و العطش افطر «1».

و منها ما رواه العباس بن عامر عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يؤدب الصبي علي الصوم ما بين خمس عشرة سنة الي ست عشرة سنة «2».

و منها ما رواه في المقنع قال: روي ان الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربع عشرة سنة الا ان يقوي قبل ذلك «3».

و منها ما رواه ابن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين و لا تغطي المرأة شعرها منه حتي يحتلم «4».

و منها ما رواه عيسي بن زيد يرفعه الي أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يثغر الغلام لسبع سنين و يؤمر بالصلاة لتسع و يفرق بينهم في المضاجع لعشر و يحتلم لاربع عشرة و منتهي طوله لاثنتين و عشرين و منتهي عقله لثمان و عشرين سنة الا التجارب «5».

و منها ما رواه القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انا نأمر الصبيان أن يجمعوا بين الصلاتين الاولي و العصر و بين المغرب و العشاء الآخرة ما

داموا علي وضوء قبل ان يشتغلوا «6».

و منها ما رواه ابان بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب من يصح منه الصوم الحديث 11.

(2) عين المصدر الحديث 13.

(3) عين المصدر الحديث 14.

(4) الوسائل الباب 74 من ابواب أحكام الاولاد 1.

(5) عين المصدر الحديث 5.

(6) عين المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 251

يقول الصبي اذا حج به فقد قضي حجة الاسلام حتي يكبر … الحديث «1»

و منها ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: لو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام «2».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول مرّ رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبي لها فقالت: يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟ قال: نعم و لك اجره «3».

و منها ما رواه محمد بن الفضيل قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن الصبي متي يحرم به قال اذا اثغر «4».

و منها ما رواه أيوب اخي اديم قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام من أين يجرّد الصبيان فقال كان أبي يجردهم من فخّ «5».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: ان معنا صبيا مولودا فكيف نصنع به؟ فقال مر أمّه تلقي حميدة فتسألها: كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف نصنع فقالت: اذا كان يوم التروية فاحرموا عنه و جرّدوه و غسلوه كما يجرد المحرم وقفوا

به المواقف فاذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه قم زوروا به البيت و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و ما بين الصفا و المروة «6».

و منها رواه عن اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 20 من ابواب وجوب الحج و شرائطه الحديث 1.

(4) عين المصدر الحديث 2.

(5) الوسائل الباب 47 من أبواب الاحرام.

(6) الوسائل الباب 17 من ابواب اقسام الحج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 252

عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا الي عرفات بغير احرام قال: قل لهم يغتسلون ثم يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم «1».

و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه الي الجحفة أو الي بطن مر و يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمي عنهم و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليّه «2».

و منها ما رواه الصدوق: قال و كان علي بن الحسين عليهما السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض علي يديه الرجل فيذبح «3».

و منها ما رواه زرارة عن احدهما عليهما السلام قال: اذا حج الرجل بابنه و هو صغير فانه يأمره ان يلبّي و يفرض الحج فان لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه و يطاف به و يصلي عنه قلت ليس لهم ما يذبحون قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقي عليهم ما يتقي علي المحرم من الثياب و الطيب و ان

قتل صيدا فعلي أبيه «4».

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن أبيه قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان معي صبية صغارا و انا اخاف عليهم البرء فمن أين يحرمون قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فانك اذا أتيت بهم العرج وقعت في تهامة ثم قال: فان خفت عليهم فأت بهم الجحفة «5».

فانه يستفاد من النصوص المشار إليها مطلوبية العبادات

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب اقسام الحج الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 253

مستحبها و واجبها عن غير البالغ.

[مسألة و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به]
اشارة

«قوله قدس سره: و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما … »

الاشتراط انما يتصور بعد فرض تحقق المشروط مثلا نقول:

يشترط في الصلاة إباحة المكان فلا بد من فرض الصلاة ثم يتصور اشتراطها بإباحة مكانها و بعبارة اخري: الشرط في مقابل الجزء فلا بد من فرض المركب أولا ثم فرض اشتراطه بأمر كذائي و القصد في باب العقود مقوم و ركن اساسي فلا مجال لان يقال القصد شرط في العقد.

و لتوضيح المدعي نقول: العقد أو الايقاع عبارة عن الاعتبار القائي المبرز بمبرز من قول أو فعل و هذا الاعتبار المبرز الذي نسميه عقدا ربما يصير موضوعا لاعتبار العقلاء أو الشارع الاقدس و ربما لا يقع و ببيان واضح: يلزم تحقق الاعتبار المبرز كي يبحث في أنه هل يتعلق به الامضاء العقلائي أو الشرعي أم لا و من الظاهر الواضح الاعتبار لا يتحقق بلا قصد.

«قوله قدس سره: فهو شبيه الكذب في الاخبار»

الذي يكذب يقصد المعني كالذي يصدق بلا فرق بينهما انما الفرق بين الصادق و الكاذب في المطابقة

مع الواقع و عدمها.

«قوله قدس سره: ثم انه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره»

هذه المقالة من جملة المقالات التي لا محصل لها فان الكلام في عقد الفضولي و المكره يدور حول صحة العقد و عدمها و بعبارة واضحة: قد فرض تحقق العقد و يقع الكلام في أنه صحيح أو باطل و لا كلام في أصل تحقق العقد و ذكرنا آنفا ان قوام العقد بالقصد.

و ان شئت قلت: لا فرق بين العقد الصادر عن الفضولي و العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 254

الصادر عن المالك و أما المكره فربما لا يقصد العقد و لا يقصد البيع مثلا و هذا خلف الفرض و تارة اخري يقصد و يقع الكلام في أن حديث رفع الاكراه يبطله أم لا و نتعرض لحكم المكره و الفضولي عند تعرض الماتن لهما فانتظر.

«قوله قدس سره: هل يعتبر تعيين المالكين»

الذي يختلج بالبال أن يقال: يكفي التعين الواقعي و ان لم يكن معينا حين العقد عند المتعاقدين مثلا لو فرض ان زيدا وكيل عن واحد في بيع داره و الوكالة تحققت في يوم السبت و أيضا يكون وكيلا عن شخص آخر في بيع داره و الوكالة تحققت في يوم الاحد و هكذا حتي يكون وكيلا عن جماعة و لا فرق خارجا في الدور التي تكون موردا للوكالة بل كلها من قسم خاص فلو باع واحدة منها و أشار إليها بوصف عنواني و هي التي يعينها بعد ذلك ما المانع عن الصحة و ما المانع عن شمول دليل الامضاء؟ فان البيع صدر من أهله و وقع في محله و المبيع مشخص في متن الواقع فلا وجه للبطلان.

ان قلت: دليل

الامضاء منصرف عن مثل هذا العقد قلت: لا وجه للانصراف فان قلة الوجود لا تكون موجبة للانصراف و ان شئت قلت:

المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر لا أنه ينصرف عنه و علي تقدير تسلم الانصراف يكون بدويا و ناشيا عن عدم الانس و يزول بالتأمل فلاحظ.

«قوله قدس سره: أو مع التلفظ به»

الظاهر انه لا يلزم التلفظ به بل يكفي التعين الذهني فان الالتزام باشتراط التلفظ به يحتاج الي قيام دليل عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 255

«قوله قدس سره: في بيع واحد»

قال السيد في الحاشية «كما لو كان وكيلا عن اثنين في اشتراء كتاب واحد» و يرد عليه ان الاشتراء غير البيع و هل المراد من العبارة ان كل واحد من المالكين و كل الوكيل في بيع داره في الساعة الفلانية التي لا يمكن تحقق البيع المتعدد في تلك الساعة بل لا بد من تحقق بيع واحد فلا يمكن الجمع بين بيعين بل لا بد من تحقق واحد منهما و الامر سهل.

«قوله قدس سره: و ان أطلق»

هذا يرجع الي مقام الاثبات و الدعوي و الكلام في مقام الثبوت.

«قوله قدس سره: و الا وقع لاغيا»

بل لا يكون لاغيا فانه لو قصد البيع أو الشراء من قبل يختاره بعد ذلك يصح علي القاعدة لان المختار مقصود في مقام البيع و بعبارة اخري: يكون عند اللّه و في الواقع معينا و مقصودا غاية الامر غير مميز في مقام المعاملة و الانشاء مثلا اذا قال البائع بعت من قبل اوّل من يدخل الدار يقع البيع لاول من يدخل فانه معلوم عند اللّه فلا وجه لكون البائع لاغيا بل صدر العقد عن أهله اذ انه وكيل علي الفرض

و بيع الوكيل بيع الاهل و وقع في محله.

«قوله قدس سره: لزم بقاء الملك بلا مالك»

مما ذكرنا ظهر انه ليس الامر كذلك فان الملك لا يبقي بلا مالك بل ينتقل الي ملك من قصد البائع و قبله المشتري.

«قوله قدس سره: اقول: مقتضي المعاوضة و المبادلة»

مقتضي المعاوضة بين المالين أن يكون احدهما عوضا عن الاخر لكن لا يلزم أن يدخل كل منهما في موضع الاخر بحيث يدخل كل من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 256

العوضين في كيس من خرج عنه العوض الاخر و لذا يصح أن يشتري احد قرصة خبز من الخباز للفقير مع رضاه فان ثمن الخبز يخرج من كيس المشتري و يدخل الخبز في كيس الفقير.

«قوله قدس سره: غير معهود»

فان الواحد المردد مجرد المفهوم و المردد لا واقع له و ان شئت قلت: المردد لا مصداق له و الا يلزم الخلف فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعدم مفهوم المعاوضة معه»

قد تقدم الاشكال في كون المعاوضة متقومة بما ذكر نعم هذه المعاملة فاسدة لان العقد المذكور فضولي و تصرف في سلطان الغير بلا اذن منه.

«قوله قدس سره: و في وقوعه اشتراء فضوليا»

مقتضي ما أفاده كونه فضوليا لعمرو.

«قوله قدس سره: لانه أمر غير معقول»

ما أفاده غريب فانه كيف يكون غير معقول و الحال انه يقع في الخارج كرارا و مرارا فلاحظ.

«قوله قدس سره: وقع للغير»

ليس الامر كذلك بل لا بد اما من القول بأنه يقع للفضولي و أما الالتزام بالبطلان و أما وقوعه للبائع فلا مقتضي له.

[تعيين الموجب لخصوص المشتري]
اشارة

«قوله قدس سره: و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري»

يقع الكلام في ثلاثة مواضع:
الموضع الاول: في أنه لا اشكال في لزوم التطابق بين الايجاب و القبول

كما سبق فلو باع المالك داره من زيد الذي تصدي للقبول و زيد قبل البيع لموكله لا يصح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 257

العقد فان العقد عبارة عن مجموع الايجاب و القبول و المفروض عدم تعلق القبول بالايجاب و هذا واضح ظاهر.

الموضع الثاني: انه لو وقع الخلاف و النزاع بين البائع و المشتري

فادعي المشتري بأنه اشتري لموكله و ادعي البائع انه اشتري لنفسه يكون القول قول البائع لكونه موافقا مع الظاهر و علي المشتري اقامة البينة لكن لو كان العقد للموكل صحيحا لا يتوقف علي اقامة دليل عليه في مقام ايقاع العقد.

و بعبارة اخري: اذا كان امرا متعارضا خارجا فلا مجال للظهور المدعي و لا يكون قول من يدعي انه اشتري لموكله مخالفا للظاهر فلا تغفل.

الموضع الثالث: انه هل يجوز المعاقدة مع المخاطب الوكيل عن الغير أو يلزم أن يذكر الموكل؟

الظاهر ان ما أفاده الماتن من التفصيل متين ففي كل مورد صدق العنوان علي الوكيل كعنوان المشتري أو البائع أو الموجر و المستأجر و أمثالها يجوز و في كل مورد لا يصدق العنوان كعنوان الزوج و نحوه لا يجوز.

و الوجه في عدم الجواز ان مثل هذا الاستعمال يكون غلطا في نظر العرف مثلا لو قالت المرأة لوكيل الزوج زوجتك نفسي و أرادت من حرف الخطاب موكله يكون الاستعمال غلطا الا أن يقال ما الدليل علي بطلان العقد اذا كان غلطا فاذا أقامت قرينة علي ان مرادها من حرف الخطاب الموكل لبا فما الدليل علي بطلان العقد.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أن المنافاة موجودة اذ لو كان الغالب كذلك فلا بد من سماع دعواه هذا وجه الامر بالتأمل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 258

و لكن يمكن أن يقال انه لا تنافي بين الامرين فان الظهور الاطلاقي يقتضي أن يكون العقد للطرفين و الخروج عن الروية الكذائية يحتاج الي بيان نعم الظاهر ان التنافي موجود فانه لو كان الغالب وقوع المعاملة للموكل بل و لو لم يكن غالبا بل يقع كثيرا لا مجال لدعوي الظهور فلاحظ.

[مسألة و من شرائط المتعاقدين الاختيار]
اشارة

«قوله قدس سره: و من شرائط المتعاقدين الاختيار»

المسألة السابقة كانت متكفلة للزوم القصد و في المقام اشتراط القصد أمر مفروغ عنه انما الكلام في اشتراط كون القصد ناشيا عن طيب النفس لا عن الاكراه.

«قوله قدس سره: لا الاختيار في مقابل الجبر»

الحركة الجبرية كحركة يد المرتعش و هذا خارج عن محل الكلام

و ما يمكن أن يستدل به علي بطلان العقد الاكراهي امور:
الامر الاول: الاجماع.

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الأمر الثاني: قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

فان المستفاد من الآية الشريفة عدم جواز تملك مال الغير الا بسبب التجارة عن تراض فلا أثر للبيع الا كراهي.

و ببيان آخر: ان الاستثناء الواقع في الآية اما متصل أو منقطع و علي كلا التقديرين يدل علي حصر جواز تملك مال الغير في التجارة عن تراض أما علي الاول فظاهر فان مرجعه الي النهي عن كل اكل بأي سبب الا ان يكون تجارة عن تراض و أما علي الثاني فالنهي عن الاكل بالباطل و تجويز الاكل بالتجارة عن تراض و لا وجه للحصر لكن حيث ان المولي في مقام البيان و جعل الضابط الكلي يفهم أن الجواز منحصر في التجارة عن تراض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 259

و ان شئت قلت: لا اشكال في أن العرف يفهم من ظاهر الكلام حصر جواز الاكل فيها و الظواهر حجة.

الأمر الثالث: قوله صلي اللّه عليه و آله فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1»

بتقريب ان تملك مال الغير تصرف فيه و لا يجوز الا مع طيب نفسه و المفروض عدمه.

و لكن التقريب المذكور يتوقف علي شمول الحديث للتصرف الاعتباري مضافا الي التصرف الخارجي و الظاهر من الحديث التصرف الخارجي فلا يرتبط الحديث بالمقام. و ان شئت قلت: الظاهر من الرواية بحسب الفهم العرفي بيان الحكم التكليفي لا الاعم منه و من الوضعي فلاحظ.

الأمر الرابع: حديث الرفع

لاحظ ما روي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره علي اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2».

فان مقتضي اطلاق الحديث عدم اختصاص الرفع بخصوص الاحكام التكليفية بل مقتضاه رفع الاحكام الوضعية عند الاكراه فالعقد الاكراهي لا يترتب عليه الاثر المرغوب فيه مضافا الي أن المدعي يستفاد من تطبيق الامام عليه السلام الحديث علي مورد الاكراه علي الامر الوضعي و حكمه بعدم ترتب الاثر عليه لاحظ الحديث الذي مر آنفا فان الامام عليه السلام حكم بعدم لزوم شي ء علي المكره بالفتح مستشهدا بقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حيث قال «وضع عن امتي ما اكرهوا عليه».

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 53 و 54.

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الايمان الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 260

«قوله قدس سره: و ظاهره و ان كان رفع المؤاخذة»

ليس الامر كذلك و لا يكون قوله صلي اللّه عليه و آله ظاهرا في رفع المؤاخذة و الذي يدل علي المدعي انه نسأل و نقول: البيع الاكراهي أو الطلاق الاكراهي هل يكون مشمولا لحديث الرفع

أم لا أما علي الاول فنقول: لا مؤاخذة علي البيع كي ترفع بالاكراه و أيضا لا مؤاخذة في الطلاق كي ترفع بالاكراه و أما علي الثاني فلا اظن ان القائل برفع المؤاخذة يلتزم بهذا اللازم الفاسد. و الحاصل:

ان الحديث يشمل هذه الموارد و مقتضاه رفع الآثار المترتبة علي الفعل حين تعنونه بأحد العناوين المذكورة في الحديث.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار»

منها ما رواه عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول لا يجوز طلاق في استكراه و لا تجوز يمين في قطعية رحم الي أن قال: و انما الطلاق ما اريد به الطلاق من غير استكراه و لا اضرار. الحديث «1».

«قوله قدس سره: مع ما توهمه»

لم يظهر لي المراد من المتوهم فان الشيخ قدس سره في مقام دفع التوهم المذكور عن الشهيد و أضرابه فمن المتوهم و لم يشر في عبارته سابقا الي المتوهم و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فيمن طلق مداراة بأهله»

لاحظ ما رواه منصور بن يونس قال سألت العبد الصالح عليه السلام و هو بالعريض فقلت له جعلت فداك انّي تزوجت امرأة و كانت تحبني فتزوجت عليها ابنة خالي و قد كان لي من المرأة ولد فرجعت الي بغداد فطلقتها واحدة ثم راجعتها ثم طلقتها

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 261

الثانية ثم راجعتها ثم خرجت من عندها أريد سفري هذا حتي اذا كنت بالكوفة اردت النظر الي ابنة خالي فقالت اختي و خالتي: لا تنظر إليها و اللّه ابدا حتي تطلق فلانة فقلت: و يحكم و اللّه ما لي الي طلاقها من سبيل فقال لي هو

ما شأنك ليس لك الي طلاقها من سبيل فقلت:

انه كانت لي منها ابنة و كانت ببغداد و كانت هذه بالكوفة و خرجت من عندها قبل ذلك بأربع فابوا عليّ الا تطليقها ثلاثا و لا و اللّه جعلت فداك ما اردت اللّه و لا اردت الا ان داريهم عن نفسي و قد امتلاء قلبي من ذلك فمكث طويلا مطرقا ثم رفع رأسه و هو مبتسم فقال:

أما بينك و بين اللّه فليس بشي ء و لكن ان قدموك الي السلطان ابانها منك «1».

[حقيقة الاكراه لغة و عرفا]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم ان حقيقة الاكراه لغة و عرفا حمل الغير»

و في المقام فروع
الفرع الأول: انه هل يلزم و هل يشترط في صدق الاكراه وجود شخص يكره غيره علي أمر

أو يكفي في صدق الاكراه اعتقاد المكره بالفتح بوجود مكره و حامل؟ الظاهر انه لا يصدق الاكراه مع عدم وجود حامل و مكره فان الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعية و مع عدم المكره بالكسر واقعا لا يكون الاكراه متحققا، بل يتخيل الإكراه و عليه لو باع داره بتوهم الاكراه لا يشمل بيعه حديث الرفع لعدم تحقق موضوعه و لكن مع ذلك يكون بيعه باطلا لعدم صدور التجارة عن الرضا و طيب النفس.

لكن لازم هذه المقالة ان البيع الاكراهي باطل علي طبق القاعدة الاولية و لو مع فرض عدم حديث الرفع اذ لو قلنا ان الاكراه يضاد طيب النفس و من ناحية اخري قلنا: ان المستفاد من آية تجارة عن تراض اشتراط التجارة بطيب النفس لا يكون العقد الذي ناش

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 262

عن عدم طيب النفس صحيحا فلاحظ.

الفرع الثاني: انه هل يصدق الاكراه فيما لا يخاف المكره بالفتح من الضرر المتوجه إليه من ناحية المكره بالكسر

لكن يتوجه إليه في ظرف التخلف عن أمر المكره من ناحية بعض من يتعلق به كابنه مثلا؟ الظاهر انه يصدق الاكراه فلو أمر الامير شخصا ببيع داره و المأمور يعلم بأنه لو لم يبيع داره يضر به ابن الامير يكون بيعه داره في الفرض المذكور اكراهيا و باطلا نعم لا بد من صدق الاكراه و لا يبعد انه يلزم في صدقه تحقق الوعيد غاية الامر يكفي في صدقه تحقق الوعيد و لو من بعض متعلقي المكره بالكسر فلاحظ.

الفرع الثالث: انه هل يشترط في صدق الاكراه العلم أو الظن يترتب الضرر المتوعد عليه أم يكفي الاحتمال؟

الحق انه يصدق عنوان الاكراه و لو مع الاحتمال فقط و هذا العرف ببابك نعم يلزم في صدقه الاحتمال العقلائي و أما مجرد الاحتمال الموهوم فلا اثر له اذ معناه ان الاطمينان حاصل بخلافه.

الفرع الرابع: انه هل يشترط في صدق الاكراه أن لا يكون الضرر المتوجه بالوعيد بحق

كما لو اكرهه علي بيع داره و أوعده في صورة ترك البيع بقتل ولده قصاصا أو بالتزويج ثانيا و ثالثا؟

الذي يختلج بالبال انه يصدق الاكراه و مجرد كون المتوعد به حقا لا يقتضي عدم صدق عنوان الاكراه و العرف ببابك.

و أفاد سيدنا الاستاد قدس سره في المقام: ان الدليل منصرف عن صورة كون المتوعد به حقا مضافا الي أن رفع الاكراه حكم امتناني و شموله للمقام خلاف الامتنان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 263

و يرد عليه: انه لا وجه للانصراف و أما كون شمول الدليل خلاف الامتنان فيرد عليه أولا: انه لا دليل علي كون القاعدة امتنانية بالنسبة الي المكلف بل امتنانية بالنسبة الي النبي الاكرم صلي اللّه عليه و آله حيث قال صلي اللّه عليه و آله «رفع عن امتي» فان المنة عليه صلي اللّه عليه و آله تقتضي أن يسهل علي امته.

و ثانيا: انه يصدق الامتنان بالنسبة الي من يحكم علي عقده بعدم الصحة و لا يلزم أن يكون امتنانيا بالنسبة الي جميع الاطراف.

الفرع الخامس: انه لو لم يكن الايعاد من الغير

و لكن يعلم المكلف بأنه لو لم يعقد العقد الفلاني يصير كذا مثلا يعلم بأنه لو لم يبع داره يقع معرضا لخطر مهم مثلا يعلم بأنه يقتل ولده أو يهتك عرضه فهل يصدق الاكراه أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان مثله لا يصدق عليه عنوان الاكراه بل يصدق عليه عنوان الاضطرار. فلاحظ.

الفرع السادس: انه هل يعتبر في صدق الاكراه عدم امكان التفصي و لو بالتورية أم لا؟

الظاهر انه مع امكان التفصي و لو بالتورية لا يصدق عنوان الاكراه.

الفرع السابع: لو اكرهه المكره علي الجامع بين أمرين أو أمور

كما له اكرهه علي شرب احد ما يعين نجسين فالكلام يقع في موضعين الموضع الاول: الاكراه علي الجامع بين الافراد العرضية كالمثال الذي ذكرناه آنفا.

الموضع الثاني: ما لو اكرهه علي الجامع بين الافراد الطولية كما لو اكرهه علي شرب كأس من خمر مخيرا من الظهر الي الغروب أو اكرهه علي بيع داره من الظهر الي الغروب فنقول: أما الموضع الاول فلا اشكال في تحقق الاكراه لكن للمسألة صور متعددة.

و لا بد من العمل في كل صورة علي طبق القاعدة فلو اكره علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 264

الجامع بين محرمين فعلي تقدير التساوي بين الامرين في المبغوضية يكون المكره بالفتح مخيرا بين الامرين و علي تقدير كون احدهما اشد حرمة لا بد من اختيار الاقل كما انه لو اكره علي الجامع بين الحرام و الحلال لا بد من اختيار الحلال و قس علي ما ذكرنا بقية الصور و تطبيق القاعدة علي كل صورة.

و أما الموضع الثاني فالظاهر عدم تحقق الاكراه و عدم جواز البدار و العرف ببابك فانه لو شرب الخمر في أول الظهر أو باع داره في اوّل الظهر لا يصدق ان شربه اكراهي و كذلك لا يصدق انه باع داره بالاكراه فيكون بيعه صحيحا و يكون شربه حراما.

الفرع الثامن: انه لو اكره الجائر احد شخصين علي فعل واحد

فقد يكرههما علي فعل محرم و اخري يكرههما علي عقد واحد فالكلام يقع في مقامين.

المقام الأول: ما لو اكره الجائر احد شخصين علي محرم كشرب الخمر مثلا فلو علم احدهما أو اطمئن ان الاخر لا يرتكب الحرام يجوز له الارتكاب لصدق الاكراه الموضوع لرفع الحرمة و أما لو احتمل أو ظن بأن الاخر يفعله فهل يجوز الاتيان أم لا؟ الظاهر انه يجوز لصدق

الخوف المقتضي لصدق الاكراه نعم ان علم أو اطمئن بأن الاخر يرتكب المحرم لا يجوز الارتكاب اذ مع فرض ارتكاب الاخر لا يصدق عنوان الاكراه المقتضي للجواز.

و أما المقام الثاني فالظاهر انه كذلك و بعبارة اخري ما ذكرناه في المقام الأول يجري في المقام الثاني بلا فرق بينهما.

الفرع التاسع: لو اكره علي التوكيل في طلاق زوجته

فوكل شخصا لان يطلقها لا يكون التوكيل صحيحا اذ فرض ان التوكيل اكراهي و لا يترتب اثر علي طلاق الوكيل فان المفروض انه غير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 265

مستند الي الزوج فلا يكون صحيحا.

الفرع العاشر: انه لو اكره المالك غيره في بيع داره

فهل يكون البيع الاكراهي الصادر عن الوكيل المكره صحيحا أم لا؟ قال سيدنا الاستاد قدس سره: يصح البيع اذ المفروض ان المالك راض بالعقد و لا مجال لتوهم فساد عقد الوكيل بحديث الرفع ضرورة انه لا يترتب اثر علي الفعل المكره عليه بالإضافة الي المكره و أما بالنسبة الي المالك فالمفروض انه راض بالعقد مضافا الي أن شمول الحديث للمقام خلاف الامتنان» هذا مفاد كلامه.

و يرد عليه ان العقد الصادر عن المكره كالعدم و المفروض ان العقد أي الانشاء لازم في كل معاملة فاذا فرض انه كالعدم كما هو المفروض يكون العقد باطلا.

و أما كون شمول الحديث للمقام خلاف الامتنان فيرد عليه أولا:

انه قد سبق منا ان الامتنان يمكن أن يكون من اللّه علي نبيه لا المنة علي الامة. و ثانيا: انه نفرض ان الامتنان بلحاظ الامة لكن لا بد أن يلاحظ الرفع بالنسبة الي من يشمله الحديث و من الظاهر ان فساد عمل المكره بالفتح امتنان بالنسبة إليه.

«قوله قدس سره: بعيد جدا»

لا بعد فيه بل لا بد منه فان ترتب الاحكام علي الموضوعات متوقفة علي تحقق تلك الموضوعات في الخارج.

«قوله قدس سره: بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد»

الظاهر ان الامر ليس كما أفاده و صفوة القول: انه لو قلنا بأن الاكراه لا يتحقق و لا يصدق الا مع عدم امكان التورية و عدم امكان التفصي بنحو من الانحاء لا يتحقق المفهوم الا في الفرض

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 266

المذكور و ان كان الفرض نادرا و اقل قليل في الخارج. و ان شئت قلت: بعض الموضوعات الشرعية أمر قليل الوجود و يندر تحققه في الخارج فلا مجال لان يقال ان حمل الدليل عليه بعيد فان حمله عليه لازم و ضروري علي طبق القاعدة الاولية و حمله علي غير ذلك المورد علي خلاف القاعدة.

«قوله قدس سره: مع ان القدرة علي التورية لا يخرج الكلام»

الامر ليس كذلك فانه مع امكان التخلص و لو بالتورية يمنع عن صدق الاكراه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ربما يستظهر من بعض الاخبار»

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا يمين في غضب و لا في قطعية رحم و لا في جبر و لا في اكراه قال:

قلت أصلحك اللّه فما فرق بين الجبر و الاكراه قال: الجبر من السلطان و يكون الاكراه من الزوجة و الام و الأب و ليس ذلك بشي ء «1».

و يمكن أن يكون في دعواه الظهور ناظرا الي مقابلة الاكراه مع الاجبار فانه يستفاد من المقابلة انه لا اجبار في الاكراه و يتحقق الاكراه في مورد عدم الاجبار فلا يلزم عدم امكان التفصي.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد و ثانيا: ان المستفاد من الحديث ان الاجبار من السلطان فانه قادر عليه و لا يدل علي أن الاكراه يتحقق و لو مع امكان التفصي فالميزان في رفع الاثر تحقق عنوان الاكراه و لا يتحقق عنوان الاكراه مع امكان التفصي فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من الايمان الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 267

«قوله قدس سره: قضية عمار»

لاحظ ما رواه مسعدة

بن صدقة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان الناس يروون ان عليا عليه السلام قال علي منبر الكوفة:

ايّها الناس انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة منّي فلا تبرءوا منّي فقال ما اكثر ما يكذب الناس علي علي عليه السلام ثم قال انما قال: انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة منّي و انّي لعلي دين محمد صلي اللّه عليه و آله و لم يقل و لا تبرءوا منّي فقال له السائل: أ رأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال و اللّه ما ذلك عليه و ماله الا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فأنزل اللّه عز و جل فيه «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله عندها يا عمار ان عادوا فعد فقد أنزل اللّه عذرك و أمرك أن تعود ان عادوا «1».

«قوله قدس سره: باعتبار شفقته علي عمار»

يمكن أن يكون الوجه في عدم الاشارة أن التورية في مثل قضية عمار لا أثر لها فان مجرد التكلم المشعر علي التبري حرام و جسارة فلا فرق بين التورية و غيرها.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 267

«قوله قدس سره: و هذا المعني يصدق مع امكان التورية»

لا أدري ما يقول و لا افهم مقصده و الذي افهم انه لا فرق بين التورية و غيرها فكما ان غيرها يوجب عدم صدق الاكراه كذلك التورية اذا امكنت تكون مانعة عن صدق الاكراه.

«قوله قدس سره:

فافهم»

لعله اشارة الي ما ذكرنا من الاشكال فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 268

«قوله قدس سره: فالظاهر صدق الاكراه»

بل الظاهر خلافه فانه مع امكان دفع المكره كيف يصدق عليه انه مكره بالفتح فان الاكراه لا يتحقق الا مع الالجاء و المفروض انه ليس ملجا.

«قوله قدس سره: لكن الداعي علي اعتبار ما ذكرنا»

كأن المصنف في مقام بيان ان الوجه في اشتراط طيب النفس في المعاملات الآية الشريفة لا حديث الرفع و ما أفاده غريب اذ الماتن بنفسه قد استدل علي اشتراط القصد بالاختيار بحديث الرفع مضافا الي أنه كيف يمكن أن لا يستدل بالحديث و الحال انه لا اشكال في أنه يستفاد من الحديث اشتراط العقد و الايقاع بعدم الاكراه.

«قوله قدس سره: العموم من وجه»

قد يتحقق الاكراه مع طيب النفس كما لو اكرهه علي شرب الخمر و هو مائل الي شربه و قد يتحقق عدم الطيب و لا اكراه و ربما يجتمعان و هو كثير.

«قوله قدس سره: لم يقع باطلا»

كيف لا يكون باطلا مع ان الاكراه يرفع الاثر المرغوب فيه و علي الجملة: ان الاكراه يرفع الاثر و ان كان الاكراه علي الحق نعم اذا كان الاجبار من ولي الامر لا يرتفع الاثر اذ يلزم الخلف لكن يمكن أن يقال: ان الحاكم ولي الممتنع ففي فرض الامتناع يتصدي الحاكم بنفسه و أما اكراه الغير فلا أثر له و أما في غيره فلا مثلا اداء الحق اذا كان بتشخيص الكلي في فرد منه علي نحو الاكراه لا يتشخص فان التشخيص لا بد أن يكون صادرا عمن بيده

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 269

الامر و مع الاكراه يكون لغوا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الماتن في أمره بالتأمل ناظر الي منع جريان الاصل العقلائي في صورة الاكراه و يمكن أن يكون ناظرا الي أن تحقق القصد مع الاكراه لا أثر له.

«قوله قدس سره: فرع و لو أكرهه علي بيع واحد غير معين … »

اذا كان المراد ان البيع يقع علي عنوان احدهما يكون الاكراه علي أمر غير مشروع فلو باع كليهما أو باع احدهما المعين أو نصف احدهما يكون العقد صحيحا لانه غير مكره عليه و أما ان كان المراد من العبارة ان الاكراه تعلق بواحد بحيث يكره أن يختار احدهما و يسعه كما هو ليس ببعيد فلو باع كليهما يكون العقد صحيحا لعدم تعلق الاكراه به.

و بعبارة اخري: لا يصدق عنوان الاكراه علي المجموع فلا بد من الالتزام بالصحة و أما لو باع احدهما المعين بعنوان انه مكره عليه يكون باطلا للاكراه فلو باع الفرد الثاني يكون صحيحا لعدم تعلق الاكراه به و أما لو باع نصف احدهما فان كان اكراه المكره بالكسر يشمله أي كان امره بالبيع مطلقا بحيث كان المكره بالفتح مختارا في بيع عبد من عبدين دفعة أو تدريجا و كان بيع النصف من باب العمل بأمر المكره يكون بيعه فاسدا لانه وقع مكرها عليه.

«قوله قدس سره: مع احتمال الرجوع إليه»

لا مجال لهذا التقريب اذ بعد البيع الاول لا موضوع للاكراه و ان شئت قلت: البيع الاول إما يقع بعنوان انه مكره عليه و إما يقع بالرضا و الاختيار و علي كل تقدير يكون البيع الثاني صحيحا أما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 270

علي الاول فظاهر اذ المفروض انه ليس مصداقا

للمكره عليه و أما علي الثاني فلانه بعد وقوع البيع الاول لا اكراه من قبل المكره فلا يكون البيع الثاني اكراهيا فيكون صحيحا.

«قوله قدس سره: نظر»

لعله قدس سره ناظر الي أن المقام داخل في كلي ما لا يعلم الا من قبله فقوله حجة و من ناحية اخري ان الظاهر ان بيعه باختياره و ارادته.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: ان الاكراه اذا كان شاملا لبيع النصف يكون الظاهر ان بيعه اكراهي فيكون باطلا و اللّه العالم.

بقي شي ء و هو انه لو باع احدهما لا علي التعيين فهل يمكن تعيينه بالقرعة أم لا؟ الظاهر هو الثاني فانه ليس في ادلة القرعة ما يمكن أن يستدل به علي جريان القرعة في كل مورد حتي فيما لا واقع له كالمثال الذي تقدم ذكره و عليه يكون بيع احدهما لا علي نحو التعيين باطلا.

و بعبارة اخري: اجراء القرعة فيما لا واقع له أمره علي خلاف القاعدة الاولية و يحتاج الي دليل شرعي و الظاهر انه لا يكون في نصوص القرعة ما يشمل بإطلاقه أو عمومه كل مورد لا يكون له واقع نعم قد وردت في نصوصها ما يختص بجملة من الموارد الخاصة و تفصيل الكلام موكول الي بحث القرعة.

[بقي الكلام فيما وعدنا ذكره]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام فيما وعدنا ذكره»

قد تعرض الشيخ قدس سره: لجملة من الفروع و ينبغي التعرض لكل واحد منها مستقلا و ذكر ما يكون قابلا للاستناد إليه

الفرع الاول: انه لو اكره علي الطلاق

فطلق ناويا للطلاق مع قدرته علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 271

التفصي بالتورية أو بعدم القصد فعن المسالك احتمال كون الطلاق في هذه الصورة باطلا.

و ما أفاده الشهيد تام اذ كل عقد و ايقاع مركب من الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي من قول أو فعل هذا من ناحية و من ناحية اخري المستفاد من دليل الرفع ان ما يصدر عن المكلف بالاكراه لغو و كالعدم فالانشاء الصادر عن اكراه بلا أثر فيكون الطلاق فاسدا فعلي هذا الاساس كل عقد أو ايقاع يكون اكراهيا يكون فاسدا بأي نحو يقع اذ الابراز الاكراهي في حكم عدم الابراز و العقد أو الايقاع اذا لم يكن مع المبرز لا أثر له و هذا جار في جميع العقود و الايقاعات فليكن هذا في ذهنك لعله ينفعك فيما يأتي من المباحث.

الفرع الثاني: أن يكون الطلاق الناشي من الاختيار مقترنا بالاكراه

و لا اشكال في صحته اذ المفروض انه لا يكون اكراهيا بل يقارن مع الاكراه و لا اثر للتقارن.

الفرع الثالث: أن يكون الاكراه جزء للسبب و الجزء الاخر الرضا

أفاد سيدنا الاستاد قدس سره بأن الطلاق في هذه الصورة باطل لعدم صدور الطلاق عن الإرادة و الرضا.

و يرد عليه انه لو لم يصدق عليه انه اكراهي لا يكون وجه لفساده اذ المفروض انه صدر عن اختياره و ارادته و لا مقتضي لازيد من هذا المقدار.

الفرع الرابع: أن يكون كل من الرضا و الاكراه علة تامة

بحيث يكون كل واحد منهما مقتضيا لتحقق الطلاق و الحق في هذا الصورة صحة الطلاق.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 272

و ربما يقال: كما عن الميرزا النائيني بأن المفروض توارد علتين علي معلول واحد و مع التعدد لا يؤثر كل منهما في معلول واحد فالمعلول منسوب إليهما.

و أجاب سيدنا الاستاد عن الاشكال بأن المقام داخل في تعارض المقتضي و ما لا اقتضاء له فان الاكراه لا يقتضي الفساد بل لا اقتضاء له و أما الرضا فهو يقتضي الصحة فالتأثير لمقتضي الصحة فلا وجه للبطلان.

و هذا الجواب لا يكون جوابا للميرزا اذ هو لا يدعي ان الاكراه يقتضي الفساد بل يدعي ان العقد مركب من سببين الرضا و الاكراه فلا استقلال لاحدهما.

و الحق في الجواب أن يقال: ان كل عقد أو ايقاع يكون صادرا عن الإرادة و الاختيار يكون صحيحا الا أن يكون اكراهيا و المفروض ان المقام لا يكون داخلا تحت الايقاع الاكراهي فيصح.

الفرع الخامس أن يكون الاكراه سببا لتوطين النفس علي الطلاق

بأن يخيل المكره بالفتح ان الحذر و الفرار عن المكره بالكسر لا يتحقق الا بتحقق الطلاق حقيقة فيقصد الطلاق. و ان شئت قلت:

الاكراه سبب للقصد الي الطلاق حقيقة فيكون الاكراه أسبق علل الطلاق.

و الحق في هذه الصورة هو البطلان لانه يصدق انه اكراهي فيكون باطلا الا أن يقال: ان الحكم تابع للموضوع الواقعي لا للموضوع الخيالي و المفروض ان المطلق تخيل انه مكره فقصد الطلاق حقيقة فلا وجه للبطلان، لكن لقائل أن يقول: انه لا اشكال في أن تصديه للطلاق اكراهي فيكون باطلا فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 273

[رضا المكره بما فعله]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم المشهور بين المتأخرين انه لو رضي المكره بما فعله صح»

قد وقع الخلاف بين الاصحاب في أن المكره اذا رضي بما فعله هل يقتضي صحة ما صدر عنه أم لا؟

و قد ذكر في تقريب عدم التأثير وجوه:
الوجه الأول: ان الرضا بالعقد مأخوذ في مفهوم العقد

فاذا لم يكن الرضا متحققا لم يتحقق عقد كي يصح أو لا يصح.

و أورد فيه بأنه لا شاهد علي هذه الدعوي مضافا الي أنه يلزم أن لا يصح العقد الفضولي بالاجازة و أيضا يلزم أن لا يصح العقد الاكراهي فيما يكون الاكراه بحق.

و لا يخفي ان العمدة الاشكال الاول و أما كون الاجازة في الفضولي موجبا للصحة فهو مستفاد من النص كما نتعرض له إن شاء اللّه تعالي و أما الاكراه بحق فلا ندري المراد منه فان الحاكم الشرعي ولي الامر و مع امتناع من عليه الحق يتصدي بنفسه للعقد و لا تصل النوبة الي الاكراه.

و بعبارة اخري: لا يتحقق الاكراه الا بالتوعيد و هل يجوز للحاكم أن يوعد الممتنع عن العقد بالضرب و أمثاله و ان شئت قلت: الحاكم ولي الممتنع فاذا لم يمتنع فلا موضوع للاكراه كما هو واضح و أما مع الامتناع فوظيفة الحاكم التصدي للامر بنفسه فلا مجال للاكراه.

الوجه الثاني: ان الرضا المقارن مع العقد مأخوذ في صحته

و المفروض عدمه فلا يصح و لو مع الرضا المتأخر. و قال سيدنا الاستاد قدس سره في هذا المقام: ان الرضا متحقق غاية الامر نلتزم بالصحة من حين تحقق الرضا.

و يرد عليه ان المستفاد من قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» انه يشترط في جواز تملك مال الغير تحقق التجارة التي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 274

تكون ناشية عن الرضا و من الواضح ان البيع الاكراهي لا يكون كذلك فيكون باطلا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و هذا التقريب تام فان المستفاد بحسب الفهم العرفي انه لا بد في تملك مال الغير من التجارة الناشية عن تراض و المفروض ان هذا المعني غير متحقق في عقد

المكره.

و لا اشكال في أنه يستفاد الحصر من الآية بلا فرق بين كون الاستثناء متصلا أو منقطعا أما علي الاول فظاهر و أما علي الثاني فلان المولي في مقام بيان الضابط الكلي فمقتضي الاطلاق المقامي الحصر.

و لسيدنا الاستاد قدس سره كلام في المقام و هو: ان العقد بالمعني المصدري و ان تحقق سابقا و انعدم و لم يكن ناشيا عن الرضا و لكن بمعني اسم المصدر يكون باقيا و يكون ناشيا عن الرضا.

و ما أفاده من غرائب الكلام اذ يرد عليه أولا: انه كيف يمكن أن يكون المصدر فانيا و زائلا و اسم المصدر يكون باقيا فان اسم المصدر تابع للمصدر حدوثا و بقاء و ثانيا: انه لو سلمنا بقائه لكن لا يكون متعددا بحيث يكون في كل زمان تجارة غير ما تحقق سابقا كي يكون ناشيا عن الرضا.

الوجه الثالث: حديث الرفع

فانه يقتضي فساد العقد الاكراهي و مقتضي اطلاق الحديث عدم ترتب الاثر علي الرضا المتأخر و علي الجملة: مقتضي حديث الرفع ان العقد الاكراهي وجوده كالعدم و عليه لا مجال لان يصح بعد ذلك.

و قال سيدنا الاستاد: ان مقتضي حديث الرفع ان العقد ما دام يكون اكراهيا لا يكون مؤثرا و أما بعد تبدل اكراهه بالرضا فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 275

وجه للفساد بل القاعدة تقتضي الصحة مضافا الي أن حديث الرفع متعرض لحكم امتناني و من الظاهر ان رفع الاثر ما دام وجود الكراهة موافق للامتنان و أما الحكم بالفساد بعد تبدل الكراهة بالرضا فيكون خلاف الامتنان فلا بد في الالتزام بالفساد من الاقتصار بمقدار يكون الكراهة موجودة و أما بعد رفع الكراهة فيلزم الحكم بالصحة لان رفع الاثر بعد ارتفاع الكراهة

خلاف الامتنان.

و يرد عليه أن المفروض ان ما تحقق و صدر عن المكره عقد واحد و أيضا المفروض كونه اكراهيا و من ناحية اخري الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه فكيف يمكن الحكم بالصحة مع كون الصادر اكراهيا و ان شئت قلت: يمكن للمكره أن يعقد عقدا جديدا مقارنا للرضا و أما العقد الصادر عن الاكراه فلا يمكن أن يصير عقدا مقارنا للرضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: اللازم منه عدم كون عقد الفضولي»

عقد الفضولي لا يكون ملازما مع عدم رضي المالك بل اللازم في عقد الفضولي عدم انتساب العقد الي المالك فلا تغفل.

«قوله قدس سره: و يؤيده فحوي صحة عقد الفضولي»

قياس المقام بعقد الفضولي مع الفارق فان العقد الفضولي غير منتسب الي المالك و بالاجازة ينتسب إليه فكأنه يعقد حين الاجازة و في المقام العقد صادر عن نفس المالك فالانتساب إليه مفروض مضافا الي الاشكال في العقد الفضولي و نتعرض له إن شاء اللّه تعالي عن قريب نعم العقد الفضولي يصح بالاجازة اللاحقة بمقتضي النص الخاص و لكن لا يستفاد من تلك الرواية حكم المقام لا بالفحوي و لا بغير الفحوي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 276

«قوله قدس سره: و لا حصر»

قد ظهر مما تقدم انه يستفاد الحصر من الآية الشريفة بالتقريب الذي ذكرناه فراجع.

«قوله قدس سره: و هذا حق له لا عليه»

نعم هذا حق له و لكن مقتضي لاحقاق هذا الحق و ان شئت قلت:

ثبوت هذا الحق يحتاج الي الدليل في مقام الاثبات و لا دليل عليه بل الدليل قائم علي خلافه اذ قد ذكرنا ان مقتضي اطلاق حديث الرفع فساد العقد الاكراهي حتي بعد الرضا. و بعبارة واضحة:

العقد الصادر عن اكراه لا

أثر له و المفروض عدم تحقق عقد جديد فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم قد يلزم الطرف الاخر»

لا وجه لهذا الالزام أصلا أما علي مسلكنا من عدم ترتب الصحة علي الرضا اللاحق فظاهر و أما علي القول الاخر و هو تحقق الصحة بالرضا المتأخر فلان المستفاد من دليل وجوب الوفاء اللزوم الوضعي و اللزوم فرع الصحة و المفروض ان العقد الاكراهي قبل تعلق الرضا به لا يكون صحيحا فلا مجال لان يقال ان العقد يلزم من الطرف الاخر فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان ما ذكرنا واضح علي القول بكون الرضا ناقلا»

اذ قبل الرضا لا يكون الطرف مالكا فلا مؤاخذة و لا الزام بالنسبة الي المكره بالفتح.

«قوله قدس سره: بعد التأمل»

اذ لا اشكال في أن الملكية للطرف تتوقف علي الرضا المتأخر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 277

و لو علي القول بالنقل فلا فرق بين النقل و الكشف من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: لان الاكراه مأخوذ فيه بالفرض»

الحق انه لا موضوع لهذه المقالة و لا مجال لها فان السببية لا تتصور في الاحكام الشرعية بل الصحيح فيها الحكم و الموضوع و المفروض ان الشارع الاقدس لم يرتب حكمه علي العقد الاكراهي علي الاطلاق فلا يبقي مجال للرضا المتأخر و لا اثر له.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله اشارة الي أن الشارع يمكنه سلب الاثر الناقص أيضا فكما انه يمكن له أن ينفي الاثر التام و يقول لا يكون البيع الاكراهي سببا مستقلا كذلك يمكنه أن يقول العقد الاكراهي لا يكون جزءا للسبب أو يكون اشارة الي ما ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كما سيجي ء في مسألة الفضولي»

لا مجال لان يستفاد حكم المقام من مسألة الفضولي فان الانتساب الي المالك متحقق

من اوّل الامر في المقام و أما في مسألة الفضولي فلا انتساب الي المالك قبل الاجارة فلا جامع بين المقامين.

«قوله قدس سره: و ربما يدعي ان مقتضي الاصل هنا و في الفضولي هو الكشف»

هذه الدعوي تامة فان الاجازة و الرضا قابلتان لان تتعلقا بالمتقدم فاذا فرض ان المجاز متحقق من السابق فالاجازة تابعة له فالكشف علي طبق القاعدة.

«قوله قدس سره: و فيه ان مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل»

اقول: لا يمكن مساعدته فان الاهمال غير معقول في الواقع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 278

فلا بد من اليقين بنحو من الانحاء و الظاهر ان النقل يتحقق من حين الانشاء و من حين العقد و ان شئت قلت: العقود تابعة للقصود و الامضاء الشرعي تابع لما قصد و الا يلزم ان ما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد و حيث ان الانشاء من حين العقد فالامضاء الشرعي يمضيه من ذلك الزمان أيضا.

«قوله قدس سره: و لذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول»

مقتضي القاعدة ان الملكية تحصل من زمان الايجاب لكن يمكن أن يقوم دليل علي حصول الملكية من زمان القبول أو من زمان القبض.

«قوله قدس سره: و لا معني لتخلف زمانه»

لا اشكال في عدم التخلف و لكن حكم الشارع علي طبق الرضا المتأخر و المفروض ان الرضا يتعلق بالامر المتقدم فالملكية الشرعية تتحقق من زمان العقد فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلاحظ مقتضي فسخ العقد»

القياس مع الفارق فان الفسخ حل العقد من الحين لكن الاجازة اثبات العقد من ذلك الزمان فلا مجال لقياس احد المقامين بالمقام الاخر.

«قوله قدس سره: ثم علي القول بالكشف هل للطرف»

قد تقدم منا تحقيق هذا الامر و

قلنا لا اشكال في أنه يجوز له رفع اليد و التعبير بالفسخ مسامحي.

[مسألة و من شرائط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع]
اشارة

«قوله قدس سره: من اللزوم»

بل من الصحة فان اللزوم فرع الصحة و بيع الفضولي قبل الاجازة غير صحيح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 279

«قوله قدس سره: لعله في غير محله»

كأنه اعترض عليه بأنه اذا كان عقد الفضولي لفقدانه الشرط فاسدا فكيف يتوقف علي الاجازة و هذا الاعتراض لعله في غير محله لان المقصود من الفساد انه بلا اجازة المالك لا يترتب عليه الاثر فلا وجه للاعتراض.

[الكلام في عقد الفضولي]
[المراد بالفضولي]

«قوله قدس سره: و لعله تسامح»

لا وجه للتسامح فان العقد الصادر عن الفضولي غير صادر عن أهله و لا واقع في محله فالعقد أيضا فضولي.

[هل العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه فضولي]
اشارة

«قوله قدس سره: فالظاهر شموله لما اذا تحقق رضا المالك»

وقع الكلام في أن مجرد الرضا الباطني هل يكفي للصحة أم لا؟

و الكلام تارة في مقتضي القاعدة الاولية و اخري فيما يستفاد من النص الخاص فيقع الكلام في مقامين أما

المقام الأول [مقتضي القاعدة الأولية]

فنقول:

مقتضي النصوص الدالة علي بطلان بيع غير المالك بطلان البيع الصادر عن غير المالك و لو مع رضاه الباطني.

منها ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

و منها ما رواه الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب أحكام العقود الحديث 2.

(2) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 280

و منها ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الاول عليه السلام عن رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنّها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له ليمنعها اشد المنع فانّها باعته ما لم تملكه «1».

ان قلت مقتضي اطلاق قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

صحة البيع الذي يكون مقرونا برضا المالك فان النسبة بين الآية الشريفة و النص عموم من وجه فان ما به الافتراق من ناحية الآية صورة كون البيع صادرا عن المالك و ما به الافتراق من ناحية النص صورة

صدور البيع عن غير المالك بدون رضا المالك و ما به الاجتماع صورة صدور البيع عن غير المالك مع رضاه فيقع التعارض بين الجانبين و الترجيح مع الكتاب فان ما خالفه يضرب علي الجدار.

قلت: الظاهر من الآية الشريفة ان السبب المملك منحصر في التجارة الناشية عن رضا المالك فلا يكفي المقارنة الا أن يقال: انه يمكن فرض كون التجارة ناشية عن رضا المالك مع عدم تصديه للعقد بأن يطلع غير المالك علي رضا المالك بالبيع فيقدم به فانه يصح أن يقال: ان البيع الكذائي نشأ عن رضا المالك و العرف ببابك.

اللهم الا أن يقال ان الآية الشريفة منصرفة الي خصوص البيع الصادر عن نفس المالك و بعبارة واضحة: يلزم أن يكون العقد منتسبا إليه و أما مع عدم الانتساب فلا يصح هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [فيما يستفاد من النص الخاص]

فنقول: ربما يستدل بخبرين مرويين عن المعصوم علي صحة العقد الصادر عن غير المالك اذا كان مقارنا مع رضاه احدهما ما ارسله الطبرسي عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 281

الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما رزءوا و تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعة و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتجرح من شرائها لانه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و

صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة يفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع أولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه، فأجابه عليه السلام: الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها او بأمره أو رضا منه «1».

و المستفاد من هذه الرواية بالصراحة كفاية رضا المالك في صحة العقد و لكن سند الرواية مخدوش بالارسال.

ثانيهما: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و أهل الارض يقولون: هي أرضهم و أهل الاسنان يقولون هي من ارضنا فقال لا تشترها الا برضا اهلها «2».

فان المستفاد من الحديث انه يكفي رضا المالك و هذه الرواية تامة سندا لكن لا تدل علي المطلوب فان المستفاد من الحديث ان رضا المالك مقوم لصحة البيع لا أنه يكفي مجرد رضاه و بعبارة اخري هذا استثناء من النفي كقوله لا صلاة

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

(2) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 282

الا بفاتحة الكتاب أو لا صلاة الا بطهور فان المستفاد من الجملة اشتراط الصلاة بالفاتحة و بالطهارة لا أن الصلاة تتحقق بالفاتحة فقط أو الطهور فقط و علي الجملة: المستفاد من الحديث في المقام ان رضا المالك شرط في البيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: لعموم الوفاء بالعقود»

لا مجال للاستدلال علي المدعي بدليل وجوب الوفاء فان الامر بالوفاء ارشاد الي اللزوم و دليل اللزوم لا يمكن أن يكون دليلا علي الصحة و بعبارة اخري: اللزوم حكم مترتب علي العقد الصحيح فلا يمكن

دليلا علي أصل الصحة.

«قوله قدس سره: و قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

قد ظهر مما تقدم ان المستفاد من الآية الشريفة ان السبب المملك منحصر بالتجارة الصادرة عن المالك فلا اثر للتجارة الصادرة عن غير المالك و لو كان المالك راضيا.

«قوله قدس سره: و لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه»

لو فرض كون سند الحديث تاما لا يبعد أن يكون المستفاد منه بحسب الفهم العرفي التصرفات الخارجية و علي فرض الاغماض عن هذه الجهة أيضا لا يبعد أن يكون الظاهر من الحديث تصرف نفس المالك فلا يشمل تصرف الغير في مال الاخر.

«قوله قدس سره: و ما دل علي علم المولي»

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: اني كنت مملوكا لقوم و اني تزوجت امرأة حرة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدد نكاحي ايّاها حين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 283

اعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا انّك تزوجت امرأة و انت مملوك لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ قال: فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

و لاحظ ما رواه أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث المكاتب قال: لا يصلح له أن يحدث في ماله الا الاكلة من الطعام و نكاحه فاسد مردود قيل: فانّ سيده علم بنكاحه و لم يقل شيئا فقال: اذا صمت حين يعلم ذلك فقد أقر قيل فان المكاتب عتق أ فتري يجدّد نكاحه أم يمضي علي النكاح الاول؟ قال: يمضي علي نكاحه «2».

و لاحظ ما رواه الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لابي

عبد اللّه عليه السلام: انّي كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي ثم اعتقني اللّه بعد فاجدّد النكاح؟ قال: فقال: علموا انّك تزوجت؟

قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك «3».

فان المستفاد من هذه النصوص ان نفس سكوت المولي امضاء لعقد العبد. و يرد عليه أولا: انه لا وجه للقياس بين المقامين فان العبد تزوج لنفسه غاية الامر يحتاج تزويجه الي اذن وليه و في المقام يبيع الاجنبي مال غيره الا أن يقال كلا المقامين مشتركان في كون العقد فضوليا محتاجا الي اذن الغير.

و ثانيا: ان المستفاد من النصوص المشار إليها كفاية السكوت عن الاجازة و في المقام الكلام في كفاية مجرد الرضا عن الاذن.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 284

و ثالثا: ان المستفاد من هذه النصوص حكم خاص في اطار مخصوص فلا وجه لتسرية الحكم الي غير ذلك المورد و لعل النكاح بلحاظ كونه أمرا مهما يختص بأحكام خاصة فلا وجه لاسراء حكمه الي غير مورد النكاح.

«قوله قدس سره: و رواية عروة البارقي»

يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا: انه يمكن ان عروة كان مأذونا عن النبي صلي اللّه عليه و آله في تلك البيوع فيكون بيعه خارجا عن الفضولي فلاحظ.

«قوله قدس سره: هذا مع ان كلمات الاصحاب»

لا اثر لكلماتهم فان غايته الاجماع و لا أثر له للقطع بكونه مدركيا و لا اقل من احتماله.

«قوله قدس سره: لكن ليس كل فضولي»

الامر دائر بين كفاية الرضا و خروج العقد به عن الفضولي و

توقفه علي الاجازة و قد تقدم عدم كفاية الرضا الباطني فلا اشكال في التوقف علي الاجازة.

«قوله قدس سره: كما هو احد الاحتمالات فيمن باع»

الكلام فيه هو الكلام فلاحظ.

[المشهور الصحة]
اشارة

«قوله قدس سره: و المشهور الصحة»

ما يمكن أن يقال في تقريب تماميته وجوه
الوجه الأول: الشهرة الفتوائية.

و فيه انه قد ثبت في الاصول عدم كون الشهرة الفتوائية حجة.

الوجه الثاني: الاصل

بتقريب: انه نشك في اشتراط مقارنة العقد مع الرضا و الاصل عدمه. و يرد عليه أولا: انه لا مجال للاصل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 285

مع الدليل الاجتهادي و مقتضي ظاهر قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

كما مرّ ان السبب الوحيد لجواز تملك مال الغير صدور التجارة الناشية عن الرضا عن المالك و المفروض عدم تحقق العقد بهذا النحو و ان المالك لم يبع

و ثانيا: ان الاصل العملي لا مجال له في الامور الوضعية فان غاية ما يستفاد من الاصل أي استصحاب عدم الاشتراط ان الشارع الاقدس لم يشترط الشرط الفلاني و لا يترتب علي الاستصحاب المذكور الاطلاق الا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

الوجه الثالث: حديث العروة بن جعد البارقي

قال: قدم جلب فاعطاني النبي صلي اللّه عليه و آله دينارا فقال اشتر بها شاة فاشتريت شاتين بدينار فلحقني رجل فبعت احدهما منه بدينار ثم أتيت النبي صلي اللّه عليه و آله بشاة و دينار فرده عليّ و قال: بارك اللّه لك في صفقة يمينك و لقد كنت اقوم بالكناسة أو قال بالكوفة فاربح في اليوم اربعين ألفا «1».

بتقريب ان عروة كان مأذونا و وكيلا في اشتراء شاة و اشتراء شاتين ثم بيع إحداهما من الاخر فضولي و النبي صلي اللّه عليه و آله امضي ما فعله و ارتكبه فيكون الحديث دليلا علي صحة الفضولي.

و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا يكون قابلا للاستناد مضافا الي انه قضية شخصية و لا ندري ما وقع بينه و بين النبي صلي اللّه عليه و آله و الا كيف لم يعترض عليه النبي صلي اللّه عليه و آله في ارتكابه خلاف الشرع اذ لو كان فضوليا كان تصرفه في الشاتين تصرفا

في مال الغير ثم تصرفه في ثمن الشاة المشتراة حرام أيضا فان الفضولي كالغاصب.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 286

الوجه الرابع: اطلاق دليل صحة التجارة عن تراض

المستفاد من قوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ» «1».

بتقريب ان مقتضي الاطلاق كفاية تحقق العقد و تحقق الرضا و المفروض تحققهما. و فيه انه قد مر ان المستفاد من الآية و الرواية لزوم كون العقد صادرا عن المالك ناشيا عن الرضا و المفروض انتفاء كلا الامرين في الفضولي و لا اقل من احدهما اذ لا اشكال في أن العقد لا يصدر عن المالك في العقد الفضولي.

ان قلت: ان العقد و ان صدر عن غير المالك حدوثا و لكن الاجازة توجب انتساب العقد الصادر عن غير المالك الي المالك فكأن المالك باجازته للعقد الصادر باع ملكه من زمان العقد فالتجارة صادرة عن المالك ناشية عن الرضا.

قلت: المفروض ان العقد صادر عن غير المالك و من الظاهر ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه غاية الامر ان المالك رضي بما صدر عن غيره و مقتضي اطلاق دليل المنع عن بيع مال الغير عدم تأثير الاجازة اللاحقة كبقية الشروط مثلا بمقتضي الدليل البيع الغرري باطل و مقتضي اطلاقه كونه فاسدا و لو مع ارتفاع الغرر بقاء.

و ببيان واضح: ان البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي و كلا الامرين من الامور التكوينية و كيف يمكن انتساب الامر التكويني الصادر عن واحد الي شخص آخر فانه أمر غير معقول.

______________________________

(1) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 287

الوجه الخامس: قوله تعالي «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1»

بتقريب ان الاجازة اللاحقة توجب انتساب البيع السابق الي المجيز و بعد الانتساب و صيرورة البيع بيعا للمالك يصح بمقتضي حلية البيع. و الكلام فيه هو الكلام طابق النعل بالنعل.

الوجه السادس: قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «2»

بتقريب ان الخطاب في الآية الشريفة الي الملاك و المالك بعد اجازته للعقد الفضولي يصير في زمرة المخاطبين اذ بالاجازة يستند العقد الذي وقع فضوليا الي المالك فيشمله خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و يرد عليه ما اوردناه آنفا و قلنا المفروض ان العقد صدر عن غير المالك هذا من ناحية و من ناحية اخري الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالبطلان علي القاعدة.

و صفوة القول: ان العقد الصادر عن غير المالك لا يزول عنه هذا العنوان غايته يصير مرضيا به و أما الانتساب الي المالك فلا و كيف يمكن أن يصدق صدوره عن المالك و الحال ان العقد مركب من الامور التكوينية و الامر التكويني الصادر عن شخص لا يستند الي شخص آخر بالاجازة.

مضافا الي أن دليل وجوب الوفاء دليل للزوم العقد و لا يكون دليلا للصحة فلا مجال للاستدلال به عليها.

و تقريب المدعي ان الاهمال غير معقول في الواقع هذا من ناحية و من ناحية اخري لا ريب ان فسخ العقد لا يكون حراما تكليفيا فيكون ايجاب الوفاء ارشادا الي لزوم العقد و ان الفسخ لا يؤثر فلا بد من فرض وجود عقد في الرتبة السابقة كي يتعلق به الفسخ و هذا

______________________________

(1) البقرة/ 275.

(2) المائدة/ 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 288

العقد الذي يكون موضوعا للفسخ اما مطلق العقد أي أعم من الصحيح و الفاسد أو خصوص الصحيح أما الاطلاق فلا يمكن اذ كيف يمكن أن يحكم الشارع بلزوم العقد الفاسد فيكون المراد بالعقد

خصوص الصحيح فلا مجال لان يكون دليل وجوب الوفاء دليلا علي الصحة.

ان قلت: اذا حكم الشارع بلزوم عقد يفهم بالملازمة ان ذلك العقد صحيح. قلت: اذا كانت القضية خارجية يتم التقريب المذكور و أما ان كانت القضية علي نحو القضية الحقيقة كما هو كذلك فلا مجال لهذا البيان لان مرجع القضية الحقيقية الي الشرطية و التالي في الشرط لا يكون متعرضا لتحقق المقدم و عدمه بل يترتب عليه علي تقدير وجوده و لا يترتب علي تقدير عدم وجوده فلا بد من فرض وجود العقد صحيحا كي يترتب عليه الحكم باللزوم.

الوجه السابع: اخبار التحليل

لاحظ ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لانهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ «1».

و لاحظ ما رواه ابن مهزيار قال: قرأت في كتاب لابي جعفر عليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شي ء من حقي فهو في حلّ «2».

و لاحظ ما رواه الكناسي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام أ تدري من أين دخل علي الناس الزنا فقلت: لا ادري فقال: من قبل خمسنا اهل البيت الا لشيعتنا الاطيبين فانه محلّل لهم و لميلادهم «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 289

بتقريب ان ما يصل من حق الامام عليه السلام بالبيع و الشراء الي الشيعة من قبل المخالفين يكون حلالا لهم فيكون البيع الفضولي جائزا بالاجازة.

و فيه: ان اخبار

التحليل علي قسمين احدهما ما يدل علي عدم وجوب الخمس علي الشيعة كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام و هذا القسم لا يرتبط بالمقام بل المستفاد منه عدم وجوب الخمس علي الشيعة و يعارض هذا القسم ما يدل علي الوجوب و الترجيح مع دليل الوجوب و تفصيل الكلام موكول الي كتاب الخمس راجع ما ذكرناه في هذا المقام في كتاب الخمس من مباني منهاج الصالحين.

ثانيهما: ما يدل علي حلية ما وصل الي الشيعة من حقهم عليهم السلام لاحظ ما رواه يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا و الاموال و الارباح و تجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم «1».

فان المستفاد من الحديث انه ربما يعلم بوجود حق الامام عليه السلام فيما يصل إليه بالتجارة و الامام عليه السلام أجاب بالتحليل و عدم البأس و هذا القسم أيضا لا يرتبط بمسألة الفضولي بل المستفاد منه ان التصرف في حقه جائز و الشيعة في حل من قبلهم.

الوجه الثامن: النصوص الدالة علي جواز الفضولي في النكاح

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سأله عن رجل زوّجته أمه و هو غائب قال: النكاح جائز ان شاء المتزوج

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 290

قبل و ان شاء ترك فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه «1».

و لاحظ ما رواه ابو عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين قال:

فقال:

النكاح جائز ايّهما أدرك كان له الخيار فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر الا أن يكونا قد أدركا و رضيا قلت: فان أدرك احدهما قبل الاخر قال: يجوز ذلك عليه ان هو رضي قلت: فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه قال: نعم يعزل ميراثها منه حتي تدرك و تحلف باللّه ما دعاها الي أخذ الميراث الا رضاها بالتزويج ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر قلت: فان ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لان لها الخيار اذا أدركت قلت: فان كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك قال: يجوز عليها تزويج الأب و يجوز علي الغلام و المهر علي الأب للجارية «2».

بتقريب ان النكاح الفضولي اذا صح مع الاجازة اللاحقة مع كون النكاح أهم يجوز البيع الفضولي بالاجازة بالاولوية.

و فيه انه لا اشكال في كون النكاح أهم من البيع و لكن الاولوية المدعاة ممنوعة اذ يمكن ان الشارع الاقدس وسّع الامر في النكاح لسد باب الفجور و الزنا فهذا الوجه أيضا لا يثبت المدعي.

الوجه التاسع: ما رواه الحلبي

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ثوبا (و لم يشترط علي صاحبه شيئا فكرهه) ثم رده علي صاحبه فأبي أن يقيله الا بوضيعة قال: لا يصلح له أن

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 11 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 291

يأخذه بوضيعة فان جهل فأخذه فباعه باكثر من ثمنه رد علي صاحبه الاول ما زاد «1».

بتقريب ان

المستفاد من الحديث ان الاقالة بالوضيعة باطلة فالبيع الواقع بعدها فضولي و صحيح. و يرد عليه انه لم يتعرض في الرواية ان المشتري أجاز البيع كي يكون داخلا في الفضولي مضافا الي أنه لو كان داخلا في الفضولي لكان اللازم تسليم تمام الثمن الي المشتري و أخذ ما أعطاه أولا بعنوان الثمن و لذا نقول انه حكم وارد في مورد خاص و لا نعلم وجهه و يمكن أن يكون الوجه فيه ان المشتري بعد ما رضي بالوضيعة يكون راضيا ببيع ماله فلا يكون فضوليا فعلي كل تقدير لا يكون داخلا في كبري الفضولي فلاحظ.

الوجه العاشر: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السمسار أ يشتري بالاجر فيدفع إليه الورق و يشترط عليه انك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته و ما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت قال لا بأس «2».

بتقريب انه يحتمل في الحديث أن يكون السمسار وكيلا في الاشتراء و جعل الخيار للموكل و يحتمل أن يكون عمل السمسار بعنوان الفضولي فان أراد المالك يجيز و ان لم يرد و لم يجز و يرد العقد.

و يمكن أن يكون دفع الورق بعنوان القرض لان يشتري السمسار لنفسه ثم ان أراد المالك أن يشتري منه يشتري و ان لم يرد لا يشتري و حيث ان الامام عليه السلام في مقام الجواب لم يفصل يفهم من الاطلاق و عدم التفصيل جواز الفضولي بالاجازة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب احكام العقود.

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب احكام العقود الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 292

و فيه ان الظاهر و لو بمعونة التعارف الخارجي و هو التوكيل

فلا مجال للتقريب المذكور مضافا الي أنه لا مجال للاخذ بالإطلاق فان السؤال عن ناحية خاصة و الجواب يرجع الي تلك الناحية و المفروض ان ناحية السؤال مجهولة عندنا فيصبر الحديث مجملا غير قابل للاستدلال.

الوجه الحادي عشر: ما رواه ابن أشيم

عن أبي جعفر عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال:

اشتر بها نسمة و اعتقها عنّي و حج عنّي بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشتري أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق انما اشتريت أباك بما لنا و قال الورثة انما اشتريت أباك بما لنا و قال موالي العبد انما اشتريت أباك بما لنا فقال أبو جعفر عليه السلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد و أما المعتق فهو رد في الرق لموالي ابيه و اي الفريقين بعد اقاموا البيّنة علي انه اشتري أباه من أموالهم كان له رقا «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية ان الشراء ان كان بمال مالك العبد المعتق بالفتح يكون الشراء باطلا لانه اشتري بمال مالكه و ان كان بمال مالك العبد المأذون فالبيع صحيح اذ المفروض كون العبد مأذونا في التجارة و لكنه خارج عن مسألة الفضولي و ان كان بمال الميت فالبيع يكون فضوليا اذ المفروض ان البيع بعد موته و انتقال ماله الي الورثة و لم يكن العبد مأذونا منهم و المفروض اجازتهم و الدليل عليها مطالبتهم للعبد و الامام عليه السلام حكم بأنهم اذا اقاموا البيّنة بأنه اشتراه بمالهم يكون العبد رقا لهم فالرواية دليل

______________________________

(1) الوسائل الباب

25 من ابواب بيع الحيوان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 293

علي جواز الفضولي و تماميته بالاجازة. و هذه الرواية ضعيفة سندا بابن اشيم فلا أثر لها و ان كانت دلالتها تامة علي المدعي.

الوجه الثاني عشر: النصوص الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم

منها ما رواه أسباط بن سالم قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام كان لي اخ هلك فأوصي الي اخ اكبر منّي و أدخلني معه في الوصية و ترك ابنا له صغيرا و له مال أ فيضرب به اخي فما كان من فضل سلمه لليتيم و ضمّن له ماله؟ فقال: ان كان لاخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف فلا بأس به و ان لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مال اليتيم قال: العامل به ضامن و لليتيم الربح اذا لم يكن للعامل مال و قال: ان عطب أداه «2».

و منها ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

في رجل عنده مال اليتيم فقال ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و ان هو أتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن «3».

و منها ما رواه أسباط بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت: اخي أمرني ان اسألك عن مال اليتيم في حجره يتجر به فقال ان كان لاخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف أو أصابه شي ء غرمه له و الا فلا يتعرض لمال اليتيم «4».

و منها ما رواه زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: مال اليتيم ان عمل به الذي وضع علي يديه ضمن و لليتيم

ربحه

______________________________

(1) الوسائل الباب 75 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 294

قالا: قلنا له قوله «وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال انما ذلك اذا حبس نفسه عليهم في أموالهم فلم يجد لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم «1».

فان هذه النصوص تدل علي جواز اتجار غير الولي بمال اليتيم و هذا الجواز ان كان مع اجازة الولي يعلم ان البيع الفضولي مع الاجازة يصح و ان كان بدون اجازته يدل علي الصحة مع الاجازة بالاولوية.

و يرد عليه انه لم يفرض في الحديث صدور الاجازة عن الولي فلا ترتبط بالمقام و لا مجال للاولوية لانه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و مما يؤيد بل يدل علي عدم ارتباطها بالمقال انه عليه السلام حكم بأن الربح لليتيم و الخسارة علي العامل فان لم تصح المعاملة فما الوجه في كون الربح له؟ و ان صحت فما الوجه في عدم الخسارة عليه فيكون تعبدا خاصا من الشارع الاقدس في مورد مال اليتيم فلاحظ.

الوجه الثالث عشر: ما رواه محمد بن قيس «2»

و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي ان بيع الابن وليدة ابيه كان فضوليا و لكن المستفاد من كلامه عليه السلام انه يصح بالاجازة فدلالة الحديث علي المدعي تامة كما انه لا اشكال في سنده.

ان قلت: الحديث المشار إليه غير معمول به في مورده فكيف ببقية الموارد فان المفروض ان اجازة المالك للبيع بعد الرد و الاصحاب لا يرتبون الاثر علي الاجازة الواقعة بعد الرد.

قلت: لا دليل علي الرد فان مجرد اخذ الوليدة لا يكون دالا علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 75 من ابواب ما يكتسب به الحديث 5.

(2) قد

تقدم ذكر الحديث في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 295

رد البيع فتأمل مضافا الي أنه لا دليل علي الاشتراط المذكور فان الاجازة بعد الرد يؤثر مثل الاجازة قبل الرد و عدم عمل المشهور بالحديث لا يسقطه عن الاعتبار كما ذكرناه مرارا.

نعم يمكن أن يشكل الاستدلال بالحديث من ناحية اخري و هي ان العموم لا يستفاد من الحديث فلعل الفضولي في بيع العبيد و الا ماء مع الاجازة صحيح و أما في غيره فلا.

الوجه الرابع عشر: النصوص الدالة علي ان العامل في المضاربة

اذا خالف ما أمره به المالك يكون الخسران علي العامل و الربح بينهما منها ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال:

سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة و ينهي أن يخرج به فخرج قال يضمن المال و الربح بينهما «1».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في الرجل يعطي المال فيقول له: ائت ارض كذا و كذا و لا تجاوزها و اشتر منها قال: فان جاوزها و هلك المال فهو ضامن و ان اشتري متاعا فوضع فيه فهو عليه و ان ربح فهو بينهما 2.

و منها ما رواه ابو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعمل بالمال مضاربة قال: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف عن شي ء مما أمر صاحب المال «3».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف أمر صاحب المال «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4)

عين المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 296

و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة فيخالف ما شرط عليه قال هو ضامن و الربح بينهما «1».

و منها ما رواه الكناني قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج به الي الارض و ينهي أن يخرج به الي ارض غيرها فعصي فخرج به الي ارض اخري فعطب المال فقال هو ضامن فان سلم فربح فالربح بينهما «2».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا أن يخالف أمر صاحب المال فان العباس كان كثير المال و كان يعطي الرجال يعملون به مضاربة و يشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد و لا يشتروا ذا كبد رطبة فان خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن المال «3».

و منها ما رواه رفاعة بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مضارب يقول لصاحبه ان انت أدنته أو أكلته فانت له ضامن قال فهو له ضامن اذا خالف شرطه «4».

و منها ما رواه جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دفع الي رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشتري به غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما علي ما شرط «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) عين المصدر الحديث 7.

(4) عين المصدر الحديث 8.

(5) عين المصدر الحديث 9.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص:

297

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة و ينهاه أن يخرج الي ارض اخري فعصاه فقال: هو له ضامن و الربح بينهما اذا خالف شرطه و عصاه «1».

و منها ما رواه زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المضاربة اذا اعطي الرجل المال و نهي أن يخرج بالمال الي ارض اخري فعصاه فخرج به فقال هو ضامن و الربح بينهما «2».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن عيسي في (نوادره) عن ابيه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام كان للعباس مال مضاربة فكان يشترط أن لا يركبوا بحرا و لا ينزلوا واديا فان فعلتم فانتم ضامنون فابلغ ذلك رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاجاز شرطه عليهم «3».

بتقريب ان المستفاد من تلك النصوص صحة المعاملة المذكورة فان كانت الصحة متوقفة علي الاجازة تكون النصوص المشار إليها دالة علي صحة الفضولي و ان لم تكن متوقفة عليها تكون النصوص مؤيدة للمدعي.

و يرد عليه ان الحكم بالصحة هناك حكم خاص في مورد مخصوص و لا ترتبط تلك النصوص بمسألة الفضولي و الا لم يكن وجه لكون الخسران علي العامل فلاحظ.

الوجه الخامس عشر: ما رواه زرارة

عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذاك الي سيده ان شاء أجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون ان أصل النكاح فاسد و لا تحلّ اجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه السلام: انه لم يعص اللّه و انما

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب المضاربة الحديث 10.

(2) عين المصدر الحديث 11.

(3)

عين المصدر الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 298

عصي سيده فاذا أجازه فهو له جائز «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث علي المدعي: ان المفروض ان العبد تزوج بغير اذن سيده و الامام عليه السلام حكم بجواز تزويجه مع اجازة السيد معللا بأنه لم يعص اللّه و انما عصي سيده و اذا أجاز جاز.

فانه يعلم من الحديث ان كل عقد أو ايقاع اذا كان فاقدا لشرط من شرائط صحته فان كان المفقود من الشرائط التي اشترطها الشارع الاقدس و لم يكن مرتبطا بشخص كاشتراط عدم الغرر و عدم الجهالة و أمثالهما لا يكون الفاقد قابلا لان يصح و ان كان مرتبطا بشخص و حقا من حقوق الناس يصح الفاقد بلحوق اجازة من بيده الامر و مقامنا كذلك فان البيع الفضولي فاقد للاذن المالكي فيصح باجازة المالك فالنتيجة التفصيل بين الحق الخالقي و الحق المخلوقي فان فقدان القسم الأول يضر و فقدان القسم الثاني لا يضر لانه قابل لان يصح بالاجازة اللاحقة.

بقي شي ء و هو انه هل يمكن اعطاء سهم الامام عليه السلام بدون الاذن من الحاكم و هل يصح باجازة الحاكم الشرعي أم لا؟ الذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: ان لم يكن قصد القربة معتبرا في تأدية الخمس فلا وجه للاشكال اذ المفروض ان من عليه الخمس دفع سهم الامام عليه السلام الي من يكون موردا له و قد فرض لحوق اجازة الحاكم فيتم الامر.

و أما ان كان قصد القربة شرطا فتارة يحصل قصد القربة و يتحقق و لو من باب غفلة المعطي عن التنافي بين قصد القربة و الدفع بلا اذن من الحاكم و اخري لا يحصل أما في الصورة

الاولي فالكلام هو الكلام اي

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 299

يتم الامر بالاجازة اللاحقة من ولي الامر اي الحاكم و أما في الصورة الثانية فيشكل اذا المفروض ان المأمور به لم يتحقق بتمام معني الكلمة فلا مجال للحوق الاجازة.

و ان شئت قلت: كان الاعطاء فاقدا مضافا الي حق المخلوق حق الخالق أيضا فلا يكون قابلا لان يصح بالاجازة اللاحقة فلاحظ.

«قوله قدس سره: توهن بالنص الوارد» «1».

«قوله قدس سره: و يمكن أن يكون الوجه في ذلك»

الظاهر انه لا يمكن مساعدته فان الحكم بالصحة و عدمها بيد الشارع و الظاهر من كلام الامام عليه السلام ان جعل الحكم الواقعي روعي فيه الاحتياط لا الاحتياط في مقام الظاهر و الشك فلا يتم ما أفاده قدس سره و الذي يختلج ببالي القاصر ان النكاح في نظر الشارع أولي بجعل التوسعة فيه كي لا يتحقق الفجور و لا يكثر ولد الزنا.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أن الكلام في تأثير الاجازة المالكية و عدمها و أما اجازة الشارع الاقدس و حكمه بالصحة فهي لا ترتبط بمسألة الفضولي و بعبارة واضحة: ان المستفاد من الدليل ان اللّه تبارك و تعالي أنفذ البيع في هذا المورد كما أنفذه في بقية الموارد فلا مجال لتوهم ان المقام من مصاديق الفضولي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و احتج للبطلان بالأدلّة الاربعة»

ما يمكن أن يذكر في مقام الاستدلال علي بطلان الفضولي أيضا وجوه:
الوجه الأول: قوله تعالي

«وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوكالة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 300

إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» فان المستفاد من الآية الشريفة حصر سبب التملك في التجارة الناشية عن تراض

بشرط صدورها عن نفس المالك فلا اثر للتجارة عن تراض الصادرة عن غير المالك.

و الاشكال في الاستدلال بمنع الحصر كما في كلام الماتن غير سديد فانا ذكرنا ان الحصر يستفاد من الآية و لو علي القول بعدم كون الاستثناء متصلا.

الوجه الثاني: ما رواه محمد بن القاسم بن الفضيل

قال سألت أبا الحسن الاول عليه السلام عن رجل اشتري من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له ليمنعها اشد المنع فانها باعته ما لم تملكه «1».

بتقريب ان المستفاد من الرواية فساد بيع ما لا يملك و لذا نهي عن دفع المال إليه و فيه ان الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

الوجه الثالث: ما عن النبي صلي اللّه عليه و آله لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك «2»

فانه ارشاد الي فساد بيع غير المملوك. و فيه ان السند مخدوش فلا أثر للحديث.

الوجه الرابع: ما عن الحميري «3»

فان المستفاد من الحديث عدم جواز اشتراء الارض الا من مالكها و السند ضعيف بالارسال.

الوجه الخامس: ما رواه محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

(2) نقل عن سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب 19 الحديث 1332.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 243 و 244.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 301

و أهل الارض يقولون هي ارضهم و اهل الاسنان يقولون هي من ارضنا فقال: لا تشترها الا برضا أهلها «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث فساد الاشتراء الا مع رضا المالك فالاشتراء من الفضولي فاسد.

و فيه ان المستفاد من الحديث اشتراط صحة البيع برضا المالك و يمكن أن يكون بيع الفضولي برضا المالك.

الوجه السادس: الاجماع.

و فيه ان المحصل منه غير حاصل و المنقول منه غير حجة مضافا الي أنه علي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة.

الوجه السابع: ما دل من العقل و النقل علي حرمة التصرف في مال الغير بدون اذنه

و حرمة التصرف تستلزم الفساد.

و فيه ان العقل لا دخل له في استنباط الاحكام الشرعية و دين اللّه لا يصاب بالعقول و أما النقل فلا يدل علي حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير و انما الدليل قائم علي حرمة التصرف الخارجي مضافا الي أن المستفاد من النقل جواز التصرف في مال الغير مع رضاه و لا يلزم الاذن و يتصور أن يكون بيع الفضولي مع علمه برضا المالك و كون بيعه ناشيا عن رضاه فلا يكون فضوليا.

الوجه الثامن: ان القدرة علي التسليم شرط في صحة البيع و الفضولي لا يكون قادرا عليه.

و فيه أولا: ان المال ربما يكون في يد الفضولي فيكون قادرا علي تسليمه.

و ثانيا انه يكفي قدرة المالك عليه كما انه يكفي قدرة الموكل علي التسليم و لا يشترط قدرة الوكيل.

الوجه التاسع: ان الفضولي غير قاصد لمدلول اللفظ

فيكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 302

كالهازل. و فيه ان الامر ليس كذلك بل الفضولي قاصد للمعني كالمالك فلاحظ.

الوجه العاشر: ما عن عوالي اللآلي:

عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لا طلاق فيما لا تملك و لا عتق فيما لا تملك و لا بيع فيما لا تملك «1».

و تقريب الاستدلال واضح. و فيه أولا: ان السند ضعيف و ثانيا انه لا يبعد أن يكون المراد ان البيع لا بد أن يكون متعلقا بما يكون قابلا للملكية.

«قوله قدس سره: من دون مراجعة المشتري»

الظاهر انه لا بد تبديل لفظ المشتري بالبايع فان التصرف وقع في مال البائع.

«قوله قدس سره: و المشهور أيضا صحته»

ما يمكن أن يذكر في تقريب منع الرد عن الاجازة بعده وجوه
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: ان العقد ارتباط بين طرفيه

فلا بد من بقاء الالتزام في كل من الطرفين الي تمامية العقد كي يمكن تحقق الارتباط المذكور.

و فيه: ان طرف العقد في الفضولي غير المالك و هو الفضولي مضافا الي ما في أصل الدعوي فان القابل لو قبل ايجاب الموجب مع التحفظ علي الموالاة لكن بعد الرد يتحقق العقد بلا اشكال.

و بعبارة اخري: يلزم بقاء اعتبار الموجب الي زمان تحقق العقد و لا ينافيه ان القابل يرد ثم يقبل فغاية ما في الباب أن تكون الاجازة

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 15 ص 292 الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 303

كالقبول لكن الرد لا ينافي القبول.

الوجه الثالث: انه يوجد بعد العقد الفضولي شأنية و قابلية في المال لقبول المالك و اجازته

و المالك بمقتضي قاعدة سلطنة المالك علي ماله يمكنه سلب القابلية المذكورة.

و فيه انه لا يوجد في المال شي ء كي يفني بالرد.

الوجه الرابع: ان الاجازة بعد الرد كالرد بعد الاجازة

فكما انه لا أثر للثاني كذلك لا اثر للاول. و فيه انه قياس مع الفارق فان الاجازة توجب الانتقال فلا اثر للرد بعدها فان المالك بالاجازة يصير اجنبيا و لا يكون له حق في التصرف فيما انتقل عنه و أما الاجازة بعد الرد فهي مؤثرة علي القاعدة الاولية و عدم تأثيرها يحتاج الي قيام دليل معتبر.

الوجه الخامس: ان مستند صحة العقد الفضولي حديث البارقي

و الاجازة فيه لم يكن بعد الرد. و فيه ان القائل بالفضولي لا يكون دليله منحصرا في حديث البارقي كي يصح التقريب المذكور بل مستنده الادلة العامة مضافا الي النصوص الخاصة كحديث زرارة «1».

الوجه السادس: ان الرد فسخ و لا مجال للاجازة بعد الفسخ.

و فيه أولا: ان العقد قد تحقق بين الفضولي و الاصيل من الطرف الاخر و لا أثر لفسخ المالك.

و ثانيا: ان الكلام في العقد المسبوق بالرد و النهي و مجرد النهي السابق لا يقتضي الفسخ بعد العقد فان الفسخ من الامور الانشائية و يحتاج الي الابراز و مجرد عدم الرضا الباطني لا أثر له فتحصل من جميع ما تقدم ان الاجازة بعد النهي السابق علي العقد بل

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 304

الاجازة المسبوقة بالرد بعد العقد تؤثر لعدم الدليل علي تأثير النهي أو الرد فلاحظ.

«قوله قدس سره: حقيقية نظير المجاز الادعائي في الاصول»

كما لو قال جاء أسد و أراد بالاسد زيدا ففي المقام يقصد الغاصب المعاوضة الحقيقية غاية الامر يدعي ان مالك العين نفسه.

و يرد عليه انه اذا اراد تملك الثمن و قلنا لا يعقل خروج العين من كيس المالك و دخول الثمن في ملك الغاصب يكون البيع باطلا لانه لم يقصد ما به قوامه و قياس المقام بالمجاز في الاسناد مع الفارق اذ يمكن أن يقال ان المخبر يسند الفعل الي الاسد و يدعي ان زيدا أسد فلا يكون مجاز لا في الكلمة و لا في الاسناد اذ لفظ الاسد اريد منه الحيوان المفترس و الفعل اسند إليه غاية الامر يدعي المخبر و يري ان زيدا اسد.

و صفوة القول: انه لا اشكال في ان من يبيع مال الغير لنفسه يقصد

تملك الثمن فان قلنا بأن قانون المعاوضة يقتضي دخول كل من العوضين في مورد خروج العوض الاخر عنه لا يكون مثل هذا البيع قابلا للاجازة و ان لم نقل بذلك- كما لا نقول به- نقول ببطلان البيع المذكور أيضا اذ لا دليل علي صحته فان شراء شي ء للغير- كما لو اشتري شخص قرص خبز للفقير- أمر موافق للسيرة الجارية و أما بيع شي ء للغير بأن يكون الثمن للغير و المبيع للبائع فلا دليل عليه و مع عدم الدليل لا مجال لجريان الفضولي فيه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و العقل»

قد ذكرنا مرارا ان العقل لا دخل له في الاحكام الشرعية و الميزان اتباع الادلة الشرعية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 305

«قوله قدس سره: فإيجاب البيع ساكت عنه»

كيف يكون ساكتا عنه و الحال ان قوام البيع بنفس تملك الثمن في مقابل تمليك المبيع.

«قوله قدس سره: ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة»

المبادلة تتحقق بين العوضين و لا تتوقف المبادلة بينهما بأن يدخل احدهما في محل خروج العوض الاخر عنه نعم يتوقف الجزم بالصحة علي مساعدة اللغة و العرف و لذا قلنا لو اشتري احد بماله شيئا للغير كما لو اشتري رغيف خبز للسائل يصح البيع لصدق الاشتراء عليه عرفا و أما لو باع أحد داره للغير بأن يدخل الثمن في كيس الغير فلا نجزم بصدق البيع عليه و مع الشك في الصدق لا مجال للاخذ بدليل الامضاء فان الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية غير جائز مضافا الي أن مقتضي استصحاب عدم صدق المفهوم علي المصداق المشكوك فيه عدم كونه مصداقا للبيع.

«قوله قدس سره: من حيثية تقييدية ثابتة لنفس تلك الحيثية»

يقع الكلام تارة في الكبري و اخري في الصغري

أما الكلام في ناحية الكبري فنقول: الذي يختلج بالبال انه لا فرق بين الجهة التقييدية و الجهة التعليلية الا في مقام الاثبات و الدلالة و أما بحسب مقام الثبوت و اللب فلا فرق بين الامرين اذ العلة مقومة للحكم و لذا تخصص و تعمّم نعم الحكم لا يدور مدار حكمة الجعل و لذا تجب العدة حتي مع القطع بعدم الاختلاط بل حتي مع القطع بعدم الانزال فان تمام الموضوع لها التقاء ختانين.

و أما العلة فالحكم دائر مدارها وجودا و عدما فلا فرق بين الجهتين الا في مقام الاثبات فهذه الكبري كلام شعري و ليس تحتها شي ء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 306

و أما الكلام في الصغري فعلي فرض تمامية الكبري لا يتم الامر فيما هو محل الكلام اذ لا اشكال في أن البائع يملك العين للمشتري و ان كان فضوليا كما ان المشتري يتملك العين و ان لم يكن مالكا للثمن فمالك الثمن اذا أجاز فان أجاز ما وقع يكون علي خلاف قانون المعاوضة علي ما راموه من عدم المعقولية و ان أجاز غير ما وقع لا مجال للصحة لان المفروض ان ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع نعم علي ما سلكنا لا مانع من اجازة ما وقع و لا يتوجه الاشكال المذكور فلاحظ.

«قوله قدس سره: فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء»

تارة يقوم دليل شرعي علي الدعوي المذكورة في مورد و اخري يتكلم علي طبق القاعدة أما مع ورود نص عليه فلا كلام و لا اشكال فان الحكم الشرعي متبع و أما في الصورة الثانية فلا مجال للقول المذكور اذ كيف يمكن أن يتحقق التملك و التمليك في زمان

واحد.

و ببيان واضح: لا بد من تصور امور ثلاثة: الاول: التوكيل في التمليك من قبل المالك و قبول الوكالة. الثاني: التمليك من قبل الموكل وكالة و قبول الملكية اصالة. الثالث: البيع أو العتق و كل واحد من الامور المذكورة يتوقف علي الاخر و يتقدم التوكيل علي التمليك زمانا كما انه يتقدم التمليك علي البيع أو العتق زمانا.

«قوله قدس سره: فلما عرفت من منافاته»

و قد عرفت عدم المنافاة و لذا قلنا ان السيرة العقلائية جارية علي جواز اشتراء مالك الثمن شيئا للغير كاشتراء الخبز للسائل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 307

«قوله قدس سره: فليس للمشتري الرجوع علي البائع»

لا وجه لهذا القول اذ المفروض ان دفع الثمن الي الغاصب مبني علي المعاوضة و بعبارة اخري: المقام احد مصاديق العقد الفاسد و المفروض ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب الضمان.

و الوجه فيه ان ما يتحقق أمر ان احدهما: العقد ثانيهما: تسليم العوض أما العقد فلا أثر له اذ المفروض كونه فاسدا و أما دفع العوض فهو مبني علي ذلك العقد الفاسد كما لو كان العقد علي نحو المعاطاة للفاسدة فلا وجه لعدم الضمان و الرجوع علي القاعدة.

و ببيان واضح: ان المعاوضة فرضنا كونها متقومة بما يقوله الماتن و لا بد من دخول كل من العوضين في محل خرج عنه العوض الاخر لكن لا اشكال في أن التبادل في العوضين كان مقصودا في مورد المعاملة الفضولية و لم يقصد التمليك المجاني فلا وجه لسقوط الضمان فالرجوع الي الفضولي بعد رد المالك علي القاعدة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بالكشف فلا يتوجه اشكال»

هذا التفصيل انما يتم علي القول بالكشف الحقيقي الذي لا نقول و لا يقولون به

و أما علي التقدير الاخر فالكشف علي جميع تقاديره نقل في الحقيقة كما هو ظاهر عند الخبير فلا مجال لما أفاده.

«قوله قدس سره: الاول: انه لا فرق علي القول»

تارة يقع الفضولي علي الكلي الموجود في الذمة و اخري يقع علي الكلي ابتداء أما الصورة الاولي فلا اشكال فيها فانها من مصاديق الفضولي و يجري فيها ما يجري في غيرها بلا فرق اذ لا فرق بين وقوع العقد علي المملوك الشخصي و وقوعه علي الموجود في الذمة و أما الصورة الثانية فيمكن الاستدلال علي اتمامها بعموم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 308

التعليل المستفاد من حديث زرارة «1» فانه لا اشكال في جواز بيع الانسان الكلي المضاف الي ذمته اصالة فلا اشكال أيضا اذا بيع فضولا غاية الامر يحتاج اتمامه الي الاجازة فاذا اجاز من بيده الامر جاز فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يحتمل الغاء احد القيدين»

لا وجه لهذا الاحتمال فان التعارض يوجب السقوط اذ الاخذ بكلا الامرين غير ممكن و ترجيح احدهما علي الاخر بلا مرجح فيسقطان.

«قوله قدس سره: يوجب الغاء ما ينافيه»

مما تقدم آنفا ظهر فساد القول المذكور فان الجمع بين المتنافيين يوجب السقوط و لا وجه للاخذ بما تكلم به أولا و هذا العرف ببابك.

«قوله قدس سره: و لزمه اداء الثمن»

لا وجه له اذ المفروض ان العاقد قبل الثمن في ذمته لا في ذمة الغير فيدور الامر بين الصحة و كون الثمن في ذمة الفضولي، و بين الفساد رأسا و قد ذكرنا سابقا ان الاشتراء للغير اذا كان الغير راضيا كي لا يلزم التصرف في سلطانه بعد اذنه، يكون صحيحا.

«قوله قدس سره: الثاني الظاهر انه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي

بين البيع العقدي و المعاطاة»

الامر كما افاده فانه لا فرق بين العقد و المعاطاة من هذه الناحية فان الانشاء في العقدي باللفظ و في المعاطاة بالفعل فلا فرق بين الموردين و كون اقباض مال الغير محرم لا يكون مانعا عن تحقق العقد فان الحرمة التكليفية لا تدل علي الفساد الوضعي مثلا البيع

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 309

وقت النداء يكون حراما تكليفيا لكن يوجب الملكية مع اجتماع الشرائط.

«قوله قدس سره: فأفهم»

لعل الامر بالفهم اشارة الي أن الاجازة لو كانت كاشفة كشفا حقيقيا لكان مجال لما افيد و أما لو لم تكن كذلك بل كانت كاشفة كشفا حكميا فلا مجال له اذ قبل الاجازة لا تكون إباحة كي يقال ان الاباحة موجودة في الواقع فلاحظ.

[القول في الإجازة و الرد]
[أما الكلام في الإجازة]
[أما حكمها]
اشارة

«قوله قدس سره: أما حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي»

وقع الكلام بين الاعلام في أن الاجازة نافلة أو كاشفة فربما يقال: ان الاجازة ناقلة أي انهما جزء اخير للسبب فالاثر مترتب عليها و يحصل النقل بها فالاجازة كالقبض في بيع الصرف و السلم.

و ربما يقال: انها كاشفة و الآراء أيضا مختلفة فربما يقال: ان الاجازة علامة و أمارة لتأثير العقد في زمانه و لا موضوعية للاجازة أصلا و انما شأنها الامارية.

و ربما يقال ان العقد المتعقب بالاجازة المتأخرة مؤثر.

و ربما يقال: ان الاجازة كاشفة كشفا حكميا أي يكون اثرها ترتيب آثار الملكية من زمان تحقق العقد.

و ربما يقال: انها كاشفة كشفا انقلابيا أي بعد الاجازة تنقلب الملكية في عالم الاعتبار مثلا لو باع زيد دار بكر يوم الخميس فضولا و أجاز بكر بيع داره في يوم السبت تكون الدار الي ما قبل

الاجازة باقية في ملك بكر و أما بعد الاجازة فتصير الدار مملوكة للمشتري من يوم الخميس في عالم الاعتبار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 310

ان قلت: الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فكيف تنقلب الملكية بالاجازة؟ قلت: لا تنافي بين القاعدة العقلية و الالتزام بالانقلاب في المقام فان الانقلاب المحال الانقلاب الواقعي الذي يرجع الي الخلف و أما الانقلاب في المقام فهو انقلاب في عالم الاعتبار.

و يظهر المدعي في ضمن مثال و هو انه لو باع زيد داره من بكر من الامس بأن يقول بعتك داري من أمس فهل يلزم الانقلاب؟ كلا بل ما دام لم يبع تكون الدار مملوكة له في عالم الاعتبار و من زمان البيع تصير الدار مملوكة لبكر في وعاء الاعتبار فلا محذور عقلا هذه هي الاقوال المتصورة.

اذا عرفت ما تقدم نقول: لا دليل علي أن الاجازة أمارة و علامة بل المستفاد من الادلة العامة و الخاصة كون الاجازة ركنا مقوما للصحة و أيضا لا دليل علي أن العقد المتعقب بالاجازة مؤثر فان الاجازة ما دام لم تتحقق في الخارج لا مقتضي للصحة فهذا الاحتمال ضعيف.

بل الحق ان نقول: مقتضي القاعدة كون الاجازة كاشفة كشفا انقلابيا بتقريب: ان الاجازة من الامور التعلقية أي قد تتعلق بالامر الفعلي و اخري تتعلق بالامر الاستقبالي و ثالثة تتعلق بالامر السابق فان المالك يمكنه أن يأذن في بيع ملكه في الحال و يمكن أن يأذن في بيع ملكه في المستقبل و يمكنه من الزمان الماضي و قلنا ان اجازة بيع الفضولي كالبيع من السابق فلو باع زيد دار بكر فضولا في يوم الجمعة و بكر في يوم الاحد اجاز البيع الفضولي تكون اجازته

موجبة لصحة البيع من يوم الجمعة أي الشارع الاقدس في يوم الاحد يعتبر كون الدار من يوم الجمعة مملوكة للمشتري.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 311

و بعبارة واضحة: الاهمال غير معقول في الواقع فان البائع اذا باع دار زيد فضولا يوم الجمعة فاما يهمل في التمليك فانه لا يعقل و إما يملكها من زمان البيع و إما يملكها بعد يومين.

لا اشكال في أن البيع من اوّل زمان وقوعه و لا يكون البيع مثل الاجارة التي يمكن تعلقها بالمنفعة المستقبلة فالملكية تحققت في اعتبار الفضولي للمشتري الاصيل من يوم الجمعة و الاجازة الواقعة في يوم الاحد تتعلق بالبيع الواقع يوم الجمعة فالملكية تتحقق من ذلك اليوم و هذا معني الكشف الانقلابي أي الملكية الاولية تنقلب الي ملكية اخري.

و الفرق بين هذا القول و القول بالكشف الحكمي ان المراد بالكشف الحكمي ان آثار الملكية الي يوم الاحد للمالك و أما من يوم الاحد ففي حكم الشارع يحكم بكون الآثار للاصيل أي المشتري و أما علي القول بالانقلاب ففي يوم الاحد يحكم بكون الدار مملوكة للمشتري من يوم الجمعة.

و الوجه فيه: ان امضاء الشارع علي طبق اجازة المجيز و المفروض ان اجازة المالك تتعلق بالملكية الثابتة للمشتري من يوم الجمعة.

و يؤيد ما ذكرنا- لو لم يدل عليه- انه لو لم نقل بالانقلاب و قلنا بالكشف الحكمي نسأل انه بعد يوم الاحد هل تكون الدار مملوكة للمشتري أو تكون مملوكة للمالك لا سبيل الي الثاني فانه لا شبهة في كون الدار مملوكة للمشتري و علي الاول يتوجه السؤال بأنه بأي وجه صارت الدار مملوكة للمشتري اذ الامر منحصر في الاجازة فهذه الاجازة ان كانت مملكة تكون مملكة

من حين البيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 312

و ان لم تكن مملكة فما هو المؤثر في التمليك؟

و في المقام شبهة و هي: ان القبول اذا كان متأخرا عن الايجاب كما هو المتعارف يلزم أن يكون الملكية من زمان الايجاب فان الايجاب اعتبار الملكية من زمانه و القبول يتعلق بما أوجبه الموجب و الحال ان السبب مركب من الايجاب و القبول.

و أجاب عن الاشكال سيدنا الاستاد بأن الايجاب معلق علي القبول و أما الاجازة في الفضولي فلا يكون العقد المتقدم فضولا معلقا عليها و أما الايجاب فهو معلق علي القبول.

و يرد عليه: ان الايجاب عبارة عن تمليك العين في مقابل الثمن فالبائع يعتبر ملكية المبيع للمشتري و يعتبر ملكية الثمن لنفسه و القبول يتعلق بهذا الايجاب.

و ان شئت قلت: تعنون القبول بهذا العنوان يتوقف علي الايجاب فلو توقف الايجاب علي القبول لدار.

فالحق في الجواب أن يقال: ان مقتضي السيرة العقلائية و السيرة المتشرعية ترتب الاثر بعد تمامية العقد بايجابه و قبوله أي تترتب الملكية العقلائية و الشرعية بعد العقد و أما في باب الفضولي فالمستفاد من الادلة الخاصة كما تقدم تحقق الاثر من زمان العقد.

و مما يدل علي المدعي بالصراحة ما رواه ابو عبيدة «1» فان المستفاد من الحديث ان الزوجية كانت متحققة من حين العقد و أما لو كانت الاجازة ناقلة فلم يكن مجال لتحقق الزوجية بعد الموت فانقدح بما تقدم ان مقتضي القاعدة الالتزام بالكشف الانقلابي في الاجازة.

ان قلت: العبرة بالانفاذ و ترتيب الاثر بزمان المعتبر لا بزمان

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 190.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 313

الاعتبار فلا اثر لاختلاف زمان الاعتبار في رفع غائلة

اجتماع المتنافيين و لذا لا يمكن الالتزام بتعلق الوجوب و الحرمة بالخروج عن الدار الغصبية بأن نقول: الخروج قبل الدخول حرام و بعد الدخول واجب ففي المقام لا يمكن الالتزام بكون الدار مملوكة لمالكها في يوم الجمعة و أيضا مملوكة للمشتري لكن زمان الاعتبار مختلف.

قلت: فرق بين الحكم الوضعي و الحكم التكليفي فان الحكم التكليفي ناش عن الملاك في المتعلق فان كان الملاك المصلحة يكون المتعلق محبوبا و ان كان الملاك المفسدة يكون الفعل مبغوضا و لا يعقل أن يكون الفعل الواحد مبغوضا و محبوبا لاستحالة اجتماع الضدين و أما الحكم الوضعي فالملاك قائم بنفس الحكم و الجعل تابع للملاك الموجود فيه فيمكن أن يكون الجعل الفلاني ذا ملاك في زمان و لا يكون ذا ملاك زمان آخر فيمكن أن يكون جعل الملكية لزيد ذا ملاك بالنسبة الي زيد و نفس ذلك الجعل ذا ملاك بالنسبة الي بكر في زمان آخر و لا يلزم التضاد.

ان قلت: ان ما ذكرت يتم في القضايا الخارجية حيث انه ينفصل احد الاعتبارين عن الاعتبار الاخر فيمكن تصور الاختلاف فيه و أما الاحكام الشرعية فهي ثابتة من اوّل الشرع و الشريعة و كلها علي نحو القضايا الحقيقية فالاعتبارات باجمعها موجودة في زمان واحد أي في اوّل الشريعة فيلزم اجتماع المتنافيين في زمان واحد.

قلت: الاحكام الشرعية و ان كانت من قبيل القضايا الحقيقية و لكن الاحكام في تلك القضايا مترتبة علي وجود موضوعاتها و وزانها وزان القضايا الشرطية و التالي في الشرطية تابع وجودا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 314

و عدما لمقدمها فما دام الموضوع لم يكن متحققا في الخارج لا يترتب عليه التالي و المفروض ان الزمان يختلف

مثلا في يوم الجمعة موضوع اعتبار ملكية الدار لمالكها متحقق و مقتضي الاعتبار الشرعي كون الدار لمالكها و في يوم الاحد أي يوم الاجازة يتغير الموضوع و يتحقق موضوع ملكية الدار في يوم الجمعة للمشتري و الجعل الشرعي يتبعه فلاحظ.

و صفوة القول ان المستفاد من الادلة العامة علي القول بأن صحة الفضولي مع الاجازة مستفادة منها و النصوص الخاصة الواردة في الابواب المختلفة كون الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا انقلابيا أما تقريب الاستدلال بالأدلّة العامة علي المدعي فان البيع مثلا يقع في يوم الجمعة و البائع يعتبر ملكية المبيع للمشتري من ذلك اليوم و المالك في يوم الاحد يجيز البيع الفضولي الواقع في يوم الجمعة و الشارع الاقدس يعتبر هذه الاجازة و يمضيها فتكون النتيجة كون المبيع ملكا للمشتري الاصيل من يوم الجمعة غاية الامر ظرف الاعتبار يوم الاحد فان البيع يستند الي المالك في يوم الاحد و لا يتوجه أي اشكال كي يحتاج الي الجواب.

و بعبارة اخري: لا تكون الاجازة المتأخرة شرطا كي يقع الكلام في أن الشرط لا يمكن أن يتأخر و الا يلزم تأثير المعدوم في الموجود بل الاجازة توجب استناد العقد الصادر عن الفضولي الي المالك فكأن المالك باع في يوم الاحد من المشتري من يوم الجمعة.

هذا بحسب المستفاد من الادلة العامة و لكن قد تقدم منا انه لا يمكن الاستناد الي الادلة العامة و قلنا المستفاد من النص الخاص بطلان بيع مال الغير و اطلاق الدليل يقتضي البطلان و لو مع لحوق الاجازة نعم انما رفعنا اليد عن دليل المنع في صورة الاجازة اللاحقة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 315

بالنصوص الخاصة الواردة في المقام و من تلك النصوص ما

رواه ابو عبيدة «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان الاجازة المتأخرة تؤثر في تحقق الزوجية من زمان العقد كما ان المستفاد من حديث زرارة «2» كذلك.

فان المستفاد من قوله عليه السلام «انّه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجازه فهو له جائز» ان الاجازة تؤثر في تحقق الزوجية من زمان العقد و هذا هو المدعي في المقام فالنتيجة ان القول بالكشف و ان الاجازة كاشفة أمر علي طبق القاعدة الاولية مضافا الي أنه مستفاد من النصوص الخاصة.

و عن جملة من الاعيان الاستدلال علي الكشف بوجهين:
الوجه الاول: ان العقد بسبب تام للملك لعموم قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

«3» و تمامه في الفضولي انما يعلم بالاجازة فاذا أجاز تبين كونه تاما و يوجب ترتب الملك عليه و إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة بل به مع شي ء آخر.

و يرد علي الوجه المذكور أولا: ان دليل وجوب الوفاء بالعقد لا يكون دليلا علي الصحة بل دليل علي اللزوم كما ذكرناه سابقا و استدللنا عليه.

و ثانيا: انه ما المراد من كون العقد سببا تاما؟ فان كان المراد ان العقد بنفسه سبب تام و لا دخل للمالك في تحققه فهو خلاف الضرورة و ان كان المراد انّ العقد سبب تام اذا كان مقارنا مع رضا

______________________________

(1) لاحظ ص: 290.

(2) لاحظ ص 297.

(3) المائدة/ 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 316

المالك و كونه مستندا إليه فهو تام لكن الاجازة المتأخرة لا تكشف عن هذا المعني.

و ان شئت قلت: ان كانت الاجازة دخيلة في تحقق السبب فلا يتحقق المسبب الا بعد الاجازة و ان لم تكن دخيلة يلزم الخلف.

ان قلت: الشرط الشرعي غير الشرط العقلي فلا يلزم كونه مقارنا مع السبب قلت: مرجع هذا الكلام الي أن الامر المحال في الشرعيات جائز فالتناقض و ان كان

محالا عقلا و لكن التناقض الشرعي أمر جائز و فساد هذه الدعوي أوضح من أن يخفي.

ان قلت: تعقب العقد بالاجازة شرط لا نفس الاجازة و التعقب أمر مقارن مع العقد. قلت: هذا ينافي ظاهر الادلة فان المستفاد منها ان الشرط نفس الاذن و الرضا لا التعقب به.

ان قلت: الشرط لحوق الاجازة و اللحوق وصف حالي و مقارن مع العقد قلت: ما المراد من اللحوق فان كان المراد تحقق الوصف المذكور خارجا فيقال الاجازة لحقت بالعقد فلا ريب في تأخره عن العقد و قبل تحقق الاجازة لا يصدق انها لحقت بالعقد و ان كان المراد ان الشرط عنوان انه يلحق بعد ذلك و هذا العنوان فعلي و مقارن، فلا اشكال في مقارنته للعقد لكن لا دليل علي كفايته بل الدليل قائم علي موضوعية نفس الاجازة.

الوجه الثاني: ان الاجازة متعلقة بالعقد

و المفروض ان العقد تمليك من حينه فأثر الاجازة المتعلقة به تحقق الملكية من ذلك الحين فتكون الاجازة كاشفة.

و أورد عليه الشيخ قدس سره أولا: بأن العقد لا يكون تمليكا من ذلك الحين بل العقد حيث انه من الامور الزمانية يكون واقعا في ذلك الزمان الخاص فالزمان المشار إليه ظرف للعقد لا قيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 317

للتمليك كما أن ايجاب الموجب لا يكون تمليكا من زمان الايجاب و عليه يتحقق المسبب من حين الامضاء فكما ان الامضاء لو تعلق بالعقد في زمان تحققه بلا تأخير يتحقق المسبب من ذلك الزمان كذلك يتحقق المسبب من حين الاجازة فان زمان الاجازة زمان الامضاء الشرعي و كما ان الفسخ يكون ردا للعقد من حينه لا من أصله كذلك الاجازة.

و يرد علي الشيخ قدس سره انا قد ذكرنا مرارا ان الاهمال

غير معقول في الواقع فالبائع الذي يملك العين من المشتري لا بد من توقيت التمليك فاما يملكه من الزمان السابق و إما يملكه من الزمان اللاحق و إما يملكه من زمان العقد فاذا فرضنا ان تمليكه من زمان العقد كما هو كذلك و الاجازة تتعلق بما اعتبره و انشأه الفضولي تكون النتيجة حصول الملكية من ذلك الزمان و يترتب عليه الكشف.

و أما قياس الاجازة بالفسخ فمع الفارق فان الفسخ كالطلاق فكما ان الطلاق من الحين كذلك الفسخ. و بعبارة اخري: وقع الكلام بين القوم في أن الفسخ حل العقد من الاصل أو من الحين و المشهور عندهم انه من الحين و أما الاجازة فالمفروض تعلقها بما وقع سابقا فهي تابعة له.

و ببيان واضح: ان القاعدة الاولية تقتضي أن تكون الاجازة كاشفة و الا يلزم أن لا تكون الاجازة تابعة لما وقع و صدر عن الفضولي فيلزم الخلف.

ان قلت: مجرد رضا المالك بالمعاوضة بين ماله و مال المشتري يكفي في تحقق الاجازة فالمجيز لا يكون ناظرا الي زمان خاص فلا وجه للكشف.

قلت: المالك إمّا يلتفت الي ما فعل الفضولي و يجيزه و إمّا لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 318

يلتفت إليه أما مع الالتفات و الاجازة فلا اشكال في كونها تابعة للمجاز في جميع الخصوصيات و الا يلزم الخلف و أما مع عدم الالتفات فلا يكفي رضاه في الاجازة بل يكون اجنبيا عن العقد الفضولي بالمرة.

و أورد عليه ثانيا: ان الامر بالوفاء بالعقد لا يتوجه الي المالك الا بعد الاجازة و المفروض ان الحكم الوضعي ينتزع عن الحكم التكليفي فالملكية لا تحصل الا بعد الاجازة فكيف يمكن الالتزام بالكشف؟ و قس عليه قوله تعالي

«احل اللّه البيع» «1».

و الجواب عن الاشكال المذكور انه لا اشكال في أن الخطاب لا يتوجه الي المالك الا بعد الاجازة كما ان اطلاق حلية البيع لا يشمل انشائه الا بعد الاجازة لكن السر الوحيد فيما ندعي ان الاجازة أمر تعلقي يتعلق بأمر آخر و في المقام تتعلق بالبيع الفضولي و قلنا انها تابعة للمجاز و الا يلزم الخلف و المفروض ان البيع الفضولي تمليك من زمان الفضولي فالاجازة المتعلقة به في حكم البيع من السابق فكأن المالك قال بعت داري من المشتري الاصيل من الامس فلاحظ و اغتنم

و أورد عليه ثالثا: بأنا سلمنا ان المستفاد من الادلة الكشف الانقلابي لكن لا بد من رفع اليد عن الظهور اذ لا يمكن ابقاء الظهور بحاله مع منافاته لحكم العقل بعدم الامكان و المقام كذلك اذ يلزم خروج الشي ء عما هو عليه فان العقد الصادر عن الفضولي قد فرض غير مؤثر في حصول الملكية فكيف يمكن ان الاجازة تؤثر و تجعله مؤثرا فان مرجعه الي انقلاب الشي ء عما هو عليه و يكون غير المؤثر مؤثرا.

______________________________

(1) البقرة/ 275.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 319

و الجواب عن الاشكال المذكور ان العقد ما دام لا يكون مورد الاجازة لا يكون مؤثرا و في زمان الاجازة يكون مؤثرا، و لا ينقلب الشي ء عما هو عليه فان الانقلاب المحال ان نلتزم بكون العقد مؤثرا في زمان حدوثه و لا نقول به بل نقول حدث غير مؤثر و بقاء يكون مؤثرا فلا يلزم الانقلاب و لا يلزم المحال.

و العجب من الشيخ قدس سره كيف أورد الاشكال المذكور مع كونه خريت الفن و يشار إليه في جميع ميادين الفقه و الاصول و

لا غرو فان العصمة خاصة باهلها و في أثناء كلامه أمر بالتأمل بقوله فتأمل و لعله ناظر الي ان الامر في القبول كذلك و القبول كالاجازة في هذه الجهة و انما لا نقول بتحقق الملكية من زمان الايجاب للسيرة العقلائية و الشرعية علي عدم تحقق الملكية قبل القبول و اللّه العالم.

و المتحصل مما تقدم انه لو قلنا بان الدليل علي صحة الفضولي الادلة العامة كان مقتضي القاعدة كما تقدم كون الاجازة كاشفة كشفا انقلابيا و لكن قد تقدم منا الاشكال في تمامية الاستدلال بالأدلّة العامة و العمدة في الاستدلال علي الصحة النصوص الخاصة و العمدة فيها ما رواه زرارة «1».

فان المستفاد من التعليل الواقع في كلامه روحي فداه ان الميزان في مقابلية الصحة مع الاجازة عدم عصيان اللّه تعالي و أما مع عدم تحقق عصيانه تعالي فيكون ما وقع فضولا قابلا للصحة مع الاجازة و معها يجوز و يمضي و مقتضي اطلاق الجواز جواز ما انشأ الفضولي فيكون فعل الفضولي فعل المجيز بعد الاجازة و هذه الرواية هي العمدة في الاستدلال علي تمامية الفضولي بالاجازة.

و صفوة القول: ان المستفاد من كلامه عليه السلام انه لم يعص

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 320

اللّه و انما عصي سيدة ان الملاك الموجب للفساد و عدم قابلية ما وقع للصحة أن يكون عصيانا له تعالي و خلاف حقه.

و ان شئت قلت: التقسيم قاطع للشركة فالمانع الوحيد عدم رعاية الحق الالهي و أما الحق الخلقي فلا يكون مانعا فاذا ارتفع و اجيز ما وقع يصح.

و أما النصوص الخاصة الدالة علي الصحة في الموارد الخاصة كباب النكاح أو باب بيع العبيد و

الاماء فلا يمكن الاستدلال بها علي الكبري الكلية السارية في جميع الموارد، بقي الكلام في حديث أبي عبيدة «1» فانه قد أمر عليه السلام بعزل سهم غير المدرك الي أن تبلغ الجارية و في صورة اجازتها النكاح بعد الحلف يدفع إليها سهمها من الارث و الحال ان عزل السهم من الارث لا ينطبق علي القاعدة حتي علي القول بالكشف الحقيقي اذ مقتضي الاستصحاب الاستقبالي انها لا تجيز فلا وجه لحبس الحق عن بقية الورثة و لكن لا بد من العمل بالحديث تعبدا و علي كل تقدير لا يمكن أن يستفاد من الحديث الحكم الكلي في جميع الموارد و في جميع الابواب فالمدرك للكلية منحصر في حديث زرارة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و قد تحصل مما ذكرنا ان كاشفية الاجازة علي وجوه ثلاثة»

قد ظهر مما ذكرنا ان هنا وجها آخر للكشف و هو الكشف الانقلابي و هو الحق و قد تبين مما تقدم انه لا يتوجه به اي محذور و اشكال.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 290.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 321

«قوله قدس سره: فان الوطي علي الكشف الحقيقي حرام ظاهرا»

لاستصحاب عدم لحوق الاجازة فيكون حراما ظاهرا و أما بحسب الواقع فيكون حلالا فان المفروض تحقق الاجازة و هذا علي القول بالكشف الحقيقي و أما علي القول بالكشف الانقلابي فيكون الوطي حراما اذ قبل الاجازة تكون الامة مملوكة لمالكها فالوطي يكون مصداقا للزنا نعم بعد الاجازة يعتبر كونها مملوكة للمشتري من ذلك الوقت انما الكلام في الآثار المترتبة علي العصيان فهل ترتفع بالاجازة أم لا؟

و سيدنا الاستاد فرق بين الحد و التعزير و قال: أما الحد فيسقط بالاجازة و أما التعزير فلا أما

عدم الحد فلان الاجازة توجب اعتبار المرأة زوجة للاصيل من زمان العقد فوطئه اياها يحسب وطيا للزوجة و هذا معني الانقلاب و من الظاهر ان وطئ الزوجة لا يكون سببا للحد و أما التعزير فلان الحرمة لا تتبدل بالحلية بالاجازة كما ان المبغوضة لا تتبدل بعدمها.

و يمكن أن يناقش فيما أفاده بأنه لا اشكال في أن الحرمة لا تتبدل بالإباحة أما قبل الاجازة فظاهر و أما بعد الاجازة فقد انقضي ذلك الوقت و اعتبار الاباحة لفعل بالنسبة الي الزمان الماضي غير معقول.

و بعبارة اخري: الترخيص انما يعقل بالنسبة الي فعل قابل للوجود و العدم و أما اذا لم يكن قابلا- كما في المقام- فاعتبار الحكم لغو صرف لكن نقول بعد الاجازة ان المرأة يعتبر كونها زوجة للاصيل و تكون المرأة في وعاء الشرع زوجة للواطي في زمان الوطي و من الظاهر ان وطئ الزوجة لا يكون فيه تعزير كما لا يكون فيه حد نعم لا اشكال في كونه مستحقا للعقاب فان الاستحقاق للعقاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 322

ليس حكما شرعيا كي نقول بارتفاعه بالاجازة.

و للمناقشة في اصل الدعوي مجال و هو انه لا اشكال في تعنون الواطئ حين الوطي بكونه زانيا و عاصيا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و بعبارة اخري: لا اشكال في صدور الزنا عنه و من صار زانيا يستحق الحد فلا يسقط عنه الحد كما انه لا اشكال في صيرورته عاصيا و ساقطا عن العدالة فلا مجال لان يقال يسقط عنه الحد بالاجازة و الا يلزم أن يعود الي كونه عادلا و لو مع عدم التوبة و الندم و هل يمكن الالتزام به؟

و ببيان اوضح: مقتضي اطلاق

وجوب الحد علي الزاني وجوبه و عدم سقوطه و لو مع اعتبار الوطي وطيا للزوجة بقاء فان حدوث الزنا يكفي لترتيب الاثر بالإطلاق و لعمري ما اقول نعم القول فافهم و اغتنم.

«قوله قدس سره: و يحتمل عدم تحقق الاستيلاد علي الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك»

الظاهر ضعف الاحتمال المذكور فان مقتضي الكشف الحكمي ترتيب جميع الآثار و منها اعتبار الامة أم ولد.

«قوله قدس سره: مع احتمال كون النقل».

الاجازة التي تؤثر هي التي تصدر عن المالك الذي بيده الامر و المفروض انه بالنقل يصير أجنبيا عن العين فلا مجال لاجازته بعد ذلك هذا علي القول بالكشف الحقيقي و أما علي بقية الاقوال حتي الكشف الانقلابي فالامر اوضح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و علي المجيز قيمتها»

الظاهر انه لا مجال لما أفاده فان الاجازة الواقعة بعد النقل ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 323

كانت واقعة في محلها و تكون كاشفة عن بطلان النقل فانّه نقل مال الغير و ان لم تكن واقعة في محلها و كانت واقعة في غير محلها فلا اثر لها فعلي كلا التقديرين لا وجه لدفع قيمة أمّ الولد.

«قوله قدس سره: كما في الفسخ بالخيار»

القياس مع الفارق فان الفسخ حل العقد من الحين أي من حين الفسخ لا من الاصل و مقتضي الفسخ أن يرجع كل من العوضين الي صاحبه هذا من ناحية و من ناحية اخري التصرف من المالك في ملكه قبل الفسخ صادر من أهله و واقع في محله فيؤثر أثره و بعد الفسخ يعتبر ما نقل الي الغير تالفا بالتلف الحكمي و تصل النوبة الي البدل من المثل أو القيمة و أما الاجازة في المقام فتكون كاشفة عن الملكية من

وقت العقد فلا وجه للمقايسة بين المقامين فلا تغفل.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 323

«قوله قدس سره: مع احتمال الرجوع الي البدل»

أما علي الكشف الحقيقي فالرجوع الي البدل منحصر في الاتلاف التكويني الخارجي و لا يلحق به العتق اذ العتق وقع في ملك الغير و لم يصح فلا تصل النوبة الي البدل و أما علي الكشف الحكمي فلا مجال للاجازة اذ التلف تكوينا كان أو تشريعا لا يبقي مجالا للاجازة.

و بعبارة واضحة: في صورة تلف العين يكون مورد الاجازة- منعدما و ان شئت قلت: الاجازة تكون كالبيع من الزمان السابق و مع نقل العين الي الغير أو انعدامها خارجا لا مجال للبيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: فانه علي الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين»

الظاهر ان الامر كما أفاده فان اثر الكشف أن يكون نماء العين لمن انتقل إليه بخلاف النقل اذ النماء الحاصل قبل الاجازة مملوك لمن انتقلت العين عنه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 324

«قوله قدس سره: دون الكشف»

اذا كان كشفا حقيقا و أما علي القول بالكشف الحكمي فلا فرق بينه و بين النقل و في الحقيقة الكشف الحكمي هو النقل.

«قوله قدس سره: و هذا مبني علي ما تسالموا عليه من جواز ابطال احد المتعاقدين»

لا وجه لعدم الجواز لا تكليفا و لا وضعا أما تكليفا فلعدم الدليل علي حرمة الابطال و أما وضعا فابطاله علي القاعدة اذ يلزم بقاء المعاقدة و المعاهدة العقدية كي تكون قابلة لتعلق الاجازة بها و أما مع زوالها برفع يد احد الطرفين فلا موضوع

للاجازة.

«قوله قدس سره: لا مدخل لاختيار المشتري فيه»

قد ظهر مما ذكرنا انه مع فسخ الاصيل لا يبقي موضوع للاجازة فلا مجال للتقريب المنقول عن البعض.

«قوله قدس سره: فالاولي في سند المنع»

قد انقدح مما ذكرنا انه لا مجال للاخذ بالعموم و الاطلاق بعد الفسخ و رفع اليد عن المعاقدة و المعاهدة و لعله يشير الي ما ذكرنا بقوله «و لا يخلو عن اشكال».

«قوله قدس سره: و لعله لجريان عموم وجوب الوفاء»

لا مجال لهذا التقريب فانا قلنا ان دليل وجوب الوفاء ارشاد الي اللزوم و غير متكفل للصحة و من الظاهر ان اللزوم عارض علي الصحة و الحال ان العقد قبل الاجازة لا يكون صحيحا فلا مجال لهذا التقريب.

مضافا الي أن الوجوب التكليفي الذي يستفاد من كلام الشيخ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 325

انما يتصور فيما يكون العقد صحيحا و الا فلا مقتضي لوجوب الوفاء و ببيان واضح: العقد الفضولي قبل الاجازة اما صحيح شرعا و اما غير صحيح أما علي الاول فيلزم الخلف لان المفروض ان الاجازة لم تتحقق بعد مع انها مقومة لتحقق الامضاء الشرعي و أما علي الثاني فلا مقتضي للوجوب.

«قوله قدس سره: اقول مقتضي عموم وجوب الوفاء»

قد ظهر مما ذكرنا ان ما أفاده مشكل و انه لا مقتضي لوجوب الوفاء و ما أفاده بطوله و تفصيله لا يمكن المساعدة عليه.

«قوله قدس سره: و الحاصل انه اذا تحقق العقد فمقتضي العموم علي القول بالكشف»

أصل المبني فاسد و لذا يفسد البناء المبني علي الاساس الفاسد و صفوة القول: انه قبل تعلق الاجازة لا مقتضي لوجوب الوفاء و ببيان آخر: قبل تحقق الصحة و قبل تمامية الامضاء الشرعي لا الزام من قبل الشارع و

هذا واضح ظاهر.

«قوله قدس سره: ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة»

لا وجه للحرمة لا علي النقل و لا علي الكشف أما علي النقل فظاهر فانه قبل الاجازة لا تتحقق العلقة العقدية شرعا و مع عدمها لا موضوع للحرمة و أما علي الكشف فلان اصالة عدم تحقق الاجازة تقتضي عدم الصحة نعم لو علم بلحوقها تترتب الآثار علي القول بالكشف الحقيقي و لكن الكشف الحقيقي لا دليل عليه و مجرد فرض و خيال.

مضافا الي أن الفسخ لا اثر له فان المعاقدة تحققت بين الفضولي و الاصيل و لا تنفسخ الا بفسخهما أو بفسخ احدهما و أما فسخ احد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 326

الزوجين في النكاح أو المالك في البيع فلا أثر له فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي اشكال في الام»

الظاهر ان وجه الإشكال ان العقد اذا وقع علي البنت تتعنون الام بعنوان أم الزوجة و بمجرد تعنونها بالعنوان المذكور تحرم علي الزوج مؤبدا.

و قال السيد قدس سره في الحاشية: «ان الفسخ يكشف عن عدم تحقق الزوجية و لكن وجه التردد، التردد بين كون الفسخ كاشفا عن الفساد من أول الامر أو رافعا للعقد من الحين فعلي الاول لا تحرم و علي الثاني تحرم و الحق ان الفسخ كاشف عن الفساد من أول الامر فلا وجه للحرمة» انتهي.

و لا يكاد ينقضي تعجبي عن المقالة المذكورة فانا قد ذكرنا انه لا أثر للفسخ و مع ذلك لا وجه للحرمة اذ قبل الاجازة لا زوجية و لا ملكية و لا غيرهما فلا موضوع لهذه التفاصيل و الحق هو الجواز علي الاطلاق و بعبارة واضحة: اذا صارت المرأة زوجة للرجل تكون أمه محرمة علي الزوج و المفروض عدم

تحقق الزواج الشرعي فلا تغفل.

«قوله قدس سره: و في الطلاق نظر»

النظر ناش من أن المفروض ان الطلاق صادر من أهله و واقع في محله هذا من ناحية و من ناحية اخري الطلاق متوقف علي الزواج و المفروض عدم صحة الزواج قبل الاجازة فلا ترتفع المصاهرة.

ان قلت: اما تلحق الاجازة فالزوجية متحققة و اما لا تلحق فلا زوجية فلا وجه للحرمة. قلت: بعد صدور العقد عن الاصيل يجب عليه ترتيب الاثر عليه الي زمان تحقق الفسخ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 327

و لكن الحق عدم تمامية التقريب المذكور فان الاجازة اما كاشفة كشفا حقيقيا و اما لا تكون كاشفة أما علي الاول فالزواج متحقق فالطلاق واقع في محله و أما علي تقدير كون الاجازة ناقلة فلا موضوع للطلاق نعم علي القول بكون الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا و احتمال لحوق الاجازة، يكون الطلاق باطلا لعدم الجزم به.

و فيه أولا: ان الطلاق التعليقي لا مانع عنه و لا دليل علي بطلانه و ثانيا ان مقتضي الاستصحاب الاستقبالي عدم تحقق الاجازة.

«قوله قدس سره: و الطلاق هنا معتبر»

يمكن أن يكون الوجه في اعتبار الطلاق انه اذا اطلق الزوج يدل طلاقه علي اجازته للعقد الفضولي و مع تحقق الزوجية يكون الطلاق صحيحا و مؤثرا.

و يرد عليه أولا: انه يتوقف علي التفات الزوج لوقوع العقد فاجازه و ثانيا: انه كيف يمكن وقوع الطلاق و الاجازة بلفظ واحد مع ان الطلاق يتوقف علي تحقق الزوجية في الزمان السابق.

«قوله قدس سره: و عن كشف اللثام نفي الاشكال»

لعل معني العبارة انه نفي الاشكال عن الحرمة في حق المباشر.

«قوله قدس سره: و قد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الاصيل»

قد ظهر مما

ذكرنا انه لا مجال لهذه الدعوي و انه لا موضوع للزوم من الطرف الواحد فان اللزوم مترتب علي الصحة و قبل الاجازة لا صحة فلا لزوم فلا مقتضي لترتب حكم من أحكام المصاهرة لا وضعا و لا تكليفا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 328

«قوله قدس سره: ما لو انسلخت قابلية»

لقائل أن يقول: انه مع انسلاخ القابلية لا مجال للاجازة فلا موضوع لهذا البحث مضافا الي أنه لا أصل للقول بالكشف كي تصل النوبة الي بيان هذه الثمرات و بعبارة اخري: علي القول بالنقل لا يبقي مجال للاجازة مع انسلاخ القابلية و أما علي الكشف فربما يقال بأن صحة الاجازة تتوقف علي قابلية الاجازة فلا مجال لها أيضا مضافا الي أنه لا دليل علي الكشف الحقيقي.

«قوله قدس سره: كما لو تجددت الثمرة و بدا صلاحها»

بيع الثمرة قبل بدو صلاحها باطل علي كلا التقديرين فلا مجال لعده من الثمرات و بعبارة اخري: لا يصح بيع المعدوم فلا فرق بين الكشف و النقل: ان قلت: الثمرة حين العقد معدومة فلا يصح العقد عليها و لكن حين الاجازة موجودة فيصح العقد عليها فتظهر الثمرة.

قلت: العقد الفضولي يلزم أن يقع صحيحا كي يكون قابلا لان يعرضها الاجازة و ببيان واضح الاجازة لا تكون معاملة مستأنفة بل انفاذ لما وقع فضولا فلا بد من أن نفرضها صحيحة و الا فلا تكون قابلة للانفاذ و الاجازة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و فيما قارن العقد فقد الشروط ثم حصلت و بالعكس»

اذا فرض فقدان العقد بعض الشروط كما لو كان غرريا و ارتفع حين الاجازة لا تؤثر الاجازة فيه فان العقد الفضولي حين وقوعه لا بد أن يقع صحيحا كي يكون قابلا لان

يجاز بالاجازة اللاحقة و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 329

مع بطلان العقد من ناحية فقدان بعض الشروط أعم من أن يكون من ناحية فقدان شرط من شروط العقد أو فقدان شرط من شروط المتعاقدين فلا يمكن أن يجاز بالاجازة اللاحقة نعم لو كان المجيز فاقدا لبعض شرائط التصرف قبل الاجازة و حين الاجازة كان واجدا أو كان حين الاجازة واجدا و بعد الاجازة صار فاقدا تكون الاجازة مؤثرة لان الميزان بكون الاجازة صادرة عن الذي يكون قابلا للتصرف.

و لما انجر الكلام الي هنا ينبغي أن يذكر ميزان كلي و هو انه في كل مورد يجوز لمن بيده الامر حين الاجازة ايقاع العقد ابتداء يجوز له أيضا اجازة العقد الواقع فضولا مثلا اذا فرضنا انه باع الفضولي العبد المسلم من مسلم اصيل ثم ارتد المشتري فهل يكون الاجازة جائزة أم لا؟ أما علي النقل فلا يجوز لانه لا يجوز نقل المسلم الي الكافر علي الفرض و لا فرق فيما نقول بين القول بالنقل المحض و القول بالكشف الحكمي لان المفروض ان الاجازة ناقلة و لا يجوز نقل المسلم الي الكافر.

و أما علي الكشف الحقيقي فالظاهر جوازه لان المفروض كون الاجازة كاشفة عن تحقق الملكية في زمان البيع و لم يكن مانع عن النقل في ذلك الزمان و قس علي بيع العبد المسلم من الكافر بيع المصحف من الكافر.

و اذا باع الفضولي منا من الحنطة و قبل الاجازة تلفت الحنطة فعلي الكشف تكون الاجازة المتأخّرة مؤثرة و أما علي النقل فلا اثر للاجازة اذ المفروض ان البيع من زمان الاجازة مستند الي المالك و لا يكون للمالك بيع المعدوم و المفروض ان الحنطة المبيعة

معدومة حين الاجازة و قس بقية الموارد علي الموردين المذكورين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 330

ففي كل مورد يكون العقد جائزا ابتداء، تكون الاجازة صحيحة و الا فلا.

«قوله قدس سره: و كما يشعر به بعض اخبار المسألة»

لا يبعد أن يكون ناظرا الي حديث ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السلام عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال: اشتر بها نسمة و اعتقها عني و حج عني بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشتري أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميّت فحج عنه و بلغ ذلك موالي ابيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق انّما اشتريت أباك بما لنا و قال الورثة انما اشتريت أباك بما لنا و قال موالي العبد انما اشتريت أباك بما لنا فقال أبو جعفر عليه السلام:

أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد و أما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه و أي الفريقين بعد اقاموا البيّنة علي أنه اشتري أباه من اموالهم كان له رقا «1».

و الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: مضافا الي فحوي خبر تزويج الصغيرين»

الجزم بالفحوي و الاولوية مشكل فانا ذكرنا سابقا انه يمكن ان المصلحة تقتضي التسهيل في باب النكاح و علي الجملة لا وجه للتعدي.

«قوله قدس سره: مضافا الي اطلاق رواية عروة»

و قد تقدم الاشكال في رواية عروة سندا و دلالة فراجع.

«قوله قدس سره: الا ان الارجح في النظر ما ذكرناه»

الانصاف انه لا رجحان فيما أفاده فان الكشف لا دليل عليه و أما علي النقل فلا مجال للاجازة بعد الانسلاخ لعدم الدليل علي امكان

______________________________

(1)

الوسائل الباب 25 من ابواب بيع الحيوان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 331

الاجازة بعد الانسلاخ فان عمدة دليل صحة الفضولي حديث زرارة «1» و لم يفرض في تلك الرواية صورة انسلاخ القابلية فلا مجال للقول بالصحة بعد الانسلاخ.

«قوله قدس سره: و ربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات»

بأن يقال المدار في خيار العيب بزمان العقد علي القول بالكشف و بزمان الاجازة علي القول بالنقل مثلا لو كانت العين صحيحة حين العقد و لكن تعيبت بعد ذلك فعلي الكشف لا خيار علي الفرض و علي النقل يثبت خيار العيب لان زمان الاجازة زمان النقل و المفروض ان العين معيبة.

و كذلك تظهر الثمرة في اختلاف القيمة الموضوع لخيار الغبن فانه علي الكشف لا بد من ملاحظة ذلك الزمان و علي النقل يكون الميزان زمان الاجازة.

و أما خيار المجلس فقال السيد قدس سره في الحاشية: «و كذا بالنسبة الي خيار المجلس فانه بناء علي الكشف يكون المدار علي زمان العقد و علي النقل علي زمان الاجازة» انتهي.

و الذي يختلج بالبال أن يقال: انه لا تظهر الثمرة بين الكشف و النقل بالنسبة الي خيار المجلس فان المستفاد من ادلة خيار المجلس ثبوته للبائع و المشتري فالميزان مجلس العقد علي كل حال و من ناحية اخري لا مقتضي لثبوت الخيار للفضولي فان الفضولي أقل رتبة من الوكيل في مجرد اجراء الصيغة و الاصحاب لا يلتزمون بثبوت الخيار له.

نعم لو كان المالك حاضرا في مجلس العقد لا يبعد أن يقال بثبوت الخيار له و للاصيل لكن هذا علي فرض الاجازة و أما مع عدم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 332

الاجازة

فلا خيار كما انه لو لم يكن حاضرا في مجلس العقد يشكل الالتزام بالخيار و لو مع الاجازة أعم من القول بالكشف أو بالنقل فانه لا اعتبار بمجلس الاجازة نعم اذا طال مجلس العقد الي زمان الاجازة و المجيز في زمان الاجازة كان حاضرا في مجلس العقد لا يبعد أن يكون الخيار ثابتا له و للمشتري الاصيل.

«قوله قدس سره: و حق الشفعة»

فعلي القول بالكشف يكون مبدأ الحق زمان العقد و علي النقل زمان الاجازة و بعبارة اخري: علي القول بالكشف يثبت الحق بعد العقد و علي النقل يتحقق الاثر أي يترتب الحق بعد الاجازة.

«قوله قدس سره: و احتساب مبدأ الخيارات»

فخيار الحيوان مثلا يكون مبدأ الثلاثة فيه علي الكشف من زمان العقد و علي النقل من زمان الاجازة.

«قوله قدس سره: و معرفة مجلس الصرف و السلم»

بأن يقال علي الكشف الميزان مجلس العقد فلا بد من القبض في مجلس العقد و علي النقل يكون المناط مجلس الاجازة.

و أفاد السيد في الحاشية «لا اعتبار بمجلس الاجازة بل لا بد من بقاء مجلس العقد الي حين الاجازة».

و الحق ان يقال: المناط بمجلس العقد و لا يلزم بقائه الي حين الاجازة بل يكفي القبض في مجلس العقد لان العقد يلزم أن يكون جامعا للشرائط الخالقية فاذا تحقق العقد مع جميع قيوده و شرائطه يكون قابلا للحوق الاجازة به و لا دليل علي بقاء مجلس العقد الي حين الاجازة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 333

«قوله قدس سره: و الايمان و النذور».

بأن يحلف أو ينذر أن يتصدق جميع ما يملكه يوم الجمعة فباع الفضولي داره يوم الخميس و أجاز البيع يوم الاحد فعلي الكشف لا يكون تصدق الدار واجبا اذ

المفروض عدم كونها مملوكة له يوم الجمعة و علي النقل يجب فلاحظ.

«قوله قدس سره: وجهان»

الظاهر ان وقوع الامضاء الشرعي علي طبق اجازته ذو وجهين و الحق انه لا وجه للصحة فان المستفاد من الادلة عموما و خصوصا ان الاجازة اذا تعلقت بالعقد الفضولي علي ما هو عليه تؤثر و الا فلا و عليه لا وجه للصحة.

و يمكن أن يكون المراد من العبارة انه بعد فرض عدم وجه للصحة فهل يمكن الالتزام بتأثير الاجازة و صيرورة العقد مؤثرا علي ما هو عليه؟ وجهان.

احدهما: انه لا أثر لها اذا كان التقييد الواقع في كلام المجيز مضيقا لدائرة الامضاء فانه لا يمكن الالتزام بالصحة اذ المفروض ان العقد لم يجز و المجاز لم يقع و يمكن الالتزام بالجواز بأن نقول اذا كان ذكر القيد بعنوان الداعي فانه يصح العقد بالاجازة لان المفروض ان من بيده الامر اجاز العقد غاية الامر الذي يدعوه الي هذا الامر تحقق الملكية مثلا أو الزوجية من الزمان الكذائي و تخلف الداعي لا يضر بالانشاء فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ظاهر رواية البارقي»

قد تقدم انه لا اعتبار بحديث البارقي فانه ضعيف سندا و قاصر دلالة و لكن لا يحتاج الي الدليل بل مقتضي القاعدة الاولية كفاية إنشاء الاجازة بما يكون مصداقا عرفيا بلا فرق بين اللفظ و الفعل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 334

و بلا فرق في اللفظ بين كونه صريحا أو ظاهرا أو كناية.

«قوله قدس سره: و منه اجازة البيع الواقع عليه»

يشكل ما أفاده لان اجازة العقد الواقع علي الثمن يتوقف علي كون الثمن ملكا له و كونه ملكا له يتوقف علي اجازة العقد الاول فكيف يمكن الالتزام بأن اجازة العقد الواقع

علي الثمن اجازة للعقد الواقع علي المثمن و بعبارة واضحة: دخول الثمن في ملكه يتوقف علي اجازة العقد السابق و اجازة العقد الثاني تتوقف علي كون الثمن داخلا في ملكه فزمان ملكية الثمن متقدم علي زمان اجازة العقد الواقع عليه ففي زمان واحد كيف يمكن الجمع بين الامرين.

«قوله قدس سره: و كتمكين الزوجة»

الكلام فيه هو الكلام و الاشكال فيه هو الاشكال فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هو يشبه المصادرة»

مضافا الي أنه لا يشترط اللفظ في البيع و لذا نقول يتحقق البيع بالمعاطاة كما يتحقق بالعقد اللفظي بلا فرق.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

اذ الاستقراء لا يقتضي تحقق المدعي فان المعاطاة كالعقد اللفظي في ترتب الاثر و السيرة العقلائية الممضاة شرعا جارية عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و النصوص»

يمكن أن يكون مراده من النصوص الروايات التي يشير إليها في طي كلامه و لا بد من ملاحظة تلك النصوص كي نري بأنه هل يستفاد منها المدعي أم لا و كيف كان مقتضي القاعدة عدم كفاية مجرد الرضا أما العموم و الاطلاق كقوله تعالي «احل اللّه البيع» فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 335

يشمل مجرد الرضا لانه يلزم أن يستند العقد الي من بيده الامر كي يشمله الدليل و مجرد الرضا بالعقد لا يقتضي الاستناد و أما النصوص فهي لا تدل علي كفاية الرضا.

«قوله قدس سره: لا من جهة سببية الفعل تعبدا»

الفعل كالقول في كونه مبرزا عن الاعتبار و قابلا لان ينشأ به و لا يرتبط بالتعبد و لا دليل علي كفاية الرضا و ببيان واضح: الاجازة كالبيع أمر انشائي و مجرد الرضا النفساني لا يكون إنشاء.

«قوله قدس سره: صح و لم يعبروا بالاجازة»

لا يبعد أن يكون مرادهم

بالرضا الاجازة لا مجرد الرضا القلبي.

«قوله قدس سره: دونها خرط القتاد»

لا نحتاج الي الاجماع بل الادلة الاولية كافية لاثبات المدعي مضافا الي أنه لا يترتب علي الاجماع المذكور أثر اذ علي تقدير تحققه و تحصيله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن قول المعصوم عليه السلام.

«قوله قدس سره: أقوي حجة في المقام»

العمومات لا تفيد اذ قبل تحقق الاجازة من قبل من بيده الامر لا يستند العقد إليه و مع عدم الاستناد إليه لا يتحقق شي ء و لا يصح العقد الفضولي.

«قوله قدس سره: في عدة أخبار»

منها ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: اني كنت مملوكا لقوم و اني تزوجت امرأة حرة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدد نكاحي اياها حين اعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا انك تزوجت امرأة و انت مملوك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 336

لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ قال: فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

و يمكن أن يقال بأن تحقق الاقرار بالسكوت بعد العلم بالنكاح بالتعبد الشرعي مضافا الي أن الكلام في كفاية مجرد الرضا و لو مع عدم الابراز و الحال ان السكوت في مثل هذه المقامات نحو امضاء فلا يثبت المدعي بهذه الاخبار.

«قوله قدس سره: و ما دل علي أن قول المولي لعبد المتزوج بغير اذنه طلق»

لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عن ابيه عن آبائه عن علي عليهم السلام انه أتاه رجل بعبده فقال ان عبدي تزوج بغير اذني فقال علي عليه السلام لسيده: فرّق بينهما فقال السيد لعبده

يا عدو اللّه طلق فقال له علي عليه السلام: كيف قلت له؟ قال: قلت له طلق فقال علي عليه السلام للعبد: اما الآن فان شئت فطلّق و ان شئت فأمسك فقال السيد يا أمير المؤمنين امر كان بيدي فجعلته بيد غيري قال: ذلك لانك حين قلت له طلّق اقررت له بالنكاح «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

«قوله قدس سره: و علي أن المانع»

لاحظ ما رواه زرارة «3» فان المستفاد من الحديث لزوم الاجازة حيث قال «فاذا اجازه فهو له جائز» و مقتضي مفهوم الشرط انه لا يجوز مع عدم الاجازة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 337

«قوله قدس سره: و ما دل علي أن التصرف»

لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشتترط أم لم يشترط فان أحدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث قال: ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء … الحديث «1».

و لا يبعد ان يستفاد من هذه الرواية ان مجرد الرضا الباطني بالعقد و بقائه يكفي في سقوط خيار الحيوان و لكن لا يترتب علي الحديث الكلية السارية في جميع الموارد بل حكم خاص وارد في اطار مخصوص مضافا الي أنه هل يمكن الالتزام بكفاية الرضا الباطني حتي في مورد سقوط خيار الحيوان فكيف ببقية الموارد.

«قوله قدس سره: بعد

ظهور الاجماع»

لا أثر للاجماع المدعي فانه علي فرض تحصيله محتمل المدرك فلا يكون معتبرا و مؤثرا.

«قوله قدس سره: ما يسقطهما»

اذا انشأ احد المتعاقدين كما لو باع داره من زيد و زيد قال لا اريد و بلا فصل قبل فهل يكون باطلا فانه لا وجه له مضافا الي أن القياس مع الفارق فان رد المالك لا يوجب فسخ العقد فضولا اذ المعاقدة قائمة بالمتعاملين و المالك اجنبي عن هذه الجهة.

«قوله قدس سره: هذا مع ان مقتضي سلطنة الناس علي أموالهم»

مرجع الكلام المذكور الي أن المالك يمكنه الغاء الاهلية عن العقد الفضولي فان العقد الفضولي له أهلية لان تلحقه الاجازة

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 338

و المالك يلغي الاهلية و اذا كان الغاء الاهلية ممكنا له يمكنه أن يسقط العقد عن الاعتبار من أول الامر بأن يجعله غير مؤثر و غير قابل للاجازة من أول الامر و هل يمكن الالتزام به؟

مضافا الي أنه لا دليل علي هذه الدعوي أي لا دليل علي أن السلطنة علي المال يقتضي ذلك و بعبارة واضحة: أي دليل دل علي سلطنة المالك علي الالغاء.

«قوله قدس سره: الصحيحة»

لاحظ ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قضي في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما ثم قدم سيدها الاول فخاصم سيدها الاخير فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير اذني فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشده المشتري فقال خذ ابنه يعني الّذي باع الوليدة حتي ينفذ لك ما باعك فلما أخذ البيع الابن قال ابوه ارسل ابني فقال: لا ارسل ابنك حتي ترسل ابني فلما رأي ذلك

سيد الوليدة الاول اجاز بيع ابنه «1».

«قوله قدس سره: لا مثل اخذ المبيع»

لم افهم وجه الفرق فان أخذ المبيع كعتق المبيع في كونه من لوازم ملك المبيع فما هو الفارق بين المقامين و لعل مراده من العبارة ان الذين صرحوا بحصول الفسخ مرادهم غير أخذ المبيع فلاحظ.

«قوله قدس سره: فليطرح»

لا وجه لطرح الحديث أو تأويله اذ لم يقم في قباله دليل معتبر كي يرفع اليد عنه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 339

«قوله قدس سره: فقولنا له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع»

و ان شئت قلت: قولهم له أن يجيز مثل قولهم له أن يستطيع و له أن يسافر و بعبارة اخري: يمكن للمكلف ايجاد موضوع جملة من الاحكام الوضعية و التكليفية و لا يكون معناه انه حق له و بعبارة واضحة: لا مانع من قبل الشارع عن ايجاد الموضوع.

«قوله قدس سره: فلو مات المالك لم يورث»

لعدم الدليل عليه بل ذكرنا في محله انه لا دليل معتبر علي إرث الحقوق فراجع ما ذكرناه في هذا المقام من كتابنا «مباني منهاج الصالحين».

«قوله قدس سره: يظهر بالتأمل»

يظهر الاثر في موردين: احدهما: فيما لو باع الفضولي ما يحرم عنه بعض الورثة كالزوجة بالنسبة الي العقار فعلي القول بعدم كونه حقا و غير قابل للارث لا ترث منه الزوجة و أما ان قلنا بأنه من الحقوق القابلة للانتقال و قلنا بقيام الدليل علي أن الحق يورث ترث الزوجة من الحق المذكور و ان كانت محرومة من إرث المبيع.

ثانيهما: انه وقع الكلام بينهم في أن الحق كيف يورث فقول بأن الوارث الطبيعي فكل من سبق الي اعماله

يؤثر أثره و قول بأن الوارث مجموع الورثة و قول بأن إرث الحق بمقدار الارث من المال فلو قلنا بكونه حقا يورث يقع فيه الاحتمالات الثلاثة المذكورة و ان قلنا بأنه لا يورث يكون لكل من ورثة العين الاجازة في مقدار انتقل إليه علي طبق القاعدة الاولية علي كلام في امكان التبعيض.

[اجازة البيع لا تكون اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع]
اشارة

«قوله قدس سره: اجازة البيع ليست اجازة … »

في هذا التنبيه فروع
اشارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 340

الفرع الأول: انه أفاد الشيخ قدس سره ان اجازة البيع لا تكون اجازة لقبض الثمن و لا لاقباض المبيع

و الامر كما أفاده فان أحد الامرين أجنبي عن الاخر و لا وجه لكون اجازة العقد اجازة لامر آخر كالقبض و الاقباض.

الفرع الثاني: انه هل تجري الفضولية في الافعال الخارجية كالقبض و الاقباض أو لا تجري؟

الذي يختلج ببالي القاصر و فكري الفاتر انها لا تجري و لا يقاس الفعل الخارجي علي المعاملات الاعتبارية.

و بعبارة واضحة: انهم يدعون ان الفضولي لو باع دار زيد فضولا من بكر أو انكح المرأة الفلانية من شخص ثم أجاز العقد من بيده الامر توجب الاجازة اللاحقة استناد ما صدر عن الفضولي الي المجيز فكأن مالك الدار بالاجازة باع داره من زمان وقوع العقد و كأنّ المرأة المزوجة فضولا باجازتها أنكحت نفسها من ذلك الشخص من زمان وقوع النكاح و هكذا و هكذا.

و انا استشكلنا في التقريب المذكور و قلنا العقود المعاملية امور تكوينية مثلا البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي و كلا الامرين امران خارجيان و فعلان تكوينيان نعم متعلق الاعتبار أمر اعتباري فكيف يمكن أن يستند الامر التكويني الصادر عن احد الي غيره بالاجازة.

ان قلت: فما تقول في الوكالة و الاذن؟ قلت: قام الدليل القطعي علي جواز التوكيل و الاذن و النصوص وافية الدلالة علي المدعي مضافا الي السيرة الخارجية العقلائية الممضاة من قبل الشارع الاقدس فلا وجه للمقايسة مضافا الي أن القبض و الاقباض أمران خارجيان و ليس فيهما شائبة الاعتبار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 341

ان قلت: فكيف سلمتم جواز الفضولي و صحة الاجازة كما سبق؟

قلت قد استندنا في جوازه و صحته بالاجازة بالنص الخاص اي حديث زرارة «1» و لا يستفاد من ذلك الحديث جواز تعلق الاجازة بالامور التكوينية الخارجية كالقبض.

ان قلت: لا اشكال في تحقق القبض و الاقباض بالاذن السابق الصادر

عمن بيده الامر فيكون الاجازة اللاحقة مثله. قلت: لا وجه للمقايسة بين المقامين و القياس ليس من مذهب الامامية فما أفاده سيدنا الاستاد قدس سره في هذا المقام من قياس الاجازة اللاحقة بالاذن السابق لا وجه له فلاحظ.

الفرع الثالث: ان الفضولي لو اقبض المعين من المشتري

و المالك أجاز البيع و علم بالاقباض و رضي به فهل يصدق القبض و يترتب عليه الآثار كسقوط الضمان لو تلف قبل القبض أم لا؟

و انعقاد هذا الفرع متفرع علي عدم صحة الاجازة بالنسبة الي القبض كما سبق و قلنا لا دليل علي صحتها و لا يبعد أن يقال بأن القبض الموضوع للحكم كسقوط الضمان يحصل بالرضا و الاذن اللاحق و ذلك لان أصل القبض قد حصل علي الفرض و يكون المال مقبوضا بالفعل و يكون مرضيا به من قبل المالك و يكون المقام مثل ما لو كان مال شخص عند آخر فاشتراه منه فهل يجب أن يرد المال و ثانيا يقبضه منه؟ لا اظن أن يلتزم بهذا اللازم فقيه هذا بالنسبة الي المبيع.

و أما بالنسبة الي الثمن فكونه مقبوضا من الفضولي لا أثر له و المفروض عدم تحقق القبض من قبل البائع و قد فرضنا عدم صحة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 342

الاجازة بالنسبة إليه فما دام لم يصل الي يد المالك لا يترتب عليه الاثر.

و بعبارة واضحة: قبض الثمن من قبل البائع لم يتحقق نعم اذا قلنا مجرد رضا المالك يكفي في رفع الضمان و كان المالك راضيا بقبض الفضولي يحصل المطلوب و لكن علي هذا لا فرق بين قبض الفضولي و كونه باقيا في يد الاصيل.

و ببيان آخر: ان مرجعه الي كون المالك راضيا بعدم

القبض و اكتفائه بهذا المقدار فلا بد من ملاحظة الدليل و ان أي مقدار يقتضي؟ و هل يسقط الضمان بهذا المقدار؟

ان قلت: يمكن للمالك أن يسقط الضمان المعلق علي عدم القبض قلت: هذا اسقاط لما لم يجب اذ الضمان متفرع علي التلف و المفروض انه لم يتلف ان قلت: ما المانع عن اسقاط ما لم يجب فانه يسقط الضمان الذي سيوجد غاية الامر علي نحو التعليق.

قلت: لا بد من وجود الدليل علي جوازه و الا فمقتضي الاصل الاولي عدم تأثير الاسقاط المشروط و لا يخفي ان هذا التقريب انما يتم لو قلنا بعدم انفساخ العقد بتلف الثمن و اما ان قلنا بأن العقد ينفسخ بتلف الثمن فلا تصل النوبة الي الاسقاط أي بانفساخ العقد يرجع المبيع الي ملك المالك الاصلي فلاحظ.

الفرع الرابع: انه هل تجري الفضولية في تشخيص الكلي في الفرد

و هل تكون الاجازة مؤثرة أم لا؟ فنقول: تتصور لهذا الفرع صور الصورة الاولي: أن يبيع الفضولي الكلي في ذمة زيد كمن من حنطة ثم يشخص الكلي في ضمن من شخصي مملوك لزيد فالذي يختلج بالبال عجالة انه لا بأس به و يصح مع الاجازة اللاحقة بأن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 343

يجيز زيد أو لا اصل المعاملة ثم التشخيص المذكور فان التشخيص نحو معاوضة أي معاوضة بين الكلي و الشخص الخارجي و فرضنا ان الفضولي يصح بالاجازة مثلا اذا باع الفضولي عباء زيد بدرهم ثم اشتري بالدرهم منا من الحنطة و المالك أجاز العقد الاول أولا ثم اجاز العقد الثاني الظاهر انه لا بأس به و المقام كذلك.

الصورة الثانية: أن يبيع الفضولي منا من الحنطة في ذمة زيد ثم شخص الكلي في منّ من الحنطة الخارجية المملوكة لنفسه و من له

البيع أجاز كلا الامرين فالظاهر صحته أيضا و لا أري فيه اشكالا.

الصورة الثالثة: أن يكون الثمن كليا من قبل الاصيل ثم شخصه في شخص و دفعه الي الفضولي و من بيده الامر أجاز كلا الامرين فالظاهر أيضا صحته اذ لم يظهر وجه للبطلان.

الفرع الخامس: انه لو باع الفضولي ما يشترط فيه القبض في المجلس

و لكن لم يحصل القبض فهل يكون العقد المذكور قابلا للاجازة و هل يكون القبض حين الاجازة كافيا أم لا؟ الظاهر انه لا يكون قابلا للاجازة فان الاجازة كما ذكرنا سابقا انما تؤثر فيما يكون المجاز تاما و كاملا من جميع الشرائط و تكون الشرائط الشرعية الالهية كاملة.

و بعبارة اخري: العقد الفضولي لا بد أن يكون جامعا للشرائط كي يكون قابلا للاجازة و الا فلا و حيث ان المفروض ان القبض شرط في مجلس العقد و قد فرض عدمه فلا أثر للاجازة و تحقق القبض حين الاجازة لا أثر له فان المستفاد من الدليل اشتراط القبض في مجلس العقد و البيع و المفروض ان البيع تحقق سابقا و الاجازة لا تكون بيعا بل الاجازة انفاذ البيع السابق.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 344

و الذي يدل علي ما نقول ان البيع ليس من الايقاعات بل من العقود و اذا كان اجازة المالك بيعا فيلزم أن يتحقق الاشتراء أيضا و الحال ان الاشتراء قد تحقق حين العقد و لا يكون اشتراء جديدا.

الفرع السادس: انه لو باع الفضولي ما يشترط فيه القبض و قد حصل القبض

فأجاز المالك العقد و لم يجز القبض أو قلنا بأن اجازة القبض لا أثر لها كما قلنا فهل تكون الاجازة مؤثرة أم لا؟

الظاهر انها مؤثرة اذ المفروض ان الشرائط الراجعة الي حق اللّه كانت حاصلة حين العقد فالعقد الواقع حين الفضولي كان جامعا لجميع الشرائط و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالاجازة تؤثر اثرها و بتقريب آخر: ان البيع قد وقع جامعا للشرائط الالهية و الاجازة لا تكون بيعا جديدا و عقدا مستأنفا بل الاجازة توجب نفوذ العقد السابق فيكفي كون العقد في ظرفه جامعا للشرائط.

الفرع السابع: انه افاد سيدنا الاستاد بأن النزاع في الكشف و النقل لا يجري في القبض

و كل عقد يشترط فيه القبض يتحقق الاثر فيه بعد الاجازة و بعبارة اخري: اجازة القبض كقبض المجيز فكما ان قبض المجيز يكون جزءا متمّما لحصول الملكية و قبله لا يحصل الانتقال كذلك الاجازة فاجازة القبض تكون ناقلة دائما و لا يتصور فيها الكشف بتقريب ان القبض لا يكون من الامور التعلقية كي يؤثر في الواقع سابقا فلا مجال لجريان بحث الكشف و النقل في القبض.

و لا يكاد ينقضي تعجبي انه كيف صدر عنه التقريب المشار إليه فان القبض لا يكون أمرا تعلقيا و لكن الاجازة امر تعلقي يتعلق بالقبض السابق كما انها يتعلق بالبيع السابق مضافا الي أن لازم كلامه انه لو باع الفضولي مال زيد بالبيع الذي يشترط فيه القبض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 345

و لم يحصل القبض يصح باجازة البائع اذا حصل القبض حين الاجازة و هل يمكن الالتزام به؟

و علي فرض الالتزام به يلزم جواز العقد الفضولي فاقدا لشرائط الصحة الشرعية اذا توفرت الشرائط عند الاجازة و الالتزام بهذا اللازم الفاسد ينافي صريح حديث زرارة حيث قال الامام عليه السلام «فانه

لم يعص اللّه و انما عصي سيده».

فان المستفاد من الحديث ان عصيان اللّه غير قابل للاصلاح و من الظاهر ان القبض في الصرف و السلم شرط إلهي و خالقي لا خلقي فلاحظ.

الفرع الثامن: لو أجاز العقد دون القبض فيما يشترط فيه القبض

فهل تصح الاجازة بالنسبة الي العقد و توجب ردّ القبض أم تبطل اجازة العقد فلا يصح فنقول: اذا قلنا بأن القبض غير قابل للإجازة كما سبق فلا أثر لرد القبض و أما ان قلنا بأنه تصح اجازة القبض فان قلنا بأنه يمكن التفكيك بين الاجازتين فالنتيجة صحة العقد و بطلان القبض و ان قلنا بأنه لا يمكن التفكيك فالظاهر بطلان العقد اذ المفروض انه لا يصح العقد بدون القبض و المفروض ان القبض مردود فلا يمكن تصحيح العقد.

«قوله قدس سره: فالاقوي تداركه بالخيار أو اجبار المالك علي أحد الامرين»

لا مجال لا للخيار و لا للاجبار علي أحد الامرين أما الخيار فانه متفرع علي صحة العقد و لزومه و الحال ان العقد لا يصح الا بالاجازة و مع عدم الصحة لا موضوع للزومه فلا وجه للخيار.

و أما اجبار المالك فأيضا لا وجه له و لكن الذي يهون الخطب انه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 346

لا يكون الاصيل ممنوعا عن التصرف أما علي النقل فواضح فان الانتقال يحصل بالاجازة و أما علي الكشف فمقتضي الاستصحاب عدم تحققها فيجوز له التصرف فيما انتقل عنه و علي فرض العلم بالاجازة يجوز التصرف فيما انتقل إليه فانه ملكه علي الفرض فلا اشكال.

[هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد]
اشارة

«قوله قدس سره: السابع هل يعتبر في صحة الاجازة مطابقتها للعقد»

اقول: الاجازة تارة تطابق العقد و اخري تخالفه و علي التقدير الثاني قد تخالفه بالتباين و اخري تخالفه بالكلية و الجزئية و ثالثة بالإطلاق و الاشتراط

فهنا صور أربعة:
أما الصورة الاولي

فلا اشكال في صحة العقد بها علي ما هو المقرر من أن الاجازة تفيد الصحة.

و أما الصورة الثانية

فلا اشكال في فساد الاجازة و لا اثر لها كما هو ظاهر.

و أما الصورة الثالثة

فأفاد الشيخ بأنها تفيد و توجب نفوذ العقد بالمقدار المجاز و تبعه سيدنا الاستاد و تقريب الاستدلال علي المدعي: ان وقوع البيع علي المركب يوجب انحلاله بانحلال الاجزاء فكل جزء مبيع و يترتب عليه حكمه فلا مانع عن المخالفة أي المخالفة بالكلية و الجزئية فلو باع الفضولي دار زيد من الغير يمكن للمالك اجازة البيع بالنسبة الي نصف الدار أو ثلثها و هكذا غاية الامر يثبت خيار تبعض الصفقة للمشتري الاصيل.

و يرد علي هذا التقريب أولا: بالنقض و ثانيا بالحل أما النقض فانه يلزم علي التقريب المذكور أن يثبت للبائع و المشتري في بيع المركب كبيع الدار خيار المجلس باعتبار كل جزء منه فيكون لكل منهما خيار بالنسبة الي النصف و الثلث و الربع و هكذا و هل يمكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 347

الالتزام بهذا اللازم؟ و هل يلتزم القائل بالتعدد في المبيع؟

و أما الحل فان بيع الدار بيع واحد و هكذا بقية الموارد و ربما يكون المبيع متعددا و ثمن كل واحد من المتعدد معين و انما يجمع البيوع المتعددة في إنشاء واحد و هذا الفرض خارج عن محل الكلام نعم يتعدد البيع بتعدد البائع فتعدد البيع يتحقق أما بتعدد البائع أو بتعدد المشتري أو بتعدد المبيع و أما مجرد كون المبيع مركبا فلا يوجب تعدد البيع و لا دليل عليه لا من العرف و لا من الشرع و ما نقول موافق مع ما اختاره السيد قدس سره في الحاشية و نعم المؤيد هو.

و أما الصورة الرابعة فلها أقسام متصورة
القسم الأول: أن يكون العقد مشروطا بفعل

كما لو باع الفضولي دار زيد من بكر بشرط أن يختم قرآنا و المالك أجاز البيع بلا شرط فالظاهر عدم صحة الاجازة بلا فرق بين كون المدرك

في صحة الاجازة الادلة العامة أو النص الخاص و ذلك لان ما صدر عن الفضولي ما اجيز فلا يستند ما صدر عنه الي المجيز كما ان قوله عليه السلام في حديث زرارة «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجاز جاز»

لا يشمله.

القسم الثاني: أن يشترط الفضولي الخيار علي الاصيل و المالك أجاز العقد مطلقا

فالكلام فيه هو الكلام طابق النعل بالنعل و القول بأنه تجاوز عن حقه فما وجه عدم الصحة لا يرجع الي محصل صحيح فان ثبوت الحق له يتوقف علي الاجازة و المفروض انه لم يجز المشروط فلا حق له كي يتجاوز عنه.

و الحاصل: انه لا يمكن الالتزام بالصحة لا مشروطا و لا مطلقا أما مشروطا فلعدم المقتضي و أما مطلقا فلعدم التطابق بين الاجازة و المجاز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 348

القسم الثالث: أن يشترط الفضولي شرطا علي الاصيل و أجاز المالك بلا شرط

و الكلام فيه هو الكلام.

القسم الرابع: أن يبيع الفضولي مطلقا و المالك يجيز العقد مشروطا

كما لو باع الفضولي دار زيد من بكر بلا شرط و أجاز المالك العقد مشروطا بفعل كزيارة المشهد الرضوي مثلا فهل تصح الاجازة أم لا؟ الظاهر هو الثاني و عدم الصحة في الفرض المذكور أوضح.

و اذا فرض ان الاصيل قبل الشرط فهل يصح أم لا؟ الظاهر هو الثاني اذ المفروض ان العقد الواقع مطلقا لا ينقلب عما هو عليه و المفروض انه لم يتحقق عقد مستأنف فما وقع يجز و ما اجيز لم يقع.

و صفوة القول: ان المستفاد من كلام الامام عليه السلام في حديث زرارة انه لا بد من أن ما وقع فضولا يقع مورد الاجازة كي يصح و أما اذا اختلف المجاز مع الاجازة فلا يستفاد من الحديث كونه تاما بل المستفاد من مفهوم الشرط انه مع اختلاف الاجازة لا يصح العقد فلاحظ.

[الكلام في المجيز]
اشارة

«قوله قدس سره: يشترط في المجيز أن يكون حين الاجازة جائز التصرف»

و الوجه فيه ان الاجازة مؤثرة في ترتب الآثار فيلزم أن يكون المجيز جائز التصرف و بعبارة واضحة: الاجازة مثل البيع فكما أن البائع يلزم أن يكون جائز التصرف كذلك يلزم أن يكون المجيز جائز التصرف.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 349

«قوله قدس سره: و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل»

اذ علي القول بالكشف أيضا يلزم أن تصدر الاجازة ممن بيده الامر فلا فرق بين القولين من هذه الجهة كما أفاد.

«قوله قدس سره: اولهما للعلامة»

و أجاد فيما أفاد ذكرنا كرارا ان العقد الفضولي يلزم أن يكون جامعا للشرائط المقررة الخالقية كي يكون قابلا لان تلحقه الاجازة و المفروض ان عدم المفسدة أو وجود المصلحة شرط في بيع مال اليتيم فاذا فقد الشرط المذكور لا

يكون قابلا لان يجاز و ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه.

«قوله قدس سره: من انتقاضه بما اذا كان المجيز بعيدا امتنع الوصول إليه»

هذا الانتقاض غير وارد فان الكلام في فقدان الشرائط الشرعية و عدم بعد المالك ليس من الشرائط.

«قوله قدس سره: بمنع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه … »

الامر كما أفاده فان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و اذا كان العقد فاقدا لشرط من الشرائط يلزم فساده الا أن يقوم دليل في مورد خاص يدل علي الصحة و معني الامتناع ان الحكم مترتب علي موضوع خاص و سبب مخصوص و المفروض ان الواقع في الخارج مغاير معه فلا يكون قابلا للصحة.

«قوله قدس سره: مضافا الي الاخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا»

هذه الاخبار لا تدل علي مدعي الشيخ قدس سره فان الكلام في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 350

كون العقد الفضولي فاقدا لبعض الشرائط حين حدوثه و وجود الولي و من بيده الامر و امكان الوصول إليه عاجلا ليس من الشرائط المقررة الالهية فلا ربط بين المقام و بين تلك الروايات.

«قوله قدس سره: فانه لا حاجة الي الاجازة»

كيف لا يكون محتاجا إليها و الحال انه وقع فاسدا و فاقدا للشرط المقرر و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه بل مع الاجازة لا يصح لما ذكر.

«قوله قدس سره: للاصل»

الظاهر انه لا أصل للاصل المذكور فان مقتضي الاصل في جميع موارد الاحكام الوضعية البطلان و عدم ترتب الاثر المطلوب الا أن يكون المراد بالاصل القاعدة المستفادة من العمومات فعطف لفظ العمومات علي قوله الاصل عطف تفسيري.

«قوله قدس سره: و العمومات»

قد تقدم منا انه لا مجال للتمسك بالعمومات و

انما اعتمدنا في الالتزام بصحة البيع الفضولي بالنص الخاص و لعلّ وجه الاشكال في الاستدلال بالعمومات يظهر من الايرادات الواردة في المقام التي اشار إليها الشيخ قدس سره بقوله «عدا امور لفقها بعض من قارب عصرنا» و ذكرها بعد الاشارة إليها علي نحو التفصيل.

«قوله قدس سره: و قد مرّ الاشكال فيه»

و هو ان البائع الفضولي اذا باع لنفسه لا يكون قاصدا لمفهوم المعاوضة فان قوام المعاوضة بدخول كل من العوضين في محل خرج منه العوض الاخر و المفروض ان الفضولي لم يقصد المعاوضة علي هذا المنوال فيكون عقده باطلا مضافا الي أن الاجازة الصادرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 351

عن المالك لا تتعلق بما انشأه الفضولي اذ المفروض ان الفضولي قصد دخول الثمن في كيسه و المالك أجاز دخول الثمن في ملكه فما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع.

و هذا الاشكال لا يجري في المسألة التي بأيدينا اذ المفروض ان المجيز و البائع شخص واحد و لعلّ قوله قدس سره «و ربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك» اشارة الي هذا الوجه.

اضف الي ذلك النصوص الدالة علي عدم جواز بيع ما ليس عند البائع و قد تعرضنا لهذه النصوص هناك.

و قد أجاب عن الاستدلال بهذه النصوص علي بطلان الفضولي سيدنا الاستاد بأنه يمكن أن يكون المراد من النصوص المشار إليها النهي عن كون الفضولي طرفا للمعاملة و المعاقدة بحيث يتوجه إليه خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و ما أفاده غير قابل للقبول و غير تام فان بعض نصوص الباب صريح في أن بيع مال الغير غير صحيح لاحظ ما رواه الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في

رجل له قطاع أرضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود اشهدوا اني قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حد منها كذا و الثاني الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقر له بكلها؟ فوقع عليه السلام:

لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فانه قد صرح في المكاتبة علي أن بيع المملوك جائز نافذ و أما

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 352

بيع مال الغير فلا يكون صحيحا و مقتضي اطلاقه عدم صحته و لو مع لحوق الاجازة من المالك.

ان قلت: بعد اجازة المالك يكون البيع بيعا للمالك فما الايراد؟

قلت: الاجازة انفاذ للعقد السابق و ليس عقدا جديدا و لذا لا يشترط فيها الشروط المعتبرة في البيع و مقتضي دليل المنع عن بيع مال الغير عدم تماميته حتي مع الاجازة فتحصل انه لا مجال لتصحيح العقد في الصورة المفروضة لا بالأدلّة العامة و لا بالنص الخاص أي حديث زرارة «1» أما عدم امكان الاستناد الي الادلة العامة فقد ظهر الوجه فيه آنفا و سابقا و ذكرنا ان الاجازة لا تكون عقدا مستأنفا و لا تكون مصداقا للبيع كي يشملها قوله تعالي «احل اللّه البيع» أو قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ».

و أما حديث زرارة فأيضا لا يشمل المقام لان الفضولي لم يقصد حقيقة البيع فلا يكون العقد المذكور قابلا لان

يجاز فعلي تقدير رد بقية الوجوه المذكورة للمنع و عدم تماميتها يكفي للمنع الوجه الاول من تلك الوجوه بالتقريب الذي ذكرنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: الثاني انا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك»

تعرض الشيخ قدس سره لامرين: احدهما: ان رضا المالك حين العقد مفقود ثانيهما: انه لا قدرة علي التسليم و أجاب عن الاشكال الاول بأن رضا المالك حين الاجازة يكفي و بعبارة اخري: يلزم أن يكون المجيز مالكا للمبيع و في المقام كذلك و أزيد من هذا المقدار غير لازم.

و أجاب عن الاشكال الثاني بأن العقد يلزم أن يكون جامعا

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 353

للشرائط كي يكون قابلا لان يجاز و أما مع عدم كونه جامعا للشرائط فيبطل العقد من غير ناحية الاجازة فلو لم تكن القدرة علي التسليم حين البيع يكون العقد باطلا و العقد الباطل لا يكون قابلا لان يجاز.

«قوله قدس سره: الثالث ان الاجازة حيث صحت كاشفة علي الاصح مطلقا»

حاصل الاشكال ان مقتضي دليل صحة الفضولي الكشف فيلزم خروج الملك عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه و أورد عليه الشيخ قدس سره: بأنا نلتزم بالكشف من زمان امكانه فنلتزم بدخوله في ملك المشتري بعد دخوله في ملك البائع.

و يرد عليه انه لو اغمض عما ذكرنا و قلنا بامكان الاخذ بالعمومات لتصحيح البيع الفضولي لكن نقول: الاجازة اما توافق العقد في المفاد أو تخالفه أما علي الاول فلا مجال لكونها موجبة لنفوذ العقد اذ يلزم الخروج قبل الدخول.

و أما علي الثاني فيرد عليه ان ما وقع لم يجز و ما اجيز لم يقع هذا.

و عن الميرزا ان البيع الصادر عن

المالك رد للبيع الفضولي هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المالك يمكنه اسقاط لحوق الاجازة فان الناس مسلطون علي أموالهم.

و يرد عليه أولا: ان بيع العين لا يستلزم الرد بل يمكن أن يكون حين البيع غافلا أو جاهلا بوقوع الفضولي في ماله و ثانيا: انه سلمنا انه رد لكن لا نسلم كون الرد مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الاجازة فان شأنية العقد للحوق الاجازة به من شئون العقد و لا يكون قابلا للزوال و قد سبق منا ان الحق ان الاجازة بعد الرد مؤثرة مضافا الي أن المال انتقل الي الغير و لا دليل علي كون المالك مسلطا علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 354

مال الغير فلاحظ.

«قوله قدس سره: الرابع ان العقد الاول انما صح و ترتب عليه أثره باجازة الفضولي»

حاصل الاشكال: ان العقد الاول الصادر عن الفضولي تتوقف صحته علي اجازة الفضولي و تأثير اجازة الفضولي يتوقف علي صحة العقد الثاني و العقد الثاني يتوقف علي بقاء الملك في ملك مالكه الاصلي فيلزم تعدد المالك علي ملك واحد في زمان واحد و هو محال مثلا نفرض ان الفضولي باع دار زيد في يوم الجمعة و في يوم السبت اشتري الدار عن مالك الدار ثم أجاز البيع الاول فعلي القول بالكشف يكون المبيع للبائع الاصلي و للمشتري من الفضولي بعد البيع الفضولي و قبل البيع الثاني و هذا أمر غير معقول و لا يقاس بيع المالك علي اجازته فانه يكفي في الاجازة الملك الصوري و أما في البيع فلا يكفي الملك الصوري بل يلزم الملك الواقعي.

و أجاب الشيخ عن الاشكال بأنه نلتزم بالملكية من الزمان القابل لا من حين العقد فنقول:

العين تبقي في ملك المالك الاصلي الي زمان بيعها و يدخل المبيع في ملك الفضولي باشترائه ثم يدخل في ملك المشتري الاول بعد اجازته.

و يرد عليه ان ما ادعاه لا ينطبق علي القاعدة و لا يمكن الالتزام به فنقول: علي مذهب الكشف الحقيقي يلزم اجتماع ملاك ثلاثة علي ملك واحد: المالك الاصلي و هو مالك للعين علي طبق القاعدة و المشتري يملك العين من حين العقد و البائع الفضولي أيضا مالك اذ مع عدم كونه مالكا لا مجال لتمامية اجازته.

هذا علي القول بالكشف الحقيقي و لكن الكشف الحقيقي لا دليل عليه و أما علي الكشف الانقلابي الذي قلنا به فهل يمكن اتمام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 355

الامر و هل يسلم عن الاشكال أم لا؟ الذي يختلج بالبال أن يقال:

العين تبقي في ملك المالك الاصلي الي حين البيع فيكون داخلة في ملك الفضولي المشتري الي زمان الاجارة و من حين الاجازة يحكم بكونها مملوكة للمشتري الاول الذي اشتري العين من الفضولي فلا يتوجه الاشكال المذكور و بعبارة اخري: لا يتحقق التضاد بين الملاك و بعبارة واضحة: يمكن دفع تعدد الملاك بهذا التقريب فلاحظ.

«قوله قدس سره: الخامس ان الاجازة المتأخرة لما كشف عن صحة العقد الاول»

توضيح المراد: ان زيدا مثلا يبيع مال بكر يوم الجمعة من خالد و يوم السبت يشتري ذلك المال من بكر و يجيز في يوم السبت العقد الواقع يوم الجمعة و الاجازة الواقعة يوم السبت تكشف عن كون المال مملوكا لخالد و نفرض الثمن في العقد دينارا و في العقد الثاني دينارين فيلزم توقف تمامية العقد الاول علي العقد الثاني اذ ما دام لا يصير البائع الفضولي مالكا للمال و

لم يجز لا يصير المال ملكا للمشتري في العقد الاول و أيضا يلزم أن يكون العقد الثاني متوقفا علي اجازة المشتري الاول اذ المفروض انه ملك للمشتري الاول قبل العقد الثاني فيلزم صحة كل واحد من العقدين علي إجازة المشتري في العقد الاول.

و يلزم عدم تملك المالك الاصيل شيئا لا من الثمن و لا من المثمن اذ المفروض خروجه عن ملكه قبل أن يبيع و يلزم تملك المشتري الاول و هو خالد العين بلا ثمن ان كان الثمن في كل واحد من العقدين مساويا مع الثمن في العقد الاخر و مع زيادة ان كان الثمن في العقد الثاني أزيد كما لو كان الثمن في العقد الاول دينارا و في العقد الثاني دينارين و دون تمام الثمن الاول ان كان الثمن في العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 356

الثاني أقل من الثمن في العقد الاول كما لو كان الثمن في العقد الاول دينارين و في العقد الثاني دينارا و أيضا يلزم خروج الثمن عن ملك المشتري في العقد الثاني بلا عوض.

و أجاب عنه الشيخ قدس سره بأن الاشكال ناش عن كون الاجازة كاشفة عن الملكية من حين العقد و أما لو قلنا بكونها كاشفة من زمان ممكن فلا يتوجه الاشكال.

اقول: قد تقدم منا انه يلزم القول بعدم تمامية الاجازة و عدم صحة العقد الفضولي في الفرض المذكور اذ لا دليل علي تأثير الاجازة بنحو لا يكون تطابق بين المجاز و الاجازة في الاثر فان الاجازة اذا لم تكن موافقة و لم تتعلق بالعقد الصادر عن الفضولي فلا مقتضي للصحة و أما مع المطابقة فلا مجال للقول بالصحة مع توجه اللوازم الفاسدة و الالتزام بالصحة

علي نحو يكون خاليا عن اللازم الباطل كما ارتكبه الشيخ لا دليل عليه هذا علي القول بالكشف الحقيقي.

و أما علي القول بالكشف الانقلابي الذي قلنا به فهل يسلم عن الاشكال المذكور؟ الظاهر انه لا يمكن اذ يلزم أن يحكم بقاء بعدم تملك المالك الاصلي شيئا و خروج الثمن عن ملك المشتري في العقد الثاني بلا عوض و تملك المشتري الاول باحد الوجوه المذكورة الباطلة.

«قوله قدس سره: السادس ان من المعلوم انه يكفي في اجازة المالك و فسخه»

حاصل كلامه: ان المفروض في المقام ان المالك الاصلي قد باع العين من الفضولي هذا من ناحية و من ناحية اخري يكفي في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 357

الفسخ فعل ما ينافي الامضاء كما لو تصرف ذو الخيار تصرفا اعتباريا فيما انتقل عنه مثل أن يبيع العين المبيعة بالبيع الخياري فان بيعه يوجب فسخ العقد الاول فالبيع في المقام قبل اجازة العقد الفضولي يكون دالا علي رده و بعد الرد لا يبقي مجال و موضوع للاجازة فيبطل العقد الصادر عن الفضولي.

و أورد عليه الشيخ قدس سره بأن الرد من الامور الانشائية و يحتاج الي القصد فمجرد البيع خصوصا مع جهله بالعقد الفضولي أو غفلته عنه لا يكون ردا و لا وجه لقياس المقام علي بيع ذي الخيار ما انتقل عنه فان التصرف هناك فيما انتقل عنه يتوقف علي الفسخ بخلاف المقام نعم البيع الصادر عن المالك الاصلي اذا كان صحيحا يوجب انتفاء قابلية العقد الفضولي للاجازة من قبل المالك الاصلي و أما بالنسبة الي المالك الجديد فلا وجه لسقوط العقد عن قابلية اجازته هذا حاصل كلامه.

اقول: مضافا الي ما أفاده انا نفرض ان بيعه رد للعقد الفضولي

و لكن أي دليل دل علي أن الرد يسقط العقد الفضولي عن قابلية الاجازة و قد مرّ منّا ان الاجازة بعد الرد تؤثر.

اضف الي ذلك ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه لا يكون دليلا علي الفسخ بالنسبة الي العقد الخياري بل يكون غير معقول لان الفسخ أمر انشائي كما ان البيع كذلك و الفسخ يقتضي ارجاع العين الي ملكه و ارجاع بدل العين الي وعائها و الحال ان البيع يقتضي اخراج العين عن ملكه و كيف يمكن أن يتحقق الامران بانشاء واحد في زمان واحد و الحال انهما متناقضان و متنافيان فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 358

«قوله قدس سره: السابع الاخبار المستفيضة»

منها ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله قال: و نهي عن بيع ما ليس عندك و نهي عن بيع و سلف 2.

فان المستفاد من هذه الاخبار ان بيع الفضولي باطل علي الاطلاق فلا يصح بالاجازة اللاحقة.

«قوله قدس سره: و خصوص رواية يحيي»

لاحظ ما رواه يحيي بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل قال لي اشتر هذا الثوب و هذه الدابة و بعنيها اربحك فيها كذا و كذا قال: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها «3».

«قوله قدس سره: و رواية خالد»

لاحظ ما رواه خالد بن

الحجاج قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و اربحك كذا و كذا قال: أ ليس ان شاء ترك ان شاء اخذ؟ قلت: بلي، قال: لا بأس به انما يحل الكلام و يحرم الكلام «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 7 من ابواب أحكام العقود الحديث 2 و 5.

(3) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 13.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 359

«قوله قدس سره: و صحيحة ابن مسلم»

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من أجله قال: ليس به بأس انما يشتريه منه بعد ما يملكه «1».

«قوله قدس سره: و صحيحة منصور»

لاحظ ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه قال: لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه «2».

«قوله قدس سره: و صحيحة معاوية»

لاحظ ما رواه معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام يجيئني الرجل يطلب بيع الحرير و ليس عندي منه شي ء فيقاولني عليه و اقاوله في الربح و الاجل حتّي نجتمع علي شي ء ثم أذهب فأشتري له الحرير فأدعوه إليه فقال: أ رأيت ان وجد بيعا هو احب إليه ممّا عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه و تدعه؟ قلت: نعم قال: فلا بأس «3».

فان المستفاد من هذه النصوص عدم جواز البيع قبل الاشتراء فيكون بيع مال الغير لنفسه باطلا.

و اجاب الشيخ

قدس سره عن الاخبار عموما و خصوصا بأن المراد منها ان بيع مال الغير مجردا عن الاجازة لا يفيد و بعبارة اخري:

تكون دالة علي البطلان من هذه الجهة فالحكم حيثي فلا تنافي تمامية

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب أحكام العقود الحديث 8.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) نفس المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 360

العقد بالاجازة اللاحقة.

و يرد عليه ما ذكرناه سابقا و قلنا ان مقتضي الاطلاق عدم تأثير الاجازة اللاحقة و ببيان واضح: ان المستفاد من هذه النصوص انه يشترط في البيع أن يصدر من المالك أو من الولي أو من الوكيل فلو كنا نحن و هذه الاخبار لكنا نلتزم ببطلان الفضولي غاية الامر انما نقول بالصحة مع الاجازة ببركة حديث زرارة الوارد في نكاح العبد بلا اذن مولاه فان مقتضي عموم التعليل الوارد في الحديث جواز الفضولي بالاجازة.

بقي شي ء و هو ان الروايات الدالة علي المنع عن بيع غير المملوك هل تكون تامة سندا أم لا فنقول أما حديث سليمان بن صالح و هو الحديث الثاني من الباب السابع من أبواب احكام العقود فالظاهر انه تام سندا فلاحظ كما ان الحديث الثامن من الباب الثامن تام سندا كما ان الحديث السابع كذلك و يدل علي المطلوب أيضا ما رواه الصفار «1» فان هذه الرواية تدل بالصراحة علي عدم جواز بيع غير المملوك.

«قوله قدس سره: فلا تعرض فيه لحال المالك»

قد ذكرنا ان مقتضي النهي عن بيع غير المملوك فساد البيع علي الاطلاق و مقتضاه ان البيع المذكور لا يقع لا للبائع و لا للمالك لا قبل الاجازة و لا بعد الاجازة و لذا بنينا علي أن القاعدة الاولية تقتضي بطلان الفضولي

علي الاطلاق.

مضافا الي أن البيع في المقام لا يعقل أن يقع للمالك بالاجازة اذ المفروض ان الفضولي باع مال الغير لنفسه و معناه أن يخرج العين

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 251.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 361

من ملك المالك و يدخل الثمن في ملكه و المالك اما يجيز العقد الواقع من الفضولي بقيوده و خصوصياته و اما يجيز غيره أما علي الاول فلا يصح كما مرّ و بني الشيخ عليه.

و أما علي الثاني فلا يصح أيضا لان المجاز لم يقع و ما يقع لم يجز اضف الي جميع ذلك انه قد تقدم منا ان المفروض ان الفضولي باع مال الغير لنفسه و هذا ليس مصداقا للبيع.

ان قلت: البيع تمليك عين بعوض و هذا التحديد ينطبق علي ما صدر عن الفضولي قلت: أولا: ننقض و نقول: اذا ملك الفضولي دار زيد لبكر في مقابل ألف دينار يخرج عن كيس خالد و يدخل في كيس غلام عمرو فهل يكون هذا مصداقا للبيع؟ و هل يشمله ادلة صحة البيع و التجارة و وجوب الوفاء بالعقود؟

و ثانيا نجيب بالحل و هو ان المتبادر من لفظ البيع تمليك عين من شخص في مقابل عوض من ذلك الشخص بحيث يتبادل العوضان أي يدخل كل من العوضين في مكان العوض الاخر.

و صفوة القول: ان مجرد إنشاء المعاوضة ليس بيعا فالقصور يكون في الموضوع و ما دام لا يتحقق الموضوع في الخارج لا تصل النوبة الي البحث في ترتب الحكم عليه.

و يترتب علي ما ذكرنا ان المالك لو باع داره من زيد في مقابل ألف دينار يدخل في ملك خالد لا يكون العقد صحيحا و لو مع الاستيذان من

خالد اذ تعريف البيع اما لا يصدق علي ما فرض و أما مشكوك فيه و علي كلا التقديرين لا مجال للاخذ بدليل الصحة أما علي تقدير عدم الصدق فظاهر و أما في صورة الشك فلعدم جواز الاخذ بالإطلاق أو العموم في الشبهة المصداقية كما هو المقرر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 362

«قوله قدس سره: رواية الحسن بن زياد الطائي»

لاحظ ما رواه الحسن بن زياد الطائي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير اذن مولاي ثم اعتقني اللّه بعد فاجدد النكاح؟ قال: فقال: علموا انّك تزوجت قلت:

نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال: ذلك اقرار منهم انت علي نكاحك «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا و لكن في نفس الباب حديث آخر بمضمونها و الظاهر كونه تاما سندا و هو ما رواه معاوية بن وهب «2».

«قوله قدس سره: لم يحتج الي الاستفصال»

استدل قدس سره بالتقريب المذكور علي أن الاجازة لا اثر لها و الا لا وجه للاستفصال الواقع في كلام الامام روحي فداه و العجب من الشيخ الاعظم كيف صدر عنه التقريب المذكور و الحال انه في غاية الضعف فان الاستفصال راجع الي زمان الرقية اذ اجازة المولي في زمان الرقية توجب صحة العقد فلا تصل النوبة الي الاجازة و لا الي تجديد العقد و بعبارة اخري الاستفصال المذكور لا ينافي صحة الاجازة لكن اذا كان العقد صحيحا بالاذن الصادر عن المولي لا تصل النوبة الي التجديد و لا الي الاجازة.

«قوله قدس سره: و لاشتمالها علي الغرر»

الغرر عبارة عن الخطر فاذا فرض عدم الخطر فلا يتم الاستدلال و بعبارة واضحة هذا البيان لا يكفي للحكم بالفساد.

______________________________

(1)

الوسائل الباب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 3.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 337.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 363

«قوله قدس سره: و يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة»

بأن يبيع عن نفسه مال الغير فاجاز المالك لنفسه و قد ذكرنا انه لا دليل علي صحة العقد حتي علي القول بصحة الفضولي لانه يلزم أن تكون الاجازة مطابقة مع العقد ان قلت: الفضولي يبيع للمالك و يدعي نفسه مالكا قلت: هذا خيال محض فان الفضولي يبيع لنفسه لا أنه للمالك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون الامر بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و يمكن أن يكون ناظرا الي الفرق بين المسألتين بأن البائع قصد البيع للمالك الاصلي و المفروض ان الفضولي بعد صيرورته مالكا لا يكون مالكا اصليا بل يغايره فلا مجال للاجازة.

«قوله قدس سره: فان اجاز المالك فلا كلام في الصحة»

ما أفاده في المقام يناقض كلامه قريبا حيث قال «فالانصاف ان ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع و عدم ترتب أثر الانشاء المقصود منه مطلقا حتي مع الاجازة»

و في المقام يقول: فلا كلام في الصحة.

و كيف كان الحق أن يقال: انه لا كلام في عدم وقوعه لمن بيع له و هو الثالث مضافا الي ما تقدم منا في مقام تقريب البطلان ان البيع لشخص كالبيع لنفسه و قلنا انه مضاد و ينافي مفهوم البيع فلا يكون قابلا لان يصح بالاجازة.

«قوله قدس سره: فالظاهر انه داخل في المسألة السابقة»

و قد مرّ كلام حولها و قلنا لا مجال لجعلها صحيحة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 364

«قوله قدس سره: اللهم الا

أن يقال ان مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقود»

لا مجال لهذا القول فانه قد تقدم منا و قلنا و نقول الآن: ان وجوب الوفاء بالعقد ارشاد الي اللزوم و اللزوم فرع الصحة و المفروض ان العقد لم يصر صحيحا فكيف يلزم و قس عليه وجوب العمل بالشرط فان لزوم الشرط فرع صحته و امضائه شرعا و الصحة لم تتحقق بعد بل قلنا بعدم امكان تحققها.

«قوله قدس سره: من دون توقف علي الاجازة»

ليت شعري كيف يصح العقد بلا صدوره عن المالك و بلا اجازته بعد صيرورة العاقد مالكا اذ لا مقتضي للصحة.

«قوله قدس سره: و المقام مقام استصحاب حكم الخاص»

مع الاغماض عما ذكرنا من أنه لا مجال للاخذ بدليل وجوب الوفاء بالعقود نقول: المقام ليس مقام الاخذ بالاستصحاب بل المقام مقام الاخذ بعموم وجوب الوفاء و ذلك لوجهين:

الوجه الأول: انه لا مجال للاصل العملي مع وجود الدليل اللفظي و المفروض ان عموم العام محكم. و بعبارة واضحة: موضوع العموم تحقق في الخارج غاية الامر في مقدار من الزمان لا بد من رفع اليد عنه و أما في مورد الشك فلا بد من الاخذ به مثلا اذا قال المولي اكرم كل عالم و بعد ذلك خصص الحكم بمورد أو موردين فشك في مورد ثالث لا اشكال في لزوم الاخذ بالعام و الحكم بوجوب اكرام بقية العلماء للشك في التخصيص.

و أيضا لو قال المولي اكرم هؤلاء العشرة و بعد ذلك أخرج فردا أو فردين يجب اكرام البقية و بعبارة واضحة: لا فرق بين العموم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 365

الاستغراقي و العموم المجموعي من هذه الجهة.

الوجه الثاني: ان الشبهة حكمية و الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض

باستصحاب عدم الجعل الزائد و لعله ناظر بقوله فتأمل الي الوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرنا.

«قوله قدس سره: مضافا الي معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس علي أموالهم»

لا مجال لهذه المعارضة فانه يرد عليه أولا: ان حديث الناس مسلطون علي اموالهم «1» لا سند له فلا يكون قابلا لان يعارض غيره.

و ثانيا: ان الخبر الواحد المعارض مع الكتاب يضرب عرض الجدار. و ثالثا: ان عموم وجوب الوفاء وضعي و عموم دليل السلطنة اطلاقي و العموم الوضعي يتصرف في العموم الاطلاقي.

و ان شئت قلت: لا يبقي موضوع للاطلاق مع العموم الوضعي.

و ببيان أوضح: ان العموم الوضعي يكون كالقرينة المنفصلة و مع القرينة لا يبقي الاطلاق بحاله.

و رابعا: ان دليل السلطنة ليس مشرعا كي يعارض دليل وجوب الوفاء بل دليل السلطنة ناظر الي أن المالك له أن يتصرف في ماله بانحاء التصرفات الجائزة للمالك فيكون دليل وجوب الوفاء حاكما عليه و مضيقا لموضوعه.

«قوله قدس سره: و فحوي الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد»

تقريب الفحوي: أن تملك النفس اذا لم يفد في صحة العقد فتملك المال أولي بذلك هذا ما يرجع الي كلامه و قد تقدم منا ان

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 372 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 366

الامام عليه السلام ليس في مقام نفي تأثير الاجازة اللاحقة فراجع ما ذكرناه سابقا.

«قوله قدس سره: أشكل»

اذ يشكل الالتزام بخروج المال عن ملك المالك بدون اختياره و رضاه.

«قوله قدس سره: نعم يقع للوارث مع اجازته»

الكلام فيه هو الكلام و الاشكال هو الاشكال فانه لا مقتضي للصحة اذ الاجازة أما تطابق ما وقع في الخارج و اما لا تطابق معه أما علي الاول فلا يمكن

أن تؤثر اذ معناه أن يخرج المبيع من كيس الميت و يدخل الثمن في كيسه و الحال ان العين خرجت عن ملكه بموته مضافا الي أنه لا دليل علي ادخال مال في كيس الميت بعد موته و أما علي الثاني فلا مقتضي للصحة اذ المجاز لم يقع و ما وقع لم يجز فلاحظ.

«قوله قدس سره: الاولي أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا علي البيع»

الامر كما أفاده فان العقد صدر من أهله و وقع في محله فيؤثر أثره و الحكم تابع لموضوعه و لا يكون العلم دخيلا في ترتب الحكم.

«قوله قدس سره: و هو حسن»

الامر كما أفاده اذ المفروض انه تحقق الاذن من المولي فالعبد مأذون في عمله فيكون عمله صحيحا تاما نعم اذا كان اذن المولي محصورا و مخصوصا بناحية خاصة يكون عمل العبد مؤثرا في تلك الناحية و في ذلك المورد فقط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 367

«قوله قدس سره: الثانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا فالظاهر أيضا صحة العقد»

بل الظاهر عدم صحته اذ المفروض انه قصد البيع عن نفسه و بيع غير المملوك غير صحيح بل قلنا ان بيع مال احد عن غيره لا يكون مصداقا للبيع.

و علي الجملة: ما كان قابلا للوقوع و الصحة لم يقصد و ما قصد غير قابل للصحة هذا من ناحية و من ناحية اخري العقود تابعة للقصود.

و ما قيل في هذا المقام من أن الركن في باب البيع العوضان بخلاف باب النكاح فان الركن هناك الزوجان؛ كلام لا يرجع الي محصل فان الاهمال غير معقول في الواقع و عليه البائع حين البيع اما يقصد دخول الثمن في كيسه و خروج العين من كيس

الاخر أو لا يقصد شيئا أما علي الثاني فمرجعه الي الاهمال المحال و أما علي الاول فلم يقصد مفهوم البيع فلا مجال لصيرورة العقد الكذائي صحيحا.

«قوله قدس سره: و في توقفه علي اجازته للمولي عليه وجه»

لا وجه للاجازة فان العقد الفاسد في حد نفسه غير قابل لان يجاز بل لو أغمضنا عن الاشكال و قلنا يمكن أن يكون العقد للمولي عليه فأيضا لا مجال للاجازة اذ العقد من اوّل حدوثه صار للمولي عليه فلا يحتاج الي الاجازة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

و لعله بقوله «فتأمل» يشير الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا و قد مثل له الاكثر بما لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 368

و المشهور الصحة».

تارة يقصد البيع عن المالك بهذا العنوان و يتخيل ان أباه مالك و بعبارة اخري: يكون الخطاء في التطبيق فيكون العقد صحيحا اذ صدر من أهله و وقع في محله و اخري يقصد خروج العين عن ملك أبيه و دخول الثمن مكانه فالظاهر هو بطلان العقد اذ المفروض انه لم يقصد مفهوم البيع بل قصد أمرا لا يكون له واقع اذ قصد خروج العين عن ملك أبيه و الحال انها خرجت عن ملكه، بموته مضافا الي أنه لا دليل علي جواز ادخال مال في ملك الميت.

«قوله قدس سره: و التقدير ان مات مورثي … »

هذا الوجه لا يرجع الي محصل لان الوارث اما يبيع عن أبيه كما هو الظاهر و اما يبيع عن نفسه أما علي الاول فلا مجال للتعليق و أما علي الثاني فالتعليق غير مضر لان التعليق علي ما

يتوقف عليه صحة العقد لا يكون موجبا للبطلان كما لو قال: ان كانت هذه العين مملوكة لي فقد بعتها.

و ببيان واضح: ان بطلان التعليق ليس بحكم العقل كي يقال:

ان الدليل العقلي غير قابل للتخصيص بل دليله هو الاجماع فيقتصر فيه علي القدر المعلوم. و اما يقصد بيع مملوك ابيه لنفسه فيكون كالغاصب فلا يكون تعليق أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره: كالعابث»

يرد عليه أولا: ان الفضولي لا يصدق عليه العابث و ثانيا: أنا نفرض انه كالعابث لكن أي دليل دل علي بطلان العقد العبثي الا أن يستلزم عدم قصد الانشاء و يترتب عليه ان العقد الفضولي علي الاطلاق باطل لكونه عبثا فعليه ما الوجه في هذه الاطالة و القيل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 369

و القال نعوذ باللّه من الزلة …

«قوله قدس سره: لعدم طيب نفس المالك للعقد»

الظاهر انه جمع بين المتنافيين فان البائع حين البيع عن المالك بلا تقيده بكونه والده ان لم تكن نفسه راضية بالبيع و لم يكن عنوان التجارة عن تراض صادقا علي عقده لا يكون ما فعله قابلا للاجازة اذ المفروض ان التجارة لم تصدر عن الرضا و التجارة اذا لا تكون عن الرضا تكون باطلة في حد نفسها و العقد الباطل في نفسه غير قابل لان يجاز.

مثلا اذا كان العقد اكراهيا حدوثا فهل يمكن أن يصير صحيحا بالاجازة اللاحقة؟ مع ان الاكراه يوجب البطلان لقوله صلي اللّه عليه و آله «رفع ما استكرهوا عليه».

و لو سلمنا تمامية ما ادعي في باب الاجازة و هو ان الاجازة توجب اسناد ما وقع في الخارج فضولا الي نفسه نقول أيضا لا اثر لها اذ المفروض ان الذي وقع في الخارج تعنون بعنوان

الاكراه و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و المفروض ان العقد الاكراهي باطل فلا أثر للاسناد.

و ان شئت قلت: الاسناد لا يكون موجبا لصيرورة الباطل صحيحا و لا يكون الممنوع مجازا فلا تغفل و اغتنم و ان كانت نفسها راضية فلا تحتاج التجارة الي الاجازة اذ المفروض انه باع عن المالك و كان راضيا و المفروض انه مالك في الواقع فالعقد واقع في محله و موضعه و لا يحتاج الي الاجازة و أما ان لم يقصد المالك علي اطلاقه بل قصد والده كما هو الظاهر فلا يكون العقد قابلا للاجازة فلا مجال للاجازة علي كل تقدير.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 370

«قوله قدس سره: لان ذلك لا يجامع ظنّ الحياة»

لا اشكال في أن التعليق لا ينافي ظن الحياة فان الظان شاك و ما دام لا يكون الشخص قاطعا بأمر يمكنه التعليق و هذا ظاهر واضح.

«قوله قدس سره: لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنه لم يقصد الي البيع الناقل للملك الآن»

الشيخ قدس سره فهم من كلام المحقق انه تخيل ان وجه الاحتياج الي الاجازة ان البائع قصد النقل من حين الاجازة فأورد عليه بأن قصد النقل عن زمان الاجازة ينافي الكشف الذي بني عليه المحقق قدس سره.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام: مراد المحقق من كلامه ليس تعيين زمان الانتقال كي يتوجه إليه ما أورده الشيخ عليه بل مراد المحقق ان البائع قاصد للانتقال مع الاجازة فالصحة متوقفة علي الاجازة.

«قوله قدس سره: فالدليل علي اشتراط تعقب الاجازة في اللزوم هو عموم تسلط الناس علي أموالهم»

قد ظهر مما ذكرنا لا تنافي بين القول بعدم الاحتياج الي الاجازة و تسلط المالك علي

ماله لانا ذكرنا ان البائع ان قصد خروج العين عن ملك أبيه فلا مجال للاجازة و يكون العقد باطلا و ان قصد خروجها عن ملكه فلا يحتاج الي الاجازة و ان قصد خروجها عن ملك مالكها علي الاطلاق فأيضا لا يحتاج الي الاجازة و ان أهمل في مقام القصد فكيف يمكن الاهمال في الواقع فلا تغفل.

كما انه لا اشكال من حيث طيب النفس اذ لو باع عن المالك و لم يقيد المالك بوالده بل عن مطلق المالك يكون عقده مصداقا للتجارة عن تراض فيكون اكلا للمال بالتجارة عن تراض لا بالباطل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 371

«قوله قدس سره: و بالجملة فاكثر ادلة اشتراط الاجازة في الفضولي جارية هنا»

و بعضها لا يجري اذ المفروض انه تصرف في مملوكه فلا يشمله دليل منع بيع غير المملوك فلاحظ.

«قوله قدس سره: و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره مع خطاه في قصده أو صوابه في الواقع لا يقدح و لا ينفع»

مرجع ما أفاده الي عدم مدخلية للقصد و الحال ان الامور الاعتبارية قوامها بالقصد فكما تقدم ان كان قصده خروج العين عن كيس والده يكون عقده باطلا و ان كان قصده خروج العين عن ملكه و طابت نفسه بذلك يكون عقده صحيحا بلا احتياج الي الاجازة فعلي كلا التقديرين لا وجه للاجازة أما علي تقدير الفساد فلعدم تأثير الاجازة فيما يكون فاسدا و أما علي تقدير الصحة فلتحصيل الحاصل المحال.

فتحصل مما تقدم ان الحق أن يقال: اذا قصد خروج العين عن كيس المالك و طابت نفسه به يكون عقده صحيحا و

الموانع التي يمكن أن تذكر للفساد وجوه:
الوجه الأول: أن العاقد البائع في مفروض الكلام عابث فلا يترتب أثر علي عقده

. و فيه أولا: ان الفضولي لا يكون عابثا بل يقصد البيع جدا.

و ثانيا:

ان العبث لا يكون مانعا عن الصحة.

الوجه الثاني: ان عقده تعليقي و التعليق باطل.

و فيه ان التعليق كما ذكرنا لا يكون مبطلا للعقد في كل مورد مضافا الي أنه لا تعليق في انشائه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 372

الوجه الثالث: ان البائع الفضولي يملك العين بشرط الاجازة فبدون الاجازة لا يصح.

و فيه: ان البائع يملك العين بلا قيد غاية الامر في بعض الاعيان يحتاج الي الاجازة و أما مع كون العين ملكا للبائع فلا مقتضي للاجازة.

الوجه الرابع: ان التجارة عن الفضولي خالية عن طيب النفس فلا بد من الاجازة.

و فيه انه قد مر منا ان التجارة التي لم تكن مقارنة لطيب النفس لا تكون قابلة للاجازة.

الوجه الخامس: ان قاعدة السلطنة تقتضي اشتراط الصحة بالاجازة

و الا كيف يجتمع كون العقد بلا اجازة مع كون المالك مسلطا علي ماله. و فيه ان قاعدة السلطنة تقتضي كون المتصرف حرا في تصرفاته و لم يكن مجبورا و المفروض انه كذلك في المقام.

«قوله قدس سره: فلو اذن في التصرف في مال يعتقدا انه لغيره و المأذون يعلم انه له لم يجز له التصرف بذلك الاذن»

القياس مع الفارق لان اذنه في التصرف لا اطلاق فيه و بعبارة اخري: أما يأذن في التصرف علي الاطلاق أي يأذن و لو أن يكون المال ملكه غاية الامر يعتقد انه ليس له ففي هذه الصورة يجوز للمأذون التصرف و أما مع عدم الاطلاق فلا مقتضي للجواز و المقام أيضا كذلك.

«قوله قدس سره: و لو فرضنا انه أعتق عبدا عن غيره فبان انه له لم ينعتق»

الكلام فيه هو الكلام.

«قوله قدس سره: و لو غره الغاصب فقال هذا عبدي اعتقه عنك فاعتقه عن نفسه فبان كونه له فالاقوي أيضا عدم النفوذ»

الكلام فيه هو الكلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 373

«قوله قدس سره: لان العتق لا يقبل الوقوف»

بتقريب ان العتق من الايقاعات و لا يجري الفضولي في الايقاعات اجماعا و هل يمكن تحصيل اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام؟

«قوله قدس سره: ثم انه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف علي الاجازة ان هذا الحق للمالك من باب الاجازة لا من باب خيار الفسخ»

الامر كما أفاده فان الخيار فرع الصحة و المفروض ان العقد قبل الاجازة فاسد و ذهب صاحب المقابيس الي أنه من باب خيار الفسخ و استدل عليه

بأنه يتضرر بدون الخيار فيكون له الخيار لقاعدة نفي الضرر في الشريعة.

و يرد عليه أولا: ان التمسك بدليل لا ضرر لاثبات الخيار يتوقف علي الالتزام بمذهب المشهور في مفاد لا ضرر و أما علي ما مسلكنا تبعا لشيخ الشريعة و هو ان مفاد القاعدة النهي عن الاضرار لا نفي الضرر في الشريعة، فلا يتم الاستدلال كما هو واضح.

و ثانيا: ان حديث لا ضرر مفاده النفي لا الاثبات فلا مجال لاثبات الخيار به.

و ثالثا: ان الضرر ناش عن صحة العقد لا عن لزومه و الخيار يتدارك به الضرر فعلي تقدير الاخذ بالقاعدة يلزم الحكم بفساد العقد لا بكونه خياريا.

و رابعا: انه لا مجال للخيار قبل تحقق الصحة و المفروض ان العقد بعد لم يصح.

«قوله قدس سره: ثم ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 374

متوقفة علي القول بصحة عقد الفضولي بل يجئ علي القول بالبطلان»

لان الفضولي يتصرف في مال الغير و المفروض في المقام ان البائع يتصرف في ماله و ملكه فلا يكون المقامان من واد واحد فلا تغفل.

«قوله قدس سره: الا أن يستند في بطلانه بما تقدم من قبح التصرف في مال الغير»

بتقريب انه مع اعتقاد كونه مال الغير يكون التصرف حراما فيكون باطلا. و يرد عليه أولا: ان التصرف الاعتباري في مال الغير ليس حراما بلا اشكال و لا كلام مثلا لو اعتبر أحد كون أموال الغير مملوكة له هل ارتكب حراما و صار فاسقا بهذا الاعتبار؟ كلا ثم كلا.

و ثانيا: ان المفروض انه تصرف في مال نفسه و غاية ما في الباب يكون تجريا و قد ذكرنا في محله ان التجري لا يكون حراما و الفعل

لا يصير قبيحا. و ثالثا: انه سلمنا كون الفعل حراما لكن الحرمة التكليفية لا تلازم الفساد الوضعي بل قيل كما عن أبي حنيفة ان الحرمة التكليفية تدل علي الصحة و تفصيل هذه الجهة مأكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: الرابعة أن يبيع لنفسه باعتقاد انه لغيره فانكشف انه له و الاقوي هنا أيضا الصحة»

تارة يقصد خروج العين عن ملك الغير و دخول الثمن في ملكه فهذا باطل اذ لم يقصد مفهوم البيع مضافا الي أن مقصوده لا واقع له و اخري يقصد خروج العين عن ملك المالك علي الاطلاق و يتصور ان المالك غيره و في هذه الصورة يكون العقد صحيحا اذ صدر عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 375

أهله و وقع في محله و ثالثة يدعي انه مالك و يقصد الخروج عن ملكه فلا اشكال في صحة العقد و لا مجال للاجازة علي جميع التقادير أما علي تقدير البطلان فان الباطل لا يصح بالاجازة و أما علي تقدير الصحة فلتحصيل الحاصل.

«قوله قدس سره: و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة»

الظاهر ان الفارق بين هذه المسألة و تلك المسألة ان طيب النفس بالتجارة موجود هنا بخلاف تلك المسألة و لكن قد مرّ منا انه لا مورد للاشكال فان الطيب هناك موجود أيضا فلاحظ.

[القول في المجاز]
[الاول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك]
اشارة

«قوله قدس سره: الاول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره»

يمكن تقريب المدعي بوجهين: احدهما: ان الدليل علي صحة العقد الفضولي بالاجازة من باب ان الاجازة المتأخرة توجب اسناد العقد السابق الي المجيز فيلزم أن يكون العقد في حد نفسه تاما و جامعا للشرائط كي يكون قابلا لان يستند الي المالك بالاجازة و أما مع

فرض فقدانه لبعض الشرائط يصح أن يقال ان العقد الصادر عن الفضولي فاسد و من الظاهر ان الاجازة لا تجعل العقد الفاسد صحيحا بل بها تستند العقد الي المجيز فيلزم أن يكون تاما صحيحا كي يسند الي المالك بالاجازة.

ثانيهما: ان المستفاد من حديث زرارة «1» ان الاجازة انما تؤثر فيما لا يكون معصية له تعالي بل تكون المعصية منحصرة بعصيان السيد حيث قال عليه السلام «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجازه جاز» فانه يفهم من هذه الجملة ان العقد اذا كان فاقدا لشرط من الشرائط المقررة لا يكون قابلا للاجازة و انما يكون قابلا في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 376

ظرف كونه واجدا للشرائط و كان النقصان منحصرا بعدم اجازة السيد و من بيده الامر.

و ان شئت قلت: الاجازة لا تكون اشد تأثيرا من الاذن السابق و من الظاهر ان الاذن السابق لا يؤثر الا فيما يكون المأذون فيه واجدا لجميع الشرائط المقررة فلاحظ. و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل لوحدة المناط.

«قوله قدس سره: ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد الي زمان الاجازة أم لا؟ لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين علي شروطهما»

اذا قلنا ان الاجازة كاشفة كشفا حقيقيا و قلنا انها أمارة و علامة أمكن القول بكفاية اجتماع الشرائط حين العقد لان العقد علي المسلك المذكور يكون مؤثرا حين وجوده فيكفي اجتماع الشرائط في ذلك الزمان و لكن هذا القول باطل من أصله و بمراحل من الواقع.

و أما علي المسلك الاخر أعم من النقل أو الكشف الانقلابي أو الحكمي فلا يمكن الالتزام بكفاية

تأخر الشرائط من زمان العقد فان الاصيل اذا مات أو جن أو صار محجورا عليه بفلس أو سفه هل يمكن الالتزام بصحة لحوق الاجازة من المالك؟ فان العين تخرج عن ملك المشتري الاصيل زمان الاجازة و كيف يمكن التصرف في مال من يكون ممنوعا من التصرف أو لا يكون قابلا للمالكية و قد خرج المال المبيع عن ملكه بموته و انتقل الي وارثه.

و ان شئت قلت: ان الاجازة في صورة موت المشتري الاصيل تكون تصرفا في مال الوارث بلا اذن منه هذا علي فرض أن يكون المدرك لصحة الفضولي ان الصادر فضولا يستند الي المجيز بالاجازة.

و أما لو استند في القول بصحة الفضولي بالاجازة بحديث زرارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 377

فالامر في الاشكال أوضح اذ المفروض في مورد الرواية التحفظ علي جميع الشروط و بقاء الزوجين الي حين اجازة المولي.

و بعبارة اخري: لا يستفاد من الحديث ان اجازة المولي تؤثر حتي مع موت احد الزوجين أو موتهما أو عروض جنون أو سفه علي احدهما.

و ببيان واضح: ان الامام عليه السلام حكم بتأثير الاجازة في أطار خاص و ظرف مخصوص فلا وجه لسريان الحكم الي بقية الموارد.

و بتقريب اوضح: انه لا مجال للاطلاق اذ الاطلاق انما ينعقد فيما يكون الجواب الصادر عن المولي قابلا له كما لو سأل الراوي عن الصلاة في جلد السمور فيجيب الامام عليه السلام بقوله «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه» فنقول: الميزان بإطلاق الجواب لا بخصوص السؤال و أما اذا أجاب عليه السلام في مورد المثال بقوله لا تصل فيه لا مجال للاطلاق اذ الحكم وارد في مورد خاص و أطار مخصوص و المقام كذلك فلا بد من

التحفظ علي جميع الخصوصيات فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما شروط العوضين فالظاهر اعتبارها بناء علي النقل»

يقع الكلام تارة في اشتراط العوضين بالشرائط المقررة فيهما المستفادة من الادلة حين العقد و اخري في لزوم بقاء تلك الشرائط الي زمان الاجازة فيقع الكلام في مقامين.

أما

المقام الأول [في اشتراط العوضين بالشرائط المقررة فيهما]

فنقول: لا اشكال و لا كلام في الاشتراط اذ المفروض ان بدونها يكون باطلا هذا من ناحية و من ناحية اخري قلنا الاجازة انما تكون مؤثرة فيما تكون متعلقة بالعقد. الصحيح فهذا مما لا اشكال فيه و لا ريب يعتريه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 378

و أما

المقام الثاني: [في لزوم بقاء تلك الشرائط إلي زمان الإجازة]

فنقول: لا بد من التفصيل فاذا استفيد من الدليل ان الشرط الفلاني لا يكون شرطا للتملك بل شرط في البيع كما ان الامر كذلك بالنسبة الي أم ولد فان المستفاد من الدليل فساد البيع الواقع علي أم ولد و أما كونها مملوكة فلا دليل علي اشتراط عدمه و عليه نقول: لو أوقع الفضولي عقد البيع علي أمة احد ثم صارت الامة أم ولد فاذا قلنا بكون الاجازة كاشفة محضة تكون الاجازة اللاحقة مؤثرة بلا اشكال اذ الاجازة تكشف عن تحقق الانتقال من زمن العقد.

و أما علي القول بالنقل الذي هو المشهور المنصور فيمكن القول أيضا بالصحة كما ذهب إليه سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف بدعوي: ان الاجازة لا تكون عقدا جديدا و المفروض ان العقد في زمان وقوعه كان واجدا للشرائط و فاقدا للموانع فاي مانع عن تأثير الاجازة في العقد الكامل في زمان تحققه.

و لكن يمكن أن يرد عليه الايراد بتقريبين: التقريب الاول: ان المستفاد من الدليل ان الشارع الاقدس منع عن نقل أم ولد و ان الاجازة ناقلة فلا تكون صحيحة.

و بعبارة اخري: العرف يفهم من دليل منع بيع أم ولد ان نقلها غير جائز و هذا العرف ببابك.

التقريب الثاني: ان دليل صحة الفضولي بالاجازة منحصر في حديث زرارة فباي تقريب من التقاريب نحكم بالجواز اللهم الا أن يقال: انه عليه السلام

قال: «انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا أجاز جاز» فان عموم العلة يقتضي السريان و التعميم و حيث ان المفروض ان البيع في زمن حدوثه لم يكن واجدا لعصيانه تعالي فيصح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 379

و علي الجملة: لا بد من ملاحظة الشرائط كل واحد بحياله و استقلاله و استفادة الحكم من دليله مثلا لو قلنا بأنه يشترط في المبيع كونه مالا فاذا باع الفضولي مال زيد و بعد البيع سقط المبيع عن المالية لا يكون مانع عن الاجازة اذ زمان العقد كان اذا مالية و في زمان الاجازة لا دليل علي الشرط المذكور فبمقتضي عموم التعليل نحكم بالجواز و الصحة فلاحظ و اللّه العالم.

[الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل]

«قوله قدس سره: الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل»

الحق أن يقال: لا يشترط في المجيز الشرط المذكور لعدم الدليل عليه أما علي تقدير كون المستند في حكم الفضولي العمومات الاولية، فواضح لان المالك باجازته يسند ما وقع في الخارج من العقد الجامع للشرائط الي نفسه فيصح العقد بالنسبة إليه باجازته و أما علي تقدير الاستناد في الصحة بحديث زرارة فأيضا الامر كذلك للاطلاق المستفاد من التعليل فانه يستفاد من التعليل ان من بيده الامر اذا أجاز العقد الفضولي تؤثر و لم يفصل في الحديث التفصيل المذكور فلاحظ الحديث و اغتنم ما نقول.

هذا بالنسبة الي الابهام المتصور في مورد العقد الفضولي مع علم المجيز بأصل العقد و أما اذا لم يعلم بالعقد فهل يجوز له الاجازة علي نحو التعليق و الفرض؟ الحق جوازها اذ المانع المتصور الذي يمكن أن يذكر في المقام بطلان التعليق و من الظاهر ان التعليق ليس من أحكام

العقل كي لا يكون قابلا للتخصيص.

و أيضا لا يكون مدلول دليل عام أو مطلق كي يؤخذ بعمومه أو اطلاقه بل غايته انه مورد الاجماع و الاجماع دليل لبي يعمل به علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 380

فرض العمل به بالمقدار المتيقن و أما الزائد فلا سيما اذا كان المعلق عليه من مقومات العقد و الايقاع كما في المقام فان تحقق العقد في الفضولي في الخارج مقوم للاجازة فلاحظ.

[الثالث المجاز إما العقد الواقع علي نفس مال الغير و إما العقد الواقع علي عوضه]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث المجاز أما العقد الواقع علي نفس مال الغير»

ما أفاده في المقام يختلف علي حسب اختلاف المباني مثلا علي القول بالكشف لا تكون النتيجة متحدة مع القول بالنقل كما ان النتيجة علي القول بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك تغاير مع النتيجة الحاصلة علي القول بالفساد و الميزان الكلي ان الاجازة توجب صحة العقد المجاز و أيضا توجب صحة كل عقد يكون ملازما مع العقد المجاز في الصحة.

و توضيح المراد بحوله و قوته في ضمن مثال فنقول: نفرض ان عبد المالك بيع بفرس ثم بيع بكتاب ثم باعه المشتري بدينار فبيع العبد بكتاب واقع بين بيعه بفرس و بيعه بدينار فاذا أجاز مالك العبد بيعه بكتاب يبطل بيعه بفرس اذ يكون بيعه بفرس اجنبيا عن مالك العبد فلا مقتضي لصحته باجازة مالك العبد بيع العبد بكتاب.

و أما بالنسبة الي بيع العبد بكتاب فلا اشكال في صحته بالاجازة علي ما هو المقرر من صحة بيع الفضولي بالاجازة.

و أما بيع العبد بدينار فعلي القول بكون الاجازة كاشفة لا اشكال في تماميته اذ بالاجازة يكشف ان البيع صدر من أهله و وقع في محله.

و أما علي المسلك المنصور أي النقل فيبتني الحكم علي القول

بصحة بيع من باع شيئا ثم ملكه بالاجازة أو بدون الاجازة و قد مرّ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 381

ان الحق عدم الصحة و في المثال المذكور اذا فرضنا انه بيع الفرس بثوب و بيع الدينار بتومان يكون بيع الفرس باطلا و لا يصح باجازة بيع العبد بكتاب فانه اجنبي عن مالك العبد.

و أما بيع الدينار بتومان فعلي القول بالكشف يصح كما هو ظاهر و أما علي القول بالنقل فيبتني علي حكم من باع شيئا ثم ملك فالنتيجة ان العقود الواقعة علي العين أو عوضها قبل العقد المجاز من قبل المالك باطلة لكونها اجنبية عن المالك و أما العقود الواقعة علي العين أو بدلها ففيها التفصيل المذكور.

هذا كله فيما يكون المجاز العقد الواقع علي عين مال المجيز و أما لو كان الاجازة متعلقة بالعقد الواقع علي عوض ماله فأيضا نذكر مثالا و نقول: اذا بيع عبد المالك بفرس و الفرس بدرهم و الفرس برغيف فبيع الفرس بدرهم واقع بين بيع العبد بفرس و بيع الفرس برغيف فاذا أجاز مالك العبد بيع الفرس بدرهم يكون بيع العبد بفرس صحيحا اذ ما دام لا يجيز المالك بيع العبد بفرس لا يملك الفرس و ما دام لا يملك الفرس لا يمكنه اجازة بيع الفرس بدرهم و هذا علي القول بالكشف ظاهر.

و أما علي القول بالنقل فيبتني علي الالتزام بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك هذا ما أفاده في المقام.

و لكن الذي يختلج بالبال أن يقال: انه لا مجال لاجازة بيع العبد بالفرس باجازته بيع الفرس بدرهم اذ يتوقف اجازة بيع الفرس بدرهم علي كونه مالكا للفرس و الحال ان كونه مالكا للفرس يتوقف علي اجازة

بيع الفرس بدرهم و هذا دور.

و أما العقد الواقع بعد العقد المجاز أي بيع الفرس برغيف فهو صحيح أما علي الكشف فظاهر و أما علي النقل فيبتني علي القول

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 382

بصحة بيع من باع شيئا ثم ملك و صفوة القول: ان اجازة العقد توجب صحة المجاز و صحة كل عقد يكون ملازما مع المجاز في الصحة من السابقة و اللاحقة فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان هنا اشكالا»

حاصل الاشكال: ان المشتري من الغاصب اذا كان عالما بكون البائع غاصبا و مع ذلك سلطه علي ماله يكون تسليطه مجانيا
اشارة

فاذا فرض ان الغاصب اشتري بذلك المال شيئا يكون له و لا يكون ضامنا للمشتري الاول اذ بالتسليط المجاني الذي صدر عنه سقطت حرمة ماله فلا مجال للاجازة بالنسبة الي مالك العين التي باعها الغاصب لا بالنسبة الي العقد الاول الصادر عن الغاصب بالبيع و لا بالنسبة الي العقد الثاني الذي صدر عنه بالاشتراء فان المفروض ان المبيع الذي يكون مملوكا للمالك الاصلي بلا ثمن و أما العقد الثاني فيكون اجنبيا عنه فعلي كلا التقديرين لا مجال للاجازة فما الحيلة و ما الوسيلة؟

و قد ذكرت في مقام دفع الاشكال وجوه:
الوجه الأول: ان الاجازة كاشفة عن تحقق الملكية في زمان العقد فيكون الغاصب آخذا لمال المالك الاصلي

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 382

فلا مجال للتقريب المذكور.

و فيه ان مسلك الكشف باطل و لا دليل عليه بل الحق مسلك النقل غاية الامر في النقل أيضا أقوال مختلفة و قد تقدم ان المختار عندنا الكشف الانقلابي و بيّنا ما عندنا.

مضافا الي أن التقريب المذكور لا ينطبق علي صورة إنشاء القبول بنفس تسليم الثمن الي البائع الفضولي فان التقريب المشار إليه يتوقف علي تحقق ملكية الثمن للمالك الاصلي كي يكون تسليم الثمن تسليما لمال الغير و أما اذا كان إنشاء الاشتراء بنفس التسليم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 383

الخارجي فلا ملكية قبل الاقباض.

الوجه الثاني: ان حق المالك الاصلي بالنسبة الي الاجازة مقدم علي حق الغاصب

لان حقه أسبق و أولي من الغاصب فان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال

و فيه أولا انه لا نري حقا للمالك الاصلي فان المستفاد من الدليل ان المالك لو أجاز العقد الفضولي تنفذ اجازته و هذا لا يدل علي وجود للمالك. و بعبارة اخري: الدليل الدال علي نفوذ اجازة المالك للعقد الفضولي مثل الدليل يدل علي أن المكلف اذا صار ثوبه نجسا و غسله بالماء مع رعاية الشرائط المقررة يطهر ثوبه و هل يتوهم احد ان هذا حق للمكلف؟ و نسميه بحق التطهير.

و أما كون حق اسبق فلا مجال للقول به بعد انتفاء الموضوع لما بينا و ثانيا: ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال كلام مشهور في ألسنة الفقهاء و ليس عليه دليل معتبر و انما المستفاد من الدليل ان الغاصب يرتكب الحرام بالتصرف العدواني في مال الغير و ضامن لمال الغير و لا دليل علي أزيد من هذا

المقدار.

و ثالثا: ان الاشكال المذكور في المقام لا يرتبط بالغاصب فان الغاصب غصب مال المالك الاصلي انما الاشكال في ان المشتري العالم بالغصب قد سلط باختياره الغاصب علي الثمن مجانا و بلا عوض فلا ارتباط بين المقامين.

الوجه الثالث: ان التسليط المجاني من قبل المشتري العالم بالغصب انما يكون في ظرف عدم الاجازة

و أما مع الاجازة فلا يكون التسليط مجانيا حتي في نظر الشارع و قد تعرض لهذا الوجه في كلام الشيخ قدس سره و صرح به في كلام سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 384

و فيه ان الامضاء الشرعي يتحقق بعد الاجازة القابلة للتأثير و الحال ان التسليط قد تحقق قبل الاجازة فلا يبقي موضوع للاجازة فكيف بالامضاء الشرعي؟ نعم اذا وقع العقد الفضولي بين الغاصب و المشتري العالم بالغصب عقدا لفظيا و يكون الاقباض الخارجي وفاء للعقد علي تقدير الاجازة و لكن هذا فرض و خيال فان المشتري لا يكون قاصدا لامرين بل قاصد لامر واحد اما الوفاء كما هو الحق و اما التسليط المجاني الذي يكون منشأ للاشكال المذكور فلاحظ.

الوجه الرابع: انه ما المراد من التسليط المجاني؟

فان كان المراد من المجاني ان المشتري عالم بعدم صحة المعاملة شرعا فهذا المقدار لا يقتضي المجانية و ان كان المراد انه سلطه بلا عوض و بدل فهو مقطوع البطلان كيف؟ و الحال ان المشتري يتملك المبيع بإزاء الثمن و التسليط الخارجي يكون بعنوان الوفاء.

و ان شئت قلت: ان المقام من مصاديق كبري المقبوض بالعقد الفاسد و قد مر الكلام حول المسألة علي التفصيل و قلنا ان المقبوض بالعقد الفاسد يوجب ضمان القابض.

و لقائل أن يقول: ان عنوان الشيخ الاعظم قدس سره هذا الاشكال في المقام غير سديد فانه ليس بحثا جديدا. لكن يمكن دفع الاشكال المذكور عن الشيخ بأن الوجه في التعرض خصوصية علم المشتري بالقبض و المقبوض بالعقد الفاسد أعم من العلم المذكور فلاحظ.

و كيف كان لا وجه لهذا الاشكال نعم ان الغاصب اذا أتلف الثمن لا يبقي مجال للاجازة اذ المفروض ان الاجازة

ناقلة و مع فرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 385

انعدام الثمن لا يكون مجال للنقل و الانتقال و هذا أمر آخر لا يرتبط بالاشكال المذكور في المقام.

و لتوضيح الحال نقول: الاقباض و التسليط اللذان يقعان في الخارج مع علم المشتري بالغصب إما يكونان وفاء بالعقد الواقع قبلهما و إما يكونان مصداقين لانشاء القبول بهما و علي كلا التقديرين نسأل ان المشتري العالم بالغصب هل يقصد بالاقباض الهبة أو الاباحة أم يقصد أمرا آخر ان قلت: بأنه قصد الاباحة أو الهبة قلت: لا يكون كذلك قطعا و هل تكون المعاملات الباطلة في الخارج كالقمار و نحوه مصاديق للهبة أو الاباحة؟ كلا ثم كلا. و ان قلت: قصد الوفاء بالعقد أو قصد الانشاء بالاقباض قلت: فما وجه كون المدفوع للقابض و اي دليل دل علي ان الاقباض الخارجي بنفسه من المملكات في الشرع الاقدس مع ان المستفاد من قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» حصر التملك الجائز في التجارة عن تراض مع الشرائط المقررة و هل العقد الفاسد من صغريات هذه الكبري؟

[مسألة في أحكام الرد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة في أحكام الرد»

يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:
الجهة الأولي: في انه لا يترتب أثر علي هذا البحث علي القول بأن الرد لا يكون مانعا عن الاجازة

كما قويناه اذ علي القول بعدم المانعية لا يفرق بين تحقق الرد و عدمه.

الجهة الثانية: في أن الرد القولي هل يلزم أن يكون باللفظ الصريح؟

ربما يقال- كما أفاد الشيخ قدس سره- انه يشترط كونه صريحا اذ مع عدم الصراحة يكون المرجع اصالة اللزوم و عدم تحقق المانع و بقاء قابلية للاجازة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 386

و يرد عليه أولا: انه لو استفيد من الدليل تأثير الرد في قابلية الاجازة الواقعة بعده و انها لا اثر لها بعد الرد نأخذ بإطلاق ذلك الدليل و نقول: اذا تحقق الرد يسقط العقد الفضولي عن قابليته للحوق الاجازة به فلا وجه لاشتراط الصراحة.

و ثانيا: انه اذا وصلت النوبة الي الشك و الاخذ بالاصل يشكل اتمام الامر به اذ استصحاب بقاء القابلية يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد و بعد تساقط الاصلين بالمعارضة تصل النوبة الي استصحاب عدم التأثير و عدم كون العقد صحيحا فان الميزان الكلي في مورد الشك في صحة الامور الوضعية أن يرجع الي استصحاب عدم الصحة و ترتيب الفساد.

الجهة الثالثة: في أن المالك اذا تصرف في العين قبل الاجازة تصرفا ناقلا كالبيع أو معدما للملكية كالعتق

فهل يبقي مجال للاجازة بعده أم لا؟ أما علي النقل فلا مجال للاجازة اذ المفروض ان الاجازة ناقلة و مع التصرف المذكور لا موضوع للنقل.

و أما علي الكشف فربما يقال: - كما في كلام الشيخ قدس سره- ان الاجازة تكشف عن بطلان التصرف السابق فتكون الاجازة مؤثرة.

و لكن الحق أن يقال: ان الاجازة الواقعة بعد التصرف باطلة و بلا أثر اذ الاجازة انما تؤثر- حتي علي القول بالكشف- فيما تكون صادرة عن المالك و المفروض ان المجيز لا يكون مالكا بعد التصرف.

و بعبارة واضحة: ان الاجازة لا بد من صدورها من شخص يكون مالكا للعين لو لا الاجازة لا عن الاجنبي و المجيز بعد التصرف يكون أجنبيا هذا بالنسبة الي التصرف في نفس العين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 387

و أما التصرف في منافع العين كالاجازة مثلا فالظاهر انها لا تكون مانعة عن الاجازة اللاحقة غاية الامر يثبت للمشتري الخيار.

و علي الجملة: التصرف في المنافع بنفسه لا يكون مانعا عن الاجازة الا اذا علم من الشرع تنافيها كالاستيلاد اذا قلنا ان المستفاد من الدليل المنع عن نقل أم ولد بأي نحو كان و تشخيص الموارد بنظر الفقيه الخبير بالصناعة.

الجهة الرابعة: في أن التصرفات غير المنافية هل تكون ردا أم لا؟
اشارة

مثلا: العرض للبيع أو البيع الفاسد هل يكون ردا أم لا يكون؟

و الذي ذكر في تقريب كونه مانعا وجهان:
الوجه الأول: ان التصرف غير المنافي كالعرض للبيع مثلا رد عرفا.

و يرد عليه ان الرد من الامور الانشائية التي تتوقف علي الانشاء فكيف يحصل بعرض المتاع للبيع.

الوجه الثاني: ان التصرف في العين المنتقلة الي الغير بالعقد الخياري يكون فسخا اجماعا

مثلا اذا باع زيد داره من بكر بالبيع الخياري ثم باع الدار من شخص آخر يكون بيعه الثاني فسخا للعقد الاول فاذا كان النقل المنافي فسخا بالبيع الخياري و موجبا لانعدام العقد فبالاولوية يكون ردا للعقد الفضولي.

و يرد عليه أولا: ان القياس مع الفارق فان ذا الخيار ما دام لا يكون فاسخا للعقد الاول لا يمكنه العقد الثاني لعدم جواز بيع مال الغير فاذا باع يكشف عن الفسخ السابق.

و ثانيا: انه قد مرّ منا انه لا يمكن الالتزام بكون التصرف موجبا للفسخ و مقتضيا للبيع الجديد اذ قلنا ان البيع لا بد من وقوعه في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 388

ملكه و المفروض ان العين مملوكة للغير فكيف يمكن ان ذا الخيار بانشاء واحد يخرج العين عن ملك الغير و يدخله في ملكه و في ذلك الزمان يدخلها في ملك ثالث فانه غير معقول و كيف يمكن قيام الاجماع التعبدي علي الامر الذي يكون غير معقول.

ان قلت: مقتضي جريان اصالة الصحة في بيعه الحكم بفسخه أولا ثم بيعه، قلت: ان المفروض ان المبرز منحصر في العقد المنافي و قلنا لا يعقل إنشاء كلا الامرين بانشاء واحد مضافا الي أن اجراء اصالة الصحة في مورد يمكن للمتصدي للعقد الاتيان به و انشائه و المفروض ان العين مملوكة للغير و ليس لذي الخيار بيعها فلا موضوع لاصالة الصحة.

بالإضافة الي أن مقتضي الاستصحاب بقائها في ملك من عليه الخيار و عدم الفسخ و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه للتفصيل بين كون المتصرف ملتفتا الي أن العين مبيعة بالعقد

الفضولي و بين أن يكون غافلا بأن يقال في الصورة الاولي بكونه ردا و في الصورة الثانية بعدم كونه ردا.

الجهة الخامسة: ان الفضولي لو أقبض العين من المشتري الاصيل فلا اشكال و لا ريب في أن للمالك انتزاعها من يد المشتري

و هل يكون الانتزاع بنفسه ردا أم لا؟ الحق أن يقال: ان الانتزاع بنفسه يجامع مع عدم الرد و لكن يمكن إنشاء الرد بالانتزاع فاذا دلت القرائن علي أن المالك قصد الرد بالانتزاع نلتزم به و أما مع عدم دلالة القرينة و الشك يكون مقتضي الاستصحاب عدم إنشاء الرد من قبل المالك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 389

[مسائل متفرقة]
[مسألة لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو»

الامر كما أفاد فانه مع كون المبيع في يده لا يكون مجال للرجوع الي أحد.

«قوله قدس سره: و الا فله انتزاعه ممن وجده في يده»

اذ المفروض ان العين مملوكة له فعلي طبق القانون الشرعي و العقلائي يجوز له أخذه فان الناس مسلطون علي أموالهم.

«قوله قدس سره: و يرجع بمنافعه المستوفاة و غيرها علي الخلاف المتقدم في البيع الفاسد»

و قد مرّ الكلام تفصيلا هناك فراجع ما ذكرناه هناك.

«قوله قدس سره: و مع التلف يرجع الي من تلف عنده»

بل يرجع الي من وضع يده علي ماله و بعبارة اخري: اليد اذا لم تكن امانية و كانت ضمانية يكون الاخذ ضامنا و قد مرّ الكلام حول المسألة في تعاقب الايدي.

«قوله قدس سره: بقيمته يوم التلف»

قد ذكرنا في المقبوض بالعقد الفاسد ان مقتضي القاعدة الاولية كون الميزان بيوم الدفع و لكن بالنسبة الي الغاصب نلتزم بأن الميزان قيمة يوم الغصب بملاحظة حديث أبي ولاد الحناط «1» و تفصيل الكلام موكول الي ذلك المقام.

«قوله قدس سره: اختص السابق»

اذ لا مقتضي للرجوع بالنسبة الي الزيادة الي اللاحق فان المفروض انه لم يضع يده علي العين الا في زمان تنزل القيمة و هذا ظاهر واضح.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من

أبواب الاجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 390

[فهنا مسألتان]
[الاولي انه يرجع عليه بالثمن ان كان جاهلا بكونه فضوليا]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي انه يرجع عليه بالثمن»

اذ المفروض ان وضع الغاصب يده علي الثمن يوجب ضمانه و مع الضمان لا فرق بين كون العين باقية أو تالفة.

«قوله قدس سره: ان كان جاهلا بكونه فضوليا»

يقع الكلام في هذه المسألة في جهات:
الجهة الأولي: في رجوع المشتري علي البائع الفضولي مع جهله بالغصب

فانه في الجملة بلا اشكال اذ المفروض ان يد البائع الفضولي يد ضمان فيكون ضامنا للمشتري فيجوز للمشتري أن يرجع عليه بعد اطلاعه علي كون البائع فضوليا و لا فرق فيما ذكرنا من رجوعه علي الفضولي بين كون الثمن باقيا أو تالفا اذ مقتضي الضمان انتقال العين الي الذمة بعد التلف فلا فرق بين البقاء و التلف.

الجهة الثانية: في أنه هل يكون اعتراف المشتري و اقراره بكون البائع مالكا مانعا عن الرجوع عليه أم لا؟

فنقول: تارة يبحث في مقام الثبوت و اخري في مقام الاثبات أما في مقام الثبوت فجواز الرجوع و عدمه تابع لاعتقاد المشتري فان كان معتقدا بكون البائع مالكا فلا يجوز و ان كان شاكا و استند في الاشتراء الي اليد يجوز له الرجوع بعد قيام البينة علي أن العين مملوكة للغير و البائع فضولي.

و أما في مقام الاثبات فتارة يعلم من القرائن ان اعترافه بكون البائع مالكا مستندا الي اليد و اخري يعلم انه معترف بكونه مالكا حتي بعد قيام البينة و ثالثة لا يعلم بالتفصيل احد الطرفين.

أما في الصورة الاولي فلا اشكال في جواز رجوعه اذ قيام البينة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 391

يبطل امارية اليد و أما في الصورة الثانية فيؤخذ باعترافه و اقراره و لا يجوز له الرجوع و أما في الصورة الثالثة فأيضا يجوز الرجوع اذ البينة تقتضي جواز الرجوع و في قبالها ليس شي ء يقتضي خلافه.

و ان شئت قلت: قيام البينة وجداني و اقرار المشتري بكون الثمن للبائع مشكوك فيه و الاصل عدمه.

الجهة الثالثة: انه لو كان المشتري عالما بالفضولية

و كان الثمن باقيا عند الفضولي فهل يجوز رجوعه و أخذ الثمن منه أم لا؟ مقتضي القاعدة وفاقا لجملة من الاساطين المذكورين في المتن انه يجوز له الرجوع و الاخذ اذ الثمن مملوك له و لم يتحقق في الخارج ما يوجب انتقال الثمن الي الفضولي و قد تقدم آنفا في الجملة و تقدم في بحث المأخوذ بالعقد الفاسد بالجملة ان التسليط الخارجي و اقباض الثمن من الفضولي لا يقتضي صيرورته ملكا له.

هذا علي النقل الذي هو القول المنصور و أما علي الكشف فان كان العقد الفضولي الواقع بين الفضولي و الاصيل باللفظ و كان الاقباض

وفاء للعقد يكون المثمن ملكا للمالك الاصلي و كيف يمكن أن يصير الثمن ملكا للبائع الفضولي مع كونه مملوكا للمالك الاصلي؟

و علي اساس كونه ملكا للبائع الفضولي لا يبقي مجال للاجازة و لكن القول بالكشف علي خلاف التحقيق و يمكن ان الماتن يشير الي ما ذكرنا بقوله «فتأمل».

الجهة الرابعة: في أنه هل يجوز للبائع الفضولي التصرف في الثمن أم لا؟

لا يخفي انه لا يبقي مجال لعنوان هذا الفرع اذ بعد بقاء الثمن في ملك مالكه الاولي أي المشتري الاصيل لا مقتضي لجواز تصرف البائع الفضولي فيه بل لا اشكال في حرمته فانه تصرف عدواني و مصداق للغصب.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 392

الجهة الخامسة: في أنه لو تلف الثمن عند البائع الفضولي فهل يكون ضامنا للمشتري الاصيل مع علمه بالغصب أم لا؟

قال الشيخ قدس سره: المعروف عدم رجوع المشتري بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم رحمهم اللّه الاتفاق عليه و اختار عدم الضمان.

و ملخص ما افاده في مقام تقريب عدم الضمان: ان القائل بالضمان اما يتمسك بقاعدة علي اليد و اما يتمسك بقاعدة الاقدام أما الاول فهو خصّص بما يدل علي أن الودعي و المستعير لا يكونان ضامنين مع ان المالك لم يأذن لهما في الاتلاف فبطريق أولي لا يتحقق الضمان هنا فان المالك أي المشتري الاصيل سلط الفضولي علي التصرف في الثمن و اتلافه فلا يثبت الضمان من هذه الناحية.

و أما الاقدام فلا اثر له لان المشتري يعلم بأن البائع جعل الثمن في مقابل مال الغير فاقدامه بالنحو المذكور لا يوجب شيئا عليه و بنحو آخر لم يتحقق فلا مقتضي للضمان.

لا يقال: فيلزم عدم الضمان في العقود الفاسدة و الحال انه قد سبق في بحث العقد الفاسد ان المأخوذ به يقتضي الضمان، فانه يقال: التضمين هناك يتحقق غاية الامر يكون فاسدا.

و بعبارة اخري: قد تحقق هناك أمران: اصل التضمين و تضمين خاص و الشارع الاقدس لم يمض الحصة الخاصة فيبقي أصل الضمان بحاله و أما فيما نحن فيه فلا يكون ضمان الا بمال الغير فلا يتوجه الي البائع الفضولي شي ء.

اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام تارة فيما يرجع الي كلام

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 393

الشيخ و ان ما أفاده تام أم لا؟ و اخري فيما يقتضيه النظر الدقيق

فهنا مقامان
أما المقام الأول [في أن ما أفاده الشيخ تام أم لا]

فيرد علي ما أفاده أولا: انه كيف جمع بين حرمة تصرف الفضولي في الثمن قبل تلفه و عدم ضمانه بعد التلف فان الاقباض ان كان إباحة أو هبة أو عارية فلا وجه لحرمة التصرف و ان لم يكن الاقباض باحد هذه العناوين فلا بد من الالتزام بالضمان فالجمع بين الامرين جمع بين المتنافيين.

و بعبارة واضحة: ان التسليط علي التصرف و الاتلاف ان كان موجبا لعدم الضمان فكيف لا يكون مقتضيا لجواز التصرف فانه قدس سره صرح بأنه سلطه علي التصرف و الاتلاف.

و ثانيا: ان المشتري الاصيل العالم بالفضولية لا يسلط البائع الفضولي علي مملوكه كي يقال ان التصرف فيما يكون مأذونا فيه من قبل المالك لا يوجب الضمان كيف و ان المشتري يتملك العين في مقابل تمليك الثمن.

و ان شئت قلت: ان المشتري يعتبر كون الثمن مملوكا للفضولي و مع البناء علي كونه مملوكا للفضولي لا مجال للاذن فان الانسان انما يأذن في التصرفات الواقعة في مملوكه لا في مملوك الغير.

و بعبارة واضحة: انه يري نفسه اجنبيا عن الثمن و علي هذا الاساس يسلمه من البائع فلا يتم ما أفاده هذا تمام الكلام بالنسبة الي المقام الأول.

و أما المقام الثاني [فيما يقتضيه النظر الدقيق]

فنقول: قد سبق منا في بحث المقبوض بالعقد الفاسد ان وضع اليد علي مال الغير مع الاقدام علي الضمان يوجب الضمان في نظر العقلاء و سيرتهم و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع الاقدس غاية الامر ان كان التضمين مطابقا مع المقررات الشرعية يكون الواضع ضامنا للمسمي و الا يكون ضامنا للبدل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 394

الواقعي في صورة تلف المأخوذ و نفس العين في صورة بقائها و وجودها و علي هذا الاساس نحكم بالضمان

في جميع موارد العقود الفاسدة و المعاملات غير الشرعية و الا يلزم عدم ضمان المتقامرين و لا فرق فيما نقول بين أن يكون مورد العقد مملوكا للمتعاملين أو لا يكون أو يكون أحد العوضين مملوكا لاحدهما دون الاخر و الميزان الكلي ما ذكرنا و هو وضع اليد علي مال الغير و عدم قصد المجانية.

و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو ان المستفاد من قوله تعالي «الا أن تكون تجارة عن تراض» ان جواز تملك مال الغير منحصر في التجارة عن تراض مع الشرائط المقررة و في غير هذه الصورة لا يجوز التملك هذا من ناحية و من ناحية اخري ان التصرف في مال الغير بلا رضاه حرام كما ان وضع اليد علي مال الغير يقتضي الضمان فالنتيجة انه لو تلف الثمن في يد الفضولي يكون ضامنا للمشتري الاصيل.

ان قلت: فما الوجه لعدم ضمان المستودع و المستعير؟ قلت:

الشارع الاقدس حكم بعدم ضمان اليد الامانية مضافا الي أن اقباض المالك مملوكه من المستودع أو المستعير لا يكون مبنيا علي الضمان و لذا نفرق بين كون العارية عارية مضمونة أو غير مضمونة حيث نلتزم بالضمان في الصورة الاولي و عدمه في الصورة الثانية.

و صفوة القول: ان وضع اليد علي مال الغير بلا قيد عدم الضمان يكون مقتضيا للضمان في وعاء الشرع و عند العقلاء بحسب سيرتهم.

ثم انه ينبغي التنبيه بأمور تبعا للماتن قدس سره
التنبيه الاول: ان قاعدة ما يضمن و عكسه لا تكون بهذا العنوان واقعة في كلام الامام عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 395

كي نتعرض لمفادها بل هذه الجملة كلام الاعلام و لا يبعد أن يكون الظاهر من الجملة ان كل عقد اذا فرض الضمان في صورة كونه صحيحا يكون موجبا للضمان في صورة الفساد أيضا و كذلك في عكس القضية و الحق ان الكبري المذكورة

غير تامة فان عقد البيع اذا كان صحيحا يكون موجبا لضمان البائع للمبيع و لضمان المشتري الثمن و الحال ان فاسده لا يقتضي الضمان و هكذا فالحق أن يقال ان المستفاد من الشرع و السيرة ان وضع اليد علي مال الغير مع اشتراط الضمان يقتضي أن يكون الواضع ضامنا.

التنبيه الثاني: انه لو باعه ما لا يكون قابلا للبيع لا شرعا و لا عند العقلاء

كما لو باعه حرا بدينار و قبض الدينار فهل يكون القابض ضامنا للدينار المقبوض أم لا؟

أفاد سيدنا الاستاد قدس سره وفاقا لجملة من الاساطين ان القابض لا يكون ضامنا بتقريب: ان المشتري اذا علم بالحال لم يقصد المبادلة حقيقة فلا يكون للثمن عوض فلا مقتضي للضمان و يكون كالبيع بلا ثمن.

و يرد عليه ان قياس المقام بالبيع بلا ثمن قياس مع الفارق فان البيع بلا ثمن عبارة عن التمليك المجاني غايته انشأ الواهب الهبة بهذا اللفظ و أما في المقام فان المفروض جعل المعاوضة بين الثمن و المبيع الحر.

و قوله «انه لم يقصد المبادلة حقيقة» لا يرجع الي محصل صحيح فان قصد المبادلة و المعاوضة قد تحقق علي الفرض و أي فرق بين المقام و بين بقية العقود الفاسدة فالحق ان الضمان متحقق اذ المشتري لم يقصد المجانية و انما سلط البائع علي الثمن من باب كونه مالكا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 396

و صفوة القول: ان فساد المعاملة ان كان موجبا لعدم الضمان فما الوجه في الحكم بالضمان في بقية الموارد؟ و ان كان قصد المعاوضة يقتضي الضمان فالمقام كذلك فالحكم بالفرق تحكم.

و ببيان اوضح: ان القابض للثمن هل يجوز له التصرف في الثمن و هل يكون الثمن مملوكا له أم لا؟ و لا بد لمن يقول بعدم الضمان أن يقول هو مملوك

له و صار ملكا له بالهبة فان البيع المذكور في الحقيقة هبة كالبيع بلا ثمن و عليه نقول: هل يصح اطلاق الهبة عليه و العرف ببالك فانه يصح سلب الصدق و صحة السلب علامة المجاز فلاحظ.

التنبيه الثالث: ان البائع الفضولي اذا باع العين للمالك الاصلي

و أخذ الثمن بعنوان ايصاله إليه مع علم المشتري بالحال و تلف في يده قبل الوصول الي المالك فهل يكون ضامنا؟ الظاهر انه لا وجه للضمان اذ يده امانية و المفروض ان المشتري مع علمه بالحال دفع الثمن إليه لان يوصله الي المالك الاصلي.

التنبيه الرابع: انه لو قلنا بعدم الضمان

كما اختاره الشيخ قدس سره و فرضنا ان المشتري لم يقبض الثمن بل البائع الفضولي بنفسه أخذ الثمن من باب أنه ملكه فهل يكون ضامنا أم لا؟ لا اشكال في ضمانه في الصورة المفروضة اذ لا وجه لعدم الضمان و التقريب المتقدم لا يتحقق في المقام فانّ المفروض ان المشتري لم يسلطه بل هو بنفسه وضع يده علي مال الغير فيكون ضامنا.

التنبيه الخامس: انه لو اشترط المشتري الضمان في زمان الاقباض

بأن يشترط عليه بأنه لو أخذ منه العين يكون الفضولي ضامنا فهل يكون تلف الثمن في هذه الصورة موجبا للضمان أم لا؟

الذي يختلج بالبال أن يفصّل بأن يقال: ان كان الاقباض بعنوان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 397

كون البائع مالكا و الاقباض وفاء بالعقد يكون شرط الضمان يوجب كون اليد موجبة للضمان اذ مرجع الشرط الي أن الاقباض و التسليط لا يكون مجانيا و أما لو كان الاقباض بعنوان ان البائع الفضولي يوصل الثمن الي المالك الاصلي فشرط الضمان يكون فاسدا لكونه علي خلاف الشرع.

و بعبارة واضحة: انه قد سبق آنفا ان الاقباض اذا كان لاجل ايصاله الي المالك الاصلي لا يكون الاخذ ضامنا في صورة التلف فشرط الضمان في الصورة المفروضة خلاف المقرر الشرعي فلا يكون نافذا.

ان قلت: يجوز شرط الضمان في العارية نصا و فتوي قلت:

العارية لاجل الانتفاع بالعين و المقام ليس كذلك بل الاقباض لاجل الايصال فقط.

التنبيه السادس: لا فرق بين كون الثمن كليا و دفع الي البائع بعض أفراد الكلي و بين كونه شخصيا.

فانه لا فرق بينهما من حيث الاثر و الاحكام المترتبة.

[المسألة الثانية ان المشتري اذا اغترم للمالك غير الثمن]
اشارة

«قوله قدس سره: المسألة الثانية ان المشتري اذا اغترم للمالك غير الثمن»

في هذه المسألة فروع
الفرع الأول: اذا اغترم المشتري الاصيل غرامة لم يحصل شي ء له في مقابلها
اشارة

كالمصارف التي صرفها في العمارة مثلا و أمثالها فهل يمكنه الرجوع بها الي البائع الفضولي أم لا؟ فنقول: تارة يكون المشتري عالما بالحال و ان العين للغير و البائع غاصب و اخري يكون جاهلا.

أما في الصورة الاولي فلا يكون له الرجوع اذ لا مقتضي للرجوع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 398

و ان شئت قلت: لا فرق بين البائع و المشتري في هذه الجهة و انهما غاصبان للعين فلا مقتضي للرجوع.

و أما ان كان جاهلا فما يمكن أن يذكر في تقريب جواز الرجوع وجوه:
الوجه الأول: الاجماع عن السرائر انه يرجع قولا واحدا.

و فيه ان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي تقدير حصول محتمل المدرك فلا يكون حجة أيضا.

الوجه الثاني: قاعدة نفي الضرر

بتقريب: ان المشتري تضرر بالغرامة و الضرر منفي في الشريعة المقدسة.

و يرد عليه أولا: ان التمسك بالقاعدة انما يتم علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة الّذي اخترناه فلا مجال للاخذ بها اذ المستفاد من القاعدة علي المختار حرمة الاضرار بالغير لا نفي الحكم الضرري في الشريعة و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر و قد تعرضنا حول القاعدة و ذكرنا ما اختلج ببالنا و من أراد الوقوف علي ما ذكرنا فليراجع القاعدة في المجلد الثاني من كتابنا «آرائنا في اصول الفقه».

و ثانيا: انه ما الفرق بين البائع و المشتري و أي ترجيح في طرف المشتري و بعبارة اخري اذا لم يرجع المشتري الي البائع يكون الضرر متوجها إليه و اذا راجع عليه و يأخذ الغرامة منه يكون البائع متضررا فما وجه الترجيح و التقديم؟

و ثالثا: ان القاعدة تنفي الضرر لا انها تدل علي جبران الضرر الوارد مثلا الوضوء اذا كان ضرريا يرتفع وجوبه بالقاعدة و أما اذا كان الضرر واردا علي شخص فلا تدل القاعدة علي جبرانه و الا كان اللازم تدارك كل ضرر وارد علي شخص من بيت المال و هل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 399

يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا.

و ان شئت قلت: ان القاعدة نافية لا مثبتة و في المقام المفروض وقوع الضرر علي المشتري و لا تفي القاعدة بجبران ضرره برجوعه علي البائع.

الوجه الثالث: قاعدة السبب و التسبيب

فان البائع سبب لوقوع الضرر المفروض علي المشتري فيجوز له أن يرجع عليه و يأخذ الخسارة منه.

و فيه ان هذه القاعدة لم تقع في آية أو رواية بل لا بد من العمل علي طبق القاعدة فان كان التسبيب علي

نحو يستند الفعل الي السبب كالذي يفتح باب قفس الطائر و يصير سببا لطيرانه و تلفه فضمانه علي القاعدة لان الفعل يستند إليه و يصح أن يقال: ان فلانا أتلف الطائر الفلاني.

و الميزان الكلي في تقديم السبب علي المباشر أن يكون بحيث يستند الفعل إليه فاذا صدق القتل و انه قتل فلانا يقتصّ منه أو يؤخذ منه الدية و اذا صدق انه أتلف يكون ضامنا و هكذا و من الظاهر انه لا يكون كذلك في المقام.

الوجه الرابع: قاعدة الغرور

فان المغرور يرجع الي من غره.

و هذه القاعدة قاصرة من حيث السند فانه نقل انها مضمون حديث نبوي و لكن الحديث غير معتبر سندا و عمل المشهور به أول الكلام بل قيل لم يعمل به المشهور.

مضافا الي أنا قد ذكرنا مرارا ان عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعفه و لكن مع ذلك لا يمكن رفع اليد عن القاعدة اذ لا يبعد أن تكون السيرة العقلائية جارية علي تغريم الغارّ و في سيرتهم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 400

يرجع المغرور الي من غرّه و يمكن أن يستفاد المدعي أي اعتبار القاعدة من جملة من النصوص منها ما رواه اسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نظر الي امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل: هي ابنة فلان فأتي أباها فقال: زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته و انها امة قال ترد الوليدة علي مواليها و الولد للرجل و علي الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرجل و خدعه «1».

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال قضي أمير المؤمنين

عليه السلام في المرأة اذا أتت الي قوم و أخبرتهم انها منهم و هي كاذبة و ادعت انها حرة و تزوجت انها تردّ الي أربابها و يطلب زوجها ماله الذي أصدقها و لا حق لها في عنقه و ما ولدت من ولد فهم عبيد «2».

و منها ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال في رجل تزوج امرأة من وليّها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها قال: فقال:

اذا دلست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فانها تردّ علي أهلها من غير طلاق و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها فان لم يكن وليّها علم بشي ء من ذلك فلا شي ء عليه و ترد علي أهلها قال و ان أصاب الزوج شيئا مما اخذت منه فهو له و ان لم يصب شيئا فلا شي ء له قال و تعتد منه عدة المطلقة ان كان دخل بها و ان لم يكن دخل بها فلا عدة عليها و لا مهر لها «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس الحديث 1.

(2) عين المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 401

و منها ما رواه رفاعة بن موسي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام الي أن قال و سألته عن البرصاء فقال: قضي أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة زوجها وليّها و هي برصاء انّ لها المهر بما استحل من فرجها و ان المهر علي الذي زوجها و انما صار عليه المهر لانه دلّسها و لو ان رجلا تزوج امرأة و زوجه ايّاها رجل لا

يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها «1».

و منها ما رواه ابن بكير عن بعض اصحابه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بها الجنون و البرص و شبه ذا فقال: هو ضامن للمهر «2».

و منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها قال يؤخذ المهر منها و لا يكون علي الذي زوجها شي ء 3.

و منها: ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال انما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل قلت أ رأيت: ان كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها قال: المهر لها بما استحل من فرجها و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها «4».

و منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة فيؤتي بها عمياء أو برصاء أو عرجاء قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 1.

(2) (2 و 3) عين المصدر الحديث 3 و 4.

(4) عين المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 402

ترد علي وليها و يكون لها المهر علي وليها، الحديث «1».

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:

في كتاب علي عليه السلام من زوج امرأة فيها عيب دلّسه و لم يبيّن ذلك لزوجها فانه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها و يكون الذي ساق الرجل إليها علي الذي زوجها و لم يبيّن «2».

و منها ما

رواه علي بن جعفر عن اخيه قال سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل و هي رتقاء قال: يفرق بينهما و لا مهر لها «3».

و منها ما رواه الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل تزوج امرأة مرة فوجدها امة قد دلّست نفسها له قال: ان كان الذي زوجها ايّاه من غير مواليها فالنكاح فاسد قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: ان وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه و ان لم يجد شيئا فلا شي ء له و ان كان زوجها ايّاه ولي لها ارتجع علي وليها بما أخذت منه و لمواليها عليه عشر ثمنها ان كانت بكرا و ان كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها قال:

و تعتد منه عدة الامة قلت: فان جاءت منه بولد قال: أولادها منه أحرار اذا كان النكاح بغير اذن الموالي «4».

فان المستفاد من مجموع ما ذكر ان القاعدة المذكورة قاعدة فقهية و لذا نري الفقهاء يقولون بها في موارد التغرير.

و لكن النصوص المشار إليها لا تفي باثبات المدعي علي نحو الكبري الكلية اذ ما يستفاد منه عموم الحكم ضعيف سندا لاحظ ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب العيوب و التدليس الحديث 6.

(2) عين المصدر الحديث 7.

(3) عين المصدر الحديث 8.

(4) الوسائل الباب 67 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 403

رواه اسماعيل بن جابر «1» فان الحديث تام من حيث الدلالة لكن السند ضعيف و لاحظ ما رواه رفاعة «2» و الرواية ضعيفة بسهل و للحديث سند آخر و فيه نقاش أيضا فراجع.

و في المقام حديث رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجئ مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع علي من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي اخذت منه «3».

و هذه الرواية تامة سندا و لا يبعد أن يكون فيه اشعار علي المدعي فلاحظ و لكن يمكن الاستدلال بهذه الرواية علي المقام بالتقريب الذي ذكره الشيخ قدس سره بأن نقول: ان حرية الولد اما تعد نفعا و اما لا تعد أما علي الاول فيدل الحديث علي الضمان في المقام بالاولوية اذ لو ثبت الضمان بالتدليس مع الانتفاع فمع عدمه يتحقق بالاولوية و أما علي الثاني فيدل الحديث علي الضمان في المقام أيضا لوحدة حكم الامثال.

و لكن الاشكال كل الاشكال في أن الاحكام الشرعية منوطة بنظر الشارع الاقدس و لا تنالها أفهامنا فالعمدة الاشعار الذي ذكرنا و من الظاهر ان مجرد الاشعار لا أثر له.

و أما حديث زريق قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام يوما اذ دخل عليه رجلان الي أن قال فقال احدهما: انه كان عليّ مال لرجل من بني عمار و له بذلك ذكر حق و شهود فأخذ المال و لم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 401.

(3) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 404

استرجع منه الذكر بالحق و لا كتبت عليه كتابا و لا أخذت منه براءة و ذلك لانّي وثقت به و قلت له: مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك و لم يمزقها و عقب هذا ان طالبني بالمال وراثة و

حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فاخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة و قبض القوم المال و هذا رجل من اخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثم ان ورثة الميت اقروا ان المال كان أبوهم قد قبضه و قد سألوه أن يرد عليّ معيشتي و يعطونه في أنجم معلومة فقال: اني احب أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن هذا فقال الرجل يعني المشتري جعلني اللّه فداك كيف اصنع؟ فقال: تصنع أن ترجع بمالك علي الورثة و ترد المعيشة الي صاحبها و تخرج يدك عنها قال فاذا أنا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك الا ما كان من زرع زرعته انت فان للزارع اما قيمة الزرع و اما أن يصبر عليك الي وقت حصاد الزرع فان لم يفعل كان ذلك له و رد عليك القيمة و كان الزرع له.

قلت: جعلت فداك فان كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرس قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه قلت:

أ رأيت ان كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس و هدم البناء فقال:

يرد ذلك الي ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الارض فاذا رد جميع ما أخذ من غلاتها الي صاحبها ورد البناء و الغرس و كل محدث الي ما كان أو رد القيمة كذلك يجب علي صاحب الارض أن يرد عليه كل ما خرج عنه في اصلاح المعيشة من قيمة غرس

أو بناء أو نفقة في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 405

مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها كل ذلك فهو مردود إليه «1».

و حديث زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل اشتري جارية من سوق المسلمين فخرج بها الي ارضه فولدت منه اولادا ثم انّ أباها يزعم انها له و أقام علي ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «2».

فكلاهما ضعيفان سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتهما مضافا الي أن الامام عليه السلام لا يكون في مقام بيان رجوع المشتري الي البائع و عدمه كي يقال: ان سكوته عليه السلام يدل علي عدم الرجوع فلا مجال لان يقال ان المستفاد من الحديثين انه ليس له الرجوع الي البائع.

و الحاصل ان الدليل علي الرجوع السيرة العقلائية و هي محكمة و اللّه العالم.

و يؤيد المدعي ما رواه وليد بن صبيح «3» و في المقام حديث رواه أبو عبيدة «4» فانه يمكن الاستدلال بالحديث علي المدعي بتقريب ان المستفاد من قوله عليه السلام «و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلّسها» ان التدليس يوجب جواز الرجوع الي المدلس و هذا هو المدعي فلاحظ.

لكن هذا انما يتم في صورة التغرير و أما اذا لم يصدق العنوان المذكور كما لو كان البائع غافلا أو كان معتقدا لجواز بيع مال الغير فكيف يمكن الاستناد الي قاعدة الغرور فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 4.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 402.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

عمدة

المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 406

الفرع الثاني: فيما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه
اشارة

و هذا أيضا يتصور بنحوين أي تارة يكون مع العلم بالحال و اخري مع الجهل أما في صورة العلم و عدم صدق الغرور فلا وجه لرجوعه الي البائع و أما في صورة الجهل بالحال فذهب الشيخ قدس سره وفاقا لجملة من الاساطين الي أنه يجوز له الرجوع علي البائع.

و ما يمكن أن يذكر مدركا للحكم وجوه
الوجه الأول: الاجماع

فعن التنقيح ان عليه الفتوي و ظاهر هذه الجملة ان عليه اتفاق الكلمة.

و فيه ما فيه و قد مرّ قريبا الاشكال في الاجماع فلا نعيد.

الوجه الثاني قاعدة نفي الضرر

و أيضا قد مرّ الاشكال في الاستدلال بالقاعدة قريبا فراجع ما ذكرناه.

الوجه الثالث: قاعدة التسبيب

و أيضا مرّ الاشكال في الاستدلال بها.

الوجه الرابع: قاعدة الغرور

فان مقتضي القاعدة المذكورة المرتكزة في اذهان العقلاء انه يجوز للمغرور أن يرجع الي من غره هذا من ناحية و من ناحية اخري الظاهر انه يصدق عنوان التغرير علي البائع الفضولي العالم بكون المال مغصوبا فلا اشكال لا من ناحية الكبري و لا من ناحية الصغري بل المقام من الموارد المتيقنة للقاعدة كما افاده الشيخ قدس سره.

الوجه الخامس: حديث جميل «1»

و يمكن الاستدلال بما رواه ابو عبيدة «2».

الفرع الثالث: انه لو كان الثمن المأخوذ من المشتري الاصيل عشرة دراهم

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 403.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 400.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 407

و تلفت العين في يد المشتري و زادت قيمة العين عن الثمن يكون للمشتري الرجوع علي البائع الفضولي للاخذ بالنسبة الي ما زادت اذ يصدق انه مغرور و مدلس و المغرور يرجع الي من غره و دلسه و أما بالنسبة الي مقدار الثمن الذي اخذ منه فيرجع و يأخذ من البائع كما مر و لكن ليس له أن يأخذ منه ما يساوي الثمن.

بتقريب: ان المشتري قد غرم بالعشرين فيجوز له أخذ العشرين فان التقريب باطل اذ لا يصدق الغرور و التدليس بالنسبة الي هذا المقدار فلاحظ.

و في المقام اشكال و هو انه قد تحقق عند القوم ان العقد المقبوض بالعقد الفاسد يوجب ضمان الاخذ و يكون ضامنا لتمام القيمة و الوجه فيه ان الاخذ قد أقدم علي الضمان و عليه يلزم في المقام أن يكون ضامنا للمبيع و لا يكون للمشتري الاصيل الرجوع فيما زاد علي الثمن الذي جعل في قبال العين اذ المفروض ان المشتري أقدم علي الضمان فما الوجه في التفصيل؟

و بعبارة اخري: العلة للضمان في العقد الفاسد الاقدام علي الضمان و المفروض ان الموجب المذكور موجود في المقام أيضا.

و ان شئت قلت: ان الاقدام علي الضمان ان كان موجبا للضمان و لا يكون التغرير و التدليس صادقا فلا وجه للرجوع حتي بالنسبة الي الزائد و ان لم يكن موجبا فما الوجه في الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد؟

و يمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور انه في المقبوض بالعقد الفاسد يتحقق القبض مع الاقدام

علي الضمان و الشارع الاقدس ألغي الضمان المعاوضي لبطلان العقد فرضا و أمضي أصل الضمان لوضع اليد مع عدم المجانية فيكون الاخذ ضامنا للقيمة الواقعية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 408

و أما في المقام فالحق انه يضمن أيضا القيمة الواقعية بلا فرق لكن حيث انه مغرور بالنسبة الي ما زاد علي الثمن يكون له الرجوع.

و صفوة القول: ان الفارق بين المقامين صدق التغرير و التدليس و المغرور يرجع الي من غره.

و ربما يقال- كما أفاد السيد قدس سره في الحاشية- ان موجب الضمان هو وضع اليد علي مال الغير و لذا لو وهبه الفضولي مال الغير و تلف عند المتهب يكون المتهب ضامنا للقيمة الواقعية مع انه لم يقدم علي الضمان اذ فرض عدم اقدامه علي الضمان فالموجب للضمان قاعدة اليد و أما وجه رجوعه الي البائع الفضولي في الزيادة علي الثمن فلقاعدة الغرور و أما وجه عدم رجوعه في مقدار الثمن فلإقدامه و عدم صدق الغرور.

و لما انجر الكلام الي هنا ينبغي بل يلزم ارسال عنان الكلام و البحث علي النحو المبسوط في هذا المجال فنقول: لو كانت رواية علي اليد تامة سندا لكان القول بالضمان بمقتضي الحديث المزبور في محله و لكن الحديث قاصر سندا لاحظ ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: «علي اليد ما اخذت حتي تؤديه» «1».

فان هذه الرواية قاصرة سندا و انجبارها بعمل المشهور بها موقوف علي القول بانجبار الخبر الضعيف بالعمل و هو اوّل الكلام و الاشكال.

لكن الظاهر انه لا مجال للاشكال صغرويا اذ الظاهر انه لا اشكال في أن المشهور عملوا بالخبر فان الاستدلال به في كلمات الاصحاب أظهر من أن

يخفي لمن يراجع كلماتهم في باب الاستدلال علي الضمان لكن كل الاشكال في الكبري فالحديث ساقط عن الاعتبار

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من ابواب الغصب الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 409

و عليه العمدة في المستند السيرة العقلائية و هل يمكن للفقيه أن يجزم بالسيرة علي نحو الاطلاق.

و بعبارة اخري: هل يمكن للفقيه أن يلتزم بأن مجرد وضع اليد علي مال الغير و لو مع الجهل القصوري موجب للضمان و اذا وصلت النوبة الي الشك فالاصل عدم الضمان نعم بالمقدار الذي أقدم علي الضمان و وضع اليد علي العين يكون ضامنا.

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة و ان كان يقرع الاسماع أن يقال: ان وضع اليد علي مال الغير اذا كان عن عذر كما لو كان جاهلا أو غافلا أو ناسيا أو مغرورا أو مأخوذا بالعقد الفاسد لا يتحقق ضمان اليد فلو تلفت العين بمتلف سماوي لا يكون من وضع يده عليها ضامنا اذ لا دليل علي الضمان غير قاعدة اليد و قد مرّ آنفا عدم تمامية سند القاعدة فلا بد لمدعي الضمان من اقامة دليل عليه و يترتب علي ما قلنا آثار مهمة.

هذا بالنسبة الي التلف و أما بالنسبة الي الاتلاف فلا يبعد أن يستفاد من جملة من النصوص ضمان المتلف «1».

فان المستفاد من جملة من نصوص الباب ان المتلف ضامن و لو كان معذورا كما انه يستفاد من بعض نصوص الباب ان التلف يوجب ضمان ذي اليد لما في يده لاحظ ما رواه الكاهلي «2» و لكن السند ضعيف.

و أيضا يستفاد من جملة النصوص ان العارية مضمونة مع الشرط منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو

عبد اللّه عليه السلام: لا تضمن العارية الا أن يكون قد اشترط فيها ضمان الا الدنانير فانها

______________________________

(1) لاحظ النصوص في ص 216- 219.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 217.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 410

مضمونة و ان لم يشترط فيها ضمانا «1».

و منها ما رواه زرارة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

العارية مضمونة فقال: جميع ما استعرته فتوي فلا يلزمك تواه الا الذهب و الفضة فانهما يلزمان الا أن تشترط عليه انه متي توي لم يلزمك تواه و كذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك و الذهب و الفضة لازم لك و ان لم يشترط عليك 2.

و منها ما رواه عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس علي صاحب العارية ضمان الا أن يشترط صاحبها الا الدراهم فانها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط «3».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه أو أبي ابراهيم عليهما السلام قال: العارية ليس علي مستعيرها ضمان الا ما كان من ذهب أو فضة فانهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا «4» كما انه يستفاد من بعض الروايات 5 ان عارية الذهب و الفضة يوجب الضمان فنلتزم بالضمان في هذه الموارد و أما في غيرها فيشكل الالتزام به نعم مع العلم بأنه مال الغير و لا يكون راضيا بالتصرف و بعبارة اخري اذا كان الاخذ و وضع اليد مصداقا للغصب يمكن أن يقال بأن المأخوذ يكون في ضمان الاخذ في نظر العقلاء و ارتكازهم و سيرتهم و اما ان لم يكن كذلك في نظر العقلاء كالمقبوض بالعقد الفاسد و كالمقبوض بالقمار و أمثالها فلا يكون التلف موجبا للضمان

و لا يرون الاخذ و الذي وضع يده علي المال ضامنا فالالتزام

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب العارية الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 3.

(4) (4 و 5) عين المصدر الحديث 4 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 411

بالضمان شرعا مع ضعف حديث علي اليد في غاية الاشكال هذا كله بالنسبة الي التلف.

و أما الاتلاف العدواني فلا اشكال في كونه موجبا للضمان في نظر العقلاء لكن اذا كان الاتلاف اكراهيا أو كان ناشيا عن النسيان و أمثالهما فما المانع عن شمول حديث الرفع.

ان قلت: حديث الرفع امتناني و عدم الضمان خلاف الامتنان بالنسبة الي من أتلف ماله. قلت: أولا: اي دليل دل علي كون الحديث امتنانيا بالنسبة الي الامة بل يمكن أن يكون الحديث امتنانيا بالنسبة الي رسول اللّه فان قوله صلي اللّه عليه و آله «رفع عن امتي» ظاهر في ان اللّه سبحانه أكرم نبيه و منّ عليه برفع جملة من الالتزامات بالنسبة الي الامة المرحومة.

و ثانيا يرد علي التقريب المذكور ان الامتنان بالنسبة الي من يتحقق في حقه الحكم. و بعبارة واضحة: دليل الرفع في كل مورد شمل واحدا من المكلفين يكون الشمول بالنسبة الي المشمول امتنانيا و لا يلزم أن يكون امتنانا بالنسبة الي غيره.

مثلا اذا كان العشرة للزوجة حرجيا يكون مقتضي الحرج رفع وجوب بقائها مع زوجها و يجوز لها هجره و تركه و الحال ان الرفع المذكور خلاف الامتنان بالنسبة الي زوجها فليكن.

«قوله قدس سره: فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولي منه فيما حصل في مقابلته نفع»

و هذا ظاهر اذ لو كان الغرور موجبا للرجوع الي الغار في صورة انتفاع المغرور من

العين فجواز رجوعه في صورة عدم الانتفاع بالاولوية القطعية بلا كلام و لا اشكال فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 412

الفرع الرابع انه لو تجددت زيادة القيمة و لم تكن حين العقد

و رجع المالك و اخذ القيمة الزائدة فأفاد الشيخ قدس سره: ان جواز رجوع المشتري الي البائع الفضولي المغرور أولي في هذه الصورة و يمكن أن يكون الوجه في الاولوية ان المشتري لم يقدم علي ضمان الزائد المتجدد بخلاف الصورة الاولي.

و يرد عليه ان الشيخ يري ان الضمان مسبب من اليد و سببيه اليد للضمان سواء.

الفرع الخامس: اذا غرم المشتري بإذاء الجزء التالف

كما لو اشتري منا من الحنطة و تلف نصفها يكون حكم النصف التالف كحكم نفس العين فان المشتري يرجع الي البائع بالنسبة الي الزيادة لا فيما يقابله و هذا ظاهر.

الفرع السادس: ان المشتري لو غرم للمالك بإزاء وصف من أوصاف المبيع التي لا يقسط عليها الثمن

كالكتابة في العبد مثلا يرجع بها الي البائع لصدق الغرور.

و بعبارة اخري: علي القول بأن اليد توجب الضمان يكون ضامنا للمالك و هذا الضمان مسبب من الغرور فبمقتضي قاعدة الغرور له أن يرجع الي البائع بالمقدار الذي غرم للمالك.

الفرع السابع: ان رجوع المشتري الي البائع لقاعدة الغرور مخصوص

بمورد لا يكون العقد باطلا من غير جهة كون البائع فضوليا و أما لو كان العقد باطلا من غير هذه الجهة كما لو كان العقد غرريا فلا يجوز للمشتري أن يرجع الي البائع الفضولي اذ لا يكون ضمانه مسببا عن التغرير و التدليس فلا رجوع.

الفرع الثامن: انه في كل مورد يرجع المشتري لاخذ الغرامة الي البائع الفضولي اذا رجع المالك ابتداءً الي الفضولي

لا يرجع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 413

الفضولي الي المشتري و الوجه فيه ان قرار الضمان علي البائع الفضولي علي الفرض فلا معني لان يرجع الفضولي الي المشتري.

و أما فيما لا يرجع المشتري الي البائع كمساوي المثمن اذا رجع المالك الي البائع الفضولي و أخذ منه يرجع به الفضولي و يأخذ منه اذ المفروض انه لم يغرره بهذا المقدار فقرار الضمان علي المشتري.

ان قلت: المفروض ان مدرك الضمان قاعدة علي اليد و تحقق اليد و أخذ مال الغير مشترك فيه بين البائع الفضولي و المشتري فلا ترجيح لاحدهما علي الاخر من حيث الضمان نعم لو كان تلف العين باتلاف المشتري يكون رجوع السابق علي اللاحق علي القاعدة اذ تنجز الضمان علي السابق مسبب من اتلاف اللاحق.

و بعبارة اخري اللاحق يكون سببا لتنجز الضمان علي السابق فرجوع السابق علي اللاحق في صورة الاتلاف علي طبق القاعدة و أما في صورة التلف فاي وجه للرجوع مع ان الضمان مشترك بينهما و كلاهما ضامنان بملاك واحد و هي قاعدة اليد.

قلت: لا بد من تحقيق ضمان الذمم المتعددة بمال واحد هذا ما أفاده الشيخ قدس سره في هذا المقام.

و أفاد السيد قدس سره في الحاشية «انه يمكن أن يقال: لا فرق بين الاتلاف و التلف فكما ان الاتلاف يوجب استقرار الضمان في ذمة السابق فصار اللاحق سببا كذلك في صورة التلف يصدق

ان اللاحق بحيلولته بين العين و مالكها و بين العين و السابق صار سببا لاستقرار الضمان في ذمة السابق و لا حاجة الي التوضيح الذي ذكره الشيخ قدس سره.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 414

و الظاهر ان ما أفاده تام اذ تارة نبحث في وجه رجوع السابق الي اللاحق و الوجه فيه كون اللاحق سببا للضمان السابق و اخري نبحث في كيفية اشتغال ذمم متعددة لعين واحدة.

و الحق أن يقال: ان الضمان علي السابق لقاعدة اليد فلا فرق بين التلف و الاتلاف و لو لا قاعدة اليد لا مقتضي للضمان بالنسبة الي السابق لا بالتلف و لا بالاتلاف اذ لا دليل علي أن اتلاف شخص عينا أو تلفها عنده يكون موجبا لضمان شخص آخر.

و كيف كان فالشيخ قدس سره بين كيفية اشتغال ذمم متعددة بعين واحدة و يستفاد من كلامه ان كيفية اشتغال ذمم متعددة لعين واحدة نظير الواجب الكفائي فكما ان الاتيان بالواجب الكفائي لازم علي الكل غايته علي البدل كذلك في المقام ففي المقام يملك المالك ما في ذمة الجميع علي البدل و قال: المقام نظير ضمان المال علي طريق الجمهور حيث انهم قائلون بضم ذمة الي ذمة اخري و لا يقولون بالنقل من ذمة الي ذمة اخري.

و أيضا الامر كذلك في ضمان عهدة العوضين لكل من البائع و المشتري فيكون البائع و ضامنه كلاهما ضامنان للمشتري و أيضا المشتري و ضامنه ضامنان للمبيع.

و أيضا الامر كذلك في ضمان الاعيان المضمونة و ضمان الاثنين لواحد.

و عن صاحب الجواهر قدس سره انه استحال اشتغال الذمم المتعددة بمال واحد و السيد اليزدي في الحاشية استقرب و قال من القريب دعوي صاحب الجواهر.

اذا عرفت

ما تقدم فاعلم ان الانصاف ان المقام مزال الاقدام فان صاحب الجواهر يقول يجوز للمالك الرجوع علي كل واحد من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 415

الذين وضعوا أيديهم علي العين و لكن الذي تلف المال عنده مخاطب بالخطاب الذمي و الباقون مخاطبون بالخطاب الشرعي فنسأل:

أو لا: اذا لم يكن الباقون مخاطبين بالخطاب الذمي فباي ميزان يجوز للمالك أن يراجع كل واحد منهم.

و ثانيا: نفرض ان كلهم دفعوا العوض فاي واحد من الابدال يقع بدلا و الحال انه لا مرجح و من ناحية اخري البدل بدل واحد.

و السؤال الثاني يتوجه الي السيد و الي الماتن اي الشيخ الاعظم و نقول: كيف يكون المتعدد ضامنا لمال واحد و الحال ان البدل واحد و لا نفهم الضمان علي البدل أي واحد منهم ضامن لا كلهم أو ان كل واحد منهم ضامن اذا لم يكن الباقي ضامنا.

و علي الجملة: لا نفهم المراد و لا نتصور معني معقولا و أجاب سيدنا الاستاد عن الاشكال الوارد في المقام بان الجامع يكون ضامنا كما ان المكلف في الواجب الكفائي هو الجامع بين المكلفين فان سيدنا الاستاد يري ان المكلف في الواجب الكفائي هو الجامع كما ان الواجب في الواجب التخييري الجامع بين الفعلين أو الافعال.

و يرد عليه انه لو دفع الكل دفعة واحدة فاي فرد يقع بدلا و الحال انه لا ترجيح فلا يقاس بالواجب الكفائي اذ في الواجب الكفائي لو أتي بالواجب جميع المكلفين نلتزم بوقوع كل واحد مصداقا للمأمور به و يثاب كل مكلف علي طاعته فلو سلم الوارد علي الجالسين في مجلس واحد و أجابه الكل دفعة لا يختص الامتثال بواحد منهم بل كلهم ممتثل و أما

في المقام فلا يمكن الالتزام به كما هو ظاهر.

اذا عرفت ما تلوناه عليك فاعلم ان الذي يختلج بالبال أن يقال:

في الواجب الكفائي الواجب هو الفعل لا بشرط من الكثرة و الوحدة و قد ثبت في الاصول ان الامر لا يدل علي المرة و لا علي التكرار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 416

و انما يحصل الامتثال بالمرة من باب صدق الطبيعة و الا لو أتي المكلف الكلي في ضمن افراد متعددة يحصل الامتثال كما يتحقق بالاتيان بفرد واحد و لكن في المقام نقول: الثابت علي الجامع الطبيعة مقيدة بعنوان بشرط لا عن التعدد و المقيد بهذا القيد لا يعقل تحققه الا في ضمن فرد واحد و بهذا النحو نتخلص عن الاشكال و نرفع العويصة و لعمري ان ما بينته دقيق و بالتأمل حقيق فافهم و اغتنم.

هذا حال المالك بالإضافة الي ذوي الايدي و أما حال بعضهم مع البعض الاخر فاذا راجع المالك الي بعضهم و غرمه و أخذ البدل منه فان كان مغرورا من قبل السابق يرجع عليه لقاعدة الغرور و ان كان غارا لليد اللاحقة فلا يراجعه كما هو ظاهر.

[في تعاقب الأيدي]
[الوجه الأول ان السابق اشتغلت ذمته له بالبدل]

«قوله قدس سره: فنقول ان الوجه في رجوعه هو ان السابق اشتغلت ذمته له بالبدل»

هذا هو الوجه الأول الذي ذكر في مقام دفع الاشكال في المقام و حاصل ما أفاده في تقريب المدعي: ان الواضع الاول بوضع يده علي العين انتقل المال الي ذمته فهو يصير ضامنا للعين فقط و أما الضامن الثاني فقد استولي علي العين التي لها بدل و هذا هو الفارق بين الضامن الاول و الضامن الثاني فاذا رجع المالك الي الضامن الاول و غرمه يسقط عن عهدة الضامن الثاني

أحد الامرين و يبقي الفرد الاخر و هو البدل اذ لا وجه للضمان للمالك بعد وصول حقه إليه فيكون الفرد الاخر متعينا للبدلية و يكون مملوكا للضامن الاول و يكون للاول الرجوع الي الثاني لكن بعد دفع الغرامة للمالك.

و ان شئت قلت: ضمان الضامن الثاني يكون نظير الواجب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 417

التخييري فكما ان الواجب هناك احد الامرين علي البدل أو فقل:

الواجب هو الجامع بين الامرين كذلك الضمان في المقام فان الثاني ضامن لاحد أمرين فكما ان أحد الفردين من الواجب هناك اذا سقط يتعين الفرد الاخر كذلك يتعين في المقام البدل بعد رجوع المالك الي الاول و أخذ البدل منه.

و يرد عليه أولا: ان العين ما دامت موجودة لا تنتقل الي الذمة.

و بعبارة اخري: لا تشتغل الذمة قبل تلف العين.

و ثانيا: انه علي هذا يلزم أن يكون الضامن الثاني ضامنا لاحد الامرين للمالك اذا المفروض ان المالك مالك لما في ذمة الضامن الاول فكل من العين و بدلها مملوك للمالك فلا وجه لرجوع السابق الي اللاحق و ثالثا انه يلزم جواز رجوع السابق الي اللاحق قبل الدفع و الحال انه لا يجوز الا بعد الدفع فانقدح ان الوجه المذكور غير صالح لدفع الاشكال.

الوجه الثاني: ما أفاده السيد في الحاشية

و هو انه لا فرق بين الاتلاف و التلف فكما ان الاتلاف يوجب تحقق الضمان بالنسبة الي الضامن كذلك التلف لان من تلف عنده المال صار سببا للضمان.

و يرد عليه انه لا دليل علي كون التسبيب بنفسه موجبا لجواز الرجوع الي المسبب مضافا الي أن نسبة قاعدة اليد الي كل منهما سواء فلا موجب للرجوع فانقدح انه لا يمكن القول بجواز رجوع السابق الي اللاحق بهذا الوجه

أيضا.

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الجواهر قدس سره

و هو ان من تلف المال عنده خطابه بالاداء ذمي و أما غيره من ذوي الايدي فخاطبه شرعي و تكليفي و ذمته غير مشغولة بالعين فاذا رجع المالك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 418

الي من تلف المال عنده و غرمه لا يرجع الضامن الي غيره لعدم المقتضي للرجوع و أما اذا رجع المالك الي غيره من ذوي الايدي و أخذ منه البدل يملك المأخوذ منه ما في ذمة الضامن الذي تلف المال عنده بالمعاوضة القهرية أو نقول يملك التالف كذلك.

و يرد عليه أولا: انه علي هذا التقدير لا موجب لرجوع المالك الي غير من تلف المال عنده اذا المفروض ان غيره غير ضامن فما الوجه في الرجوع نعم اذا تم شرائط الامر بالمعروف يجوز أمره بالاداء و هذا لا يختص بالمالك.

و ثانيا: ان المقتضي للضمان اليد و هو مشترك بين جميع ذوي الايدي و تلف المال عند الاخير لا يقتضي اختصاص الاشتغال به و عليه لا وجه للتفصيل بين ذوي الايدي.

و ثالثا: انه يلزم علي مسلكه انه لو رجع المالك الي غير من تلف المال عنده و أخذ البدل منه لا يجوز للمأخوذ منه الا الرجوع الي من تلف المال عنده و الحال ان بنائهم علي جواز الرجوع الي كل من وضع يده علي المال.

الوجه الرابع: ان المستفاد من قاعدة علي اليد

ان العين بنفسها في ذمة الضامن و لذا قلنا انه لا فرق في الضمان بين المثلي و القيمي فان العين ثابتة في ذمة الضامن و الذي يشهد لما ذكرنا ان العين التالفة لو اعيدت الي عالم الوجود بدعاء ولي من أولياء اللّه يجب علي الضامن ردها و ليس له أن يعتذر بأنها مثلية و يجب علي اداء مثلها

أو يقول انها قيمية و يجب عليّ اداء قيمتها بل يجب عليه اداء نفسها.

هذا من ناحية و من ناحية اخري لا اشكال في نظر العقلاء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 419

و سيرتهم ان العين المضمونة لو تلفت كما لو انكسر الكوز و دفع الضامن بدله تكون الاجزاء المنكسرة من الكوز الباقية مملوكة للضامن بعد رد البدل الي المالك و لا يرون العقلاء المالك الاصلي ذا حق بالنسبة الي الاجزاء الباقية.

اذا عرفت هذه المقدمة نقول: بعد تلف العين تكون العين التالفة ثابتة في الجامع بين الذمم
اشارة

فاذا رجع المالك علي واحد من ذوي الايدي و أخذ البدل منه يقوم المأخوذ منه مقام المالك و يملك الجامع فله الرجوع الي كل واحد منهم الي أن يصل الامر الي من الذي تلف عنده المال فيجوز لكل سابق أن يرجع الي كل واحد من اللاحقين.

ان قلت: ما الوجه في انه لو رجع الي السابق يرجع السابق الي اللاحق و أما لو رجع الي اللاحق فليس له ان يرجع الي السابق.

قلت: الوجه فيه ان السابق الذي يؤخذ منه الغرامة يملك بقاء ما به الضمان أي البدل أو فقل: يملك نفس العين فله أن يرجع الي من وصلت العين بيده و أما اللاحق فلا مقتضي لرجوعه الي السابق اذ المفروض ان العين خرجت من يده.

و بعبارة اخري: مقتضي قاعدة اليد أن ترد العين أو بدلها و المفروض ان العين قد خرجت من يد الضامن الاول و دخلت في يد الضامن الثاني فالذي اخذ منه الغرامة لا يمكنه الرجوع الي السابق اذ المفروض انه خرجت العين من يده فيلزم علي الثاني أن يرجع العين الي الاول كي يمكنه الرجوع إليه.

و بعبارة واضحة: اذا خرجت العين من يد السابق و دخلت في يد اللاحق و مع

ذلك رجع اللاحق علي السابق يكون للسابق حق مطالبة العين و يقول سلمني العين.

ان قلت: فعليه ليس للمالك ان يراجع الضامن الاول اذ فرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 420

خروج العين من يده. قلت: المفروض ان العين لم تصل الي يد المالك و ما دام لا تصل الي يده لا تبرأ ذمة الضامن.

بقي شي ء و هو انه هل يجوز للضامن السابق أن يراجع اللاحق في أخذ الغرامة قبل دفعها الي المالك أم لا؟ الحق انه لا يجوز و الوجه فيه ان السابق ما دام لم يدفع العوض الي المالك الاصلي لا يملك الجامع و لا يصير ما في الذمم ملكا له فلا مقتضي لرجوعه قبل دفعه الغرامة فلاحظ.

ثم انه هل للمالك ابراء واحد من الضامنين بحيث يبرأ وحده و يبقي الباقون علي ضمانهم أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان الشخص ليس ضامنا كي يكون قابلا للابراء.

و ان شئت قلت: المملوك بقاعدة الضمان امر واحد فلا مجال لتخصيص الابراء بفرد معين و مشخص بل يلزم اما الابراء علي الاطلاق و اما الابقاء كذلك.

ثم ان في المقام فروعا تعرض الماتن لها
الفرع الأول: ان العين اذا كانت باقية يجوز للمالك أن يرجع علي من في يده العين

و أيضا يجوز أن يراجع كل من جرت يده علي العين فان الجميع ضامنون علي الفرض فيجب علي كل واحد منهم أن يرد العين الي مالكها.

الفرع الثاني: ان المالك لو رجع علي المشتري لاسترجاع ماله و لا يمكن للمشتري انتزاع العين

عن يد من تكون العين تحت يده يجب عليه أن يغرم للمالك بدل الحيلولة و هذا مبني علي تمامية أخذ بدل الحيلولة و علي تقدير القول بها و أخذها لا يسقط حقه عن استرداد العين عند الامكان كما هو ظاهر فان بدل الحيلولة بدل موقت.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 421

الفرع الثالث: انه لو توقف ارجاع العين علي مئونة يجب علي الضامن القيام بها

فانها مقدمة للواجب ان قلت: قاعدة لا ضرر تقتضي عدم صرف شي ء في طريق الاسترجاع و الرد.

قلت أولا: التمسك بقاعدة لا ضرر في أمثال المقام يتوقف علي القول المشهور في مفاد القاعدة و أما علي مسلك شيخ الشريعة فلا ترتبط القاعدة بالمقام و أمثاله بل المستفاد منها حرمة الاضرار بالغير.

و ثانيا: انه سلمنا اقتضاء القاعدة سقوط الوجوب لكن في عدم الرد و الامساك عن الرد ضرر علي المالك فيقع التعارض بين الضررين و المرجع وجوب رد المال الي مالكه و أما قاعدة ان الغاصب يؤخذ بأشق الاحوال فكلام شعري لا أصل لها.

الفرع الرابع: انه اذا انحصر رد العين بالمالك و غيره لا يقدر

هل يجوز له أن يأخذ اجرة مثل العمل؟ الظاهر انه يجوز له فان عمل المسلم محترم و لو فرض في هذه الصورة أن يطالب بأزيد من الاجرة المتعارفة فالظاهر انه يجب بذل العوض الزائد اذ المفروض ان المشتري يجب عليه الرد باي وجه و الاخذ بقاعدة لا ضرر لعدم الوجوب مدفوع بما تقدم آنفا مضافا الي أنه لا فرق في هذه الجهة بين المتعارفة و الزائد عليها.

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه»

يقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النص الخاص فيقع الكلام في مقامين

أما المقام الأول

فنقول: الظاهر فساد البيع اذ المفروض ان بعض المبيع مال الغير و لا يشمله دليل صحة البيع و أما صحته فيما يملك فعلي خلاف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 422

القاعدة لان البيع واحد فما صدر عن المالك غير قابل للامضاء فان المركب من الداخل و الخارج خارج و ما يكون قابلا للامضاء لم يصدر فان البيع تعلق بالمجموع و المفروض ان المجموع غير قابل للبيع.

ان قلت: بيع المجموع ينحل الي بيوع متعددة فبالنسبة الي المملوك صحيح و بالنسبة الي غير المملوك يتوقف علي اجازة مالكه.

قلت: أولا يلزم تعدد الخيار و هل يمكن أن يقال: انه اذا باع داره زيد ثبت له الخيار بعدد أجزاء داره فله خيار بالنسبة الي تمامه و خيار بالنسبة الي نصفه و خيار بالنسبة الي ثلثه و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

و أيضا يلزم انه صدر عن البائع بيوع الي ما لا نهاية له اذ مقتضي التحقيق استحالة الجزء الذي لا يتجزي و هل يمكن الالتزام به؟

و ثانيا: انه لا اشكال في أن البائع اذا باع داره مثلا يبيع مجموع داره من غير نظر الي الاجزاء. و بعبارة اخري: لا يبيع كل جزء من داره بل يبيع مجموع الدار فتحصل ان مقتضي القاعدة بطلان البيع بلا فرق بين لحوق الاجازة من مالك الجزء الاخر و عدمه أما علي فرض عدم الاجازة فظاهر و أما علي فرض الاجازة فلعدم شمول حديث زرارة الدال علي الصحة مع الاجازة

للمقام اذ المفروض ان البيع واقع علي المجموع المركب من الجزءين و المفروض أيضا عدم امكان الالتزام بصحة المجموع.

و صفوة القول ان بيع المجموع بما هو لا يمكن القول بصحته لكون بعض المبيع ملكا للغير و لا بيع الا في ملك و بيع كل جزء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 423

بحياله و استقلاله لا مقتضي لصحته لانتفاء موضوعه اذ المفروض وحدة البيع.

و ببيان اوضح: ان بيع مال الغير مع مال نفسه باطل مع قطع النظر عن الاجازة و لا يمكن تصحيحه بالاجازة اللاحقة اذ ما وقع غير قابل للصحة فان بيع المالك مال نفسه مع مال غيره قد فرض وقوعه فاسدا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و ما يمكن أن يصح بالاجازة لم يقع فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و أما المقام الثاني

فقد ورد في المقام حديث لاحظ مكاتبة الصفار، انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في رجل له قطاع ارضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود: اشهدوا انّي قد بعت فلانا يعني المشتري جميع القرية التي حد منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع ارضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد أقر له بكلها فوقع عليه السلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1» فان مقتضي هذه المكاتبة صحة البيع بالنسبة الي الجزء المملوك.

«قوله قدس سره: و أما علي القول بصحة الفضولي

فلا ينبغي الريب في الصحة مع الاجازة بل و كذا مع الرد»

قد تقدم منا انه لا فرق بين القول ببطلان الفضولي و صحته و لا ادري ما هو وجه التفصيل في كلام الماتن قدس سره اذ لو قلنا بأن ادلة صحة البيع تشمل بيع الجزء المملوك تكون الصحة بالنسبة الي

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 424

الجزء المملوك علي طبق القاعدة بلا فرق بين القول بصحة الفضولي مع الاجازة و عدم القول بها و ان لم نقل بالشمول- كما لا نقول به- فأيضا يكون البطلان علي القاعدة بلا فرق بين الصورتين.

و لتوضيح المدعي نقول: اذا فرضنا لحوق الاجازة و قلنا انها تؤثر نسأل ان الاجازة في المقام ناقلة مثل بقية الموارد أو كاشفة أما الكشف فلا يمكن الالتزام به و أما النقل فهل يختص النقل بالجزء غير المملوك أولا يختص أما لو قلنا بالنقل حتي بالنسبة الي الجزء المملوك فلا دليل عليه و أما التفكيك بين الجزء المملوك و غير المملوك بالالتزام بالنقل بالنسبة الي غير المملوك و الكشف بالنسبة الي المملوك فأيضا لا دليل عليه بل لنا أن نقول مقتضي المكاتبة فساد بيع الجزء غير المملوك و لو مع لحوق الاجازة فان مقتضي اطلاق المكاتبة فساد بيع الجزء غير المملوك.

ان قلت: مقتضي حديث زرارة «1» الوارد في نكاح العبد بلا اذن مولاه الصحة مع الاجازة قلت: نعم و لكن المكاتبة تخصّص الاطلاق و تقيده.

ان قلت: النسبة بين حديث زرارة و المكاتبة عموم من وجه فان حديث زرارة يختص بصورة الاجازة و يعم من غير هذه الجهة و حديث صفار يختص بمورد بيع

عين بعضها للبائع و بعضها لمالك آخر و يعم من حيث الاجازة و عدمه فيقع التعارض بينهما.

قلت: سلمنا التعارض لكن الترجيع بالاحدثية مع حديث صفار فالنتيجة ان البيع بالنسبة الي حصة الغير فاسد من حيث القاعدة و من حيث النص الخاص فلاحظ

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 297.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 425

«قوله قدس سره: ثبوت الخيار حينئذ للمشتري»

المسمي بخيار تبعض الصفقة الثابت بالاشتراط الضمني الثابت بالارتكاز و لكن قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لهذا البحث فانه بعد فرض بطلان البيع لا تصل النوبة الي بحث الخيار.

«قوله قدس سره: تقوية ثبوت الخيار للبائع»

ربما يقال بأن المستفاد من حديث صفار لزوم البيع من طرف البائع بمقتضي قوله عليه السلام «وجب البيع فيما يملك». و يرد عليه أولا: ان المراد بالوجوب ثبوت البيع في مقابل بطلانه كما هو كذلك بالنسبة الي غير المملوك.

و ثانيا: انه لو كان المراد بالوجوب اللزوم و عدم الخيار يلزم عدمه من كلا الطرفين أي البائع و المشتري لا من ناحية البائع فقط فانه ينافي الاطلاق و علي هذا الجمع بين الالتزام بالخيار من طرف المشتري لتبعض الصفقة و عدم الخيار للبائع لقوله عليه السلام «وجب البيع» جمع بين المتنافيين فلاحظ.

«قوله قدس سره: و طريق معرفة حصة كل منهما»

الوجه في التقويم بهذا النحو من باب انه يمكن أن يكون لوصف الاجتماع امتياز يوجب زيادة القيمة فيلزم تقويم كل واحد منهما علي حياله و استقلاله كما في المتن فعلي هذا لو قوم المملوك وحده بدينار و قوم غير المملوك بدينارين يكون نسبة حصة البائع من الثمن الثلث و هكذا في كل مورد.

و أورد السيد قدس سره في الحاشية

بأن وصف الاجتماع ربما لا يوجب تفاوتا في القيمة و ربما يوجب الزيادة في الطرفين بالسوية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 426

و ثالثة بالاختلاف و رابعة بالزيادة في أحدهما و النقيصة في الاخر فالاولي أن يقوم كل واحد منهما منفردا لكن بملاحظة حال الانضمام لا منفردا ثم الاخذ من الثمن بالنسبة.

و الظاهر ان ما أفاده تام و في المقام اشكال و هو انه لو فرض كون الثمن خمسة دراهم و كانت قيمة كل واحد مستقلا درهمان تكون حصة البائع بحسب النسبة الي المجموع درهم واحد اذ نسبة الدرهم الي الخمسة نسبة الخمس فالزائد ظلم علي المشتري.

و يرد عليه ان وصف الاجتماع و ان كان موجبا لزيادة القيمة في بعض الاحيان و لكن الاوصاف لا تقابل بالمال في باب المعاوضات فالاشكال غير وارد.

«قوله قدس سره: هذا كله في القيمي أما المبيع المثلي فان كانت الحصة مشاعة قسط الثمن علي نفس المبيع فيقابل كل من حصي البائع و الاجنبي بما يخصه و ان كانت حصة كل منهما معينة كان الحكم كما في القيمي»

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن ما أفاده في صورة الافراد ان كان من جهة اختلاف الحصتين من حيث الجودة و الرداءة فهو و ان كان صحيحا الا انه لم يذكر في كلامه و ان كان من جهة اختلاف الرغبات فهو ممكن في صورة الاشاعة فالتفصيل لا وجه له فمراده غير معلوم لنا كما انه غير معلوم لغيرنا.

[مسألة: لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار فان علم أنه اراد نصفه أو نصف الغير عمل به]

«قوله قدس سره: مسألة: لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار فان علم أنه اراد نصفه أو نصف الغير عمل به»

الامر كما أفاده فانه واضح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2،

ص: 427

«قوله قدس سره: و الا فان علم انه لم يقصد بقوله: بعتك نصف الدار الا مفهوم هذا اللفظ ففيه احتمالان»

اذا فرض انه لم يقصد الا مفهوم هذا اللفظ فالقاعدة تقتضي أن يحمل اللفظ علي النصف بلا قيد و الا يلزم الخلف الا أن يكون المراد مفهوم اللفظ مع ملاحظة القرائن و المفروض كما صرح به الشيخ قدس سره ان البائع قصد المفهوم و عليه يكون البيع واقعا علي النصف المشاع المشترك بين البائع و شريكه و يكون المقام من صغريات المسألة السابقة و هي بيع ما يملك مع ما لا يملك و قد قلنا مقتضي القاعدة الاولية الفساد و مقتضي النص الخاص أي مكاتبة الصفار «1» الصحة في الحصة المملوكة و الفساد في غيرها فان قلنا بأن الحديث يشمل المقام فحكمه كذلك.

و للمناقشة في شمول الحديث للمقام مجال فان المستفاد من حديث صفار ان سهم البائع في القرية ممتاز و مفرز عن بقية القطاع فلا اشاعة في السهام فلا وجه لاسراء الحكم الي المقام و لا اطلاق في الحديث كي يؤخذ به.

ثم انه لو فرض ان البائع أراد من لفظ النصف ما يكون ظاهرا و لو مع القرائن فهل يقع التعارض بين ظهور البيع في مملوك نفس البائع و ظهور النصف في المشاع بينهما أم لا؟

أفاد الشيخ قدس سره بأنه يقع التعارض بين الامرين و لا يقاس المقام بقول البائع بعت غانما اذا كان غانم مشتركا بين عبدين احدهما عبد البائع فان لفظ غانم المشترك لفظ مجمل يفسره و يعيّنه ظهور البيع في التصرف في ملك نفسه و أما في المقام فلا اجمال فيقع التعارض.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 423.

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 428

و أورد عليه سيدنا الاستاد قدس سره بأن لفظ النصف و ان كان ظاهرا في الاشاعة و لكن لا يكون ظاهرا في المشاع بينهما فمن هذه الجهة مجمل كلفظ غانم و ظهور البيع في التصرف في المملوك يرفع اجماله و يختص المبيع بالحصة المملوكة. هذا ملخص كلامه.

و الظاهر ان ما أفاده سيدنا الاستاد يستفاد من ذيل كلام الشيخ فانتظر. و الحق أن يقال: انه اذا قلنا بأن التصرف ظاهر في التصرف في المملوك لا يبقي مجال للمعارضة اذ علي هذا يكون المستفاد من البيع نقل مملوك نفسه فلا مجال للاشاعة من هذه الجهة.

لكن يرد علي هذا التقريب انه انما يتم اذا لم يكن لفظ النصف ظاهرا في الاشاعة في سهمين.

«قوله قدس سره: ثم انه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن مالكه»

فان البائع لو كان وكيلا أو وليّا يجوز له أن يتصرف في تمام العين فلا يكون تصرفه دليلا علي وقوع البيع في خصوص المملوك دون غيره و أما ظهور التصرف في كونه اصاليا لا وكالة أو ولاية فحيث انه من باب الاطلاق و المفروض ان متعلق التصرف ظاهر في الاشاعة بين الحصتين و من ناحية اخري ظهور القيد حاكم علي الاطلاق يحكم بالاشاعة بينهما.

الا أن يقال: ان لفظ النصف ظاهر في الاشاعة في المجموع و أما الاشاعة من حيث ملاحظة حقي المالكين فغير معلوم بل معلوم العدم بالفرض و عليه يحمل علي نصفه المملوك بلحاظ ظهور البيع في الاصالة و الظاهر ان ما أفاده تام.

«قوله قدس سره: استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي»

لا أدري بأي وجه يقاس بين المقام و الطلاق بعد هبة النصف

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 2، ص: 429

فان المفروض ان الصداق قبل الطلاق كله للزوجة فلا تميز بين أجزائه و علي طبق القاعدة لو وهبت يبقي النصف في ملك الزوجة و المفروض انه يرجع بالطلاق نصف الصداق و من ناحية اخري المفروض ان الذي يرجع الي الزوج نصف الصداق و المفروض ان نصفه تلف بالهبة فلا بد من أخذه بدل التالف فلاحظ.

«قوله قدس سره: و نظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح من أنه اذا أقر من بيده المال»

فان المشهور قائلون في المقام بأن بيع البائع يقع علي النصف المشاع بين السهمين و لكن ما أفادوه في باب الصلح ينافي ما أفادوه في المقام هذا ما أفاده الشيخ قدس سره.

و لا أدري كيف جعل الشيخ قدس سره ما افادوه في باب الصلح منافيا مع المقام فانهم بنوا علي حمل النصف في مورد الصلح مع المقر علي المشترك بين السهمين فيوافق ما أفادوه هناك مع ما افادوه هنا هذا بالنسبة الي ما أفاده الشيخ قدس سره من المنافاة.

و أما مسألة الصلح الواقعة في كلامهم فأفاد السيد قدس سره تفصيلا و حاصله: ان لمسألة الصلح خصوصية و هي انه لو كانت عين في يد احد و ادعي اثنان كونها لهما بأن ادعي كل واحد منهما ان نصف الدار بنحو الاشاعة مملوك له فتارة لا يكون المدعيان معترفين باشتراك العين بينهما بالاشاعة و اخري يكونان معترفين و علي الثاني فتارة يعترفان بوحدة السبب لكونهما مالكين و اخري يدعي كل واحد سببا غير ما يدعيه الاخر فصور المسألة ثلاثة:

الصورة الاولي: أن لا يعترفا بالاشراك و في هذه الصورة لو أقر ذوي اليد لاحد بالنصف لا يشاركه الاخر و

يجوز له أن يصالح مع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 430

المقر له أو غيره و يختص بالعوض و اذا أعطاه المقر يختص به بلا اشكال أي اذا أفرز المقر سهم المقر له و سلمه خارجا يختص به و لا حق لغيره.

الصورة الثانية: أن يكونا معترفين بالاشتراك و لكن كل يدعي سببا غير السبب الذي يدعيه الاخر و في هذه الصورة يمكن للمقر له أن يصالح علي حصته و لا يكون اقرار ذي اليد مقتضيا للاشتراك بين المدعيين نعم لو سلمه خارجا يكون مشتركا بينهما لاعتراف المقر له بالاشتراك.

الصورة الثالثة: أن يكونا معترفين بوحدة سبب الملك كالارث و نحوه و في هذه الصورة اذا أقر ذو اليد بكون نصف العين لاحدهما يكون مورد حق لكليهما و ليس للمقر له الصلح عليه بلا اذن شريكه و بعبارة اخري لا يختص بالمقر له.

هذا ما أفاده السيد في الحاشية و الظاهر ان الوجه فيه ان المدعيين يدعيان كون ذي اليد غاصبا و حيث ان العين مشتركة بينهما علي نحو الاشاعة فمرجع اقرار ذي اليد الغاصب الي اقرار كون النصف لهما لكن لا أدري ما الوجه في التفصيل بين كون السبب أمرا واحدا و بين كون السبب مختلفا فان الميزان الاشتراك و الاشاعة و هما ما به الاشتراك بين الصورتين.

«قوله قدس سره: يحمل علي المشاع في نصيبه و نصيب شريكه»

الظاهر ان ما أفاده في المقام ينافي ما تقدم منه من أنه لا مقتضي لملاحظة الاشاعة بالنسبة الي سهمين و حيث ان الظاهر من البيع التصرف فيما يجوز للبائع التصرف فيه و أيضا ظهور البيع في الاصالة لا يبقي مجال للاشاعة من هذه الجهة بل يختص النصف بالنصف المختص.

الا أن يقال بأن الشيخ ناظر الي مورد ايقاع البيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 431

علي النصف الذي وقع مورد الاقرار و النصف بهذا العنوان مشترك بينهما.

«قوله قدس سره: و لهذا أفتوا ظاهرا علي أنه لو اقرّ احد الرجلين الشريكين»

استشهد علي مدعاه بفتواهم علي حمل اقرار احد الرجلين الشريكين بالثلث لثالث علي الاشاعة بين السهمين. و لقائل أن يقول: اقرار العقلاء علي انفسهم جائز لا علي غيرهم و علي هذا لا يصدق الاقرار بالنسبة الي المقدار الذي في يد الشريك المنكر لشركة الثالث فمرجع الاقرار بالثلث للثالث الي الاقرار بالثلث في نصيبه و مقتضاه كون ثلث سهميه أي سدس المجموع للشريك فلا وجه للتنصيف بل لا بد من التثليث.

«قوله قدس سره: مدفوعة بأن ما في يد الغير ليس عين ماله»

ما أفاده من أن ما في يده ليس عين ماله صحيح لكن لا معني و لا مجال كما قلنا للاقرار بالنسبة الي الغير فلا نفوذ للاقرار الا بمقدار الثلث في مال المقر كما لو أقر من أول الامر بأن الثلث من سهمي مال الغير فلا يكون للثالث الا سدس الدار و هذا واضح بعد التأمل.

«قوله قدس سره: و هو تعلق الغصب بالمشاع»

الظاهر انه لا يرتبط المقام بغصب المشاع فان تحقق الغصب اوّل الكلام و الاشكال.

«قوله قدس سره: نعم يمكن أن يقال في هذا المقام بأن التلف في المقام حاصل باذن الشارع»

مما ذكرنا علم انه لا موضوع لهذه المقالة اذ كون الشريك الاخر غاصبا غير ثابت فلا يقاس المقام علي مورد غصب المشاع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 432

علي القول به اللهم الا أن يقال: ان مرجع اقرار المقر الي الاقرار بكون نصف

ما في يده للثالث.

و بعبارة اخري: اقراره بالنسبة الي ما في يد شريكه لا يكون نافذا لكن مرجع قوله ان الثالث شريك معنا في الثلث الي الاقرار بأن ما في يدي نصفه للثالث اذ لا ميز في الاشاعة كما هي المفروض في مورد الكلام فلاحظ.

«قوله قدس سره: بعض الروايات الضعيفة»

في هذه الطائفة من الروايات ما يكون تاما سندا لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين قال: يلزم ذلك في حصته «1».

فلا اشكال من حيث السند انما الاشكال من حيث الدلالة اذ عبّر في الحديث بهذه الجملة «يلزم ذلك في حصته» و لم يعين ما يلزمه فيعمل علي طبق اقراره المقتضي للتنصيف فلاحظ و اللّه العالم.

[مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله»

يقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث مقتضي القاعدة الاولية و اخري من حيث المستفاد من النص الخاص أو الاجماع فيقع الكلام في مقامين فنقول: أما

المقام الأول فالقاعدة الاولية تقتضي البطلان

اذ المفروض ان البيع واحد و من ناحية اخري لا يمكن الالتزام بصحته في مجموع المبيع و صحة البعض لا مقتضي لها.

و ان شئت قلت: ما يكون قابلا للامضاء لم يقع و ما وقع غير قابل للامضاء هذا تمام الكلام في المقام الأول و أما

المقام الثاني [ما تقتضيه النص الخاص]

فتارة يستدل علي الصحة بالاجماع المدعي في المقام و اخري بحديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب الوصايا الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 433

صفار «1» و كلا التقريبين باطلان أما الاجماع فالمنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك بل مقطوعه و أما المكاتبة فمن حيث الظهور لا تشمل ما نحن فيه اذ موردها يباين المقام و أما من حيث الملاك فيحتاج الي الاحاطة بمناط الحكم الشرعي و لا نحيط به فلا دليل علي الصحة و النتيجة هي البطلان.

«قوله قدس سره: و يدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار»

لا مجال لهذا التقريب فانه لا اطلاق في الحديث بل الرواية بالصراحة ناظرة الي صورة كون بعض المبيع مملوكا و بعضها الاخر مملوك الغير.

«قوله قدس سره: عدا ما يقال من أن التراضي و التعاقد»

هذا اساس ما بنينا عليه من الفساد فان ادلة الصحة من الآية و الرواية لا تشمل بيع البعض اذ لم يتحقق مصداقه و مع عدم تحقق الصغري لا مجال للاخذ بالكبري.

«قوله قدس سره: و ذكر ان في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا»

بل لا عسر في التفريق بين المقامين بأن نقول: فساد الشرط لا يوجب الفساد و أما فساد الجزء فيفسد و تفصيل الكلام موكول الي بحث الشرط و اجماله: ان الشرط عبارة عن الالتزام بشي ء كالالتزام بشرب الخمر مثلا و في صورة

تحقق الالتزام يتحقق العقد و لا وجه لفساده و لذا نقول الشرط الفاسد لا يفسد العقد و أما الجزء الفاسد فلا بد فيه من الالتزام بفساد الكل بالتقريب الذي ذكرناه فلاحظ.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 423.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 434

«قوله قدس سره: و يمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع»

الظاهر ان الامر كما أفاده فانه مع العلم بثمن المجموع لا يصدق الغرر مضافا الي أن المدرك لمانعية الغرر عن صحة البيع منحصر في الاجماع و الاجماع دليل لبي له قدر متيقن فلا اطلاق له كي يؤخذ به.

«قوله قدس سره: لان المشتري القادم علي ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض»

ما افيد غريب فان عدم كون الخمر غير قابل لان يقابل بالعوض لا يكون موجبا لعدم قصد المعاوضة خارجا و أغرب منه قوله «كلا قصد» و الحال انه خلاف الوجدان و علي الجملة: انه لا اشكال في أن قصد المعاوضة قد تحقق غاية الامر لا يصح و هذا أمر آخر.

«قوله قدس سره: من عدم رجوعه بالثمن الي البائع»

لا يرتبط احد المقامين بالآخر فان عدم الرجوع علي القول به من باب عدم الدليل علي الضمان مع العلم بالفساد و عدم اعتبار حديث علي اليد و قد مرّ الكلام حول هذه الجهة علي التفصيل.

«قوله قدس سره: و يشكل تقويم الخمر و الخنزير»

الذي يختلج بالبال أن يقال: لا بد من التفصيل بأن يقال الخمر و الخنزير تارة يباعان بعنوانهما و اخري بعنوان الخل و الشاة أما علي الاول فلا بد من تقويمهما عند من يري هما مالا و أما علي الثاني فلا بد من فرضهما خلا و شاة و تقويهما بهذا

العنوان و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 435

[القول في أولياء التصرف]
[مسألة يجوز للاب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة يجوز للاب و الجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع و الشراء»

وقع الكلام بينهم في جواز تصرف الأب و الجد في أموال الصغير و عدمه

و ما يمكن أن يستدل به علي الجواز وجوه:
الوجه الأول: الاجماع.

و فيه ان المنقول منه غير حجة كما هو المقرر في محله و أما المحصل منه فعلي تقدير حصوله لا اعتبار به أيضا لاحتمال استناد المجمعين الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: فحوي ما يدل علي جواز نكاح الأب و الجد للصغير و الصغيرة

بتقريب: ان النكاح أهم من التصرف المالي فاذا كان الاهم جائزا فبالاولوية يكون المهم جائزا.

و فيه انه يمكن ان الوجه في الجواز هناك الاحتراز عن الوقوع في الزنا و مقدماته فلا يكون التقريب تاما. و بعبارة اخري: لا تكون الاهمية موجبة للفحوي المدعي.

الوجه الثالث: النصوص و هي علي طوائف
الطائفة الاولي: ما يدل علي جواز تقويم جارية الابن علي نفسه

ثم وطئها فمنها ما رواه الحسن بن محبوب قال: كتبت الي أبي الحسن الرضا عليه السلام اني كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها و في بيت زوجها حتي مات زوجها فرجعت الي هي و الجارية أ فيحل لي أن أطأ الجارية قال قومها قيمة عادلة و أشهد علي ذلك ثم ان شئت فطأها «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الوالد يحل له من مال ولده اذا احتاج إليه قال نعم و ان كان له

______________________________

(1) الوسائل الباب 79 من ابواب ما يكتسب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 436

جارية فاراد أن ينكحها قومها علي نفسه و يعلن ذلك قال: و ان كان للرجل جارية فأبوه أملك بها أن يقع عليها ما لم يمسها الابن «1».

و منها ما رواه ابن سنان قال: سألته يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ما ذا يحل للوالد من مال ولده قال: أما اذا انفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها الا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه قال و يعلن ذلك. قال: و سألته عن الوالد أ يرزأ من مال ولده شيئا قال نعم و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا الا

باذنه فان كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يقتضيها فليقومها علي نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ان شاء وطأ و ان شاء باع «2».

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي ان المستفاد منها جواز تقويم الأب جارية الابن علي نفسه فيجوز التصرف في مال الولد.

و يرد عليه انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي الي غيره من الموارد ان قلت: يدل علي الجواز بالنسبة الي بقية الموارد بالاولوية قلت: قد تقدم آنفا انه لا أولوية فانه يمكن أن يكون البضع له خصوصية تقتضي الجواز بخلاف بقية الموارد.

مضافا الي أن مقتضي اطلاق بعض نصوص هذه الطائفة عدم الفرق بين الصغير و الكبير و هل يمكن الالتزام بجواز التصرف المالي في مملوك الولد بلا اذنه فلاحظ.

الطائفة الثانية: ما يدل علي أن الولد و ماله لوالده

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل الباب 79 من ابواب ما يكتسب الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 437

يحتاج الي مال ابنه قال: يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال: في كتاب علي عليه السلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له أن يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: أنت و مالك لابيك «1»

و منها ما رواه ابو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل: انت و مالك لابيك

ثم قال أبو جعفر عليه السلام ما احب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج إليه مما لا بد منه ان اللّه لا يجب الفساد 2.

و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده قال: قوته بغير سرف اذا اضطر إليه قال: فقلت له: فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: انت و مالك لابيك فقال: انما جاء بأبيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه: هذا أبي و قد ظلمني ميراثي عن امي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و علي نفسه و قال:

انت و مالك لابيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن «3».

و منها ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال نعم يحج منه حجة الاسلام قلت: و ينفق منه قال: نعم ثم قال: ان مال الولد لوالده ان رجلا اختصم هو و والده الي النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم فقضي ان المال و الولد للوالد «4».

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب الحديث 1 و 2.

(3) عين المصدر الحديث 8.

(4) الوسائل الباب 36 من ابواب وجوب الحج الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 438

و منها ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اني لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه اذا جاء رجل يستعدي علي أبيه فقال

أصلح اللّه الامير ان أبي زوج ابنتي بغير اذني فقال زياد لجلسائه الذين عنده ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقالوا:

نكاحه باطل قال: ثم أقبل عليّ فقال ما تقول يا أبا عبد اللّه فلمّا سألني أقبلت علي الذين أجابوه فقلت لهم: أ ليس فيما تروون انتم عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان رجلا جاء يستعديه علي أبيه في مثل هذا فقال له رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: انت و مالك لابيك؟ قالوا: بلي فقلت لهم: فكيف يكون هذا و هو و ماله لابيه و لا يجوز نكاحه قال: فأخذ بقولهم و ترك قولي «1».

و تقريب الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي بوجهين احدهما: ان مقتضي النصوص المشار إليها كون مال الولد ملكا و مالا لوالده و بعد كونه مملوكا له يجوز التصرف فيه فان المالك يجوز له التصرف في مملوكه. و بعبارة اخري: مقتضي التقريب المذكور جواز التصرف علي نحو الاطلاق و بلا قيد.

و يرد عليه أولا: انه لا يمكن اعتبار الملكية لمالكين مستقلين علي مملوك واحد فانه يرجع الي الخلف و التضاد و علي فرض عدم استحالته يكون امرا غير معهود في نظر المتشرعة. و ثانيا انه ينافيه بعض النصوص لاحظ ما رواه الثمالي «2» و ما رواه محمد بن مسلم 3 و ما رواه حسين بن أبي العلاء «4».

و ما رواه علي بن جعفر عن أبي ابراهيم عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 5.

(2) (2 و 3) قد تقدم ذكر الحديثين في ص 437 و 436.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 437.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 439

سألته

عن الرجل يأكل من مال ولده قال لا الا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا الا باذن والده «1».

و ثالثا: انه لا يختص بالصغير.

و رابعا: هذا الحكم مخالف لضرورة الفقه بل لضرورة الدين.

و خامسا: ان الامام عليه السلام قد جمع في بعض هذه الروايات بين الولد و ماله و من الضروري ان الولد لا يكون مملوكا للوالد فيعلم ان الحكم المذكور حكم اخلاقي و في مقام بيان ان مقام الوالد مقام رفيع.

و سادسا: انه لو فرض ان الجد حي يلزم أن يكون الملاك ثلاثة و هكذا و هو كما تري.

ثانيهما: أن يكون المستفاد من هذه الروايات الحكومة أي نلتزم بأن مال الولد ملك حقيقة له و ملك تعبدي بالحكومة لوالده و هذا الوجه و ان كان أخف اشكالا من الوجه الأول و لكن لا يمكن الالتزام به أيضا لوجوه عديدة غير خفية علي الخبير بعد الاحاطة بما ذكرناه من وجوه الاشكال فلاحظ.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي جواز وصية الأب بالمضاربة في مال الابن

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل أوصي الي رجل بولده و بمال لهم و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم فقال: لا بأس به من أجل ان أباهم قد اذن له في ذلك و هو حي «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن خالد الطويل قال

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6.

(2) الوسائل الباب 92 من أبواب الوصايا الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 440

دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال يا بني اقبض مال اخوتك الصغار

و اعمل به و خذ نصف الربح و اعطهم النصف و ليس عليك ضمان فقدمتني أم ولد ابي بعد وفاة أبي الي ابن ابي ليلي فقالت:

ان هذا يأكل أموال ولدي قال فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقال لي ابن ابي ليلي: ان كان أبوك أمرك بالباطل لم اجزه ثم اشهد عليّ ابن ابي ليلي ان انا حركته فأنا له ضامن فدخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فقصصت عليه قصتي ثم قلت له: ما تري فقال: أما قول ابن ابي ليلي فلا استطيع رده و أما فيما بينك و بين اللّه عز و جل فليس عليك ضمان «1».

و قد صرح في بعض تلك النصوص بعدم البأس و علل في كلامه عليه السلام بصدور الاذن من الأب في حال حياته فيعلم ان الوالد ما دام حيا يجوز له التصرف الاعتباري في مال الولد فلا نقاش من حيث الدلالة و أما من حيث السند فلا اعتبار به فان الحديثين المذكورين مخدوشان سندا.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي الوصية بمال الصغير و جعل الوصي قيما عليه

و مأذون في التصرف في أمواله لاحظ ما رواه ابن رئاب قال سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك اولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد و ما تري في بيعهم؟ قال: فقال: ان كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر

______________________________

(1) الوسائل الباب 92 من

ابواب الوصايا الحديث 2.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 441

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 441

فيما يصلحهم «1».

و لاحظ ما رواه سعد الاشعري قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية و ترك اولادا ذكرانا و غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري قال نعم و عن الرجل يموت بغير وصية له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولي القاضي بيع ذلك فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك «2».

و لاحظ ما رواه محمد بن اسماعيل بزيع قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فعين عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لانهن فروج قال فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي الي أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا فيبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لانهن فروج فما تري في ذلك؟ قال: اذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس

3.

فانا استدللنا في الدورة السابقة بهذه النصوص علي المدعي و لكن الانصاف انه لا دلالة فيها علي المدعي اذ لا يستفاد منها نفوذ

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 16 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 442

وصية الأب و جواز جعل القيم علي الصغير كي يقال: اذا كان جعل القيم نافذا فبالاولوية التصرف الصادر منه في حال حياته يكون نافذا هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بهذه الطائفة علي المدعي.

و لكن الحق عدم صلاحية النصوص المشار إليها للاستدلال بها علي المدعي اذ لم يفرض في هذه النصوص ان المتصدي للتصرف القيم من قبل الموصي بل قد فرض ان الرجل مات و لم يوص نعم قد فرض في بعضها ان المتصرف هو القيم و في بعضها الاخر قد فرض عنوان الولي و لكن لم يتعرض ان ولايته أو قيمومة القيم بأي وجه.

و صفوة القول: انه لا دلالة في هذه النصوص علي أن جواز التصرف مستند الي وصية الميت فلا مجال للاستدلال بها علي المقصود فلاحظ.

الوجه الرابع: السيرة الخارجية الجارية بين المتشرعة علي التصرف في أموال الصغار من قبل والدهم من غير نكير

مضافا الي الارتكاز القطعي فان المرتكز في أذهان أهل الشرع الجواز.

اضف الي ذلك انه يمكن دعوي الضرورة علي الجواز لكن هذا الوجه لا يمكن الاستناد إليه في القول بالجواز بالنسبة الي الجد بل انما يتم بالنسبة الي الأب وحده و عليه يكون الجزم بالجواز بالنسبة الي الجد مشكلا الا أن يتم التسالم فلاحظ.

[و المشهور عدم اعتبار العدالة]
اشارة

«قوله قدس سره: و المشهور عدم اعتبار العدالة للاصل و الاطلاقات»

وقع الكلام في المقام في اشتراط جواز التصرف بالعدالة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 443

و الذي يمكن أن يستدل به علي عدم الاشتراط وجوه:
الوجه الأول الاصل

كما في كلام الشيخ قدس سره.

و يرد عليه انه ما المراد من الاصل المذكور فان كان المراد من الاصل اصالة البراءة عن الحرمة فيرد عليه انه لا اشكال في عدم حرمة التصرف بالبيع و الشراء حرمة تكليفية و انما الكلام في الحرمة الوضيعة و عدم النفوذ فلا مجال لجريان البراءة عن التكليف.

و ان كان المراد من الاصل اصالة عدم المنع الوضعي فعدم المنع الوضعي لا يقتضي الامضاء الا علي القول باعتبار الاصل المثبت الذي لا نقول به مضافا الي أنه يعارضه أصل عدم الامضاء و الاعتبار المقتضي للفساد.

الوجه الثاني: اطلاقات النصوص الدالة علي الجواز

فان اطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون المتصرف فاسقا أو عادلا.

و يرد عليه انه قد نوقش في النصوص المستدل بها علي جواز التصرف فلا تصل النوبة الي الاخذ بإطلاقها.

الوجه الثالث: الاجماع القائم علي عدم الاشتراط في نكاح الأب أو الجد الصغير و الصغيرة

و حيث ان التصرف في البضع اهم من التصرف في المال يفهم عدم المنع في المقام بالفحوي و الاولوية.

و يرد عليه أولا: ان الاجماع المدعي هناك ان كان اجماعا منقولا فلا يكون حجة هناك فكيف بالمقام و ان كان اجماعا محصلا فعلي تقدير حصوله يمكن استناد القائلين ببعض الوجوه كما سيظهر إن شاء اللّه تعالي فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

و ثانيا: انه قد مرّ منا ان تحقق الجواز في باب النكاح لا يدل علي الجواز في المقام اذ قلنا يمكن ان أهمية النكاح تقتضي ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 444

الشارع الاقدس يسهل الامر فيه كي ينسد باب الفجور و الفسوق.

الوجه الرابع: السيرة القطعية الجارية علي التصرف في أموال الصغار من قبل الأب بلا نكير

و يمكن تقريب الاستدلال بوجه آخر و هو انه لو كان جواز تصرفه منوطا بالعدالة لشاع و ذاع و مع عدم شيوعه بل الشائع خلافه يفهم عدم الاشتراط.

و في قبال الوجوه المذكورة يمكن الاستدلال علي الاشتراط بوجوه أيضا:
الوجه الأول: الاصل

فان مقتضاه عدم تأثير التصرفات الصادرة عن الأب في مال الصغير في صورة عدم كون الأب عادلا.

و فيه انه لا اشكال في أن مقتضي الاصل كذلك لكن قلنا السيرة جارية علي التصرف بلا رعاية الشرط المذكور كما ان الارتكاز المتشرعي كذلك فلا بد من رفع اليد عن مقتضي الاصل الاولي و بعد تمامية السيرة و اتصالها بزمن المعصوم و تحققها في ذلك الزمان لا مجال لان يقال ان السيرة مردوعة بقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و قوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» اذ المفروض ان السيرة المذكورة ممضاة من قبل الشرع الاقدس فلا تكون مردوعة.

مضافا الي أنه قد علم من الشارع انه لم يخالف العقلاء في سيراتهم الجارية بينهم في امورهم فلو لم يردعهم بالخصوص في مورد تكون سيرتهم ممضاة عنده و لذا نقول: الظواهر حجة بالسيرة الممضاة و قول الثقة حجة كذلك و هكذا.

و الحال انه لقائل أن يقول: ان قوله تعالي ان الظن لا يغني عن الحق شيئا و قوله تعالي وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ رادع عن العمل بغير علم فلاحظ.

الوجه الثاني ان الصغير لا يمكن الدفاع عن نفسه و ماله

فكيف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 445

يمكن جعل الشارع من لا يكون امينا مسلطا علي غير القادر و يجعل تصرفه في ماله نافذا و اقراره معتبرا.

و يرد عليه أولا ان عدم العدالة لا يستلزم عدم الامانة و لذا نقول قول الثقة حجة و لو لم يكن عادلا فانه يمكن أن لا يكون شخص عادلا يلعب القمار و يشرب الخمر لكن لا يخون في أموال الناس و اعراضهم و امين بتمام معني الكلمة.

و ثانيا: انه لا تنافي

بين نفوذ التصرف و عدم كون المال في يده بل يمكن أن يكون المال موضوعا في محل أمن و يتصرف الأب فيه تصرفا ماليا.

اضف الي ذلك انه لو كان البيان المذكور تاما كان اللازم عدم كونه وليا في نكاحه أيضا اذ يمكن أن يخون و يتصدي لغير صلاح الصغير و الحاصل انه لا يمكن رد الحكم الشرعي بهذه التقريبات الواهية بل يلزم الاخذ بما صدر عن صاحب الشريعة.

و ثالثا: انه متي ظهر منه الخيانة عند الحاكم جعل عليه ناظرا يمنعه عن الخيانة.

ان قلت: جعل الناظر عليه يوجب لغوية ولايته اذ يلزم أن يكون ما يصدر عنه بأمر من الناظر. قلت: لا تكون ولايته لغوا بل اللازم رعاية نظر الناظر و رعايته و أما ان لم يمكن جعل الناظر أو يكون حرجيا يعزله الحاكم فانه ولي الامور.

و لنا أن نقول: لا تصل النوبة الي عزل الحاكم بأن نقول في صورة ظهور الخيانة منه و عدم رعاية صلاح الصغير لا دليل علي ولايته فان عمدة الدليل السيرة و لا سيرة في الفرض المذكور.

الوجه الثالث: قوله تعالي

«وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 446

النّٰارُ وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ» «1».

بتقريب ان هذا نحو من الركون الي الظالم و قد نهي عن الركون إليه.

و يرد عليه أولا: ان المتبادر من الظالم ليس مطلق الفاسق بل المتبادر من الآية الشريفة ولاة الجور و ائمة الضلال و الظلمة المتصدين للامور.

و ثانيا: انه لا اشكال في أن مجرد نفوذ معاملة الفاسق لا يكون ركونا الي الظالم و الا يلزم أن يكون كل من يتصدي لمعاملة ان يكون عادلا و يلزم ان

جميع الوكلاء في الامور المالية و غيرها و جميع الأوصياء و جميع المتولين للموقوفات عدولا و هو خلاف ضرورة الفقه و الدين بل يمكن أن يقال ان الالتزام به يوجب الكفر.

و ثالثا: انا سلمنا ان جعل الولاية للفاسق ركونا إليه و لكن الممنوع في الآية ركون المكلف إليه و المفروض ان الولاية له مجعولة من قبل الشارع الاقدس فتكون ولاية خارجة عن عمل المكلف الذي تستفاد من الآية.

الوجه الرابع: قوله تعالي «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» «2»

فان المستفاد من الآية الشريفة عدم ترتيب الاثر علي قول الفاسق و عدم اعتبار اخباره فلو اخبر عن تصرفه الكذائي في مال الصغير لا يسمع قوله و لا يرتب الاثر علي قوله فلا يكون تصرفه نافذا.

و فيه أولا: ان قول ذي اليد حجة و تصرفه نافذ و لو كان فاسقا و ثانيا: ان عدم ترتيب الاثر علي قوله لا يستلزم عدم ولايته و لا

______________________________

(1) هود/ 113.

(2) الحجرات/ 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 447

يرتبط احد الامرين بالآخر.

و ثالثا: ان التخصيص ليس عزيرا فانه علي تقدير دلالة الآية علي المدعي نرفع اليد عن اطلاقها بما يدل علي جواز التصرف فلاحظ.

ثم انه هل يشترط جواز التصرف بعدم كونه ضررا بالنسبة الي الصغير أم لا يشترط؟
ربما يقال بنفوذ تصرفه في ماله حتي في صورة كون التصرف ضرريا و ذلك لوجهين
الوجه الأول عدم الاشتراط فانه موافق للاصل.

و فيه أولا: ان التقييد و الاطلاق متضادان في مقام الثبوت و اصالة عدم احد الضدين لا تقتضي اثبات الضد الاخر الاعلي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

و ثانيا: ان الاصل المذكور معارض باصالة عدم الاطلاق فان الاهمال محال في الواقع فلا بد من احد الامرين.

الوجه الثاني: قوله عليه السلام في جملة من النصوص انت و مالك لابيك

لاحظ ما رواه عبيد بن زرارة «1».

فيجوز للوالد التصرف في مال ولده الصغير علي الاطلاق. و فيه انه قد مرّ الكلام في النصوص المشار إليها و قلنا لا بد من حملها علي الحكم الاخلاقي مضافا الي أنه قد دل بعض النصوص علي اشتراط كون التصرف بعدم الاسراف لاحظ ما رواه محمد بن مسلم «2» فانه يستفاد من الحديث انه لا يجوز الاسراف في مال الابن و لاحظ ما رواه ابو حمزة الثمالي «3» فالنتيجة انه لا يجوز التصرف مع الضرر.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 438.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 436.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 437.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 448

[و هل يشترط في تصرفه المصلحة أو يكفي عدم المفسدة أم لا يعتبر شي ء؟]
اشارة

«قوله قدس سره: و هل يشترط في تصرفه المصلحة أو يكفي عدم المفسدة أم لا يعتبر شي ء؟ وجوه»

وقع الكلام بينهم في أنه هل يشترط جواز تصرف الأب و الجد بكونه مصلحة للصغير أو يكفي مجرد عدم المفسدة

و الذي يمكن أن يذكر وجها للاشتراط وجوه:
الوجه الأول: الاصل فان مقتضي الاستصحاب عدم نفوذ تصرف الولي الا مع رعاية الصلاح

و الاصل المذكور مرجع ما دام لا يوجد دليل علي عدم الاشتراط.

الوجه الثاني: الاجماع

فانه يستفاد من بعض الكلمات ان الاشتراط متفق عليه بينهم. و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك.

الوجه الثالث: قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» * «1»

بتقريب ان اطلاق الآية يشمل الجد بالنسبة الي الصغير الذي لا أب له اذ يصدق عليه عنوان اليتيم فيتم الامر بالنسبة الي الأب بعدم القول بالفصل.

و قد اوردت علي الاستدلال المذكور اشكالات: الاشكال الاول:

ان صدق عنوان اليتيم علي من يكون ذا جد اوّل الكلام.

و فيه ان المستفاد من كلمات اللغويين و من مفردات الراغب ان اليتيم من فقد أباه قبل بلوغه الا أن يقال عنوان الأب يطلق علي الجد كما يطلق علي الأب.

الاشكال الثاني: ان المستفاد من الآية الشريفة اشتراط مجرد الحسن و عنوان الحسن يصدق علي ما لا تكون فيه مفسدة و لا يلزم أن تكون فيه مصلحة.

______________________________

(1) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 449

و فيه ان صدق عنوان الحسن علي ما لا تكون فيه مفسدة اوّل الكلام و الاشكال.

الاشكال الثالث: ان عدم القول بالفصل غير القول بعدم الفصل مضافا الي أن غايته الاجماع و لا يترتب عليه اثر و الانصاف ان عمدة الوجه الاصل فان مقتضاه عدم ترتب الاثر فيما لم يراع فيه الصلاح فانقدح انه لا بد من رعاية الصلاح.

بقي الكلام في المراد من لفظ الاحسن الوارد في الآية الشريفة و قد ذكرت فيه احتمالات: الاحتمال الاول أن يراد به التفضيل علي الاطلاق من الترك و غيره من التصرفات الاخر و لازمه عدم جواز التصرف الا فيما يصدق التفضيل علي الاطلاق و ربما يرجح هذا الاحتمال باعتبار الاخذ بظهور اللفظ.

و قد اورد في القول المذكور بايرادات الايراد الاول ان هذا الوزن يستعمل في غير

التفضيل كثيرا و المؤيد لعدم إرادة التفضيل عدم تذييل الكلمة في الآية الشريفة بلفظة من و أيضا لم يذكر فيه علي نحو الاضافة.

و فيه ان استعماله في غير التفضيل مع القرينة لا يقتضي حمله علي غيره بلا قرينة بل لا بد من الاخذ بالظهور علي ما هو المقرر عند العقلاء و أما عدم تذييله بلفظة من و الاضافة فلا يقتضي رفع

اليد عن الظهور بل عدم التذييل يقتضي عموم المتعلق.

الايراد الثاني: انه يلزم عدم الاقدام في مورد تكون جملة من التصرفات متساوية الاقدام من حيث المصلحة و لا يكون فيها ما يكون أحسن علي الاطلاق. ان قلت: تكفي المصلحة في الجملة قلت:

عليه يلزم جواز الاقدام في مورد وجود الصلاح و لو كان الفرد الاخر أصلح و احسن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 450

و يرد عليه ان مقتضي الظهور لزوم التفضيل علي الاطلاق غاية الامر في مورد التساوي بين جملة من التصرفات يكون الافضل الجامع بين تلك الافراد و نتيجته التخيير كما ان البيع لو كان أحسن من الاجارة يتعين البيع لكن المتصرف يتخير في اختيار أي فرد من أفراده.

الايراد الثالث: انه لو كان مصلحة في فرد و في غيره لا تكون مصلحة يلزم عدم جواز الاقدام اذ مفهوم التفضيل متقوم بوجود الجامع بين المتفضل و المتفضل عليه.

و فيه ان الجواز في الصورة المفروضة أولي اذ لو كان الاقدام جائزا مع وجود المصلحة في غيره فيجوز الاقدام بالاولوية و ان شئت قلت: ان الجواز في الصورة المفروضة ليس بالدلالة اللفظية بل بالدلالة العرفية أي الاولوية.

الاحتمال الثاني: في الآية الشريفة أن يكون المراد من الاحسن الحسن فيجوز التصرف اذا كان التصرف ذا مصلحة و حسنا و

ان كان غيره احسن.

و فيه انه خلاف الظاهر فان الظاهر من قوله تعالي اشتراط التصرف بكونه أحسن علي الاطلاق و رفع اليد عن الظهور بلا دليل خلاف القاعدة.

الاحتمال الثالث: أن يكون المراد من الآية ما لا يكون فيه مفسدة و ان لم تكن مصلحة و يلزم جواز التصرف و الحال ان الفرد الاخر ذا مصلحة زائدة بل لا يشترط الجواز بالصلاح كما هو المفروض.

و فيه انه خلاف الظاهر و لا يصار إليه بلا دليل.

الاحتمال الرابع: أن يكون المراد بالاحسن ما يكون أحسن من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 451

تركه و ان كان التصرف الاخر أصلح و أحسن من التصرف الواقع.

و فيه انه خلاف الظاهر و لا يجوز التخطي عن الظهور بلا قيام دليل علي الخلاف.

الاحتمال الخامس: ان يكون المراد الاحسن من بقية التصرفات و ان كان الترك احسن و لازمه جواز التصرف و ان كان ترك التصرف أصلح و أحسن.

و فيه انه خلاف الظاهر من القرآن و لا يجوز رفع اليد عن ظهور الكتاب فان الظاهر من قوله تعالي اشتراط التصرف بكونه احسن علي الاطلاق هذا بحسب المستفاد من الكتاب.

و أما السنة ففي المقام عدة من النصوص منها ما رواه اسحاق بن عمار قال: دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام فخبرته انه ولد لي غلام قال: ألا سميته محمدا قلت: قد فعلت قال: فلا تضرب محمدا و لا تشتمه جعله اللّه قرة عين لك في حياتك و خلف صدق بعدك قلت:

جعلت فداك في أي الاعمال أضعه قال اذا عدلته عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت لا تسلمه صيرفيا فان الصيرفي لا يسلم من الربا و لا تسلّمه بياع اكفان فان صاحب الاكفان

يسره الوباء اذا كان و لا تسلّمه بياع طعام فانه لا يسلم من الاحتكار و لا تسلّمه جزارا فان الجزار تسلب منه الرحمة و لا تسلّمه نخاسا فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال شر الناس من باع الناس «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية علي المدعي ان المستفاد من الحديث جواز تصرف الأب في نفس الابن فيجوز تصرفه في ماله بالاولوية.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا انه لا اولوية.

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 452

و منها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: جاء رجل الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه: قد علّمت ابني هذا الكتابة ففي أي شي ء أسلمه؟ فقال اسلمه للّه ابوك و لا تسلمه في خمس لا تسلمه سباء و لا صائغا و لا قصابا و لا حناطا و لا نخاسا قال: فقال يا رسول اللّه ما السباء قال الذي يبيع الاكفان و يتمني موت امتي و للمولود من امتي احب الي مما طلعت عليه الشمس و أما الصائغ فانه يعالج زين غني امتي و أما القصاب فانه يذبح حتي تذهب الرحمة من قلبه و أما الحناط فانه يحتكر الطعام علي امتي و لئن يلقي اللّه العبد سارقا احب إليّ من أن يلقاه قد احتكر الطعام اربعين يوما و أما النخاس فانه اتاني جبرئيل فقال يا محمد: ان شرار امتك الذين يبيعون الناس «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث هو التقريب. و لكن يرد عليه ان الاولوية اوّل الكلام و الاشكال.

و منها ما رواه عبد

اللّه بن يحيي الكاهلي قال قيل لابي عبد اللّه عليه السلام انا ندخل علي اخ لنا في بيت ايتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك؟ فقال ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و ان كان فيه ضرر فلا و قال عليه السلام «بَلِ الْإِنْسٰانُ عَليٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ»

فانتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عز و جل «وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» «2».

و الرواية مخدوشة سندا لعدم ثبوت وثاقة الكاهلي و قال سيدنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب ما يكتسب به الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 453

الاستاد قدس سره في رجاله: ان الراوي لضمان الامام أبي الحسن عليه السلام للكاهلي الكاهلي نفسه فلا تصل النوبة الي ملاحظة مضمون الحديث.

و منها ما رواه علي بن المغيرة قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة فربما اهدي لها شي ء فآكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فاقول: يا رب هذا بذا فقال عليه السلام:

لا بأس «1».

و الحديث ضعيف سندا بذبيان فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته اضف الي ذلك انه لو أغمضنا عن السند يكون الحديثان مخالفين مع الكتاب اذ المستفاد منه انه يشترط في التصرف أن يكون أحسن و ما خالف الكتاب لا اعتبار به.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان مقتضي قوله تعالي «و لا تقربوا مال اليتيم» عدم جواز التصرف الا ما يكون أحسن و أصلح علي

الاطلاق كما ان مقتضي الاصل العملي كذلك فان مجرد الشك يكفي لعدم الجواز الا فيما يعلم بالجواز و لكن مقتضي السيرة الخارجية من التصرف في مال الصغير و جعل القيم عليهم و عدم الاشتراط و التقييد لهذا المقدار من التصرف. و ببيان ظاهر: ان الأب يتصرف في مال ابنه مع ملاحظة صلاحه و لا يكون تصرفه في مال ولده مع عدم ملاحظة الاصلح مستنكرا فيجوز تصرفه مع لحاظ الصلاح لكن الآية لا تشمل الأب اذ لا يصدق عنوان اليتيم علي من يكون واجدا للاب بل صدقه علي من له الجد اوّل الكلام و الاشكال.

و لنا أن نقول في فرض الشك في الصدق نحكم بعدمه فانا ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 454

مرارا انه لو شك في صدق مفهوم علي فرد يكون مقتضي الاصل عدم صدقه عليه فلاحظ.

[الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعي في أن الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم»

ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه
الوجه الأول: عدم الخلاف

و اشكاله ظاهر فان عدم الخلاف غايته الاجماع و اعتباره اوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الثاني: ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام

قال: سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج احدهما و هوي أبوه الاخر ايّهما أحق أن ينكح قال الذي هوي الجد احق بالجارية لانها و أباها للجد «1».

فان المستفاد من الحديث ان الجد له أن ينكح بنته و انه لو دار الامر بين الجد و الأب يكون الجد مقدما في النكاح فتدل الرواية علي الولاية في المقام بالاولوية.

و لكن الاستدلال المذكور مخدوش بأن اثبات الولاية للجد في باب النكاح لا يستلزم الولاية في البيع اذ يمكن ان الشارع الاقدس في مقام التسهيل في أمر النكاح بخلاف البيع.

الوجه الثالث: جملة من النصوص التي تدل علي أن الولد و ماله للاب

و قال عليه السلام في الحديث المتقدم ذكره آنفا في مقام تعليل الحكم «لانها و أباها للجد».

و فيه انه قد مر منا ان الحكم المذكور حكم اخلاقي لا حقيقي و الا فهل يتوهم احد ممن تكون له خبرة بالصناعة أن يلتزم بأن الولد

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد النكاح و اولياء العقد الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 455

مملوك لوالده أو ان مال الولد مملوك لوالده و بعد عدم تمامية الوجوه المذكورة لا بد من اتمام الامر بالتسالم و كون ولاية الجد أمرا غير قابل للانكار فان تم و امكن فهو و الا فمقتضي القاعدة عدم ولايته بعنوان كونه جدا فان الشك يكفي في الحكم بالعدم.

«قوله قدس سره: و لو فقد الأب و بقي الجد فهل ابوه اوجده يقوم مقامه في المشاركة»

أفاد الشيخ قدس سره بأن مشاركة الجد الاعلي مع الادني في صورة فقدان الأب محل الخلاف بينهم و يختلج بالبال أن ما افاده مناقض لما أفاده آنفا من مشاركة الجد و ان علا مع الأب بقوله «لا خلاف ظاهرا كما

ادعي في ان الجد و ان علا يشارك الأب في الحكم».

فانه لا يتصور عدم الخلاف في المشاركة و الخلاف فيها و الحال ان موت الأب لا يؤثر في وجود الولاية و عدمها و كيف كان فالذي يمكن أن يقال في وجه المشاركة كون الولد و ماله لوالده فتكون النتيجة ان الجد و ان علا تكون له الولاية و لكن قد تقدم منا انه حكم اخلاقي فلا يكون الحكم المذكور دليلا علي المدعي فلا بد من التماس دليل آخر.

و الظاهر ان اثبات الولاية للجد الادني حتي مع فقدان الأب في غاية الاشكال اذ لا دليل عليها و من ناحية اخري ان الولاية خلاف الاصل الاولي و من ناحية ثالثة لا سيرة من المتشرعة قائمة عليها فاذا ثبت الامر بالتسالم و الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام فهو و الا فلا مناص عن الاحتياط سيما بالنسبة الي مال اليتيم الذي قد علم من الشرع ان التصرف في ماله أمر مهم في نظر الشارع.

و ربما يقال: انه يستفاد من قوله تعالي «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 456

أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ» * «1» أولوية الجد الادني.

و فيه ان المراد من الآية الشريفة غير معلوم و يحتمل أن يكون المراد بالتفضيل الترجيح في باب الارث. و ربما يقال: انه يمكن أن يكون المراد من الآية بيان ان الرحم أولي برحمه من الاجنبي و أما الثبوت في الرحم باي نحو فلا يستفاد من الآية بل لا بد أن يفهم من دليل آخر.

[مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم و المراد منه الفقيه الجامع لشرائط الفتوي]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله الحاكم و المراد منه

الفقيه الجامع لشرائط الفتوي»

المشهور فيما بين القوم ان الفقيه الجامع للشرائط له ثلاثة مناصب
المنصب الاول الافتاء في الاحكام النظرية الشرعية للعوام

و الرأي في الموضوعات المستنبطة و المتكفل لهذا البحث بحث الاجتهاد و التقليد و تحقيق الجهات المرتبطة لهذه الجهة موكول الي ذلك البحث و خارج عن محور بحثنا في المقام و لكن لاهمية الموضوع لا بأس بل يلزم الاشارة و لو علي نحو الاجمال الي ما ورد في هذه المجال من الآيات و الروايات فانه يلزم علي كل فرد من الافراد الذين يمكن دخوله في هذا الميدان الموحش و الجادة المخوفة أن يتعوذ باللّه من شر الشيطان الخناس الذي يوسوس في صدور الناس و من تسويلات النفس الامارة بالسوء و البعد من مقام القدس الربوبي و يجب علينا أن لا نبرأ أنفسنا فان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم الرب.

و الانصاف ان الدخول في هذا المضار معرض للاخطاء سيما مع استلزامه للوازم كثيرة كل واحد منها يكفي للانصراف عن الجادة

______________________________

(1) الانفال/ 75.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 457

المستقيمة و الوقوع في المهالك العظيمة و لا أنس القضية المعروفة من سيدي الوالد قدس سره فانه قدس سره لما توجه بصيرورته مرجعا وحيدا عاما تأثر شديدا و طلب من اللّه أن يلحقه بالصالحين و ينجيه من الغرق في هذا البحر المتلاطم العميق و القضية المشار إليها وقعت في الروضة الحسينية مع حضور بعض الاكابر من اصحابه رضوان اللّه عليه و حشره مع جده يوم تبلي السرائر.

و رأينا ان المناسب بل الانسب ان نشير كما ذكرنا الي الآيات و الروايات الواردة في هذه المقام، أما الآيات فمنها قوله تعالي «وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَريٰ عَلَي اللّٰهِ كَذِباً أُولٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَليٰ رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الْأَشْهٰادُ هٰؤُلٰاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَليٰ رَبِّهِمْ أَلٰا لَعْنَةُ اللّٰهِ

عَلَي الظّٰالِمِينَ» «1».

و منها قوله تعالي «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ» «2».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ» «3».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ» «4».

و منها قوله تعالي «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ» «5» و غير ذلك من الآيات.

______________________________

(1) هود/ 18.

(2) النور/ 15.

(3) المائدة/ 44.

(4) المائدة/ 45.

(5) المائدة/ 47.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 458

و أما الروايات الواردة في هذا المقام فكثير منها ما رواه مفضل ابن يزيد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: أن تدين اللّه بالباطل و تفتي الناس بما لا تعلم «1».

و منها ما رواه ابن الحجاج قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

اياك و خصلتين فيهما هلك من هلك إياك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم» «2».

و منها ما رواه عبد الحميد عن أبي ابراهيم عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: اتقوا تكذيب اللّه قيل يا رسول الله و كيف ذلك؟ قال: يقول أحدكم قال اللّه فيقول اللّه عز و جل كذبت لم اقله و يقول: لم يقل اللّه فيقول عز و جل: كذبت قد قلته «3».

و منها ما رواه أبو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال من أفتي الناس بغير علم و لا هدي من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه «4» و غير ذلك من الروايات الواردة في هذا

المقام.

المنصب الثاني: القضاء و فصل الخصومات عند الترافع

و لا اشكال في ثبوت هذا المنصب للفقيه فان سيرة الفقهاء جارية عليه و لو لا الالتزام بذلك لعله يختل النظام و بعبارة اخري: لا بد في حفظ النظام من يكون مرجعا لمحل المنازعات.

و أما ما في كلام الشيخ قدس سره من قوله «و غيرها في الجملة»

فلعل المراد منه حكم الفقيه بالهلال و لكن الجزم بثبوت مثله للفقيه مشكل و لا بد من البحث و اقامة الدليل عليه.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 111 الباب 16 الحديث 5.

(2) عين المصدر الحديث 6.

(3) بحار الانوار ج 2 ص 117 الباب 16 الحديث 16.

(4) عين المصدر ص 118 الحديث 23.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 459

المنصب الثالث: ولاية الفقيه علي الاموال و الانفس و هذا محل البحث في المقام
اشارة

و الوجه في عنوان البحث المذكور ان هذه الولاية ثابتة للامام عليه السلام و حيث ان الفقيه نائب عن الامام نيابة عامة في زمان الغيبة وقع الكلام في ثبوتها للفقيه الجامع للشرائط و عدمه فالحري أو لا ارسال عنان الكلام و البحث عن ولايته عجل اللّه تعالي فرجه ثم اتمامه بالبحث عن ولاية الفقيه.

فنقول الكلام في ولاية الامام عليه السلام يقع في موردين

المورد الاول: في ولايته التكوينية،
اشارة

المورد الثاني في ولايته التشريعية، أما المورد الاول فيقع الكلام تارة بلحاظ مقام الثبوت و الامكان و اخري بلحاظ مقام الاثبات فالكلام يقع في موضعين.

أما الموضع الاول فنقول لا اشكال في مقام الثبوت و الامكان اذ الامتناع اما من ناحية قصور في الفاعل و اما من ناحية قصور في القابل أما من ناحية فاعلية الفاعل فلا اشكال و لا كلام في أنه تعالي قادر علي اقدار الغير فانه لا قصور في قدرته- تعالي و تقدس- علي جميع الامور فان قدرته غير متناهية و اذا أراد اللّه شيئا يقول له كن فيكون.

و أما من ناحية القابل فأيضا لا اشكال في قابلية ذواتهم المقدسة لهذه العناية الالهية فلا اشكال في ناحية الثبوت.

و يؤكد المدعي بل يدل عليه انا قادرون علي كثير من الاشياء و هذه القدرة نحو من الولاية التكوينية بل هذه الولاية في الجملة موجودة في الحيوانات فانها تقدر علي كثير من الامور.

ان قلت: الالتزام بكون الامام عليه السلام بيده اختيار الكون يستلزم الاعتقاد بالشرك أو الالتزام بعدم كونه تعالي قادرا بل أمر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 460

الممكنات فوض إليهم عليهم السلام و كيف يمكن الالتزام بالشرك أو بعدم كونه قادرا؟

قلت: ليس المراد من ولايتهم استقلالهم في التصرف و استغنائهم

عن خالقهم بل نقول: قدرتهم بلطفه و عنايته كقدرة عيسي بن مريم عليهما السلام علي احياء الموتي و ابراء الاكمه و الابرص فتحصل ان الامكان الثبوتي لا اشكال في تحققه.

و أما الموضع الثاني فيمكن اثبات المدعي اي ولايتهم التكوينية و قدرتهم علي التصرف في الامور الخارجية بتقريبات.

التقريب الاول: ما ورد في القرآن و نص به من معجزات الأنبياء و قدرتهم علي خوارق العادة بجعل موسي عصاه ثعبانا و احياء عيسي الموتي و ابراء الاكمه و الابرص الي غيرها من المعاجز المنقولة عن أنبياء السلف هذا من ناحية و من ناحية اخري قد ثبت بالأدلّة القطعية ان رسول الاسلام و خلفائه و الائمة عليهم السلام أفضل من أنبياء السلف فما يكون لهم ثابت لاهل البيت عليهم السلام.

التقريب الثاني: قد ثبت بالدليل القطعي و قد ذكر في الكتاب ثبوت القدرة علي بعض خوارق العادة لبعض أفراد الناس كقدرة آصف وزير سليمان و غيره و هل يمكن أن تكون هذه الفضيلة لمثل آصف و لا تكون لاهل بيت الوحي و الطهارة و الحال انهم أفضل الموجودات و أقرب الناس من مقام القدس الربوبي.

التقريب الثالث: انه لا اشكال في ان الشيطان قادر بإرادة اللّه علي التصرف في الانسان و اغوائه و قد أوتي هذا الفضل لامتحان الناس و لا اشكال في كونه فضيلة و هل يمكن أن يكون الشيطان الرجيم أفضل من أهل بيت الرسالة؟ كلا ثم كلا.

التقريب الرابع: ان اللّه تبارك و تعالي ينقل في كتابه «قال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 461

عفريت من الجن انا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و اني عليه لقوي امين» «1» و هل يمكن أن يكون العفريت من

الجن أفضل من الذوات المقدسة الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و هل يجوز العقل مع انهم أفضل من جميع المخلوقات.

التقريب الخامس: الروايات الواردة في هذا المقام فانه لو تصور أعظم درجة و ارفع مقدارا من التواتر يصدق و يتحقق موضوعه في الروايات المروية في هذا المجال و من المؤسف جدا عدم الغور في بحار الاخبار و لجج الروايات الواردة في فضائلهم و مناقبهم و نحن بعيدون عن الفوز العظيم مع كونها في أيدينا و اختيارنا و ليس هذا إلا من سوء التوفيق و العتب كل العتب متوجه إلينا و انحرفنا بتسويل النفس الامارة و اغواء الشيطان الملعون كما يقول الشاعر:

نعيب زماننا و العيب فينا و ليس زماننا فيه المعيب

و تسلط الشيطان علينا حتي صار المعروف عندنا منكرا و حراما فان ذكر المصائب عار لنا و موعظة الناس و ارشادهم هتك لمقامنا و لا نفهم بأن مرجع هذه الدعوي الي الرد علي الرسول و امير المؤمنين صلوات اللّه عليهم فان رسول اللّه كان واعظا و كذلك أمير المؤمنين و لنا مصائب كثيرة و معايبنا وافرة و أفكارنا خاطئة انحرفنا عن الصراط المستقيم و رجحنا الاعوجاج علي الاستقامة و الضلال علي الهدي يا ولي اللّه الاعظم ادركنا و نجنا من شرور أنفسنا.

و علي الجملة الروايات الواردة في المقام علي طوائف: الطائفة الاولي ما يدل علي علمهم منها ما رواه أبو الجارود قال: قال علي ابن الحسين عليه السلام ما ينقم الناس منا فنحن و اللّه شجرة النبوة

______________________________

(1) النمل/ 39.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 462

و بيت الرحمة و معدن العلم و مختلف الملائكة «1» و في هذا الباب ثلاثة أحاديث.

و منها ما

عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام يمصون الثماد و يدعون النهر العظيم قيل له و ما النهر العظيم؟

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و العلم الذي أعطاه اللّه ان اللّه عز و جل جمع لمحمد صلي اللّه عليه و آله سنن النبيّين من آدم و هلم جرا الي محمد صلي اللّه عليه و آله قيل له: و ما تلك السنن قال علم النبيين بأسره و ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله صيّر ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رجل: يا ابن رسول اللّه فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين فقال أبو جعفر عليه السلام:

اسمعوا ما يقول ان اللّه يفتح مسامع من يشاء اني حدثته ان اللّه جمع لمحمد صلي اللّه عليه و آله علم النبيين و انه جمع ذلك كله عند أمير المؤمنين عليه السلام و هو يسألني أ هو أم بعض النبيين «2» و في هذا الباب ثمانية احاديث.

و منها ما رواه الكناسي قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده أبو بصير فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ان داود ورث علم الأنبياء و ان سليمان ورث داود و ان محمدا صلي اللّه عليه و آله ورث سليمان و أنا ورثنا محمدا صلي اللّه عليه و آله و ان عندنا صحف ابراهيم و الواح موسي فقال أبو بصير ان هذا لهو العلم فقال يا أبا محمد: ليس هذا هو العلم انما العلم ما يحدث بالليل و النهار

______________________________

(1) باب أن الائمة معدن العلم و شجرة النبوة و مختلف الملائكة ج 1 من الاصول من الكافي ص 221 الحديث 1.

(2) الاصول

من الكافي ج 1 ص 221 باب ان الائمة عليهم السلام ورثة العلم الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 463

يوما بيوم و ساعة بساعة «1» و في هذا الباب سبعة أحاديث.

و منها ما رواه هشام بن الحكم في حديث بريه انه لما جاء معه الي أبي عبد اللّه عليه السلام فلقي أبا الحسن موسي بن جعفر عليه السلام فحكي له هشام الحكاية فلما فرغ قال أبو الحسن عليه السلام لبريه: يا بريه كيف علمك بكتابك قال انا به عالم ثم قال: كيف ثقتك بتأويله قال ما اوثقني بعلمي فيه قال فابتدأ أبو الحسن عليه السلام يقرأ الإنجيل فقال بريه اياك كنت اطلب منذ خمسين سنة أو مثلك قال فآمن بريه و حسن ايمانه و آمنت المرأة التي كانت معه فدخل هشام و بريه و المرأة علي أبي عبد اللّه عليه السلام فحكي له هشام الكلام الذي جري بين أبي الحسن موسي عليه السلام و بين بريه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم فقال بريه: أني لكم التوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرءوها و نقولها كما قالوا ان اللّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول: لا أدري «2».

و في هذا الباب حديثان.

و منها ما رواه بريد بن معاوية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام «قل كفي باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب» قال ايّانا عني و عليّ أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي صلي اللّه عليه و آله «3» و في هذا الباب ستة احاديث.

______________________________

(1) الاصول من الكافي

ج 1 ص 223 باب ان الائمة عليهم السلام ورثة علم النبي و جميع الأنبياء … الحديث 4.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 227 باب ان الائمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند اللّه عز و جل الحديث 1.

(3) نفس المصدر ص 228 باب انه لم يجمع القرآن كله الا الائمة عليهم السلام … الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 464

و منها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان اسم اللّه الاعظم علي ثلاثة و سبعين حرفا و انما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه و بين سرير بلقيس حتي تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة عين و نحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان و سبعون حرفا و حرف واحد عند اللّه تعالي استأثر به في علم الغيب عنده و لا حول و لا قوة الا باللّه العليّ العظيم «1» و في هذا الباب ثلاثة أحاديث.

و منها ما رواه مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول: أ تدري ما كان قميص يوسف عليه السلام قال: قلت:

لا قال: ان ابراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه ايّاه فلم يضره معه حر و لا برد فلمّا حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة و علّقه علي اسحاق و علّقه اسحاق علي يعقوب فلمّا ولد يوسف عليه السلام علقه عليه فكان في عضده حتي كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه و هو قوله «اني لاجد ريح يوسف

لو لا أن تفندون» فهو ذلك القميص الذي أنزله اللّه من الجنة قلت: جعلت فداك فالي من صار ذلك القميص قال:

الي أهله ثم قال كل: نبيّ ورث علما أو غيره فقد انتهي الي آل محمد صلي اللّه عليه و آله «2» و في هذا الباب خمسة احاديث الي غيرها من

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 230 باب ما أعطي الائمة عليهم السلام من اسم اللّه الاعظم الحديث 1.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 231 باب ما عند الائمة من آيات الأنبياء عليهم السلام الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 465

الاحاديث الواردة في هذا المجال.

فنقول يمكن الاستدلال علي المدعي بهذه الروايات بوجوه من البيان
الوجه الأول: ان العلم هل يكون منشئا للعمل الخارجي أم لا؟

أما علي الاول فيتم الامر كما هو ظاهر و أما علي الثاني فنقول: القدرة علي كل أمر ممكن هل يكون له سبب أو لا؟ لا سبيل الي الثاني و علي الاول يتم الامر.

الوجه الثاني: انه يظهر بالصراحة من بعض نصوص هذه الطائفة ان علم الكتاب يقتضي الاقدار علي التصرف و الاتيان بخوارق العادة

لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

«قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به قبل أن يرتدّ أليك طرفك» قال ففرج أبو عبد اللّه عليه السلام بين اصابعه فوضعها في صدره ثم قال و عندنا و اللّه علم الكتاب كله «1».

الوجه الثالث: انه يستفاد من بعض نصوص هذه الطائفة ان الائمة عليهم السلام ورثوا من الأنبياء العلم الذي يكون منشئا للقدرة

لاحظ ما رواه مفضل بن عمر قال أتينا باب أبي عبد اللّه عليه السلام و نحن نريد الاذن عليه فسمعناه يتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهّمنا انه بالسريانية ثم بكي فبكينا لبكائه ثم خرج إلينا الغلام فأذن لنا فدخلنا عليه فقلت: أصلحك اللّه أتيناك نريد الاذن عليك فسمعناك تتكلم بكلام ليس بالعربية فتوهمنا انه بالسريانية ثم بكيت فبكينا لبكائك فقال: نعم ذكرت الياس النبي و كان من عباد انبياء بني اسرائيل

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 228 الحديث 5 باب انه لم يجمع القرآن كله الا الائمة عليهم السلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 466

فقلت كما كان يقول في سجوده ثم اندفع فيه بالسريانية فلا و اللّه ما رأينا قسّا و لا جاثليقا أفصح لهجة منه به ثم فسره لنا بالعربية فقال: كان يقول في سجوده «أترك معذبي و قد أظمأت لك هو اجري أتراك معذبي و قد عفرت لك في التراب وجهي أتراك معذبي و قد اجتنبت لك المعاصي أتراك معذبي و قد أسهرت لك ليلي قال فاوحي اللّه إليه ان ارفع رأسك فاني غير معذبك قال فقال ان قلت لا اعذبك ثم عذبتني ما ذا أ لست عبدك و انت ربي قال فاوحي اللّه إليه ان ارفع رأسك فاني غير معذبك اني اذا وعدت وعدا وفيت به «1».

الطائفة الثانية ما وردت من

النصوص المتواترة علي صدور المعاجز منهم و قد ذكر كثيرا منها الشيخ الحر قدس سره في كتابه المسمي باثبات الهداة و أيضا قد ذكر المجلسي قدس سره روايات في هذا المجال من أراد الوقوف عليها فليراجع البحار و اثبات الهداة و غيرهما من الكتب التي قد ذكرت فيها معاجزهم و صدور خوارق العادة منهم.

الطائفة الثالثة: ما نقل عنهم من دعوي قدرتهم علي التأثير في الكون لاحظ ما رواه ابان الاحمر قال: قال الصادق عليه السلام يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين عليه السلام لمّا قال: لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره و لا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و اتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه أ ليس نبيّنا صلي اللّه عليه و آله أفضل الأنبياء و وصيّه افضل الأوصياء أ فلا جعلوه كوصي سليمان عليه السلام حكم اللّه بيننا و بين من جهد حقنا و أنكر

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 227 باب ان الائمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب … الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 467

فضلنا «1».

و لاحظ ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة قال: فقال: يا جابر ما عندنا درهم فلم ألبث ان دخل عليه الكميت فقال له: جعلت فداك ان رأيت أن تأذن لي حتي أنشدك قصيدة قال: فقال انشده فأنشده فقال: يا غلام اخرج من ذاك البيت بدرة فادفعها الي الكميت.

قال فقال له جعلت فداك ان رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة اخري قال: انشد فانشده اخري فقال: يا غلام اخرج من ذلك

البيت بدرة فادفعها الي الكميت قال فأخرج بدرة فدفعها إليه.

قال فقال له: جعلت فداك ان رأيت ان تأذن لي انشدك ثالثة قال له انشد [فأنشده] فقال يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إليه قال فاخرج بدرة فدفعها إليه فقال الكميت جعلت فداك و اللّه ما احبكم لغرض الدنيا و ما أردت بذلك الا صلة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و ما أوجب اللّه عليّ من الحق.

قال: فدعا له ابو جعفر عليه السلام ثم قال يا غلام ردها مكانها قال فوجدت في نفسي و قلت: قال ليس عندي درهم و أمر للكميت بثلاثين ألف درهم قال: فقام الكميت و خرج قلت له جعلت فداك:

قلت ليس عندي درهم و أمرت للكميت بثلاثين ألف درهم فقال لي يا جابر قم و ادخل البيت قال فقمت و دخلت البيت فلم اجد منه شيئا قال: فخرجت إليه فقال لي يا جابر ما سترنا عنكم اكثر مما اظهرنا لكم فقام و أخذ بيدي و ادخلني البيت ثم قال و ضرب برجله الارض فاذا شبيه بعنق البعير قد خرجت من ذهب ثم قال لي يا جابر انظر الي هذا و لا تخبر به احدا الا من تثق به من اخوانك ان اللّه أقدرنا

______________________________

(1) بحار الانوار ج 14 ص 115 الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 468

علي ما نريد و لو شئنا أن نسوق الارض بازمتها لسقناها «1».

هذا تمام الكلام في المورد الاول اي الولاية التكوينية للامام.

و اما المورد الثاني و هي ولاية الامام عليه السلام ولاية تشريعية أي التصرف في أموال الناس و انفسهم
فيمكن الاستدلال عليه بوجوه:
الوجه الأول قوله تعالي «النَّبِيُّ أَوْليٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «2»

الآية فان هذه الآية الشريفة تدل علي كون النبي صلي اللّه عليه و آله اولي بالنسبة الي المؤمن من نفسه ان قلت هذه الآية تدل علي الاولوية بالنسبة الي

النفس و لا دلالة فيها بالنسبة الي المال قلت أولا ان الاولوية بالنسبة الي النفس تستلزم الاولوية بالنسبة الي المال و بعبارة اخري تدل الآية علي الاولوية بالنسبة الي المال بالفحوي لكون النفس اهم من المال و ثانيا ان الولاية علي النفس علي الاطلاق تستلزم الولاية علي المال اذ التصرف في مال الغير بلا ولاية عليه لا يمكن و بعبارة واضحة الولاية علي التصرف في مال الغير نوع ولاية علي نفسه فالولاية المطلقة علي نفس الغير تقتضي الولاية علي ماله فدلالة الآية علي المدعي تامة ان قلت المستفاد من الآية الولاية للنبي و أما بالنسبة الي الامام عليه السلام فالآية ساكتة عنه قلت المستفاد من كلام النبي صلي اللّه عليه و آله في خطبة الغدير ثبوت تلك الولاية لعلي عليه السلام فانه صلي اللّه عليه و آله بعد اقرارهم بولايته عليهم قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه الخ مضافا الي انه لا اشكال عند الاصحاب ان ما للرسول الاكرم ثابت لعلي عليه السلام.

______________________________

(1) بحار الانوار ج 46 ص 239 الحديث 23.

(2) الاحزاب الآية 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 469

الوجه الثاني قوله تعالي «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» «1»

فان الآية تدل علي ولاية اللّه و رسوله و الذين آمنوا ولاية مطلقة علي الناس هذا من ناحية و من ناحية اخري ان المراد من الَّذِينَ آمَنُوا الائمة عليهم السلام و مقتضي الولاية المطلقة الولاية علي النفوس و الاموال فهذا الوجه أيضا تام من حيث الدلالة علي المدعي.

الوجه الثالث جملة من النصوص

و من جملة تلك النصوص ما رواه أحمد بن عيسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عز و جل «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» قال: انما يعني أولي بكم أي أحق بكم و باموركم و انفسكم و أموالكم اللّه و رسوله و الَّذِينَ آمَنُوا يعني عليا و أولاده الائمة عليهم السلام الي يوم القيامة ثم وصفهم اللّه عز و جل فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ و كان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر و قد صلي ركعتين و هو راكع و عليه حلة قيمتها ألف دينار و كان النبي صلي اللّه عليه و آله كساه اياها و كان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي اللّه و أولي بالمؤمنين من أنفسهم تصدق علي مسكين فطرح الحلقة إليه و أومأ بيده إليه ان احملها فأنزل عز و جل فيه هذه الآية و صير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده بلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون و هم راكعون و السائل الذي سأل امير المؤمنين عليه السلام من الملائكة و الذين يسألون الائمة من أولاده يكونون من الملائكة «2» الي غيرها من الروايات المذكورة في هذا الباب و ابواب آخر.

______________________________

(1) المائدة الآية 55.

(2) الاصول من الكافي ج 1 ص 288 الحديث

3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 470

و لا يخفي انه لا تترتب نتيجة عملية علي هذا البحث أما في زمان الغيبة كزماننا فظاهر اذ ليس الامام عليه السلام حاضرا فلا موضوع لتصرفه و أما في زمان الحضور فنفس تصرفه في شي ء دليل علي نفوذه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بين موارد الوجهين عموم من وجه»

يمكن أن يقال ان مادة الاجتماع التصرف في مجهول المالك و التصدق به علي ما هو المشهور بين القوم فان الحاكم له أن يتصرف فيه بنفسه و تصرف الغير منوط باذنه علي ما هو المقرر عندهم من أن التصدق به منوط باذنه و يفترقان في الزكاة فان تصرف المالك لا ينوط باذن الحاكم و تصرف الحاكم في الزكاة و تأديتها علي ما هو المقرر من جواز التصدي للحاكم و في التقاص لو قلنا بانه ينوط باذن الحاكم و ليس للحاكم التصرف فيه بنفسه.

«قوله قدس سره: ثم اذنه المعتبر في تصرف الغير اما أن يكون علي وجه الاستنابة»

الفرق بين الاستنابة و التولية ان النيابة أي الوكالة تزول بموت المنوب عنه و الموكل و لا يعقل بقائها بعد موته فان الوكيل وجود تنزيلي للموكل و فرع من ذلك الاصل و مع انتفاء الاصل لا موضوع للفرع.

و أما التولية فهي لا تزول بموت المولي و الجاعل للتولية و لذا المتولي للوقف يكون باقيا علي توليته حتي بعد وفات الواقف لكن الاشكال في أصل المسألة و انه هل يكون للحاكم جعل التولية فانه لو لم تثبت ان ولايته علي الاموال و الانفس كولاية الامام عليه السلام لا يمكن الالتزام بصحة جعله التولية لاحد بل لا بد من العمل علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 2، ص: 471

المقدار المعلوم و القدر المعلوم جواز تصرفه بنفسه أو بوكيله فلاحظ.

[مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لاحد]
اشارة

«قوله قدس سره: اذا عرفت هذا فنقول مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لاحد»

يقع الكلام تارة في المقام في مقتضي الاصل و القاعدة الأولوية و اخري في مقتضي الادلة الثانوية فالكلام يقع في موضعين

أما الموضع الاول فنقول: مقتضي الكتاب و السنة و الاصل العملي عدم ولاية احد علي غيره

أما الكتاب فقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» «1» فان مقتضي الآية الشريفة عدم التصرف في مال الغير و عدم ولاية احد علي غيره في بيع ماله و أما السنة فقوله عليه السلام «لا تبع ما ليس عندك» فان المستفاد من الجملة عدم جواز بيع مال الغير كما ان مقتضي قوله عليه السلام «الطلاق بيد من أخذ بالساق» عدم جواز طلاق زوجة احد لغيره و أما الاصل فمقتضاه عدم تأثير التصرف في نفس الغير و لا ماله فلو لم يقم دليل علي الولاية لا اشكال في عدمها بمقتضي الادلة الثلاثة فلاحظ.

و أما الموضع الثاني
اشارة

فما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجهان

الوجه الأول: جملة من النصوص

و منها ما رواه النوري في مستدركه، قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل: يا رسول اللّه فما دخولهم في الدنيا؟

قال: اتباع السلطان فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم علي أديانكم «2».

و النوري قدس سره صحح طريق الخبر و الرواية مخدوشة

______________________________

(1) النساء/ 29.

(2) مستدرك الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 472

سندا أولا: بعدم دليل علي وثاقة السيد فضل اللّه الراوندي مؤلف الكتاب.

و ثانيا: ان الرواية منقولة عن الجعفريات و كتاب الجعفريات بنفسه لا اعتبار به فان مؤلف الكتاب اسماعيل بن موسي بن جعفر و الرجل لم يوثق و انجبار الخبر بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا و النوري نقل الخبر المذكور في موضع مرسلا «1» و المرسل لا اعتبار به هذا من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فغاية ما يمكن أن يقال في الاستدلال بالرواية علي المدعي ان المستفاد منها ان العلماء أمناء الرسل و بطبيعة الحال الامانة تجعل عند الامين و حذف المتعلق يفيد العموم و مقتضاه ان كل ما يكون للرسول يكون امانة عند العالم فكل ما يكون له يكون للعالم فكما ان الرسول له الولاية تكون للعالم.

و يرد عليه ان الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه و عليه نقول:

المستفاد من الحديث ان العالم لو جعل الشي ء عنده من قبل الرسول لا يخون و أما تحديد الامانة و بيان خصوصياته فهو غير معلوم.

و ان شئت قلت: ان الولاية لو جعلت عند العالم امانة لا يخون فيها و لكن لا ندري انه هل جعلت عنده أم لا

و مقتضي الاستصحاب عدم وضعها عنده. اضف الي ذلك ان الولاية اذا كانت ثابتة للفقيه تكون من قبل اللّه و لا يرتبط بالرسول فلا مجال لان يقال ان الولاية امانة للرسول عند العالم.

و يضاف الي ذلك كله ان ذيل الحديث قرينة علي ان المراد من الامانة الاحكام الشرعية فان قوله عليه السلام «فاحذروهم علي أديانكم» قرينة علي ان المراد من الامانة الاحكام فلاحظ. اللهم الا

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 473

أن يقال ان الفقيه اذا لم يكن ورعا يمكن ان يخون في الولاية و يتصرف في الامانة بأن يتصرف في الاعراض و الاموال و النفوس بنحو غير جائز فاحذروهم.

و من تلك النصوص ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فان قال: فلم جعل أولي الامر و أمر بطاعتهم قيل لعلل كثيرة منها أن الخلق لمّا وقفوا علي حدّ محدود و امروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم الا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يأخذهم بالوقف عند ما ابيح لهم و يمنعهم من التعدي و الدخول فيما خطر عليهم لانه لو لم يكن ذلك كذلك لكان احد لا يترك لذته و منفعة لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الاحكام.

و منها انا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملة من الملل بقوا و عاشوا الا بقيم و رئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم انه لا بد لهم منه و لا

قوام لهم الا به فيقاتلون به عدوهم و يقسمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.

و منها انه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيّرت السنة و الاحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك علي المسلمين لانّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول فسدوا علي نحو ما بينا و غيرت الشرائع و السنن و الاحكام و الايمان و كان في ذلك فساد الخلق اجمعين «1».

______________________________

(1) بحار الانوار ج 23 ص 32 باب الاضطرار الي الحجة الحديث 52.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 474

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان جعل القيم و الامام لازم للامة فلا بد في زمن الغيبة من كون الفقيه وليا.

و فيه أولا: ان اسناد الصدوق الي الفضل بن شاذان فيما يرويه عن الرضا عليه السلام مخدوش علي ما كتبه الحاجياني.

و ثانيا: ان الامام عليه السلام مجعول من قبل اللّه علي الناس و هو روحي فداه موجود غاية الامر ان عدمه منا و نحن مقصرون.

و بعبارة واضحة: لا تدل الرواية علي المدعي فان الحديث يدل علي لزوم وجود الامام و المفروض انه تعالي عيّن الامام عليه السلام غاية الامر ان سوء اعمال العباد اوجب غيبته و الرواية لا تدل علي أن غيره في زمن غيبته نائب عنه و ولي علي الناس فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه في تحف العقول من كلام الحسين ابن علي عليهم السلام في الامر بالمعروف و النهي

عن المنكر:

و يروي عن أمير المؤمنين عليه السلام «اعتبروا ايها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه علي الاحبار اذ يقول «لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ» الي أن قال و انتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك بأن مجاري الامور و الاحكام علي أيدي العلماء باللّه الامناء علي حلاله و حرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة و ما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق و اختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة و لو صبرتم علي الاذي و تحملتم المئونة في ذات اللّه كانت امور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع» الخبر «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الامور بيد العلماء باختيارهم فهم قادرون شرعا علي أن يتصرفوا في الامور و هذا هو

______________________________

(1) المستدرك الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 475

المراد بالولاية.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و غير قابل للاستدلال به و انجباره بعمل المشهور ممنوع صغرويا و كبرويا.

و ثانيا: ان الامور جمع معرف باللام و مفيد للعموم الوضعي فجميع الامور تجري بيدهم بلا فرق بين التكوينية و التشريعية فالعالم خليفة اللّه في أرضه و سمائه فكما ان ازمة الامور طرا بيده كذلك ازمة الامور بيد العالم و هذا المقام لا يكون للفقيه بالضرورة فيكون المراد مجملا و غير معلوم.

فاما يكون المراد من العلماء الأنبياء و الائمة فلا يكون اللفظ شاملا للفقيه و اما يكون المراد من الامور الاحكام الشرعية فلا يرتبط بالمقام فعلي كلا التقديرين لا يكون الحديث وافيا لاداء المقصود.

و من تلك النصوص ما عن الرسول الاكرم

صلي اللّه عليه و آله:

اللهم ارحم خلفائي ثلاثا قيل و من خلفائك؟ قال الذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنتي «1».

بتقريب ان الخليفة و النائب يكون له ما للمنوب عنه و للمخلّف فالحديث المذكور يفي بالمقصود.

و يرد علي الاستدلال أولا: ان الرواية و ان كانت منقولة بطرق عديدة لكن لا اعتبار بها سندا فان الطرق المتعددة المشار إليها كلها ضعيفة و لا جابر لها و من الظاهر ان التواتر لا يتحقق بهذا المقدار فلا مجال لدعوي التواتر هذا من حيث السند.

و أما من حيث الدلالة فان المستفاد من الحديث انه صلي اللّه عليه و آله ترحّم علي خلفائه و عرفهم و شخصهم بكونهم راوين لحديثه

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 476

و معلمون لسنته و هذا العنوان المشير يصدق علي الرواة و هل يمكن أن يلتزم بكون الراوي للحديث له الولاية كولاية النبي صلي اللّه عليه و آله؟ فالمراد من الخلافة اما مجمل و اما كونهم خليفة له من هذه الجهة و علي كلا التقديرين لا يستفاد المدعي من الحديث.

و منها ما أرسله العلامة عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان منزلة العلماء في هذه الامة كمنزلة انبياء بني اسرائيل و حيث ان الولاية ثابتة لهم فالولاية ثابتة لعلماء هذه الامة أيضا.

و يرد عليه أولا: ان الحديث مرسل و لا اعتبار بالمرسلات و لا جابر له. و ثانيا: ان وجه الشباهة غير ظاهر اذ لا مجال لان يلتزم بها في جميع الامور فان النبوة الثابتة لهم غير ثابتة لعلماء هذه الامة بالضرورة

و مع اجمال وجه الشباهة لا يثبت المدعي كما هو ظاهر.

و ثالثا: انه من اين علم ان الولاية التي مورد الكلام كانت ثابتة لانبياء بني اسرائيل قاطبة فانه اوّل الكلام فالنتيجة انه لا يتم الاستدلال فلاحظ. و منها ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان العلماء ورثة الأنبياء «2».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان العلماء ورثة الأنبياء فعلماء هذه الامة ورثة لرسول الاسلام و من ناحية اخري لا اشكال في أن الولاية ثابتة للرسول الاكرم فأيضا تكون ثابتة للعلماء.

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 30.

(2) الاصول من الكافي ج 1 باب ثواب العالم و المتعلم ص 34 الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 477

الدلالة أما من حيث السند فسندها تام.

و أما من حيث الدلالة فلا يستفاد المدعي من الحديث بل المستفاد منه ان إرث الأنبياء عبارة عن الاحاديث و الاخبار بل لقائل أن يقول:

المستفاد من الحديث عدم انتقال الولاية من النبي و عدم ارثهم الولاية منه اذ الظاهر من الحديث التحديد و اعطاء الضابطة و الميزان فلا يتم الاستدلال أيضا.

و منها ما رواه في الفقه الرضوي ان منزلة الفقيه كمنزلة الأنبياء في بني اسرائيل «1».

و تقريب الاستدلال يظهر مما تقدم في نظيره. و فيه أولا: ان كون الكتاب للامام عليه السلام اوّل الكلام و الاشكال و قد مر الكلام من هذه الجهة في اوّل الكتاب فراجع ما ذكرناه هناك.

و ثانيا: انا قد ذكرنا انه لا مجال لاثبات المدعي بالجملة المذكورة فلا وجه للاعادة.

و منها ما عن نهج البلاغة أولي الناس بالانبياء اعلمهم بما جاءوا به،

بتقريب انهم أولي يستلزم أن يكون ما للانبياء للعلماء و من جملة ما لهم الولاية فالولاية تكون للعلماء أيضا.

و فيه أولا: الاشكال في السند فان صدور الجملة المذكورة منه عليه السلام اوّل الكلام و الاشكال. و ثانيا: ان الاولوية لا تستلزم ثبوت الولاية للعلماء بل الاولوية تدل علي أن العلماء أقرب الناس الي الأنبياء و أما هذه الاولوية و الاقربية تؤثر في أي شي ء و ما يترتب عليها فالحديث غير متعرض له و يلزم أن يفهم من الخارج نعم لو ثبت ان الولاية تنتقل من النبي الي غيره نحكم بأنها تنتقل الي العالم لكن الاشكال في الانتقال و مقتضي الاستصحاب عدمه.

______________________________

(1) عوائد الايام للنراقي عائدة في ولاية الحاكم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 478

مضافا الي أنه لا اشكال في أنه علي فرض الانتقال تنتقل أولا الي خليفته و وصيه كأمير المؤمنين بالنسبة الي الرسول الاكرم فلاحظ.

و من تلك النصوص ما رواه اسحاق بن يعقوب عن الحجة عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و أما الحوادث الواقعة فارجعوا الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه «1».

و هذه الرواية من حيث السند مخدوشة بإسحاق بن يعقوب فانه لم يوثق و قيل في حقه «لا نعرفه مجهول» فلا يعتد بها و أما من حيث الدلالة فالظاهر منها ان الامام عليه السلام ارجع الامة الي رواة الحديث اذ الاحكام تستفاد من الاحاديث فالمراد من الرواية ان حكم كل حادثة من الحوادث التي تقع في الخارج يؤخذ من الرواة و هم حجة علي الناس فلا يرتبط مفاد الحديث بمسألة الولاية بالمعني الذي نريد اثباتها.

و من تلك النصوص ما رواه علي بن أبي حمزة البطائني قال:

سمعت أبا

الحسن موسي بن جعفر عليه السلام يقول اذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الارض التي كان يعبد اللّه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شي ء لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها «2».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الفقيه حصن للاسلام و من ناحية اخري ان الحصنية لا تتحقق الا بالدخول في الامور و الفتق و الرتق و أما لو لم يتداخل الفقيه في الشئون و لم تكن تصرفاته نافذة فهل يمكن أن يصدق عليه انه حصن من حصون الاسلام و هل يمكن أن يقال انه حافظ للاسلام؟

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 9.

(2) الاصول من الكافي ج 1. ص 38 باب فقد العلماء الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 479

و يرد عليه أولا ان الرواية ساقطة عن الاعتبار بالبطائني فلا تكون قابلة للاستدلال بها. و ثانيا: انه قد ورد في بعض النصوص ان الاتقياء حصون الاسلام لاحظ ما رواه اسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: العلماء أمناء و الاتقياء حصون و الأوصياء سادة «1».

فانه ما معني قوله عليه السلام «الاتقياء حصون» و هل يمكن القول بولاية الاتقياء لكونهم حصونا و ثالثا: انه يمكن أن يكون المراد بالرواية ان العلماء ببيانهم الاحكام الشرعية و ارشاداتهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر حافظون للدين و لشريعة سيد المرسلين.

و الانصاف ان الامر كذلك و الذي يدل علي عدم الملازمة بين الامرين ان الصادقين عليهما السلام مع كونهما مقهورين من قبل حكام الجور و ائمة الكفر و الضلال و عدم كونهما وليين بحسب

الظاهر قد نشرا الاحكام و حفظا الاسلام و اركانه ببياناتهما الكافية و ارشاداتهما الشافية.

و مما يدل علي صدق مقالتنا ان المعاندين في كل زمان و مكان في مقام المعارضة مع الفقهاء العظام و العلماء الكرام لانهم يعلمون ان الفقهاء سيف قاطع و برهان ساطع و غير قابل للانكار.

و رابعا: انه لو اغمض عن جميع ما تقدم نقول: لا يثبت بالتقريب المذكور المدعي علي الاطلاق بل يثبت في الجملة فانه لا يستفاد من الحديث المذكور جواز تصرف الفقيه في الاموال و الاعراض و الانفس علي نحو الاطلاق و العموم.

و بعبارة اخري: ولاية الفقيه و كونها كولاية الامام عليه السلام

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 33 باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 480

امر و حفظ الاسلام و كيانه أمر آخر و يلزم عدم خلط احد المقامين بالمقام الاخر فلاحظ.

و من تلك النصوص حديث عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت و ما يحكم له فانما يأخذ سحتا و ان كان حقا ثابتا له لانه أخذه بحكم الطاغوت و ما أمر اللّه أن يكفر به قال اللّه تعالي «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَي الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» قلت: فكيف يصنعان؟ قال ينظر ان من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما «1».

بتقريب ان المستفاد

من الحديث ان الامام جعل الفقيه حاكما فله الحكومة و الولاية.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له. و ثانيا: ان المستفاد منه جعل الفقيه حاكما و قاضيا في باب الترافع و التنازع فلا يرتبط بالمقام.

و ثالثا: ان جعله واليا و حاكما لا يثبت ولاية الفقيه بالمعني الذي يكون محل الكلام.

و من تلك النصوص ما رواه أبو خديجة حيث قال عليه السلام اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا و حرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا «2» و تقريب الاستدلال هو التقريب فلا وجه للاعادة.

و فيه أولا: ان الحديث ضعيف سندا بابي جهم بل و بغيره و ثانيا:

ان الرواية لا تدل علي المدعي بل غاية ما يستفاد منها ان منصب

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 481

القضاوة ثابت للفقيه.

و منها ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اتقوا الحكومة فان الحكومة انما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبي «لنبي» أو وصي نبي «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان مقام القضاوة مخصوص بالنبي و وصيه و من ناحية اخري انه لا اشكال في أن الفقيه له القضاوة فتكون له الولاية فانه وصي النبي صلي اللّه عليه و آله.

و فيه انه لا اشكال في أن وصي النبي أمير المؤمنين فلا يكون الفقيه وصيا لكن حيث ثبت بالدليل القطعي ان له القضاوة نلتزم بالتخصيص أو نقول الفقيه نائب عام عن الامام عليه السلام في هذا المنصب فتحصل انه ليس في النصوص ما يدل علي المدعي.

الوجه الثاني لإثبات الولاية للفقيه ان جملة من الامور نعلم ان الشارع الاقدس لا يرضي ان تعطل

و يلزم ان يتصرف فيها كاموال

القصر و الموقوفات التي لا متولي لها و هكذا و اذا لم تكن للفقيه ولاية فمن يتصدي لهذه الامور و فيه انه لا اشكال في ولاية الفقيه بهذا المقدار و لا ريب في ان التصدي للامور الحسبية مربوط بالفقيه الجامع للشرائط من باب القدر المتيقن و بعبارة واضحة حيث انه قد علم من الشرع عدم رضاء الشارع بتعطيل الامور المذكورة و من ناحية اخري القدر المعلوم جواز تصدي الحاكم لها نلتزم بكون التصدي له بل يمكن ان يقال ان من له الولاية في الامور المذكورة الاعلم الاتقي فان من يكون اعلم و اتقي اقرب الي ولي اللّه الاعظم فاذا وصلت النوبة الي تصدي غيره ارواحنا فداه يكون جواز تصدي الاعلم و الاتقي معلوما و جواز تصدي غيره مشكوكا فيه و بعد

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من هذه الابواب الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 482

وصول النوبة الي الشك يكون مقتضي القاعدة عدم الجواز فان الاصل الاولي و الحجر الاساسي عدم الجواز و الجواز يحتاج الي الدليل لكن هل يمكن الالتزام بهذا المعني و هل يمكن احراز هذا العنوان مع ان مقتضي الاستصحاب عدم صدقه علي من يمكن ان يكون مصداقا له و أيضا يشكل فيما لو دار الامر بين الاعلم و الاتقي الاورع فان الترجيح يحتاج الي الدليل فلا يبعد القول بكفاية الاجتهاد و العدالة الا فيما يحرز ان فلانا اعلم و اورع فاذا احرز و امكن الاستيذان منه يتعين و الا فيكفي اجازة المجتهد العادل و علي الجملة لا اشكال في ثبوت هذا المقدار من الولاية للفقيه لكن لا يتم المدعي بهذا المقدار كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: وجب الرجوع فيه»

لقائل ان

يقول مع الشك في الاشتراط المرجع اصل البراءة فلو شك في انه هل يجوز الامر الفلاني بلا اذن الفقيه أم لا يجوز يكون مقتضي البراءة هو الجواز و لو مع عدم اذن الفقيه كما انه لو علم وجوب امر و يشك في اشتراط ذلك الواجب باذنه ينفي الاشتراط باصالة البراءة كما هو المقرر في محله من الاصول و علي الجملة تارة يعلم وجوب شي ء و يحتمل دخل شي ء في المأمور به تجري البراءة عن الاشتراط و اخري لا يعلم بكونه واجبا الا مع الشرط الكذائي و في هذه الصورة لا يتحقق الوجوب الا مع تحقق الشرط كما هو الميزان الكلي.

«قوله قدس سره: فيدل عليه مضافا الي ما يستفاد»

قد ظهر مما ذكرنا النقاش في اسناد هذه الروايات مضافا الي الاشكال في دلالتها فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 483

«قوله قدس سره: و اما ما يشك في مشروعيته»

الامر كما افاده اذ مقتضي الادلة الاولية عدم الجواز تكليفا و عدم الصحة وضعا فان الجلد حرام و ايذاء الغير غير جائز كما ان نفوذ التصرف الوضعي خلاف الاصل الاولي فلا بد من احراز المشروعية في الرتبة السابقة.

«قوله قدس سره: احدهما وجوب ايكال المعروف»

قد ذكرنا انه لو علم وجوب امر يمكن الاتيان به بلا اذن من الحاكم فان مقتضي البراءة عند الشك عدم الالزام نعم في الامور الوضعية عند الشك يلزم الاحتياط اذ مقتضي الاصل عدم ترتب الاثر الا فيما علم كونه مؤثرا.

«قوله قدس سره: ثم انه قد اشتهر في الالسن و تداول في بعض الكتب رواية ان السلطان ولي من لا ولي له» «1»

فيستدل بالحديث علي المدعي و الرواية تامة من حيث الدلالة علي ان الامام عليه

السلام الذي يكون سلطانا في وعاء الشرع له الولاية علي من يحتاج الي الولي لكن الحديث مخدوش سندا فان المرسلات لا اعتبار بها مضافا الي ان الحديث بنفسه لا يثبت المدعي الا بعد تمامية الدليل علي كون الفقيه نائبا عن الامام في جميع الامور التي تكون له و عمدة الاشكال هذا و الا فلا اشكال في كون الامام عليه السلام له الولاية المطلقة علي الكل في الكل.

«قوله قدس سره: و هذا أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا»

ذكرنا ان ولاية الامام عليه السلام لا اشكال فيها فالاشكال تمام الاشكال في عمومية النيابة و مجرد الشك فيها يكفي للحكم بالعدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 18 الباب 2 من ابواب العاقلة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 484

لاستصحاب عدمها بل النتيجة كذلك حتي علي تقدير فرض عدم الاستصحاب اذ اثبات نفوذ اعمال الولاية و التصرف في مال الصغير مثلا أو نفسه يحتاج الي الدليل و المفروض عدمه.

«قوله قدس سره: لكن يستفاد منه ما لم يكن يستفاد من التوقيع»

بل لا يستفاد منه شي ء ابدا حتي يستفاد منه ما لا يستفاد من التوقيع اذ المستفاد من الحديث كون الامام وليا و لا اشكال في ولايته عليه السلام نعم لو قلنا بان المراد من السلطان مطلق من بيده السلطة الخارجية كسلاطين بني امية و بني العباس و فرضنا ان الفقيه صار سلطانا خارجيا يشمله الحديث و لكنه فرض في فرض و لا دليل علي كون السلطان عبارة عن الذي بيده السلطة الخارجية مضافا الي انه مع الاغماض لا يتم الامر اذ المدعي كون الفقيه وليا و لو لم يكن سلطانا في الظاهر و لم تكن له سلطنة و لو

في الجملة فلاحظ.

«قوله قدس سره: يراد به كونه ممن ينبغي ان يكون له من يقوم بمصالحه»

الحق ان ما أفاده تام فان العرف يفهم من العبارة من يكون له لا عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله ناظر الي عدم الفرق بين الانتفاع و الضرر فافهم.

«قوله قدس سره: اعلم ان ما كان من قبيل ما ذكرنا»

الامر كما أفاده فانه لو فرض ان مطلوبية أمر للشارع الاقدس لا تنوط بوجود أو نظر شخص خاص بل مطلوبيته علي الاطلاق و فرض عدم امكان الوصول الي الفقيه فلا ريب في جواز تولي غيره

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 485

في الجملة و القدر المعلوم جواز تصدي من يكون عادلا و أما اذا شك في اشتراط المطلوبية و المأذونية باذن الفقيه فلا يجوز لغيره التصدي لذلك الامر و اصالة عدم الاشتراط لا تثبت الاطلاق الا علي القول بالاثبات الذي لا نقول به.

مضافا الي كون الاصل المذكور معارضا باصالة عدم الاطلاق و من ناحية اخري مقتضي الاصل عدم نفوذ تصرف من يشك في ولايته.

[مسألة في ولاية عدول المؤمنين]
اشارة

«قوله قدس سره: لعموم وَ تَعٰاوَنُوا عَلَي الْبِرِّ وَ التَّقْويٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ» «1»

«قوله قدس سره: و قوله عليه السلام و اللّه في عون المؤمن»

لاحظ ما رواه جميل بن صالح عن ذريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ايّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربه و هو معسر يسر اللّه له حوائجه في الدنيا و الآخرة و من ستر علي مؤمن عورة يخافها ستر اللّه عليه سبعين عورة من عورات الدنيا و الآخرة قال و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه فانتفعوا بالعظة و ارغبوا في الخير «2».

«قوله قدس

سره: و قوله صلي اللّه عليه و آله»

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كل معروف صدقة «3».

الظاهر انه لا يمكن الاستدلال بهذه المطلقات علي المدعي

______________________________

(1) المائدة/ 2.

(2) الوسائل الباب 29 من ابواب فعل المعروف الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 1 من ابواب فعل المعروف الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 486

فان الاخذ بإطلاق الدليل أو عمومه لا يجوز في مورد الشك في المصداق و المفروض ان جواز التصدي و التصرف في مال اليتيم مثلا اوّل الكلام و الاشكال.

بل لنا أن نقول انه يحرز عدم الجواز بالاصل فعلي تقدير جواز الاخذ بالإطلاق في الشبهة المصداقية لا يجوز في المقام اذ يحرز عدم المعروفية بالاصل اي الاستصحاب فان كون التصرف الفلاني معروفا اوّل الكلام.

و ان شئت قلت: يشترط في الموضوع كونه معروفا شرعا و لا ندري كونه معروفا. و بعبارة واضحة: هل يمكن الاخذ بقوله «كل معروف صدقه» اطعام الفقير باموال الناس بدون رضاهم كلا ثم كلا بل يحرز عدم الجواز بالدليل اللفظي فان مقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه» «1» عدم جواز التصرف الخارجي في مال الغير مثلا كما ان مقتضي قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك عدم جواز التصرف الاعتباري.

و علي الجملة لا بد أولا من احراز كون التصرف الفلاني مطلوبا للشارع و لا ينوط باذن الامام عليه السلام أو الفقيه بل يجوز أو يجب في كل زمان غاية الامر ما دام يتصدي الامام أو يمكن الاستيذان منه لا يجوز التصدي لغيره كما ان التصدي

لغير الحاكم مع امكان الاستيذان منه لا يجوز و أما مع عدم امكان الاستيذان منه فيجوز التصدي لكل احد.

[بقي الكلام في اشتراط العدالة]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام في اشتراط العدالة»

وقع الكلام بين الاصحاب في أنه

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 487

هل يشترط العدالة في المتصدي للامور الحسبية أم لا
اشارة

و الكلام في هذا المقام تارة يقع فيما هو مقتضي القاعدة الاولية و اخري فيما تقتضيه النصوص الخاصة الواردة في باب التصدي فهنا مقامان.

أما المقام الأول [في ما هو مقتضي القاعدة الأولية]

فنقول مقتضي القاعدة الاولية هو الاشتراط اذ المستفاد من الادلة اللفظية و الاصل العملي عدم جواز التصرف في نفس الغير و ماله تكليفا و عدم نفوذه وضعا فلا يجوز التصرف الخارجي في مال الغير كما لا يصح التصرف الاعتباري في نفسه و ماله و الخروج عن القاعدة الاولية يحتاج الي قيام دليل علي الجواز و القدر المعلوم جواز تصرفه لمن يكون عادلا فما دام يمكن تصدي العادل لا تصل النوبة الي الفاسق هذا هو المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [فيما يقتضيه النصوص الخاصة]

فقد وردت في المقام عدة روايات منها ما رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع قال مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره الي قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله و كان الرجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن اذ لم يكن الميت صيّر إليه وصيته و كان قيامه فيها بأمر القاضي لانهن فروج قال: فذكرت ذلك لابي جعفر عليه السلام و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي الي احد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لانهن فروج فما تري في ذلك؟ قال: فقال: اذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

و تقريب الاستدلال بالحديث انه علق جواز التصدي علي كون المتصدي مثل ابن بزيع و عبد الحميد و لا ندري ان الدخيل في الجواز المشابهة في التشيع أو في العدالة أو في الوثاقة أو في الاجتهاد

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 488

أو

في الجميع و القاعدة تقتضي رعاية جميع الجوانب المحتملة اذ بلا رعاية جميع القيود المحتملة لا مجال للجزم بالجواز فان مقتضي الشرطية عدم الجواز عند انتفاء الشرط فعليه اذا لم يكن المتصدي جامعا للقيود المذكورة لا يجوز تصديه.

و هذا الذي نقول لا بد منه حتي علي فرض عدم احراز القيود المذكورة في ابن بزيع أو عبد الحميد اذ يلزم بمقتضي الرواية احراز الماثلة فيكفي للرعاية مجرد الشك.

و لكن يرد علي الاستدلال المذكور أولا ان الكلام في ولاية العدول و مقتضي الحديث انحصار الولاية في المجتهد العادل فلا يتم المدعي و ثانيا ان الرواية لا ترتبط بالمقام فان مورد الحديث التصرف في أموال اليتيم و الكلام في مطلق الامور الحسبية و من الممكن ان الشارع الاقدس قد اشترط في مورد التصرف في أموال اليتامي شروطا و قيد قيودا.

و من تلك النصوص ما رواه ابن رئاب قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن رجل بيني و بينه قرابة مات و ترك أولادا صغارا و ترك مماليك غلمانا و جواري و لم يوص فما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أمّ ولد و ما تري في بيعهم قال: فقال:

ان كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم و نظر لهم و كان مأجورا فيهم قلت: ما تري فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد فقال لا بأس بذلك اذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم «1».

و هذه الرواية علقت جواز التصرف علي كون المتصدي وليّا و الحكم لا يتعرض لموضوع نفسه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب عقد البيع و شروطه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2،

ص: 489

و بعبارة اخري: قد فرض في الحديث وجود الولي و الكلام في أنه من يكون وليا مضافا الي أن الحديث وارد في التصرف في مال اليتيم و الكلام في مطلق التصدي للامور الحسبية.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث قال: ان قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «1».

و المستفاد من الحديث المذكور انه يكفي في قسمة الارث المشترك بين الكبار و الصغار الايتام تصدي الثقة و لا بد من الاقتصار علي مورده.

و منها ما رواه اسماعيل بن سعد الاشعري قال سألت الرضا عليه السلام عن رجل مات بغير وصية و ترك أولادا ذكرانا غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري قال نعم و عن رجل يموت بغير وصية و له ولد صغار و كبار أ يحلّ شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولّي القاضي بيع ذلك فان تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا فقال اذا كان الاكابر من ولده معه في البيع فلا بأس اذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك «2».

و مقتضي هذه الرواية كفاية العدالة و ببركة هذه الرواية يتصرف في تلك الرواية و يقال يكفي العدالة في جواز التصدي لكن الحديث وارد في التصرف في مال اليتيم و لا تستفاد منه الكبري الكلية فاللازم العمل علي طبق القواعد الاولية و مقتضاها الترتيب فالمتصدي

______________________________

(1) الوسائل الباب 88 من ابواب أحكام الوصايا الحديث 2.

(2) الوسائل

الباب 16 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 490

في الدرجة الاولي المجتهد الجامع للشرائط و العادل في الدرجة الثانية و مطلق المؤمن في الدرجة الثالثة.

و أما بالنسبة الي التصرف في مال اليتيم فيجوز التصدي للعادل و لو مع وجود المجتهد للنص الخاص هذا ما يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة لكن هذا بالنسبة الي التصرف في مال اليتيم.

و أما التصدي للامور العامة كأخذ الزكوات و الاخماس و التصرف في الاوقاف العامة التي لا متولي لها و هكذا فان لم يعلم من الشرع جواز التصدي أو وجوبه فلا يجوز التصرف و أما ان علم من الشريعة الجواز أو الوجوب ففي زمان الغيبة كزمننا هذا لا بد من دخالة الفقيه الجامع للشرائط فان ولايته معلومة و مع التعذر تصل النوبة الي العادل ثم الي الفاسق بل الامر ينتهي الي الكافر فانا نري ان الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالاصول.

«قوله قدس سره: و الاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم»

الذي يختلج ببالي انه قدس سره أراد من كلامه انه لو اريد من المماثل كون المتصدي فقيها يلزم تخصيص المفهوم اذ لا اشكال في جواز التصدي مع تعذر المجتهد و أما الاحتمالات الاخر فالاخذ بها لا يوجب التخصيص و حيث ان التخصيص خلاف الاصل الاولي نأخذ باحد من الاحتمالات الاخر كي لا يلزم التخصيص.

أقول: يرد عليه ان اصالة العموم لا تكون اصلا تعبديا جاريا في مورد الشك علي نحو الاطلاق بل اصالة العموم من باب الظهور العرفي و مع فرض كون الكلام مجملا لا مجال للاخذ بالعموم و الاطلاق.

و بعبارة واضحة مع اجمال المنطوق- كما هو المفروض اذ قد فرض دوران

الامر بين الاحتمالات- يكون المفهوم أيضا مجملا لان المفهوم تابع للمنطوق هذا بالنسبة الي عبارته قدس سره

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 491

و أما بالنسبة الي ما يستفاد من مجموع الادلة فقد ذكرنا ان القاعدة تقتضي ان ولاية التصرف في مال اليتيم تختص بالعادل فانه يجوز له التصرف حتي مع وجود الامام عليه السلام فضلا عن المجتهد و أما مع فقده و تعذره فيدخل المقام تحت الامور العامة فان قلنا بأن الامور العامة تكون امورا حسبية و لا بد من التصدي لها فمع وجود العادل لا مجال لغيره التصدي و أما مع تعذره فتصل النوبة الي غيره كما هو شأن الامور الحسبية.

«قوله قدس سره: أما الاول فالظاهر جوازه و ان العدالة ليست معتبرة»

بعد ما فرغ قدس سره عن ولاية عدول المؤمنين

أفاد ان الفاسق أيضا له الولاية و استدل علي مدعاه بوجهين.
الوجه الأول: دليل ذلك الامر المعروف

كقوله و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون اخيه «1».

الوجه الثاني قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» «2» *

و الانصاف ان ما أفاده في المقام غير منقح.

و المناسب أن يقال تارة يقع الكلام في التصرف في مال اليتيم و اخري في غيره من الامور العامة فيقع الكلام في موضعين أما الموضع الاول فقد مرّ الكلام حوله و قلنا لا يجوز التصرف في ماله الا للعادل نعم تكفي الوثاقة في جواز قسمة ماله المشترك كما ذكرنا و لا نعيد.

و أما قوله تعالي وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فلا يقتضي ثبوت ولاية التصرف في ماله فان الظاهر من النهي عن القرب

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 200.

(2) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 492

النهي التكليفي أي لا تتصرفوا تصرفا خارجيا في مال اليتيم فلا ترتبط الآية بما نحن فيه.

و أما الموضع الثاني فتارة يكون المستفاد من الدليل توجيه التكليف الي آحاد المكلفين فيكون شاملا للفاسق كما يكون شاملا للعادل بل يشمل الدليل الكافر اذ قلنا ان الكفار مكلفون بالفروع كما يكونون مكلفين بالاصول و هذا الفرض خارج عن محل الكلام مثلا المستفاد من الدليل وجوب دفن الميت علي نحو الواجب الكفائي فيكون الفاسق كالعادل في كونه مكلفا بهذا التكليف و اخري لا يكون من له القيام مشخصا كالتصدي للوقف الذي لا متولي له و هل يجوز التصدي للفاسق أم لا؟

الظاهر هو الثاني اذ كما تقدم ان التصرف الخارجي و كذلك الاعتباري غير جائز وضعا و تكليفا في أموال الناس و انفسهم فلا مجال للحكم بالجواز مستدلا بأن الفعل الفلاني معروف فالاتيان به حسن أو الاستدلال بقوله عليه السلام «عون الضعيف صدقة» علي جواز تصدي

الفاسق لبيع مال اليتيم و أمثاله فان مقتضي القاعدة كما تقدم منا عدم جواز التصرف في مال الغير و نفسه فكيف يمكن الحكم بالجواز بالتقريب المذكور.

و بعبارة واضحة: يلزم احراز الموضوع قبل احراز الحكم عليه و كون التصرف في مال الصغير أمرا معروفا اوّل الكلام و الاشكال.

و صفوة القول: انه لا مجال لان يقال استحباب ادخال السرور في قلب المؤمن يقتضي أن يكون بيع ماله و لو مع كونه مقرونا بالمانع صحيحا فانه لا مجال لهذه المقالة و لا يري العرف تنافيا بين فساد البيع اذا كان مقرونا بالمانع و بين استحباب ادخال السرور في قلب المؤمن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 493

«قوله قدس سره: ففي قبوله اشكال»

قد تقدم انه لا يقبل قول الغير بالنسبة الي صدور الفعل منه الا اذا كان المخبر ثقة.

«قوله قدس سره: فلا يجوز الشراء منه»

الظاهر انه لا يمكن مساعدته و انه قدس سره جمع بين أمرين متنافيين توضيح المدعي: انه لو كان التصدي للفاسق جائزا فلا وجه لاخذ المال منه و لا وجه لعدم جواز الشراء منه و علي الجملة اما يكون وليا و اما لا أما علي الاول فلا بد من ترتيب الاثر علي فعله و لا يجوز مزاحمته و أما علي الثاني فلا أثر لفعله حتي عند نفسه فالتفكيك بين المقامين غير صحيح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و انما حمل علي موضوع هو اصلاح المال»

يرد عليه أولا النقض بموارد جريان اصالة الصحة مثلا لو غسل القصار الثوب و لا ندري هل راعي الامور التي امر بها في الغسل أم لم يراع لا اشكال في جريان اصالة الصحة و ما الفرق بين المقامين.

و ثانيا يرد عليه الحل بأن

نقول المفروض ان الفاسق له أن يبيع مال الصغير علي النحو المقرر و لا ندري هل راعي أم لم يراع تجري اصالة الصحة بلا اشكال و لا كلام اذ لا وجه للعدم.

«قوله قدس سره: كما لو شك المشتري في بلوغ البائع»

القياس مع الفارق فانه لو شك في البلوغ و عدمه لم يحرز كون البائع صالحا للبيع و أما في المقام فالمفروض ان الفاسق له التصدي غاية الامر مع الشرائط المقررة.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعل الامر بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 494

«قوله قدس سره: لم يلزم الفسخ مع المشتري و أخذ الثمن من الفاسخ»

يرد عليه ان ما أفاده ما مناقض لما أفاده قبل اسطر من وجوب أخذ مال اليتيم من الفاسق.

«قوله قدس سره: و أصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالاول»

ما أفاده أيضا غريب اذ الاشكال في جريانها علي ما رامه و مع عدم جريانها يكون مقتضي الاصل فساد المعاملة فان مقتضي الاستصحاب عدم تحقق الانتقال.

«قوله قدس سره: فتدبر»

لعله بالامر بالتدبر يشير الي ما ذكرنا.

«قوله قدس سره: فمجرد وضع العدل يده علي مال اليتيم لا يوجب منع الاخر»

فان نسبة كل واحد الي مورد التصرف علي حد سواء و لا ترجيح لبعضهم علي الآخرين و بعبارة اخري المتقضي في كل عادل موجود فلا وجه للترجيح فلاحظ.

«قوله قدس سره: و أما حكام الشرع فهل هم كذلك»

قد ظهر مما ذكرنا في الوجوه المستدل بها علي ولاية الفقيه انه لا يتم الاستدلال بها و ولايته من باب الحسبة و عليه فلا مجال لان يقال ان ولايته كولاية الامام عليه السلام بحيث لو تصدي لامر لا يكون مجال لتصدي الاخر بل جميع

الفقهاء علي حد سواء و لا ترجيح فيجوز لكل واحد منهم التصدي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 495

«قوله قدس سره: و ربما يتوهم كونهم حينئذ كالوكلاء»

لا دليل علي أزيد من هذا المقدار فلا وجه لترجيح بعضهم علي آخر و لعل امره قدس سره في آخر كلامه بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و ان ولاية الفقيه لا تكون أزيد من هذا المقدار فلا يكون دخول بعضهم في أمر مانعا عن دخول الاخر بل مقتضي محبوبية الاستباق الي الخير رجحان الاستباق فلاحظ.

«قوله قدس سره: مضافا الي لزوم اختلال نظام المصالح»

هذا أمر آخر فان الكلام في جواز المزاحمة بلا ترتب محذور آخر و أما مع ترتب المحذور كترتب هتك حرمة الذي دخل في الامر أو الاختلال أو غير ذلك فهو غير مربوط بالبحث.

«قوله قدس سره: فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله»

بل تبين خلافه فلاحظ.

[هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم انه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد ملاحظة الغبطة»

وقع الكلام بين القوم في أنه هل يشترط في ولاية غير الأب و الجد علي اليتيم رعاية الغبطة

و ذهب الشيخ قدس سره الي الاشتراط و استدل بوجهين:
الوجه الأول الاصل الاولي

فان مقتضاه عدم الولاية الا مع الشرط المذكور.

الوجه الثاني: قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» *
اشارة

«1» اقول أما ما أفاده من ان مقتضي الاصل لزوم رعاية القيود

______________________________

(1) الانعام/ 152.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 496

المحتملة فتام فان الاصل الاولي اي الاستصحاب عدم ثبوت ولاية أحد علي غيره و يتوقف الخروج عن الاصل المذكور الي قيام دليل معتبر عليه.

و أما الوجه الثاني و هو قوله تعالي «وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» * فيقع الكلام أولا فيما يستفاد من النهي و ثانيا في أنه هل يستفاد منه الولاية أم لا و ثالثا في بيان المراد من الاحسن.

أما المقام الأول

فنقول: الظاهر- و اللّه العالم- ان الآية الشريفة لا ترتبط بما نحن فيه فان المستفاد من النهي المذكور في الآية الحكم التكليفي و لا يكون نهيا عن الاعتبار بل النهي تعلق بالقرب من مال اليتيم فكل ما يكون تصرفا و قربا في نظر العرف يكون حراما و لا دليل علي كون المراد النهي عن المعاملة.

و بعبارة اخري: لا دليل علي كون المراد النهي الوضعي أي الارشاد الي الفساد بل الظاهر من الآية الشريفة تحريم التصرف في مال اليتيم و القرب منه فالآية اجنبية عن المقام.

و أما المقام الثاني

فأفاد سيدنا الاستاد قدس سره علي ما في تقريره الشريف ان الآية لا تدل علي الولاية و لم اجد في كلامه وجه المدعي المذكور.

و الذي يختلج ببالي القاصر أن يفصل و يقال تارة يكون الكلام في الولاية علي التصرفات الاعتبارية في أمواله و اخري يقع الكلام في التصرف الخارجي أما الولاية بالمعني الاول فلا يستفاد من الآية كما ذكرنا هنا و ذكرنا سابقا أيضا و أما الولاية علي التصرف الخارجي اذا كان أحسن فالحق انه يستفاد من الآية الشريفة.

و بعبارة واضحة: انه يستفاد من الآية الشريفة ان كل واحد من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 497

آحاد المكلفين يجوز له أن يتصرف في مال اليتيم تصرفا خارجيا بالشرط المذكور في الآية فلا وجه لما أفاده سيدنا الاستاد من عدم دلالة الآية علي الولاية بل الآية تدل علي الولاية بهذا المقدار و مقتضي عدم التقييد جواز التصرف مع رعاية الشرط المذكور في الآية لكل احد لكن بالشرط المذكور أي كون التصرف و القرب بالنحو الاحسن.

و في المقام حديثان مربوطان بالمقام ذكرهما الشيخ قدس سره الاول ما رواه عبد اللّه بن

يحيي الكاهلي قال: قيل لابي عبد اللّه عليه السلام انا ندخل علي اخ لنا في بيت ايتام و معه خادم لهم فنقعد علي بساطهم و نشرب من مائهم و يخدمنا خادمهم و ربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم فما تري في ذلك فقال: ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس و ان كان فيه ضرر فلا و قال عليه السلام «بل الانسان علي نفسه بصيرة» فأنتم لا يخفي عليكم و قد قال اللّه عز و جل «وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» «1».

فان المستفاد من الحديث جواز التصرف في مال اليتيم في فرض كون التصرف ذا منفعة لليتيم أو بشرط عدم الضرر له.

و فيه أولا ان السند مخدوش بالكاهلي كما ربما تقدم تضعيفه منا و ثانيا ان غاية ما يستفاد من الشرطية الاولي جواز التصرف بشرط الانتفاع و لو لم يكن التصرف علي النحو الاحسن و الاطلاق يقيد بالآية المباركة.

و أما الشرطية الثانية فغاية ما في الباب ان تدل بالمفهوم علي جواز التصرف مع عدم الضرر و حيث انه مخالف للكتاب تضرب عرض الجدار فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكسب الحديث 1.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 2، ص: 498

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 498

الثاني ما رواه علي بن المغيرة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ان لي ابنة اخ يتيمة فربما اهدي لها الشي ء فاكل منه ثم اطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي فاقول يا رب هذا بذا فقال عليه

السلام لا بأس «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث جواز التصرف في صورة المعاوضة و عدم الضرر بحال اليتيم و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بذبيان و ثانيا ان اطلاق الحديث يقيد بصريح الآية فلا بد من رعاية الاحسن فلاحظ.

و أما المقام الثالث

فالظاهر كما يقول الشيخ التصرف الجائز الذي يكون أحسن علي الاطلاق هذا بالنسبة الي التصرف الخارجي و أما التصرف الاعتباري في مال اليتيم فقد تقدم انه يجوز التصدي للتصرف في أمواله للعادل بمقتضي النص الخاص و أيضا تقدم انه يجوز افراز ماله عن الشركة للثقة.

[هل يجب مراعاة الاصلح]
اشارة

«قوله قدس سره: و هل يجب مراعاة الاصلح»

يقع الكلام في مقامات ثلاثة

المقام الأول في ولاية العدول علي مال اليتيم

المقام الثاني في ولاية الأب و الجد علي مال الصغير المقام الثالث في ولاية كافة آحاد الناس علي التصرف الخارجي في مال اليتيم أما المقام الأول فنقول مقتضي حديث الاشعري «2» ان العادل له الولاية في التصرف الاعتباري في مال اليتيم بلا رعاية شرط و قيد و لكن الظاهر انه لا يمكن الالتزام بجواز بيع ماله و لو مع كونه ضررا عليه بل لا يمكن القول بالجواز حتّي في صورة عدم الضرر و النفع فان الارتكاز المتشرعي اشتراط التصرف بكونه مصلحة لليتيم و أما

المقام الثاني [في ولاية الأب و الجد علي مال الصغير]

فالظاهر جواز التصرف و نفوذه

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

(2) تقدم ذكر الحديث في ص 489.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 499

اذا كان التصرف مصلحة للصغير.

و أما

المقام الثالث [في ولاية كافة آحاد الناس علي التصرف الخارجي في مال اليتيم]

فاللازم رعاية الاحسن علي الاطلاق كما تقدم.

[مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما]

«قوله قدس سره: مسألة يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا ان يكون مسلما» الخ

لا يخفي ان المسائل المربوطة بالعبيد و الاماء لا تكون مورد الابتلاء في أمثال زماننا فلا وجه للتعرض لها و اتلاف الوقت.

[مسألة المشهور عدم جواز نقل المصحف إلي الكافر]
اشارة

«قوله قدس سره: المشهور عدم جواز نقل المصحف الي الكافر»

لا يخفي ان انعقاد هذا البحث بعد الفراغ عن الجواز بالنسبة الي المسلم و أما علي تقدير عدم الجواز بالنسبة الي المسلم فعدم الجواز بالنسبة الي الكافر بالاولوية القطعية فنقول: يقع الكلام تارة في جواز النقل تكليفا و اخري في جوازه وضعا فيقع الكلام في مقامين:

أما المقام الأول فنقول ما يمكن ان يذكر في تقريب عدم الجواز وجوه:
الوجه الأول: ان نقل المصحف الي الكافر يوجب هتكه و هتك المصحف حرام

و فيه انه لا تلازم بين الامرين فالوجه المذكور غير وجيه.

الوجه الثاني: ان نقله يوجب تنجسه و تنجيس المصحف حرام.

و فيه أولا: انه لا ملازمة بين الامرين. و ثانيا ان الكافر مكلف بعدم التنجيس فلا وجه للحرمة للمسلم الا من باب الاعانة علي الاثم و لا دليل علي حرمتها. و ثالثا: ان النقل لا يستلزم التمكين و الكلام في النقل لا في التمكين.

الوجه الثالث: ان المشهور فيما بين القوم عدم الجواز

. و فيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 2، ص: 500

ان الشهرة لا تكون من الادلة كما حقق في الاصول فتحصل انه لا دليل علي الحرمة التكليفية.

و أما المقام الثاني: و هي الحرمة الوضعية و الفساد فيمكن ان يذكر في تقريبه وجهان:
الوجه الأول: ان الكافر لا يملك المسلم فكيف يملك المصحف

و بعبارة اخري الدليل الدال علي عدم تملكه للمسلم يدل بالاولوية علي الفساد في المقام.

و فيه أولا: انه لا دليل علي اصل المدعي، و لذا نري فتواهم بوجوب بيع العبد المسلم اذا كان مملوكا للكافر، و الحال ان البيع يتوقف علي كون المبيع مملوكا. و ثانيا: انه لا وجه للاولوية، فان الاحكام الشرعية تعبدية، و الوجه فيها غير معلوم.

الوجه الثاني: قوله صلي اللّه عليه و آله: الاسلام يعلو و لا يعلي عليه

«1». بتقريب ان الحديث الشريف يقتضي عدم انتقال المصحف الي الكافر و الا يلزم علو الكفر علي الاسلام.

و يرد عليه أولا: ان الحديث ضعيف و غير قابل للاستدلال به فان المرسل لا اعتبار به.

و ثانيا: انه لا وجه لحمله علي المقام، اذ لا يبعد ان يكون المراد منه ان الاسلام ببراهينه الواضحة يكون عاليا و لا دين اعلي منه فلا يرتبط الحديث بالمقام فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب موانع الارث الحديث 11.

الجزء الثالث

[تتمة كتاب البيع]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

في شرائط العوضين

[يشترط في كل واحد منهما كونه متمولا]
اشارة

قوله قدس سره: «يشترط في كل واحد منهما كونه متمولا» ادعي قدس سره اشتراط البيع بكون كل واحد من العوضين مالا

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:
الوجه الأول: ما أفاده في المصباح من أن البيع مبادلة مال بمال.

و يرد عليه: انه تارة نشك في مفهوم البيع و في هذا الفرض لا بدّ من التحفظ علي كل قيد يحتمل دخله في صدق المفهوم اذ مع الشك في الصدق لا مجال لترتيب الاحكام فان التمسك بالعموم أو الاطلاق غير جائز في مورد الشبهة المصداقية و لكن الأمر ليس كذلك في المقام فان سلب عنوان البيع عن بيع ما لا مالية له غير صحيح و عدم صحة السلب علامة الحقيقة كما ان صحة حمل البيع أيضا علامة الحقيقة.

و أيضا المتبادر من لفظ البيع تمليك العين بشي ء و هذا أعم من كون المبادلة بين مالين و كونها بين ما لا مالية له بمثله و كونها بين المال و ما لا مالية له و التبادر علامة الحقيقة و بعد ما ثبت و تحقق مفهوم البيع و انه ليس الاشتراط المذكور معتبرا في مفهومه يستصحب بالاستصحاب القهقري الي زمان المعصوم عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 4

و يحكم بأن مفهوم البيع أيضا كذلك في ذلك الزمان فان الاستصحاب القهقري الذي هو عبارة عن اصالة عدم النقل من الاصول اللفظية الجارية بين العقلاء فهذا الوجه لا يرجع الي محصل صحيح.

الوجه الثاني: قوله صلي اللّه عليه و آله «لا بيع الا فيما تملك»
اشارة

و قوله صلي اللّه عليه و آله «لا طلاق الا فيما تملكه و لا بيع الا فيما تملكه» «1»

بتقريب ان المستفاد من الحديث انه يشترط في المبيع كونه مملوكا فلا يصح بيع ما لا مالية له كحبة حنطة.

و فيه مضافا الي عدم الاعتبار بسند الحديث المذكوران النسبة بين الملكية و المالية عموم من وجه فانه ربما يكون شي ء ذا مالية يبذل بإزائه الشي ء كجوهر نفيس لا مالك له و ربما يكون شي ء مملوكا لا مالية له

كحبة حنطة مملوكة لاحد فانها مملوكة و لا مالية لها و ثالثة يجتمعان كدار زيد.

و لما انجر الكلام الي هنا لا بأس ببيان حقيقة الملكية فنقول:

الملكية علي أقسام:
القسم الأول: الملكية الحقيقية المختصة بذاته تعالي و تقدس

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّٰهِ الْوٰاحِدِ الْقَهّٰارِ «2» و المراد من هذه الملكية القيومية المطلقة.

ازمة الامور طرا بيده و الكل مستمدة من مدده

و مثاله في عالم الخلق قيومية الانسان للصور الذهنية فان هوية

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 3 و 4.

(2) المؤمن، الآية 16

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 5

تلك الصور و قوامها بالتصور و بمجرد الذهول و قطع النظر عنها تنهدم و تزول.

القسم الثاني: الملكية المقولية التي يعبّر عنها بالجدة

كهيئة الراكب علي المركوب و امثالها.

القسم الثالث: الملكية الاعتبارية التي قيامها باعتبار المعتبر

و هذا القسم اضعف انحاء الملكية و التي تكون محلا للكلام في المقام هو القسم الثالث فالنتيجة ان الحديث الشريف لا يكون دليلا علي المدعي.

بالإضافة الي أن النبوي علي فرض تمامية سندها و دلالتها انما يتم بالنسبة الي المثمن و أما بالنسبة الي الثمن فلا دلالة في الرواية كما هو ظاهر.

الوجه الثالث: قوله تعالي لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ

«1» بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة المنع عن المقابلة بين المال و الباطل و ما لا مالية له فلا يجوز أن يجعل بدل المال ما لا مالية له فيلزم أن يكون الثمن و المثمن كليهما مالا.

و فيه أولا: ان الجار للسببية لا للمقابلة و يكون المراد النهي عن البيع بالاسباب الباطلة و التجارة بها فلا ترتبط الآية بما نحن فيه.

و ثانيا: انه سلمنا المدعي لكن أيضا لا تدل علي المقصود اذ غاية ما يستفاد منها علي التقدير المذكور النهي عن المبادلة و البيع بين عوضين لا مالية لهما و الحال ان الكلام في اشتراط البيع بكون العوضين مالين و المستفاد من الآية النهي عن البيع الخاص

______________________________

(1) النساء الآية 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 6

و اشتراطه بالشرط المذكور في اطار مخصوص و دائرة خاصة.

و بعبارة واضحة المستفاد من الآية في الفرض المذكور المنع عن تملك مال الغير بما لا مالية له و اما تملك ما ليس بمال بما لا مالية له فلا تشمله الآية الشريفة و الحال ان مقتضي اطلاق نفوذ البيع جوازه فلاحظ.

الوجه الرابع: انّه لو لم يكن العوضان مالين تكون المعاملة سفهية

و فيه، أولا: انّه يمكن تصوير جهة عقلائية كما لو فرض انّ زيدا أقدم علي شراء صورة والده او علي شراء خطه او علي شراء الشريط الذي سجل فيه صوت والده أو احدا عزته و ثانيا: انا نفرض ان المعاملة سفهائية و لكن اي دليل دلّ علي كون المعاملة السفهائية باطلة فان الدليل قائم علي بطلان معاملة السفيه و اما المعاملة السفهائية فلا دليل علي بطلانها فالنتيجة انه لا يشترط في العوضين الشرط المذكور فلاحظ.

«قوله قدس سره: و اعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب رد المثل»

اثبات وجوب

رد المثل في مفروض الكلام مشكل اذ لا دليل علي الضمان فان عمدة دليل الضمان السيرة الجارية بين العقلاء الممضاة عند الشارع و لم يحرز مثل هذه السيرة من العقلاء و مقتضي الشك في السيرة جريان البراءة من الضمان فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلا يخفي وجوب الرجوع الي عمومات صحة البيع و التجارة»

كيف يمكن التمسك بالعموم اذ الشك في المصداق مع انه حقق في محله عدم جواز الأخذ بالدليل فيما يشك في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 7

المصداق بل ذكرنا مرارا انه في موارد الشبهة المفهومية يمكن احراز عدم كونه مصداقا بالاستصحاب.

و اما حديث تحف العقول فقد مرّ في اوّل الكتاب انه ضعيف سندا و لا جابر له.

[ثم انهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم انهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس»

الخ قد تقدم منا انه لا دليل علي اشتراط المالية في العوضين و اما اشتراط الملكية فيهما فتارة يقع الكلام في المبيع و اخري في الثمن فيقع الكلام في موردين:

أما

المورد الأول: [الكلام في اشتراط الملكية في المبيع]

فيمكن الاستدلال علي الاشتراط بقوله عليه السلام في حديث الصفار انه كتب الي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في رجل باع قطاع ارضين فيحضره الخروج الي مكة و القرية علي مراحل من منزله و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود ارضه و عرف حدود القرية الاربعة فقال للشهود اشهدوا اني قد بعت فلانا- يعني المشتري- جميع القرية التي حدّ منها كذا و الثاني و الثالث و الرابع و انما له في هذه القرية قطاع ارضين فهل يصلح للمشتري ذلك و انما له بعض هذه القرية و قد اقر له بكلها؟ فوقع عليه السلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء من البائع علي ما يملك «1».

فاذا لم يكن البائع مالكا للمبيع لا يجوز بيعه هذا فيما يكون البائع اصيلا و اما اذا كان وكيلا من البائع او كان وليا فأيضا يلزم

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 8

ان يكون الموكل او المولي عليه مالكا للمبيع اذ لو لم يكن مالكا لا يجوز له ان يبيع بنفسه فكيف يمكنه ان يوكل غيره في البيع كما انه لا يجوز للولي التصرف الذي لا يكون جائزا للمولي عليه بنفسه فتحصل انه يشترط في المبيع ان يكون مملوكا للبائع او لموكله او لمن له

الولاية عليه.

و أما

المورد الثاني: [الكلام في اشتراط الملكية في الثمن]

فان قلنا انه اخذ في مفهوم البيع ان يدخل كل من العوضين في كيس من خرج عنه العوض الاخر فلا بد من كون الثمن مملوكا للمشتري كي يحصل العنوان المذكور و يتحقق.

و لكن انا قد انكرنا هذا المدعي و قلنا انه لا دليل عليه و قلنا انه يجوز بمقتضي السيرة اشتراء شي ء لشخص آخر كما لو اشتري احد قرصة خبز من الخباز لغيره و أيضا لا يبعدان تكون السيرة جارية علي ان يأذن احد لغيره ان يبيع المأذون مال الاذن لنفسه فيدخل المبيع في كيس من اشتري له و يخرج الثمن من كيس المشتري كما انه يخرج المبيع في القسم الثاني عن الاذن و يدخل الثمن في كيس المأذون فلا يشترط في الثمن الشرط المذكور.

و لكن مع ذلك في صدق البيع علي مورد لا يكون الثمن مملوكا للمشتري تأمل بل لعله أمر مستنكر في نظر العرف فلو شك في صدق عنوان البيع لا يجوز التمسك بدليل صحته لعدم جواز الاخذ بالدليل في مورد الشبهة المصداقية بل يمكن احراز عدم الصدق بالاستصحاب. و اما لو لم يشك في الصدق بان احرز عنوان موضوع الدليل و انّ عنوان البيع صادق علي مورد عدم كون الثمن مملوكا كما لو جعل الثمن من المباحات الاصلية، فلا مانع عن الاخذ بدليل الصحة كقوله تعالي احل اللّه البيع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 9

«قوله قدس سره: و احترزوا به أيضا عن الارض المفتوحة عنوة»

الخ بعد فرض كون الارض مفتوحة عنوة مملوكة للمسلمين كيف يحترز عنها فانها داخلة في الكبري الكلية فالحق ان يقال ان الشرط و لو كان حاصلا لكن قد دل الدليل علي عدم جواز

بيع بعض الاملاك كالوقف و الحبس و منذور الصدقة علي قول و غيرها من الموارد و منها الارض المفتوحة عنوة و تخصيص العام او تقييد المطلق ليس امرا عزيزا بل امر شايع بعد قيام الدليل فلاحظ.

[أقسام الأرضين و أحكامها]
اشارة

«قوله قدس سره: الارض اما موات و اما عامرة»

الخ تعرض قدس سره لاقسام الارضين و احكامها و نحن تبعا له نتعرض لكل قسم و نذكر ما يختلج ببالنا القاصر ان شاء اللّه تعالي.

[الأول ما يكون مواتا بالأصالة بأن لم تكن مسبوقة بالعمارة]
اشارة

«قوله قدس سره: و لا اشكال و لا خلاف منا في كونها للامام عليه السلام»

الخ هذا هو القسم الأول و هي الارض الميتة بالاصالة و يقع البحث في هذا المقام في جهات:

الجهة الأولي: في ان الارض الميتة بالاصالة للامام عليه السلام

و ادعي المصنف قدس سره انها للامام عليه السلام بلا خلاف بين الامامية و نقل الاجماع عليه.

و قد حقق في محله عدم اعتبار الاجماع المنقول و ادعي سيدنا الاستاد قدس سره تحقق الاجماع المحصل.

لكن يرد عليه انه علي فرض حصوله محتمل المدرك. فالعمدة النصوص الواردة في المقام. و تدل علي المدعي جملة من الروايات:

منها ما عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 10

الانفال ما لم يوجب عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بايديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و هو للامام من بعده يضعه حيث يشاء «1».

و منها ما عن حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام في حديث قال: و للامام صفو المال.

الي ان قال: و له بعد الخمس الانفال و الانفال كل ارض خربة قد باد اهلها و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بايديهم علي غير قتال و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام و كل ارض ميتة لا ربّ لها الحديث «2».

و منها ما عن احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث الي ان قال: قال: و ما كان من فتح لم يقاتل عليه الي ان قال: و الموات كلها هي له- الحديث «3».

و منها ما عن

اسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الانفال فقال هي القري التي قد خربت الي ان قال. و كل ارض لا رب لها الحديث «4»

و منها ما عن أبي اسامة زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الانفال فقال: هو كل ارض خربة و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب «5». و منها ما عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: لنا الانفال. قلت و ما الانفال قال: منها المعادن و الآجام

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 4.

(3) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 17.

(4) نفس المصدر الحديث 20.

(5) نفس المصدر الحديث 27.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 11

و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد اهلها فهو لنا «1».

و الانصاف ان الاستفاضة لا تتحقق بهذا المقدار فكيف بالتواتر و في المقام جملة من الروايات قد عدّ فيها من الانفال الارض الخربة و لكن الاشكال في انه هل يصدق عنوان الخربة علي الموات بالاصل و الّذي يهون الخطب ان الحكم ظاهرا مسلم عند القوم كما صرح به سيدنا الاستاد علي ما في تقرير درسه الشريف.

و الظاهر انه لا يترتب علي البحث المذكور اثر عملي فان الدليل قائم علي ان احياء الارض الميتة يوجب صيرورة المحياة مملوكة للمحيي فلا فرق بين كون تلك الارض له عليه السلام او لم تكن.

و يدل علي كون الموات بالاصالة مملوكا للامام عليه السلام ما رواه الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب علي عليه السلام «ان الارض للّه يورثها من

يشاء من عباده و العاقبة للمتقين» انا و اهل بيتي الذين اورثنا الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا فمن احيي ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها فان تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له من أكل منها حتي يظهر القائم عليه السلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و منعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم علي ما في ايديهم و يترك الارض في ايديهم «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 28.

(2) الوسائل الباب 3 من ابواب احياء الموات الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 12

فان صريح الرواية ان كل ارض مملوكة للامام عليه السلام و عليه تكون الارض الميتة بالاصالة مملوكة له عليه السلام.

و لقائل ان يقول: ان المستفاد من قوله في جملة من الروايات و كل ارض خربة يدل علي ان الميتة بالعارض مملوكة له عليه السلام فالميتة بالاصالة مملوكة له عليه السلام بالاولوية.

[الجهة الثانية هي من الأنفال]

«قوله قدس سره: و هي من الانفال»

الخ لاحظ ما رواه ابن عمار «1» و لاحظ حديث احمد بن محمد «2».

و حديث داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

قلت: و ما الانفال؟ قال: بطون الاودية و رءوس الجبال و الاجسام و المعادن و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل ارض ميتة قد جلا اهلها و قطائع الملوك

«3»

هذه هي الجهة الثانية فان المستفاد من جملة من النصوص كونها من الانفال.

[الجهة الثالثة ابيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض]

«قوله قدس سره: نعم ابيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض» الخ

هذه هي الجهة الثالثة و هي صيرورة الارض للمحيي بالاحياء فان السيرة جارية عليه بلا نكير و تدل علي المدعي طائفة من النصوص.

منها ما عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(3) الوسائل الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 32.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 13

و النصاري قال: ليس به بأس الي ان قال: و ايّما قوم احيوا شيئا من الارض أو عملوه فهم احق بها و هي لهم «1».

و منها ما عن محمد بن مسلم أيضا قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ايّما قوم احيوا شيئا من الارض و عمروها فهم أحق بها و هي لهم «2».

و منها ما عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من أحيي أرضا مواتا فهي له «3».

و منها ما عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: من احيي مواتا فهو له «4».

و منها ما عن محمد بن علي بن الحسين قال: قد ظهر رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله علي خيبر فخارجهم علي ان يكون الارض في ايديهم يعملون فيها و يعمرونها و ما بأس لو اشتريت منها شيئا و ايّما قوم احيوا شيئا من الارض فعمروا فهم احق به و هو لهم «5».

فان المستفاد من هذه

النصوص ان الاحياء يوجب صيرورة المحيي مالكا للارض.

«قوله قدس سره: و عليه يحمل ما في النبويين»

الخ لاحظ المرسلين عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: موتان الارض

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) نفس المصدر الحديث 5.

(4) الوسائل الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 6.

(5) نفس المصدر الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 14

للّه و رسوله فمن احياء منها شيئا فهو له «1».

و عنه صلي اللّه عليه و آله انه قال: عادي الارض للّه و لرسوله ثم هي لكم مني فمن احي مواتا فهي له «2».

ان قلت قد فرض ان الارض الميتة مملوكة للامام عليه السلام و من ناحية اخري لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذنه و كون التصرف موجبا للملكية لا يستلزم جواز التصرف تكليفا و بعبارة اخري الكلام في الجهة التكليفية لا في الجهة الوضعية.

قلت لا اشكال في أن العرف يفهم من قوله عليه السلام من احيي ارضا فهي له الاذن في التصرف و الظهور العرفي حجة بلا اشكال.

فانقدح بما ذكرنا ان ما افاده في الجواهر «3» «من ان الاحياء يحتاج الي الاذن و بلا اذن لا يجوز» مضافا الي قيام الدليل علي عدم جواز التصرف في مال الغير، لا يرجع الي محصل صحيح اذ ان الحرمة التكليفية لا تنافي الجهة الوضعية مضافا الي ان العرف يفهم من دليل كون الاحياء سببا، الاذن في الاحياء.

و صفوة القول ان مقتضي الاطلاق كون الاحياء سببا لحصول الملكية الا ان يقال ان الاجماع قائم علي الاشتراط بالاذن كما صرح به صاحب الجواهر و نقل عن المسالك انه لا شبهة في اشتراط اذن

الامام عليه السلام في احياء الموات و لكن لا اعتبار بالاجماع المنقول.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 5.

(3) ج 38 ص 11.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 15

[الجهة الرابعة في وجوب أداء خراجها للإمام ع]

«قوله قدس سره: و ربما يكون في بعض الاخبار وجوب اداء خراجها الي الامام عليه السلام»

الخ.

هذه هي الجهة الرابعة و هي انه هل يجب شي ء علي المتصرف في الارض بعنوان الخراج أم لا؟ و النصوص الواردة في المقام طائفتان. الطائفة الاولي: ما يدل علي وجوب الخراج.

و من هذه الطائفة ما رواه الكابلي «1» و المستفاد من هذه الرواية وجوب أداء الخراج لكن سند الحديث مخدوش بالكابلي فان الرجل لم يوثق.

و سيدنا الاستاد بني علي وثاقته و استدل علي مدعاه بكون الرجل واقعا في اسناد كامل الزيارات.

و قد أوردنا عليه بما لا مزيد عليه و رجع في اواخر حياته عن القول المذكور و عدل عن مسلكه.

و منها ما رواه عمر بن يزيد قال: سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام، من رجل اخذ ارضا مواتا تركها أهلها فعمّرها و كري انهارها و بني فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من احيي ارضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤدّيه الي الامام في حال الهدنة فاذا ظهر القائم فليوطن نفسه علي ان تؤخذ منه «2».

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 11.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 16

و يستفاد من هذه الرواية وجوب الخراج و وجوب ادائه

علي المحيي و الرواية مخدوشة سندا فان عمر بن يزيد مشترك بين بياع السابري و الصيقل و لم تثبت وثاقة الثاني و انما ذكر ابن داود توثيقه عن النجاشي.

و سيدنا الاستاد قدس سره يقول: ليس تعرض لتوثيق الرجل في كتاب النجاشي و لعلّ نسخة ابن داود كان فيها التوثيق و لكن الاشكال تمام الاشكال ان ابن داود بنفسه لم يوثق كما يظهر من كلام الحر في رجاله و اللّه العالم.

و لم اجد في هذه العجالة دليلا معتبرا علي وجوب الخراج علي المحيي و قد ورد في بعض النصوص وجوب الصدقة علي المحيي لاحظ حديث معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ايّما رجل اتي خربة بائرة فاستخرجها و كري انهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فاخربها ثم جاء بعد يطلبها فان الارض للّه و لمن عمرها «1».

و لاحظ حديث سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال: الصدقة قلت: فان كان يعرف صاحبها قال:

فليؤدّ إليه حقه «2».

و لكن الظاهر ان المراد من الصدقة الزكاة كما يدل عليه ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل و انا حاضر عن رجل احيي ارضا مواتا فكري فيها نهرا و بني بيوتا و غرس نخلا

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 17

و شجرا فقال: هي له و له اجر بيوتها و عليه فيها العشر فيما

سقت السماء أو سيل واد أو عين و عليه فيما سقت الدوالي و الغرب نصف العشر «1».

و مقتضي القاعدة الاولية عدم الوجوب فان الارض بالاحياء تصير مملوكة للمحيي و مقتضي الاستصحاب عدم اشتغال الذمة بشي ء كما ان مقتضي البراءة عدمه وضعا و تكليفا و السيرة الجارية تقتضي جواز الاحياء و صيرورة الارض مملوكة بالاحياء للمحيي و عدم وجوب شي ء علي من أحياها.

و يمكن ان يقال في تقريب المدعي انه لو كان الخراج واجبا لكان واضحا و شايعا فان مثل هذا الحكم غير قابل لان يبقي تحت الستار و لا يكون معلوما في الشرع الاقدس.

و لكن لو اغمض عن جميع ما ذكرنا و فرض تمامية الدليل علي الوجوب فهل هناك دليل علي عدم وجوب الاداء و علي التحليل أم لا؟

فنقول: يستفاد من جملة من النصوص التحليل.

منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لانهم لم يؤدوا إلينا حقنا الا و ان شيعتنا من ذلك و آباءهم في حل «2».

فان مقتضي هذه الرواية انه لا يجب شي ء علي الشيعة فيمكن ان يقال ان العرف لا يري معارضة بين الروايتين لكن الجزم به مشكل فان المستفاد من حديث عمر بن يزيد وجوب الاداء و مقتضي حديث

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 8.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 18

التحليل عدم الوجوب و الترجيح بالاحدثية مع حديث عمر بن يزيد «1».

فلا بد من الالتزام بالوجوب و لكن حديث عمر بن يزيد ضعيف سندا كما تقدم فلا يعتد به مضافا الي قيام السيرة

علي عدم الوجوب اضف الي ذلك انه يمكن الجمع بين الجانبين بحمل ما يدل علي الوجوب علي غير الشيعة و حمل ما يدل علي التحليل علي الشيعة فعلي جميع التقادير تكون النتيجة عدم الوجوب بالنسبة الي الشيعة لكن التقاريب تختلف بل الحق عدم الوجوب بالنسبة الي غير الشيعة من العامة و الكفار و اللّه العالم.

الجهة الخامسة انه هل يختص جواز الاحياء بالشيعة أم يعمّ غير الشيعة؟

المستفاد من جملة من الروايات الاطلاق و عدم الاختصاص منها ما عن محمد بن مسلم «2».

و منها ما عن محمد بن مسلم أيضا «3» و منها ما عن عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه «4» و التقييد يحتاج الي الدليل.

و يستفاد التقييد من حديث أبي سيّار مسمع بن عبد الملك في حديث قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اني كنت و ليت الغوص فاصبت أربعمائة الف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم و كرهت ان احبسها عنك و أعرض لها و هي حقك الذي جعل اللّه تعالي لك في أموالنا فقال: و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس يا أبا سيّار الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا قال:

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص ص 15.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 12.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 13.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 19

قلت له: انا احمل أليك المال كله فقال لي: يا أبا سيّار قد طيبناه لك و حللناك منه فضمّ أليك مالك و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الارض فهم فيه محلّلون و محلّل لهم ذلك الي ان يقوم قائمنا فيجبيهم طسق

ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتي يقوم قائمنا فيأخذ الارض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

و ربما يقال انه يستفاد من حديث ابن مسلم «2» ان غير الشيعة حتي اليهود يجوز لهم التصرف في الارض و لكن التقريب المذكور فاسد لان ملكية الارض لا تنحصر بالاحياء بل لها اسباب مقررة في الشريعة لكن الاطلاقات الاولية كافية للعموم مضافا الي السيرة الجارية و الارتكاز المتشرعي فلاحظ.

[الثاني ما كانت عامرة بالأصالة]
اشارة

«قوله قدس سره: الثاني ما كانت عامرة بالاصالة أي لا من معمر»

الخ.

قال سيدنا الاستاد قدس سره علي ما في التقرير ان الصحيح ان يقال أي لا من عامر فان صيغة اسم فاعل لم تستعمل من باب التفعيل نعم صيغة المعمّر من التفعيل لاسم المفعول استعملت في الشخص الذي عمره كثير فيقال فلان معمّر.

و كيف كان هذا هو القسم الثاني من الارضين و يقع البحث في هذا القسم أيضا من جهات.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الانفال الحديث 12.

(2) لاحظ ص 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 20

الجهة الأولي: في ان هذه الاراضي هل تكون مملوكة أيضا للامام عليه السلام أم لا؟

نقل عن التذكرة دعوي الاجماع علي كونها مملوكة للامام عليه السلام.

و تدل علي المدعي جملة من النصوص. منها ما رواه اسحاق بن عمار «1» و منها ما رواه أبو بصير «2» و منها ما رواه الكابلي «3».

الجهة الثانية: انها من الانفال

و يدل عليه حديث ابن عمار «4».

الجهة الثالثة: في أنه هل يكون دليل علي تقييد الارض المملوكة له عليه السلام بكونها ميتة

ربما يقال بان الاطلاق الوارد في بعض النصوص يقيد بكون الارض ميتة فان جملة من النصوص قد قيدت بهذا القيد و الاطلاق يقيد بالتقييد.

و من تلك النصوص ما ارسله حماد بن عيسي «5» و المرسل لا اعتبار به مضافا الي انه لا وجه للتقييد فانه قد حقق في الاصول ان الوصف و ان كان معتمدا لا مفهوم له.

ان قلت: المعروف بينهم ان المولي اذا كان في مقام بيان الضابطة و التحديد ينعقد لكلامه المفهوم و المقام كذلك.

قلت هذا لا يرجع الي محصل صحيح مثلا لو قال المولي في دليل جعل اللّه الماء طهورا و قال في دليل آخر جعل اللّه ماء البحر طهورا و لم يدل دليل من الخارج علي وحدة المطلوب نحكم بكون الماء

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 11.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(5) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 21

طهورا علي الاطلاق و الحال انه لقائل ان يقول ان قوله ماء البحر بمفهومه يقتضي نفي الطهورية عن غير ماء البحر فانه في مقام التحديد.

و مرجع هذه الدعوي الي اثبات المفهوم للوصف و الحل ان كل قضية متكفلة لبيان خصوصية لا بدّ من ذكر القيود المعتبرة في تلك الخصوصية لكن هذا لا ينافي اثبات سنخ ذلك الحكم لموضوع آخر و لذا اشتهر في الالسن ان اثبات شي ء لا ينفي الحكم عمّا عداه و أيضا المعروف بين القوم انه لا تنافي بين الاثباتين.

نعم لو علم من الخارج ان المتكلم في مقام بيان

قصر الحكم في موضوع خاص يكون لكلامه نفي الحكم عن غير الموضوع المذكور و لكن هذا ببركة العلم الخارجي و نلتزم بالمفهوم حتي في اللقب فلا تغفل فالنتيجة انه لا وجه للتقييد بل القاعدة تقتضي كون الارض المحياة بالاصالة للامام عليه السلام.

الجهة الرابعة انه هل تملك الارض المحياة بالاصالة بالحيازة أم لا؟
اشارة

و يقع البحث في هذه الجهة في موضعين.

الموضع الاول: في مقتضي القاعدة الاولية

الموضع الثاني في مقتضي الادلة الثانوية.

أما الموضع الاول فنقول مقتضي القاعدة الاولية عدم صيرورتها مملوكة للحائز اذ المفروض كونها مملوكة للامام عليه السلام و لا وجه لصيرورة مال الغير ملكا لآخر بل مقتضي الاستصحاب عدم الانتقال هذا بالنسبة الي الموضع الاول.

و أما

الموضع الثاني [في مقتضي الأدلة الثانوية]
اشارة

فما يمكن ان يستدل به علي المدعي أي صيرورتها مملوكة بالحيازة وجهان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 22

الوجه الأول: النصوص الخاصة

منها ما روي عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال: من سبق الي ما لا يسبقه إليه المسلم فهو احق به «1».

و هذه الرواية مخدوشة سندا و غير قابلة للاستناد إليها مضافا الي النقاش في دلالتها فان الظاهر من الحديث ان الحكم المذكور حكم ما لا يكون ملكا لاحد و المفروض انه مملوك للغير اي الامام عليه السلام.

و منها ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السلام في امرأة تموت قبل الرجل او رجل قبل المرأة قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما و من استولي علي شي ء منه فهو له «2».

و الحديث ضعيف سندا و قاصر دلالة فانه وارد في مورد خاص و اطار مخصوص.

و منها ما عن علي عليه السلام انه سئل عن رجل ابصر طيرا فتبعه حتي وقع علي شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال: للعين ما رأت و لليد ما أخذت «3».

و الحديث ضعيف سندا و قاصر دلالة فان الظاهر من الحديث ان اخذ المباحات يوجب الملكية، و المفروض في المقام ان الارض للامام عليه السلام فلا مقتضي لتملكها، فالوجه الاول غير تام.

الوجه الثاني السيرة الجارية بلا نكير

فان السيرة جارية علي

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب ميراث الازواج الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب اللقطة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 23

تملك الاراضي المحياة بالاصالة بلا نكير فلاحظ.

الجهة الخامسة في ان جواز التملك بالحيازة هل يختص بالشيعة أم يعم غير الشيعة من العامة و الكفار؟

الظاهر انه لا فرق في جريان السيرة بالنسبة الي الشيعة و غيرهم. و ان شئت قلت: انه لا اشكال بحسب السيرة الجارية الخارجية ان الحيازة من الامور المملكة للحائز و لا فرق في هذه الجهة بين الناس فلاحظ.

[الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت]

«قوله قدس سره: الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت»

الخ هذا هو القسم الثالث من الارضين و لا فرق بين هذا القسم و القسم الاول الا بانه فرض في القسم الأول كون الارض مواتا بالاصالة و فرض في هذا القسم اي القسم الثالث العمارة بعد الموت فلا فرق بين القسمين الا بملاحظة الموت قبل الاحياء و ملاحظة الاحياء بعد الموت و قد مر الكلام في القسم الأول و يظهر مما ذكرناه هناك حكم هذا القسم كما هو ظاهر فلا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: و هو ملك للمحيي»

الخ كما تقدم و قلنا ان المستفاد من النصوص صيرورة الميتة مملوكة للمحيي بالاحياء.

«قوله قدس سره: بالشروط المذكورة في باب الاحياء»

الخ و الكلام من هذه الجهة موكول الي محله.

«قوله قدس سره: يملك التصرف لا نفس الرقبة»

الخ بل يملك نفس الرقبة بصريح النصوص كما تعرضنا لجملة من النصوص الناصة او الظاهرة في المدعي فراجع ما ذكرناه حول القسم الأول.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 24

[الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة»

الخ هذا هو القسم الرابع من اقسام الارضين.

«قوله قدس سره: فان كانت العمارة اصلية فهي مال الامام عليه السلام»

الخ لاحظ ما رواه اسحاق بن عمار «1» فان المستفاد من الحديث ان كل ارض لا ربّ لها له عليه السلام فالارض العامرة بالاصالة و الميتة كذلك و الميتة بالعرض كلها له عليه السلام لصدق عنوان الموضوع الذي حكم عليه بكونه للامام عليه السلام.

«قوله قدس سره: منشأه اختلاف الاخبار»

الخ الكلام تارة يقع في مقتضي الاصل العملي و اخري في مقتضي الدليل الاجتهادي اما مقتضي الاصل العملي فربما يقال ان مقتضي الاستصحاب بقاء الارض في ملك المحيي

بعد الخراب و لكن قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فالعمدة ملاحظة النصوص الواردة في المقام.

و النصوص الواردة في المقام علي طوائف. الطائفة الاولي: ما يدل علي ان الارض تصير مملوكة بالاحياء للمحيي و من تلك الطائفة ما رواه محمد بن مسلم «2» و منها ما رواه محمد بن مسلم أيضا «3» و منها

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 10.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 12.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 25

ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «1» و منها ما رواه زرارة «2».

و مقتضي هذه الطائفة بقاء الارض في ملك المحيي الي ان يتحقق ما يخرجها عن ملكه و بعبارة اخري المستفاد من دليل الاحياء بقاء الارض في ملك المحيي حتي بعد عروض الخراب عليها.

ان قلت: مقتضي اطلاق قوله عليه السلام من احيي ارضا فهي له ان الاحياء مملك علي الاطلاق حتي في محل الكلام.

قلت: يرد علي التقريب المذكور أوّلا النقض بالحيازة فهل يتوهم أحد أن زيدا لو حاز عينا و صار مالكا لها فهل يجوز لغيره ان يحوزها و تصير مملوكة له و ثانيا انه يرد عليه بالحل و هو ان الظاهر بحسب الفهم العرفي ان الشارع في مقام بيان الاسباب المملكة بالنسبة الي ما لا يكون مملوكا للغير فلا يجوز تملك املاك الناس بالحيازة او الاحياء.

اضف الي ذلك انه لو التزم بالإطلاق يلزم التعارض في مدلول نفس الدليل الواحد بالنسبة الي موردين منه و بالتعارض يسقط عن الاعتبار.

توضيح المدعي ان مقتضي دليل الاحياء بقاء الملك حتي بعد عروض الخراب و أيضا

مقتضاه علي الفرض صيرورة المحياة مملوكة للمحيي الثاني و لا يمكن الجمع بين الضدين فيسقط الدليل بالمعارضة فتصل النوبة الي الاصل العملي و هو عدم جعل الشارع الاحياء الثاني مملكا و يترتب علي الاصل المذكور بقاء الارض في

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 13.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 26

ملك المحيي الاول اذ نعلم بعدم خروجها عن ملكه الا في صورة كون الاحياء الثاني مملكا.

لكن لقائل أن يقول: من الممكن خروجها عن ملك الاول بالخراب فلاحظ. ان قلت: علي هذا الاساس فلا يجوز الاحياء و لا يوجب الملكية اذ المفروض ان الموات مملوكة للامام عليه السلام فلا يجوز تملكها بالاحياء.

قلت لا مجال لهذا الاشكال اذ لو لم يجز يكون جعل الاحياء مملكا لغوا اذ فرض ان كل ارض ميتة مملوكة له عليه السلام.

و بعبارة واضحة لا اشكال في كون الموات مملوكة له عليه السلام كما انه لا اشكال في ان الاحياء مملك فلا يكون كونها مملوكة له مانعا عن التملك فلاحظ.

الطائفة الثانية: ما يدل علي ان الارض الخربة ترد الي صاحبها ان كان لها صاحب و لا اثر لاحيائها لاحظ حديث سليمان بن خالد «1».

فان المستفاد من الحديث المذكور ان الارض الخربة المملوكة للغير اذا زرع فيها آخر تجب عليه الزكاة و أيضا يجب عليها اجرة الزراعة الواقعة في ارض الغير ان قلنا بأن قوله عليه السلام يؤدي إليه حقه يكون المراد منه دفع اجرة الارض و ان قلنا بان المراد دفع رقبة الارض فلا تعرض في الرواية لدفع الاجرة و اما نفس الزرع فللزارع كما هو مقتضي القاعدة فان الزرع للزارع و ان كان

غاصبا و علي كلا التقديرين تدل الرواية علي بقاء الارض في ملك مالكها الاول.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 27

و مقتضي اطلاق الرواية عدم الفرق بين كون ملكية الاول بالاحياء او بغيره.

الطائفة الثالثة: ما يدل علي ان الخراب ان كان مستندا الي مالكها يكون الاحياء موجبا للملكية للمحيي الثاني و الا فلا لاحظ ما رواه معاوية بن وهب «1».

فان المستفاد من الحديث التفصيل بين الصورتين.

الطائفة الرابعة ما يدل علي ان الاحياء موجب لكونه مملكا علي نحو الاطلاق و يدل بالخصوص بالنسبة الي الارض التي خربت بترك اهلها جملة من النصوص لاحظ ما رواه الكابلي «2».

و هذه الرواية مخدوشة سندا و لاحظ حديث عمر بن يزيد «3» فنقول مقتضي الجمع بين الطوائف الاربع ان يفصل بان يقال ان كان الخراب مستندا الي المالك الاول يكون الاحياء الثاني موجبا لصيرورة الارض مملوكة للمحيي الثاني و ان لم يكن خرابها مستندا إليه بل كان مستندا الي آفة سماوية مثلا تبقي الارض في ملك مالكها الاول و لا فرق في ذلك بين كون سبب الملكية الاولي هو الاحياء او غيره اذ حديث الكابلي مورده ما يكون سبب الملكية الاحياء او غيره اذ حديث الكابلي مورده ما يكون سبب الملكية الاحياء و لا مفهوم له فعلي تقدير الاخذ به و اعتباره لا تختلف النتيجة.

و بعبارة اخري لا تنافي بين حديث الكابلي و حديث ابن وهب و بعبارة واضحة ان مقتضي الطائفة الاولي بقاء الارض في ملك

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 16.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 11.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 15.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 3، ص: 28

المحيي حتي بعد الخراب بلا فرق بين كون الخراب مستندا إليه او لم يكن بفعله و مقتضي الطائفة الثانية بقاء الارض الخربة في ملك مالكها الاول بلا فرق بين كون الخراب مستندا إليه و بين ما لم يكن مستندا إليه و مقتضي الطائفة الثالثة التفصيل بين كون الخراب مستندا إليه و بين ما لم يكن كذلك فبالطائفة الثالثة نقيد الطائفة الاولي و الثانية هذا علي ما فهمنا من حديث ابن وهب.

و يظهر من صاحب الجواهر «1» انه يمكن ان يستفاد من حديث ابن وهب كون الارض لمالكها الاول بتقريب ان المراد من العامر في قوله عليه السلام و لمن عمرها العامر الاول لا الثاني فلا وجه للتفصيل بل الامر كذلك حتي علي القول بالاجمال في حديث ابن وهب اذ مع اجماله يكون المرجع الطائفة الاولي و الثانية من الاخبار و المفروض ان المستفاد منهما بقاء الارض في ملك مالكها الاول حتي بعد الخراب و مقتضي الاستصحاب بقائها في ملك المالك الاول.

و يرد عليه ان المستفاد من حديث ابن وهب ان الارض للعامر الثاني و اما الاستصحاب فلا يجري في الشبهات الحكمية لسقوطه بالتعارض.

«قوله قدس سره: فملكهم لا يزول الا بناقل»

الخ فانه لا وجه لزوالها مع فرض دخول الارض في ملك المحيي بالاحياء.

«قوله قدس سره: او بطرو الخراب علي احد القولين»

الخ الظاهر انه لا وجه لزوال الملكية بالخراب فانه قد تقدم منا

______________________________

(1) جواهر ج 38 ص 22.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 29

التفصيل بين كون الخراب مستندا الي المحيي و غيره و قلنا ان لم يكن الخراب مستندا إليه تبقي الارض في ملكه و لا حق لغيره ان يتصرف فيها بالاحياء

و اما اذا كان مستندا إليه فيجوز لغيره احيائها و يصير الاحياء الثاني سببا لدخولها في ملك المحيي الثاني.

«قوله قدس سره: و قلنا بعدم اعتبار الاسلام»

الخ مع عدم اعتبار الاسلام لا يكون فرق بين الكافر و المسلم فالامر كما افاده و اما مع اعتباره فلا تدخل في ملكه و تبقي مملوكة للامام عليه السلام اذ المفروض عدم تحقق ما يوجب خروجه عن ملكه عليه السلام.

«قوله قدس سره: فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم»

الخ ما افاده ظاهر واضح اذ تكون كبقية امواله فيجوز اخذها بعنوان الغنيمة كما انه تزول ملكيته عنها بما يزول به ملك المسلم.

«قوله قدس سره: فيبقي علي ملكه كسائر املاكه»

الخ علي ما هو المقرر.

«قوله قدس سره: فهي أيضا كسائر املاكه تحت يده»

الخ اذ لا وجه للفرق.

«قوله قدس سره: فيصير ملكا للامام عليه السلام»

الخ اما مع عدم الوارث فالامر ظاهر فانه عليه السلام وارث من لا وارث له و اما في فرض الانجلاء بحيث يتحقق الاعراض فان قلنا ان الاعراض يوجب خروج الملك عن ملك المعرض تخرج الارض باعراض الكافر عن ملكه و من ناحية اخري كل ارض مملوكة للامام عليه السلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 30

«قوله قدس سره: للمسلمين كافة»

الخ في المقام فروع.

الفرع الأول ان الارض المفتوحة عنوة مملوكة لكافة المسلمين

و هذا هو المشهور فيما بين القوم بل الظاهر ان الحكم المذكور من المسلمات و تدل علي المدعي جملة من النصوص.

«قوله قدس سره: ففي رواية أبي بردة بن رجاء»

الخ عن أبي بردة بن رجاء قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: كيف تري في شراء ارض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك هي ارض المسلمين قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده قال: و يصنع بخراج

المسلمين ما ذا؟ ثم قال: لا بأس اشتري حقه منها و يحول حق المسلمين عليه و لعله يكون اقوي عليها و أملأ بخراجهم منه «1» و الرواية ضعيفة بأبي بردة.

«قوله قدس سره: و في مرسلة حماد الطويلة»

الخ لاحظ ما رواه حماد بن عيسي عن بعض اصحابه عن أبي الحسن عليه السلام في حديث قال: يؤخذ الخمس من الغنائم الي أن قال:

و ليس لمن قاتل شي ء من الارضين و لا ما غلبوا عليه الا ما احتوي عليه العسكر الي أن قال: و الارضون التي أخذت عنوة بخيل او ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها الحديث «2».

و المرسل لا اعتبار به.

«قوله قدس سره: و في صحيحة الحلبي»

الخ عن محمد الحلبي قال: سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في

______________________________

(1) الوسائل الباب 71 من ابواب جهاد العدو الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 41 من ابواب جهاد العدو الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 31

الاسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد الحديث «1». و الحديث تام سندا.

(قوله قدس سره: و رواية ابن شريح)

الخ.

عن محمد بن شريح قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شراء الارض من أرض الخراج فكرهه و قال: انما ارض الخراج للمسلمين فقالوا له: فانه يشتريها الرجل و عليه خراجها فقال: لا بأس الا ان يستحيي من عيب ذلك «2» و الحديث ساقط سندا.

«قوله قدس سره: و رواية اسماعيل بن الفضل الهاشمي»

الخ.

عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ارضا من ارض أهل الذمة من الخراج و أهلها

كارهون و انما يقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها أو غير عجز فقال: اذا عجز أربابها عنها فلك ان تأخذها الا ان يضاروا و ان اعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها، قال: و سألته عن رجل اشتري أرضا من ارض الخراج فبني بها او لم يبن غير ان أناسا من أهل الذمة نزلوها له ان يأخذ منهم اجرة البيوت اذا أدّوا جزية رءوسهم قال:

يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال «3» و السند ضعيف.

«قوله قدس سره: و في خبر أبي الربيع الشامي»

الخ.

عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تشتر من أرض السواد شيئا الا من كانت له ذمة فانما هو في ء للمسلمين «4»

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 9.

(3) نفس المصدر الحديث 10.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 32

و السند غير معتبر و في المعتبر من النصوص الدالة علي المدعي كفاية.

«قوله قدس سره: و ظاهره كما تري عدم جواز بيعها»

الخ.

الفرع الثاني: انه هل يجوز بيعها و لو تبعا للاثر

و يبحث في هذه الجهة تارة من حيث الاصل الاولي و القاعدة الاولية و اخري من حيث ما يستفاد من النص الخاص اما من حيث القاعدة الاولية فالظاهر انه يجوز بيعها اذ المفروض انها مملوكة للمسلمين فيجوز لولي امور المسلمين أي للامام عليه السلام و من يكون نائبا عنه ان يتصدي لبيعها.

و أما من حيث النص الخاص فلا يجوز لاحظ ما رواه الحلبي المتقدم ذكره آنفا فانه قد صرح في تلك الرواية لقوله عليه السلام لا يصلح في جواب السؤال عن جواز البيع.

«قوله قدس سره: باذن الامام عليه السلام»

الخ.

الفرع الثالث انه هل يجوز التصرف فيها بالزرع و نحوه

الظاهر انه لا بدّ من التفصيل بان يقال لا يجوز التصرف فيها الا باذن الامام عليه السلام من باب كونه ولي الامر و يكون اختيار اموال المسلمين بيده حيث انه ولي لهم و أيضا يجوز التصرف باذن السلطان الجائر فانه علم من الشريعة المقدسة ان تصرفات الجائر مورد الامضاء الشرعي و لو لم يكن جائزا و لم يكن تصرفه نافذا لذاع و شاع.

و أما اذن الفقيه الجامع للشرائط فهل هو كاف في زمان الغيبة أم لا؟ فان قلنا: بولايته و كونه نائبا عاما للامام عليه السلام في زمان الغيبة يكون تصرفه كتصرف الامام عليه السلام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 33

و أما لو لم نقل بذلك- كما لا نقول به- فلا اثر لاذنه و مقتضي القاعدة الاولية عدم ترتب أثر علي اذنه فانه تصرف في مال الغير و مقتضي الاصل الاولي عدم نفوذ التصرف فيه فلاحظ. و لكن هل يمكن الالتزام به فانه مع عدم جواز تصرفاته ربما يلزم تعطيل الارض عن الانتفاع بها.

و بعبارة اخري يمكن ان يقال ان التصرف فيها ربما يدخل

في الامور الحسبية التي بنوا علي جواز تصدي المجتهد الجامع للشرائط لها.

«قوله قدس سره: او باجازته و لو لعموم الشيعة»

الخ.

الفرع الرابع: هل الشيعة مأذونون من قبله عليه السلام في زمان الغيبة

الظاهر انه لا دليل عليه فان أخبار التحليل ناظرة الي ما يكون متعلقا بهم عليهم السلام من الاخماس و امثالها مما يكون مملوكا لهم و اما الاراضي المفتوحة عنوة التي تكون مملوكة لكافة المسلمين فلا تشملها تلك النصوص الدالة علي التحليل فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هو علي حكم الاصل»

الخ.

الفرع الخامس: انه لو بني بناء في الارض المفتوحة عنوة باذن من له الاذن أو بغير اذنه فهل يكون البناء تابعا للاصل

في كونه مملوكا للمسلمين أم يبقي في ملك مالكه؟ عن شيخ الطائفة في المبسوط هو الاول و لكن الظاهر عدم تمامية الدعوي المذكورة اما مع الاذن فظاهر اذ لا وجه لخروج البناء عن ملك الباني و اما علي الثاني فغايته حرمة التصرف في الارض و اما خروج البناء عن ملكه فلا وجه له أيضا فالحق انه يبقي البناء الحادث في الارض علي ملك مالكه الاول نعم لو كان البناء الحادث من اجزاء الارض يكون البناء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 34

تابعا لاصل الارض في كونه مملوكا للمسلمين اذ لا وجه لخروجه عن ملكهم فلا بد من التفصيل.

«قوله قدس سره: في بعض اخبار حل الخراج»

الخ.

لاحظ ما رواه الحضرمي قال دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده اسماعيل ابنه فقال: ما يمنع ابن أبي السمال ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس ثم قال لي: لم تركت عطاءك قال: مخافة علي ديني قال: ما منع ابن أبي السمال ان يبعث أليك بعطائك أ ما علم ان لك في بيت المال نصيبا «1» و الحديث ضعيف سندا.

«قوله قدس سره: او فقها بالقواعد الاحتمال الثالث»

الخ.

بتقريب ان الحاكم الشرعي في زمن الغيبة ولي امور المسلمين فلا بد من اجازته لكن قد ذكرنا بان المستفاد من الائمة عليهم السلام امضاء تصرفات السلاطين

و حكام الجور و انما تصل النوبة الي الحاكم الشرعي من باب كونه وليا في الامور الحسبية.

فلقائل ان يقول بان تصرف الحاكم الشرعي انما يكون معتبرا فيما يلزم تعطيل الارض و أما مع وجود سلطان الجور و امكان الاستيذان منه فلا تصل النوبة الي الحاكم.

فالحق أن يقال: ان الاستيذان عن السلطان يكفي لما علم من الائمة عليهم السلام و مع عدم الامكان تصل النوبة الي الاستيذان من الحاكم الشرعي و مع عدم امكانه تصل النوبة الي العدول و مع عدم امكانه تصل النوبة الي الاستيذان من الفساق كبقية الامور الحسبية

______________________________

(1) الوسائل الباب 51 من ابواب ما يكتسب به الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 35

و أما الوجه الرابع فلا دليل عليه و الحديث المشار إليه ضعيف سندا كما مرّ و اما الاخذ بدليل الاحياء فقد تقدم منا انّه ناظر الي غير مملوك الناس و المفروض ان المفتوحة عنوة ملك للمسلمين.

و أما حديث سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي الارض الخربة فيستخرجها و يجري انهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال: عليه الصدقة «1».

فلا يبعد ان يقال انه في مقام بيان ما علي المتصرف و انه عليه الزكاة و ليس في مقام بيان التصرف في املاك الناس الا ان يقال يفهم من جوابه عليه السلام جواز أصل التصرف.

الفرع السادس: هل يجب الخراج علي المتصرف في أرض الخراج؟

الحق أنه يقال يجب اذ المفروض ان الارض مملوكة للمسلمين و لا وجه للتصرف المجاني فيه، و عليه اما ان يتصرف فيها باذن من الحاكم الشرعي أو بموافقة السلطان و اما يتصرف فيها بلا اذن من أحد.

أما علي الاول فاما تجعل الاجارة بالموافقة بين الطرفين، و

إما يحصل الاذن في مقابل اجرة المثل و إما يحصل الاذن بلا عوض. اما علي تقدير جعل مقدار معين أو الاحالة الي اجرة المثل فظاهر.

و أما علي تقدير الاذن من السلطان مجانا، فالظاهر جواز التصرف كذلك لامضائهم عليهم السلام التصرفات العدوانية التي تصدر من السلاطين و حكام الجور.

و أما علي تقدير التصرف بلا اذن و بلا مجوز فيكون التصرف حراما تكليفا و موجبا للضمان وضعا علي ما هو المقرر من كون

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 36

التصرف العدواني في مال الناس موجبا للضمان فلاحظ.

الفرع السابع: في انه ما حكم ما ينفصل عن الارض المفتوحة عنوة.
اشارة

و الحق ان يفصل بان يقال اذا كان حادثا بفعل المتقبل فهو له كالشجر الذي غرسه في الارض أو الزرع الذي زرعه فيها.

و أما اذا لم يكن بفعل المستأجر فهو علي أقسام:

القسم الأول: أن يكون من اجزاء و متعلقات الارض المملوكة للمسلمين

و لا اشكال في كون مثله لهم.

القسم الثاني: الاعيان التي تعدّ منافع للارض كالاشجار و أمثالها

و لا اشكال أيضا في صيرورتها مملوكة للمسلمين.

القسم الثالث: ما يكون منفصلا عن الارض و يكون معدودا من المنقولات

و هذا القسم يكون للمقاتلين.

القسم الرابع ما يكون مدفونا في الارض

و هذا القسم لا يكون ملحقا بالارض لعدم الدليل عليه، و يحتمل كونه للمقاتلين لكونه من المنقولات ان لم يكن الدليل منصرفا عنه.

الفرع الثامن: انه هل يجوز بناية سقاية أو مسجد او وقف و امثالها في الارض المفتوحة عنوة أم لا؟

أما اذا كان بأذن الامام عليه السلام فالامر ظاهر فان نفس اذنه دليل علي الجواز كما انه لا يبعد الجواز اذا كان باذن السلطان الجائر فان تصرفاته ممضاة عند الشارع الاقدس.

و أما اذا كان بدون الاستيذان فالتصرف باطل و في غير محله اذ لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذن من بيده الامر و هل يجوز باذن الحاكم الشرعي فيما يكون بيده أمر الارض؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 37

الذي يختلج ببالي القاصر هو الجواز فان المذكورات لا تنافي منافع المسلمين بل علي طبق مصالحهم كما انه لا نري تنافيا بين كون الارض مملوكة للمسلمين و الدار الحادثة فيها موقوفة و قس علي الدار بقية الامور.

الفرع التاسع: انه هل يجوز تملك اجزاء الارض التابعة لها من التراب و الجص و الآجر و نحوها؟

مقتضي القاعدة الاولية عدم الجواز، اذ المفروض انها كالاصل مملوكة للمسلمين.

و ما افاده الماتن من احتمال كونها من المباحات الاصلية فيجوز تملكها بالحيازة مدفوع بفساد الاحتمال المذكور فان السبق أو الحيازة انما يؤثر بالنسبة الي ما لا ملك له لا بالنسبة الي مملوك الغير و قد فرض كونها مملوكة للمسلمين كما ان الاخذ من الحاكم لا وجه له فان الحاكم ليس له تمليك اموال المسلمين.

نعم لا يبعد القول بالجواز اذا أخذها من السلطان الجائر فان تصرفاته ممضاة عند الشارع الاقدس.

و أما الاستدلال علي الجواز باستمرار السيرة علي بيع الامور المعمولة من تربة ارض العراق من الاجر و الكوز و الاواني و ما يعمل من التربة الحسينية.

ففيه أولا ان كون أرض العراق كلها مفتوحة عنوة أول الكلام و الاشكال و مع الشك في صدق الموضوع يحكم بعدمه بالاستصحاب.

و ثانيا: ان استمرار السيرة من المتشرعة المبالين بالدين الي زمان المعصوم عليه السلام و كونها بمنظر و مسمع منه

عليه السلام أول الكلام و الاشكال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 38

[مسألة من شروط العوضين كونه طلقا]
اشارة

«قوله قدس سره: و اعلم انه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا»

الخ.

لا يخفي ان التعبير بالسبب و الشرط و المانع في الاحكام الشرعية تكليفية كانت أم وضعية مسامحة اذ لا تأثير و لا تأثر و لا علية و لا معلولية هناك بل الصحيح في الاحكام الشرعية أن يعبر بالمتعلقات و بالموضوعات فان الوجوب مثلا يتعلق بالمركب الفلاني و بالفعل الكذائي و الملكية تتعلق بالعقد الفلاني و الزوجية تترتب علي الموضوع الكذائي و هكذا.

هذا من ناحية، و من ناحية اخري الاهمال في الواقع أمر غير معقول فاذا رتب الشارع الملكية علي البيع مثلا فلا بد اما ان يكون متعلق اعتباره مطلقا و بلا قيد و اما يكون مقيدا بقيد و علي هذا الاساس لا مانع عن القول بانه يشترط في العوضين ان يكونا طلقا أي مطلق العنان أي يشترط فيه ان لا يكون مانع عن البيع و يتفرع عليه عدم الجواز في الموارد المشار إليها و علي كل تقدير الامر سهل.

«قوله قدس سره: النذر المتعلق بالعين»

الخ.

الحق ان النذر لا يكون مانعا عن صحة البيع فان الامر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد و علي فرض القول به أيضا لا يكون مانعا اذ النهي التكليفي لا يستلزم الفساد الوضعي بل عن أبي حنيفة ان النهي يدل علي الصحة و ان كان ما قاله فاسد بلا طائل.

«قوله قدس سره: و الخيار المتعلق به».

الخيار متعلق بالعقد و لا يرتبط بالعين و الحق ان الخيار لا يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 39

مانعا عن صحة البيع

و التفصيل موكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: و الارتداد»

بتقريب انه في معرض القتل فلا مالية له و فيه أولا انه لا يشترط في المبيع المالية و ثانيا انه لا اشكال في عدم سقوطه عن المالية بالارتداد اذ هو باق علي ملك مالكه و يمكن عتقه.

«قوله قدس سره: و الحلف علي عدم بيعه»

ان تم شرائط الحلف يكون بيعه حراما بعد الحلف و لكن قد مرّ آنفا عدم التلازم بين الجهة الوضعية و التكليفية.

«قوله قدس سره: و تعيين الهدي للذبح»

تعيين الهدي للذبح لا يخرج الذبيحة عن ملك مالكه و لا وجه لفساد بيعه الا ان يقوم دليل معتبر عليه.

«قوله قدس سره: و اشتراط عتق العبد في عقد لازم»

اشتراط العتق لا يقتضي فساد البيع و قد تقدم ان الامر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضد مضافا الي انه لا تلازم بين الحكمين.

«قوله قدس سره: و الكتابة المشروطة»

الكلام فيها هو الكلام فلا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: علي جواز ذلك»

و بناء علي عدم جواز بيعه من قبل الوارث وضعا.

«قوله قدس سره: فانه مانع من لزوم»

فعليه يكون البيع جائزا غاية الامر لا يكون لازما فلاحظ.

[مسألة لا يجوز بيع الوقف إجماعا محققا في الجملة و محكيا]
اشارة

«قوله قدس سره: لا يجوز بيع الوقف»

الخ.

يقع البحث في مقامين:

[المقام الأول: في بيان حقيقة الوقف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 40

و بيان مفهومه. المقام الثاني: في الوجوه التي يمكن الاستدلال بها علي عدم جواز بيعه.

أما المقام الأول: فالمستفاد من موارد الاستعمال و كلمات اهل اللغة ان الوقف عبارة عن جعل الشي ء ساكنا كما يقال وقفت سفينة المساكين. قال في مجمع البحرين: تكرر ذكر الوقف في الحديث و هو تحبيس الاصل و اطلاق المنفعة و عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: حبس الاصل و سبّل الثمرة «1».

فيمكن ان يقال ان الوقف الخارجي جعل الشي ء ساكنا و الوقف الاعتباري عبارة عن جعل الشي ء ساكنا و غير متحرك في ظرف الاعتبار.

و عليه نقول: الوقف بماله من المعني ينافي البيع و مع ذلك لا ينافي جواز بيعه في بعض الموارد اذ التخصيص امر جائز فجواز البيع في موارد الجواز من باب التخصيص لا من باب التخصص فلاحظ.

و أما

المقام الثاني و هو عدم جواز بيع الوقف فيمكن الاستدلال عليه بوجوه.
الوجه الأول: ان الوقف بما له من المفهوم اشرب فيه التوقف و السكون و عدم الانتقال في وعاء الاعتبار.
الوجه الثاني: الاجماع

و الظاهر ان الامر فوق الاجماع اي عدم جواز بيع الوقف من الواضحات عند عامة المتشرعة فضلا عن الفقهاء.

الوجه الثالث: قوله عليه السلام: «الوقوف علي حسب ما يوقفها

______________________________

(1) المستدرك الباب 2 من ابواب الوقوف الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 41

اهلها» فعن محمد بن الحسن الصفار انّه كتب الي أبي محمد الحسن ابن علي عليهما السلام في الوقف و ما روي فيه عن آبائه عليهم السلام. فوقع عليه السلام الوقوف تكون علي حسب ما يوقفها اهلها ان شاء اللّه «1».

و عن محمد بن يحيي قال: كتب بعض اصحابنا الي أبي محمد عليه السلام في الوقوف و ما روي فيها فوقع الوقوف علي حسب ما يقفها أهلها ان شاء اللّه «2».

فان المستفاد من النص ان الشارع الاقدس امضي الوقف علي طبق ما جعله الواقف و من الظاهر ان الواقف يوقف الموقوفة عن الحركة الاعتبارية و يسكنه فلا مجال لحركته اي انتقاله من ملك الي ملك آخر.

الوجه الرابع: جملة من النصوص.

منها ما رواه ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال تصدق امير المؤمنين عليه السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب:

بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب و هو حي سويّ تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لاتباع و لا توهب حتي يرثها اللّه الذي يرث السموات و الارض و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن فاذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 42

فان المستفاد من الحديث ان قوام الوقف بسكونه و عدم انتقال بالبيع و نحوه من النواقل.

و تقريب الاستدلال علي المدعي بالرواية ان قوله لاتباع

و لا توهب يدل علي ان الصدقة علي نوعين احدهما صدقة قابلة للانتقال كالصدقات المستحبة و كالزكاة الواجبة ثانيهما صدقة غير قابلة للنقل كالوقف و الدليل علي كونهما صفتين للنوع فتدلان علي تنويع الصدقة بنوع قابل في ذاته للانتقال و نوع غير قابل ذاتا له امور:

منها ان الظاهر من كلامه عليه السلام صدقة لاتباع و لا توهب مفعول مطلق لقوله تصدق فيكون كلامه دليلا علي المدعي كما هو ظاهر.

و منها انه لو كان وصفا للشخص كان المناسب ان يتأخر في الذكر عن الموقوف عليه و بعبارة اخري القانون الادبي يقتضي تأخر الشرط عن المشروط عليه.

و منها انه لو كان وصفا للشخص و شرطا في خصوص الوقف المذكور لكان حقه ان يصدر بقوله بشرط ان يكون كذا كما هو المعمول في باب الاشتراط.

و منها ان شرط الفعل لا يقتضي المنع الوضعي بل يقتضي المنع التكليفي فقط فلو باع احد داره من آخر و اشترط عليه ان لا يتزوج بفلانة فان المشروط عليه لو تزوج بفلانة يكون ازدواجه صحيحا نعم يكون حراما تكليفا و عليه لو باع الموقوف عليه الوقف و لو مع شرط عدم البيع يكون بيعه صحيحا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 43

الا ان يقال ان التزم بكون الوصف و صفا للشخص يلتزم باللازم المذكور لكن لا وجه له فلاحظ.

و صفوة القول انه لا اشكال في ان الظاهر من الحديث المذكور ان الوقف بذاته متصف بالوصف المذكور و متقوم بكونه غير قابل للانتقال.

«قوله قدس سره: كان اشتراط عدمه علي الاطلاق فاسدا»

الخ اشتراط عدم التصدي للامر الجائز لا يكون مخالفا للشرع فانه تارة يشترط علي الموقوف عليه ان لا يكون البيع جائزا و اخري

يشترط عليه انه لا يبيع. أما علي الاول فالشرط فاسد.

و أما علي الثاني فلا وجه للفساد مثلا تارة يشترط البائع علي المشتري أن لا يشرب الماء شهرين و اخري يشترط عليه أن يكون شرب الماء حراما عليه مدة شهرين فان الشرط الاول جائز و يجب علي المشتري أن يعمل به و يكون الشرب حراما عليه مدة شهرين فان الشرط يوجب صيرورة الحلال حراما بالاشتراط و أما الاشتراط يكون مخالفا مع الشرع فلاحظ.

الثاني فلا يصح لانه مخالف مع الشرع و أما عدم شرب الماء فلا و منها ما رواه ابو علي ابن راشد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلمّا و فرت المال خبرت ان الارض وقف فقال: لا يجوز شراء الوقوف و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الي من اوقفت عليه قلت: لا اعرف لها ربا قال: تصدق بغلتها «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 44

فان الرواية بصراحتها تدل علي عدم جواز بيع الوقف.

و منها ما رواه عجلان ابو صالح قال: أملي ابو عبد اللّه عليه السلام:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به فلان بن فلان و هو حيّ سوي بداره التي في بني فلان بحدودها صدقة لاتباع و لا توهب حتي يرثها وارث السماوات و الارض و انه قد اسكن صدقته هذه فلانا و عقبه فاذا انقرضوا فهي علي ذي الحاجة من المسلمين «1».

و تقريب الاستدلال بالرواية يظهر مما ذكرنا في تقريب الاستدلال بحديث ابن راشد فلا وجه للاعادة.

و منها ما رواه أيوب بن عطية قال: سمعت أبا عبد اللّه

عليه السلام يقول: قسم رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الفي ء فأصاب عليا عليه السلام ارض فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير فسماها عين ينبع فجاء البشير يبشره فقال:

بشرّ الوارث بشر الوارث هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله لاتباع و لا توهب و لا تورث فمن باعها او وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين لا يقبل اللّه منه صرفا و لا عدلا «2».

فان المستفاد من الحديث ان الوقف لا يباع و لا يوهب.

و منها ما رواه ابن الحجاج قال: بعث إليّ بهذه الوصية ابو ابراهيم عليه السلام هذا ما اوصي به و قضي في ماله عبد اللّه علي ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و يصرف النار عنّي يوم تبيض وجوه و تسودّ وجوه ان ما كان لي من مال بينبع من مال

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 45

يعرف لي فيها و ما حولها صدقة و رقيقها الي ان قال: لا يباع منه و لا يوهب و لا يورث الحديث «1».

فانه يستفاد من الحديث ان الوقف نوع صدقة لا يباع و لا يوهب و لا مجال لان يتوهم انه قد شرط علي الموقوف عليه عدم البيع لان المستفاد من الحديث انه لا يجوز بيعه و لا شرائه و من الظاهران الشرط علي الموقوف عليه يقتضي عدم جواز بيعه و اما حرمة الاشتراء فلا وجه لها اذ المشتري لا يكون مشروطا عليه فيعلم ان بيع الوقف ممنوع وضعا فلا فرق

بين البائع و المشتري فلاحظ.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا ظهران المانع عن بيع الوقف امور ثلاثة»

الخ

يرد عليه أولا: انه كيف ظهر مما ذكر اذ لم يظهر شي ء مما ذكر و ثانيا ان ما افاده ليس تاما اما الواقف فبعد الوقف اجنبي عن العين الموقوفة فاي حق له بعد كي يكون مانعا.

مضافا الي أنه اي تناف بين بيع العين الموقوفة و جعل عوضها صدقة جارية و أما البطون المتأخرة فعلي فرض كونهم ذوي الحقوق بالنسبة الي العين الموقوفة فالامر بالنسبة إليهم كما ذكرناه في الواقف اذ اي تناف بين الامرين بان نقول يجوز البيع و يجعل بدل العين موقوفا.

اضف إليه انه أي دليل دل علي ثبوت حق مانع عن البيع و اما التعبد الشرعي فليس الا حكم الشارع بعدم الجواز و لا مجال لان يقال ان المانع التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات،

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 46

فان النهي الشرعي يقتضي عدم الجواز لا ان النهي كاشف عن مانع موجود في الرتبة السابقة.

و علي الجملة لا مانع عن بيع الوقف الا حكم الشارع بعدم الجواز و اما كونه له و عليه عوضه فلا ينافي جواز بيعه فان الصدقات المستحبة و كذا الواجبة له تعالي و عليه عوضه و مع ذلك يجوز بيعها و لا تنافي بين الامرين.

«قوله قدس سره: و سيجي ء التفصيل»

و يظهر ان شاء اللّه تعالي انه لا مانع الا النهي الشرعي فانتظر.

«قوله قدس سره: ثم ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف الي ان يباع».

وقع الكلام بينهم في أن الوقف هل يبطل بعروض مجوز البيع أو يبطل بالبيع خارجا اختار الاول

الشيخ الكبير و تلميذه صاحب الجواهر و ذهب الي القول الثاني الماتن قدس سره.

و تقريب الاستدلال علي القول الاول ان بقاء الوقف بحاله و جواز بيعه متنافيان فلا بد من الالتزام بزوال عنوان الوقف بعد عروض مجوز بيعه.

و يرد عليه أولا: ان الكلام في موارد بيع الوقف فلا بد من التحفظ علي الموضوع.

و ثانيا: انه لو بطل الوقف بعروض مجوز البيع فهل تكون العين بعد بطلان الوقف من المباحات الاصلية او ترجع الي ملك الواقف او تصير مملوكة للموقوف عليهم ملكا طلقا الظاهر بطلان جميع المذكورات فلا بد من الالتزام ببقاء الوقف بحاله و عدم خروجه عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 47

الوقفية الا بالبيع.

و ثالثا انّ التقريب المذكور للاستدلال علي مدعي كاشف الغطاء فاسد من اصله و اساسه اذ لا تنافي بين الامرين لانه يمكن إنشاء الوقف و اعتبار عدم الحركة من الواقف و الشارع الاقدس يحكم بالجواز في المورد الفلاني.

و يمكن أيضا ان الواقف من اوّل الامر يعتبر عدم حركة العين الا مع عروض المجوز و يرفع اليد عن اعتباره عند تحقق البيع مع اجتماع الشرائط المقررة فما دام لم يتحقق البيع يكون الوقف بحاله و بعد تحقق البيع ينتقل و يبطل الوقف فما افاده الماتن هو الصحيح و لا اشكال فيه.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن أن يكون أمره بالتأمل اشارة انه لا وجه للمقايسة بين المقامين فان جواز الهبة لا ينافي حقيقة الهبة اذ الهبة عبارة عن التمليك المطلق و لا تنافي بين التمليك علي الاطلاق و ثبوت حق للواهب في رفع العقد و حله بل الجواز قوامه بتحقق الملكية المطلقة فان الجواز مترتب علي تحقق العقد و ثبوته و اما

الوقف فمتقوم بعدم الحركة و بقاء السكون فلا يجتمع السكون مع الحركة فلاحظ. و لكن قد ظهر مما ذكرنا عدم التنافي في المقام أيضا.

«قوله قدس سره: ان المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه»

كيف يمكن الاذعان بما افاده اذ نسأل ان الواقف هل يعتبر الوقوف و السكون حتي مع عروض البيع علي العين او يكون اعتباره للسكون مقيدا بعدم عروض البيع او مهمل؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 48

اما الاهمال فغير معقول و اما التقييد فلا يكون متعرضا لصورة البيع و اما الاطلاق فمرجعه الي المنع عن البيع اي باعتباره السكون علي الاطلاق يلغي اثر البيع فالحق ان الوقف متقوم بالمنع عن البيع لكن لا علي نحو الاشتراط بل بلحاظ اعتبار السكون و عدم الحركة علي الاطلاق الا فيما يباع مع مجوز البيع.

«قوله قدس سره: بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك»

الظاهر ان الامر كما افاده فان الوقف في غير المسجد تمليك للعين للموقوف عليه.

و بعبارة اخري: الوقف في غير المسجد قبل الوقف ملك للواقف و بعده ملك للموقوف عليه و اما المسجد فأيضا وقف لكن ليس مملوكا لجهة من الجهات بل المسجد تحرير للعين عن الملكية و جعل العين معنونا بعنوان المسجدية الذي يترتب عليه احكام خاصة و صفوة القول ان المسجد نوع من الوقف غاية الامر لا يكون له موقوف عليه.

و لذا قال سيدنا الاستاد في منهاجه في المسألة الثانية من كتاب الوقف «الوقف تارة يكون له موقوف عليه يقصد عود المنفعة إليه و تارة لا يكون كذلك و الثاني وقف المسجد» انتهي موضع الحاجة من كلامه.

فلا يصح ما ربما يتوهم من ان المسجد لا يكون وقفا بل

هو تحرير فانه خلاف المرتكز المتشرعي و خلاف المشتهر بين المسلمين من كون المسجد من مصاديق الوقف و لذا السيرة جارية علي اجراء إنشاء وقفه بصيغة الوقف فالحق ان يقال اذا لوحظ في الوقف الموقوف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 49

عليه تكون العين مملوكة له و اما المسجد فهو وقف بلا لحاظ موقوف عليه.

فالوقف عبارة عن اعتبار السكون و عدم الحركة الاعتبارية فتارة يعتبر انتقاله الي جهة و اخري اخراج عن الملك و تحرير له عن قيد المملوكية بلا ادخاله في مملوكية اخري فلاحظ هذا تمام الكلام بالنسبة الي المساجد.

و أما غير المساجد فالظاهر انه ليس كالمسجد فان التحرير يختص بالمسجد و اما غيره فهو كبقية الاوقاف مملوك للموقوف عليه حتي ان الامر كذلك بالنسبة الي موقوفات المسجد فان فرش المسجد مثلا مملوك للمسجد.

و يظهر الفرق بين القول بكون الموقوف ملكا للجهة الخاصة و كونه محررا في الضمان و عدمه فانه لو اتلف احد شيئا من الوقف فعلي تقدير الالتزام بكونه مملوكا يتحقق الضمان و علي تقدير عدم الالتزام بالملكية لا مقتضي للضمان.

[الكلام في الوقف المؤبد و المنقطع]
[أما المؤبد و هو علي أقسام]
اشارة

«قوله قدس سره: اذا عرفت ما ذكرنا فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد»

الخ الوقف اما مؤبد و اما غير مؤبد و المراد بالمؤبد ما لا يتصور فيه الانقضاء كالاوقاف العامة و المراد بغير المؤبد الاوقاف الخاصة التي يتصور فيها انقراض الموقوف عليهم كالوقف للذرية طبقة بعد طبقة و الظاهر انه ليس المراد من غير المؤبد الموقت فانه مستنكر عند ارتكاز المتشرعة اذ التأبيد مقوم للوقف.

و المؤبد علي اقسام:

القسم الأول: المسجد

فانه تحرير و قسم من الوقف المؤبد و عدم جواز بيعه من الواضحات الاولية مضافا الي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 50

انه لا يكون مملوكا و لا بيع الا في ملك.

القسم الثاني: ما يكون وقفا علي القسم الأول كالفرش

و السراج و امثالهما مما يكون وقفا للمسجد فان هذه الاشياء مملوكة للمسجد لاجل انتفاع المسجد بها.

القسم الثالث: ما يكون وقفا لطائفة خاصة لاجل انتفاعهم بنفس العين

كالمدارس الموقوفة علي الطلاب فانها مملوكة لهم لاجل ان ينتفعوا بها.

القسم الرابع: ما يكون وقفا لطائفة او جهة لاجل الانتفاع بمنافعها كالحمام

الموقوف علي زوار الحسين عليه السلام فانه مملوك لكلي الزائر لاجل انتفاعه بمنافعه و تكون منفعتها مملوكة لذلك الكلي.

القسم الخامس: ان يكون وقفا للجامع بين الانواع المختلفة كالقناطر

و الجسور و امثالهما فانها وقف علي كلي المار عليها و مملوكة له لاجل الانتفاع بها بالعبور عليها و قس عليها بقية الموارد.

و في بعض هذه الاقسام تكون المنفعة مملوكة للموقوف عليه كالحمام الموقوف و نحوه و في بعض الاقسام يكون المملوك للموقوف عليه الجهة الخاصة كالسكني في المدارس و العبور علي القناطر و هكذا.

و الدليل علي المدعي المذكور قوله عليه السلام: «الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها» فان مقتضي الجملة المذكورة ان الواقف باي نحو اعتبر و انشأ يكون نافذا شرعا مضافا الي انه لا يبعدان ما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 51

ذكرنا موافق للارتكاز المتشرعي فان التأمل في موارد الاوقاف يقتضي ان الامر كما ذكرنا.

و الانصاف ان ما قلناه و حققناه امر مطابق للارتكاز و تقتضيه القاعدة المستفادة من الشرع الاقدس فلاحظ و اغتنم.

«قوله قدس سره: فان الموقوف عليهم انما يملكون الانتفاع دون المنفعة»

الخ قد ظهر مما ذكرنا ان الوجه المذكور لا يكون دليلا علي المدعي فانه لا تنافي بين كون العين الموقوفة مملوكة للموقوف عليه و بين عدم كونه مالكا للمنفعة فانا قد ذكرنا ان اعتبار الواقف يختلف و الجامع بين الكل أن يجعل العين ملكا للموقوف عليه الا في المسجد فانه تحرير لا تمليك فالتمليك جامع بين جميع الاقسام.

غاية الامر التمليك تارة لاجل تملك المنفعة و اخري لاجل تملك الانتفاع و يمكن ان يقال انه ليس في القسم الثاني تملك للانتفاع بل الموقوف عليه له ان ينتفع بالمدرسة او بالخان او بالجسر و القنطرة و هكذا.

و لا يخفي انه لا

يجوز البيع في جميع هذه الموارد لعدم جواز بيع الوقف و ليعلم ان المالك ليس هو الشخص الخارجي بل المالك الجامع العنواني ككون الخمس ملكا للسيد و الزكاة للفقير.

«قوله قدس سره: يوجر للزراعة و نحوها»

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 51

الخ باي مستند يمكن الاستناد في جواز اجارة المسجد مثلا فان امر الاجارة بيد من بيده الاختيار بان يكون المؤجر مالكا للعين او وكيلا عن المالك او وليا علي المالك اوله الولاية علي التصرف في العين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 52

و في المقام لا اشكال في عدم تحقق العناوين الثلاثة الاولية و أما الولاية علي التصرف في العين فلا دليل عليها و مقتضي الاصل الاولي الفساد في المعاملات و الامور الوضعية.

و صفوة القول انه لا فرق بين البيع و الاجارة بالنسبة الي عدم الجواز لعدم الدليل عليه نعم مقتضي القاعدة الاولية في صورة عدم المزاحمة و عدم ترتب محذور يكون الانتفاع من المسجد جائزا للسيرة و لا يوجب الضمان لعدم كون المسجد مملوكا بل عنوانه التحرير.

و لذا قلنا

ان الوقف اقسام
القسم الأول: ما يكون محررا و غير مملوك لاحد

و لا لعنوان كلي و لا لمجموع من الاشخاص و لا لجهة من الجهات بل المسجد محرر عن المملوكية.

ان قلت: قوله تعالي «وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً «1»، يدل علي ان المساجد له تعالي فكيف لا يكون المسجد مملوكا بل هو مملوك له تعالي.

قلت: لا دليل علي كون المراد من المساجد المذكورة في الآية ما نحن بصدده فانه يمكن ان يكون المراد بها مواضع السجود في بدن

المكلف.

كما يظهر من كلام عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام في جواب الخليفة العباسي الملعون حين سأله عن موضع قطع يد السارق و القضية مشهورة، و هي سؤال المعتصم له قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: السجود علي سبعة اعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين و قال اللّه تبارك و تعالي «وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ» يعني بهذه

______________________________

(1) الجن/ 18.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 53

الاعضاء السبعة التي يسجد عليها، فلا تدعوا مع اللّه احدا و ما كان للّه لم يقطع يعني لم يقطع في السرقة من غير مفصل الاصابع من اليد و يبقي الكف للسجود عليه «1».

و قال في مجمع البيان و قيل المساجد مواضع السجود من الانسان و هي الجبهة و الكفان و اصابع الرجلين و عينا الركبتين و هي له تعالي اذ خلقها و انعم بها فلا ينبغي ان يسجد بها لاحد سوي اللّه تعالي الي ان قال:

و قيل ان المراد بالمساجد البقاع كلها و ذلك لان الارض كلها جعلت للنبي صلي اللّه عليه و آله مسجدا الخ فلا تدل الآية الشريفة علي كون المسجد مملوكا له تعالي.

و الذي يؤيد بل يدل علي ما ندعي ان الواقف للمسجد لا يقول في مقام الانشاء اني وقفت هذا المسجد للصلاة أو لغيرها بل يقول اني وقفت هذا المكان للمسجد أو يقول اني جعلت هذا المكان مسجدا فالمسجد نوع خاص من الوقف في قبال بقية الاقسام.

و يترتب علي ما ذكرنا انه لا يجوز بيعه اذ لا بيع الا في ملك و يشترط في البيع كون المبيع مملوكا فعدم جواز بيع المسجد لا يحتاج الي دليل خارجي

بل عدم جواز مقتضي القاعدة الاولية و أيضا لا يجوز اجارته لعدم المقتضي للجواز نعم كما تقدم لا مانع عن الانتفاع به فيما لا يكون مزاحما مع العابدين و الراكعين و الساجدين و لا يوجب الانتفاع منه الضمان لعدم كونه مملوكا فلاحظ.

القسم الثاني من الوقف أن يكون وقفا للذرية

كما هو المتعارف و هذا يتصور علي نحوين.

______________________________

(1) البرهان ج 4 ص 395 الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 54

احدهما: أن تكون منفعة الوقف لهم كالدار الموقوفة فانها توجر و يكون مال الاجارة للذرية كلهم يقسم بينهم بالسوية اذ لا وجه لترجيح بعضهم علي غيره و التصرف في العين في هذه الصورة يوجب الضمان.

ثانيهما: ان يكون الموقوف عليه مالكا للانتفاع بالسكني فيها و الظاهر ان التصرف في العين و الانتفاع منها يوجب الضمان اذ المفروض ان العين و الانتفاع منهما كليهما مملوكان للموقوف عليه و لا يجوز بيع هذا القسم من الوقف أيضا الا مع تحقق ما يقتضي الجواز و لا وجه للتفصيل في عدم الجواز بين الوقف الدائم و المنقطع بالالتزام بعدم الجواز في الاول و الجواز في الثاني.

القسم الثالث: الاوقاف العامة كالمدارس و الخانات و الحمامات و هو علي نحوين أيضا.

احدهما ان تجعل العين وقفا للطلبة بحيث ترجع منفعة العين إليهم و يكون الموقوف عليه مالكا لمنفعة الدار.

ثانيهما: ان يكون الموقوف عليه مالكا للانتفاع اي مالكا للسكونة مثلا و الظاهر ان الانتفاع من العين لغير الموقوف عليه يوجب الضمان لقاعدة الاتلاف.

و لا يخفي ان التعبير بملكية الانتفاع في مقابل ملكية المنفعة يكون المراد منه ان الموقوف عليه تارة يكون مالكا للمنفعة علي الاطلاق و اخري يكون مالكا للحصة الخاصة من المنفعة اي السكني مثلا، و الا كيف يكون الانسان مالكا لفعل نفسه فالمقصود من الانتفاع المنفعة الخاصة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 55

القسم الرابع: باعتبار
و الخامس باعتبار آخر و هو الوقف علي الوقف كالقناديل الموقوفة علي الضرائح المقدسة

و الفرش و امثاله الموقوفة علي المساجد و أمثالها فانها أيضا مملوكة للوقف و لا مانع منه فان الاعتبار خفيف المئونة و موافق مع الارتكاز العقلائي المتشرعي.

و ببيان واضح لا مانع عن كون الجهة الخاصة مالكة فيقال هذا فرش المسجد و هذا سراجه و هذا منبره و هكذا و اتلافه يوجب الضمان.

بقي الكلام في المشاهد المشرفة و ما يتعلق بها فالكلام يقع في موضعين احدهما، فيما يتعلق بها من الفرش و امثاله. ثانيهما في نفس الارض.

أما الموضع الاول: فلا اشكال في كون الآلات المتعلقة موقوفة لهذه الناحية كالآلات المتعلقة بالمسجد.

و أما الموضع الثاني اي نقس اراضي المشاهد المشرفة فقال سيدنا الاستاد قدس سره: انها كالمسجد في كونها تحريرا و ليس وقفا و تمليكا و يترتب عليه ما يترتب علي المسجد من الاحكام.

و يرد عليه انه لا دليل علي ما افاده اذ لا وجه للمقايسة بين المقامين فان المشاهد المشرفة موقوفة و مملوكة للناحية الخاصة و هي الناحية المقدسة كما هو المرتكز في الارتكاز المتشرعي و لا دليل علي كونها تحريرا.

و

أوضح اشكالا ما أفاده من ترتب أحكام المسجد عليها اذ لا دليل لهذه الدعوي مثلا الحكم بحرمة تنجيسها و وجوب تطهيرها أو الحكم بحرمة دخول الجنب و الحائض فيها أو الحكم بكون الصلاة فيها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 56

مستحبا مع قطع النظر عن الروايات الواردة الدالة علي فضائلها قول بغير علم و لا مجال لتوهمه و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فالمدار علي الراجح»

كيف يمكن تحقق الرجحان مع فرض التعارض و التساوي في الجهات المذكورة فان مرجعه الخلف فلاحظ.

«قوله قدس سره: و الا جعلت في المماثل و الا ففي غيره»

الخ بتقريب ان ارتكاز الواقف هكذا يقتضي و الانصاف ان الجزم بهذه المقالة مشكل.

و الذي يختلج بالبال أن يقال ان كان الارتكاز المذكور بحيث يكون في نظر العقلاء و العرف كالمذكور كالشروط الارتكازية و يرونه في المتفاهم العرفي نحو إنشاء فهو فان المحاورات العرفية العقلائية معتبرة و الا فيشكل الالتزام به.

و لا يبعد أن يقال: برجوع العين الي ملك الواقف بل يمكن أن يقال ان العين لم تخرج عن ملك الواقف الا مدة من الزمان فالتعبير بالرجوع ليس في محله.

«قوله قدس سره: اشبهت الملك بعد اعراض المالك»

الخ قياس المقام علي مقام الاعراض مع الفارق فان الواقف لا يعرض عن الملك كي يقال ان الاعراض يوجب خروج المعرض عنه عن ملك المعرض بل الواقف يدخل العين في ملك الموقوف عليه.

و لازم ادخال العين في ملك الغير خروجها عن ملكه فيلزم ان يكون الخروج عن ملك المالك بالمقدار الذي دخل في ملك الغير لا ازيد فتكون النتيجة بقاء العين في ملك مالكها الا في مقدار من الزمان فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 57

مجال

لجعل العين من المباحات.

«قوله قدس سره: و العود ملكا للمسلمين»

الخ لا وجه لهذا الاحتمال اذ لا مقتضي له و بعبارة واضحة: دخول عين في ملك احد او جماعة او كلي او غيرها يحتاج الي الدليل و مع عدمه محكوم بالعدم ببركة اصالة عدم الانتقال فلاحظ.

«قوله قدس سره: و العود الي المالك»

قد تقدم آنفا ان الحق عدم خروجها عن ملك مالكها الا في مقدار من الزمان

«قوله قدس سره: و يحتمل بقائها علي الوقف»

ان لم يكن المصرف للموقوف عليه باقيا كيف يمكن بقاء العين علي الوقفية و ان شئت قلت مع فرض انتفاء الموقوف عليه يكون الوقف من المنقطع الاخر فلا مجال لبقاء الوقفية و عليه لا تصل النوبة الي ما رتب عليه من اللوازم.

«قوله قدس سره: خروجه عن ملك مالكه»

قد تقدم منا انه لا دليل علي خروج العين عن ملك مالكها علي الاطلاق و عليه تكون باقية في ملك مالكها و التصرف في مال الغير لا يجوز تكليفا و يوجب الضمان وضعا.

«قوله قدس سره: ما ورد في بيع ثوب الكعبة»

الخ هذه النصوص كلها ضعيفة سندا فلا تكون قابلة للاستناد إليها نعم الظاهران ما رواه الصدوق باسناده الي عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عما يصل إلينا من ثياب الكعبة هل يصلح لنا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 58

ان نلبس منها شيئا قال: يصلح للصبيان و المصاحف و المخدة يبتغي بذلك البركة ان شاء اللّه «1» تام سندا.

و لكن لا يستفاد منه عدم جواز البيع بل المستفاد منه انه متبرك به مضافا الي انه حكم خاص في مورد مخصوص فلا تستفاد منه الكبري الكلية فلاحظ.

«قوله قدس سره: فمثل هذا يكون

ملكا للمسلمين»

لا وجه لكونه ملكا للمسلمين بل ملك للموقوف عليه اعني المسجد و الكعبة و امثالهما.

«قوله قدس سره: فتأمل»

الظاهر أن الامر بالتأمل اشارة الي ان بنيان المسجد كارضه و لا فرق بينهما و لذا يترتب علي البنيان ما يترتب علي الارض من الاحكام من حرمة التنجيس و وجوب التطهير و غيرها.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

يمكن أن يكون وجه النظر أن المفروض ان جزء المسجد في حكم نفس المسجد و من ناحية اخري ان المسجد محرر عن الملكية و بعد تحريره و امضاء حريته من قبل الشارع كيف يمكن تمليكه فمقتضي القاعدة بقائه علي التحرير نعم لا يبعد ان يقال مقتضي اصالة البراءة جواز التصرف فيه فتأمل.

«قوله قدس سره: و قد الحق بالمساجد المشاهد»

الخ قد تقدم منا انه لا وجه للمقايسة بين المقامين فان المساجد

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب مقدمات الطواف و ما يتبعها الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 59

محررات و المشاهد موقوفات و مملوكات للنواحي المقدسة ارواح العالمين لها الفداء.

«قوله قدس سره: هذا كله حسن علي تقدير كون الوقف فيها»

لا اشكال في أن القضية بشرط المحمول ضرورية انما الكلام في اصل المبني و قلنا ان الامر فيها ليس كذلك فان جميع المذكورات موقوفات و يترتب عليها احكام الاوقاف فلاحظ.

«قوله قدس سره: من عموم علي اليد»

القاعدة ضعيفة من حيث المدرك و العمدة في تحقق الضمان السيرة الجارية العقلائية و لا يبعد ان لا يكون فرق فيها في تحقق الضمان عند تحقق سببه بين كون المورد مملوكا لشخص من الاشخاص او كونه مملوكا لجهة و عنوان ففي كل مورد تحقق عنوان المملوكية يترتب علي التصرف في ذلك المملوك الضمان بشرط تحقق

شرطه.

[الكلام في صور جواز بيع الوقف]
اشارة

«قوله قدس سره: الاولي ان يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع»

لما فرغ من عدم جواز بيع الوقف تعرض لجملة من الصور التي يجوز بيعه فيها علي مقتضي مذهب الاصحاب.

الصورة الأولي: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتعاع به كالحيوان المذبوح
اشارة

فان الحيوان اذا ذبح و مات لا يمكن الانتفاع المقصود منه و الكلام يقع في مقامات.

المقام الأول: فيما تقتضيه القاعدة الاولية و انه لو خلّي و طبعه هل يجوز بيعه أم لا؟

المقام الثاني: في أن ادلة المنع هل تقتضي المنع عن البيع في الصورة المفروضة أم لا؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 60

المقام الثالث: في أنه علي اي تقدير هل هناك دليل يقتضي جواز البيع أم لا؟ فنقول:

اما

المقام الأول: فالحق ان مقتضي القاعدة الاولية عدم جواز البيع

اذ قد قام الدليل علي عدم جواز بيع غير المملوك و انه لا يجوز بيع ما لا يملك البائع هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الوقف و لو كان خاصا ليس مملوكا لشخص خاص او اشخاص مخصوصين فلا يجوز بيعه.

و بعبارة واضحة: ان الوقف و ان كان خاصا لا يكون مملوكا للموقوف عليهم علي نحو الشركة كي يقال ان المملوك المشترك يجوز بيعه للشركاء فان الوقف الذري وقف للعنوان الجامع بين مصاديقه و لذا لو مات واحد منهم لا ينتقل شي ء الي وارثه.

و ان شئت قلت: البائع يلزم اما يكون مالكا للمبيع و اما يكون وكيلا عن المالك و اما يكون وليا عليه و في بيع الوقف لا يتحقق احد هذه العناوين و متولي الوقف لا يكون مالكا شرعا كي يقال يجوز البيع للمتولي فان المتولي انما يجوز له التصرف بمقدار ثبت جوازه في الشرع الاقدس و لذا لا يجوز له ان يهب الوقف من احد هذا هو المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في أن ادلة المنع هل تقتضي المنع عن البيع في الصورة المفروضة أم لا؟]

فأفاد الشيخ قدس سره ان الوقف اذا خرب بحيث لا يمكن الانتفاع به لا تجري فيه ادلة المنع، اما الاجماع فواضح.

و الامر كما افاده فان كثيرا من الفقهاء قائلون بجواز بيع الوقف في الصورة المذكورة فلا اجماع مضافا الي ان الاجماع علي فرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 61

تحققه و حصوله لا يكون حجة اذ يحتمل كونه مدركيا فلا يكون حجة.

قال: و أما قوله عليه السلام فيما رواه محمد بن عيسي عن أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: جعلت فداك اشتريت أرضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف فقال:

لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه قلت: لا اعرف لها ربا قال: تصدّق بغلتها «1». فلانصرافه الي غير هذه الحالة.

و يرد عليه انه لا وجه للانصراف و ان شئت قلت ان الوقف بعد خرابه اما باق علي كونه وقفا و اما يخرج عن كونه وقفا. اما علي الاول فلا وجه لانصراف دليل المنع عنه و اما علي الثاني فيلزم دخوله في ملك الواقف أو صيرورته من المباحات الاصلية و لا وجه لجواز بيعه فلاحظ.

و اما قوله عليه السلام: الوقوف تكون علي حسب ما اوقفها أهلها ان شاء اللّه «2» فلا يدل علي المنع في مفروض الكلام اذ الجملة المذكورة مسوقة لوجوب مراعاة الكيفية المرسومة في الوقف و عدم جواز بيعه ليس منها و لذا لا فرق في عدم الجواز بين ذكره في متن العقد و عدمه.

و بعبارة واضحة عدم جواز بيع الوقف من احكام الوقف لا من كيفياته فلا تنافي بين جواز بيعه و بقائه موقوفا فلا يبطل بعروض جواز بيعه.

و يرد عليه أولا ان ما أفاده في المقام يناقض ما أفاده سابقا

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب احكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 62

فانه استدل لعدم جواز بيع الوقف بقوله عليه السلام الوقوف علي حسب الخ و في المقام يقول لا تكون الجملة المذكورة مانعة عن البيع.

و ثانيا: انا نسأل ان العين الموقوفة بعد الخراب هل تكون باقية علي كونها موقوفة أو تخرج عن تحت العنوان المذكور و لا ثالث.

أما علي الاول فلا يجوز بيعها اذ المفروض انها

اعتبرت موقوفة و ساكنة فكيف يجوز بيعها.

و ان شئت قلت بقائها علي الوقفية و جواز بيعها متنافيان. و أما علي الثاني فمرجعه الي انقضاء امد الوقف و انتفاء العنوان فلا موضوع للبحث.

و ربما يقال في تقريب وجه الجواز في الصورة المفروضة ان قوام الوقفية بالصورة النوعية و مع زوالها يزول العنوان فلا مانع عن البيع.

و يرد عليه أولا انه علي هذا التقريب لو تبدلت الصورة النوعية الي صورة نوعية اخري يلزم بطلان الوقف و هل يمكن الالتزام به؟

و ثانيا انه لا وجه للبطلان فان الوقف كالبيع فكما ان بيع الدار لا يبطل بخرابها كذلك لا يبطل الوقف بخرابه.

و ثالثا ان بطلان عنوان الوقف علي القول به لا يستلزم جواز بيعه بل لازمه اما انتقال العين الي ملك الواقف و ما صيرورته ملكا للبطن الموجود و اما صيرورته من المباحات الاصلية و علي جميع التقادير لا يترتب عليه جواز البيع هذا تمام الكلام في المقام الثاني.

و أما

المقام الثالث [في أنه علي اي تقدير هل هناك دليل يقتضي جواز البيع أم لا؟]
اشارة

فنقول الظاهر ان

ما يمكن أن يستند إليه القائل بالجواز وجهان:
الوجه الأول: التسالم و السيرة الخارجية علي البيع

في الصورة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 63

المفروضة فان ثبت التسالم أو السيرة الجارية بين المتشرعة علي البيع في الصورة المفروضة يتم الامر و لا يبقي اشكال في البين.

الوجه الثاني ان يقال ان غرض الواقف بقاء العين اصالة أو بدلا و انتفاع الموقوف عليهم و لا يحصل الفرض المذكور الا بالبيع

و التبديل هذا من ناحية و من ناحية اخري الوقوف علي حسب ما أوقفها أهلها الخ. فالجمع بين الادلة يقتضي جواز بيعه و تبديله بما يكون قابلا للانتفاع.

و يمكن أن يرد علي التقريب المذكور ان الوقف متقوم بالسكون و عدم الحركة فما دام العنوان باقيا لا مجال لبيعه و مع زوال العنوان يكون الموضوع زائلا و مع انتفاء الموضوع لا مجال للبحث فتأمل.

و مع عدم تمامية الوجهين المذكورين يلزم ان يقال بان العين بعد خرابها تنتقل الي الواقف و تدخل فيما تركه و تورث.

«قوله قدس سره: و تضعيف قول من قال ببطلان العقد اذا حكم بجواز بيعه»

بل هذا القول قوي اذ المفروض انه اخذ في قوام الوقف السكون فاذا فرض انه لا مجال لسكونه لعدم امكان الانتفاع به يلزم بطلانه.

و بعبارة اخري: يكون الوقف موقتا بهذا الوقت فلا يكون قابلا لان يبقي علي صفة الوقفية لانهدام ركنه اذ قد فرض ان قوامه بكونه قابلا للانتفاع بعينه و المفروض عدمه.

و لا مجال لان يقال ان الوقوف علي حسب ما اوقفها أهلها الخ يقتضي جواز بيعه. بمقتضي جعل الواقف اذ بعد الخراب و عدم القابلية للانتفاع اما وقف و اما ملك أما علي الاول فلا يجوز بيعه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 64

بمقتضي دليل المنع و جعل الواقف جواز بيعه خلاف المقرر الشرعي.

و أما علي الثاني فلا موضوع للبحث فالحق أن يقال: ان العين بعد خرابها و عدم قابليتها للانتفاع تكون مملوكة للواقف بالملك

الاولي أي لا تخرج عن ملكه الا هذا المقدار.

«قوله قدس سره: ان جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف».

بما ذكرنا علم التنافي بين الامرين اذ مع بقاء كونه وقفا لا يجوز بيعه و مع انتفاء العنوان لا موضوع للبحث.

«قوله قدس سره: و الحاصل ان الامر دائر بين تعطيله»

الخ.

أقول: نلتزم بكونه باقيا في ملك الواقف لعدم المقتضي للخروج عن ملكه الا هذا المقدار فيكون كبقية املاكه و لا يضيع حق أحد.

ان قلت: الوقف قد اشرب فيه التأبيد و بقائه بعد خرابه في ملك الواقف ينافي التأبيد.

قلت: لا دليل علي هذه الدعوي بل مقتضي القاعدة ان الامر بيد الواقف و لذا يجوز الوقف الموقت مضافا الي ان المفروض عدم كون العين قابلة لبقائها موقوفة.

«قوله قدس سره: فلا يبقي ما كان في ضمنه».

كون المنع مقيدا بهذا القيد لا دليل عليه فان الدليل قائم علي حرمة بيع الوقف فلا مانع عن الاستصحاب من هذه الجهة نعم لا تصل النوبة الي الاستصحاب اذ قد فرضنا انتهاء امد الوقف فلا موضوع للحرمة مضافا الي ان جريان الاستصحاب في الحكم الكلي ممنوع عندنا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 65

«قوله قدس سره: فتأمل».

لعل الامر بالتأمل اشارة الي أنه لا وجه لصيرورة العين مملوكة للطبقة الموجودة لعدم المقتضي بل القاعدة تقتضي رجوعها أو بقائها في ملك الواقف كما قلنا و اللّه العالم.

و أفاد سيدنا الاستاد في مقام تقريب جواز بيع الوقف بعد سقوطه عن الانتفاع وجوها.
الوجه الأول: ان المستفاد من الادلة ان الوقفية باقية الي أن يرث اللّه الارض

فاذا سقط الموقوف عن قابلية الانتفاع به و قلنا بعدم جواز بيعه و تبديله بما يكون بدلا له في الوقفية لا يصدق العنوان المذكور.

و يرد عليه أولا: انه لو فرض انعدام الموقوف أو سقوطه عن المالية بالكلية بحيث لا يباع أو صار بحيث لا يمكن بيعه من جهة اخري

فما ذا يترتب عليه و هل يكون الوقف صحيحا أم يكون باطلا؟

و العين المفروضة بهذا الوصف يكون لمن؟ هل يمكن الالتزام ببقائه وقفا؟ أم يلزم القول بانتهاء امد الوقف.

و ثانيا انه يستفاد من النص الخاص صحة الوقف علي نحو الاطلاق و لا يختص بقسم خاص.

و بعبارة اخري لا يلاحظ فيه التأبيد بهذا النحو لاحظ ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام اسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو فقد روي ان الوقف اذا كان غير موقت فهو باطل مردود علي الورثة و اذا كان موقّتا فهو صحيح ممضي، قال قوم: ان الموقت هو الذي يذكر فيه انه وقف علي فلان و عقبه فاذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الي ان يرث اللّه الارض و من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 66

عليها، و قال آخرون: هذا موقّت اذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الي ان يرث اللّه الارض و من عليها و الذي هو غير موقّت ان يقول هذا وقف و لم يذكر احدا فما الذي يصحّ من ذلك و ما الذي يبطل؟ فوقع عليه السلام: الوقوف بحسب ما يوقفها ان شاء اللّه «1».

الوجه الثاني: ان ادلة المنع عن البيع لا تشمل الصورة المفروضة

فان تلك الادلة امضائية لا تأسيسية و المفروض ان غرض الواقف ابقاء الوقفية و لو بالبدل و بعبارة اخري الوقوف علي حسب الخ فان الواقف هكذا وقف و الشارع امضي إنشاء الواقف فيجوز بيعه.

و يرد عليه: أولا انه لو فرض ان العين الموقوفة لا يمكن الانتفاع بها كالحيوان المذبوح و لا يمكن بيعه فهل الوقفية باقية أم لا؟

و ثانيا: ان ما ادعاه من كون

المنع امضائي بلا دليل اذ المستفاد من الدليل الشرعي عدم جواز بيع الوقف فنسأل ان العين بعد سقوطها و خرابها هل تكون وقفا أم لا؟ أما علي الاول فلا يجوز بيعها و أما علي الثاني فلا موضوع.

و ان شئت قلت: الحكم الشرعي أي عدم الجواز تابع للموضوع لا ان الموضوع تابع للحكم الشرعي و بعبارة واضحة: الحكم الشرعي متأخر عن الموضوع رتبة فلا بد من التحفظ علي الموضوع في الرتبة المتقدمة.

و ثالثا: ان جواز البيع ينافي اطلاق المنع المستفاد من كلامه عليه السلام فان قوله عليه السلام في حديث ابن الراشد لا يجوز شراء

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 67

الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك «1». يقتضي عدم الجواز حتي مع اعتبار الواقف البيع فان الحكم الشرعي لا يكون تابعا لجعل المكلف.

و رابعا انه بعد فرض المنع الشرعي كيف يمكن للواقف ان يعتبر بيعه.

و خامسا ان بيع الوقف تحريكه فعنوان الوقف يضاد عنوان البيع و عليه نقول اعتبار الواقف بيعه مع بقاء الوقفية أو مع انتفاء العنوان؟ أما علي الاول فجمع بين الضدين و اما علي الثاني فالموضوع منتف فلا مجال للبحث.

الوجه الثالث: العمومات الدالة علي صحة المعاملات

و هي قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

بتقريب انه بعد عدم المانع عن البيع و عدم شمول دليل المنع يكون مقتضي هذه الادلة جواز بيعه بعد سقوطه عن درجة الاعتبار.

و يرد عليه أولا: انه قد مرّ آنفا ان دليل المنع بإطلاقه يقتضي المنع مع التحفظ علي عنوان الوقفية.

و ثانيا: ان الاستدلال بها للجواز مخدوش اما آية وجوب الوفاء فقد ذكرنا مرارا انها لا تكون

دليلا علي الصحة بل هي دليل اللزوم بتقريب ان الاهمال غير ممكن في الواقع فالعقد الموضوع للحكم اما خصوص الفاسد أو الاعم منه أو خصوص الصحيح.

أما الاول و الثاني فغير ممكن و أما الثالث فقد فرض فيه الصحة فالآية دليل اللزوم لا الصحة و اما قوله «احل اللّه البيع» فقد قيد بقوله لا تبع ما ليس عندك فان المفروض ان الوقف لا يكون ملكا طلقا

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 43.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 68

و ليس لاحد بيعه و الا جاز بيعه و لو بدون عروض الخراب و الحال انه مقطوع البطلان.

و أما قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» فان قلنا بان التجارة عبارة عن البيع فعدم الجواز ظاهر لما قلنا في تقريب المنع عن الاخذ بدليل حلية البيع و ان قلنا بكونها اعم من البيع فأيضا لا يجوز الاخذ به اذ منع عن بيعه ما ليس عنده و أيضا مقتضي الوقف السكون و عدم الحركة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا يظهر ان الثمن علي تقدير البيع لا يخص به البطن الموجود»

الخ.

قد وقع الخلاف بين الاصحاب في انه اذا بيع الموقوف فهل يختص البطن الموجود بالثمن او لا يختص؟ بل هو للبطن الموجود و المعدوم ذهب الي القول الاول المحقق في الشرائع و اختار القول الثاني جملة من الاعاظم منهم العلامة و الشهيدان و غيرهم.

و اختار الماتن القول الثاني لاقتضاء البدلية ذلك اذ المفروض ان العين مملوكة للموجودين بالفعل و للمعدومين.

ان قلت: كيف يمكن اعتبار الملكية للمعدوم؟ قلت الاعتبار خفيف المئونة فلا مانع عن الاعتبار هكذا، نعم يمكن اعتبار الملك الفعلي للموجود و المعدوم.

ان قلت: الملك الانشائي ليس شيئا قلت:

يكذبه الوجدان فان الوجدان شاهد علي صحته أو فقل ادل الدليل علي امكان الشي ء وقوعه و نحن نشاهد أن الواقف هكذا يقف العين الموقوفة فلو جاز خروج العين عن الملك و عدم دخول عوضها في الملك بذلك النحو من الملكية جاز خروجها عن الملك و عدم دخول عوضها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 69

في ملك الموجودين أيضا و لا يمكن الالتزام به أي لا يمكن الالتزام بدخوله في ملك الموجودين فقط فان قانون العوضية يقتضي المبادلة علي نحو ما كان قبل ذلك.

و لا وجه لما أفاد بعضهم من اختصاص البطن الموجود بالثمن اذ ما ينتقل الي المشتري اما اختصاص خاص و اما مطلق الاختصاص اما علي الاول فيكون ملكه للعين موقتا و بعد انقراض البطن الموجود ترجع العين الي البطن اللاحق و اما علي الثاني فلا بد من الالتزام بعدم الاختصاص.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الاشكال كل الاشكال في اثبات جواز البيع بالدليل الشرعي فان لم يثبت و لم يقم الدليل عليه لا بدّ من الالتزام بزوال الوقفية و كون العين مملوكة للواقف ان كان حيا و لوارثه ان فرض مماته و ان تم الدليل علي بيع الوقف.

فالقاعدة تقتضي تعنون البدل بعنوان المبدل اذ المفروض وقوع البيع علي المعنون بعنوان الوقفية فما دام لا يتصرف فيه بتصرف خارجي يكون مقتضي المعاوضة المبادلة في طرفي الاضافة فما أفاده الماتن قدس سره تام لا غبار عليه.

و يمكن أن يقال: ان النتيجة تفترق بمقتضي الدليل فان كان الدليل علي جواز البيع اطلاق قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها فلا بد من ملاحظة إنشاء الواقف و انه باي نحو انشأ الوقف.

و ان كان

الدليل الاجماع و التسالم لا بدّ من العمل بالمقدار المعلوم منه.

و ان كان الدليل النص الخاص فأيضا لا بدّ من ملاحظته بخصوصياته

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 70

فلا يمكن الحكم علي نحو واحد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا تعرف ان اشتراك البطون في الثمن اولي من اشتراكهم في دية العبد المقتول»

الامر كما أفاده فان الدية بحكم الشرع المترتبة علي القتل فيمكن فيها الاختصاص و اما في المقام فالمبادلة امر قهري و خلافه يحتاج الي قيام الدليل عليه.

«قوله قدس سره: و من هنا اتضح أيضا ان هذا اولي بالحكم من بدل الرهن». الخ

الامر كما افاده فان الاختصاص المتعلق بالبطن اللاحق في عرض الاختصاص المتعلق بالبطن الموجود من حيث إنشاء الواقف غاية الامر تحقق الملكية اللاحقة متأخرة عن الملكية الفعلية في الوجود بخلاف الرهن فانه قائم بالعين من حيث كونها مملوكة للراهن و مع زوال الملكية ينتفي حق الرهانة و لا مقتضي لثبوته في البدل.

و أما في المقام فان المبيع مملوك لجميع الطبقات و المبادلة تقتضي ان كل واحد من العوضين يدخل مكان الاخر.

«قوله قدس سره: و الا ابدل مكانه ما هو اصلح»

يرد عليه ان البدل اما وقف و اما لا. أما علي الاول فلا وجه لجواز تبديله مع قيام الدليل علي المنع عن بيع الوقف و أما علي الثاني فلا موضوع للبحث

مضافا الي انه ما الفرق بين الاصل و البدل فان تبديل الوقف ان كان اصلح للموقوف عليه فهل يجوز و هل يمكن أن يقال ان التبديل أقرب الي غرض الواقف.

و مخلص الكلام انه ان قلنا بان الوقف علي حسب إنشاء الواقف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 71

فيجوز كل شي ء و

يجوز أيضا تبديل اصل الوقف ببدل و ان لم نقل به فما هو المجوز في تبديل البدل بالاصلح و ببيان واضح ان مقتضي التقريب المذكور جواز التبديل بالاصلح علي الاطلاق و هل يمكن الالتزام به.

«قوله قدس سره: و ليس مثل الاصل ممنوعا»

الخ قد ظهر مما ذكرنا ان حكم البدل حكم الاصل فان الامر دائر بين كون البدل وقفا و عدمه فعلي الاول يكون كالمبدل في جميع الاحكام و علي الثاني يكون خارجا عن محور البحث.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف»

الخ الذي يخطر بالبال ان يقال اذا قلنا الامر بيد الواقف و يلزم رعاية انشائه فلا بد من ملاحظته و ان انشائه باي شي ء تعلق نعم غرض الواقف لا مدخلية له بل الدخل لانشائه الا أن يكون الغرض بحيث يكون متعلق الانشاء و لو بالارتكاز الّذي يرتب عليه الاثر و علي اي تقدير لا وجه لرعاية مصلحة البطون بل لا بدّ من رعاية جعل الواقف.

«قوله قدس سره: و الا صرف الثمن الي الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء»

الخ الظاهر انه لا وجه له فان الوقف متقوم بحبس العين و تسبيل المنفعة فلا وجه لكون العين للموجودين بل مقتضي القاعدة كون العين للواقف بعد عدم امكان بقائها وقفا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: ثم ان المتولي للبيع هو البطن الموجود»

الخ وقع الخلاف بينهم في تعيين من يتصدي للبيع و افاد سيدنا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 72

الاستاد قدس سره بانه لو لم يكن للوقف متول شرعي تكون ولاية البيع للبطن الموجود إذ هم المالكون بالفعل فالولاية لهم.

و يرد عليه ان ملكية البطن الموجود محدودة الي زمان بقائهم و

عليه البطن الموجود اما يملك العين ملكية موقتة بحيث تنتقل العين بعد انقراضهم الي الطبقة اللاحقة و اما يملك الملكية المطلقة اما علي الثاني فالظاهران سيدنا الاستاد لا يلتزم به و اما علي الاول فليس لهم هذه الولاية و لا مقتضي لها.

و الذي يختلج بالبال ان يقال الوقف اما له متول و اما لا أما علي الاول فالامر منحصر فيه و هو الذي يكون له الولاية ليس الا، اذ مع وجود المتولي ليس لغيره حق الدخالة في امر الوقف و أما علي الثاني فلا بد من أن يتصدي الحاكم الشرعي لانه قد مر آنفا ان ملكية البطن الموجود موقتة و لا بدّ في صحة البيع من كون البائع مالكا بمقتضي قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك فالحق أن يفصل في المقام بهذا النحو فلاحظ و اغتنم.

«قوله قدس سره: و الظاهر سقوط نظارته عز بدل الوقف».

لا أدري ما الوجه في الظهور المدعي و قال سيدنا الاستاد قدس سره لو جعل الواقف النظارة له علي البدل كما كانت له في الاصل تكون النظارة له و الا يكون الامر بيد البطن الموجود بمقتضي قاعدة تسلط الناس علي اموالهم.

و الذي يمكن ان يقال في المقام انه ان قلنا ان مقتضي القاعدة ان جميع الآثار المترتبة علي المبدل تترتب علي البدل لا بدّ من الالتزام بكون الولاية بيد المتولي كما كانت له في المبدل و اما ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 73

لم نقل بهذه المقالة و قلنا المتبع جعل الواقف فلا بد من ملاحظة مقدار جعله فعلي تقدير جعل الولاية و النظارة للناظر علي الاطلاق نلتزم بكون الولاية له في البدل كما كانت في الاصل

و اما ان لم يكن كذلك فلا بد من تصدي الحاكم الشرعي فانه هو المرجع في الامور العامة و لا وجه لما افاده سيدنا الاستاد قدس سره اذا البطن الموجود ليس مالكا علي الاطلاق بل ملكيته موقتة كما مر الكلام حوله قريبا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: ثم انه لو لم يمكن شراء بدله و لم يكن الثمن مما ينتفع به»

الخ الامر كما افاده اذ لا وجه لدفعه الي البطن الموجود فانه لا مقتضي للاختصاص لكن يتوجه هذا السؤال و هو انه كيف يجوز بيع الوقف مع قيام الدليل علي عدم جواز بيعه و قيام الدليل علي أن الوقف متقوم بالسكون و عدم الحركة فانه مقتضي قوله عليه السلام في تلك الرواية صدقة لا تباع و لا توهب.

مضافا الي انه بعد البيع و تبديل العين الموقوفة بالثمن نسأل ان الثمن قد فرض عدم كونه وقفا بل ثمن الوقف و الوقف قد ابدل بثمنه فيلزم زوال الوقفية مدة من الزمان و الحال ان الوقف اذا زالت عنه الوقفية فما المقتضي لرجوعها بعد ذلك و بايّ دليل يلتزم بهذه الامور.

ان قلت: كل هذه الفروع ناشية و متفرعة علي قاعدة الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها قلت: نسأل ان هذه القاعدة اما مشرعة للاحكام الشرعية و اما ناظرة الي جعل الوقف للموقوف عليه بايّ نحو من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 74

الانحاء المتعارفة

أما علي الاول فيلزم ان يكون للواقف كل اعتبار و كل جعل حتي لو قال و يوهب الوقف لغير الموقوف عليه و هذا بديهي البطلان و اما علي الثاني فما الوجه في الالتزام بجواز هذه الخصوصيات.

ان قلت: يمكن اتمام الامر في جملة من هذه

الفروع بقاعدة نفوذ الشرط و المؤمنون عند شروطهم.

قلت: الوقف من الايقاعات و لا مجال لتصور الاشتراط فيه فان الشرط ربط بين الامرين فلا بد من تعليق احد الالتزامين بالالتزام الاخر الا أن يقال بأنه لا تنافي بين الامرين مضافا الي ان الشرط المخالف للشرع فاسد و لا مجال له و المفروض ان بيع الوقف غير مشروع.

«قوله قدس سره: و لو طلب ذلك البطن الموجود فلا يبعد وجوب اجابته»

الخ بل يبعد فان طلب البطن الموجود و عدم طلبه و رضاه و عدمه لا دخل له في الجواز و عدمه و كذا في الوجوب و عدمه فان امر الوقف راجع الي المتولي ان كان و الا فالي الحاكم الشرعي اذ الموقوف عليه لا يكون مالكا ملكا طلقا كي يتصور فيه ما ذكر بل المتبع مقدار دلالة الادلة الواردة في الوقف فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع»

الخ لوحدة الملاك و انه لو كان الخراب مقتضيا لجواز البيع فيجوز في البعض و الكل بلا فرق.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 75

«قوله قدس سره: جاز مع رضا الكل»

الخ الظاهر انه لا دخل لرضا الموقوف عليه كما سبق بل الامر بيد المتولي ان كان و الا فالامر موكول الي نظر الحاكم الشرعي.

«قوله قدس سره: فلا ينبغي الاشكال في عدم الجواز»

اذا كان المدار في الجواز و عدمه مقدار جعل الواقف و ان المتبع انشائه فلا وجه للجزم بالبطلان بل لا بدّ من ملاحظة انشائه و ان كان الميزان ملاحظة مقدار دلالة النصوص فلا بد من الالتزام بفساد بيع الوقف علي الاطلاق و ان كان الميزان تحقق الاجماع علي الجواز او علي المنع فلا

بد من ملاحظة معاقده فلاحظ.

«قوله قدس سره: من عدم دليل علي الجواز»

الخ تارة نقول الدليل علي الجواز الاجماع فيمكن ان يقال ان معقده لا يشمل مفروض الكلام و اخري يكون الدليل علي الجواز النص الخاص فيمكن ان يقال ان ظاهره لا يشمل المقام.

و ثالثة نقول ان الدليل علي الجواز ان الواقف هكذا اوقف و الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها و ليس المنع الشرعي عن البيع منعا تأسيسيا بل المنع الشرعي امضائي فلا بد من ملاحظة ما يفهم عرفا من كلام الواقف.

و الانصاف ان كلمات القوم في المقام مضطربة و نعم ما قال صاحب الجواهر من ان جواز البيع يستلزم بطلان الوقف فان الوقف بحسب الانشاء و الجعل ينافي جواز البيع اذ الوقوف و السكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 76

يضادان الحركة و من ناحية اخري الوقف عبارة عن جعل العين ساكنة و غير محتركة بالحركة الاعتبارية.

«قوله قدس سره: ثم انك عرفت فيما سبق انه ذكر بعض ان جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف و عرفت وجه النظر فيه»

المراد من البعض المذكور في كلامه صاحب الجواهر قدس سره و الحق ان ما أفاده تام و لم نعرف وجها صحيحا للنظر فيه.

«قوله قدس سره: مع انه لا دليل عليه».

كيف لا دليل عليه مع ان الوقف بذاته يقتضي البقاء و السكون و من ناحية اخري قد دل النص الخاص علي عدم جواز بيعه فالمقتضي لعدم البيع و المانع كلاهما تامان فلاحظ.

«قوله قدس سره: يكفي وجود حين النقل»

الخ القياس مع الفارق فان الوقف بذاته يقتضي الوقوف فلا يعقل كونه باقيا علي الوقفية و مع ذلك يجري فيه النقل و الحركة مثلا هل يمكن

ان يقال ان الزوجية الدائمية لا تنافي عدم الزوجية بعد سنة؟ كلا.

«قوله قدس سره: لا يوجب الحكم بالبطلان».

بل يوجب كما بيناه تفصيلا فلا نعيد.

«قوله قدس سره: ثم ذكران في عود الوقف الي ملك الواقف او وارثه بعد البطلان أو الموقوف عليه وجهين»

الخ الظاهر انه لصيرورة العين مملوكة للموقوف عليهم لان جعل الوقف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 77

اما شامل لصورة الخراب و اما غير شامل اما علي الاول فالوقف باق بحاله و اما علي الثاني فتكون العين باقية في ملك الواقف فمع حياته تكون له و مع وفاته تكون لورثته فلاحظ.

[الصورة الثانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به]

«قوله قدس سره: فلا شك انه ليس الا كقوله بعت»

الخ لا اشكال في ان البائع يعتبر ملكية المبيع للمشتري كما تكون لنفسه مثلا لو باع زيد داره من عمرو يكون بيعه للدار عبارة عن تمليك الدار ملكية كملكية نفس البائع للدار اي يملك الدار من المشتري كما كانت لنفسه فلا مجال لتوهم كون بقاء الملكية دائر مدار بقاء عنوان الدار و اما في الوقف فلا بد من ملاحظة نظر الواقف و ان وقفه دائر مدار العنوان أم لا فعلي فرض الدوران فلا مقتضي لبقاء الوقف بعد زوال عنوان الدارية فلاحظ.

«قوله قدس سره: علي عدم عوده إليه ابدا».

لا تنافي بين الامرين فان الوقف ما دام باقيا لا يعود الي الواقف لكن الكلام في انه بعد زوال العنوان هل يكون الوقف باقيا أم لا.

[الصورة الثالثة أن يخرب بحيث تقل منفعته لكن لا إلي حد يلحق بالمعدوم]

«قوله قدس سره: و الاقوي هنا المنع»

الخ قد ذكرنا سابقا انه لا بدّ من ملاحظة مدرك الحكم و الحكم علي طبقه.

[الصورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف]

«قوله قدس سره: لوجود مقتضي المنع و هو وجوب العمل علي طبق إنشاء الواقف».

اذا كان المنع من حيث إنشاء الواقف يلزم القول بالجواز في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 78

صورة إنشاء الواقف بهذا النحو بان يشترط و يقيد البيع بصورة كونه اعود و هل يمكن الالتزام بالجواز علي الاطلاق تبعا لانشاء الواقف مع المنع الشرعي عن بيع الوقف.

مضافا الي أن الواقف هل يمكن له اعتبار العين موقوفة و ساكنة عن الحركة و مع ذلك يرخص في البيع في تقدير خاص و علي الجملة لا يمكن بقاء عنوان الوقفية مع تحقق الحركة الاعتبارية و الانتقال فانه جمع بين المتنافيين فلا اشكال في عدم جواز البيع لما ذكرنا و لما دل النص علي عدم جواز بيع الوقف علي الاطلاق و الخروج عن هذه الكلية يحتاج الي قيام دليل علي الخلاف.

و ربما يتوهم امكان الاستدلال علي الجواز بحديثين احدهما ما رواه جعفر بن حنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وقف غلة له علي قرابته من ابيه و قرابته من أمه و اوصي لرجل و لعقبه ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي علي قرابته من ابيه و قرابته من أمه فقال جائز للذي اوصي له بذلك.

قلت أ رأيت ان لم يخرج من غلة الارض التي وقفها الا خمسمائة درهم فقال أ ليس في وصيته ان يعطي الّذي اوصي له من الغلة ثلاثمائة درهم و يقسم الباقي علي قرابته من ابيه و قرابته من أمه قلت:

نعم قال ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتي يوفوا الموصي له ثلاثمائة درهم ثم لهم ما يبقي بعد ذلك.

قلت: أ رأيت ان مات الّذي اوصي له قال ان مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها بينهم فاما اذا انقطع ورثته فلم يبق منهم احد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد ما يخرج من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 79

الوقف ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلة قلت فللورثة من قرابة الميت ان يبيعوا الارض ان احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلة قال نعم اذ ارضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث جواز البيع في صورة كون البيع اعود.

و يرد عليه ان الرواية ضعيفة سندا فان جعفر بن حنان راوي الحديث لم يوثق فالحديث ساقط عن الاعتبار و عمل المشهور به علي تقدير تحققه و ثبوته لا اثر له كما ذكرنا مرارا.

مضافا الي الاشكالات الواردة في متن الحديث و لا تخفي تلك الاشكالات علي الخبير.

ثانيهما ما رواه في الاحتجاج مرسلا عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السلام انه كتب إليه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور اذا كان الوقف علي قوم باعيانهم و اعقابهم فاجتمع اهل الوقف علي بيعه و كان ذلك اصلح لهم ان يبيعوه فهل يجوزان يشتري من بعضهم ان لم يجتمعوا كلهم علي البيع أم لا يجوز الا ان يجتمعوا كلهم علي ذلك و عن الوقف الّذي لا يجوز بيعه و اذا كان علي قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون علي بيعه مجتمعين و متفرقين ان شاء اللّه «2».

______________________________

(1) الوسائل

الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 8.

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث 9 و احتجاج الطبرسي ص 274.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 80

و المرسل لا اعتبار به و لا جابر لضعفه فالنتيجة انه لا دليل علي المدعي و لكن يمكن القول باعتبار السند اذ الطبرسي ينقل الحديث عن كتاب الحميري و الظاهر من الاخبار كونه حسيا فيكون الخبر حجة و قابلا للاعتماد و عليه لا بأس بالالتزام بجواز البيع في الصورة المفروضة.

[الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة]

«قوله قدس سره: لمن يقدر علي مئونة سنته».

الظاهر ان مرجعه الي الخلف اذ مع تحقق الحاجة الشديدة يصدق انه لا يكون قادرا علي مئونة سنته في هذه السنة فلاحظ.

[الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة أو إذا كان فيه مصلحة]
اشارة

«قوله قدس سره: فاولي بالجواز انتهي».

قد مرّ منّا ان اعتبار الوقف من قبل الواقف مع تجويز البيع متنافيان مضافا الي انه لا وجه للاولوية اذ مع عدم قيام دليل علي الجواز يكون اشتراط البيع فاسدا و مع قيام الدليل عليه يكون البيع جائزا بلا دخل لشرط الواقف فشرط الواقف و عدمه سيّان.

«قوله قدس سره: اقول و يمكن ان يقال بعد التمسك في الجواز بعموم»

الخ قد تكرر منا ان الوقف يضاد البيع فلا بد من رفع اليد عن الوقف عند اعتبار وقوع البيع فيه فلا مجال للاخذ بعموم قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها علي جواز بيع الوقف مع كونه وقفا.

و أما الاستدلال علي الجواز بعموم وجوب الوفاء بالشرط فيرد عليه أولا انا ذكرنا ان الشرط و هو التعليق و الارتباط يستلزم التعدد فلا يتحقق في الايقاع اللهم الا ان يقال عنوان الشرط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 81

لا يتحقق الا مع ارتباط احد الامرين بالآخر و في المقام يمكن ارتباط البيع بالحاجة مثلا فلا تنافي بين كون الوقف ايقاعا و تحقق الشرط فيه.

و ثانيا ان الشرط المخالف للشرع غير مشروع و المفروض انه قد ثبت بالدليل عدم جواز بيع الوقف الا في بعض الصور المنصوص عليه.

«قوله قدس سره: فان التحقيق كما عرفت سابقا»

الخ بل عرفنا خلافه و قلنا ان الوقف ينافي الانتقال فلا يصح بيعه.

«قوله قدس سره: ثم انه لو سلم المنافاة فانما بيعه للبطن الموجود»

الخ بل الوقف ينافي البيع علي

الاطلاق نعم لو قام دليل شرعي علي جواز بيعه كما هو كذلك في الجملة نأخذ بذلك الدليل فان حكم الشارع في كل مورد متبع

«قوله قدس سره: فتأمل».

لعله بامره بالتأمل يشير الي فساد اصل المبني و هو عدم التنافي بين الوقف و البيع و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: ثم انه روي صحيحا في الكافي»

الخ

ما يمكن أن يقال في تقريب الجواز في هذه الصورة وجوه
الوجه الاول الاجماع.

و فيه انه كيف يمكن تحصيل الاجماع مع هذا الاختلاف الواقع بين الاصحاب و علي فرض تحصيله محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به و اما الاجماع المنقول فلا اعتبار به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 82

الوجه الثاني قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها

بتقريب ان مقتضي الجملة المذكورة امضاء الشارع إنشاء الواقف بايّ نحو وقع فالامر بيد الواقف.

و يرد عليه أولا: انه قد سبق منا ان اعتبار الوقف و السكون و مع ذلك تجويز البيع جمع بين المتنافيين.

و ثانيا ان قاعدة ان الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها اما في مقام تشريع الحكم الشرعي و ان امر التشريع بيد الواقف و اما لا يكون كذلك أما علي الاول فيلزم جواز كل فعل محرم بانشاء الواقف و هل يمكن الالتزام به.

و أما علي الثاني و هو الصحيح فلا يجوز اعتبار الواقف جواز البيع اذ قد ثبت في الشرع الاقدس عدم جوازه فليس له ذلك.

الوجه الثالث: قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

بتقريب ان المستفاد من الآية صحة كل عقد فيجوز إنشاء الواقف بايّ نحو.

و يرد عليه انا قد ذكرنا مرارا ان الآية الشريفة ناظرة الي لزوم العقد و لا تكون دليلا علي الصحة.

الوجه الرابع: قاعدة نفوذ الشرط

بمقتضي قوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم فكل شرط جائز بحكم الشارع.

و يرد عليه أولا ان القاعدة المذكورة لا تكون مشرعة و الا كان اللازم تجويز كل محرم بالشرط و هو كما تري فلا بد ان يكون الشرط في الرتبة السابقة جائزا و بالشرط يصير واجبا و حيث ان بيع الوقف حرام فلا مجال لان يقع مورد الشرط.

و ثانيا ان شرط البيع ينافي الوقف و مرجع الاشتراط الي الجمع بين المتنافيين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 83

و ثالثا انا لا نتصور الاشتراط و التعليق في الوقف و نحوه من الايقاعيات فان الاشتراط المبحوث عنه في المقام يتصور بين شخصين مثلا يمكن أن يبيع زيد داره من بكر بشرط ان يخيط له ثوبا فان البائع يعلق بيعه علي الالتزام بالخياطة فيتحقق الشرط و يلزم.

و أما فيما لا يكون كذلك كالوقف فتارة يعلق وقفه علي قدوم زيد من السفر فهو ممكن لكن خارج عن محل الكلام و اخري يعلق وقفه علي التزام شخص بامر فهو ممكن لكن أيضا خارج عن محل البحث و ثالثة يعلق وقفه علي التزام نفسه بامر فهل يكون معقولا.

و ان شئت قلت ان الاشتراط يتوقف علي وجود شارط و مشروط عليه فلا بد من التعدد و الاثنينية و اما الشخص الواحد فلا يتصور فيه ان يكون شارطا و أيضا يكون مشروطا عليه فلا يتحقق الاشتراط لكن الظاهر انه يمكن فانه لا مانع عن التزام شخص بامر علي فرض امر

آخر مثلا يمكن ان يلتزم شخص بأن يزور الامام الرضا عليه السلام علي تقدير ان يبرأ ولده من المرض الكذائي و عليه لعله يمكن تصوير الشرط فلاحظ.

الوجه الخامس: ما روي عن علي عليه السلام:

عن عبد الرحمن ابن الحجاج قال: بعث إليّ بهذه الوصية ابو ابراهيم عليه السلام:

هذا ما اوصي به و قضي في ماله عبد اللّه علي ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار و يصرف النار عنّي يوم تبيض وجوه و تسودّ وجوه ان ما كان لي من مال بينبع من مال يعرف لي فيها و ما حولها صدقة و رقيقها غير أبي رياح و ابي نيزر و جبير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 84

عتقاء ليس لاحد عليهم سبيل فهم موالي يعملون في المال خمس حجج و منه نفقتهم و رزقهم و رزق اهاليهم.

و مع ذلك ما كان لي بوادي القري كله مال بني فاطمة و رقيقها صدقة و ما كان لي بذعة و اهلها صدقة غيران رقيقها لهم مثل ما كتبت لاصحابهم و ما كان لي بأذينة و اهلها صدقة و القصيرة كما قد علمتهم صدقة في سبيل اللّه و ان الّذي كتبت من اموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا انا او ميتا ينفق في كل نفقة ابتغي بها وجه اللّه في سبيل اللّه و وجهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب و القريب و انه يقوم علي ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد اللّه في حل محلل لا حرج عليه فيه.

فان أراد يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل ان شاء لا حرج عليه فيه و ان شاء جعله شروي الملك و ان

ولد علي و اموالهم الي الحسن بن علي و ان كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له ان يبيعها فليبعها ان شاء لا حرج عليه فيه و ان باع فانه يقسمها ثلاثة اثلاث فيجعل ثلثا في سبيل اللّه و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطلب و يجعل ثلثا في آل أبي طالب و انه يضعهم حيث يريد اللّه.

و ان حدث بحسن بن علي حدث و حسين حيّ فانه الي حسين بن علي و ان حسينا يفعل فيه مثل الّذي امرت به حسنا له مثل الّذي كتبت للحسن و عليه مثل الذي علي الحسن و ان الذي لبني ابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي و انّي انما جعلت الذي جعلت لا بني فاطمة ابتغاء وجه اللّه و تكريم حرمة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و تعظيمها و تشريفها و رضاهما بهما و ان حدث بحسن و حسين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 85

حدث فان الاخر منهما ينظر في بني علي فان وجد فيهم من يرضي بهداه و اسلامه و امانته فانه يجعله إليه ان شاء.

فان لم ير منهم بعض الذي يريد فانه في بني ابني فاطمة فان وجد فيهم من يرضي بهداه و اسلامه و امانته فانه يجعله إليه ان شاء فان لم ير فيهم بعض الّذي يريد فانه يجعله الي رجل من آل أبي طالب يرضي به فان وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم و ذوو آرائهم فانه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم و انه شرط علي الّذي يجعله إليه ان يترك المال علي اصوله و ينفق الثمرة حيث امره به من

سبيل اللّه و وجوهه و ذوي الرحم من بني هاشم و بني المطلب و القريب و البعيد لا يباع منه و لا يوهب و لا يورث و ان مال محمد بن علي ناحية و هو الي ابني فاطمة و ان رقيقي الذين في الصحيفة الصغيرة التي كتبت عتقاء هذا ما قضي به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قد الحديث «1».

و هذه الرواية من حيث السند لا اشكال فيها و اما من حيث المتن فمضطربة من جهات.

منها قوله عليه السلام «فهم موالي يعملون في المال خمس حجج» الخ فان الظاهران المراد من المال في هذه الجملة المال الموقوف و عليه ما معني عملهم في الوقف و ما المراد من عملهم فيه و الحال ان امر الوقف بيد المتولي و ليس للواقف اختيار بعد اتمام الوقف اللهم الا أن يكون المراد انهم يتولون امر الوقف خمس سنوات.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 3 فروع كافي ج 7 ص 49 الحديث 7 مرآت العقول ج 23 ص 83 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 86

و منها قوله عليه السلام «فان اراد أن يبيع نصيبا من المال» الخ و لم يلتزم الاصحاب بجواز بيع الوقف بهذا النحو.

ان قلت: اعراض المشهور عن الرواية المعتبرة لا يوجب سقوطها عن الاعتبار قلت: عدم الجواز بهذا النحو من الواضحات بحيث لا يمكن الالتزام به اذ لا يجوز بيع الوقف عندهم الا في موارد خاصة.

مضافا الي أنه ما الوجه في قضاء الدين بثمن ما يباع و الحال ان بيع الوقف يقتضي صيرورة الثمن ملكا للموقوف عليه لا انه يقضي به الدين الا

ان يكون المراد ان امد الوقف يقضي عند بيعه فيكون الامر بقضاء الدين من باب الوصية و هذا امر آخر خلاف ما ارادوا اثباته بالحديث..

اضف الي ذلك انه ما المراد من قوله عليه السلام «و ان شاء جعله شروي الملك» فان المراد من هذه الكلمة في اللغة عبارة عن النفيس و جعله نفيسا من الملك ما معناه.

و منها قوله عليه السلام: «و ان كانت دار حسن بن علي غير دار الصدقة» الخ فان دار حسن بن علي عليه السلام ان كانت غير الصدقة و بيعت فباي ميزان يأمره عليه السلام بالتثليث أ ليس أمر داره عليه السلام بيده و باختياره و نعم ما قال الشيخ قدس سره ان التأويل مشكل و العمل اشكل فالنتيجة انه لم يقم دليل علي جواز البيع في هذه الصورة أيضا.

لكن قد تقدم انه يستفاد من الحديث الصادر عن الناحية المقدسة جواز بيع الوقف الخاص علي الاطلاق و حيث لا يمكن الالتزام به

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 87

نرفع اليد عن الاطلاق و نلتزم بالجواز في الجملة، نعم يبقي الاشكال في الاوقاف العامة و الموقوفات للجهات كالوقف للمسجد او للمشاهد المشرفة.

«قوله قدس سره: و قد عرفت ضعفه»

أي عرفت ضعف قول صاحب الجواهر و هو ان تغير عنوان الوقف قد يوجب بطلان الوقف فيجوز بيعه كما لو تغير عنوان الدار و صارت الدار حماما.

اقول: ما عرفنا بطلان القول المذكور اذ لو فرض ان الوقف تعلق بهذا العنوان الخاص بحيث يفهم من كلام الواقف انه جعل المقوم للوقف العنوان الكذائي كالدارية مثلا فيكون مقتضي القاعدة بطلان الوقف بتغير العنوان و هذا ظاهر واضح اذ خلافه خلف و محال و قد تقدم

منا ان قياس الوقف بالبيع مع الفارق فان البيع لا توقف فيه بخلاف الوقف فان التوقيف يتصور فيه فلو قصد الواقف وقف العنوان بما هو كذلك لا بدّ من الالتزام باحد الامرين:

بأن نقول اما يلزم بطلان الوقف من الاول و اما بطلانه بعد تغير العنوان و اما بقائه بعد التغير وقفا فلا وجه له اذ بقائه يتوقف علي قصد الواقف بقائه و المفروض عدمه و الاجماع المدعي في المقام لا اعتبار به فان المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل فالنتيجة عدم الجواز في الصورة السابعة أيضا فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الصورة الثامنة ان يقع بين الموقوف عليهم اختلاف»

الخ وقع الكلام في انه لو فرض ان الوقف لو لم يبع يكون بقائه موجبا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 88

للخلاف بين الموقوف عليهم و ربما يؤدي الي قتل النفس أو هتك الحرمة فهل يجوز بيعه أم لا؟ فتارة يتكلم في هذا المقام من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث المستفاد من القواعد الثانوية فيقع الكلام في موضعين.

أما الموضع الاول فنقول: لا وجه لجواز بيع الوقف و لا مجال لرفع اليد عن الدليل الدال علي فساد البيع و هذا واضح ظاهر.

و أما الموضع الثاني فربما يقال بأن الدليل الدال علي رفع الحكم التكليفي يقتضي الجواز فلا يحرم بيع الوقف اذا كان بقائه و عدم بيعه موجبا لقتل نفس محترمة مثلا.

و لما انجر الكلام الي هنا ينبغي بل يلزم ارسال عنان الكلام و البحث الي جوانب الامر كي لا يتوهم كما توهم بعض الحاضرين من حلقة البحث ان الجواز مقتضي دليل الرفع.

فنقول: المراد من الادلة الثانوية اما قاعدة لا ضرر و اما قاعدة لا حرج و اما حديث الرفع.

أما قاعدة لا

ضرر فاما علي مسلك الشيخ الاصفهاني أي شيخ الشريعة فلا مجال للاستدلال بها علي المدعي اذ مفاد القاعدة علي ذلك المسلك النهي لا النفي.

و أما علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة فالمستفاد منها ان الحكم الشرعي المجعول علي المكلف اذا كان موجبا للضرر عليه يرتفع ذلك الحكم مثلا لو كان الوضوء ضرريا علي المكلف لا يجب عليه بل تصل النوبة الي التيمّم.

و بعبارة اخري يستفاد من دليل لا ضرر ان الحكم الشرعي المجعول من قبل الشارع اذا كان ضرريا علي المكلف يرتفع عنه و اما اذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 89

لم يكن كذلك فلا يستفاد من القاعدة شي ء مثلا لو كان حرمة التزويج في مورد و عدم صحته ضرريا بالنسبة الي شخص كالتزويج بالاخت الرضاعية فلا يستفاد من القاعدة صحته لان القاعدة لا تتكفل للاثبات بل القاعدة متكلفة للنفي.

و أيضا لو كان جعل الحكم علي النحو الكلي ضرريا بالنسبة الي شخص كما لو كان جعل الدية موجبا للضرر بالنسبة الي زيد مثلا فانه يتأذي من الحكم المذكور بحيث يمرض و ربما يموت فهل يمكن ان يقال بأن الحكم المذكور يرتفع فلا تجب الدية و هل التزم بهذا اللازم احد من الفقهاء؟ كلا ثم كلا.

و أما قاعدة لا حرج فمدرك القاعدة عبارة عن قوله تعالي «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و قوله «يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ».

فان المستفاد من الجملتين ان الفعل الحرجي لا يجعل علي المكلف فلا يجب عليه الوضوء الحرجي مثلا و لا يجب عليه الصوم الحرجي و هكذا و لا يستفاد منه جعل ما ليس صحيحا في الشريعة صحيحا فيها و جعل ما لا

يكون طاهرا فيها طاهرا فيها و هكذا.

و أما حديث الرفع فالامر فيه اظهر اذ المستفاد من قوله عليه السلام رفع ما اضطروا إليه أو ما استكرهوا عليه و نحوهما ان الفعل الحرام اذا اضطر المكلف الي فعله يسقط عنه المنع الشرعي و أيضا اذا اضطر المكلف الي ترك واجب شرعي يسقط عنه الوجوب و أيضا لو استكره علي نكاح أو طلاق يكون مورد الاكراه فاسدا شرعا و اما لو اضطر المكلف الي العقد الفاسد كتزويج مرأة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 90

محرمة عليه فهل يكون تزويجه صحيحا؟ كلا ثم كلا.

و الوجه فيه ان التزويج الباطل لا يكون محكوما بحكم كي يرتفع بالاكراه أو الاضطرار و عليه لو اضطر المكلف الي بيع الوقف لا يكون بيعه حراما تكليفا لكن المفروض ان بيع الوقف فاسد شرعا فلا مجال لان يقع صحيحا بالاضطرار أو الاكراه و ان شئت قلت الحكم الشرعي يرتفع بالاضطرار او الاكراه لا عدم الحكم الشرعي مثلا لو اضطر احد في تزويج اخته أو أمه فهل يمكن ان يقال ان التزويج المحرم يصير حلالا و جائزا بالاضطرار او الاكراه؟ كلا.

و الوجه في جميع هذه الموارد ان حديث الرفع يرفع الحكم المجعول من قبل الشارع عند الاكراه أو الاضطرار و بعبارة واضحة ان الشارع الاقدس لا يحكم بالوجوب أو الحرمة أو الصحة عند الاضطرار أو الاكراه و هذا لا يقتضي ان يحكم الشارع بالصحة عند الاضطرار الي عقد فاسد اذ حديث الرفع يقتضي الرفع لا الاثبات.

فتحصل مما تقدم انه لا دليل علي صحة بيع الوقف في شي ء من هذه الموارد و ان القاعدة الاولية تقتضي عدم الجواز فان الوقف بمقتضي جعل الواقف ساكن غير

متحرك كما ان مقتضي المنع الشرعي فساد بيعه الا ان يقوم دليل معتبر علي الجواز فترفع اليد عن القاعدة الاولية بسبب ذلك الدليل.

و أما بحسب القاعدة الثانوية ففي المقام حديث رواه علي بن مهزيار قال: و كتبت إليه ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و انه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده فان كان تري ان يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل انسان منهم ما وقف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 91

له من ذلك أمرته فكتب إليه بخطه و اعلمه ان رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال و النفوس «1».

و هذه الرواية يستفاد منها جواز بيع الوقف في الجملة و لا بدّ من ملاحظتها سندا و دلالة فنقول أما من حيث السند فقد ناقش فيها سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف و ضعف السند.

و لكن الظاهر انه لا اشكال فيها فان سندها تام لا غبار عليه.

و أما من حيث المتن فيشكل الالتزام بمضمونها فانه ذكر في صدر الحديث ان خمس العين وقف له عليه السلام و امر ببيع حصته و الحال انه لم يحصل القبض بعد.

مضافا الي أنه كيف أمر عليه السلام ببيعه و الحال انه لا يجوز بيع الوقف لكن كون الصدر مورد الاشكال لا يوجب سقوط الذيل عن الاعتبار اذا لم يكن فيه اشكال و قد ذكر في ذيل الحديث ما يظهر منه ان الوقف الذي يكون مورد السؤال وقف موقت اذ لولاه يكون الثمن متعلقا لجميع البطون و الحال ان الظاهر من الحديث بل نصه

ان الثمن يختص بالموجودين فلا يمكن الاستدلال به علي جواز بيع الوقف المؤبد.

اضف الي ذلك انه لو كان الوقف موقتا يلزم ان تكون العين في غير زمان الوقف باقيا في ملك الواقف و لا وجه لكونه للموجودين ان قلت الامر بيد الواقف و له أن يجعل الوقف هكذا اي يجعل الوقف

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 6، مرآت العقول ج 23 ص 60 الحديث 30 فروع الكافي ج 7 ص 36 الحديث 30.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 92

بعد انتهاء امده للموجودين قلت لا دليل علي صحة الاعتبار المذكور و الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها لا يكون مشرعا كي يلتزم بهذا اللازم.

اللهم الا ان يقال ان الرواية تدل علي كون الثمن للموجودين فيعلم ان الحكم الشرعي كذلك لكن لازمه الالتزام بكون العين بعد انتهاء الوقف للموجودين بلا فرق بين جعل الواقف كذلك و عدم جعله فان مقتضي الاطلاق المقامي عدم الفرق بين الصورتين و هل يمكن الالتزام به.

و مما يوجب الاشكال في الحديث ان المستفاد من قوله عليه السلام ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف الخ ان مجرد الاختلاف بين الموقوف عليهم يقتضي جواز البيع و لم يلتزم به الاصحاب.

و صفوة القول ان الحديث بماله من المفاد متروك مهجور فلا يكون دليلا علي الجواز في مورد فتوي الاصحاب بالجواز فيكون الالتزام بالجواز علي خلاف القواعد الاولية و الثانوية فلاحظ.

«قوله قدس سره: اما الجواز في الاول فلما مرّ من الدليل»

الخ و قد عرفت الاشكال في الاستدلال علي الجواز بما استدل قدس سره و قلنا لا دليل علي الجواز بل الدليل قائم علي المنع.

«قوله قدس سره: فان

الغرض من عدم البيع»

الخ لا دليل علي مراعاة غرض الواقف بل اللازم مراعاة ما جعله و اعتبره و المفروض انه اعتبر السكون و التوقف و قلنا الحركة تنافي السكون مضافا الي قيام الدليل علي فساد بيع الوقف لاحظ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 93

النصوص التي تدل علي ان قوام الوقف بالبقاء و عدم البيع.

«قوله قدس سره: و انصراف النصوص الي غير هذه الصورة»

لا وجه للانصراف المدعي فان الحكم بعدم الجواز مترتب علي الوقف و المفروض تحقق العنوان في مورد الكلام فاي وجه للانصراف مضافا الي انا ذكرنا ان الواقف اعتبر كون العين ساكنة فنسأل ان البيع يقع علي العين الموقوفة أم يقع علي العين غير الموقوفة اما علي الاول فيلزم اجتماع الضدين و اما علي الثاني فبما ذا زال عنوان الوقفية و صار ملكا طلقا.

اضعف الي ذلك ان بقاء الملكية بعد زوال عنوان الوقف بما ذا ثبت فان التمليك له اسباب خاصة و هذه الملكية الثابتة في العين غير الموقوفة باي سبب تحققت اذ من الظاهر ان قوله عليه السلام الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها لا يكون مشرعا فالانصاف ان اتمام الامر بالصناعة مشكل.

«قوله قدس سره: نعم قد يشكل الامر فيما لو فرض تضرر البطن الموجود»

الخ.

هذا علي فرض تماميته انما يتم علي مسلك المشهور في مفاد القاعدة و اما علي المسلك المنصور فلا.

«قوله قدس سره: اشكال»

يمكن أن يكون وجه الاشكال معارضة ضرر البطن الموجود مع ضرر البطن اللاحق و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي حرمة بيع الوقف لكن قد مر منه قريبا ان دليل المنع منصرف عن الصورة الا ان يقال لا ينصرف عن صورة التعارض.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 3، ص: 94

«قوله قدس سره: او حق الواقف و ساير البطون المتأخرة»

الخ اذا كان المدار غرض الواقف و انشائه فما معني تردد الامر بين الطرفين و اذا كان المدار امر آخر فلا بد من بيانه كي نري ما يترتب عليه و الانصاف ان كلمات الماتن كغيره مضطربة.

«قوله قدس سره: اضاعة و اتلاف للمال»

اذا كان كذلك فلا بد من الالتزام بانتهاء الوقف فان حرمة اتلاف المال لا تقتضي صحة ما لا يكون صحيحا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و اما المنع في غير هذا القسم»

هذه الوجوه كلها ناهضة للمنع عن البيع في غير هذا القسم و قلنا لا وجه للانصراف و علي فرض التنزل و عدم الشمول قلنا لا وجه لكون العين مملوكة للبطن الموجود اوله و للبطون اللاحقة و عليه لا وجه لجواز بيعها فانه لا بيع الا في ملك و تحقق الملكية اوّل الكلام و الاشكال بل مقتضي القاعدة عدم حصولها فانه لو أغمض عن الدليل الاجتهادي فلا اقل من الاصل فان مقتضي الاستصحاب عدم صيرورتها مملوكة للموقوف عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: هذا كله مضافا الي الاستصحاب في جميع هذه الصور»

لا مجال للاستصحاب في الحكم الكلي لمعارضة مع استصحاب عدم الجعل الزائد مضافا الي انه لا مجال للاصل مع الدليل الاجتهادي و المفروض ان الدليل علي حرمة بيع الوقف تام.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 95

«قوله قدس سره: و ان المراد بالمال هو الوقف»

لا يظهر ما افاده من الحديث بل الظاهر من المال مطلقه بلا اختصاص بالعين الموقوفة.

«قوله قدس سره: فيكون حاصل التعليل»

الخ بل حاصل التعليل ان الاختلاف بين الموقوف عليهم يقتضي جواز البيع اذ ربما يتحقق تلف الاموال و النفوس.

و صفوة القول

ان المستفاد من الحديث انه لو وقع خلاف بين اصحاب الوقف يرتفع ببيعه يجوز البيع و ملاك الجواز امكان تلف المال أو النفس و بعبارة واضحة المذكور في الحديث بحسب الظهور العرفي حكمة الجعل لا علته فلا يدور الحكم وجودا و عدما مداره.

«قوله قدس سره: بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف»

بل لا يشترط خوف التلف بل و لا يشترط حتي احتمال تلف المال أو النفس اذ قد ذكرنا ان المستفاد من الحديث ان تلف المال و النفس حكمة الجعل فيكون المقام نظير وجوب العدة علي المرأة المدخول بها فان العدة واجبة و لو مع العلم بعدم اختلاط المياه.

و في المقام يكفي للجواز الاختلاف بين اصحاب الوقف و الحكمة في الجواز انه ربما يؤدي الاختلاف الي تلف المال أو النفس و الشاهد علي ما ذكرنا قوله عليه السلام تلف الاموال و النفوس و الاتيان بصيغة الجمع في المال و النفس و الحال انه لا يشترط في تحقق موضوع الجواز تلف الاموال و النفوس.

و بعبارة واضحة الظاهر من كلامه عليه السلام ان حكمة الجواز انه ربما يتفق تلف المال أو النفس فيجوز البيع مع الاختلاف حتي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 96

فيما لا يحتمل تلف المال و النفس اذ الحكمة للجعل امكان وقوع تلف المال أو النفس و الظاهر من كلمة ربما انه قد يتفق ذلك و العرف ببابك.

«قوله قدس سره: و ان لم يكن لها دخل في الوقف»

الانصاف ان الظاهر من الحديث ان الموضوع الاختلاف الناشي من الوقف لا الاختلاف علي الاطلاق.

«قوله قدس سره: عموما من وجه»

فمادة الاجتماع من الطرفين ما لو علم بكون بقاء الوقف مؤديا الي الخراب و عدم البيع

يوجب تلف الاموال و النفوس و مادتا الافتراق العلم بتحقق خراب الوقف بلا ترتب تلف الاموال و النفوس و تلف الاموال و النفوس بلا ترتب خراب الموقوفة.

و لكن الحق ان النسبة بين فتوي المشهور و مفاد الحديث عموم مطلق اذ يشمل الحديث كل مورد يعلم بكون الخلاف مؤديا الي خراب الوقف و لكن يفترق الحديث من قول المشهور فيما يكون الاختلاف موجودا بين اصحاب الوقف و لا علم بتحقق خراب العين فلاحظ.

«قوله قدس سره: لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع»

كيف لا يوجب مع ان الظاهر من الحديث كون الوقف منقطعا و عليه لا دليل علي جريان الحكم في الوقف الدائم و جواز البيع في الوقف المنقطع علي القاعدة اذ لا تخرج العين عن ملك الواقف ازيد من المقدار الذي تعلق به اعتبار السكون و وقوف العين عن الحركة.

و الانصاف انه لا مانع عن الاخذ بإطلاق الحديث فان قوله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 97

عليه السلام ان كان قد علم الاختلاف بين اصحاب الوقف مطلق و الميزان في باب الظهور بإطلاق الجواب لا بخصوص السؤال فيمكن ان يقال ان السؤال عن الوقف الموقت و لكن الجواب عن حكم مطلق الوقف و انه يجوز بيعه عند بروز الخلاف بين الاصحاب.

و هل يمكن الالتزام بمفاد الحديث؟ فان مقتضاه جواز بيع الوقف بمجرد ظهور الخلاف بين الموقوف عليهم و ان شئت قلت لا ارتباط بين فتوي المشهور و التزامهم بالجواز في فرض العلم أو الظن لصيرورة الوقف خرابا و بين ترتب الجواز عند ظهور الخلاف بين اصحاب الوقف.

«قوله قدس سره: اعني الحبس»

لا وجه لحمل الوقف علي الحبس فان الوقف المنقطع اذا كان صحيحا فلا ملزم لحمل

قوله عليه السلام علي الحبس بل كلامه عليه السلام نص في الوقف المنقطع.

«قوله قدس سره: بفهم الاصحاب الوقف المؤبد التام»

قد ذكرنا ان الميزان بإطلاق الجواب و جوابه عليه السلام مطلق يشمل كلا القسمين فلا تنافي بين ظهور السؤال في المنقطع و ظهور الجواب في الاطلاق

«قوله قدس سره: و يبقي الكلام في تعيين المحتملات»

الخ.

اذا تعدد الاحتمال في لفظ يكون مرجعه الي اجمال ذلك اللفظ فلا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن منه و لا وجه لترجيح احد احتمالات الا ان يقوم دليل معتبر مفسر و مبيّن لذلك الاحتمال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 98

«قوله قدس سره: و قد عرفت الاظهر منها»

أين عرفنا المدعي؟

«قوله قدس سره: كان اولي»

مرجعه الي رفع اليد عن الاطلاق و الاخذ بالمقدار المتيقن لكن ما افاده مبني علي ما استفادوا من الحديث من ان الموضوع للجواز تلف الأموال و النفوس و علي هذا لا بدّ من فرض تلف الاموال و النفوس أي يلزم ان يتحقق تلف الاموال بصورة الجمع كالنفوس.

و يرد عليه أولا ان الظاهر من الحديث ليس ما فهموا منه و ثانيا انه علي هذا التقدير لا خصوصية لتلف خصوص الوقف.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان الظاهر من الحديث كما قلنا كفاية الاختلاف في جواز بيع الوقف و الاطلاق محكم و انما نرفع اليد عنه بالمقدار الذي يقطع بكونه مخالفا مع الواقع و اللّه العالم.

و قد ذكرنا ان المتفاهم من كلامه عليه السلام ان الموضوع للجواز انه قد يتفق ترتب تلف المال أو النفس علي الاختلاف بين الموقوف عليهم فلاحظ.

و اما الوقف المنقطع]
اشارة

«قوله قدس سره: و اما الوقف المنقطع و هو ما اذا وقف علي من ينقرض بناء علي صحته كما هو

المعروف»

يقع الكلام في هذا المورد في مقامين:

المقام الأول: في صحة الوقف المنقطع و عدمها.
اشارة

المقام الثاني:

في حكمه من حيث جواز البيع و عدمه.

أما المقام الأول: فنقول: تارة يطلق الوقف المنقطع و يراد به الوقف الموقت بوقت كعشر سنوات مثلا و اخري يطلق و يراد به

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 99

الوقف علي من ينقرض و هو الوقف المنقطع الاخر.

اما الواقف الموقت فقال سيدنا الاستاد في منهاجه في كتاب الوقف في المسألة 13 لا يجوز في الوقف توقيته بمدة فاذا قال داري وقف علي اولادي سنة أو عشر سنين بطل.

و ما يمكن ان يقال في تقريب البطلان وجوه
الوجه الأول الاجماع

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: أن التأبيد معتبر في قوام الوقف.

و فيه انه اوّل الكلام و لذا نري ان الشيخ قدس سره صرح بان الوقف علي المنقرض صحيح علي ما هو المعروف بين الاصحاب و مرجع المنقطع الي الموقت.

الوجه الثالث: الوقوف الصادرة عن الائمة عليهم السلام كانت مؤبدة

لاحظ خبري عجلان «1» و ربعي بن عبد اللّه «2».

و لاحظ حديث عبد الرحمن بن الحجاج قال: اوصي ابو الحسن عليه السلام بهذه الصدقة هذا ما تصدق به موسي بن جعفر تصدق بارضه في مكان كذا و كذا كلها و حدّ الارض كذا و كذا تصدق بها كلها و نخلها و ارضها و قناتها و مائها و ارحابها و حقوقها و شربها من الماء و كل حق هو لها في مرفع أو مظهر أو عرض أو طول أو مرفق أو ساحة أو اسقية أو متشعب او مسيل أو عامر أو غامر تصدق بجمع حقوقه من ذلك علي ولد صلبه من الرجال و النساء الي ان قال: لا يحل لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الاخر ان يبيعها و لا

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 44.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص ص 41.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 100

يبتاعها و لا يهبها و لا ينحلها و لا يغير شيئا مما و صفته عليها حتي يرث اللّه الارض و من عليها الحديث «1».

و فيه ان فعلهم لا يدل علي الحصر.

الوجه الرابع: انه لا بدّ من الاقتصار علي القدر المتقين و لا ندري مشروعية الوقف الموقت.

و فيه انه يكفي للقول بالصحة قولهم عليهم السلام في عدة روايات الوقوف علي حسب ما اوقفها اهلها اذ لو صدق عنوان الوقف علي الموقت يترتب عليه الامضاء الشرعي بمقتضي القول المذكور الصادر عنهم عليهم السلام.

اضف الي ذلك ان ما رواه الصفار «2» يدل علي الجواز بوضوح فانه يفهم من اطلاق هذه الرواية ان الامر بيد الواقف و عليه يجوز التوقيت اللهم الا ان يقوم اجماع كاشف عن البطلان الشرعي هذا بالنسبة الي الوقف الموقت.

و أما الوقف علي من ينقرض الذي يكون المعروف عندهم

جوازه، فقال سيدنا الاستاد في منهاجه في المسألة 14 اذا وقف علي من ينقرض كما اذا وقف علي اولاده و اولاد اولاده صح وقفا

و يمكن الاستدلال علي الصحة في الفرض المذكور مضافا الي ما تقدم بما رواه علي بن مهزيار «3».

فانه يفهم من صدر الحديث و من ذيله جواز الوقف علي من ينقرض فان الصدر يدل علي جواز الوقف لخصوص الامام عليه السلام و الذيل يدل علي جواز الوقف لطائفة خاصة فان قول الراوي

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الوقوف و الصدقات الحديث 5.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 41.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 90.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 101

فان كان تري ان يبيع هذا الوقف و يدفع الي كل انسان منهم ما وقف له من ذلك امرته يدل علي ان الوقف يختص بالموجودين و العرف ببابك فلا اشكال في جوازه ظاهرا هذا كله بالنسبة الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني و هو بيان حكم بيع الوقف المنقطع

فنتعرض له ان شاء اللّه تعالي عند تعرض الشيخ فانتظر.

«قوله قدس سره: فاما ان نقول ببقائه علي ملك الواقف»

الظاهر من كلامه انحصار الصور في المذكورات و الحال انه تتصور في المقام صورة اخري و هي عدم خروج العين من ملك الواقف الا في مقدار خاص من الزمان اذ المفروض ان الوقف منقطع و لا مقتضي لخروج العين عن ملك الواقف ازيد من المقدار الخاص.

و بما ذكرنا يظهر بطلان بقية الوجوه اما بقاء العين في ملك الواقف فلا وجه له مع فرض كون الوقف للموقوف عليهم و الوقف اخراج عن الملك و ادخال للعين في ملك الموقوف عليه.

و أما القول الثاني فأيضا لا وجه له اذ باي ميزان تدخل العين في

ملك الموقوف عليهم ازيد من زمان الوقف و لا مقتضي له و لا دليل علي صحة تمليك العين من الغير بغير الاسباب المعروفة في الشريعة المقدسة.

و منه يظهر فساد القولين الآخرين اذ علي فرض دخول العين في ملك الموقوف عليهم لا وجه لرجوعها الي ملك الواقف كما لا وجه لصيرورتها في سبيل اللّه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 102

«قوله قدس سره: من حيث لزوم الغرر»

الخ يرد عليه أولا انه لا دليل معتبر علي بطلان الغرر. و ثانيا ان الغرر عبارة عن الخطر و يمكن تصوير المسألة علي نحو لا يصدق عليها عنوان الغرر في نظر العرف.

«قوله قدس سره: لان معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشتري لا توجب معرفة المبيع»

الجهل بالمبيع لا يستلزم تحقق الغرر فلا وجه للاستدلال به علي المنع لكن يمكن ان يمنع عن البيع بتقريب آخر و هو انه قام الدليل علي عدم جواز بيع الوقف و ان بيعه غير صحيح فلا مجال لتقريب الجواز و منعه بلزوم الغرر ثم منع الغرر أولا و عدم الدليل علي ابطاله ثانيا فانه لا تصل النوبة الي هذه المرحلة اذ المفروض عدم جواز بيع العين الموقوفة بالنصوص فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم لو انتقل الي الواقف ثم باع صح جزما»

اذ المقتضي موجود و لا مانع فان المفروض انقضاء مدة الوقف فله البيع.

«قوله قدس سره: اللهم الا ان يكون علي وجه الاسقاط»

الخ لا مجال للتقريب المذكور اذ قلنا ان الدليل قائم علي عدم جواز بيع الوقف فما دام وقفا لا يمكن البيع شرعا.

«قوله قدس سره: كما يدل عليه كلامه»

القياس مع الفارق فان بيع المحبوس لا مانع منه و اما الوقف فلا يجوز بيعه

فلا وجه جامع بين الطرفين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 103

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله يشير بامره بالتأمل الي انه لا فرق بين كونه مالكا للمنفعة و كونه مالكا للانتفاع فان مالك الانتفاع ليس له الاسقاط و الحق انه لا مجال لهذه الابحاث في المقام مع قيام الدليل علي المنع.

«قوله قدس سره: و لا للموقوف عليه»

المتعين ان يستدل علي عدم الجواز بالنصوص الدالة علي المنع عن بيع الوقف.

«قوله قدس سره: الا اذا جوزنا بيع ملك الغير»

الخ قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لما افاده فان مقتضي قوله لا يجوز بيع الوقف ان البيع الواقع علي الوقف باطل و لا يكون قابلا للصحة بالاجازة المتأخرة اذ الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و بعبارة واضحة بيع الوقف خلاف حق اللّه فلا يصح بالاجازة المتأخرة كما حقق في بحث الفضولي فلا موضوع للبحث.

«قوله قدس سره: لزم البيع»

ما افاده نظير ان يقال اذا بيع شي ء غررا و بعد يوم ارتفع الغرر لزم البيع و هل يمكن القول به؟ كلا ثم كلا.

«قوله قدس سره: ثم ان ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع»

الخ لا افهم معني محصلا لما افاده من التفصيل في المقام فان الوقف المنقطع باي نحو يتصور تجري فيه الاقوال بلا فرق و لعله ناظر الي دقيقة لم افهمها.

و محصل الكلام في المقام ان مقتضي القاعدة الاولية عدم جواز بيع الوقف الا في مورد الاجماع و التسالم بحيث يقطع بالجواز أو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 104

يشمله التوقيع الشريف الصادر من الناحية المقدسة.

و صفوة القول انّ المستفاد من الحديث المشار إليه انّه يكفي لجواز البيع كونه مقدورا و بعبارة واضحة يستفاد من التوقيع الشريف

جواز بيع الوقف علي الاطلاق، نعم الحديث الشريف، لا يشمل الاوقاف العامة بل يختص الحكم فيه بالاوقاف الخاصة كالوقف الذري فما دام لم يقم دليل علي المنع نلتزم بالجواز

و اما حديث ابن مهزيار فيدل علي جواز البيع في صورة بروز الخلاف بين اصحاب الوقف فان قلنا بأن جواب الامام عليه السلام مطلق يشمل مطلق الوقف و يكون اللام للجنس فيكون الحكم المذكور حكما لمطلق الوقف بلا فرق بين الموقت و الدائم.

و ان قلنا بكون للكلام للعهد كما ليس ببعيد او قلنا بالاجمال يختص الحكم بخصوص الوقف المنقطع و يبقي غيره تحت دليل المنع عن البيع مع قطع النظر عن التوقيع ثم انه لا يخفي ان هذه الرواية يختص بالوقف الخاص بلا اشكال و لا كلام و العرف ببابك و لا تشمل الوقف العام و عليه يبقي الوقف العام تحت قانون المنع عن البيع و اللّه العالم بحقائق الاشياء و هو المستعان هذا تمام الكلام في بيع الوقف.

و حيث ان البحث عن أحكام العبيد و الاماء بلا فائدة في هذه الأزمنة فلا موجب للدخول فيه و عليه يقع الكلام في بيع الرهن ان شاء اللّه تعالي.

[مسألة و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة و من اسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا»

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات.

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الأولية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 105

و انه هل يجوز بيع العين المرهونة أم لا؟

فنقول القاعدة الاولية تقتضي جواز بيعه اذ المفروض ان الرهن لا يخرج العين المرهونة عن ملك مالكها فيجوز بيعها بمقتضي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و قوله تعالي أيضا «الا ان تكون تجارة عن تراض».

غاية الامر تكون العين ناقصة من حيث تعلق حق المرتهن و في معرض الخطر فاذا كان المشتري جاهلا يثبت له الخيار بمقتضي الشرط الارتكازي الضمني و اما مع علمه بالحال فلا وجه للخيار.

و اما ما افاده الشيخ قدس سره في اثناء كلامه من تنافي جواز البيع و الرهن فلا يكون تاما اذ لا تنافي بين الامرين.

و بعبارة واضحة: لا نري معاندة بين الامرين فيصح البيع علي طبق القاعدة الاولية.

المقام الثاني: في أنه هل قام دليل معتبر علي المنع و ان بيعه فاسد أم لا؟
اشارة

فنقول ما يمكن أن يذكر في تقريب المنع وجوه.

الوجه الأول: النبوي المشهور بين الاصحاب

عن النبي صلي اللّه عليه و آله: الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن «1» فان قوله صلي اللّه عليه و آله الراهن و المرتهن الخ يقتضي فساد بيعه علي الاطلاق فان الجمود علي الاطلاق يقتضي ان بيعه من قبل الراهن باطل حتي مع الاذن من المرتهن لكن الحديث ساقط عن الاعتبار سندا و لا جابر له فلا يعتد به.

الوجه الثاني الاجماع المنقول في المقام

كما في كلام الشيخ

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 17 من ابواب كتاب الرهن الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 106

قدس سره و قد ذكرنا كرارا عدم اعتبار الاجماع المنقول فلا اثر له.

الوجه الثالث: تسالم الاصحاب عليه

و كون البطلان ارتكازيا في اذهان اهل الشرع و الشريعة بل يمكن أن يقال ان عليه السيرة العقلائية فلا مجال للاشكال و التأمل غاية الامر لا اشكال في جوازه مع توافق الطرفين عليه فانه لا دليل معتبر علي بطلانه في الفرض.

المقام الثالث في انه علي القول بالبطلان فهل يكون قابلا للصحة بالاجازة المتأخرة أو بفك الرهن أم لا؟
اشارة

فلا بد من بسط الكلام و تحقيق الحال في ضمن فروع ثلاثة.

الفرع الأول: انه لو باع الراهن العين المرهونة بلا اذن من المرتهن و بعد ذلك اجاز المرتهن البيع فهل يكون صحيحا بالاجازة

فنقول مقتضي القاعدة الاولية عدم صحته بالاجازة المتأخرة اذ المفروض ان العقد وقع باطلا و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالمانع الحدوثي مانع بقاء

و لكن لا بدّ من رفع اليد عن القاعدة الاولية بالنص الخاص الوارد في هذا المورد و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال: ذاك الي سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه ان الحكم بن عتيبة و ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون: ان اصل النكاح فاسد و لا تحل اجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه السلام: انه لم يعص اللّه و انّما عصي سيده فاذا اجازه فهو له جائز «1».

فان مقتضي هذه الرواية التفصيل في شروط العقود فان كان

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 107

الشرط من حقوق اللّه كان فقدانه موجبا للفساد و لا يكون قابلا لعروض الصحة بعد ذلك و ان كان من حقوق الناس يكون قابلا للصحة بالاجازة المتأخرة.

و لا يضر بالاستدلال ورود الحديث في مورد خاص اذ مقتضي التعليل التعميم و عليه لو باع الراهن العين بلا اجازة المرتهن و بعد ذلك اجاز المرتهن العقد الصادر من الراهن يصح العقد بالاجازة

و في المقام يتفرع فروع الفرع الأول انه بعد اجازة المرتهن العقد الصادر عن الراهن أو اذا فرضنا ان البيع وقع باجازة من المرتهن فهل تبقي العين المرهونة مرهونة علي ما كانت أم ينفك الرهن و تصير العين مرسلة؟

فتارة نقول بالتنافي بين البيع و الرهن

كما يظهر من كلام الشيخ فلا اشكال في الانفكاك و ارتفاع الرهنية و اخري نقول بعدم التنافي كما قلنا و عليه يكون مقتضي القاعدة بقاء الرهن بحاله و لا مقتضي لارتفاع عنوانه الا ان يقوم دليل عليه.

الفرع الثاني: انه لو لم يجز المرتهن العقد لكن المراهن بعد البيع فك الرهن فهل يصح البيع أم لا؟

الظاهر انه لا وجه للجواز و الصحة اذ المفروض ان العقد صدر باطلا و المفروض انه لم يجز من قبل المرتهن فلا وجه لعروض الصحة عليه.

الفرع الثالث: عين الفرض الثاني و لكن نفرض ان البائع بنفسه بعد فك الرهن يجيز العقد الصادر منه فهل يمكن الحكم بالصحة باجازته أم لا؟

الظاهر انه لا يمكن اذ المفروض ان المؤثر حين العقد اجازة المرتهن و انه لم يتحقق.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 108

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 108

و المستفاد من حديث زرارة ان اجازة من بيده الامر تؤثر في الصحة و لم يكن البائع بعد البيع مصداقا لعنوان من بيده الامر بل من بيده الامر هو المرتهن و المفروض عدم اجازته فمن يكون اجازته مؤثرة لم يجز و من اجاز ليس بيده الامر فلاحظ و تأمل.

و ان شئت قلت انه عليه السلام علل الحكم بالجواز بقوله انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذ اجاز جاز فيلزم ان تصدر الاجازة ممن عصي و من عصي هو المرتهن.

المقام الرابع: ان المرتهن لو اجاز العقد الصادر عن الراهن فهل يكون ناقلة أم تكون كاشفة؟

الحق انه لا فرق في الاجازة في المقام و الاجازة في العقد الفضولي و قد اخترنا هناك ان القاعدة تقتضي كون الاجازة كاشفة كشفا انقلابيا أي يحكم بتحقق الملكية بالاجازة من زمان العقد و لا محذور فيه كما مرّ في بحث الفضولي.

«قوله قدس سره: و ثانيا ان المتيقن من الاجماع و الاخبار»

الخ.

فيكون المنع عن الاستقلال و أما التصرف الممضي من قبل المالك أو من بيده الامر فلا يكون مشمولا للمنع و لا يكون داخلا في معقد الاجماع فعليه كما ان تصرف المرتهن في العين مع اجازة المالك لا يكون ممنوعا كذلك تصرف المالك مع اجازة المرتهن لا يكون مورد المنع هذا حاصل كلامه في المقام.

لكن نسأل انه لو تصرف احدهما بلا اذن من الاخر فما دام لا تتحقق الاجازة من الاخر هل

يكون العقد صحيحا و مؤثرا أم لا؟

لا سبيل الي الاول اذ لا اشكال في أن العقد الموقوف علي الاجازة المتأخرة لا يكون مؤثرا و لذا انكرنا الكشف الحقيقي و قلنا لا بدّ من القول بالنقل غاية الامر الاقوال في النقل مختلفة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 109

و عليه فما الدليل علي تأثير الاجازة المتأخرة و دليل اثبات الصحة بالاجازة منحصر في حديث زرارة و ما افاده قدس سره من الرجوع الي العموم في غير المقدار المعلوم و مقتضاه الصحة غير تام فان قوله تعالي «احل اللّه البيع» لم يشمل العقد الصادر عن الفضولي و بعد الاجازة نسأل هل ينقلب العقد الفضولي عن عنوانه أم لا؟ لا سبيل الي الاول فان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه.

و أما علي الثاني فالمفروض ان عقده صدر باطلا. ان قلت:

الاجازة توجب صحة انتساب العقد الي المجيز فكان المجيز باجازته باع في ذلك الزمان.

قلت: لا مجال لهذه المقالة فان العقد عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من فعل أو قول و من الظاهر ان الاعتبار أمر تكويني كما ان الابراز كذلك و هل يمكن اسناد امر تكويني الي غير الفاعل بالاجازة و الرضا؟ كلا ثم كلا.

و علي هذا الاساس قلنا في بحث الفضولي بان الفضولي باطل علي مقتضي القاعدة الاولية نعم نرفع اليد عن القاعدة بالنص الخاص و هو حديث زرارة.

أضف الي ذلك ان البيان المذكور لا يجري فيما نحن فيه اذ المفروض ان العقد صدر عن المالك غاية الامر بلا اذن من المرتهن فالمقتضي تام انما الكلام في أنه مقرون بالمانع فلا سبيل الي الصحة غير النص الخاص الوارد في الباب المشار إليه و

بعبارة واضحة لو فرضنا تمامية التقريب المذكور في باب الفضولي لا يتم في المقام لان العقد صدر عن المالك فلا تكون اجازة المرتهن مؤثرة في الانتساب فانه تحصيل للحاصل.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 110

«قوله قدس سره: و قد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع»

الخ.

حاصل الاشكال انه لا يمكن اجتماع الرهن و البيع فكيف يمكن القول بصحة بيع الراهن مع اجازة المرتهن و اجاب عن الاشكال بأن القائل بالصحة يلتزم ببطلان الرهن فلا مجمع لهما و يرد عليه انه ما المانع من الاجتماع و أيّ دليل دل علي عدم امكان اجتماع البيع و الرهن.

و الذي يدل علي الامكان جواز رهن مال الغير مثلا لو استدان أحد و جعل دار صديقه رهنا عند الدائن يجوز فأي مانع من انتقال المبيع الي الغير معنونا بعنوان كونه مرهونا و علي هذا الاساس لا وجه للمقايسة بين المقام و البيع الفضولي فعلي فرض توجه الاشكال في البيع الفضولي لا يتوجه الاشكال في المقام لعدم التنافي بين الامرين و يمكن اجتماع كون العين مرهونة و مع ذلك يقع عليها البيع هذا ما يرتبط بالمقام.

و أما في مسألة البيع الفضولي فلا اشكال اذ لو قلنا بأن الاجازة ناقلة بتمام معني الكلمة فالامر ظاهر و ان قلنا بالكشف الحكمي أو الانقلابي فأيضا لا اشكال اذ زمان الاعتبار مختلف و ان كان زمان المعتبر متحدا ففي يوم السبت يعتبر كون الدار لزيد و اما في يوم الاحد فيعتبر كونها في يوم السبت لبكر و لا تنافي بين الامرين.

«قوله قدس سره: الا ان الظاهر من بعض الاخبار»

الخ.

لا يبعد أن يكون ناظرا الي حديث العروة البارقي فان المستفاد من ذلك الحديث ان الاجازة كاشفة

اذ لو لم تكن كاشفة كان تصرف العروة حراما هذا ما يرجع الي كلامه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 111

لكن يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا ان القول بالكشف مرجعه الي النقل فلا فرق بين القولين من هذه الجهة الاعلي القول بالكشف الحقيقي الذي لا نقول به و لا يمكن القول به و الحق ان القاعدة الاولية تقتضي القول بالكشف الانقلابي.

«قوله قدس سره: و هل ينفع الاجازة بعد الرد وجهان»

الخ.

الحق ان الاجازة بعد الرد تؤثر في المقام كما تؤثر في باب العقد الفضولي اذ لا وجه للسقوط و بعبارة اخري لا دليل علي ان الرد قبل الاجازة موجبا لسقوط الاجازة عن التأثير فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يحتمل عدم لزوم العقد»

الخ هذا هو الصحيح فانه لا دليل علي تحقق الصحة بالابراء أو الاسقاط أو الاداء و قياس السقوط بالاجازة في زمان الحق مع الفارق فان اجازة المرتهن انما تؤثر بمقتضي التعليل المذكور في حديث زرارة و أما سقوط الحق فلا دليل علي كونه سببا للصحة و ان شئت قلت حين صدور العقد كان المانع للتأثير موجودا و في زمان انتفاء المانع لا مقتضي و لا سبب لحصول المطلوب.

«قوله قدس سره: مضافا الي استصحاب عدم اللزوم»

الخ.

الاولي ان يقال مضافا الي استصحاب عدم الملكية فان بيع الراهن لم يؤثر في حصول الملكية و اذا شك في حصولها بعد سقوط الحق يكون مقتضي الاستصحاب عدمها.

«قوله قدس سره: اذ ليس في اللفظ عموم زماني»

الخ.

اذا كان المدرك دليل وجوب الوفاء بالعقد كما رامه فلما ذا يحكم بعدم العموم الزماني فيه و الحال ان مقتضي دليل وجوب الوفاء العموم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 112

الزماني

فان وجوب الوفاء لا يختص بزمان دون آخر بل مقتضي الاطلاق وجوبه في كل زمان لكن اصل المبني فاسد فانا ذكرنا مرارا ان دليل وجوب الوفاء دليل اللزوم لا دليل الصحة و لا يمكن ان يكون دليلا علي الصحة فلاحظ.

«قوله قدس سره: بعض الروايات»

لاحظ ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال اني كنت مملوكا لقوم و انّي تزوجت امرأة حرّة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فاجدد نكاحي ايّاها حين اعتقت فقال له أ كانوا علموا انك تزوجت امرأة و انت مملوك لهم فقال نعم و سكتوا عني و لم يغيروا عليّ قال فقال سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

«قوله قدس سره: فالمقام من باب وجوب العمل بالعام»

قد تقدم منا انه لو لا النص أي حديث زرارة لم يكن وجه للصحة اذ بعد عدم شمول الدليل للعقد المقرون بالمانع لا يشمله بعده لما ذكرنا من ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و المفروض انه حين حدوثه كان مقرونا بالمانع و العقد المقرون بالمانع باطل و لا يعقل ان يشمله دليل الصحة.

«قوله قدس سره: فافهم».

لعل الامر بالفهم اشارة الي ما ذكرنا.

«قوله قدس سره: ثم ان لازم الكشف كما عرفت في مسألة الفضولي»

و قد ذكرنا كرارا ان الكشف الحقيقي لا دليل عليه فعلي جميع

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 113

التقادير تكون الاجازة ناقلة و عليه لا مجال للقول بلزوم العقد اذ قبل الاجازة لا يتحقق شي ء كي يكون لازما أو جائزا.

و بعبارة اخري قبل الاجازة لا موضوع للجواز و

اللزوم فلا يجب علي العاقد شي ء قبل الاجازة أو قبل الفك أو الابراء علي القول بكونهما مؤثرين في صحة العقد السابق و لا مجال للابحاث المذكورة في المقام كما هو ظاهر بالتأمل فيما ذكرنا.

«قوله قدس سره: وجهان».

بل الحق تعين بيع العين المرهونة و لا يوجب بيعها ابطال البيع الصادر عن المالك اذ قد مرّ منا انه لا تنافي بين الامرين فيجبر المشتري علي البيع و علي فرض امتناعه يقدم الحاكم بنفسه فانه ولي الممتنع فلاحظ.

[مسألة: الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة: الثالث من شروط العوضين القدرة علي التسليم»

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين.

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية.

المقام الثاني فيما تقتضيه الادلة الثانوية.

أما المقام الأول فنقول: القاعدة الاولية تقتضي الجواز و عدم الاشتراط فان مقتضي اطلاق دليل حلية البيع و تجارة عن تراض جواز البيع مع عدم القدرة علي تسليم المبيع و تسلمه و هذا لا غبار عليه.

ان قلت: مع عدم القدرة علي التسليم يكون العقد سفهيا فيكون باطلا. قلت: يرد علي التقريب المذكور، أولا: انه يمكن تصوير الامر بنحو لا يكون سفهيا كما لو كان مصلحة فيه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 114

و ثانيا: انه لا دليل علي بطلان العقد السفهي و انما الدليل قائم علي بطلان بيع السفيه و عقده علي ما هو المشهور و كم فرق بين الامرين.

هذا ما يرجع الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [ما تقتضيه الأدلة الثانوية]
فما يمكن ان يذكر في تقريب المدعي وجوه
الوجه الأول: الاجماع بالجملة أو في الجملة أي فيما يكون خديعة.

و حال الاجماع المنقول في الاشكال ظاهر و الاجماع المحصل علي فرض حصوله غير حجة لاحتمال استناد المجمعين الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الثاني: قوله صلي اللّه عليه و آله:

رواه الصدوق عن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام و قد نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن بيع المضطر و عن بيع الغرر «1».

و هذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند و اخري من حيث الدلالة، اما من حيث السند فلا اعتبار بها اذ ليس لها سند فان الصدوق ذكر الرواية بسند ضعيف و الطريحي ذكر الرواية في مجمع البحرين في مادة غرر و قال:

و في الخبر نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن بيع الغرر و قال بعد ذلك و فسر بما يكون له ظاهر يغرر المشتري و باطن مجهول مثل بيع السمك بالماء و الطير في الهواء و قال أيضا ما غرك بربك الكريم أي اي شي ء غرك بخالقك و خدعك و سول لك الباطن حتي عصيته و خالفته و الرواية مرسلة و لا جابر لها فتكون ساقطة عن درجة الاعتبار.

و أما من حيث الدلالة فأيضا لا مجال للاستدلال بها علي المدعي

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من ابواب آداب التجارة الحديث: 3 و المستدرك الباب 33 من هذه الابواب الحديث: 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 115

اذ من الظاهر ان عدم القدرة علي التسليم لا يستلزم الخديعة و التغرير فلا تكون الرواية دليلا علي المدعي مضافا الي انه لو فرض ان الخديعة لم تشرب في مفهوم الغرر لكن الاستدلال بالرواية متوقف علي ان يكون الغرر عبارة عن الخطر و يمكن تصوير الامر علي نحو لا يكون خطريا كما لو كان المشتري

قادرا علي تسلم المبيع.

الا أن يقال لا يكفي قدرة احد المتعاملين و كما لو اشترط المشتري علي البائع امرا يكون العقد مأمونا من الضرر و الخطر فالنتيجة ان الحديث غير تام سندا و دلالة فلاحظ.

الوجه الثالث: ما اشتهر عن النبي صلي اللّه عليه و آله

و هو قوله صلي اللّه عليه و آله لا تبع ما ليس عندك لاحظ ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «1».

و هذه الرواية من حيث السند تامة ظاهرا فلا اشكال فيها من هذه الجهة.

و أما من ناحية الدلالة فتقريب المدعي بها ان المراد من كلمة عندك ليس الحضور الخارجي اذ لا اشكال في صحة بيع العين الغائبة فالمراد بهذه الكلمة السلطنة الخارجية و القدرة علي تسليم المبيع.

و فيه ان الظاهر من الجملة كون العين مملوكة للبائع و لا مجال للاشكال بانه يعبر عن المملوك بكلمة (لك) لا بكلمة (عندك) اذ انه كثيرا ما يطلق هذا اللفظ و يراد منه الملك كقول الناس عندك دار ما عندي شي ء عنده الف دينار و هكذا و لا شبهة فيه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب احكام العقود الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 116

و يؤيد المدعي بل يدل عليه الحديث الاخر لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقاوله علي الربح ثم اشتريه فابيعه منه فقال أ ليس ان شاء اخذ و ان شاء ترك قلت بلي قال فلا بأس به قلت فان من عندنا

يفسده قال و لم قلت قد باع ما ليس عنده قال فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده قلت بلي قال فانما صلح من اجل انهم يسمّونه سلما ان ابي كان يقول لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الّذي بعته فيه «1».

فانه قد صرح فيه بان المراد من الجملة المملوكية فلا اشكال من هذه الجهة و علي فرض الاغماض فلا اقل من الاجمال و مع الاجمال لا يكون قابلا للاستدلال.

ان قلت علي فرض الاجمال يتشكل علم اجمالي و قد حقق في الاصول ان العلم الاجمالي منجز بالنسبة الي الاطراف و المفروض ان احد اطراف الاحتمال احتمال كون المراد من الكلمة القدرة علي التسليم.

قلت العلم الاجمالي في المقام لا ينجز لعدم معارضة الاصول فان بيع غير المملوك باطل فيوخذ بالنسبة الي الاحتمال الاخر بإطلاق دليل الصحة و بعبارة واضحة ان العلم الاجمالي انما يكون منجزا فيما لا يكون احد الطرفين او الاطراف مورد الحكم و اما مع كون البعض مورد الحكم قطعا فلا يجري فيه الاصل فلا مانع عن جريان الاصل أو الاطلاق في الطرف الاخر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب احكام العقود الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 117

الوجه الرابع: ان ما لا يكون مقدور التسليم لا يكون مالا و ما لا مالية له لا يجوز بيعه

و فيه أولا انه لا دليل علي الشرط المذكور و ثانيا ان المال ما يبذل بإزائه الشي ء و من الواضح ان القدرة و عدمها لا يكونان دخيلين في هذه الجهة.

و بعبارة واضحة لا اشكال و لا ريب في أن المالية للشي ء لا تسقط بعدم امكان الوصول إليه و لذا يصح أن يقال كمية كثيرة من الاموال تحت البحار أو تحت الارض من الكنوز و غيرها فهذا الوجه

أيضا ساقط.

الوجه الخامس ان وجوب الوفاء بالعقد من لوازمه و لا ينفك عنه

و مع عدم القدرة علي التسليم اما لا يكون التسليم واجبا فيلزم الخلف اذ فرضنا ان وجوب الوفاء لازم للعقد و لا ينفك عنه و اما يلزم و لازمه تعلق الامر و الوجوب بامر غير مقدور و هو محال فيلزم ان يكون المبيع مقدور التسليم.

و فيه: أولا ان الوجوب المتعلق بالوفاء وجوب ارشادي و ارشاد الي لزوم العقد و لا يكون تكليفيا. و ثانيا: انه علي فرض القول به و فرض تمامية التقريب انما يختص بمورد يمكن الوفاء و اما مع عدم امكانه فلا يجب الوفاء و لا دليل علي الملازمة المطلقة.

الوجه السادس: ان الغرض من اشتراء شي ء الانتفاع به و مع عدم امكان التسليم لا تترتب هذه الغاية فيكون العقد باطلا.

و يرد عليه: أولا ان تخلف الداعي لا يوجب الفساد و كونه مفسدا للعقد لا دليل عليه.

و ثانيا: انه يمكن ان يكون الغرض من المعاملة استفادة البائع و هذه الفائدة تترتب بتسلم الثمن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 118

و ثالثا: انه يمكن ان الغرض الانتفاع الاعتباري و هو كونه مالكا للطير الكذائي.

و رابعا: انه يمكن ان يكون المتعاقدان غافلين و تعاقدا علي البيع الا ان يقال انه يكفي الارتكاز.

و خامسا: انه يمكن ان لا يكون البائع قادرا علي اخذ المبيع كالطير في الهواء و كذا المشتري لا يكون قادرا علي اخذه و لكن المشتري يمكنه ان يبيعه من ثالث يكون قادرا علي اخذه.

الوجه السابع: ان مثل هذه المعاملة يكون سفهيا.

و هو باطل.

و فيه أولا: انه يمكن ان يكون فيه غرض عقلائي و به يخرج العقد عن كونه سفهائيا.

و ثانيا: انه لا دليل علي بطلان العقد السفهائي و انما الدليل قائم علي بطلان عقد السفيه كما تقدم.

الوجه الثامن: ان مثل هذا العقد يكون داخلا في اكل المال بالباطل

و المستفاد من قوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» * بطلان ما قوبل المال بالباطل.

و فيه أولا: انه قد ظهر مما ذكرنا امكان الخروج عن الاكل بالباطل.

و ثانيا: ان المستفاد من الآية النهي عن الاكل بالسبب الباطل و بعبارة اخري الجار لا يكون للمقابلة بل للسببية فلا ترتبط الآية بالمقام فلاحظ.

الوجه التاسع: ما أفاده سيدنا الاستاد قدس سره

و هو انه يستفاد من حديث رفاعة النخاس قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 119

قلت له: أ يصلح لي ان اشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و اطلبها انا قال: لا يصلح شراؤها الا ان تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم: اشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز «1».

و من حديث سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن اهله قال لا يصلح الا ان يشتري معه شيئا آخر و يقول: اشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر علي العبد كان الذي نقده فيما اشتري منه «2».

انه لا يجوز بيع العبد الآبق و الجارية الآبقة الا مع الضميمة و لا يجوز بيعهما بلا ضميمة فيدل الحديثان علي عدم الجواز في المقام بالاولوية فان العبد الآبق أو الامة الآبقة يمكن الانتفاع منهما بالعتق و مع ذلك حكم الشارع بعدم جواز بيعهما الا مع الضميمة فبطريق اولي لا يجوز بيع ما لا يكون مقدورا و لا ينتفع به هذا ما افاده سيدنا الاستاد قدس سره في المقام.

و يرد عليه ان المستفاد من الحديثين عدم جواز البيع في الآبق و الآبقة و أما وجه عدم

الجواز فيهما و ملاكه فغير معلوم فلا يمكن التعدي الي بقية الامتعة و الاعيان القابلة للبيع.

و بعبارة واضحة: انا لا ندري انه ما الوجه في عدم الجواز مضافا الي انا نفرض عبدا غير آبق و لكن لا يمكن الوصول إليه لعلة خارجية ككونه محبوسا في حبس ظالم فنسأل هل يجوز بيعه بلا ضميمة أم لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 120

فان الاولوية لا يتحقق فيه كما هو واضح فلا يمكن ان يستفاد من الحديث كبري كلية.

و أما قوله عليه السلام فان لم يقدر علي العبد الي آخر كلامه عليه السلام فلا يكون علة للحكم كي يقال يستفاد من التعليل ان الوجه في عدم الجواز عدم القدرة علي تسلم المبيع بل كلامه عليه السلام دليل علي أن الثمن يقع بتمامه في مقابل تلك الضميمة و لا يقسّط عليها و علي الآبق.

و ان شئت قلت: الفاء فاء التفريع لا العلية و بعبارة واضحة هذا الذيل تتمة للكلام لا علة للحكم اي يبيع البائع مع الضميمة فان قدر المشتري علي الآبق فهو و ان لم يقدر يكون تمام الثمن في مقابل تلك الضميمة شرعا و ان كان علي خلاف القاعدة فان مقتضي القاعدة التقسيط اذ المفروض ان الثمن واقع في مقابل الآبق و الضميمة فعلي القاعدة لا بدّ من ان يقسط الثمن علي كليهما.

«قوله قدس سره: و قد يعترض باصالة عدم تقيد الوجوب»

الخ الظاهر ان المراد من المعترض صاحب الجواهر و حاصل ما افاده ان مقتضي عدم التقيد في طرف الحكم اي لزوم الوفاء عمومه لكن يعارض الاصل الجاري فيه بجريان

الاصل في الموضوع فان مقتضاه عدم التقييد أيضا و حيث انه لا يمكن الاخذ بكلا الاصلين يسقطان بالمعارضة.

و يمكن أن يكون وجه نظر الشيخ في الاعتراض بأنه لا مجال للاصل في طرف الحكم اذ لا اشكال في تقيده بالقدرة و اما وجه نظره في المعارضة فيمكن ان يكون ناظرا الي ان اطلاق الحكم مقدم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 121

علي اطلاق الموضوع.

و لعله بقوله «فافهم» يشير الي انه ليس لتقديم احدهما علي الاخر ميزان كلي بل ربما يتقدم الظهور في طرف الحكم علي الموضوع و ربما ينعكس الامر فلاحظ.

«قوله قدس سره: كون القدرة شرطا»

الخ وقع الكلام في أن القدرة علي تسليم المبيع علي القول بها شرط أو ان العجز مانع. و استفاد الشيخ قدس سره من كلمات القوم ان القدرة شرط و لا مجال لكون العجز مانعا اذ المانع عبارة عن امر وجودي يمنع المقتضي عن التأثير في وجود المعلول و العجز امر عدمي و الامر العدمي لا يمكن كونه مانعا.

و نقل عن صاحب الجواهر انه استظهر من كلمات القوم ان العجز مانع عندهم لا ان القدرة شرط و تظهر الثمرة بين القولين في جريان الاصل فانه لو شك في القدرة و ان البائع قادر علي التسليم أو انه عاجز عنه فلو قلنا بان القدرة شرط لا يمكن احرازه بالاصل.

و أما لو قلنا ان العجز مانع فيمكن احراز عدمه بالاصل و اورد عليه الشيخ قدس سره بانه لا فرق بين القولين من هذه الجهة اذ مع احراز الحالة السابقة يجري الاصل في بقائها و مع عدم احرازها لا يجري. و بعبارة اخري مع احراز القدرة أو العجز سابقا يجري الاصل في بقائها و

مع احراز عدمهما يجري الاصل في العدم فلا تظهر الثمرة بين القولين.

نعم اذا كان الامر دائرا بين كون احد الضدين شرطا أو كون الضد الاخر مانعا مثل الفسق و العدالة تظهر الثمرة بين القولين اذ علي القول بكون العدالة شرطا لا اثر لعدم الفسق و علي تقدير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 122

كون الفسق مانعا لا اثر للعدالة بل الاثر يترتب علي عدم الفسق.

اقول: يمكن أن يكون صاحب الجواهر ناظرا الي مورد لا تكون الحالة السابقة معلومة أو يكون المورد من موارد توارد حالتين ففي مثله تظهر النتيجة اذ علي القول بكون القدرة شرطا لا مجري للاصل فلا يحرز الشرط و مع عدم احرازه لا مجال للاخذ بالدليل فان الاخذ بالعام أو المطلق مع كون الشبهة مصداقية لا يجوز.

و أما لو قلنا ان المانع العجز فيمكن احراز عدمه باصالة عدم المانع.

و يرد عليه: انه ان كان المراد من الاصل الاستصحاب فقد مرّ انه لا مجال له لعدم احراز الحالة السابقة و ان كان المراد منه قاعدة المقتضي و المانع فقد حقق في محله انه لا دليل عليها.

و لما انجر الكلام الي هنا لا بدّ من بيان نكتة و هي انه هل يجري استصحاب القدرة المحرزة سابقا أم لا؟ ربما يقال بان الاثر يترتب علي الاحراز لا علي الواقع فلا اثر لاستصحاب القدرة السابقة و يمكن ان يقال: انه لو قلنا بقيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي و لو لم يكن اثر للواقع كما عليه الشيخ يجري الاستصحاب و ان قلنا بعدم قيامه مقام القطع الطريقي الذي لا اثر للواقع كما عليه صاحب الكفاية فلا يجري.

و لقائل أن يقول: ان الاستصحاب لا يجري حتي علي

قول الشيخ اذ الغرر متقوم بالاحتمال و المفروض ان الاحتمال موجود فلا اثر للاصل نعم لو قامت الامارة علي القدرة تؤثر اذ الامارة حجة بالنسبة الي لوازم المؤدي فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 123

«قوله قدس سره: لانه عدم القدرة عمن من شأنه صنفا أو نوعا أو جنسا ان يقدر»

الخ لفظ أو للتنويع و لا يكون للترديد اي عدم القدرة من شأن صنفه أو نوعه أو جنسه القدرة و الاول كالبائع مباشرة و الثاني كالعاقد المعاوض لماله مباشرة بغير البيع كالصلح و الثالث مطلق العاقد فيعم المباشر و الوكيل.

«قوله قدس سره: ثم لو سلم صحة اطلاق المانع عليه لا ثمرة فيه لا في صورة الشك الموضوعي»

الخ تارة يكون الشك موضوعيا و اخري مفهوميا و ثالثة حكيما. اما الشك الموضوعي فكما لو علم حدود مفهوم القدرة و العجز و لكن يشك في ان ما هو شرط أو مانع موجود في الخارج أم لا؟ و اما الشك المفهومي فهو عبارة عن الشك في أن القدرة التي تكون شرطا عدم التعذر فقط أو الاعم منه و من التعسر.

و أما الشبهة الحكمية فكما لو شك في أن القدرة التي تكون شرطا هل تكفي في الجملة أو يلزم وجودها بالجملة، فلو شك في تحقق القدرة بنحو الشبهة المصداقية يلزم أن يلاحظ الحالة السابقة و اذا شك في القدرة علي نحو الشبهة المفهومية أو علي نحو الشبهة الحكمية يلزم الاخذ بإطلاق دليل صحة البيع و العقد أو عمومه لان الاطلاق قد تحقق و الشك في التقييد الزائد و الاصل عدمه فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان العبرة في الشرط المذكور انما هو في زمان استحقاق التسليم»

الخ ان كان المدرك للشرط

المذكور حديث نفي الغرر فالامر كما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 124

افاده اذ لا غرر بالنسبة الي المشتري و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فيشكل الامر اذ المفروض ان البائع حين البيع غير قادر و من ناحية اخري يشترط في صحة البيع كون البائع قادرا.

و افاد سيدنا الاستاد ان العرف يفهم من الدليل اعتبار القدرة حين وجوب الاقباض فلا يضر عدمها قبل ذلك الزمان و يرد عليه انه لا دليل علي هذه الدعوي فان مقتضي الظهور اعتبارها حين البيع كما هو كذلك بالنسبة الي اشتراط كون المبيع مملوكا للبائع.

«قوله قدس سره: و يتفرع علي ذلك عدم اعتبارها اصلا»

الخ.

قد ظهر مما ذكرنا فساد ما أفاده فان الحكم يختلف باختلاف المدرك فعلي تقدير كون المدرك حديث نفي الغرر فالامر كما افاده و اما علي تقدير كون المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فعلي تقدير عدم تسلط المالك علي اخذ العين من المشتري يشكل الحكم بالصحة كما ان الامر كذلك لو كان مدرك الحكم حديث الآبق فلاحظ.

«قوله قدس سره: كما اذا اشتري من ينعتق عليه»

الخ الذي يختلج بالبال ان يقال ان قلنا ان المدرك للحكم حديث نفي الغرر فلا يمكن الحكم بالصحة اذ المفروض ان البيع في نفسه غرري و يتوقف عدم غرره بصحة البيع و هذا دور اذ الانعتاق متفرع علي صحة البيع و صحة البيع تتوقف علي عدم الغرر و عدم الغرر يتوقف علي الانعتاق.

و بعبارة واضحة: لا بدّ من كون البيع في حد نفسه صحيحا كي يترتب عليه الانعتاق و الحال ان الصحة تتوقف عليه و هذا دور مصرح و اما اذا كان المدرك حديث لا تبع

ما ليس عندك فالامر اوضح اذ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 125

المفروض انه لا يكون مسلطا علي العين فلا يجوز بيعها و مع عدم الجواز لا مجال للانعتاق.

و افاد سيدنا الاستاد ان البيع صحيح علي كلا التقديرين اما علي الاول فلان الاحكام الشرعية تترتب علي الموضوعات الفعلية لا الموضوعات التقديرية و المفروض ان الغرر مرتفع بلحاظ الحكم الشرعي فلا وجه للفساد.

و يرد عليه انه لا مجال للحكم الشرعي اذ ترتب الحكم الشرعي كما ذكرنا يتوقف علي صحة البيع في حد نفسه و المفروض ان الصحة متقومة بالحكم و الدور باطل.

و أفاد أيضا ان المدرك لو كان حديث لا تبع ما ليس عندك يكون البيع صحيحا لان العبد بعد الانعتاق غير قابل للتسليم فلا مجال لاشتراط القدرة علي التسليم.

و يرد عليه ان الانعتاق حكم العقد الصحيح و المفروض ان العقد باطل فلا تصل النوبة الي التقريب المذكور.

و أما ان كان المدرك حديث الآبق فالامر أوضح لان المستفاد من الدليل انه لا يصح بيع العبد الآبق الا مع الضميمة و أيضا لا يجوز بيع ما لا يكون مسلطا عليه الا مع شي ء آخر.

«قوله قدس سره: اما لاشتراط تأخيره مدة»

الخ.

يظهر الحال مما تقدم فان المدرك لو كان حديث نفي الغرر يصح البيع اذ لا غرر علي الفرض و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فيكون العقد باطلا اذ المفروض ان البائع لا يكون عنده المبيع في زمان البيع فلا يصح و أما ان كان المدرك حديث بيع الآبق فيكون البيع صحيحا اذ المفروض ان العين تصير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 126

مورد السلطنة فيما بعد.

«قوله قدس سره: لكن يشكل علي

الكشف من حيث انه لازم من طرف الاصيل»

الخ.

قد ذكرنا مرارا ان الاجازة ناقلة علي جميع الاقوال و الكشف الحقيقي باطل و عليه لا موضوع لتحقق اللزوم بالنسبة الي الاصيل فان العقد قبل الاجازة باطل و غير صحيح و مع عدم الصحة لا تصل النوبة الي اللزوم و الجواز.

ثم ان الفضولي لو لم يكن قادرا علي التسليم فهل يكون العقد صحيحا أم لا؟ مقتضي التحقيق ان يقال ان كان المدرك للشرط المذكور حديث لا تبع ما ليس عندك يكون العقد باطلا، اذ المفروض ان البائع غير قادر علي تسليم العين فيكون البيع باطلا و مع فرض البطلان لا يكون قابلا للاجازة كما ان الامر كذلك لو كان المدرك حديث الآبق.

و أما ان كان المدرك حديث نفي الغرر فلا يكون عقد الفضولي باطلا لعدم الغرر مع فرض كون المجيز قادرا علي العين بل الحق أن يقال انه لا موضوع و لا مجال للاستدلال علي اصل اشتراط القدرة بحديث نفي الغرر اذ تسليم كل من العوض و المعوض مشروط باقباض الطرف فما دام المشتري لم يقبض العين لا يقبض الثمن من البائع فاين الغرر.

«قوله قدس سره: و مثله بيع الرهن قبل اجازة المرتهن أو فكه»

الخ ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك يكون بيع الراهن باطلا فلا يكون قابلا للاجازة من قبل المرتهن اذ البائع لا يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 127

مسلطا علي العين المرهونة فان العين في يد المرتهن بعنوان الرهن الا ان يقوم دليل علي الجواز و أما ان كان الدليل حديث نفي الغرر فيصح البيع باجازة المرتهن اذ لا غرر علي الفرض الا ان يقال ان كون العين رهنا في

معرض البيع فيكون العقد غرريا و ان كان المدرك حديث الآبق فلا يصح علي تقدير و يصح علي التقدير الاخر كما سبق قريبا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و كذا لو لم يقدر علي تسليم ثمن السلم»

الخ الظاهر ان قوله قدس سره ثمن السلم من سهو القلم فان المبيع سلما كلي و خارج عن محل الكلام نعم يمكن تصويره في بيع الصرف حيث انه يشترط فيه تسليم المبيع في مجلس العقد.

و يدل علي ما ذكرنا قوله قدس سره بعد اسطر و المفروض ان المبيع بعد تحقق الجزء الاخير من الناقل و هو القبض حاصل في يد المشتري الخ فانه يستفاد من هذه العبارة ان الكلام في اشتراط اقباض المبيع في المجلس و هو ينطبق علي بيع الصرف لا بيع السلم فان الشرط في السلم تسليم الثمن و لا ينطبق علي ما نحن فيه فان الكلام في اشتراط القدرة علي المبيع هذا ما يرجع الي كلامه.

و عليه ان الحكم بالصحة و عدمه يدوران مدار دليل الاشتراط فان قلنا ان المدرك حديث الغرر فالامر كما افاده لانه لا غرر بالنسبة الي المشتري فان العين قبل قبضه من قبله لا تنتقل و البيع لا يكون تاما و بعد قبضه من قبله و تمامية العقد لا غرر و لا خطر كما هو واضح.

و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فيلزم ان يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 128

البائع مسلطا علي العين حين العقد و القدرة الحاصلة بعد العقد لا اثر لها و لا توجب انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه و بعبارة واضحة لو لم يكن البائع حين العقد قادرا علي التسليم لا يكون حصول العين

في يد المشتري مؤثرا.

«قوله قدس سره: فالقبض مثل الاجازة بناء علي النقل و اولي منها بناء علي الكشف»

الخ.

اذ علي النقل تكون الاجازة الجزء الاخير من العلة التامة لحصول النقل فيكون القبض في الصرف مثله و اما لو قلنا بالكشف فيكون القبض اولي من الاجازة اذ علي الكشف لا تكون الاجازة مؤثرة بل مجرد علامة و أمارة و المؤثر نفس العقد المتحقق سابقا فضولا و مع ذلك لا يكون تماما و اتمامه بالاجازة فلا الزام فيكون القبض اولي منها من هذه الجهة اذ ما دام لا يتحقق القبض في الخارج لا يتحقق الانتقال علي الفرض فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لا يبعد ان يكون الامر بالتأمل اشارة الي ان الحكم الشرعي لا يمكن ان يكون مؤثرا في الموضوع العرفي الا علي نحو الدور المحال لان ترتب الحكم الشرعي متوقف علي عدم الغرر فاذا توقف رفع الغرر علي الحكم الشرعي يدور.

نعم اصل اشكال الغرر لا اساس له اذ قد ذكرنا انه لا خطر فان اقباض كل من المتابعين مشروط باقباض الاخر فلا خطر فلا يتم تقريب الغرر لفساد البيع الا في فرض اشتراط الاقباض من طرف و لو مع عدمه من طرف آخر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 129

و يمكن القول بفساد الشرط المذكور لكونه خلاف السنة للنهي عن الغرر فلاحظ.

و للمحقق النائيني كلام في المقام و هو انه لا مجال لقياس ما نحن فيه بباب الفضولي فانه لا الزام في باب الفضولي قبل الاجازة لعدم تمامية العقد بخلاف المقام فان العقد تام و لذا ورد في النص عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا

تفارقه حتي تأخذ منه و ان نزا حائطا فانز معه «1».

و يرد عليه انه لا فرق بين المقام و الفضولي فانه كما لا يتم العقد في الفضولي الا بالاجازة كذلك لا يتم الامر في المقام الا بالقبض و اما الالزام بالوفاء المستفاد من قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فهو ليس حكما تكليفيا بل ارشاد الي اللزوم كما قلنا مرارا.

و أما النص المشار إليه فهو لاجل لزوم حصول القبض قبل التفرق فهو أيضا ارشاد الي شرطية القبض قبل التفرق فيأمره بان لا يفارق طرف العقد كي يحصل الاقباض و القبض و لا يبطل العقد بالتفرق قبل القبض فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلو قدر علي التسلم صح البيع»

الخ ان كان المدرك حديث لا غرر فالامر كما افاده اذ لا غرر علي الفرض و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فلا اثر لقدرة المشتري علي تسلّم المبيع فان المستفاد من الدليل علي الفرض اشتراط قدرة البائع علي العين و المفروض انتفائها و ملاك

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب الصرف الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 130

الاشتراط رعاية مصلحة المشتري و مع كونه قادرا لا يلزم ان يكون البائع قادرا لا دليل عليه و القول به بلا بينه.

و ان كان المدرك حديث الآبق و الآبقة يصح البيع اذ المفروض ان المشتري قادر علي القبض و مما ذكرنا علم ان ما افاده من الصحة في صورة رضي المشتري غير تام فان ملاكات الاحكام غير معلومة لنا فلاحظ.

«قوله قدس سره: فيصح بيع المغضوب و نحوه»

الخ.

هذا رجم بالغيب فانه قد علم من الشرع الاقدس بطلان بيع غير المملوك فلا مجال للصحة بل الحق انه غير معقول اذ

الغاصب مثلا في يوم الجمعة يبيع و في يوم السبت يشتري العين من مالكها و يسلمها أو يجيز البائع في يوم السبت.

فنسأل انه في هذا الفاصل الزماني تكون العين مملوكة لمالكين أو لملاك ثلاثة أو لمالك واحد فعلي التقدير الاول و الثاني فهو غير معقول و علي الثالث فمن هو؟ فهل الغاصب مالك أو المشتري أو المالك الاصلي؟ مقضي القاعدة ان المالك الاصلي مالك و لا مجال لملكية العين لغيره.

«قوله قدس سره: لانه في معني أكل مال بالباطل»

الخ قد ذكرنا مرارا ان الجارّ في الآية الكريمة للسببية لا للمقابلة فلا مجال للقول بان الاكل بالباطل يوجب البطلان فان السبب علي الفرض التجارة عن الرضا و لا يكون اكلا بالباطل و السبب الباطل غير التجارة كالقمار مثلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 131

«قوله قدس سره: انما هو مع عدم رضاء المشتري»

الخ ما افاده علي خلاف القواعد المقررة فانه لا دليل علي هذه الدعاوي اذ المحكم ظواهر الادلة و ظاهر دليل النهي عن بيع الآبق الارشاد الي فساده بلا فرق بين كون المشتري راضيا و عدمه.

«قوله قدس سره: و فيه ما فيه»

الخ قد ظهر مما تقدم انه لا يبعد بل يقرب ان يكون المراد من الغرر الخديعة.

«قوله قدس سره: نعم عن نهاية الاحكام احتمال العدم»

الخ لا بدّ ان يلاحظ المدرك للحكم فان قلنا ان المدرك للاشتراط حديث الغرر فالامر كما اقيد من الصحة اذ لا غرر علي الفرض و ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك يكون العقد فاسدا فيما لا يكون البائع قادرا علي التسليم.

«قوله قدس سره: وجهان بل قولان»

الخ لا بدّ من ملاحظة دليل الاشتراط فان الدليل ان كان حديث لا

غرر فلا وجه للبطلان اذ مع العلم بمدة التأخير و وصوله بعد انتهائها لا غرر و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فالقاعدة تقتضي البطلان اذ المفروض ان البائع غير قادر علي العين فيكون العقد باطلا.

«قوله قدس سره: نعم للمشتري الخيار مع جهله»

الخ اذا كان العقد فاسدا لا تصل النوبة الي الخيار كما هو واضح و ان كان العقد صحيحا يمكن القول بثبوت الخيار للمشتري بمقتضي الشرط الارتكازي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 132

«قوله قدس سره: ففي الصحة اشكال»

الخ الظاهر انه لا يمكن الالتزام بالصحة فان دليل اعتبار القدرة علي التسليم ان كان حديث لا تبع ما ليس عندك فالبائع غير قادر علي تسليم العين في تلك المدة فالعقد باطل، و ان كان المدرك حديث الغرر فأيضا كذلك اذ زمان امكان الانتفاع بالعين مجهول نعم اذا كان المدرك حديث الآبق و الآبقة يمكن القول بالجواز اذ المفروض رجوع العبد المنفذ الي حاجة.

«قوله قدس سره: ثم ان الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين»

الخ تتصور في المقام صور: الصورة الأولي: ان تكون القدرة موجودة في الواقع و تكون معلومة للمتعاقدين.

الصورة الثانية: عكس الصورة الأولي. الصورة الثالثة أن تكون القدرة موجودة في الواقع و مجهولة عندهما.

الصورة الرابعة: عكس الصورة الثالثة. أما الصورة الأولي فلا اشكال في صحة العقد فان شرط الصحة موجود علي الفرض فلا وجه للفساد.

و أما الصورة الثانية فلا اشكال في الفساد لانتفاء الشرط و مع انتفائه ينتفي المشروط. و أما الصورة الثالثة فلا بد من التفصيل بان نقول ان كان المدرك للاشتراط حديث لا غرر يكون العقد فاسدا لتحقق الغرر مع الجهل و ان كان المدرك حديث لا تبع ما

ليس عندك يكون العقد صحيحا لتمامية اركانه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 133

و أما الصورة الرابعة فنقول ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك يكون العقد باطلا اذ المفروض انتفاء القدرة و ان كان المدرك حديث لا غرر فالعقد صحيح لعدم الغرر.

«قوله قدس سره: و لو باع ما يعتقد التمكن فتبين عجزه في زمان البيع»

الخ ان كان المدرك للاشتراط حديث لا تبع ما ليس عندك فالصحة دائرة مدار التمكن الواقعي فعلي تقدير تحققه في الواقع يكون العقد صحيحا و ان لم يكن معلوما عند المتعاقدين و تجدده بعد العقد لا يفيد لان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و المفروض ان وجوده شرط عند حدوث العقد.

و أما لو كان المدرك للاشتراط حديث لا غرر فاللازم رعاية حال المشتري فان كان واثقا بوصول العين في يده فلا غرر و الا يكون العقد غرريا علي الفرض و يكون باطلا علي المبني و كلا الامرين باطلان كما مر منا.

«قوله قدس سره: فلا يكفي مطلق الظن»

الخ.

لعدم اغنائه عن الحق شيئا.

«قوله قدس سره: و لا يعتبر اليقين»

الخ لعدم دليل عليه فان الميزان رفع الغرر و هو مرتفع بالوثوق بل يرتفع بقيام البينة المعتبرة كشهادة عدلين بل بشهادة عدل واحد بل بشهادة ثقة واحد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 134

[هل العبرة بقدرة الموكل أو الوكيل]
اشارة

«قوله قدس سره: ثم لا اشكال في اعتبار قدرة العاقد اذا كان مالكا»

الخ تعرض الماتن قدس سره لعدة فروع.

الفرع الأول: انه لو كان البائع نفس المالك تعتبر القدرة فيه

و الحق أن يقال: ان كان المدرك للشرط حديث لا غرر و فرضنا ان المشتري يمكنه قبض العين أو كانت في يده لا تعتبر قدرة البائع المالك لعدم الغرر.

و أما ان كان دليل الشرط قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك فلا بد من اعتبار القدرة علي العين في البائع.

الفرع الثاني: ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة لا يعتبر فيه الشرط المذكور

و انه آلة محضة و لا دليل علي لزوم كونه قادرا علي التسليم.

و يختلج بالبال ان يقال ان الوكيل في اجراء الصيغة هل يصدق عليه عنوان البائع أم لا؟ لا مجال للثاني فلو فرض كونه بايعا فبأي دليل نرفع اليد عن ظهور قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك.

و بعبارة واضحة بيع الوكيل في مجرد اجراء الصيغة هل يكون مورد النهي الوارد في قوله تعالي «و ذروا البيع» فاذا نودي لصلاة الجمعة فهل يجوز البيع للوكيل في مجرد اجراء الصيغة أم لا؟

ان قلت يجوز فقد كذبت و ان قلت لا يجوز. اقول: ما الفرق بين الموردين و صفوة القول ان الجزم بعدم الاعتبار كما اختاره الماتن و صرح به سيدنا الاستاد مشكل و ان كان الجزم بخلافه أيضا لا يخلو عن شي ء.

الفرع الثالث ان الوكيل المفوض يكفي قدرته علي العين

و هل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 135

تكفي قدرة الموكل أم لا؟ ربما يقال بالكفاية اذا رضي المشتري و رضي المالك بالرجوع إليه و الحق ان يقال اذا كان المدرك للاشتراط حديث نفي الغرر فالميزان ارتفاعه و اما ان كان المدرك حديث لا تبع ما ليس عندك فاللازم تحققها في الوكيل المفوض و لا اثر لقدرة المالك و لا فرق فيه بين رضي المشتري و عدمه فان موضوع الصحة كون البائع قادرا و المفروض ان البائع هو الوكيل.

الفرع الرابع: انه لو قلنا في هذه المسألة بكفاية قدرة المالك فهل يكفي قدرة المالك في بيع الفضولي أم لا؟

و هل يمكن قياس الفضولي في المقام بأن نقول يكفي التراضي الواقع بين الفضولي و الاصيل؟

الحق انه لا مورد للقياس فان الفضولي لا دخل له في الحكم بالصحة و عدمها و رضاه لا يكون دخيلا و عقده باطل من جهة عدم كونه مالكا نعم لو كان قادرا علي العين تكون اجازة المالك مؤثرة و الا فلا تؤثر لان الاجازة انما تؤثر فيما يكون العقد الفضولي الصادر عنه قابلا و صالحا للاجازة.

الفرع الخامس: ان رضا المالك هل يخرج العقد الفضولي عن الفضولية أم لا؟

المشهور هو الثاني فان المستفاد من الادلة ان البيع لا بدّ اما ان يصدر عن المالك و اما ان يصدر عن وكيله و اما ان يصدر عن وليه و اما مجرد الرضا فلا اثر له و اما قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال:

سأله رجل من اهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و اهل الارض يقولون هي ارضهم و اهل الأستان يقولون هي من ارضنا فقال:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 136

لا تشترها الا برضا اهلها «1» فيدل علي لزوم رضا المالك لا ان الشرط لصحة العقد رضا المالك فقط.

و بعبارة اخري يكون المقام مثل قوله عليه السلام لا صلاة الا بفاتحة الكتاب أو لا صلاة الا بطهور اي لا بدّ في الصلاة من الطهور و من الفاتحة لا ان الصلاة تتم بالفاتحة فقط.

و اما حديث الحميري في كتاب «الاحتجاج» عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض اصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمّال السلطان و تتعرض في الكل

من غلات ضيعته و ليس لها قيمة لخرابها و انّما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتحرج من شرائها لانه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع اولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه فاجابه عليه السلام الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بامره أو رضا منه «2».

فالظاهر انه لا بأس بسنده فان الطبرسي يقول في كتابه المسمي بالاحتجاج و في كتاب آخر لمحمد بن عبد اللّه الحميري الي ان يقول و سئل ان بعض اخواننا ممن نعرفه له ضيعة الخ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 137

فان الظاهر من الجملة الشهادة الحسية و المقرر في محله اعتبار شهادة الثقة اذا كانت حسية فيجوز بيع مملوك الغير برضاه و هذا امر مهم و تترتب عليه فوائد مهمة.

«قوله قدس سره: و ربما قيد الحكم بالكفاية بما اذا رضي المشتري بتسليم الموكل»

الخ بتقريب ان الاصيل هو المالك و الوكيل وجود تنزيلي له فاذا كان المالك قادرا علي التسليم و كان راضيا برجوع المشتري عليه و كان المشتري أيضا راضيا بالرجوع علي المالك يصح العقد.

و فرع علي ما افيدان بيع الفضولي لا يصح اذ قدرة البائع علي التسليم لا تتصور في الفضولي مع فرض الفضولية و قدرة المالك لا

اثر لها بوجودها الواقعي بل انما تؤثر اذا كانت معلومة و يكون العقد الفضولي مبنيا عليها و يكون المشتري راضيا بها.

و في هذه الصورة يخرج العقد الفضولي عن كونه فضوليا بل يكون عقدا للمالك و علي فرض بقاء العقد علي الفضولية لا يكون القائلون بصحة الفضولي مقتصرين في حكمهم بالصحة بهذه الصورة بل هم قائلون بصحة الفضولي في غير هذه الصورة أيضا فيكون وجه الصحة غير التقريب المذكور.

و أورد الشيخ قدس سره أولا علي جعل هذه المسألة مبني لمسألة الفضولي اذ مناط الجواز في المقام عدم الغرر و أما رضا المشتري برجوعه الي المالك و رضاء المالك برجوع المشتري إليه فلا دخل لهما.

و أورد ثانيا علي التفريع المذكور و هو ان العقد الفضولي خارج

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 138

عن العقد لذي هو محل الكلام اذ المفروض ان العقد فاسد و لا مجال للبحث في قدرته علي التسليم اذ الفضولي اجنبي.

و أورد ثالثا علي الاعتراض فان الفضولي اجنبي عن العقد و مجرد كونه قادرا علي الارضاء لا يجعله قادرا.

و أورد رابعا علي الجواب الاول بان مجرد رضا المالك لا يقتضي خروج العقد عن الفضولية.

و أورد خامسا بان عدم الاقتصار لا يضر بالمدعي اذ يمكن الالتزام في العقد الفضولي الخاص بالصحة بملاك و في بقية افراد الفضولي بملاك آخر.

«قوله قدس سره: مسئلة لا يجوز بيع العبد الآبق»

الخ حيث ان الفروع الراجعة الي العبيد و الاماء لا موضوع لها في زماننا لا وجه للتعرض لاحكامها.

[مسألة: المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة: المعروف انه يشترط العلم بالثمن قدرا»

الخ تارة يقع الكلام في هذه المسألة من حيث القواعد الاولية و اخري يتكلم فيها من حيث النصوص الخاصة فيقع الكلام

في مقامين:

أما

المقام الأول فنقول القاعدة الاولية تقتضي صحة البيع

اذ لا اشكال في صدق عنوان البيع عليه و أيضا يصدق عليه عنوان التجارة فيشمله قوله تعالي «احل اللّه البيع» و يشمله أيضا قوله تعالي «الا ان تكون تجارة عن تراض» هذا بالنسبة الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني فما يمكن ان يذكر في تقريب المنع وجوه:
اشارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 139

الوجه الأول: الاجماع

و فيه ان الاجماع المنقول غير حجة و الاجماع المحصل علي فرض حصوله يكون محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا.

الوجه الثاني: حديث نفي الغرر

بتقريب ان البيع بحكم احدهما غرر. و فيه أولا ان الغرر لا دليل علي اعتبار عدمه اذ قلنا لم يقم دليل معتبر علي اعتبار عدمه، و ثانيا انه يمكن ان لا يتحقق غرر أي خطر مثلا لو عين المشتري ثمنا يناسب المثمن لا يكون خطرا.

الوجه الثالث جملة من النصوص.

منها ما رواه حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال يكره ان يشتري الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدري كم الدينار من الدرهم «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالارسال فلا يعتد بها مضافا الي عدم دلالتها علي المدعي فان المستفاد منها كون البيع المذكور مكروها تكليفا و اما الحرمة الوضعية فلا يستفاد منها و ما اشتهر بين القوم بان النهي في باب المعاملات ارشاد الي الفساد غير تام بل النواهي بحسب الظهور الاولي ظاهرة في الحرمة التكليفية.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السلام في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الي اجل قال فاسد فلعل الدينار يصير بدرهم «2» و هذه الرواية ضعيفة سندا ببنان بن محمد و لعله بغيره أيضا.

و منها ما رواه وهب عن جعفر عن ابيه عليهما السلام انه كره

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب احكام العقود الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 23 من ابواب احكام العقود الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 140

ان يشتري الرجل بدينار الا درهم و الا در همين نسيئة و لكن يجعل ذلك بدينار الا ثلثا و الا ربعا و الا سدسا أو شيئا يكون جزءا من الدينار «1».

و هذه الرواية علي فرض تماميتها سندا لا يدل علي المدعي بل تدل علي المنع عن نحو خاص من البيع مضافا الي ان الظاهر

من الحديث الكراهة التكليفية و لا تعرض في الرواية للحكم الوضعي.

و منها ما رواه حماد بن ميسر عن جعفر عن ابيه عليهما السلام انه كره ان يشتري الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدري كم الدينار من الدرهم «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بالضرير. و في المقام حديث آخر رواه رفاعة النخاس قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه علي ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها فابي ان يقبلها مني و قد كنت مسستها قبل ان ابعث إليه بالثمن فقال: اري ان تقوم الجارية قيمة عادلة فان كان قيمتها اكثر ممّا بعثت إليه كان عليك ان ترد عليه ما نقص من القيمة و ان كان ثمنها اقل ممّا بعثت إليه فهو له قلت: جعلت فداك ان وجدت بها عيبا بعد ما مسستها قال: ليس لك ان تردها و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب منه «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب احكام العقود الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) الوسائل الباب 18 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 141

و ربما يقال انه يستفاد منه جواز البيع بحكم المشتري و يقع الكلام في هذه الرواية من نواح ثلاث:

الناحية الاولي انه هل يستفاد من الحديث جواز البيع بحكم المشتري أم لا؟

الناحية الثانية انه علي فرض الاستفادة المذكورة من الحديث هل يستفاد منه الميزان الكلي الجاري في جميع الموارد أم لا؟

الناحية الثالثة هل يحتاج الحديث الي التأويل فيه أم لا؟ فنقول:

أما الناحية الاولي فالحق انه يستفاد من الحديث جواز البيع بحكم المشتري.

ان قلت:

عليه فما الوجه في اختيار البائع في القبول و عدمه قلت: الاحكام الشرعية تعبدية لا مجال للقيل و القال فيها.

و أما الناحية الثالثة فنقول: مقتضي القاعدة اي مقتضي حجية الظهور ان يعمل علي طبق الحديث و لا يتصرف فيه و المستفاد منه كما قلنا صحة بيع الجارية بحكم المشتري و لكن اذا لم يقبل البائع يلزم ارضائه بما ذكر في الحديث. و صفوة القول انه لا يستفاد من الحديث جواز الفسخ كي يقال الخيار المجعول اما خيار الغبن و أما خيار الحيوان بل المستفاد من الحديث صحة البيع و لزومه غاية الامر بهذا النحو من التفصيل و لا اشكال من هذه الجهة.

فالنتيجة انه نقول بان الحديث يدل علي صحة البيع بحكم المشتري لكن لا علي النحو الكلي بل في خصوص بيع الجارية مع الخصوصيات المذكورة في الحديث فنلتزم بصحة البيع في المورد الخاص و لا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 142

نتعدي عنه و نلتزم أيضا بلزوم العقد لكن في صورة عدم رضا البائع نرضيه بما في الحديث.

و مما ذكرنا ظهر ان الحق ما سلكناه لا ما ذهب إليه المشهور من رفع اليد عن الحديث ورد علمه الي اهله و لا ما سلكه صاحب الحدائق من الالتزام بانصراف الثمن الي القيمة المتعارفة و الالتزام بسريان الحكم الي بقية الموارد و الحكم بالجواز علي النحو الكلي العام. فانه قد ظهر مما ذكرنا ان الرواية تدل علي الصحة لكن في اطار خاص و دائرة مخصوصة.

و أيضا لا وجه لما أفاد من الانصراف بل يجوز بحكمه علي الاطلاق و لذا نلتزم بانه لو لم يعترض البائع و رضي بما عين يكون البيع صحيحا و لو مع كون

ما عينه اقل من القيمة السوقية بكثير و الحال انه يلزم فساد العقد علي مسلك صاحب الحدائق. فانقدح بما ذكرنا ان الحق تمامية الحديث و عدم لزوم التأويل فيه بلا فرق بين القول بالصحة في البيع بحكم المشتري و القول بالفساد فيه علي عكس ما افاده الشيخ قدس سره فلاحظ.

[مسألة: العلم بقدر المثمن كالثمن شرط]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة: العلم بقدر المثمن كالثمن شرط»

الخ أيضا يتكلم في هذه المسألة في مقامين:

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية

المقام الثاني في مقتضي الادلة الخاصة.

اما المقام الأول: فنقول مقتضي القاعدة الاولية عدم الاشتراط فان اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و كذا اطلاق قوله تعالي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» يقتضي الصحة بلا تحقق الشرط المذكور.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 143

و أما

المقام الثاني: [في ذكر الأدلة الخاصة]
فما يمكن ان يذكر في تقريب الاستدلال علي المدعي وجوه.
الوجه الأول: الاجماع

و اشكال الاجماع منقولا و محصّلا ظاهر فلا يعتد به.

الوجه الثاني: النبوي المشهور و هو نهيه عن الغرر

. و فيه أولا ان السند مخدوش و غير معتبر.

و ثانيا انه علي فرض تسليم السند قد مرّ ان الغرر بمعني الخديعة فلا يرتبط بالخطر.

و ثالثا انه سلمنا تمامية السند و الدلالة لكن نقول ظاهر النبوي النهي التكليفي فغاية ما في الباب كون الغرر حراما أو مكروها و اما الفساد الوضعي فلا يستفاد منه.

الوجه الثالث: [في خصوص الكيل و الوزن خصوص الأخبار المعتبرة]

النصوص الخاصة الواردة في المقام منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري ابتع مني من هذا العدل الاخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الاخر الّذي ابتعت قال: لا يصلح الا بكيل و قال: و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام «1».

فان المستفاد من الحديث ان المبيع اذا كان مكيلا لا يجوز بيعه مجازفة و قد اورد في الحديث ايراد ان احدهما ان الحديث مجمل اذ قد فرض لحاظ الكيل في المبيع و مع ذلك قال عليه السلام لا يصلح مجازفة و الحال انه لا مجازفة في البيع بالكيل.

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 144

و بعبارة اخري: كيف يمكن الجمع بين الكيل و الجزاف فالحديث مجمل.

و ثانيهما: ان المشهور بينهم ان البائع يصدق في اخباره بمقدار المبيع و الحال انه منع عنه في الحديث و حكم بعدم الصلاح و يمكن ان يجاب عن الايراد الاول بانه لا اجمال في كلامه عليه السلام اذ المراد من قوله عليه السلام ما كان من طعام سمّيت فيه كيلا كون الامام

عليه السلام ناظرا الي نوع خاص من الطعام اي اذا كان نوع خاص من الطعام يباع كيلا لا يباع جنسه جزافا ان قلت الطعام يباع اما بالكيل و اما بالوزن و لا يباع جزافا فلا مجال للقيد قلت يمكن ان يكون القيد توضيحيا لا احترازيا كي يتوجه الاشكال.

و بعبارة واضحة: ان قوام الايراد بكون القيد احترازيا و لم لا يكون توضيحيا و لعل الماتن يشير الي هذه الجهة بقوله فتأمل و الانصاف ان كون القيد توضيحيا بنفسه خلاف الظاهر لكن حيث ان الحمل علي الاحتراز لا يمكن يحمل علي التوضيحية فلا اجمال في الحديث و يمكن ان الوجه في ذكر القيد الاشارة الي علة الحكم اي الوجه في المنع عن الجزاف كون المبيع مما يكال لكن يرد عليه ان العلة المذكورة تعبدية الا ان يقال ان العلة خارجية عرفية فان بناء العرف كذلك في امثاله.

و يجاب عن الايراد الثاني ان الحديث ليس ناظرا الي صورة كون اخبار البائع طريقا الي الواقع بل ناظر الي صورة كون اخباره موضوعا خصوصا مع عدم حصول الاطمينان بالمخبر به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 145

و في المقام ايراد ثالث و هو انه كيف يجمع بين قوله يكره في ذيل الحديث و قوله لا يصلح في صدره و الحال ان الكراهة تقابل الحرمة.

و يمكن ان يجاب عن الايراد المذكور أولا ان الكراهة اعم من الحرمة فلا تكون مقابلة و ثانيا ان الكراهة التكليفية لا تنافي الحرمة الوضعية فان الجهة الوضعية في باب المعاملات لا ترتبط بالتكليف اضف الي ذلك انه لا معني للكراهة في الحكم الوضعي.

و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال

ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة و هذا مما يكره من بيع الطعام «1».

و المستفاد من هذه الرواية عين ما يستفاد من تلك الرواية.

و منها ما رواه الحلبي أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح مجازفة «2» و يستفاد من هذه الرواية ما يستفاد منهما.

و منها ما رواه سماعة قال: سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل و لا وزن فقال اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل و وزن تشتري منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه اذا كان المشتري الاول قد اخذه بكيل أو وزن و قلت له عند البيع اني اربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 5 من هذه الابواب الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 146

و هذه الرواية يستفاد منها اشتراط بيع الطعام بالكيل أو الوزن و اما من حيث السند فللنقاش فيها مجال كما ناقش سيدنا الاستاد قدس سره في مضمرات سماعة اذ سماعة من الواقفة و لا دليل علي انه لا يضمر الا عن المعصوم عليه السلام.

و منها ما رواه أبو العطارد قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اشتري الطعام فاضع في اوله و اربح في آخره فاسأل صاحبي ان يحط عني في كل كرّ كذا و كذا قال: هذا لا خير فيه و لكن يحط عنك حمله قلت: ان حط عني

أكثر ممّا وضعت قال: لا بأس به قلت فاخرج الكرّ و الكرين فيقول الرجل اعطنيه بكيلك قال اذا ائتمنك فلا بأس «1».

و هذه الرواية من حيث الدلالة علي المطلوب تامة و لكن من حيث السند مخدوشة بابي العطارد فان الظاهر ان الرجل لم يوثق.

و منها ما ارسله ابن بكير عن رجل من اصحابنا قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الجص فيكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل فقال اما أن يأخذ كله بتصديقه و اما يكيله كله «2» و هذه الرواية من حيث الدلالة تامة و لكن من حيث السند مخدوشة بالارسال.

و منها ما رواه محمد بن حمران قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدقناه و اخذناه بكيله فقال:

لا بأس فقلت: أ يجوز ان ابيعه كما اشتريته بغير كيل قال: لا أما انت فلا تبعه حتي تكيله «3» و الظاهر ان الحديث تام سندا و دلالة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 6.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 147

«قوله قدس سره: و فحوي مفهوم رواية ابي العطارد»

الظاهر ان الوجه في الاولوية ان المستفاد من حديث أبي العطارد عدم الجواز في صورة عدم الاعتماد باخبار البائع فتدل الرواية علي عدم الجواز في صورة كون البيع جزافا محضا بالاولوية.

و يستفاد من الحديث التفصيل في الاعتماد علي اخبار البائع بالمقدار بين الوثوق بقوله و عدمه لكن الحديث ضعيف و الماتن يتعرض لجواز الاعتماد علي اخبار البائع و نتعرض هناك للمسألة تبعا له فانتظر.

«قوله قدس سره: كما في رواية كيل»

الخ و هي ما عن

أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن الجوز لا نستطيع ان نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي علي حساب ذلك العدد قال: لا بأس به «1» فانه يستفاد من الحديث لزوم العد في المعدود و ان لم يمكن يجوز بيعه بالكيل فلا يجوز البيع الجزافي.

[هل الحكم منوط بالغرر الشخصي أم لا]

«قوله قدس سره: ثم ان ظاهر اطلاق جميع ما ذكر»

الخ الشيخ في مقام بيان ان حكمة اشتراط الوزن و الكيل و العد عدم تحقق الغرر و ليس هذا علة كي يدور الحكم مدارها و عليه لا يجوز بيع الموزون بلا وزن و لا كيل و بعبارة واضحة المستفاد من نصوص البات اشتراط بيع الطعام بالوزن أو الكيل أو العد.

و يرد عليه ان المستفاد من بعض نصوص الباب ان الميزان الكلي عدم جواز المجارفة لاحظ ما رواه الحلبي «2» فانه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب عقد البيع و شروطه.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 143.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 148

بعد ما اجاب عن سؤال الراوي بقوله لا يصلح الا بكيل بين روحي فداه ضابطا كليا و ميزانا عاما حيث قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فانه لا يصلح مجازفة فيعلم ان الميزان في الفساد و الصحة كون البيع جزافيا و عدم كونه كذلك.

و ببيان اوضح انه تارة يترتب حكم في الشريعة المقدسة علي موضوع كوجوب العدة عند تحقق التقاء الختانين و لا ندري ان وجوب العدة دائر مدار الحمل أم لا.

و بعبارة اخري: لا ندري ان عدم اختلاط المياه ملحوظ في موضوع الحكم علي نحو الحكمة أو العلة اي الحكم مترتب عند احتمال اختلاط المياه أو

ليس كذلك و اخري يترتب الحكم علي موضوع علي نحو الاطلاق بمقتضي الصناعة و مقدمات الحكمة فلا مجال للترديد و الامر في المقام كذلك لان الميزان الّذي اخذ في موضوع الحكم صريحا عنوان الجزاف فالحكم يدور مداره وجودا و عدما

ان قلت الجزاف كما يظهر من بعض كلمات اللغويين البيع بلا كيل و لا وزن فاذا لم يكل و لم يزن و لم يعد يصدق عليه الجزاف و ان لم يكن البيع غرريا كما لو وضع مقدار من الحنطة في احدي كفتي الميزان و وضع مقدار مجهول من العدس في الاخري و يكون قيمة كل منهما مساويا مع قيمة الاخر و بيع احدهما بالآخر يكون العقد باطلا لكونه جزافا.

قلت يظهر من بعض كلماتهم أيضا انه اشرب في مفهوم الجزاف عدم البصيرة و الاقدام بامر بلا روية و بالحدس و التخمين و بعد التعارض يسقط اخبارهم و لا بدّ من طريق آخر في فهم معني الكلمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 149

فنقول مقتضي التبادر ان هذا اللفظ موضوع بإزاء ما يكون مرادفا مع عدم البصيرة.

و ان شئت قلت يفهم من هذا اللفظ في المحاورات عدم انطباق الامر مع الموازين و لذا يقال فلان مجازف في قوله أو زيد اقدم في الامر الفلاني مجازفة و هكذا و التبادر آية الحقيقة كما حقق في محله و كذلك صحة الحمل و صحة السلب آية المجاز و اذا شككنا ان هذا اللفظ لهذا المعني هل كان في زمان المعصوم كذلك أم لا نحكم بمقتضي الاستصحاب القهقري انه كان كذلك من ذلك الزمان فان الاستصحاب المذكور من الاصول اللفظية العقلائية و عليه يدور رحي الاستنباط في كثير من الموارد فتكون

النتيجة جواز العقد اذا لم يكن جزافا و ان كان المقدار مجهولا فالميزان في عدم الصحة بالجزاف لا بالجهل المقدار.

«قوله قدس سره: كما اذا كان للمتبايعين حدس قوي»

الخ اذا كان الامر كذلك لا يكون المقدار مجهولا و بعبارة اخري الكيل الخارجي أو الوزن كذلك و هكذا العدّ ليس لها موضوعية بل المناط العلم بالمقدار و المفروض انهما بالحدس يعلمان بالمقدار فالاستثناء منقطع.

«قوله قدس سره: قليلا لم يتعارف»

الخ مع عدم التعارف اما لقلته أو لكثرته كزبرة من حديد لا يكون المبيع داخلا في المكيل و الموزون فهذا الاستثناء أيضا منقطع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 150

«قوله قدس سره: اشير في صحيحة عبد الرحمن»

فعن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام:

اشتري الشي ء بالدراهم فاعطي الناقص الحبة و الحبتين قال: لا حتي تبينه ثم قال: الا ان يكون نحو هذه الدراهم الاوضاحية التي تكون عندنا عددا «1»

و لا يبعد أن يكون المراد من الدراهم الاوضاحية هي الدراهم التي تكون مركبة من النحاس و الفضة و كانت رائجة مثل الدراهم الصحيحة.

[وجوب معرفة العدد في المعدود و الدليل عليه]

«قوله قدس سره: ثم ان الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه»

الخ الامر في المعدود كما افاده فانه يستفاد الاشتراط فيه من حديث الجوز الذي تعرضنا له قريبا فالنتيجة ان الامر بالنسبة الي الطعام و المعدود واضح اذ الدليل المعتبر دال علي الاشتراط فيهما.

انما الكلام في بقية الاشياء فهل يجب العلم بالمقدار في جميع الموزونات و المكيلات أم يختص الحكم بخصوص الطعام؟ فنقول:

ان كان المدرك للاشتراط حديث نفي الغرر يلزم العلم بالمقدار في جميع الموارد كي لا يلزم الغرر ففي كل مورد يصدق عنوان الغرر يكون العقد باطلا.

و لكن قد ذكرنا

انه لا مجال للاستدلال علي المدعي بحديث لا غرر فان حديثه مخدوش سندا و دلالة اما سندا فلعدم تماميته و عدم انجباره بجابر و اما دلالة فلما ذكرنا من ان الغرر بمعني الخديعة

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الصرف الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 151

لا بمعني الجهل مضافا الي ان حمل النهي علي الوضعي خلاف الظهور اللفظي.

و ان كان المدرك للحكم النصوص الخاصة التي تعرضنا لها فلا يستفاد منها الا اشتراط العلم بمقدار في خصوص الطعام و لا يستفاد منها ازيد من هذا المقدار كما انه لا يستفاد الاشتراط من حديث الجوز الا في خصوصه و اما الزائد عليه فلا فتحصل ان الاشتراط مخصوص بالطعام و اما في غيره فان تم اجماع علي الاشتراط فهو و الا يكون مقتضي القاعدة عدمه.

«قوله قدس سره: بخلاف مثل الشاة»

الخ حيث ان المذكورات تعرف بالمشاهدة لا بالعدد و لا بالوزن و الكيل.

[مسألة في التقدير بغير ما يتعارف التقدير به]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة لو قلنا بان المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل و الموزون».

وقع الكلام بين القوم في أنه هل يجوز بيع المكيل بالوزن و بالعكس أم لا و الذي يمكن أن يقال ان الحكم يختلف باختلاف مدركه و لذا افاد الشيخ قدس سره بأنه ان كان المناط الفرار عن الغرر يجوز بيع كل من المكيل و الموزون بالآخر اذا فرض عدم عروض الغرر فان المفروض انه المانع.

و اما ان كان المدرك النصوص الخاصة فقد تقدم ان مقتضي اطلاق الروايات لزوم تقدير كل من القسمين بما يكون متعارفا فالموزون بالوزن و المكيل بالكيل و بعد ذلك ذكر الاقوال الواردة في المقام هذا ملخص كلامه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص:

152

اقول قد تقدم منا ان المستفاد من جملة من نصوص الباب وجوب الاجتناب عن المجازفة فيصح البيع اذا لم يكن جزافيا فهذا هو الميزان و عليه يجوز بيع كل منهما بالآخر اذا لم يصدق عنوان الجزاف.

و اما الاستدلال علي الجواز بحديث وهب عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السلام قال لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن «1».

بتقريب ان المستفاد منه جواز تقدير كل من القسمين بالآخر فيرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بوهب بن وهب فانه لم يوثق.

و ثانيا انه يمكن ان يكون المراد من الحديث جواز جعل احد العوضين من الموزون و جعل العوض الاخر من المكيل لا تقدير احدهما بالتقدير الاخر.

«قوله قدس سره: فالظاهر جوازه»

الامر كما افاده اذ علي هذا التقدير يكون الموزون بالوزن غاية الامر يكون الكيل أمارة علي الوزن و ما به التفاوت مما يتسامح فيه مضافا الي انه في مفروض الكلام لا يكون العقد جزافا.

«قوله قدس سره: و يؤيده رواية عبد الملك بن عمرو»

الخ لاحظ ما رواه عبد الملك بن عمرو قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اشتري مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما ثم آخذ سائره علي قدر ذلك قال: لا بأس «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب السلف الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 153

و الظاهر ان الحديث دليل علي المطلوب و لا وجه لان يعتبر بالتأييد فان الرواية تدل علي الجواز بالصراحة و صفوة القول ان المستفاد من جملة من النصوص ان المانع عن الصحة الجزاف و عليه لا يجوز بيع

المكيل بالوزن و لا الموزون بالكيل اذ لكل واحد منهما قيمة و مالية خاصة.

«قوله قدس سره: نعم ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية»

الخ و هي ما روي عن ابي عبد اللّه عليه السلام «1» وجه التنافي ان المستفاد من هذه الرواية عدم جواز الكيل طريقا الي العد و يرد عليه ان الامر بالعكس فانه يستفاد من هذه الرواية جواز جعل الكيل طريقا الي العد و العجب من الشيخ قدس سره كيف تعرض لقولهم و لم يرده و الحال ان الامر اوضح من ان يخفي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ما تقدم من صحيحة الحلبي»

الخ و هي ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2» فانه لا يستفاد من الرواية لزوم بيع المكيل بالكيل و الموزون بالوزن بل المستفاد منه انه لا يجوز الجزاف.

«قوله قدس سره: فالظاهر جواز بيع الكيل وزنا»

الخ ان تحقق اجماع تعبدي علي الجواز فهو و الا يشكل الامر فان المستفاد من النصوص لزوم بيع الموزون بالوزن و المكيل بالكيل اذ لولاه يلزم الجزاف و بعبارة اخري لكل مقدر مالية خاصة و قيمة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 147.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 143.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 154

سوقية و يكون التجاوز عنها عمل بلا روية و بلا بصيرة.

و قد نهي عنه في جملة من النصوص بل يدل علي النهي عنه احاديث الحلبي «1» فانه صرح في الحديث الثاني بعدم جواز بيع ما يكال الا بالكيل و لم يستثن التقدير بالوزن و الحديثان الآخران اي الاول و الثالث كالحديث الثاني فان كلها في مقام بيان امر واحد و أيضا يدل علي المدعي ما رواه

سماعة «2».

«قوله قدس سره: اذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكاييل عليه»

الخ لا فرق بين الوزن و الكيل من هذه الجهة فان كل واحد منهما امر جعلي اعتباري و لا واقع ثابت لشي ء منهما فلا فرق.

«قوله قدس سره: غير جائز لان مجرد ذكر احد هذه العنوانات عليه»

الخ لا اشكال في انه لا يشترط المعرفة التفصيلية بالاوزان و المكاييل بل المعرفة الاجمالية كافية و السيرة جارية عليها فان كل مسافر اجنبي اذا ورد الي بلد من البلاد النائية يشتري الموزون و المكيل و المعدود بحسب ما هو المتعارف عند اهل ذلك البلد مع ان الغريب الوارد في ذلك البلد لا يعرف خصوصيات المقادير و الاوزان.

و بعبارة واضحة انه يصدق انه اشتري الشي ء الفلاني بالوزن الكذائي أو بالمكيال الفلاني و لا يكون بحكم المشاهدة فيصدق عليه ما ورد في النص من ان الموزون و المكيل يلزم ان يباع بالوزن

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الاحاديث في ص 143 و 145.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 145.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 155

و الكيل و لا يصدق عليه عنوان الجزاف.

«قوله قدس سره: لكن التقرير غير واضح»

الخ بل اعتقاد السائل عدم الجواز غير واضح فان مجرد الجهل بالحكم يقتضي السؤال بحسب ما يرتكز عند عامة الناس فان رجوع الجاهل الي العالم في الامور المبتلي بها امر ارتكازي عادي.

نعم جواب الامام عليه السلام لا يشمل مورد غير الضرورة لان قوله عليه السلام لا بأس به وارد في خصوص مفروض السائل و لا مفهوم له ينفي عن غير ذلك المورد لكن الجواز امر علي طبق القاعدة الاولية اذ الوزن أو الكيل أو العد كلها طريق الي الواقع فطبعا يقوم مقامها

طريق آخر و هذا واضح ظاهر.

«قوله قدس سره: و اما الوزن فالظاهر كفايته»

الخ لا فرق بين الكيل و الوزن من هذه الجهة كما مرّ في جواز بيع المكيل بالوزن.

«قوله قدس سره: بل ظاهر قولهم في السلم انه لا يكفي العد في المعدودات»

الخ لا وجه لعدم الجواز و جملة من كلماتهم تدل علي الجواز فلاحظ.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله بقوله فافهم يشير الي ان ما نحن فيه قوامه بالتعارف و الجعل و لا تكون له حقيقة و واقعية فلا مجال لهذا الكلام.

[الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا]
اشارة

«قوله قدس سره: بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشي ء مكيلا أو موزونا»

الخ

[المشهور أن ما كان موزونا أو مكيلا أو معدودا في زمنهم عليهم السلام يكون كذلك الي يوم القيامة]
اشارة

قال سيدنا الاستاد قدس سره ذكر المشهور ان ما كان موزونا أو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 156

مكيلا أو معدودا في زمنهم عليهم السلام يكون كذلك الي يوم القيامة.

و اما غيره من بقية الاشياء فان كان فيه عرف عام يعامل معه كذلك و الا ففي كل بلد يكون الحكم تابعا لما تعارف فيه.

ثم أورد علي هذه المقالة و قال ما ذهب إليه المشهور يستلزم المحال و لا يمكن اجتماع الامرين في إنشاء واحد و السرّ فيه ان لحاظ ما في زمنهم موزونا أو مكيلا أو معدودا يكون علي نحو القضية الخارجية المحفوظ فيه جميع الخصوصيات و لا يتصور فيه الاطلاق و ما يلاحظ في غيره يلاحظ علي نحو القضية الحقيقة و علي نحو فرض الموضوع علي نحو الاطلاق و لا يمكن الجمع بين نحوين في إنشاء واحد هذا ملخص كلامه.

و يرد عليه ان المانع عن إنشاء الامرين بانشاء واحد اما ثبوتي و اما اثباتي. اما الاول فلا نري فيه مانعا و أي مانع في جعل الحكم نحوين و ابرازه و اما المانع الاثباتي فغاية ما يمكن ان يقال في وجه المنع انه يلزم استعمال اللفظ في اكثر من معني واحد و هذا غير معقول اذ استعمال اللفظ في المعني جعل اللفظ فانيا و مندكا في المعني و عليه يلزم من استعمال لفظ واحد في اكثر من معني واحد اما وحدة المعني و اما تعدد اللفظ و كلاهما خلاف الواقع فيلزم ان يكون الواحد متعددا و هذا خلف و محال.

و يرد عليه ان المعني المذكور باطل و فاسد و عاطل

ليس تحته شي ء فان الانشاء عبارة عن النشو و ابراز، ما في النفس الي الخارج و الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ بحسب التعهد الوضعي علامة لارادة المعني و عليه يمكن الاتيان بلفظ واحد و إرادة آلاف من المعاني.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 157

مضافا الي أنه لا يلزم إنشاء الحكمين بانشاء واحد كي يتوهم الاستحالة بل يمكن ابراز كل واحد منهما بانشاء غير الانشاء الاخر فلاحظ. اذا عرفت ما ذكرنا نقول

ما يمكن ان يذكر في تقريب مذهب المشهور وجوه.
الوجه الأول: الاجماع

و فيه ما فيه فان المنقول منه غير حجة و المحصل منه غير حاصل و علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يعتد به.

الوجه الثاني: ان المراد بالعناوين المصاديق الموجودة في زمان المتكلم المشرع للاحكام

و فيه انه انما يكون كذلك فيما يكون القضية علي نحو القضية الخارجية و الا فلا.

الوجه الثالث: ان الموضوع يلزم اخذه من الشارع كما ان الحكم كذلك

فعليه يلزم حمل اللفظ علي ما هو المتعارف عنده.

و يرد عليه ان الموضوع ان كان مخترعا من مخترعات الشارع يلزم اخذه منه و اما ان كان الموضوع عرفيا يلزم اخذه منه مضافا الي انه علي هذا فما الوجه في التفصيل بين ما كان موزونا في ذلك الزمان و غيره فانقدح بما ذكرنا انه لا وجه لما ذهب إليه المشهور و الحق ان يقال ان هذا الحكم كبقية الاحكام ثابت لموضوعه علي نحو القضية الحقيقة ففي كل مورد تحقق الموضوع يترتب عليه الحكم اذ الحكم بالنسبة الي الموضوع كالمشروط بالنسبة الي شرطه فكما ان تحقق المشروط تابع لتحقق الشرط كذلك الحكم بالنسبة الي موضوعه و لذا يمكن ان يختلف شي ء واحد بحسب اختلاف الازمنة او الامكنة و البلدان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 158

نعم اذا كان عرف عام يحمل اللفظ عليه كما يستفاد من حديث علي بن ابراهيم عن رجاله ذكره في حديث طويل قال و لا ينظر فيما يكال و يوزن الا الي العامة و لا يؤخذ فيه بالخاصة فان كان قوم يكيلون اللحم و يكيلون الجوز فلا يعتبر بهم لان اصل اللحم ان يوزن و اصل الجوز ان يعد «1».

فان الحديث يدل بالصراحة علي تقديم العرف العام علي العرف الخاص لكن الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

و لعله قدس سره بامره بالتأمل يشير الي الاختلاف في ان المقدم العرف العام أو الخاص، و حيث ان الرواية غير معتبرة لا يمكن اثبات احد الطرفين بها و الذي يختلج بالبال ان يقال اذا ثبت من الشارع اعتبار خاص

يرجع إليه و الا فان كان عرف عام بحيث يتبادر الي الذهن يكون هو المرجع و الا يكون المتبع في كل مكان و بلدة المتعارف عند اهل تلك البلدة و عليه تتفرع في المقام فروع.

الفرع الأول: انه لو كان من الشارع الاقدس تعبد خاص يتبع بلا اشكال و لا كلام.

الفرع الثاني انه لو كان هناك عرف عام بحيث يتبادر الي الذهن يكون متبعا بلا كلام.

الفرع الثالث: انه لو كان الامر مختلفا بحسب البلدان يكون الحكم تابعا لعرف كل بلد.

الفرع الرابع: ان الميزان ببلد فيه المبيع.

الفرع الخامس: انه لو تعاقدوا في الصحراء فان كانا متفقين فهو

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الربا الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 159

و ان كانا مختلفين فربما يقال بالتخيير و ربما يقال بان كل واحد يعمل علي طبق رأيه و ربما يقال يقرع و ربما يقال يؤخذ بما هو اقرب الي بلده و ربما يقال المناط البلد الاعظم و الظاهر انه ليس لها مدرك صحيح اما التخيير فلا دليل عليه و اما القرعة فأيضا لا دليل عليها و اما العمل علي طبق الرأي فأيضا غير صحيح فان البيع مجموع من الايجاب و القبول فالجمع بين الرأيين هو القدر المقطوع من الفاسد و أيضا لا دليل علي الترجيح بالاقربية و لا بالاعظمية.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول لا يبعد أن يكون الحق ان دليل الاشتراط لا يشمل مثله اذ شموله لكلا الطرفين غير معقول و ترجيح احدهما علي الاخر بلا مرجع و التخيير لا دليل عليه فالدليل غير شامل و يكون مقتضي القاعدة الاولية عدم الاشتراط فانه مقتضي قوله تعالي «احل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» فلاحظ.

[مسألة لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه علي المشهور]
اشارة

«قوله

قدس سره: مسئلة لو اخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه»

الخ وقع الكلام بين القوم في جواز الاعتماد علي اخبار البائع بمقدار المبيع و عدمه و انعقاد هذه المسألة بعد فرض اشتراط البيع بالعلم بمقدار و الا فلا مجال له كما هو ظاهر.

فنقول تارة يقع البحث في مقتضي القاعدة الاولية و اخري في مقتضي النص الخاص فهنا مقامان.

اما

المقام الأول [في مقتضي القاعدة الأولية]

فلا بد من التفصيل بين حصول العلم أو الاطمينان من اخباره و عدمه فعلي الاول يجوز و علي الثاني لا يجوز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 160

و اما

المقام الثاني [في مقتضي الروايات]

فمقتضي بعض الروايات جواز الاعتماد لاحظ ما رواه محمد بن حمران «1».

فان هذه الرواية صدرا و ذيلا تدل علي جواز الاعتماد علي اخبار البائع بمقدار المبيع اما الصدر فدلالته علي المدعي ظاهرة اذ السائل فرض تصديق البائع في اخباره و الامام عليه السلام صرح في الجواب بقوله لا بأس و اما الذيل فالامام عليه السلام انما جوز بيعه بعد الكيل فيعلم انه يكفي لجواز البيع كيل البائع فيكفي اخباره.

الا أن يقال انه لا ملازمة بين جواز البيع بعد الكيل و اعتبار قول البائع في اخباره بالمقدار و ربما يتوهم وقوع التعارض بين هذه الرواية و ما رواه الحلبي «2».

فان المستفاد من هذه الرواية عدم الجواز الا مع الكيل و لكن يمكن أن يقال ان رواية الحلبي مطلقة من حيث كون الاشتراء علي طبق اخبار البائع و عدمه و اطلاقه يقيد برواية ابن حمران و الدليل علي الاطلاق ان الامام عليه السلام علل الحكم بعدم الجواز بقوله ان الطعام الذي يباع بالكيل لا يجوز بيعه جزافا فالمنهي البيع الجزافي و من الظاهر ان البيع المبني علي اخبار البائع و علي حسب تقديره لا يكون جزافا فلاحظ.

و يمكن الجمع بين الحديثين بنحو آخر بان نقول رواية الحلبي مطلقة من حيث كون الاخبار حدسيا أو حسيا و حديث ابن حمران ظاهر في الاخبار الحسي فيقيد الاطلاق بالمقيد اللهم الا أن يقال

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 146.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 143.

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 3، ص: 161

انه لا وجه لحمل الاخبار في حديث الحلبي علي الاعم و حمل الاخبار في الحديث الاخر علي الحسي فتحصل انه يجوز الاعتماد باخبار البائع.

ثم انّه هل يشترط اعتبار قوله بكونه ثقة أو بشرط حصول الظن من اخباره؟ مقتضي اطلاق حديث ابن حمران عدم الاشتراط و مثله ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام اشتريه منه بكيله و اصدقه فقال لا بأس و لكن لا تبعه حتي تكيله «1».

و ربما يقال: بأنه لا بدّ من تقييد الاطلاق بحديث أبي العطارد «2» فان مقتضاه الجواز مع الائتمان فلا بد من تقييد الاطلاق بهذا القيد لكن حديث أبي العطارد ضعيف سندا حيث انه لم يوثق فلا يرفع اليد عن الاطلاق.

و يمكن الاستشهاد علي الاطلاق و عدم تقييد الاعتماد بشي ء بوجهين:

احدهما قول السائل في مقام السؤال صدقناه و لو كان اخباره موجبا لحصول العلم لم يكن مجال للتصديق و بعبارة اخري الظاهر من التصديق التصديق العملي مع الشك.

ثانيهما: قوله عليه السلام اما انت فلا تبع الا مع الكيل و الحال انه لو كان عالما بصدق الخبر لم يكن وجه للكيل اذا لكيل لا موضوعية له قطعا فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 162

«قوله قدس سره: و يندفع الغرر ببناء المتعاملين علي ذلك المقدار»

الخ المراد من هذه الجملة غير واضح فان كان المراد التعليق علي المقدار الخاص يلزم البطلان من جهة التعليق مضافا الي ان مقتضي التعليق بطلان البيع عند التخلف و الحال ان

بنائهم علي الصحة و ثبوت الخيار. و ان كان المراد بيع العين بلا تعليق و لكن يشترط الخيار في فرض عدم كونه ذلك المقدار فانه مع شرط الخيار لا يكون البيع جزافا تتوجه شبهة و هي ان اشتراط الخيار في العقد يتوقف علي تمامية ذلك العقد و صحته فاشتراط الخيار يتوقف علي تمامية العقد و الحال ان تماميته تتوقف علي الشرط فيلزم الدور المحال.

مضافا الي انه لا يمكن الالتزام به اذ علي تقدير التخلف لا يقع الثمن في مقابل جميع المبيع فانه علي تقدير الزيادة يكون الزائد للبائع و تتحقق الشركة بين المتعاقدين و علي تقدير النقيصة يتحقق تبعض الصفقة فيكون المراد من البناء ان العقد يقع علي العين بعنوان كل رطل مثلا بكذا مقدار أو كل من فاذا قال البائع هذا السمن عشرة امنان فاشتراه المشتري بعشرة توامين يكون معناه كل من بتومان فلا غرر.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله بالامر بالتأمل يشير الي ان الجزء و الكل و صفان لا يوجبان الاختلاف في الحقيقة بل الاختلاف في الوصف فان جنس الجزء عين جنس الكل فالحق ان الجزء و الكل وصفان عرضيان لا ذاتيان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 163

«قوله قدس سره: تخير المغبون منهما»

الخ لا ارتباط بين هذا الخيار و خيار الغبن فان خيار الغبن علي القول به ناش من الضرر الوارد علي المغبون و المفروض انه لا ضرر في المقام لان الثمن يقابل بما هو موجود في المبيع فعلي تقدير النقصان يتحقق خيار تبعض الصفقة للمشتري و علي تقدير الزيادة يتحقق خيار العيب الناشي من الشركة فانّ الشركة مع الغير بنفسه عيب في المتاع كما هو ظاهر و هل يثبت الخيار للبائع

كما يثبت للمشتري؟

يظهر من كلام العلامة انه يثبت الخيار للبائع في صورة الزيادة و لكن سيدنا الاستاد قدس سره فصل بين البائع و المشتري و قال: يثبت الخيار للمشتري للعيب الّذي في المبيع بلحاظ الشركة و اما بالنسبة الي البائع فلا خيار لعدم المقتضي.

و اظن ان الوجه في التفصيل الذي ذكره ان خيار العيب انما يثبت للمشتري للنص الخاص الوارد في خيار العيب و أما بالنسبة الي البائع فلا.

و يرد عليه أولا بالنقض بصورة ما لو باع عبدا بعنوان كونه مريضا فاصبح صحيحا فانه يثبت للبائع الخيار بواسطة تخلف الوصف كما هو قدس سره صرح به و ثانيا ان حكم الامثال واحد و الشرط الارتكازي العقلائي يقتضي ثبوت الخيار للبائع كما يثبت للمشتري فلا وجه لتفصيله الذي ذكره بلا تقريب برهان و اقامة دليل عليه.

«قوله قدس سره: و انما الاشكال في ان المتخلف في الحقيقة هل جزء المبيع الخ»

لا اشكال في ان التخلف في المقام تخلف الجزء و هذا واضح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 164

غير محتاج الي البحث و ربما يتضرر و يتخيل ان العقد باطل من اصله لانه وقع علي المقدار الكذائي فانكشف خلافه فكما لو باع حمارا وحشيا فاصبح المبيع عبدا حبشيا يكون البيع باطلا كذلك الحكم في المقام.

و يرد عليه ان القياس مع الفارق فان المبيع متعلق بصور نوعية عقلية كانت أو عرفية و مع التخلف يكون العقد باطلا اذ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و بعبارة واضحة ان العقد لا يتعلق بالهيولي بل يتعلق بالصورة و مع التخلف ينكشف الخلاف و البطلان و اما لو لم يكن العنوان المأخوذ في العقد كذلك لا يكون

وجه للبطلان عند التخلف بل غايته ثبوت الخيار و المقام كذلك.

«قوله قدس سره: فلذلك اختلف في ان الامضاء هل هو بجميع الثمن أو بحصة منه»

الخ قد ظهر مما ذكرنا ان الاختلاف بالجزء و الكل و لهذا يقسط الثمن علي المبيع بالمقدار فيكون الخيار من باب تبعض الصفقة فمع زيادة المبيع تكون الزيادة للبائع و علي تقدير النقيصة يرجع الثمن بالمقدار المقابل لما نقص الي المشتري و هذا ظاهر.

«قوله قدس سره: يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد لثبوت الغرر»

الخ تارة يقع البيع علي طبق التخمين و لكن مبنيا علي المقدار الكذائي بحيث يقسط الثمن علي اجزاء المبيع. و اخري يقع العقد علي طبق التخمين بلا ملاحظة التقسيط.

أما الصورة الأولي فلا وجه لبطلان العقد لعدم الغرر فلا وجه للفساد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 165

و أما الصورة الثانية فما يمكن ان يذكر في تقريب البطلان وجهان. الوجه الأول لزوم الغرر و هو منهي عنه. و فيه انه مرّ مرارا ان الحديث لا مدرك معتبر له.

الوجه الثاني ما ورد من النصوص الدالة علي ان البيع جزافا غير صحيح. و فيه ان النصوص المشار إليها تختص بالمكيل و الموزون و المعدود فلا وجه لاسراء الحكم من ذلك المقام الي مقامنا هذا.

فالنتيجة ان بيع غير ما دل الدليل فيه علي الاشتراط يجوز و لو مع الجهل بمقدار المبيع اضف الي ذلك كله ان الجهل بمقدار المبيع اعم من الغرر.

و يضاف الي ذلك كله انه قد تقدم منا احتمال كون الغرر عبارة عن الخديعة فلا يرتبط بما نحن بصدده.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعله يشير بالامر بالفهم الي انه لا خصوصية للوزن و الكيل و العد فانها طريق الي

درك الواقع.

[مسألة بيع بعض من جملة متساوي الأجزاء]
[الأول أن يريد بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان]
اشارة

«قوله قدس سره: و لا اشكال في صحة ذلك»

الخ الامر كما افاده فان المقتضي للصحة موجود و لا مانع عن التأثير و بعبارة واضحة ان جواز تعلق البيع بالكسر المشاع من الامور الواضحة و السيرة جارية عليه فلا وجه للاشكال.

«قوله قدس سره: و لم يعلم وجه الفرق الا منع ظهور الكسر المشاع من لفظ العبد و الشاة.»

حيث انه لا يطلق العبد بماله من المفهوم علي نصفين من عبدين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 166

و كذلك لا يطلق لفظ الشاة علي نصفين من شاتين بخلاف لفظ الحنطة حيث يطلق علي كل جزء من اجزاء الصبرة و هذا الاختلاف راجع الي مقام الاثبات و الدلالة. و الكلام في مقام الثبوت.

فالنتيجة انه لا اشكال في القسم الأول انما الكلام في ان ملكية المشاع باي نحو فربما يقال بان كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالك لمقدار من العين بنحو الكلي في المعين و هذا القول باطل اذ يلزم ان لا تكون الخصوصيات مملوكة لاحد و الحال انه لا شبهة في ان الخصوصيات مملوكة و مشتركة بين الشريكين أو الشركاء و ربما يقال ان كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالك للكل لكن بملكية ضعيفة.

و هذا القول في غاية الفساد اذ يرد عليه أولا انه لا مقتضي لكون كل واحد من الشريكين مالكا لتمام العين.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 166

و ثانيا انه كيف يمكن ان تكون عين واحدة مملوكة لمالكين.

و ثالثة ان احد المالكين لدار لو باع نصف الدار بلا اذن

شريكه نسأل هل يكون بيعه صحيحا أم لا؟ أما علي الاول فنقول اذا كانت الملكية الضعيفة مقتضية لجواز البيع يلزم ان يكون بيع الكل أيضا صحيحا و الحال انه ليس كذلك.

و أما علي الثاني فيكون خلاف الضرورة و يستلزم لغوية خيار الشفعة و ربما يقال ان كل واحد من الشريكين أو الشركاء مالك لحصة خاصة من العين.

و يرد عليه ان اختصاص تلك الحصة الخاصة باحدهما و اختصاص الحصة الخاصة الاخر بالآخر تخصيص و ترجيح بلا مخصص و مرجح.

[الاستدلال علي أن مجموع الشريكين او الشركاء مالك للعين]
اشارة

و ربما يقال ان مجموع الشريكين أو الشركاء مالك للعين ذهب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 167

إليه سيدنا الاستاد قدس سره و استدل علي مدعاه بوجوه:

الوجه الأول: انه قد ثبت في الفلسفة عدم وصول الجسم الي حد لا يكون قابلا للقسمة.

و بعبارة اخري: انكروا امكان الجزء الذي لا يكون قابلا للتجزية و علي هذا الاساس انكروا الجوهر الفرد فكل جزء قابل للتجزية و لا يصل الجسم الي حد لا يكون قابلا للقسمة و لكن بالنظر العرفي ليس كذلك فانه يصل الجسم الي حد لا يكون قابلا للقسمة و عليه اذا وصل الي هذا الحد إما يكون مملوكا لكلا الشريكين و إما يكون ملكا لاحدهما دون الاخر و اما لا يكون مملوكا.

أما علي الاول فيحصل المطلوب و هذا هو المدعي و اما علي الثاني فيلزم الترجيح بلا مرجح و اما علي الثالث فيلزم امر خلاف الضرورة الفقهية.

و يرد عليه أولا النقض بمملوك لشخص واحد فانه لو فرض وصول جسم مملوك لمالك واحد الي حد غير قابل للقسمة فلو فرض قسمته نسأل ان ذلك الجزء الفرضي مملوك للمالك أم لا؟ اما علي الاول يعود المحذور و اما علي الثاني فلا يمكن الالتزام به.

ان قلت: هذا فرض و خيال و الاحكام الشرعية لا تبتني علي الفروض و الخيالات.

قلت: هذا صحيح و لذا اصل الاشكال غير وارد اذ يكون توجه الاشكال مبنيا علي الفرض و الخيال.

و ثانيا انا نلتزم بكون الجسم و لو لم يكن قابلا للتقسيم مشتركا بين شريكين اذ يكفي لاعتبار الملكية الفرض.

و ثالثا: انه يمكن ان يقال بانه اذا وصل الي هذا الحد لا يكون مملوكا بل يكون جزء المملوك فالنتيجة ان الوجه الأول المذكور

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 168

في كلامه غير تام.

و لكن يمكن

ان يقال ان الذي افيد غير مفيد اذ لو سلم ان الجزء الفرضي غير قابل لان يكون مملوكا لاحد فلا اثر لكونه جزء للمملوك اذ لو قلنا ان العين مملوكة لكلا المالكين و الشريكين يتم مدعي سيدنا الاستاد و ان لم نقل به يلزم ان يكون بلا مالك فلا تغفل.

الوجه الثاني: انه لو بقي شي ء من الميت و انتهي عدد الوراث الي حد لا يكون نصيب كل واحد منهم ذا مالية

و فرضنا ان شخصا اتلف تلك العين لا يتحقق الضمان اما لو كان المالك مجموع الورثة يصدق اتلاف المال و هل يمكن الالتزام بعدم الضمان؟ كلا.

و يرد عليه أولا: انه مجرد فرض و خيال و لا واقع له. و ثانيا انه علي هذا الفرض ان المالك شخص واحد و لكن الغاصب اتلف ماله بالتدريج كما لو اتلف صبرة من الحنطة و لكن بالتدريج بان اتلف الصبرة حبة حبة فانه يلزم علي البيان المذكور عدم الضمان فكل ما يجاب عنه هناك يجاب به عن مورد كلام سيدنا الاستاد.

و ثالثا: انه لا اشكال في صدق انه اتلف المال و في السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع لا فرق بين اقسام اتلاف المال من جهة تحقق الضمان و بعبارة اخري لا اشكال في ان الورثة شركاء في هذه العين فأيضا هم شركاء في بدله و بعبارة واضحة يصح ان يقال ان الغاصب اتلف مملوكا لتلك الجماعة فيكون ضامنا لهم فهذا الوجه أيضا غير صالح لاثبات المدعي.

الوجه الثالث: ان الاشاعة بالمعني المشهور لا تتصور في البسائط

كحق التحجير مثلا و أيضا لا تتصور بالنسبة الي الافعال و اما بالمعني الذي ذكر فامر قابل فانه لا مانع عن كون الحق الفلاني

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 169

أو الفعل الفلاني مملوكا لمالكين أو ملاك ثلاثة. اذ لا يلزم عليه القسمة و اما علي القول الاخر فتلزم فيه القسمة و البسائط غير قابل للقسمة.

و يرد عليه ان البسائط لا تكون قابلة للقسمة الخارجية و اما القسمة الاعتبارية فلا مانع فيها فالوجوه المذكورة كلها باطلة.

و يمكن الاستدلال علي بطلان الدعوي المذكورة بانه لو فرض شخصان مالكان و شريكان في دار علي نحو الاشاعة فنسأل انه لو باع احدهما نصيبه بلا اذن

شريكه فاما يكون بيعه صحيحا أم لا؟

أما علي الاول فيلزم نفوذ تصرف من لا يكون مالكا فان كل واحد من الشريكين نصف المالك لا تمامه و نفوذ تصرف غير المالك خلاف القاعدة.

و أما علي الثاني فيلزم خلاف الضرورة و يلزم انسداد باب حق الشفعة و لغوية جعله الا ان يقال انه قد ثبت في الشرع الاقدس نفوذ تصرف كل شريك بالنسبة الي نصيبه فلا اشكال من هذه الجهة.

[الثاني أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه]
اشارة

«قوله قدس سره: الثاني ان يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه»

الخ يقع الكلام تارة في تصوير القسم المذكور و اخري في امكان وقوع العقد عليه فهنا مقامان. اما

المقام الأول: [في تصوير القسم المذكور]

فنقول اذا كان المراد من الفرد المنتشر المبهم بحسب الواقع و نفس الامر فهذا امر غير معقول اذ كل موجود في العالم له تميز و تشخص غاية ما يمكن ان يقال اختصاص معرفته بعلام الغيوب و الذي يعلم الغيب بعناية اللّه تعالي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 170

و بعبارة اخري المبهم و غير المشخص غير موجود و غير مخلوق له تعالي. و ان كان المراد بالفرد المنتشر الجامع الانتزاعي كقول المولي جئني بواحد من هؤلاء العشرة الجالسين فهذا امر معقول و يمكن تعلق التكليف به كما في المثال المذكور و كما في خصال الكفارة متعلق الحكم مردد بين امور لكن ليس هذا فردا منتشرا بل يعبّر عنه بالكلي و بالجامع الانتزاعي و ان كان المراد من المردد و المبهم المعلوم عند اللّه المجهول عندنا كما لو قال بعتك العبد الذي يزورنا قبل كل زائر أو بعتك العبد الاكبر سنا الي غير ذلك من الاوصاف المعينة المفردة فهذا امر معقول و له واقع و معلوم عنده تعالي.

و أما

المقام الثاني [في إمكان وقوع العقد عليه]
اشارة

فنقول لا كلام في بطلان العقد اذا كان متعلقه القسم الأول كما هو ظاهر فان المفروض انه لا واقع له فكيف يتعلق به البيع.

و أما القسم الثاني فيمكن ان يتعلق به البيع و يدل علي المدعي بيع الكلي في المعين اذ يجوز تعلق البيع بالكلي في المعين كما لو باع صاعا من الصبرة فلو كان البيع جامعا للشرائط المقررة لا مانع عن تعلقه بالكلي في المعين.

و بعبارة واضحة انه لا اشكال في صحة بيع الكلي في المعين و السيرة الخارجية العقلائية جارية عليه و ممضي عند الشارع الاقدس.

مضافا الي النص الخاص الوارد فيه. لاحظ ما رواه

بريد بن معاوية عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري من رجل عشرة آلاف طن قصب في انبار بعضه علي بعض من اجمة واحدة و الانبار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 171

فيه ثلاثون الف طن فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت فاعطاه من ثمنه الف درهم و وكل المشتري من يقبضه فاصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون الف طن و بقي عشرة آلاف طن فقال:

العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري و العشرون التي احترقت من مال البائع «1».

و الظاهر ان هذا ليس محل الكلام و الاشكال فان ما وقع محل الاشكال الجزئي الخارجي الذي يعبرون عنه بالفرد المنتشر و هو القسم الثالث المذكور في كلامنا في مقام تعداد الاقسام. فنقول

ما يمكن ان يذكر في تقريب المنع وجوه.
الوجه الأول ان المبيع مجهول و بيع المجهول باطل اجماعا.

و يرد عليه انه لا دليل علي كون مجرد الجهل موجبا للفساد و الاجماع المدعي في المقام لا اثر له فان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني انه مبهم و الابهام في المبيع يوجب فساد البيع

و يرد عليه انه ما المراد من المبهم فان المراد به ان كان ما لا واقع له فهو لا يجوز بيعه، و لكن الكلام ليس فيه. و ان كان المراد به ماله واقع و لكن مجهول فلا وجه لكونه مفسدا للبيع.

الوجه الثالث انه غرري و الغرر يوجب الفساد.

و فيه أولا انه لا دليل علي كون الغرر مفسدا و ثانيا انه يمكن تصويره علي نحو لا يكون غرريا كما لو علم المشتري بان المبيع يسوي

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من ابواب عقد البيع و شروطه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 172

مقدار الثمن و البائع أيضا يعلم به. و ثالثا انه لا مجال لتحقق الغرر اذ المفروض ان البائع يملك ما يسوي الثمن من المشتري فلا غرر فيه و لا خطر يتصور فلا تغفل.

الوجه الرابع: ان الملكية امر وجودي يلزم تعلقها بامر موجود في الخارج و عنوان احدهما امر انتزاعي غير قابل لذلك

و يرد عليه ان المفروض في كلامنا تعلق البيع بفرد معين موجود في الخارج.

فتحصل ان شيئا من الوجوه المذكورة لا يكون وجها وجيها لاثبات المدعي فالنتيجة ان البيع في هذا القسم صحيح فلاحظ. هذا فيما يكون جميع الافراد متساوية من حيث القيمة.

و أما لو فرض تفاوت القيمة فيمكن ان يقال ان البيع باطل اذ المشتري لا يعلم بان اي فرد من الافراد يصير نصيبا له و يرد عليه ان الجهل لا يكون مانعا اذ لو علم المشتري بان الجامع في اي فرد من الافراد تحقق يساوي ثمنه لا يكون العقد غرريا.

«قوله قدس سره: روي اصحابنا انه اذا اشتري عبدا من عبدين علي ان للمشتري ان يختار ايهما شاء انه جائز»

الخ.

تارة يقع البيع علي مختار المشتري اي يكون اختياره اشارة الي الفرد الذي وقع عليه البيع و اخري يكون البيع معلقا علي اختياره و مشروطا به.

و ثالثة لا هذا و لا ذاك بل البيع واقع علي الكلي في المعين غايته انه يشترط للمشتري ان يكون مختارا في تعيين ذلك الكلي في فرد.

اما الصورة الأولي فالظاهر جواز البيع اذ المفروض وقوع البيع علي الفرد الخارجي الذي تكون علامته اختيار المشتري و

اما الصورة الثانية فالظاهر بطلان البيع للتعليق و عدم معهودية مثله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 173

فان لازمه تحقق الانتقال من زمان الاختيار و يكون علي نحو الوجوب المشروط و لا دليل علي جوازه.

و اما الصورة الثالثة فان كان بنحو اشتراط كون المشتري ذا حق يكون الشرط باطلا لانه خلاف الشرع الاقدس فان التعيين مع البائع لا مع المشتري و ان كان بنحو التوكيل في التعيين فهو جائز و صحيح اي البائع في ضمن العقد يوكل المشتري في تعيين المبيع يكون الشرط صحيحا اذ التوكيل مشروع و هذا الامر المشروع يتحقق بالاشتراط في ضمن العقد و ان كان مرجع الاشتراط الي ان البائع يشترط علي نفسه ان يعيّن الكلي في مختار المشتري فأيضا يصح الاشتراط و يلزم عليه العمل به بمقتضي وجوب الوفاء بالشرط.

«قوله قدس سره: فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الافراد في الصفات»

الخ بل يمكن منعه حتي مع فرض اختلاف الافراد كما لو علم المشتري بان المبيع يسوي هذا المقدار من الثمن فلا غرر و لا خطر.

«قوله قدس سره: ان الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي و بالعكس»

الخ.

كما لو باع مقدارا مجهولا من الموزون بمثله فانه لا غرر عرفا و لكن الغرر الشرعي موجود للجهالة و ربما لا يوجد غرر شرعي و الحال ان الغرر العرفي موجود كما لو باع الآبق مع الضميمة.

«قوله قدس سره: مع حصولها في اصل الماهية»

الخ كما لو باع منا من الموزون المجهول بمثله فان المقدار معلوم و لا جهل فيه و لكن اصل ماهية المبيع مجهول.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 174

«قوله قدس سره: و هذا حسن لو لم يتسالما علي صيغة ظاهرة

في احد المعنيين»

الخ قد فصل الماتن قدس سره بين الاتفاق علي لفظ ظاهر في احد الطرفين و عدم اتفاقهما و قال الظهور حجة و مرجع عند الشك و مع عدمه تكون اصالة الصحة محكمة.

اقول: اما ما افاده من لزوم الاخذ بظهور كليهما فصحيح فان الظواهر حجة، و اصالة الصحة لا تصرف الظهور و لا تمنع عن العمل به.

و أما ما أفاده من الاخذ باصالة الصحة عند عدم الظهور فيرد عليه انه لم يرد دليل عام أو مطلق علي لزوم الاخذ باصالة الصحة كي نلتزم بها في مورد الشك و في كل مورد انما نأخذ بها بمقدار قيام السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع و الظاهر انه لو شك في عقد متسالم عليه عند المترافعين و اختلفا في صحته و فساده كما لو توافقا علي البيع و اختلفا في صحته و فساده تجري اصالة الصحة و يحكم بصحته.

و أما لو دار الامر بين الصلح الفاسد و البيع الصحيح فلا دليل علي الحكم بكون ما وقع هو البيع الصحيح.

«قوله قدس سره: و إما اصالة عدم التعيين فلم اتحققها»

الخ اذ يرد عليها أولا ان اصالة عدم احد الضدين لا يثبت تحقق الضد الاخر. و ثانيا انه علي فرض جريان الاصل يعارضه اصل عدم تحقق الاشاعة فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 175

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

اذ الاصل العملي لا يعارض الدليل الاجتهادي كما حقق في محله.

[الثالث من وجوه بيع البعض من الكل أن يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق]

«قوله قدس سره: الثالث من وجوه بيع البعض من الكل»

الخ الظاهر انه قدس سره اراد من الصورة الثانية الفرد الخارجي المبهم المردد بين الافراد و عليه تصير الاقسام ثلاثة:

القسم الأول: الاشاعة القسم الثاني: الفرد المنتشر. القسم الثالث: الكلي في

المعين.

لكن قد ذكرنا آنفا ان الفرد المبهم غير معقول و لا واقع له و ان كان المراد منه الفرد المعلوم واقعا فهذا ليس مبهما بل يكون معينا مشخصا و مميزا و قد ظهر مما ذكرنا صحة بيعه و أيضا ظهر مما ذكرنا صحة بيع الكلي في المعين و لا وجه للاطالة.

[مسألة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل علي الوجه الأول»

الخ وقع الخلاف بين القوم في انه لو باع صاعا من صبرة فهل يحمل علي الكلي في المعين أو يحمل علي الاشاعة؟ قد ذهب الي القول الاول جملة من الاساطين.

[الاستدلال علي انه لو باع صاعا من صبرة يحمل علي الكلي في المعين بوجوه]
اشارة

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه.

الوجه الأول التبادر العرفي

كما قال في جامع المقاصد بقوله انه السابق الي الفهم و لا اشكال في أن الظهور حجة.

الوجه الثاني ان لفظ الصاع مثلا الواقع في كلام البائع حين البيع عنوان للمبيع لا انه عنوان للكسر المشاع.

و بعبارة واضحة اذا كان لفظ الصاع مثلا عنوانا و اشارة الي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 176

الكسر المشاع لا يكون بنفسه موضوعا للحكم بل يكون طريقا الي شي ء آخر اي ذلك الكسر و اما ان كان عنوانا للمبيع يكون موضوعا للحكم بنفسه. و عند دوران الامر بين الطريقية و الموضوعية تتقدم الموضوعية فان كون العنوان المأخوذ في الموضوع طريقا الي امر آخر خلاف الظاهر و يحتاج الي مئونة فلاحظ.

الوجه الثالث النص الوارد في المقام

«1» فان الامام عليه السلام اجاب بلا تفصيل بان الباقي من القصب مملوك للمشتري و المقدار الذي احترق يحسب علي البائع و الحال انه لو كان المبيع مشاعا كان لازمه احتساب المقدار المحترق عليهما معا.

«قوله قدس سره: احدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع»

الخ الامر كما افاده اذ المفروض ان المشتري بالاشتراء يصير مالكا للكلي و لا يكون مالكا للشخص فالخصوصيات الشخصية باقية في ملك البائع و تحت اختياره و لذا لو امكن للبائع تسليم الكلي مجردا عن الخصوصيات كان جائزا.

و عليه لا مجال لما افاده القمي قدس سره و نعم ما صنع الماتن من المقايسة بين التكليف المتعلق بالجامع و الوضع فان المولي لو أمر بطبيعة كالصلاة مثلا يصير طالبا للطبيعة من المأمور به و لا حق له بالنسبة الي الخصوصيات فكذلك الحال في بيع الكلي في المعين فلاحظ.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 170

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 177

«قوله قدس سره: و منها انه لو تلف بعض الجملة و بقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه»

الخ اذ المفروض ان المشتري مالك للطبيعة و المفروض ان حقه باق فيكون الباقي له و لا يبعد ان تكون السيرة العقلائية

جارية علي هذا المنوال اضف الي ذلك حديث بريد «1» فان الامام عليه السلام صرح في تلك الرواية في مقام الجواب بان باقي الاطنان مملوك للمشتري.

و مع هذه الرواية لا يبقي مجال للبحث و الترديد كما هو ظاهر و عليه لا مورد لان يقال ان الخصوصية مملوكة للبائع و بأي ميزان صارت مملوكة للمشتري فانه لا موقع لهذا البحث مع النص الدال علي ان الباقي مملوك للمشتري مضافا الي ان وجود الفرد الخارجي مركب مع وجود الطبيعي بالتركيب الاتحادي و لا تعدد فكيف يمكن ان يقال ان البائع أيضا مالك و الحال ان الموجود الواحد لا يمكن ان يكون له مالك متعدد بالاستقلال فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالظاهر انه اذا بقي صاع واحد كان للاول»

الخ قد ذكر هذا الفرق فارقا بين القول بالاشاعة و الكلي في المعين و قد وقع الفرع المذكور محل النظر و فيه احتمالات أو اقوال:

الاحتمال الاول ذهب إليه الماتن و هو ان الباقي مملوك للمشتري الاول بتقريب ان ما باعه ثانيا من المشتري الثاني سار في مملوكه و قد فرض ان مملوكه تلف.

و يرد عليه أولا النقض بما لو باع صاعين من مشتريين دفعة واحدة فهل يمكن ترجيح احدهما علي الاخر؟ كلا ثم كلا. فما الفرق بين الدفعة و الدفعات.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 170

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 178

و ثانيا انه يجاب عنه بالحل و هو ان البائع للكلي في المعين مالك للخصوصيات و انما الخارج عن ملكه الجامع بين الافراد و لا تميز له و لا تشخص فاذا باع صاعا آخر من مشتر ثان يكون المشتري الثاني في عرض المشتري الاول بلا فرق و لا

مرجح للاول علي الثاني.

ان قلت: التقدم الزماني اذا لم يكن مرجحا فما الوجه في تقديم الواجب المقدم زمانا في باب التزاحم كما لو اضطر المكلف الي ترك صوم يوم واحد من ايام شهر رمضان و يجب ان يصوم اليوم الاول و الثاني الي ان يحصل الاضطرار الي الترك.

قلت: قد ذكرنا في بحث التزاحم ان الاطلاق يقتضي وجوب الصوم في الزمان المتقدم فان مقتضي اطلاق دليل وجوبه لزومه علي المكلف و لو مع الاتيان بالصوم في الزمان المتأخر.

و أما بالنسبة الي صوم الزمان المتأخر فلا اطلاق اذ لا يعقل الاطلاق و أما في المقام فلا وجه للترجيح لتساوي النسبة بينهما فكما ان المتقدم مالك للكلي كذلك المتأخر مالك بلا فرق فالاحتمال الاول ضعيف.

الاحتمال الثاني ان ينفسخ كلا البيعين بتقريب انه لو وقع التعارض بين عقدين كما باع زيد داره من بكر و في تلك الساعة باع و كيله الدار من خالد يقع التعارض بين بيع المالك و بيع و كيله و لا ترجيح لاحدهما علي الاخر فبالتعارض يتساقطان و المقام كذلك بقاء.

و فيه ان التقريب المذكور فاسد اذ المفروض ان بيع المالك لكل من المشتري الاول و الثاني صحيح فلا وجه للتعارض بقاء بل يلزم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 179

العمل علي طبق القاعدة المستفادة من الشرع.

الاحتمال الثالث ان يكون البائع مخيرا في دفع الباقي الي كل من يريد و يرجح بحسب ارادته و هذا الاحتمال فاسد اذ لا وجه لاختيار البائع فان البائع لا يملك شيئا لا الكلي و لا الخصوصيات المفردة و المشخصة اما عدم ملكه للكلي فظاهر بمقتضي السيرة و النص و اما الخصوصية المفردة فأيضا يستفاد كونها للمشتري من النص.

مضافا

الي انه لا تعدد في الوجود كي يكون بعضه للمشتري و بعضه للبائع فان الوجود واحد و هذا الوجود الواحد وجود للشخص و للطبيعي الكلي أو الجامع الانتزاعي.

الاحتمال الرابع ان يكون البائع ذا حق في تنصيف المقدار الباقي و هذا القول كسابقه بالتقريب الذي ذكرنا.

الاحتمال الخامس ان يكون الباقي مشتركا بين المشتريين بنحو التنصيف و هذا هو الحق فان المرجح لاحدهما قد فرض عدمه و خروج العين عن ملك مالكها مسلم فالاشتراك امر طبيعي.

و لتوضيح المدعي نقول لو بقي صاعان لا شك في كونهما مشتركين بين المشتري الاول و الثاني فالصاع الواحد الباقي أيضا كذلك غاية الامر يمكن ان يقال بثبوت خيار تبعض الصفقة لكل من المشتريين.

«قوله قدس سره: حصلت الشركة لحصول ماله في يده»

الخ تعرض الماتن قدس سره لفرعين الفرع الأول انه لو اقبض المبيع الكلي في ضمن اقباض مجموع الصبرة فتلف مجموع الصبرة يكون من تلف المبيع بعد القبض و يترتب عليه حكمه. الفرع الثاني:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 180

انه بعد القبض يصير الكلي كسرا مشاعا في المجموع و تتحقق الشركة بين البائع و المشتري.

أقول لا بدّ من التفصيل بين ما افاده بالنسبة الي الفرع الأول و ما افاده بالنسبة الي الفرع الثاني فنقول أما ما أفاده بالنسبة الي الفرع الأول فتام اذ المفروض ان المشتري مالك للكلي في المعين و أيضا فرض ان المبيع و هو الكلي قد اقبض.

و بعبارة واضحة القبض تحقق في الخارج فيترتب عليه حكمه طبعا فلا اشكال فيه. و اما الفرع الثاني فما افاده من تحقق الشركة بالقبض لا وجه له اذ المفروض ان البائع لم يعيّن الكلي في الشخص الخارجي و الاختيار بيده فتبدل

الكلي بالكسر المشاع لا وجه له فالحق بقاء مملوك المشتري علي كليته.

ثم ان الماتن افاد بان البائع اذا اقبض تمام الصبرة من المشتري بعنوان كونها امانة عنده كي يعيّن الكلي في الفرد بعد ذلك أو و كلّ المشتري في التعيين فتلفت الصبرة قبل تعيين البائع و قبل عمل المشتري بالوكالة يكون حكم الامانة حكم ما قبل القبض.

و صرّح به سيدنا الاستاد و صفوة القول ان الاقباض لو لم يكن بعنوان اقباض المبيع لا يترتب عليه حكم القبض و يكون تلف المبيع من البائع.

أقول لا يخفي ان هذا الحكم علي خلاف القاعدة الاولية كما هو ظاهر لمن تكون له خبرة بالصناعة و لا دليل عليه الا الاجماع المدعي في المقام.

و حديثان احدهما ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري متاعا من رجل و اوجبه غير انه ترك المتاع عنده

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 181

و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء اللّه فسرق المتاع من مال من يكون قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته فاذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يردّ ماله إليه «1» ثانيهما ما ارسل عن النبي صلي اللّه عليه و آله «2».

و كلا الحديثين ضعيفان سندا. اما الاول فبعبد اللّه بن هلال و اما الثاني فبارسال مضافا الي ان الخروج عن الضمان رتب في الحديثين علي القبض و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين اقسام القبض.

و أما الاجماع المدعي فيرد عليه أولا بعدم الاعتبار فان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يعتد به. و ثانيا

انه علي فرض الاعتماد عليه لا بدّ من الاقتصار علي القدر المتيقن منه فلا وجه للالتزام بالضمان في مفروض الكلام فلاحظ.

«قوله قدس سره: و انما الاشكال في انهم ذكروا فيما لو باع ثمرة شجرات و استثني منها ارطالا معلومة انه لو خاست الثمرة سقط من المستثني بحسابه»

الخ.

ثم انه وقع في المقام نقض و اشكال و هو انه ما الفارق بين المقام و مسئلة بيع ثمرة اشجار مع استثناء ارطال حيث انهم حكموا في تلك المسألة بانه لو خاست الثمرة يحسب علي كل من المشتري و البائع و الحال ان البائع في تلك المسألة كالمشتري في هذه المسألة فكما ان المشتري في المقام مالك للكلي في المعين و لا يحسب التالف عليه بل يختص التالف بالبايع كذلك البائع في تلك المسألة

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الخيار.

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من ابواب الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 182

مالك للكلي في المعين فلا بد ان يختص التلف بالمشتري فيلزم بيان الفارق بين الموردين.

و أيضا يشكل تصرف المشتري في مسئلة استثناء الارطال في الثمرة بدون اذن البائع و الحال ان لازم الاشتراك عدم جواز تصرف أحد الشريكين في المال المشترك بدون اذن شريكه و قد ذكرت في مقام حل الاشكال اجوبة.

الجواب الاول: الاجماع فانه الفارق بين المقامين و فيه ان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك اذ يحتمل استناد المجمعين الي أحد الامور المذكورة في المقام و صفوة القول انه لم يتحقق اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم فهذا الوجه غير وجيه.

الجواب الثاني: ان القاعدة الاولية تقتضي الحمل علي الاشاعة و انما خرجنا عنها في المقام للنص الخاص

أي حديث بريد «1».

و يرد عليه أولا: انا ذكرنا ان مقتضي الظهور العرفي الكلي في المعين و قلنا ان الظاهر من لفظ الصاع عنوان المبيع لا الاشارة الي الكسر و بعبارة اخري الظاهر من العنوان المذكور الموضوعية لا الطريقية.

و ثانيا: انه لو كان الاشاعة علي طبق القاعدة فما وجه جواز تصرف المشتري في الثمرة في ذلك الباب و الحال ان الشريك لا يجوز له التصرف في المال المشترك بلا اذن الشريك الاخر.

و ثالثا: ان ما حكم به الامام عليه السلام اما حكم كلي سار في جميع الموارد التي من هذا القبيل و اما حكم خاص في مورده اما

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 170.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 183

علي الاول فلا بد من الالتزام به في ذلك الباب أيضا و لا وجه للتفصيل بين الموردين، اذ لا فارق بين المقامين.

و أما علي الثاني فلا بد من اختصاصه بخصوص مورده و لا يجوز التعدي الي غيره اذ المفروض انه حكم تعبدي علي خلاف الميزان الاولي.

و رابعا: ان لازم القول بالاشاعة ان المشتري في مسئلة بيع الثمرة لو اتلف مقدارا منها يكون ضامنا للبائع بالنسبة الي نصيبه و الحال انهم قائلون ان التالف يحسب علي المشتري و يعطي نصيب البائع من الباقي.

و خامسا: انه لو كان الاشاعة مقتضي الظهور اللفظي و انها مقتضي القاعدة الاولية العقلائية يلزم ان يكون حكم الامام عليه السلام في مسئلة بيع صاع من الصبرة علي خلاف ما قصده المتعاقدان و الحال ان العقود تابعة للقصود.

و بعبارة واضحة مرجع هذا الكلام الي انه لو سئل السائل الامام عليه السلام عن بيع كسر من الصاع كالعشر أو الربع أو الخمس

يجيب الامام عليه السلام عن حكم بيع الكلي في المعين و هذا بعيد في حد نفسه.

الجواب الثالث: ما عن مفتاح الكرامة و هو ان التلف في المقام قبل القبض فيلزم علي البائع تسليم المبيع ما دام ممكنا فلو لم يبق من الصبرة إلا صاع واحد يجب اقباضه من المشتري و هذا بخلاف ذلك المقام فان التلف بعد القبض فلا يحسب الا عليهما لان مال المشتري وصل إليه و مال البائع امانة في يده فيلزم ان يحسب عليهما لعدم وجه للاختصاص.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 184

و يرد عليه أولا: ان وجوب اقباض البائع في مسئلة بيع صاع من الصبرة ما دام ممكنا يتوقف علي عدم الاشاعة و اثبات عدم الاشاعة بوجوب الاقباض تقريب دوري محال.

و بعبارة واضحة الاشكال في الفرق بين الالتزام بالاشاعة هناك و عدمها هنا و اثبات عدم الاشاعة بوجوب الاقباض ما دام ممكنا دوري.

و ثانيا: انه ان اراد من القبض في مسئلة الارطال ان المشتري قبض حقه و ماله فلا كلام فيه و يترتب عليه آثار القبض من كون تلفه عليه و لكن نسأل عن وجه الفرق بين المقامين و ما الموجب للاشتراك هناك و عدمه هنا، و ان كان المراد من القبض قبض البائع ماله و لذا حصلت الشركة فيرد عليه انه ما الوجه في التفريق بين المقامين فان البائع في تلك المسألة كالمشتري في هذه المسألة و تمام الاشكال في الفرق بين المقامين.

الجواب الرابع: ما افاده بعض المعلقين علي المتن من ان الوجه في الفرق بين المقامين ناش من ان اللفظ في باب بيع صاع من الصبرة ظاهر في الكلي في المعين و اما في باب الارطال فالاشاعة

مقتضي الاستثناء فان الظاهر من اللفظ ان المستثني من سنخ المستثني منه.

و بعبارة اخري يكون الاستثناء ظاهرا في الاشاعة و ان شئت قلت حمل الكلام في الكلي في المعين يتوقف علي عدم ظهوره في الاشاعة و الحال ان الاستثناء يوجب ظهوره في الاشاعة.

و اورد عليه سيدنا الاستاد بأن الاستثناء المتصل يقتضي دخول المستثني في المستثني منه لو لا الاستثناء لا ازيد من هذا المقدار و من الظاهر انه لو لا الاستثناء لكانت الارطال داخلة في المبيع فهذا الجواب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 185

أيضا غير تام.

و يمكن الايراد علي سيدنا الاستاد بأن الظاهر من الاستثناء المتصل ما افاده المعلق فلا يرد ايراده عليه لكن يبقي الاشكال في انه ما الوجه في جواز تصرف المشتري في الثمرة بلا اذن من البائع مع ان المال المشترك لا يجوز التصرف فيه لاحد الشريكين بلا اذن من الشريك الاخر.

الجواب الخامس: للايرواني قدس سره و هو ان المستثني منه في بيع الارطال بمثابة صاع من الصبرة و بعبارة اخري ما عدا الارطال مبيع بنحو الكلي في المعين و مقتضي القاعدة ان يكون التالف محسوبا علي البائع كما هو كذلك في تلك المسألة و انما نلتزم بانه يحسب عليهما من جهة كون التلف بعد القبض و حيث ان نصيب البائع منتشر في الثمرة يحسب التالف عليهما.

و يرد عليه أولا: انه خلاف الظاهر من الجملة فان الظاهر من بيع جملة الا المقدار الكذائي تمليك الشخص الخارجي من المشتري لا تمليك الكلي.

و ثانيا انه باي مجوز يتصرف المشتري في المبيع بلا اذن من البائع.

و ثالثا: انه يلزم الاحتساب عليهما في التالف و في الباقي حتي في صورة كون التلف باتلاف المشتري

غاية الامر يصير المشتري ضامنا للبائع بمقدار حصته فهذا الجواب أيضا لا يرفع الاشكال و لا يغني عن الحق شيئا.

الجواب السادس: ما أجاب به الشيخ قدس سره و هو ان بناء الاصحاب في مسئلة الارطال اما علي عدم الاشاعة و اما عليها أما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 186

علي الاول فيكون الاشتراك عندهم يختص بالتالف الذي تلف بتلف سماوي و اما الموجود فلا اشتراك فيه و يدل عليه انهم قالوا لو اتلف المشتري شيئا من المال لا يحسب علي البائع بل يدفع نصيبه من الباقي.

و أيضا يدل علي المدعي انهم جوزوا تصرف المشتري في المال بلا استيذان من شريكه فلا فرق بين المقامين الا في احتساب التالف بالتلف السماوي عليهما و الحال ان لازم عدم الاشاعة ان يختص التلف بالمشتري و الوجه لهذه الدعوي ان ما يملكه البائع هو الكلي الشائع فيما يبقي للمشتري لا مطلق العين وقت البيع.

و لا يخفي ان الوجه الّذي ذكره يكون وجها لعدم الاحتساب لا له و قال سيدنا الاستاد علي ما في التقرير لعل شيئا سقط في العبارة و أما علي الثاني فنقول الوجه في الاشاعة ان كل واحد من البائع و المشتري مالك للكلي فالبائع مالك لكلي المستثني و المشتري مالك لكلي المستثني منه و حيث ان نسبة كل واحد منهما بالمال علي حد سواء لا وجه لترجيح احدهما علي الاخر فيحسب التلف عليهما.

و يرد عليه أولا انه لا وجه لكون المشتري مالكا للكلي فان البائع كان مالكا للخصوصيات و المفروض انه باعها من المشتري فالمشتري يصير مالكا للخصوصيات و المالك للكلي البائع.

و ثانيا انه لو لم تكن الخصوصيات مملوكة لا للبائع و لا للمشتري يلزم

إما تكون بلا مالك و إما تكون مملوكة لثالث و هل يمكن الالتزام به؟

و ثالثا: انه لا وجه لجواز تصرف المشتري في المال بلا اذن من الشريك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 187

و رابعا: ان التلف يلزم ان يحسب عليهما و لو باتلاف المشتري غاية الامر يصير المشتري ضامنا بالاتلاف فهذا الجواب أيضا لا يرفع الاشكال.

و لعله قدس سره اشار الي الاشكال بقوله فتأمل. و لقد اجاد قدس سره حيث اعترف بالحق و عدم اتيانه بما يكون وافيا لدفع الاشكال و او كل الامر الي غيره.

الجواب السابع ما افاده الميرزا النائيني و هو ان المستثني في مسئلة الارطال كلي كما ان الصاع في مسئلة بيع صاع من الصيرة كلي و لا وجه للاشاعة في كلا المقامين غاية الامر ان المشتري في بيع الصاع مالك لنفس الكلي و لا يملك الخصوصية.

و أما البائع في مسئلة الارطال مالك للكلي مع الخصوصية فلا وجه لاحتساب التالف علي خصوص المشتري بل يحسب عليهما و حيث ان البائع مالك للكلي ان المشتري لو اتلف مقدارا من الثمرة يدفع حق البائع من الباقي لان حقه لا يكون مشاعا مع حق المشتري فيرتفع اشكال جواز التصرف في المال من ناحية المشتري لعدم الاشاعة و علي فرض تحقق الاشاعة بعد العقد بلحاظ كون جميع المال بيد البائع نقول جواز تصرف المشتري في المال بلحاظ الشرط الضمني المقتضي للتصرف.

و بعبارة اخري اختيار تعيين المستثني في مسئلة الارطال بيد المشتري فان المشتري في تلك المسألة كالبائع في مسئلة بيع الصاع فاذا اتلف من الثمرة شيئا فمثل ان يبيع منها شيئا فبتصرفه يعين حق البائع في غير التالف.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3،

ص: 188

و يرد عليه ان البائع الذي يكون مالكا للخصوصيات اما مالك لجميع الخصوصيات و اما مالك لبعضها اما علي الاول فيلزم ان يكون المشتري مالكا كالمشتري في مسئلة بيع الصاع فلا وجه لاحتساب التالف عليهما و لا وجه لجواز تصرف المشتري في الثمرة اعم من أن تحقق الاشاعة بالقبض او لا تحقق و جواز تصرفه بالشرط الضمني كما في كلامه باي وجه و باي دليل و ما الفرق بين الموردين و باي مستند فصل بين الموردين بالتفصيل المذكور.

و أما ان لم يكن مالكا لجميع الخصوصيات بل مالك لبعضها فنسأل الخصوصيات التي لا تكون مملوكة للبائع هل تكون لثالث أو بلا مالك و الحال انه لا يمكن الالتزام بما ذكر و ان كانت مملوكة للمشتري فاما علي نحو الاشاعة و اما لا، اما علي الاول فيلزم الاحتساب عليهما.

و أما علي الثاني فباي نحو و عليه ما المائز بين المملوكين مضافا الي انه باي دليل ان التلف اذا كان باتلاف المشتري يحسب عليه لا عليهما و الحال ان مقتضي الاشاعة الاحتساب عليهما.

الجواب الثامن: ما أفاده سيدنا الاستاد قدس سره و هو ان العقد تارة يتعلق بالكسر المشاع كما لو تعلق البيع بثلث الدار و اخري يتعلق بالكسر بنحو الكلي في المعين و هذا يتصور بنحوين:

احدهما: الكلي المضاف الي الخارج علي نحو القضية الخارجية.

ثانيهما: الكلي المضاف الي الخارج علي نحو القضية الحقيقية.

فتارة يوصي زيد بثلث داره لبكر فيكون البكر شريكا مع الورثة في الثلث و تكون النتيجة الاشاعة و الاشتراك في كل جزء و اخري يوصي بالثلث علي نحو الكلي في المعين كما لو اوصي بالثلث الكلي من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 189

الدار الفلانية

ففي الصورة الأولي يكون التلف محسوبا عليهما بالنسبة و في الصورة الثانية يحسب التالف علي الوارث فقط.

و ثالثة يوصي بالثلث علي نحو القضية الحقيقية اي ايّ مقدار بقي للورثة يكون ثلثه لفلان ففي هذه الصورة يحسب التالف عليهما بالنسبة.

اذا عرفت هذه المقدمة نقول: اذا قال البائع للمشتري بعتك ثمرة هذه الشجرات إلا عشرة ارطال يكون لفظ ارطال اشارة و عنوانا للعشر مثلا فيما يكون الثمرة مائة رطل مثلا فيكون البائع مالكا للكسر الكلي في المعين و لكن علي نحو القضية الحقيقية و يترتب عليه ان المشتري يجوز له التصرف في الثمرة لانها مملوكة له بشخصها.

و أيضا يترتب عليه ان التلف لو كان بآفة سماوية او باتلاف غاصب يحسب عليهما بالنسبة و اما لو كان التلف باتلاف المشتري لا يحسب علي البائع لان اتلاف المشتري بمنزلة تعيين حصة البائع في الباقي.

و يرد عليه أولا: ان ما افاده خلاف ظاهر اللفظ فان إرادة الكسر من لفظ الرطل يحتاج الي القرينة و لا قرينة علي هذه الإرادة فلا وجه لهذه الدعوي.

و ثانيا ان الظاهر من الاستثناء الاشاعة و الحمل علي الكلي في المعين خلاف الظاهر.

و ثالثا ان اتلاف المشتري بمنزلة تعيين حق البائع في الباقي يحتاج الي توجه المشتري الي هذه الجهة و اما لو اتلف غفلة او جهلا بالموضوع و امثالهما فلا وجه لما افاد فلا يرتفع الاشكال بجوابه أيضا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 190

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه لا وجه للقياس بين المقام و مسئلة الارطال فان الظاهر من اللفظ في المقام الكلي في المعين و أما الظاهر من اللفظ في تلك المسألة الاشاعة فانها مقتضي الاستثناء و يترتب عليه عدم جواز

تصرف المشتري في الثمرة و التالف علي كليهما و نلتزم بهذا اللازم الا ان يقوم اجماع تعبدي كاشف عن الحكم الشرعي و لكن هذا مجرد فرض و خيال و اللّه العالم بحقائق الامور و عليه التوكل و التكلان.

«قوله قدس سره: فان كانت معلومة صح بيعها اجمع»

اذ لا وجه للفساد فانه لا جهل و لا غرر و لا جزاف فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود فيصح البيع في الصورة الأولي بلا اشكال.

«قوله قدس سره: و بيع جزء منها معلوم مشاع»

الكلام فيه هو الكلام طابق النعل بالنعل فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بيع مقدار كقفيز تشمل عليه»

الخ بعين التقريب المتقدم في القسم الأول و الثاني.

«قوله قدس سره: و بيعها كل قفيز بكذا»

الخ بعين البيان الذي تقدم في الصورة المتقدمة بلا فرق.

«قوله قدس سره: لا بيع كل قفيز منها بكذا»

الخ.

لعل الوجه في البطلان في الصورة المفروضة ان المشتري لا يعلم ان البائع أي مقدار يبيع و أي مقدار يبقي لنفسه فالمبيع مجهول و بيع المجهول غير جائز و الظاهر انه لا وجه للبطلان اذ لا يكون مثله معنونا بعنوان الجزاف فلا يكون فاسدا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 191

و ببيان واضح انه لا دليل علي كون مجرد الجهل بمقدار المبيع موجبا للبطلان و بتعبير اوضح ان البطلان اما من ناحية الغرر كما يقولون و لا غرر في المقام و لا خطر و اما من ناحية الجزاف و لا جزاف كما هو المفروض و اما من ناحية ان المكيل و الموزون لا بدّ من ان يكال أو يوزن و الحال ان الامر كذلك فلا وجه لعدم الصحة.

«قوله قدس سره: و المجهولة كلها باطلة الا الثالث»

الخ أما الصورة

الأولي فالوجه للفساد كون المقدار مجهولا و بنائهم علي الفساد في مورد الجهل بالمقدار في المكيل و الموزون و من هذا البيان ظهر وجه الفساد في الصورة الثانية.

و اما الصورة الثالثة فلا وجه للفساد اذ مقدار المبيع معلوم فلا مانع عن الصحة بوجه هذا فيما يعلم كون الصبرة مشتملة علي المقدار المبيع.

و أما مع الجهل بالاشتمال فوقع الكلام بينهم في الصحة و الفساد و الحق انه صحيح لعدم ما يوجب الغرر و الجزاف.

و ان شئت قلت تارة يبيع البائع قفيزين من الصبرة مع الشك في الاشتمال بمعني انه يقع البيع في مقابل العين الخارجية علي الاطلاق و اخري يبيع كل قفيز بدينار مثلا و نصف القفيز بنصف دينار و هكذا اما علي الاول فربما يكون غرريا و خطريا و اما علي الثاني فلا غرر و لا جزاف غاية ما في الباب ان يتحقق خيار تبعض الصفقة.

و لا يخفي انا لا ندّعي ان الخيار يرفع الغرر كي يقال الخيار انما يترتب علي العقد الصحيح فلو توقف صحة العقد علي الخيار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 192

لزم الدور بل ندعي ان العقد بالنحو الذي ذكرنا لا يكون غرريا.

و حيث انجر الكلام الي هنا ننبه بنكتة و هي ان الخيار علي قسمين فان الخيار تارة خيار عقلائي أمضاه الشرع و اخري يكون الخيار خيارا شرعيا و بحكم الشارع. اما اذا كان بحكم الشارع فلا يمكن ان يكون رافعا للغرر لاشكال الدور الذي ذكرناه و اما ان كان عقلائيا فيمكن ان يقال ان البيع الخياري العقلائي لا غرر فيه و حيث انه لا غرر فيه يكون صحيحا شرعا بلا اشكال فلاحظ و اغتنم.

«قوله قدس سره: ان الغرر

ان ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال»

الخ فان الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه و بعبارة واضحة اذا لم يكن البيع عند حدوثه غرريا فلا وجه لتعين فساده و ان كان غرريا فلا مقتضي لصحته من اوّل الامر اللهم الا ان يكون المراد ان المبيع اذا كان مجهول الوجود يمكن ايقاع العقد عليه علي نحو التعليق فان التعليق علي الوجود لا يفسد العقد لانه تعليق علي ما يتوقف صحة العقد عليه مثلا لو قال زيد بعتك هذا الكتاب ان كان مملوكا لي لا يبطل البيع بالتعليق اذ يتوقف صحة البيع علي كون المبيع مملوكا للمالك.

«قوله قدس سره: و فيه نظر»

الظاهر ان وجه النظر الجهل بالمقدار و قد ذكرنا انه لا دليل علي كون مجرد الجهل بالمقدار موجبا للفساد بعد فرض عدم الغرر و الجزاف فالحق هي الصحة في الصورة المفروضة و عليه يكون القسم الرابع يصح بيعه لتمامية المقتضي و عدم المانع فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 193

[مسألة إذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها]
اشارة

«قوله قدس سره: اذا شاهد عينا في زمان سابق علي العقد عليها»

الخ.

تارة يكون بقاء الصفات معلوما أو موثوقا به و اخري تغير تلك الصفات معلوم أو موثوق به و ثالثة يشك في بقائها و عدمه اما الصورة الأولي فلا اشكال في جواز البيع لوجود المقتضي و عدم المانع.

و أما الصورة الثانية فلا يجوز البيع لاجل الغرر علي ما هو المقرر عندهم و اما الصورة الثالثة و هي صورة الشك فهل يجوز جريان استصحاب بقاء العين علي تلك الصفات المشاهدة سابقا أم لا؟

ربما يقال كما في كلام الشيخ قدس سره بان الاستصحاب يجري بتقريب انه قد ثبت في الاصول قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي

المحض و القطع المأخوذ في الموضوع علي نحو الطريقية و عليه لا مانع عن جريانه لان العلم بالواقع في المقام مأخوذ بالنسبة الي جواز البيع علي نحو الطريقية.

و يرد عليه ان التقريب المذكور و ان كان تاما لكن يشكل جريان الاستصحاب من ناحية اخري و هي ان المانع علي مسلك القوم لزوم الغرر و الخطر و لا يترتب عدم الغرر علي الاستصحاب الا علي التقريب الاثباتي الذي لا نقول به و عليه يشكل جريانه.

و بعبارة واضحة تارة نقول الموضوع لفساد البيع الشك في بقاء الصفة و اخري نقول بان الموضوع للفساد كون العقد غرريا اما علي التقدير الاول فيجري الاستصحاب اذ الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي و المأخوذ في الموضوع علي نحو الطريقية.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 194

و أما علي التقدير الثاني فلا يجري اذ لا يترتب علي جريانه ارتفاع الخطر و الغرر تكوينا الا علي القول بالاثبات.

و ببيان اوضح نقول اذا كان الموضوع للصحة احراز كون العين واجدة للصفة الكذائية يجري الاستصحاب بلا اشكال و اما اذا كان المانع عن الصحة كون العقد خطريا فلا يجري و لا اشكال في ان مجرد طريق تعبدي الي كون العين واجدة للصفة لا يرفع الغرر فان الغرر عبارة عن الخطر و هو وجداني.

«قوله قدس سره: فان بلغت قوة الظن»

الظاهر أنه يصير التغير مورد الاطمينان فيكون كالقسم الاول في عدم جواز بيعه

«قوله قدس سره: و الا جاز مع ذكر تلك الصفات»

الخ لا ادري ما المراد من الجملة المذكورة فان الاصل اذا كان جاريا في حد نفسه كما هو كذلك علي مسلكه فلا تكون الامارة علي الخلاف مانعة عن جريانه اذ غاية ما في الباب ان

يحصل الظن بخلاف الحالة السابقة و قد قرر في محله جريان الاستصحاب و لو مع الظن بخلاف الحالة السابقة.

«قوله قدس سره: لانه لا ينقص عن الغائب الموصوف»

الخ اي يجوز بيع الغائب الموصوف بالوصف المذكور و الامر كما افاده لان البيع مع ذكر الوصف تارة يكون بعنوان الاشارة الي ذلك الفرد بلا دخل للصفة و اخري بعنوان التعليق علي تلك الصفة و ثالثة بعنوان البناء علي الوصف و الالتزام بالخيار عند التخلف.

أما الصورة الأولي فباطلة لفرض الغرر علي ما هو المقرر عندهم و اما الصورة الثانية فأيضا باطلة لبطلان العقد التعليقي و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 195

الصورة الثالثة فلا وجه لبطلانها بل مقتضي القاعدة الصحة لا يقال تصحيح العقد بالخيار دوري.

قلت: قد مرّ الاشكال المذكور مع جوابه و قلنا الخيار علي قسمين عقلائي و شرعي و رفع الغرر بالخيار العقلائي و الحكم عليه بالصحة شرعا لا يكون دوريا.

ان قلت: الشرط ما دام لم يذكر في متن العقد لا اثر له فلا وجه للصحة و البناء علي بقاء تلك الصفات لا اثر له.

قلت قد يكون المقدر كالمذكور في المحاورات العرفية العقلائية و بعبارة اخري الشرط قد لا يكون مقوما للعقد كالشروط الخارجية كما لو اشترط خياطة ثوب و امثالها و اخري يكون مقوما لصحة العقد كما فيما نحن فيه.

أما القسم الأول فلا بد من ذكره اذ بدونه يصح العقد و لا يكون مقوما له و اما القسم الثاني فلا يحتاج الي ذكره فان بناء العقد عليه و بدونه لا يكون العقد صحيحا فيكون في قوة الذكر ان قلت اذا تخلف الوصف المبني عليه العقد فاما يكون عدم نقضه وفاء بالعقد و اما لا

يكون اما علي الاول فلا خيار و اما علي الثاني فيكون العقد باطلا لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. قلت لا يكون الثمن واقعا في مقابل الوصف كي يكون تخلف الوصف موجبا للبطلان بل الثمن واقع في مقابل العين و الوفاء معلق علي الوصف و الخيار معلق علي تخلفه فالعقد صحيح مع ثبوت الخيار.

«قوله قدس سره: لقاعدة الضرر»

الخ الصحيح الاستدلال علي الخيار بتخلف الشرط و اما الاستدلال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 196

بقاعدة لا ضرر علي الخيار فليس تاما اذ الضرر يتحقق بنفس العقد و الخيار لا يوجب نفي الضرر بل اعمال الخيار جبران للضرر الوارد بالعقد و دليل لا ضرر غير متكفل للجبران.

و ان شئت قلت مفاده النفي لا الاثبات فلا مجال للاستدلال علي الخيار بالقاعدة مضافا الي ان قاعدة لا ضرر علي مسلكنا تدل علي النهي لا النفي كما هو المشهور بين القوم.

و حيث انجر الكلام الي هنا ننبه بنكتة و هي ان قاعدة لا ضرر علي مسلكنا نهي عن الاضرار لا نفي للضرر فلا يتوجه علينا اشكال و اما علي مسلك القوم من ان مفادها نفي الحكم الضرري في الشريعة فيلزم عليهم الالتزام بجملة من اللوازم التي لا يلتزمون بها.

منها: ان البيع اذا كان ضرريا لاحد المتعاقدين يلزم القول ببطلان العقد للضرر و هل يلتزمون به و منها: انه لو وقعت قطرة بول في حوض مملو من الزيت المائع يلزم ان نقول بعدم انفعاله اذ لو تنجس يتضرر مالكه.

و منها: انه لو فرض ان امرأة تزوجت جاهلة مع رجل شارب الخمر قطاع الطريق متجاهر بانواع الفسق و الفجور بحيث يكون الازدواج معه ضررا بالنسبة الي الزوجة يلزم ان نقول بفساد الازدواج المذكور

و هكذا و هل يمكن الالتزام بهذه اللوازم و اما نحن فلا ترد علينا هذه النقوض و الايرادات.

ان قلت: في قاعدة لا ضرر فرق بين مسلك المشهور و المسلك الاخر و اما في قاعدة لا حرج فلا اختلاف في مفادها و هل تسلم تلك القاعدة من الايرادات المذكورة.

قلت: نعم لا مجال لهذه الايرادات في مفاد تلك القاعدة فان مفاد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 197

قاعدة لا حرج رفع التكاليف الحرجية فكل تكليف حرجي يرتفع عن المكلف بالحرج و لا تشمل القاعدة الاحكام الوضعية ففرق بين القاعدتين.

و بعبارة واضحة: المستفاد من قاعدة لا حرج رفع كل حكم تكليفي حرجي فاذا كان حكم الشارع بمشروعية الازدواج الموقت حرجيا بالنسبة الي شخص لا يستفاد من القاعدة رفع الحكم المذكور و هكذا و تفصيل الكلام موكول الي مجال آخر.

«قوله قدس سره: تقديم قول المشتري»

الخ

[الاستدلال في تقديم قول المشتري لو اختلفا في تغير العين عن صفتها و عدمه]
اشارة

وقع الخلاف بين القوم في انه لو اختلف البائع و المشتري في تغير العين عن صفتها و عدمه بان ادعي المشتري التغير و انكره البائع، ان قول ايهما يقدم و قد ذكرت وجوه لتقديم قول المشتري.

الوجه الأول: ان المشتري هو الذي ينتزع عن يده الثمن

و لا وجه للانتزاع الا مع اعترافه و مع عدم اعترافه تكون يده أمارة كون ما في يده مملوكا له فلا بد من قيام بينة علي الخلاف.

و يرد عليه ان المشتري معترف بتحقق العقد و صيرورة العين مملوكة للبائع و ان الثمن له غاية الامر يدعي الخيار و الاصل عدمه فان الخيار مسبب عن تغير العين و الاصل عدم التغير بل ليس للمشتري حبس الثمن حتي مع الخيار اذ المفروض ان الثمن مملوك للبائع و لا وجه لحبس مال الغير.

[الوجه الثاني لأن البائع يدعي علمه بالمبيع]

«قوله قدس سره: و لان البائع يدعي علمه بالمبيع»

الخ هذا هو الوجه الثاني الّذي ذكر في وجه تقديم قول المشتري فان البائع يدعي ان المشتري كان عالما بكون العين موصوفة بهذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 198

الوصف الموجود، فلا خيار له و الاصل عدم علم المشتري به.

و أورد الشيخ أولا بان الاصل المذكور معارض باصالة عدم علمه بوصف آخر كي يثبت له الخيار عند التخلف.

و ثانيا: بان الشك في كون تعلق علم المشتري بالوصف الموجود أو بغيره مسبب عن تغير وصف العين و الاصل عدم تغيره فلا خيار له و في كلا الجوابين اشكال.

أما جوابه الاول فيرد عليه ان عدم علمه بالوصف الاخر لا يترتب عليه عدم الخيار فان الخيار مترتب علي الاشتراط و عدمه مترتب علي عدم التخلف و ترتب عدم تخلف الوصف علي الاصل المذكور عقلي لا شرعي فالاصل المذكور مثبت فلا اعتبار به. و اما جوابه الثاني فيرد عليه ان تقدم الاصل السببي علي الاصل المسببي متوقف علي كون التسبب شرعيا و الا فلا اثر له و ترتب عدم تعلق علم المشتري بغير الوصف الموجود علي عدم التغير لا يكون

شرعيا بل عقليا.

فالحق في الجواب عن الوجه الثاني أن يقال ان المشتري يدعي ان له الخيار و الاصل عدمه فان الخيار امر حادث و قد شك فيه و الاصل عدم حدوثه.

[الوجه الثالث لأن الأصل عدم وصول حقه إليه]

«قوله قدس سره: و لان الاصل عدم وصول حقه إليه»

الخ هذا هو الوجه الثالث الذي ذكر في مقام الاستدلال علي ان القول قول المشتري و يرد عليه: انه ما المراد من الحق فان العين صارت مملوكة له بالعقد و المفروض وصولها بيده و اما الخيار فمشكوك و الاصل عدمه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 199

«قوله قدس سره: أو انها مأخوذة في نفس المعقود عليه بحيث يكون المعقود عليه هو الشي ء المقيد»

الخ المبني فاسد فانه يستلزم التعليق الذي يبطل العقد نعم العناوين الذاتية التي تكون صور نوعية للاعيان و ان كانت كذلك بحسب نظر العرف تكون معلقا عليها و اذا تبين الخلاف يكون العقد فاسدا و لذا لو باع جسما بعنوان كونه عبدا حبشيا فبان انه حمار وحشي يكون البيع باطلا.

و أما العناوين العرضية و الاوصاف الطارية فلا يجوز تعليق العقد عليها بل غايته ثبوت الخيار عند تخلفها.

و بعبارة واضحة ان البيع اما يقع علي الكلي و اما يقع علي الجزئي الخارجي كما هو ظاهر عنوان الفرع اما علي الاول فيكون تقييد المبيع بالوصف الفلاني قابلا فاذا ادعي المشتري ان المبيع الحنطة العراقية و قال البائع بل كان حنطة شامية يكون النزاع داخلا تحت عنوان التداعي اذ كل من القولين خلاف الاصل و اما اذا قال المشتري كان حنطة عراقية و انكر البائع و قال لم يكن مقيدا بقيد بل كان مطلقا فربما يقال ان النزاع داخل في التداعي اذ كما ان التقييد

يحتاج الي اللحاظ كذلك الاطلاق يحتاج إليه غاية الامر الملحوظ في التقييد لحاظ الموضوع مقيدا و في الاطلاق يكون الموضوع ملحوظا مطلقا.

و لكن الحق ان النزاع داخل في عنوان المدعي و المنكر اذ الاطلاق و ان كان عبارة في مقام الثبوت عن رفض القيد فيكون تقابله مع التقييد تقابل الضدين لكن تقابلها في مقام الاثبات تقابل العدم و الملكة فان المولي لو كان في مقام البيان و لم يذكر قرينة علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 200

التقييد يستفاد من كلامه الاطلاق فالنزاع يرجع الي دعوي ذكر القيد في مقام الاثبات و انكاره هذا تمام الكلام فيما يكون المبيع كليا.

و أما اذا كان شخصيا فلا مجال للتعليق و لا للتقييد اذ التعليق مبطل للعقد و التقييد محال في الجزئي الخارجي بل الامر منحصر في اشتراط الخيار عند تخلف الوصف و الاصل عدم جعله و عدم تحققه اي مقتضي الاصل الموضوعي و الحكمي عدم الخيار.

و لا يخفي ان الخيار انما ينشأ من الاشتراط الضمني بتقريب ان البيع اذا وقع علي عين بشرط الوصف الفلاني كما لو باع عبدا بشرط الكتابة معناه ان المشتري يشترط علي البائع الخيار في صورة التخلف و ظاهر ان جعل الخيار امر جائز في الشريعة و السيرة جارية عليه و تفصيل الكلام في باب الخيار و الشرط فانتظر.

«قوله قدس سره: لكنه ليس شيئا مستقلا»

الخ بل الحق انه شي ء مستقل اذ كما مر قريبا لا يعقل تقييد الجزئي الخارجي فمرجع الاشتراط و التقييد في الجزئي الخارجي الي اشتراط الخيار بان يجعل الشارط لنفسه الخيار عند التخلف و الاصل عدمه فالقول قول البائع.

«قوله قدس سره: فحينئذ يرجع النزاع الي وقوع العقد علي ما

ينطبق علي الشي ء الموجود»

الخ لا مجال لهذا البيان لان وقوع العقد علي العين الخارجية مفروض الوجود و لا ريب فيه انما الكلام في ثبوت الخيار و عدمه مضافا الي ان التقييد في الجزئي الخارجي غير معقول و الكلام في بيع عين شخصية لا في بيع الكلي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 201

«قوله قدس سره: و دعوي معارضته باصالة عدم وقوع العقد علي العين المقيدة»

الخ بعد بيان تقريب كون الاصل مع المشتري يقول لا يعارض الاصل المذكور عدم جريان اصالة عدم وقوع العقد علي المقيد اذ اثبات الاطلاق باصالة عدم التقييد يتوقف علي القول بالمثبت الذي لا نقول به.

«قوله قدس سره: ليثبت الجواز»

الخ الظاهر ان مراده من الجواز الذي تكرر ذكره مضي العقد و تماميته لا الجواز في مقابل اللزوم اذ الاصل المفيد للبائع اصالة اللزوم بحيث لا يمكن للمشتري الفسخ فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بما ذكرنا ظهر فساد التمسك باصالة اللزوم»

الخ فان مقتضي قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لزوم كل عقد الا ما جعل فيه الخيار و حيث ان الخيار ثابت علي ما رامه لا تصل النوبة الي اصالة اللزوم. و فيه انه قد ظهر مما ذكرنا ان مقتضي الاصل عدم الخيار و عدم الاشتراط فالمرجع اصالة اللزوم المستفادة من دليل وجوب الوفاء.

و لا يخفي ان دليل اللزوم منحصر بقوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و لا يستفاد اللزوم من غيره و تحقيق الكلام من هذه الجهة موكول الي مجال آخر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 202

«قوله قدس سره: فانا نقول الاصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود»

الخ قد ظهر مما تقدم انه لا مجال لهذا الاصل اذ المفروض ان المبيع جزئي لا كلي و

من ناحية اخري قلنا ان التعليق يوجب بطلان العقد و من ناحية ثالثة ذكرنا ان الجزئي الخارجي غير قابل للتقييد فلا اشكال في تعلق العقد بهذا الموجود و انما الشك في جعل الخيار علي فرض فقدان المبيع للوصف الفلاني و الاصل عدمه فالاصل موافق مع البائع المنكر للخيار فلاحظ.

«قوله قدس سره: لكنه غير جار»

الخ بل جار فانه قد ثبت في الاصول جريان الاصل في الاعدام الازلية فنقول البائع قبل العقد علي هذا الموجود لم يقيد أو لم يجعل الخيار في بيعه للمشتري و الاصل بقائه فلا يكون خيار للمشتري كما انه بهذا التقريب يجري الاصل في عدم الكرية للماء الذي وجد في الحوض دفعة فانه يجري فيه اصل عدم الكرية.

بتقريب ان الماء الموجود دفعة في الحوض قبل وجوده لم يكن كرا و الآن كما كان و بعبارة واضحة نقول الاصل عدم كون الماء الموجود كرا فانه قبل أن يوجد لم يكن كرا و الاصل بقائه علي العدم المذكور.

«قوله قدس سره: فالاصل عدم دفع العوض»

الخ لا مجال لهذا الاصل كما تقدم منا اذ لا اشكال في ان مملوك المشتري وصل إليه انما الشك في شرط الخيار و الاصل عدمه فالقول قول البائع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 203

«قوله قدس سره: هو عدم كون العين الخارجية منطبقة علي ما وقع العقد عليه»

الخ هذا مجرد فرض و خيال و لا يتصور في المقام اذ المفروض انه لا خلاف و لا نزاع في ان العقد وقع علي العين الخارجية الواصلة الي يد المشتري و انما النزاع في الاشتراط و عدمه.

«قوله قدس سره: فمقتضي ما ذكرنا في طرف المشتري تقديم قول البائع»

الخ بل الحق انه في هذه الصورة

ينعكس الامر و يكون القول قول المشتري اذ لا اشكال في وقوع العقد علي العين الخارجية و الاصل عدم الخيار للبائع.

«قوله قدس سره: تعارض كل من اصالة عدم تقدم البيع و التغير»

الخ الظاهر انه لا يترتب علي الاصلين المذكورين اثر الا علي القول بالاثبات الذي لا نقول به فان الخيار مترتب علي تخلف الوصف لا علي تأخر البيع عن التغير و كذلك عدم الخيار لا يترتب علي تقدم البيع علي التغيّر و بعبارة اخري النزاع في وجود الخيار و عدمه أو في سبب الخيار و عدمه و القول قول منكره فهذا الفرع عين الفرع الاول من حيث النتيجة.

و لقائل ان يقول ان الخيار يترتب علي تغيّر المبيع بالنسبة الي ما قبل البيع اذ الخيار المبحوث عنه في المقام خيار تخلف الوصف مثلا لو كان المبيع سمينا يترتب الخيار علي تبدل سمنه بهزاله فاستصحاب بقائه علي سمنه و عدم طرو الهزال عليه موضوع للزوم العقد فهذا الاصل يجري و لا يعارضه استصحاب عدم تحقق البيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 204

الي زمان الهزال فان الاصل المذكور لا يثبت وقوع العقد علي المهزول و في زمان الهزال الاعلي القول بالاثبات.

«قوله قدس سره: و مقتضي الاصل في المقامين عدم اللزوم»

الخ بل مقتضاه في كلا المقامين اللزوم فان الخيار خلاف الاصل فالقول قول منكره و قد تقدم ان اصالة عدم وصول الحق الي المشتري لا مجال لها اذ لا اشكال في وقوع العقد علي العين و من ناحية اخري المفروض وصول العين الي يد المشتري و قس عليه حال البائع اذا كان مدعيا للخيار علي المشتري فان كل من يدعي الخيار لا بدّ له من اقامة الدليل

عليه.

«قوله قدس سره: و قد يتوهم جريان اصالة صحة البيع هنا»

الخ تارة نتمسك بالاستصحاب في الحكم بالصحة اي استصحاب بقاء العين الي زمان البيع و اخري نتمسك باصالة الصحة كما تعرض لها الماتن قدس سره اما استصحاب بقاء العين الي زمان البيع فهو معارض باستصحاب عدم تحقق البيع الي زمان التلف.

و اما اصالة الصحة فالظاهر عدم جريانها فان مدركها منحصر في السيرة و حيث انها دليل لبّي لا اطلاق فيه فلا بد من احراز كون البائع له ان يبيع و مع الشك في وجود المبيع نشك في هذه الشأنية فلا تجري اصالة الصحة فتصل النوبة الي استصحاب بقاء المثمن في ملك المشتري.

«قوله قدس سره: حيث تمسك باصالة صحة الرجوع»

الخ الظاهر انه لا مجال للاصل المذكور اذ الرجوع بعد البيع لغو و انما تجري اصالة الصحة فيما يمكن للشخص ايقاع الامر الفلاني و يشك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 205

في صحته و فساده و اما مع الشك في اصل الامكان فلا مجال لها لعدم الدليل عليه.

«قوله قدس سره: اذا باع بلا ثمن»

الخ الظاهر انه لا يتصور البيع بلا ثمن بلا فرق بين الشرع و العرف فلاحظ.

[مسألة لا بد من اختبار الطعم و اللون و الرائحة فيما تختلف قيمته باعتبار ذلك]

«قوله قدس سره: مسئلة لا بدّ من اختبار الطعم و اللون و الرائحة» الخ

لو قلنا بان الغرر لا يفسد البيع لا يكون مجال لهذا البحث اذ غاية ما في الباب لزوم الغرر بدون الاختبار و المفروض عدم كون الغرر موجبا للفساد و اما علي القول بالاشتراط فتارة لا دخل للصفة في زيادة قيمة العين و اخري لها دخل فيها.

اما علي الاول فلا يضر الجهل بوجود الصفة اذ المفروض انه لا دخل لها و اما علي الثاني فيكفي لرفع

الغرر و الخطر توصيف العين بوصف كذائي و بناء البيع عليه و اشتراط الخيار عند التخلف فانه يرتفع الخطر و اشكال الدور قد اجبنا عنه سابقا فراجع.

و لكن هذا التقريب انما يتم فيما يكون للوصف انضباط قابل للبيان و اما ما لا انضباط فيه كالعطور و امثالها فانه لا انضباط لكيفية الرائحة فلا بد من الاختيار.

و لكن في المقام شبهة و هو انه ما المانع عن الصحة لو بيع مع اشتراط الخيار اذا انكشف عدم كون العين علي الوصف الفلاني اذ المانع المتصور هو الغرر و هو يرتفع بالخيار فالظاهر عدم وجه للمنع و صفوة القول ان الخيار يرفع الغرر و الخطر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 206

«قوله قدس سره: بناء علي اصالة الصحة»

الظاهر انه لا اساس للاصل المذكور الا الاستصحاب و عدم كون المبيع معيبا علي نحو استصحاب العدم الازلي بان نقول هذه العين قبل وجودها لم تكن معيوبة و الآن كما كانت و اما استصحاب السلامة فلا مجال لجريانه الا فيما كانت العين بعد وجودها سالمة و صحيحة فيجري استصحاب الصحة فيها.

و كيف كان لا اثر للاستصحاب اذ قد مر منا ان استصحاب الصحة أو عدم العيب أو غيرهما لا يرفع الغرر فلا مصحح للبيع مع الشك في الصحة الا اشتراط الخيار عند انكشاف كون العين معيبة.

فالنتيجة انه لا دليل علي وجوب الاختبار و اما حديث محمد بن العيص قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ما يذاق يذوقه قبل ان يشتري؟ قال: نعم فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري «1».

فلا يكون في مقام بيان هذه الجهة بل في مقام بيان جواز الذوق تكليفا عند إرادة الاشتراء

و عدم جوازه عند عدمه مضافا الي عدم اعتبار سنده.

و اما حديث عبد الاعلي بن اعين قال نبئت عن أبي جعفر عليه السلام انه كره شراء ما لم تره «2». فلا اعتبار بسنده مضافا الي الخدش في دلالته فلاحظ.

فانقدح بما تقدم ان المبيع اعم من ان يكون غائبا أو حاضرا و يمكن مشاهدته يجوز ان يباع بالمشاهدة و بالوصف بل و لو مع عدم

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب عقد البيع و شروط الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 207

الوصف و عدم ذكره في زمان البيع و لكن القرينة قائمة علي ان المشتري في مقام اشتراء العبد الكاتب مثلا فان اشتراط الخيار الارتكازي يكفي للصحة و رفع الغرر.

«قوله قدس سره: كان البيع باطلا و المتبايعان فيها بالخيار»

الخ يرد عليه أولا: انه لا وجه للبطلان بل البيع صحيح غاية الامر عند انكشاف الواقع و كون المبيع علي ما اشترط فيه و لو ارتكازا يقتضي الخيار و ثانيا ان ما افاده جمع بين المتنافيين فان البيع اذا كان فاسدا كيف يتصور فيه الخيار.

«قوله قدس سره: الا بشرط الصحة و البراءة من العيب»

الظاهر ان العطف تفسيري اي البائع يبرأ العين من العيب لا انه يبرأ نفسه عن الالتزام بكونها سليمة عن العيب فان البراءة بهذا المعني لا يكون شرطا للصحة و لا تكون رافعة للغرر ان لم تكن مؤكدة له و اذا فرض البراءة بمعني عدم الالتزام و عدم اشتراط الخيار و جعل البيع لازما فهل يكون البيع صحيحا أم لا؟

لا بدّ من التفصيل بان نقول: تارة لا يكون في الاقدام في مثل العقد المذكور غرر بان يعلم المشتري انه يصل

إليه ما يقابل بما يدفعه فاذا كان كذلك يكون العقد جائزا اذ لا يكون العقد غرريا و لا جزافا و اخري يكون العقد غرريا فيكون باطلا علي ما قرر عندهم من كون الغرر يوجب الفساد.

«قوله قدس سره: سواء شرط احدهما أو خلي عنهما أو شرط العيب»

الخ قد ظهر مما ذكرنا ان العطف تفسيري كما هو مقتضي العطف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 208

بالواو و أما اشتراط العيب فالظاهر جعل عنوان المبيع معيبا و الظاهر صحة العقد في هذه الصورة اذ لا غرر و الظاهر انه يثبت الخيار للبائع عند انكشاف كون المبيع سالما عن العيب.

«قوله قدس سره: الا فيما اذا كان الشك في طرو المفسد»

الخ قد تقدم منا ان الاستصحاب لا اثر له و لا يرفع الغرر بلا فرق بين احراز السلامة سابقا و يكون الشك في عروض الفساد و ان يكون الشك في سلامته فانا قلنا ان الاستصحاب يجري و مقتضاه عدم كون العين معيبة لكن بالاستصحاب لا يرتفع الخطر فيكون البيع باطلا.

[مسألة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار بدون الاختبار]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار بدون الاختبار»

الخ في هذه المسألة فروع:

الفرع الأول: ان الماتن أفاد ان ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بلا اختبار اجماعا

و هذا الاجماع هل يمكن الاستناد إليه مع احتمال كونه مدركيا و الذي يهون الخطب ان جواز البيع مع التوصيف جائز لارتفاع الخطر لاجل الخيار المشترط فيه صريحا أو ضمنيا فلا اشكال.

الفرع الثاني: انه افاد الماتن بانه يكفي الاعتماد علي اصالة السلامة.

و فيه انه قد تقدم منه و منا ان اصالة السلامة لا دليل عليها و قلنا ان استصحاب عدم العيب أو استصحاب السلامة لا يفيد في ارتفاع الغرر الاعلي القول بالاثبات.

الفرع الثالث: انه لو تبين كون المبيع فاسدا قبل التصرف فيه بالكسر و نحوه

و بعبارة اخري قبل الاختبار ان كان لفاسده قيمة دون قيمة الصحيح تخير المشتري بين الابقاء و اخذ الارش و بين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 209

الرد علي ما قرر في باب خيار العيب من الاختيار بين الامرين.

الفرع الرابع: ان الفساد ان كان الي مرتبة لا يعد المعيب من مصاديق المبيع

فأفاد الشيخ قدس سره بانه يحتمل فساد البيع.

اقول اذا كان كذلك لا بدّ من الالتزام بالبطلان فان البيع معلق علي الصورة النوعية الكذائية و بعد انكشاف الخلاف ينكشف بطلان البيع و لذا قلنا انه لو باع جسما بعنوان غلام حبشي فانكشف انه حمار وحشي يكون البيع باطلا.

الفرع الخامس: انه لو لم يكن لفاسده مالية و قيمة

فأفاد الماتن ان البيع فاسد لانه وقع علي ما لا مالية له.

و فيه انا قد ذكرنا في محله انه لا دليل علي اعتبار المالية في المبيع فلا وجه للبطلان فمقتضي القاعدة جواز الرد و اما الارش فلا لانتفاء موضوعه.

الفرع السادس: انه لو كان انكشاف العيب بالاختبار و كانت لفاسده مالية و قيمة يجوز للمشتري أن يأخذ الارش

و اما الرد فلا يجوز اذ قد فرض انه تصرف في العين و احدث فيها حدثا و تفصيل الكلام من هذه الجهة موكول الي بحث خيار العيب.

و هل يفرق بين التصرف بمقدار الاستعلام فقط و بين الزائد عن هذا المقدار؟ ربما يقال كما عن المبسوط بعدم سقوط الرد بالاول و سقوطه بالثاني.

و لكن الظاهر انه لا وجه لهذا التفصيل فان مقتضي اطلاق دليل سقوط خيار الرد بالتصرف عدم الفرق الا ان يشترط المشتري علي البائع خيار الرد حتي بعد التصرف فان الشرط المذكور جائز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 210

الفرع السابع: ان الارش الذي يؤخذ من البائع ما به التفاوت بين الصحيح و المعيب غير المكسور

لان الكسر نقص حصل بفعل المشتري و منه يظهر ثبوت الارش حتي فيما لا يكون لمكسوره قيمة اذ الميزان بما قبل الكسر.

الفرع الثامن: انه لو لم يكن لفاسد المبيع مالية ففيه قولان

احدهما فساد البيع من الاول ذهب إليه جماعة من الاعلام ثانيهما انفساخ البيع من حين الانكشاف ذهب إليه الشهيد في الدروس.

و الظاهر ان ما أفاده الشهيد غير تام اذ اشتراط المالية علي فرض القول به واقعي لا ذكري بل الحق هو القول الثالث و هو صحة البيع اذ قلنا لا دليل علي الاشتراط المذكور.

الفرع التاسع انه لم يكن للمعيب قيمة فأفاد الماتن انه لا ارش و لا رد

أما الأرش فلعدم موضوعه و أما الرد فلانه تلف بعد القبض فلا مجال للرد.

و أورد عليه الايرواني قدس سره بأن الخيار مقتضي الاشتراط صريحا أو ارتكازا و يرد عليه ان المستفاد من النص الخاص ان الرد يسقط بالتصرف في العين نعم يمكن رده بعد التصرف أيضا فيما يشترط الخيار حتي بعد التصرف فيجوز في الفرض فلاحظ.

الفرع العاشر: انه هل يمكن ان يقال ان العين لو كانت لها قيمة و سقطت عن المالية بالاختبار انها كانت ذا مالية

الي زمان تبين الفساد فاذا سقط عن المالية لامر سابق علي العقد و هو فساده واقعا كان في ضمان البائع و حيث ان كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه نلتزم بانفساخ العقد؟ الظاهر انه لا وجه له اذ المفروض ان سقوطها عن المالية بالكلية بفعل المشتري و لا دليل علي كون حدوث

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 211

سبب التلف في يد البائع موجبا لكون الضمان عليه.

مضافا الي أن دليل قاعدة التلف قبل القبض عليل فلا وجه للانفساخ بل العقد علي حاله و ليس للمشتري الرد حيث تصرف في العين فاذا فرض مالية للعين قبل التصرف اقل من قيمة العين الصحيحة يكون له اخذ الارش و الا فلا.

و لا وجه لما أفاده الماتن من انه علي البائع أن يدفع تمام الثمن اذ بعد عدم الالتزام بالفسخ لا وجه لما أفاده بل الامر منحصر بالارش.

لكن في المقام نكتة و هي ان مثل هذه العين الفاسدة التي تسقط عن المالية بتمام معني الكلمة بواسطة الاختبار هل يعدّ مالا؟

و هل تكون له قيمة؟

الظاهر انها لا تكون مالا في الصورة المفروضة و يدل علي ما ذكرنا ما أفاده الشيخ بقوله «و فيه وضوح كون ماليته عرفا و شرعا من حيث الظاهر» و أما اذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية

من أول الامر فعلي هذا يكون البيع باطلا من اصله علي مسلك من يري صحة البيع متوقفة علي كون العين ذا مالية كما هو كذلك علي مذهب الشيخ.

و أما علي مسلك من يري صحة البيع و لو مع عدم مالية المبيع كما نري ان الامر كذلك فلا وجه للبطلان و لذا لا نلتزم بالفساد حتي لو قلنا بانكشاف كون المبيع ساقطا عن المالية عند البيع خلافا للشيخ حيث التزم بالفساد في الصورة المفروضة.

ثم ان الماتن افاد بان العلم بالعيب يوجب سقوط المعيب عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 212

المالية و المفروض ان العلم بالعيب تحقق بعد قبض المشتري العين و بعبارة اخري لا يكون العلم كاشفا بل له موضوعية في تحقق العيب فليس هذا عيبا مجهولا و لو سلم فهو عيب حادث في يد المشتري كالعمي الحادث بعد القبض مستندا الي الرمد السابق و المريض يموت فان الموت حادث في يد المشتري مع استناده الي المرض السابق.

ثم قال ان فوات المالية يعد تلفا لا عيبا فلا موضوع للانفساخ و لا للرد و لا للارش.

و ما افاده يرتكز علي عدة امور. الأمر الأول: العلم بالعيب موضوع و بنفسه له موضوعية و لا يكون كاشفا.

و ليس علي ما أفاده دليل فان العلم كاشف عن العيب لا انه بنفسه عيب و بعبارة اخري لا يسقط العين عن المالية بالعلم.

الأمر الثاني: انه عيب حادث في يد المشتري كالعمي الناشي عن الرمد و ما أفاده تام و الامر كذلك.

الأمر الثالث: ان فوات المنفعة يوجب صدق التالف علي العين.

و فيه: انه نفرض انه يصدق التالف علي العين كما يتصور هذا المعني في الشاي فانه بعد الطبخ و زوال لونه

و طعمه يعد تالفا.

و في هذه الصورة قد يكون بحيث لا يصدق عليه عنوان المبيع كما هو كذلك في الشاي بعد الطبخ فان الظاهر عدم عنوان الشاي عليه بل يصدق عليه عنوان آخر فيكون البيع باطلا لقوامه بالصورة النوعية و أما ان لم يكن كذلك فلا وجه لبطلان البيع.

الفرع الحادي عشر: ان الاثر بين القول بالبطلان من اوّل الامر و بين الانفساخ من زمان الانكشاف يظهر في الثمن

فان تصرف البائع فيه علي الاول باطل و فضولي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 213

و اما علي القول الثاني فيكون صحيحا اذ صدر من اهله و وقع في محله و أيضا يظهر في المبيع بالنسبة الي مئونة نقله من مكان البيع الي مكان الاختبار فانه علي القول الثاني يكون علي المشتري لانه ملكه فعليه مئونة نقله.

و أما علي القول الاول فربما يقال بأنه ان كان مغرورا من قبل البائع يكون علي البائع فان المغرور يرجع الي من غره و اذا لم يكن مغرورا يكون عليه لعدم المقتضي لجعله علي البائع.

و ربما يقال انه لا يصدق الغرور لان البائع كالمشتري و يشترط في الغار كونه عالما و ان البائع جاهل كالمشتري.

و يرد عليه أولا انه يمكن أن يكون عالما بواسطة سبب مادي أو غير مادي.

و ثانيا: ان التغرير لا يختص بالعالم بل يمكن صدوره عن الجاهل.

الفرع الثاني عشر: وقع الكلام بينهم في ان مئونة النقل من مكان الاختبار

في صورة لزوم التفريغ كما لو وضعه في المسجد مثلا أو في ملك الغير و طالب المالك التفريغ، علي البائع أو المشتري.

أفاد الماتن انه لو كانت العين المفروض عدم المالية لها مملوكة تكون المئونة علي البائع اذ المفروض انفساخ العقد بعد انكشاف الواقع و يجب علي المالك تفريغ ملك الغير عن مملوكه و اما لو لم تكن قابلة لكونها مملوكة فلا يبعد ان تكون مئونة النقل علي المشتري و في رجوعه علي المالك ما تقدم.

اقول فيما افاد موارد للنظر. المورد الأول: ان العين يتصور فيها ان تسقط عن المالية و اما السقوط عن الملكية فلا يتصور فيها فانه لو دخل شي ء في ملك الغير يكون باقيا في ملكه الي ان ينعدم الا مع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 3، ص: 214

المخرج الخارجي فانه لا يشترط في المملوكية شي ء و عليه لا وجه للتقسيم الذي ذكره.

المورد الثاني: انه لا وجه لانفساخ العقد و دخول العين في ملك البائع بل العين باقية في ملك المشتري اذ قلنا ان بيع ما لا مالية له جائز فلا مجال لما افيد.

المورد الثالث: انه لو لم تكن مملوكة فلا وجه لالزام المشتري بالاخراج و لا دليل عليه بل علي المتولي علي المسجد ان يستأجر احدا للاخراج فانه من شئون المسجد نعم لو كان المكان ملك احد كما لو وضع العين في دار شخص فلا يبعد ان يكون المرتكز في اذهان العقلاء الزام الواضع بالاخراج و عليه فيفرق من هذه الجهة بين دار زيد و المسجد فلاحظ.

الفرع الثالث عشر: ان البائع لو تبرأ عن العيب بالنسبة الي العين التي لا قيمة لها فهل يصح البيع أم لا؟

ربما يقال بالبطلان من باب انه اكل للمال بالباطل.

و يرد عليه أولا: انا ذكرنا مرارا ان الجار في قوله تعالي في آية النهي عن الاكل بالباطل لا يكون للمقابلة بل الجار للسببية فلا وجه للبطلان من هذه الجهة.

و ثانيا: انه علي فرض كونه اكلا بالباطل و فرض بطلان العقد فلا فرق بين التبري و عدمه فان ملاك البطلان مشترك.

و ثالثا: ان المراد بالتبري اذا كان عدم الالتزام بشي ء كما هو ظاهر اللفظ فهذا يوجب الغرر للمشتري و المقرر عندهم كون الغرر مبطلا للعقد فالنتيجة ان العقد مع الاشتراط المذكور يكون باطلا من حيث الغرر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 215

لا الفسخ و لا اخذ الارش اذ المفروض ان البائع تبرأ من العيب و لم يلتزم بشي ء و اما لو لم يتبرأ و كانت العين بلا مالية بتمام معني الكلمة و قلنا بكون البيع صحيحا كما قلنا فلا اشكال في ان المشتري

ليس له ان يرد العين اذ المفروض انه تصرف فيها بالاختبار.

و أما الارش فهل يمكن له أن يأخذ بمقتضي دليله أم لا؟ و الارش في المقام عبارة عن تمام الثمن اذ المفروض ان لا مالية للعين فربما يقال بعدم الجواز لانه يرجع الي الجمع بين العوض و المعوض.

و لكن الاشكال المذكور مدفوع بان الارش غرامة و لذا لا يجب علي البائع ردّ عين الثمن و يظهر المدعي فيما لا يكون الثمن من النقود و الاوراق النقدية بل كان من الاعيان كالمبيع فيرد البائع من النقود أو الاوراق فلا اشكال من هذه الجهة.

نعم يتوجه الاشكال من ناحية اخري و هي انه لا دليل علي الارش في مفروض الكلام فان الارش عبارة عمّا به التفاوت بين الصحيح و المعيب و قد فرض ان المعيب لا قيمة له فلا موضوع للارش و تنقيح المناط خارج عن اطار العبودية و التعبديات امرها بيد الشارع الاقدس و ليس لنا التصرف فيها و اللّه العالم.

[مسألة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فأره]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة المشهور من غير خلاف يذكر جواز بيع المسك في فاره»

الخ يقع الكلام في مقامين

المقام الأول فيما هو مقتضي القاعدة الاولية

المقام الثاني: في مقتضي الدليل الثانوي. أما المقام الأول فمقتضي دليل صحة البيع جوازه و صحته و لا اشكال في ذلك.

و أما

المقام الثاني فما يتصور أن يكون مانعا عن الصحة احد امرين

احدهما نجاسته ثانيهما جهالته أما النجاسة فلا دليل علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 216

و مع الاغماض عن هذه الجهة و الالتزام بالصحة لا يكون للمشتري فساد بيع النجس بما هو نجس كما حقق في محله.

و أما الجهالة فان قلنا بعدم كون الغرر موجبا للفساد فالامر ظاهر و اما علي تقدير كون الغرر مفسدا للعقد فلو كان المشتري عالما بان ما يدفعه من الثمن يصل إليه مقابله فلا غرر كما هو ظاهر و اما لو لم يعلم فمنشأ الجهالة تارة عدم العلم بالصحة و الفساد و اخري الخصوصيات الموجبة لزيادة المالية و قلتها كمراتب الرائحة.

أما الاول فيتم الامر باجراء اصالة السلامة و بعبارة اخري يرتفع الغرر بجعل الخيار كما مر.

و أما الثاني فان لم يمكن الاستعلام ما دام لم يفتق فيمكن فتقه بادخال ابرة فيه و شمّها و علي التقدير المذكور هل يكون ضامنا أم لا؟

فنقول تارة يتحقق الاختبار بفعل البائع فلا اشكال في عدم الضمان فانه لا وجه له و اخري يتحقق بفعل المشتري و في هذه الصورة تارة يكون التصرف باذن المالك بلا ضمان و اخري يكون باذنه مع شرط الضمان و ثالثة بلا اذن منه.

أما الشق الاول فلا ضمان كما هو ظاهر و أما الشق الثاني فالضمان متحقق بلا اشكال.

و ملخص الكلام: انه لا وجه للمقايسة بين المقام و المأخوذ بالسوم بل اللازم لحاظ انه هل يكون وجه للضمان أم لا؟ فان كان الفتق بفعل البائع أو باذنه في الفتق بلا شرط الضمان فلا اشكال و اما لو

كان بلا اذن من البائع ففيه الضمان و اما المأخوذ بالسوم فيمكن أن يكون الوجه في ضمانه انه عارية مضمونة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 217

«قوله قدس سره: ثم ان الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف»

الخ تارة يشك في وجود اللؤلؤ في الصدف و اخري يشك في صحته و عيبه و ثالثة في الخصوصيات التي توجب الاختلاف في القيمة فهنا صور ثلاث:

اما الصورة الأولي: فلا اشكال في جواز بيعه معلقا علي وجوده فان التعليق علي وجود المبيع لا يفسد البيع مضافا الي انه لو فرض عدم التعليق لا يكون البيع محققا اذ المفروض عدمه فلا اشكال علي اي تقدير.

و أما الصورة الثانية فلا مانع عن الصحة مع جعل الخيار عنده التخلف كما تقدم و ان شئت قلت المشهور الاعتماد علي اصالة الصحة و ان قلنا بانه لا اساس لهذا الاصل.

و أما الصورة الثالثة فتارة يعلم المشتري بوصول مقابل ما دفعه من الثمن و اخري لا يعلم اما الشق الاول فلا مانع عن الصحة أيضا اذ المفروض انه لا غرر.

و أما الشق الثاني فأيضا يمكن تصحيحه باشتراط الخيار عند تخلف تلك الخصوصية غير القابلة للوصف فلا مانع عن البيع علي جميع التقادير.

[مسألة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه و عدمه»

الخ اختلفت الآراء في هذه المسألة فجملة قائلون بعدم الفرق بين ضم المعلوم الي المجهول و جملة قائلون بالجواز مع الضم و يقع البحث

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 218

في هذه المسألة تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث اقتضاء النصوص الخاصة فهنا مقامان:

أما

المقام الأول [في القاعدة الأولية]

فتارة يكون المجهول تابعا و لا يكون مستقلا بوقوع العقد عليه و اخري يكون مستقلا باللحاظ و علي الثاني تارة يكون الاتحاد في الانشاء فقط اي يكون هناك بيعان. احدهما متعلق بالمعلوم ثانيهما متعلق بالمجهول و الاتحاد بالجمع بينهما في مقام الاثبات و الدلالة و اخري يكون المجموع امرا واحدا و عقدا فاردا.

و أما القسم الأول و هو كون المجهول تابعا فنتكلم فيه إن شاء اللّه في ذيل المسألة عند تعرض الماتن.

و أما القسم الثاني فلا اشكال في صحة بيع المعلوم و بطلان بيع المجهول اذ لا اشكال في عدم ارتباط احد الامرين بالآخر و هذا واضح ظاهر.

و أما القسم الثالث فالظاهر بطلان البيع و الوجه فيه ان المفروض فساد بيع المجهول و من ناحية اخري ان ضم المعلوم الي المجهول لا يوجب ارتفاع الجهل عن المجهول فيدور الامر بين فساد بيع المجهول و صحة بيع المعلوم و فساد المجموع و صحته.

اما الاحتمال الاول فلا وجه له لعدم تعدد البيع فرضا و اما الاحتمال الثالث فلا وجه له أيضا فالمتعين الاحتمال الثاني هذا علي حسب القاعدة الاولية.

[المقام الثاني في اقتضاء النصوص الخاصة]

و ذهب جملة من الاساطين الي الصحة أيضا بلحاظ النصوص الخاصة الواردة في هذا المورد و هو المقام الثاني من المقامين فنقول قد وردت جملة من النصوص في المقام و من تلك النصوص ما ارسله محمد بن أبي نصر عن بعض اصحابه عن أبي عبد اللّه عليه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 219

السلام قال: اذا كانت اجمة ليس فيها قصب اخرج شي ء من السمك فيباع و ما في الاجمة «1». و هذه الرواية ضعيفة بالارسال و بغيره.

و منها ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في شراء الاجمة ليس فيها قصب انما هي ماء قال يصيد كفا من سمك تقول اشتري منك هذا السمك و ما في هذه الاجمة بكذا و كذا «2» و الحديث ضعيف بالارسال.

و منها ما رواه ابراهيم الكرخي قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما تقول في رجل اشتري من رجل اصواف مائة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهما قال لا بأس بذلك ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف «3».

و هذه الرواية مخدوشة فان الكرخي بهذا العنوان لم يوثق و علي فرض العمل بالرواية لا بدّ من الاقتصار علي موردها و لا وجه للتعدي فان الحكم المذكور في الحديث خلاف القواعد الاولية اذ مع تبعض الصفقة يقسط الثمن و الحال ان مقتضي الرواية لا يكون كذلك.

و منها ما رواه الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء ابدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل منه قال: اذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا انه

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) الوسائل الباب 10 من هذه الابواب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 220

قد ادرك فاشتره و تقبل به «1» و الحديث ضعيف سندا بالهاشمي.

و منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا بأس ان يشتري الآجام اذا كانت فيها قصب «2».

و هذه الرواية واردة في مورد خاص و مورده

ضم المجهول الي مجهول آخر فلا تكون الرواية دليلا علي المقصود.

فتحصل انه لا دليل علي الدعوي. ان قلت: يستفاد المدعي من النص الوارد في المملوك الآبق حيث يدل علي جواز بيعه مع الضميمة لاحظ حديثي رفاعة «3» و سماعة «4».

قلت: لا وجه لاستفادة المدعي من النص المشار إليه فانه حكم خاص وارد في اطار مخصوص و الحال ان الحكم المذكور علي خلاف القاعدة الاولية اذ ذكر فيه ان المشتري لو لم يقدر علي الآبق يكون ما دفعه في مقابل تلك الضميمة و الحال ان القاعدة تقتضي التقسيط فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله قدس سره يشير بالامر بالتأمل الي ان السمك قبل موته و ما دام يكون حيا لا يكون من الموزونات كي يشترط بيعه بالوزن بل يكفي في جواز بيعه المشاهدة فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 5.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 118.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 119.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 221

«قوله قدس سره: و الّذي يظهر من مواضع من القواعد و التذكرة ان مراده بالتابع ما يشترط دخوله في البيع و بالمقصود ما كان جزء»

الخ مقتضي القواعد عدم تمامية ما افاده قدس سره فان الشرط المذكور خلاف المشروع و ببيان واضح كيف يمكن ان يدخل مال احد في ملك الغير بالاشتراط؟ فان الشرط لا يكون مشرعا.

و ان شئت قلت دخول مملوك احد في ملك الغير يتوقف علي تحقق سببه و الا يكون خلاف المقرر الشرعي و لا يمكن اشتراط ما يخالف المقرر شرعا.

«قوله قدس سره: كاساس الحيطان»

الخ لا وجه للمقايسة بين المقامين فان اساس الحيطان جزء من المبيع

بلا اشكال لكن لا يبعد ان يقال ان الاساس تابع لا جزء و لذا لا يقسط عليه الثمن فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ان أحلنا ملكه اشترط»

الخ الظاهر انه لا فرق بين القولين اذ لو جاز الاشتراط يجوز علي كلا التقديرين و ان لم يكن جائزا لم يكن أيضا علي الاطلاق.

«قوله قدس سره: ثم التابع في كلام هؤلاء»

الخ الظاهر ان المراد بالتابع في كلماتهم ما يكون ملحقا بالمبيع في نظر العرف و العقلاء و لو كان حين العقد مغفولا عنه كالبيض في الدجاجة و كالمسمار الثابت في الجدار و مثل الكهرباء و وسائل الماء و الغاز و الهاتف و امثالها فانها تابعة للعين و لذا تدخل في المبيع و تكون تابعة له الا ان تخرج بالاشتراط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 222

«قوله قدس سره: و الباغ في الدار»

فسر لفظ الباع في بعض الكلمات بالكرم و اللّه العالم

«قوله قدس سره: و في التمثيل نظر لخروج زخرفة الجدران»

الخ لا يبعد ان يكون الوجه في خروجه ان مثل زخرفة الجدران و المسمار الثابت فيه و امثالهما داخلة و تابعة للمبيع بلا اشكال فلا بد ان يقع البحث فيما يكون محل الكلام.

اقول الظاهر ان التابع هو الّذي لا يحتاج الي الذكر بل يدخل في المبيع و ان كان مغفولا عنه بالكلية كالمسمار الثابت في الجدران و اما ان لم يكن كذلك فلا وجه لدخوله في المبيع و لا وجه لكونه تابعا و لا يدخل في المبيع الا مع الاشتراط و قد مرّ منا الاشكال في الاشتراط.

«قوله قدس سره: و ان فرض تعلق الغرض الشخصي»

الخ لا دخل لتعلق الغرض الشخصي به و عدمه فان الميزان في التبعية العرف و

السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع و ملخص الكلام ان التبعية تحتاج الي الدليل ففي كل مورد تحققت السيرة العقلائية علي التبعية نلتزم بها و الا فلا وجه للالتزام بها فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان اطلاق العبارة يشمل ما اذا شرط حمل دابة في بيع دابة اخري»

الخ قد ظهر مما ذكرنا فساد ما ذكر فان التابعية لا تكون بالقصد و لا بالجعل بل أمر عقلائي و لا بدّ من الاقتصار فيها علي القدر المعلوم و من الظاهر ان حمل دابة لا يكون تابعا لدابة اخري و لا اثر للشرط اذ الشرط لا يكون مشرعا و مما ذكرنا يظهر الاشكال في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 223

جملة من الكلمات المذكورة في عبارة الماتن فان الميزان في التبعية حكم العقلاء و العرف و لا اثر للقصد و لا للذكر و لا للشرط فلا تغفل.

«قوله قدس سره: فهذا لا بأس به»

قد ظهر مما ذكرنا ان الميزان في الصحة كون التابع امرا عقلائيا و اما في غيره فلا وجه للالتزام بالصحة.

«قوله قدس سره: و اما قصد المتبايعين بحسب الشخص»

الخ الظاهر ان المراد من العبارة ان ارتفاع الغرر الشخصي لا يؤثر في الصحة بل الميزان بالنوع و يرد عليه ان كل حكم تابع لموضوعه في القضايا الحقيقية و عليه يكون الميزان الغرر الشخصي و لا وجه لجعل الميزان النوعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و اما التابع للمبيع الّذي يندرج في المبيع»

الخ الظاهران التابع منحصر في هذا القسم كما ذكرنا و اما غيره فلا دليل علي صحته بل مقتضي القاعدة ان يقال اذا لوحظ بعنوان الجزء يصح مع رعاية الشرائط و اما لو لم يلاحظ علي هذا النحو و لوحظ علي نحو

الاشتراط لا يصح لان الشرط المخالف فاسد.

[مسألة: يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة و النقيصة]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة: يجوزان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار»

الخ الظاهر ان بحث الاندار يرتبط بالاندار وقت البيع لا الاندار موقع تسليم المبيع و عليه يلاحظ الاندار تارة بالنسبة الي زمان البيع و اخري الي زمان تسليم المبيع و الكلام الآن في القسم الأول.

و يقع البحث فيه في مقامين.

المقام الأول: فيما تقتضيه القاعدة الاولية.

المقام الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 224

أما المقام الأول فتارة نتكلم علي فرض عدم اشتراط البيع بعدم الغرر و بعدم الاشتراط بالعلم بمقدار المبيع و اخري علي القول بكون الغرر مفسدا أما علي الاول فلا اشكال في البيع لوجود المقتضي و هو دليل صحة البيع و التجارة و فقد المانع.

و أما علي الثاني فلو لم يكن غرر و لم يصدق الجزاف فالبيع صحيح كما لو علم المشتري بان ما يدفعه من الثمن يصل إليه ما يقابله و أما مع صدق الغرر أو الجزاف فلا يكون العقد صحيحا.

و أما

المقام الثاني: [في اقتضاء النصوص]

فمن النصوص الواردة في المقام ما رواه حنان قال: كنت جالسا عند أبي عبد اللّه عليه السلام فقال له معمر الزيات: انا نشتري الزيت في زقاقه و يحسب لنا فيه نقصان لمكان الزقاق فقال ان كان يزيد و ينقص فلا بأس و ان كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه «1»

و مقتضي الحديث التفصيل بين أن يزيد و ينقص و بين أن يزيد و لا ينقص بالحكم بالصحة في الاول و البطلان في الثاني و لم يتعرض عليه السلام لصورة النقصان و عدم الزيادة فلا بد فيها من العمل بالقاعدة الاولية كما تقدم.

و هذا الذي ذكرنا ميزان عام لجميع الموارد و المستفاد من الحديث جواز بيع المظروف بعد اندار مقدار الظرف كما ان الظاهر من معقد الاجماع كذلك و لا يجوز بيع مجموع الظرف و المظروف بوزن واحد.

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 225

«قوله قدس سره: فلا يحتاج الي الاندار»

الخ كيف لا يحتاج الي الاندار و الحال

ان مقدار المظروف مجهول و من ناحية اخري ان المكيل و الموزون يشترط فيهما العلم بمقدار هما و انما الاجماع قائم علي صحة بيع المظروف باندار الظرف فعليه ما أفاده في هذه الصورة غير تام لكن الماتن فرض البيع صحيحا و جعل الاندار في مقام دفع الثمن و عليه لا يحتاج الي الاندار كما أفاد اذ المفروض ان الثمن جعل في مقابل المظروف اي مقدار كان فلا مجال و لا موضوع للاندار.

و الحاصل ان الموزون يشترط في بيعه بمقتضي النص كون وزنه معلوما الا أن يقال: ان مقتضي النص و الاجماع جواز بيع المظروف منفردا فلا احتياج الي الاندار.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 225

و يرد عليه انه كيف يجوز بيع المظروف منفردا بدون الاندار في زمان العقد؟ نعم لو صح بيعه لا يحتاج الي الاندار في مقام تسليم الثمن لان الثمن بتمامه واقع في مقابل المظروف فقط.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله بالامر بالتأمل يشير الي عدم الفرق فانه يحتاج الي الاندار علي كل حال و بعبارة اخري يمكن ان يكون الامر بالتأمل اشارة الي ان الاندار في مقام دفع الثمن يتوقف علي جواز بيع المظروف مع الجهل بوزنه.

«قوله قدس سره: فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسئلة تعيين العوضين»

الظاهران مقصوده بيان ان عنوان مسئلة الاندار في المقام من باب انه يجوز بيع المظروف مع الجهل بمقدار وزنه و اما الاندار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 226

فهو راجع الي مقام تعيين الثمن الذي يجب دفعه بعد تمامية البيع.

و بعبارة واضحة الكلام

في المقام في اشتراط العلم بمقدار الثمن و حيث انه يجوز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول عنونت المسألة، فالاندار لا يرتبط بالمقام هذا ما يرجع الي كلامه قدس سره.

اقول: قد ذكرنا ان المستفاد من حديث حنان بحسب الظهور العرفي جواز بيع المظروف بعد الاندار بالشرط المذكور في الحديث فالامر ليس كما افاده فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالذي يقوي في النظر هو المشهور بين المتأخرين من جواز اندار ما يحتمل الزيادة و النقيصة»

الخ الاندار اما لتصحيح البيع و اما لتعيين الحق بعد تمامية العقد و فرض وجوده فيقع الكلام في مقامين. اما المقام الأول: فلا بد من الاقتصار علي العمل بمفاد حديث حنان و المستفاد منه انه حكم واقعي فلا مجال لكشف الخلاف و أما مع قطع النظر عن الحديث فلا يجوز البيع لمكان الجهل بمقدار المبيع.

و أما المقام الثاني: فلا مانع عن العمل بالاصل ما دام لم ينكشف الخلاف و اما مع انكشافه فلا مجال للعمل اذ حجية الاصل ما دام الشك باقيا و اما مع كشف الواقع فلا مجال للعمل بالاصل كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: فان كان هنا عادة تقتضيه كان العقد واقعا عليها»

الخ الظاهر ان مراده قدس سره انه مع العادة و العلم بها يكون العقد مشروطا بها فلا يحتاج الي تراض جديد بعد العقد.

لكن يرد عليه ان الشرط المذكور ان كان شرط الفعل فلا بد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 227

من تحققه بعد العقد و الا فلا اثر لمجرد الشرط حين العقد و ان كان علي نحو شرط النتيجة فلا يكون نافذا لكونه مخالفا مع المقرر الشرعي اذ بالشرط لا ينتقل ملك احد الي ملك الاخر اللهم الا ان يتحقق

الانشاء بنفس الشرط كما لو شرط علي الزوج في ضمن عقد النكاح كون الزوجة ذات و كالة عن الزوج في طلاق نفسها لكن يختص هذا بما يكون قابلا للانشاء بهذا النحو فلا بد من ملاحظة الشرط و انه هل يمكن فيه ذلك أم لا؟

«قوله قدس سره: علي أن يسقط لكل ظرف كذا فهو هبة له»

الخ يتوقف جواز هذا علي جواز إنشاء الهبة في ضمن العقد و لو بنحو الشرط.

«قوله قدس سره: لان هذا ليس من افراد المطلق»

الخ مثلا لو باع السمن كل رطل منه بدينار و كان وزن مجموع الظرف و المظروف عشرة ارطال و كانت العادة جارية علي اندار رطل للظرف لا يجوز الاندار لعدم تسعة ارطال من افراد كل رطل فلا بد من ان تكون العادة الي حد توجب الاشتراط الضمني هذا تفسير كلامه و يرد عليه ان الموجب للاشتراط المذكور العادة مع العلم بها فلا فرق بين الموارد.

«قوله قدس سره: غير مختص بظروف السمن و الزيت»

حيث ان الحكم المذكور علي خلاف القاعدة الاولية لا يمكن التعدي عن مورد الرواية الا مع القطع بعدم الفرق و انّي لنا بذلك و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 228

[مسألة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و إن لم يعلم إلا بوزن المجموع]

«قوله قدس سره: مسئلة يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه و ان لم يعلم الا بوزن المجموع»

الخ اذا فرض ان المبيع من الموزونات أو المكيلات لا يجوز بيعه كذلك اذ المفروض انه استفيد من الدليل الشرعي اشتراط العلم بالمقدار و المفروض عدمه الا ان يقوم علي الجواز اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم أو قلنا بان المستفاد من نصوص اشتراط العلم بالوزن النهي عن ارتكاب الجزاف و اما ان لم يكن جزافا

فيصح العقد و ان كان مقدار المبيع مجهولا.

و لما انجر الكلام الي هنا يناسب أن نشير الي نكتة و هي ان المعروف بين الاصحاب فساد البيع الغرري و الحال انه لو بيع شي ء بثمن مع شرط الخيار لا يصدق الغرر كما انه لا يصدق الجزاف و لو لا هذه الجهة كان الاشتراء مع احتمال الغبن غرريا و خطريا و جزافا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا فالذي يكون موجبا لعدم صدق الغرر و الجزاف اشتراط الخيار و لو ارتكازا.

«قوله قدس سره: مع جهالة وزن كل واحد»

الخ كيف يجوز و كيف يكون مجهولا و الحال ان المستفاد من النص و الاجماع جواز بيع المظروف باندار ما تعارف انداره و انكشاف مقدار المبيع و وزنه و بعبارة اخري المستفاد من النص الجواز بشرط الاندار و انكشاف وزن المظروف بعد الاندار فاذا فرض توزين المجموع و اندار الظرف كان وزن المظروف معلوما و اما قبل الاندار فلا يجوز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 229

«قوله قدس سره: فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي»

الخ كيف يلزم الغرر مع فرض اشتراط الخيار كما تقدم منا نعم مع عدم جعل الخيار يلزم الغرر و الجزاف الا فيما يعلم المشتري بانه يصل إليه ما يقابل ما دفعه اللهم الا ان يكون المبيع من الموزون و قلنا ان المستفاد من النص اشتراط صحة البيع بالعلم بالمقدار في الموزون و المكيل.

«قوله قدس سره: لا كل جزء منه»

الخ تارة يكون المركب له صورة نوعية و لو عرفا و اخري يكون كل جزء له صورة مغايرة مع صورة الجزء الاخر فاذا كان من القسم الاول كسقمونيا مثلا يجوز بيع المركب و الميزان هو عنوان

المركب اذ هو شي ء واحد و اما اذا كان من القسم الثاني فالظاهر انه لا أثر للعلم بوزن المجموع اذ المفروض كون الجزء مجهولا من حيث الوزن.

«قوله قدس سره: فان فرضنا الشمع تابعا»

الخ قد ذكرنا سابقا ان التابع في المقام عبارة عما يكون داخلا في المبيع و لو مع الغفلة عنه كالمسمار الثابت في الجدار و في غير هذه الصورة لا اثر للتابعية و عدمها فلاحظ.

«قوله قدس سره: احداهما ان يبيعه من ظرفه»

الخ بتقريب انه يشترط في بيع الموزون ان يوزن و بالنحو المذكور يحصل الشرط و فيه انه يتوقف علي ان يكون الظرف مما يباع بالوزن و الا فلا أثر له و أيضا لا بدّ من القول بكفاية وزن شيئين بوزن واحد و الا يلزم وزن كل واحد منهما و في النفس شي ء.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 230

«قوله قدس سره: فيقسط الثمن علي قيمتي كل من المظروف و الظرف»

الخ و لا مدخلية للوزن بل الدخل للقيمة فان المفروض ان الثمن جعل في مقابل المجموع المركب بلا لحاظ الوزن بل الملحوظ القيمة و مما ذكر يظهر الوجه فيما افاده في الصورة الثانية فان الملحوظ فيها أيضا القيمة و لكن لا يلاحظ المبيع شيئا واحدا بل الوحدة في مجرد الانشاء و في الحقيقة يتحقق بيعان احدهما متعلق بالمظروف و ثانيهما متعلق بالظرف.

«قوله قدس سره: علي ان يكون التسعير للظرف و المظروف»

الخ اي يكون الملحوظ الوزن الخاص في مقابل ثمن خاص بلا خصوصية للظرف أو المظروف ففي هذا الفرض لا بدّ من ملاحظة نسبة وزن الظرف بالنسبة الي وزن المظروف و اما اذا لوحظ الظرف و المظروف شيئا واحدا و يباع بهذا اللحاظ فلا

بد من ملاحظة نسبة القيمة مثلا لو بيع فرش مركب من ديباج و قطن فاحتيج الي تقسيط الثمن و تعيين قسط القطن لا يمكن ان يلاحظ القيمة بالنسبة الي المساحة بل لا بدّ من لحاظ قيمة القطن الي قيمة الديباج فلاحظ.

[تنبيهات البيع]

[مسألة المعروف استحباب التفقه في أحكام التجارات]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة المعروف بين الاصحاب تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي استحباب التفقه»

الخ الكلام تارة في انه هل يجب تعلم الاحكام أم لا و اخري يقع الكلام بالنسبة الي تعلم احكام التجارة لمن يريد ان يتصدي لها فالكلام في مقامين.

أما

المقام الأول [في أنه هل يجب تعلم الاحكام أم لا]

فقد تعرضنا في بعض المباحث الاصولية ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 231

المستفاد من بعض النصوص وجوب تعلم الحكم الشرعي مقدمة للعمل. لاحظ ما ورد في تفسير قوله تعالي «فلله الحجة البالغة» عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام و قد سئل عن قوله تعالي «فلله الحجة البالغة» فقال ان اللّه تعالي يقول للعبد يوم القيمة: عبدي كنت عالما؟ فان قال نعم قال له أ فلا عملت بما علمت و ان قال كنت جاهلا قال أ فلا تعلمت حتي تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة «1».

فان المستفاد من هذه الرواية انه يلزم تعلم الحكم الشرعي مقدمة للعمل به فيكون وجوبه عقليا ارشاديا و لا يكون واجبا بنفسه.

و أما

المقام الثاني [في الكلام بالنسبة إلي تعلم احكام التجارة]

فتارة نبحث فيه من حيث مقتضي القاعدة و اخري من حيث مقتضي النصوص الواردة في المقام فيقع الكلام في موضعين:

أما الموضع الاول فنقول لا وجه للالتزام بوجوب تعلم مسائل التجارة و لا لاستحبابه و مقتضي القاعدة عدم الوجوب اذا شك فيه فان البراءة عن الوجوب تقتضي عدمه كما ان مقتضي الاستصحاب عدم استحبابه نعم اذا احتمل المكلف حرمة فرد من افراد التجارة يجب عليه الفحص و لا يجوز له الارتكاب قبله و هذا ميزان عام جار في جميع الشبهات الحكمية.

و أما الموضع الثاني فقد وردت في المقام جملة من النصوص فلا بد من ملاحظتها كي نري انها هل تقتضي الوجوب أم لا؟ فنقول من تلك النصوص ما رواه الاصبغ بن نباتة قال: سمعت امير المؤمنين عليه السلام يقول علي المنبر يا معشر التجار الفقه ثم المتجر الفقه

______________________________

(1) تفسير البرهان ج 1 ص 560 الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص:

232

ثم المتجر الفقه ثم المتجر و اللّه للربا في هذه الامة اخفي من دبيب النمل علي الصفا شوبوا ايمانكم بالصدق التاجر فاجر و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق «1».

و هذه الرواية مخدوشة سندا مضافا الي انه لا يستفاد منه وجوب التعلم أو استحبابه شرعا بل المستفاد منه الارشاد الي طريق يسلم المكلف الذي يتصدي للتجارة عن الوقوع في الربا و الحرام.

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم «2».

و هذه الرواية أيضا مخدوشة سندا و غير دالة علي المدعي لما ذكرناه في الحديث الاول و قس عليهما الحديث الثالث و الرابع من الباب المشار إليه فانهما ضعيفان سندا و غير دالين علي المقصود فلاحظ.

فتحصل انه ليس في النصوص ما يدل علي الوجوب أو الاستحباب نعم لا اشكال في استحباب طلب العلم فان الروايات الواردة في فضيلة طلبه كثيرة جدا و الحاصل انه لا اشكال في محبوبية طلب العلم لاحظ الاخبار الواردة في هذا الباب في كتاب بحار المجلسي قدس سره و غيره.

«قوله قدس سره: فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال من المكتسب و الحرام»

الخ هذا التقريب لا يقتضي الوجوب أو الاستحباب شرعا بل هذا حكم

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 233

عقلي فانه بعد ما تنجز علي المكلف حكم الزامي يلزم ان يخرج عن عهدته فيجب عليه عقلا القيام بمقدماته مضافا الي انه قد مرّ منا قريبا ان تعلم الاحكام يجب مقدمة.

«قوله قدس سره: فان

معرفة الحلال و الحرام واجبة علي كل احد»

الخ لا دليل علي هذه الكلية و لا علي الجزئية الا ان يراد من الوجوب الوجوب العقلي أو الارشادي الشرعي كما تقدم.

«قوله قدس سره: و لذا اجمعنا علي ان الكفار يعاقبون علي الفروع».

المسألة مورد الاختلاف و لا تكون اجماعية نعم انا نري ان الامر كذلك فان المستفاد من الادلة الاولية كونهم مكلفين كما انه يدل علي المدعي بعض الآيات لاحظ قوله تعالي في سورة المدثر «قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين» «1» فان المستفاد من الآية انهم مؤاخذون في الآخرة لترك الصلاة و الزكاة.

«قوله قدس سره: في غير واحد من الاخبار»

لعله اراد بقوله الحديث الذي تقدم ذكره «2» في تفسير قوله تعالي «فلله الحجة البالغة» و الاحاديث الواردة في التيمم منها ما رواه محمد بن سكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له ان فلانا اصابته جنابة و هو مجدور فغسلوه فمات فقال قتلوه الا سألوا الا يمّموه ان شفاء العي السؤال «3».

______________________________

(1) المدثر/ 43.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 231.

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب التيمم الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 234

و منها: مرسل الكليني قال و روي ذلك في الكسير و المبطون يتيمم و لا يغتسل «1».

و منها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن مجدور اصابته جنابة فغسلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا فان دواء العي السؤال «2».

و لا يخفي علي الخبير ان هذه الطائفة من النصوص أيضا لا تدل علي وجوب التعلم نفسا بل المستفاد منها انه لا عذر للجاهل في تقصيره فانه كان عليه بمقتضي

وظيفته السؤال.

«قوله قدس سره: ثم ان المقام يزيده علي غيره»

الخ الامر كما افاده فان مقتضي الاصل عدم الانتقال فيحرم التصرف في العين لكن حرمة التصرف بمقتضي الاصل العملي لا تقتضي وجوب تعلم الاحكام كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: و يمكن أن يكون في قوله عليه السلام التاجر فاجر»

لاحظ ما روي مرسلا قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله التاجر فاجر و الفاجر في النار الا من اخذ الحق و اعطي الحق «3» و ما رواه الاصبغ بن نباته «4» بتقريب ان كل تاجر فاجر و هو في النار الا من يعلم جواز المعاملة و صحتها و يرد عليه أولا ان الحديث الاول مرسل و لا اعتبار به و اما الحديث الثاني فقد مرّ انه غير تام سندا و ثانيا انه هل يمكن ان يلتزم بان المكلف اذا احتاط و لم يدخل في

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب التيمم الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 2 من ابواب آداب التجارة الحديث 5.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 231

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 235

معاملة الا مع العلم بجوازها و صحتها يدخل النار لاجل جهله و هل الماتن يلتزم بهذا اللازم الفاسد.

«قوله قدس سره: بل الاولي وجوبه عليه عقلا و شرعا»

قد ظهر مما تقدم انه لا وجه للوجوب الشرعي فلاحظ ما تقدم منا.

«قوله قدس سره: قوله عليه السلام»

الخ لاحظ ما رواه الا صبغ بن نباته «1».

«قوله قدس سره: قول الصادق عليه السلام»

لاحظ ما ارسله المفيد قال: قال الصادق عليه السلام من اراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه و من لم يتفقه في دينه

ثم اتجر تورط الشبهات «2».

«قوله قدس سره: ثم ان التفقه في مسائل التجارة»

لا اشكال في كفاية التقليد كما انه لا اشكال في العمل بالاحتياط و صفوة القول المطلوب الاجتناب عن الحرام لا تعلم الاحكام و الاجتناب عن الحرام يتحقق بواحد من الامور الاربعة الاول الاجتهاد. الثاني: التقليد. الثالث: الاحتياط. الرابع: ترك العمل و عدم التصدي للتجارة.

«قوله قدس سره: التعارض بين ادلة طلب مطلق العلم»

الخ ينبغي قبل الخوض في المعركة بيان الفرق بين التعارض و التزاحم فان التعارض عبارة عن التكاذب في مقام الجعل مع تفصيل مذكور في محله من بحث التعادل و الترجيح كما لو قام دليل علي وجوب صلاة

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 231

(2) الوسائل الباب 1 من ابواب آداب التجارة الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 236

الجمعة و قام دليل آخر علي نفيه فان الدليلين متعارضان.

و أما التزاحم فهو عبارة عن التعاند في مرحلة الامتثال بلا ارتباط بمرحلة الجعل فان المولي يجعل وجوب انقاذ كل غريق مسلم مثلا علي كل مكلف فلو غرق شخصان و المكلف لا يمكنه انقاذ كليهما يقع التزاحم بين الوجوبين المتعلقين بالنسبة الي الغريقين فمع الترجيح يرجّح احد الطرفين و مع عدمه يخيّر بينهما.

اذا عرفت ما ذكرنا نقول: المقام لا يرتبط بباب التعارض فان التكاذب ليس في مقام الجعل بل التعاند في مقام الامتثال احيانا و ليس هذا مختصا بالمقام بل سار و جار في كثير من المستحبات مثلا يستحب لكل مكلف أن يزور الرضا عليه السلام و أيضا يستحب ان يبني المسجد و أيضا يستحب أن يصل رحمه في قرية فلانية فلانية الي غيرها من المستحبات.

و من الظاهر انه لا يمكن الجمع بين

جميع هذه الامور فتصل النوبة الي ملاحظة انه هل يكون مرجح في بعض الاطراف أم لا؟ فعلي تقدير وجوده يرجح و الا يتخير هذا هو الميزان الكلي و المقام كذلك فان طلب العلم مطلوب و محبوب علي الفرض و الاكتساب أيضا محبوب و مطلوب علي الفرض.

فلو امكن الجمع بين الامرين يتوجه كلا الامرين و ان لم يمكن لا بدّ من رعاية المرجحات المذكورة في باب التزاحم فلو كان احد الظرفين واجبا بسبب من الاسباب وجهة من الجهات يقدم اذ الاستحباب لا يزاحم الوجوب كما انه لو كان مرجع في احدهما يقدم و يرجح و الا يخير فالمقام غير مرتبط بباب التعارض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 237

«قوله قدس سره: يكفي في طرف الاكتساب ما ورد»

الخ لاحظ ما رواه الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان أمير المؤمنين عليه السلام قال: اوحي اللّه عز و جل الي داود عليه السلام انك نعم العبد لو لا انك تأكل من بيت المال و لا تعمل بيدك شيئا قال فبكي داود عليه السلام اربعين صباحا فاوحي اللّه عز و جل الي الحديد ان لن لعبدي داود فألان اللّه عز و جل له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بالف درهم فعمل ثلاثمائة و ستين درعا فباعها بثلاثمائة و ستين الفا و استغني «1».

«قوله قدس سره: و ما ارسله في الفقيه»

محمد بن الحسين قال: قال عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لآخرته و لا آخرته لدنياه «2».

«قوله قدس سره: و ذكر في الحدائق»

ان الجمع بينهما باحد الوجهين: الاول و لعله الاظهر كما هو بين علمائنا اشهر تخصيص الاخبار الدالة علي وجوب طلب

الرزق بهذه الاخبار الدالة علي وجوب طلب العلم بان يقال بوجوب ذلك علي غير طالب العلم المشتمل بتحصيله و استفادته أو تعليمه و افادته الخ «3».

«قوله قدس سره: تخصيص اخبار وجوب طلب الرزق»

علي فرض التعارض لا وجه لهذا التخصيص فانه جمع تبرعي لا صناعي و بهذا القسم من الجمع يمكن أن يجمع بين المتعارضات

______________________________

(1) الكافي ج 5 ص 74 الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 28 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 1.

(3) الحدائق ج 18 ص 10.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 238

فانه لو قال المولي يجب اكرام العلماء و في دليل آخر قال لا يجب اكرام العلماء يمكن أن يجمع بين الطرفين بان يحمل الدليل الاول علي العدول من العلماء و يحمل الدليل الثاني علي فساقهم فاين التعارض.

«قوله قدس سره: و قد ورد في الحديث عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم»

ما وجدت الرواية في مظانها فانها ان كانت تامة من حيث السند امكن ان يستفاد منها الفرق بين طالب العلم و غيره و لكنا نري أمير المؤمنين و مولي الكونين عليه السلام كان يكسب الا ان يقال انه عليه السلام و اضرابه لا يتصور في حقهم طلب العلم فان تحصيل الحاصل محال و علومهم بافاضة خاصة إلهية.

«قوله قدس سره: و روي شيخنا المقدم»

لاحظ ما رواه الكليني: عن الحسين بن علوان قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتي في بعض الاسفار فقال لي بعض اصحابنا: من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا فقال: اذا و اللّه لا تسعف حاجتك و لا يبلغك املك و لا تنجح طلبتك قلت و ما علمك رحمك اللّه؟

قال: ان أبا عبد اللّه

عليه السلام حدثني انه قرأ في بعض الكتب ان اللّه تبارك و تعالي يقول «و عزتي و جلالي و مجدي و ارتفاعي علي عرشي لاقطعن امل كل مؤمل (من الناس) غيري و لأكسونّه ثوب المذلة عند الناس و لانحينه من قربي و لأبعدنه من فضلي أ يؤمل غيري في الشدائد و الشدائد بيدي و يرجو غيري و يقرع بالفكر باب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 239

غيري و بيدي مفاتيح الابواب و هي مغلقة و بابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي املني لنوائبه فقطعته دونها؟ و من ذا الّذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي و ملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي و أمرتهم ان لا يغلقوا الابواب بيني و بين عبادي فلم يثقوا بقولي الم يعلم (ان) من طرقته نائبة من نوائبي انه لا يملك كشفها احد غيري الا من بعد اذني فمالي اراه لاهيا عني اعطيته بجودي ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده و سأل غيري أ فيراني ابدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فلا اجيب سائلي أ بخيل انا فيبخلني عبدي أو ليس الجود و الكرم لي أو ليس العفو و الرحمة بيدي أو ليس انا محل الامال فمن يقطعها دوني أ فلا يخشي المؤملون ان يؤملوا غيري فلو ان اهل سماواتي و اهل ارضي املوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة و كيف ينقص ملك انا قيّمه فيا بؤسا للقانطين من رحمتي و يا بؤسا لمن عصاني و لم يراقبني «1».

«قوله قدس سره: و انت خبير بان

ما ذكره»

الخ بل الامر بالعكس فان كلام الشهيد يرتبط بما افاده كمال الربط فانّه صرح بالتقسيم بين الطالب و غيره كما ان الحديث المذكور في كلامه يدل علي التفصيل و العجب من الشيخ و كذا من سيدنا الاستاد كيف لم يتوجها.

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 2 ص 66 الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 240

«قوله قدس سره: و لذا كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه»

الخ هذا ليس مورد النقض فان أمير المؤمنين و اولاده كانوا كرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في ان علومهم مفاضة من قبل اللّه بلا تعلم و مقدمة.

«كار نيكان را قياس از خود مگير» و لما انجر الكلام الي هنا لا بأس بذكر فائدة مهمة و هي انه اذا كان الشخص طالبا للعلم فهل يجوز له ان يأخذ من الحقوق الشرعية فنقول تارة يكون طالب العلم فقيرا و لا يقدر علي الكسب و اخري يكون فقيرا و قادرا علي الكسب و ثالثة يكون غنيا فهنا اقسام ثلاثة.

أما القسم الأول: فلا اشكال في جواز اخذه للوجوه الشرعية ان كانت الشرائط فيه موجودة كما لو كان سيدا جاز له اخذ سهم السادة و أيضا يجوز له اخذ سهم الامام عليه السلام و اذا كان غير سيد جاز له اخذ الزكاة و هكذا.

و أما القسم الثاني: فتارة يكون اشتغاله بطلب العلم واجبا و لا يمكنه الجمع بين الامرين فأيضا يكون الاخذ جائزا له و أما اذا لم يكن طلب العلم في حقه واجبا أو امكنه الجمع بين الامرين فهل يجوز أن يأخذ الوجوه التي لا بدّ ان تدفع الي الفقراء أم لا؟ و هل يجوز له ان يأخذ سهم الامام

عليه السلام؟

الحق ان يقال تارة نبحث في مقتضي القاعدة الاولية و اخري في مقتضي النص الخاص. أما مقتضي القاعدة الاولية فهو الجواز اذ المفروض انه فقير فيجوز له ان يأخذ سهم السادات ان كان سيدا.

و أيضا يجوز له اخذ المظالم و الكفارات و الصدقات غير الزكوات

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 241

كما انه يجوز له اخذ السهم المبارك فان مصرفه مورد رضا الامام عليه السلام و لا اشكال في انه مورده و عليه من لا يكون سيدا فانه يجوز له اخذ جميع ما ذكر و الزكوات نعم لا يجوز له اخذ سهم السادة فتحصل ان مقتضي القاعدة الاولية هو الجواز.

ان قلت: الذي يقدر علي الكسب و يمكنه تحصيل المعاش لا يكون فقيرا.

قلت: الظاهر ان الدعوي المذكورة باطلة فان مجرد القدرة علي تحصيل المال لا يوجب صدق عنوان الغني عليه و لا يخرج عن عنوان الفقير و أما بلحاظ النص الخاص ففي المقام طائفتان من النصوص.

الطائفة الاولي ما يدل علي عدم الجواز لمن يقدر علي الاكتساب.

لاحظ ما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال:

سمعته يقول: انّ الصدقة لا تحل لمحترف و لا لذي مرة سوي قوي فتنزهوا عنها «1».

و ما رواه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي و لا لمحترف و لا لقوي قلنا: ما معني هذا؟ قال: لا يحل له ان يأخذها و هو يقدر علي ان يكف نفسه عنها «2».

فان المستفاد من الحديثين عدم الجواز لكن يعارضهما ما رواه معاوية بن وهب قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: يروون عن

النبي صلي اللّه عليه و آله ان الصدقة لا تحل لغني و لا لذي مرة سوي

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 242

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تصلح لغني «1».

فان المستفاد من حديث معاوية ان المانع عن الاخذ تحقق الغناء و حيث ان المرجح منحصر في الاحدثية يرجح حديث معاوية حيث انه مروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام و الحديثان الاخر ان مرويان عن أبي جعفر عليه السلام.

مضافا الي ان حديث معاوية موافق مع اطلاق الكتاب فالنتيجة انه لا دليل علي المدعي في الزكاة فكيف بغيرها و علي فرض تسلم الامر في الزكاة لا وجه لاسراء الحكم الي باب الخمس فعليه يجوز اخذ سهم السادة لهم و لو مع التمكن من الاكتساب و تحصيل المال فيحل له ما يكون جائزا اخذه للفقير و اما سهم الامام عليه السلام فالظاهر انه يجوز للفقير الذي يكون مشتغلا بامر مفيد للشريعة و الدين.

و أما القسم الثالث و هو الذي يكون غنيا فلا اشكال في عدم جواز اخذ حقوق الفقراء لانتفاء الموضوع فلا يجوز له اخذ سهم السادة ان كان سيدا كما انه لا يجوز له اخذ الزكاة ان كان غير سيد.

و اما سهم الامام عليه السلام فهل يجوز له ان يأخذه أم لا؟ الذي يختلج بالبال ان يفصل بان يقال ان كان اشتغاله مفيدا للشرع و خدمة للامام عليه السلام و لا يشتغل الاعلي تقدير الاخذ يجوز ان يأخذ اذ المفروض ان وجوده مفيد و حصول الفائدة منه متوقف علي اخذه و اما ان لم يكن وجوده مفيدا أو كان مفيدا

لكن يشتغل بشغله و لا يكون متوقفا علي الاخذ فلا يجوز لعدم العلم برضاه عليه السلام فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 243

[مسألة لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية و اختلفوا في حرمته و كراهته]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان»

الخ الكلام في هذه المسألة تارة يقع فيما هو مقتضي القاعدة الاولية و اخري يتكلم فيما يستفاد من النصوص الخاصة الواردة فيقع الكلام في مقامين:

أما

المقام الأول: فمقتضي القاعدة عدم حرمة التلقي و عدم كراهته من حيث التكليف

كما ان مقتضي دليل صحة البيع و التجارة صحة المعاملة مع الركبان بعد التلقي و هذا ظاهر واضح فان اصالة البراءة عن الحرمة تقتضي عدم حرمتها كما ان البراءة تقتضي عدم كراهتها فانه لا يبعد جريان البراءة عن كل حكم اقتضائي و لا تختص البراءة بالحكم الالزامي و أيضا لا اشكال في ان مقتضي دليل حلية البيع تماميته.

و اما

المقام الثاني [في ما يستفاد من النصوص الخاصة]

فما يمكن أن يستدل به علي الحرمة أو الكراهة احد امرين احدهما عدم الخلاف المدعي في المقام.

و من الظاهر ان عدم الخلاف غايته يكون اجماعا و الاجماع المنقول قد ثبت عدم اعتباره و المحصل منه علي فرض تحققه محتمل المدرك بل مقطوعه.

ثانيهما النصوص المشار إليها و من تلك النصوص ما رواه منهال القصاب قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لا تلق فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله نهي عن التلقي قال: و ما حد التلقي قال: ما دون غدوة أو روحة قلت: و كم الغدوة و الروحة قال أربعة فراسخ «1» و هذه الرواية ضعيفة بمنهال.

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 244

و منها ما رواه منهال أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال:

لا تلق و لا تشتر ما تلقي و لا تأكل منه «1» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها ما رواه منهال أيضا انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن تلقي الغنم فقال: لا تلق و لا تشتر ما تلقي و لا تأكل من لحم ما تلقي «2» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها ما رواه منهال أيضا قال: قلت له: ما حد التلقي قال روحة «3» و

الكلام فيه هو الكلام.

و منها ما رواه عروة بن عبد اللّه عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا يتلقي احدكم تجارة خارجا من العصر «4» و لم يوثق عمرو بن شمر و عروة فالحديث ساقط عن الاعتبار.

و منها ما ارسله الصدوق قال: روي ان حد التلقي روحة فاذا صار الي اربع فراسخ فهو جلب «5».

و المرسل لا اعتبار به و بعد فرض النصوص الواردة ضعيفة سندا لا يبقي مجال للاستدلال بها و وجودها كعدمها و أيضا لا مجال لاتمام الامر بادلة التسامح فان تلك الادلة ناظرة الي صورة وعد الثواب لا التوعيد علي العقاب.

و بعبارة اخري بتلك الاخبار علي القول بذلك المذهب يتحقق الاستحباب و اما اثبات الكراهة بها فلا مقتضي له مضافا الي انا

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من ابواب آداب التجارة الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 245

ذكرنا في محله ان المستفاد من تلك الادلة الارشاد الي حكم العقل لا الدلالة علي الاستحباب فراجع ما ذكرناه هناك و علي هذا الاساس لا وجه للتعرض لذيل المسألة بل الاولي صرف الوقت الي ما يكون أهم و أولي.

[مسألة إذا دفع إنسان إلي غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة اذا دفع انسان الي غيره مالا ليصرفه في قبيل»

هذه مسئلة مهمة و يترتب عليها الاثر و مورد الابتلاء فنقول يقع البحث فيها تارة من حيث مقتضي القاعدة الاولية و اخري من حيث ما يستفاد من النصوص الخاصة الواردة في المقام فيقع الكلام في مقامين:

أما

المقام الأول [مقتضي القاعدة الاولية]

فتارة يكون اللفظ مقرونا بالقرينة بحيث يفهم العرف من شمول الاذن للمدفوع إليه و اخري يكون ظهور اللفظ في غيره و ثالثة يكون مجملا من هذه الجهة و رابعة يكون بحيث لا يشمله الاذن و لكن يعلم من القرائن انه راض باخذ المدفوع إليه كغيره فهنا أربعة صور.

أما الصورة الأولي فلا اشكال في جواز الاخذ بلا كلام و لا اشكال و أما الصورة الثانية فلا يجوز الاخذ بلا اشكال و لا كلام أيضا.

و أما الصورة الثالثة فأيضا لا يجوز لعدم جواز التصرف في مال احد الا باذنه مضافا الي انه يمكن احراز عدم الرضا في بعض الموارد فان مقتضي الاستصحاب عدم رضاه و اما الصورة الرابعة فلا اشكال في جواز تصرفه فيما دفع إليه لكن هل يمكنه التملك بمجرد الرضا أم لا؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 246

فان قلنا بأن العلم بالرضا يكفي للتصرف الاعتباري في ملك الغير يجوز تمليكه من نفسه بالعلم برضاه اي رضا صاحب المال و الا يشكل اذ مع عدم صيرورة المال ملكا للمدفوع إليه يبقي في ملك مالكه و اذا مات ينتقل الي وارثه و لا يجوز التصرف الاعتباري فلا بد من تحقيق هذه الجهة.

و قد ورد في بيع مال الغير حديث و هو ما رواه الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عليه السلام ان بعض اصحابنا له ضيعة جديدة

بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة و اكرته ربما زرعوا تنازعوا في حدودها و تؤذيهم عمّال السلطان و تتعرض في الكل من غلات ضيعته و ليس لها قيمة لخرابها و انما هي بائرة منذ عشرين سنة و هو يتحرج من شرائها لانه يقال ان هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان فان جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا و صلاحا له و عمارة لضيعته و انه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة و ينحسم عن طمع اولياء السلطان و ان لم يجز ذلك عمل بما تأمره به ان شاء اللّه، فاجابه عليه السلام الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بامره أو رضا منه «1».

فانه يستفاد من هذا الحديث جواز بيع مال الغير برضاه فان قلنا يفهم العرف من الحديث عدم الفرق بين البيع و بقية الانشائيات كما هو ليس ببعيد نلتزم بالجواز و نقول المدفوع إليه بعد علمه برضا الدافع كما انه يملك المال من قبل الدافع الي القبيل المعين من قبل الدافع كذلك يملك مقدارا من نفسه مستندا الي رضاه فلا فرق

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 247

بينه و بين بقية الاخذين.

و اما اذا قلنا بعدم امكان الجزم بالتسوية و احتمال اختصاص الحكم بخصوص البيع يشكل التعدي و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

و أما

المقام الثاني [في ما يستفاد من النصوص الخاصة]

فقد وردت فيه طائفتان من الروايات. الطائفة الاولي: ما يدل علي المنع. الطائفة الثانية ما يدل علي الجواز.

فمن الطائفة الاولي ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألته عن رجل اعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو

في مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئا حتي يأذن له صاحبه «1».

و من الطائفة الثانية ما رواه سعيد بن يسار قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعطي الزكاة فيقسمها في اصحابه أ يأخذ منها شيئا قال: نعم «2» و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم منه من غير ان يستأذن صاحبه قال: نعم «3».

و مثلهما ما رواه الحسين بن عثمان عن أبي ابراهيم عليه السلام في رجل اعطي مالا يفرقه في من يحل له أله ان يأخذ منه شيئا لنفسه و ان لم يسم له قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره «4».

فيقع التعارض بين الجانبين فلا بد من العلاج و قال الشيخ قدس سره يجمع بين الطرفين بحمل اخبار الجواز علي صورة كون

______________________________

(1) الوسائل الباب 84 من ابواب ما يكتسب به الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

(4) الوسائل الباب 40 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 248

غرض الدافع وصول المال الي المستحقين بلا موضوعية لاحد و حمل اخبار المنع علي صورة كون الدافع ناظرا الي اشخاص مخصوصين بحيث يكون المدفوع إليه في نظره غير معنون بعنوانهم.

و لا يخفي ان مثل الجمع المذكور يكون جمعا تبرعيا لا يصار إليه بلا دليل فلا بد من العلاج فما هو؟

فاقول و علي اللّه التوكل و التكلان ان في المقام طائفة ثالثة من النصوص و لنا أن نجمع بين الطرفين و نصالح بين المتعارضين

ببركة هذه الطائفة لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو ممن تحل له الصدقة قال: لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره قال: و لا يجوز له ان يأخذ اذا امره ان يضعها في مواضع مسماة الا باذنه «1».

فان المستفاد من هذه الرواية التفصيل بين امر الدافع بوضع المال في مواضع مسماة و امره بوضع المال في المساكين مثلا فلا يجوز الاخذ للمدفوع إليه في القسم الأول و يجوز له في القسم الثاني و بهذا يرتفع التنافي من البين و يقع التصالح بين المتعارضين فلاحظ و اغتنم.

لكن الحديث المفصل المتصالح به بين المتعارضين مخدوش سندا باليونسي العبيدي فيبقي التعارض بحاله فان حديث ابن عثمان و ان كان صادرا عن موسي بن جعفر عليهما السلام و لكن مضمر ابن الحجاج «2» يمكن أن يكون منه أيضا فلا يحرز الاحدث عن غيره بل

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث 3.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 247.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 249

مقتضي القاعدة اي الاستصحاب عدم كون حديث ابن عثمان احدث فلا بد من الاحتياط اذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا باذنه.

الا ان يقال: ان حديث ابن الحجاج الدال علي عدم الجواز مضمر و لم يحرز ان عبد الرحمن لا يروي الا عن الامام فيحتمل ان يكون المروي عنه غير الامام و عليه يبقي دليل الجواز بلا معارض.

[مسألة احتكار الطعام]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة احتكار الطعام و هو كما في الصحاح»

يتكلم في هذه المسألة من جهات

الجهة الأولي في تفسير الاحتكار

قال في الحدائق الاحتكار و هو افتعال من الحكرة بالضم و هو جمع الطعام و حبسه يتربص به الغلاء و ما افاده موافق لما نقل الماتن عن الصحاح و المصباح من ان الاحتكار حبس الطعام لانتظار غلائه.

الجهة الثانية: في حكمه و انه حرام أو مكروه أو مباح

و قد اختلفوا في حرمته و كراهته و العمدة النصوص الواردة عن مخازن الوحي و لا بدّ من ملاحظتها.

فنقول من تلك النصوص ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الحكرة في الخصب اربعون يوما و في الشدة و البلاء ثلاثة ايام فما زاد علي الاربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون و ما زاد علي ثلاثة ايام في العسرة فصاحبه ملعون «1» و الحديث ضعيف سندا بالنوفلي و للرواية سند آخر و هو مخدوش أيضا.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك؟ قال: ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و ان كان الطعام قليلا لا يسع

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 250

الناس فانه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام «1» و الحديث لا بأس به سندا لكن لا يدل علي أزيد من الكراهة.

و منها ما رواه ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: الجالب مرزوق و المحتكر ملعون «2» و السند مخدوش فلا يعتد بالرواية.

و منها ما رواه غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس الحكرة الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن «3» و الحديث لا

يدل علي الحكم بل في مقام بيان الموضوع.

و منها ما رواه حسين بن ثوير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

اذا اصابتكم مجاعة فاعتنوا بالزبيب «4».

و هذه الرواية لا يستفاد منها حكم الاحتكار بل لا ترتبط بالمقام اصلا فلاحظ.

و منها ما رواه أبو مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: ايّما رجل اشتري طعاما فكبسه اربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع «5» و الرواية مخدوشة سندا.

و منها ما رواه ابو البختري عن جعفر بن محمد عن ابيه ان عليا عليه السلام كان ينهي عن الحكرة في الامصار فقال: ليس الحكرة

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 251

الا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن «1» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما ارسله الصدوق قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: لا يحتكر الطعام الا خاطئ «2» و المرسل لا اعتبار به و منها ما ارسله أيضا قال: و نهي أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكرة في الامصار «3» و الكلام فيه هو الكلام.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلي اللّه عليه و آله قال الحكرة في ستة اشياء في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن و الزبيب «4» و الحديث ضعيف سندا مضافا الي عدم الدلالة علي المدعي.

و منها ما رواه و رام بن أبي فراس في

كتابه عن النبي صلي اللّه عليه و آله عن جبرئيل قال: اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا فقال لثلاثة المحتكرين و المدمنين الخمر و القوادين «5» و الحديث ضعيف سندا.

و منها ما رواه اسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن ابيه قال: لا يحتكر الطعام الا خاطئ «6» و الحديث لا يدل علي الحرمة بل غايته الدلالة علي الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 7.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) نفس المصدر الحديث 9.

(4) نفس المصدر الحديث 10.

(5) نفس المصدر الحديث 11.

(6) نفس المصدر الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 252

و منها ما رواه محمد بن الحسين الرضي عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه الي مالك الاشتر قال فامنع من الاحتكار فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله منع منه و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل و عاقب في غير اسراف «1» و الحديث مخدوش سندا.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الحكرة فقال: انما الحكرة ان تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره فان كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس ان تلتمس بسلعتك الفضل «2».

و الظاهر ان الحديث يدل علي الحرمة و سندها تام ظاهرا و للرواية سند آخر و ذلك السند أيضا تام و قد جعلها صاحب الوسائل الحديث الثاني من الباب.

و منها ما رواه سالم الحناط قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام:

ما عملك قلت: حناط

و ربما قدمت علي نفاق و ربما قدمت علي كساد فحبست قال: فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون: محتكر فقال:

يبيعه احد غيرك.

قلت: ما ابيع انا من الف جزء جزءا قال: لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام و كان اذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلي اللّه عليه و آله فقال: يا حكيم بن حزام

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب آداب التجارة الحديث 13.

(2) الوسائل الباب 28 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 253

اياك ان تحتكر «1» و الظاهر ان الحديث يدل علي الحرمة و السند تام فالنتيجة ان الاحتكار حرام في الجملة.

الجهة الثالثة في بيان ما يجري فيه الاحتكار

و قد عين في بعض النصوص منها ما رواه أبو البختري «2» و قد مرّ ان الحديث ضعيف سندا و منها ما رواه السكوني «3» و الرواية ضعيف سندا.

و منها ما رواه غياث «4» و هذه الرواية تامة سندا و قد رويت الرواية بسندين و لفظ الزيت في احد الطريقين دون الاخر و عند دوران الامر بين الشك في الزيادة و النقيصة يؤخذ بما فيه الزيادة فتحصل ان حكم الحكرة مختص بالامور المذكورة.

الجهة الرابعة ان حرمة الاحتكار تختص بمورد يكون البيع منحصرا في المحتكر

و اما لو كان غيره يبيع ما احتكره المحتكر لا تكون الحكرة محرمة لاحظ ما رواه الحلبي «5» و لاحظ ما رواه حماد قال: و سألته عن الزيت فقال: اذا كان عند غيرك فلا بأس بامساكه «6» و لاحظ ما رواه سالم الحناط «7».

بل يستفاد من بعض النصوص ان حرمة الاحتكار تختص بزمان يكون الناس في ضيق و اما اذا لم يكن كذلك فلا يحرم لاحظ ما رواه الحلبي «8».

______________________________

(1) الوسائل الباب 28 من ابواب آداب التجارة الحديث 3.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 250.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 251.

(4) قد تقدم ذكر الحديث في ص 250.

(5) قد تقدم ذكر الحديث في ص 252.

(6) الوسائل الباب 28 من ابواب آداب التجارة الحديث 2.

(7) قد تقدم في ص 252.

(8) تقدم ذكر الحديث في ص 249

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 254

الجهة الخامسة ان الاحتكار الحرام هل يكون فيه تحديد من حيث الزمان أم لا؟

الحق هو الثاني.

نعم ربما يستفاد التحديد من حديث السكوني «1» و الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها و لاحظ ما رواه ابو مريم «2» و الحديث ضعيف سندا فلا اثر له.

الجهة السادسة: انه هل يجوز اجبار المحتكر علي البيع أم لا؟

و يتكلم في هذه الجهة تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث النص الخاص اما من حيث القاعدة الاولية فلا يجوز فانه لا يحل لاحد اجبار الغير فيما يتعلق به نعم بعد فرض الحرمة يجب نهيه عنه لوجوب النهي عن المنكر.

و أما من حيث النص الخاص فيستفاد من بعض الروايات الجواز لاحظ ما رواه حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال:

نفد الطعام علي عهد رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فاتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء الا عند فلان فمره ببيعه قال: فحمد اللّه و اثني عليه ثم قال: يا فلان ان المسلمين ذكروا ان الطعام قد نفد الا شي ء عندك فاخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه «3».

و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا يعتد بها مضافا الي ان المذكور في الرواية فعل النبي اي امره بالبيع فلعل النبي صلي اللّه عليه و آله

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 249.

(2) تقدم ذكر الحديث في ص 250.

(3) الوسائل الباب 29 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 255

استفاد من ولايته علي اموال الناس فيختص بمن يكون له الولاية كالنبي و اوصيائه عليهم السلام.

و يضاف الي ذلك كله انه صلي اللّه عليه و آله امر بالبيع و لم يجبر المالك و من الظاهران مجرد الامر لا يدل علي المدعي.

و لاحظ ما رواه ضمرة عن علي

بن أبي طالب عليهما السلام انه قال: رفع الحديث الي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله انه مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم ان تخرج الي بطون الاسواق و حيث تنظر الابصار إليها فقيل لرسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لو قومت عليهم فغضب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله حتي عرف الغضب في وجهه فقال: انا اقوم عليهم انّما السعر الي اللّه يرفعه اذا شاء و يخفضه اذا شاء «1».

و لا يمكن الاستدلال بالحديث علي المدعي اذ يمكن ان النبي استفاد من ولايته علي الاموال.

الجهة السابعة هل يجوز تسعير ما احتكره المحتكر أم لا؟

الظاهر هو الثاني لاحظ ما رواه حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان سنين يوسف الغلاء الذي اصاب الناس و لم يتمنّ الغلاء لا حد قط قال: فاتاه التجار فقالوا: بعنا فقال: اشتروا فقالوا نأخذ كذا بكذا فقال: خذوا و امر فكالوهم فحملوا و مضوا حتي دخلوا المدينة فلقيهم قوم تجار فقالوا: كيف اخذتم قالوا: كذا بكذا و اضعفوا الثمن.

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 256

قال: فقدم اولئك علي يوسف فقالوا: بعنا قال: اشتروا قالوا:

بعنا كما بعت كذا بكذا فقال: ما هو كما يقولون و لكن خذوا فاخذوا ثم مضوا حتي دخلوا المدينة فلقيهم آخرون فقالوا كيف اخذتم قالوا: كذا بكذا و اضعفوا الثمن.

قال: فعظم الناس ذلك الغلاء و قالوا: اذهبوا بنا حتي نشتري قال فذهبوا الي يوسف فقالوا: بعنا فقال اشتروا فقالوا بعنا كما بعت فقال و كيف بعت فقالوا كذا بكذا فقال: ما هو كذلك و لكن خذوا قال: فأخذوا و رجعوا الي المدينة فاخبروا الناس فقالوا تعالوا فيما بينهم حتي

نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء «1».

فانه يستفاد من الحديث انه لا يجوز التسعير و يستفاد المدعي من طائفة اخري من النصوص الواردة في الباب المشار إليه فلا وجه لما ذهب إليه بعضهم من جواز التسعير فانه اجتهاد في مقابل النص فلا مجال لأن يقال انه يجوز في صورة الاجحاف لقاعدة نفي الضرر اذ لا مجال للاستدلال بالقاعدة مع النص علي عدم الجواز علي الاطلاق.

مضافا الي أن الاجحاف اذا كان سببا لجواز التسعير يلزم جوازه في كل مورد يكون كذلك و لا يختص بباب الاحتكار و هل يمكن الالتزام به؟ و يضاف الي ذلك انه معارض بالضرر الوارد علي البائع فان منعه عن اعمال قدرته ضرر عليه.

اضف الي ما ذكر ان دليل لا ضرر لا يتصدي للاثبات بل يدل علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 30 من ابواب آداب التجارة الحديث 9.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 257

النفي و بالإضافة الي جميع ما ذكر ان قاعدة لا ضرر تدل علي النهي اي ان الاضرار حرام فيجوز نهي البائع من باب النهي عن المنكر لا ازيد من هذا و لكن هل يمكن الالتزام بحرمة البيع بالثمن الغالي مع ان الناس مسلّطون علي اموالهم؟

الجهة الثامنة: انه هل يختص الاحتكار بحبس الطعام الذي اشتراه أو يكون اعم

يمكن ان يقال بالاختصاص للنص لاحظ ما رواه الحلبي «1» فان المستفاد من الحديث ان الموضوع للحكم الاحتكار الخاص لا مطلقه.

[خاتمة و من أهم آداب التجارة الإجمال في الطلب و الاقتصاد فيه]

«قوله قدس سره: خاتمة و من اهم آداب التجارة الاجمال في الطلب و الاقتصاد فيه ففي مرسلة ابن فضال»

الخ لاحظ ما ارسله ابن الفضال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها و لكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بدّ منه ان الذين اعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم «2».

و ما رواه ابو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في حجة الوداع: الا ان الروح الامين نفث في روعي انه لا تموت نفس حتي تستكمل رزقها فاتقوا اللّه و اجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شي ء من الرزق ان تطلبوه بمعصية اللّه فان اللّه تبارك و تعالي قسم الارزاق بين خلقه حلالا و لم

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 252.

(2) الوسائل الباب 13 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 258

يقسمها حراما فمن اتقي اللّه و صبر أتاه اللّه برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجّل فأخذه من غير حلّه قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيامة «1».

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول اعلموا علما يقينا ان اللّه جل و عز لم يجعل للعبد و ان اشتد جهده و عظمت حيلته و كثرت مكايده ان

يسبق ما سمّي له في الذكر الحكيم و لم يخل من العبد في ضعفه و قلّة حيلته ان يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم الحديث «2».

و في رواية عبد اللّه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ان اللّه عز و جل وسّع في ارزاق الحمقي ليعتبر العقلاء و يعلموا ان الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل و لا حيلة «3» و في مرفوعة سهل بن زياد رفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم من متعب نفسه مقتر عليه و مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير «4».

و في رواية علي بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام ما فعل عمر بن مسلم قلت: جعلت فداك اقبل علي العبادة و ترك التجارة فقال: ويحه أ ما علم ان تارك الطلب لا يستجاب له ان قوما من اصحاب رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لمّا نزلت «و من يتق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب» اغلقوا الابواب

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 13 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 4.

(3) نفس المصدر الحديث 1.

(4) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 259

و اقبلوا علي العبادة و قالوا قد كفينا فبلغ ذلك النبي صلي اللّه عليه و آله فأرسل إليهم فقال ما حملكم علي ما صنعتم فقالوا: يا رسول اللّه تكفل لنا بارزاقنا فاقبلنا علي العبادة فقال انه من فعل ذلك لم يستجب له عليكم بالطلب «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب مقدمات التجارة الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 260

[الخيارات]

[مقدمتان]

[الأولي في معني الخيار لغة و اصطلاحا]
اشارة

في تعريف

الخيار «قوله قدس سره: الاولي الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار»

الخ قد ذكر الماتن في المقدمة الاولي امورا.

الأمر الأول: ان لفظ الخيار اسم مصدر من الاختيار

و قال الطريحي في مجمع البحرين و الخيار هو الاختيار. و عن المصباح انهما لغتان بمعني واحد و الظاهر ان الخيار بمعني الاختيار فانه يفهم من موارد استعمالاته لانا لا نري فرقا بين ان يقال لي الاختيار في الامر الفلاني و أن يقال لي الخيار في ذلك الامر فلا فرق بين لفظي الاختيار و الخيار من حيث المعني.

الأمر الثاني: انه غلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك فسخ العقد فنقل عن معناه اللغوي الي معني جديد

و لكن يمكن ان يقال ان استعماله في ملك فسخ العقد بلحاظ المعني الاصلي اي يكون لذي الخيار فسخ العقد.

و بعبارة اخري الخيار عبارة عن كون زمام امر شي ء بيد من له الخيار فتارة يكون متعلقه الفعل الخارجي كالقيام و القعود و اخري يكون متعلقه الامر الاعتباري فكل داخل تحت معني واحد و مفهوم فارد فيشمل خيار الفسخ علي مقتضي ذلك المعني اللغوي و الظاهر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 261

عدم شموله لرد المالك العقد الفضولي و كذلك لا يشمل رد الوارث العقد علي ما زاد علي الثلث و كذلك رد العمة و الخالة اذ الفسخ متفرع علي تحقق العقد و المفروض ان العقود المذكورة لا تؤثر الا باجازة من بيده الامر و لا موضوع للفسخ.

الا ان يقال ان المقصود هذا المعني فان المالك له ان يجيز و ان لا يجيز و الامر سهل.

الأمر الثالث: انه قدس سره فرق بين الحكم و الحق

و قال لعلّ التعبير بالملك للتنبيه علي ان الخيار من الحقوق لا من الاحكام و الحق ان يقال لا فرق بين الحق و الحكم فان الحق في مقابل الباطل و لذا يصح ان يقال لي حق شرب الماء و اكل الخبز و النظر الي المحارم الي غيرها كما يصح أن يقال لي حق الخيار و أيضا يصح ان يقال ليس لزيد حق شرب الخمر و ضرب اليتيم فالحق مقابل الباطل و لذا يقال هذا الكلام حق و هذا التصرف حق.

نعم الحق علي قسمين احدهما قابل للاسقاط كبعض اقسام الخيار ثانيهما غير قابل للاسقاط فلا فرق بين نوعي الخيار الا من حيث الاثر و الملكية عبارة عن السلطة و المفروض ان السلطة لا تختص بخصوص ما يكون قابلا للاسقاط فلاحظ.

الأمر الرابع: ان الماتن قد ذكر انه قد عرف الخيار بملك اقرار العقد و ازالته

و قد اورد عليه بانه ما المراد من الاقرار فان كان المراد من الاقرار عدم الازالة فذكره مستدرك اذ القدرة لا تتعلق باحد الطرفين فملك الازالة يكفي و ان كان المراد من الاقرار جعله غير قابل للفسخ فيرجع الي اسقاط الخيار فالخيار عرف بنفسه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 262

و يمكن ان يقال انه ليس دوريا فان تثبيت العقد جعله بنحو غير قابل للفسخ و من اسبابه اسقاط الخيار فلا يلزم الدور.

و لنا ان نقول قوام الخيار بالقدرة علي الازالة و تركها و لا يتقوم باثبات العقد و عدم امكان فسخه فلا تنافي بين الامرين و الخيارات التي لا تكون قابلة للاسقاط من هذا القبيل.

الأمر الخامس: ان المتبادر من الخيار المعني الاصطلاحي

و الا ففي الاخبار قد اطلق علي غير هذا المعني فانه اطلق علي خيار المالك بين الرد و الامضاء اقول قد تقدم منا ان جميع الاستعمالات من واد واحد و انما الاختلاف في المتعلق.

[الثانية الأصل في البيع اللزوم]

«قوله قدس سره: الثانية غير ذكر واحد تبعا للعلامة في كتبه ان الاصل في البيع اللزوم»

الخ و قد وقع الكلام في انه ما المراد من الاصل و قد ذكرت في المقام احتمالات: الاحتمال الاول: أن يكون المراد منه الراجح.

و يرد عليه كما في كلام الماتن انّه ان كان منشأ الرجحان غلبة افراد اللازم فلا يكون الامر كذلك اذ ما من بيع الا و فيه خيار المجلس و ان كان المراد الغلبة من حيث الزمان فلا اثر له اقول مضافا الي ما ذكر لا اثر للغلبة فان غايته حصول الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا.

الاحتمال الثاني: ان يكون المراد من الاصل استصحاب بقاء الملكية بعد الفسخ و قال الشيخ قدس سره: هذا حسن و يرد عليه انا ذكرنا في بحث الاستصحاب ان استصحاب بقاء الحكم الكلي دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فهذا الاحتمال أيضا لا يمكن الاخذ به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 263

الاحتمال الثالث: ان نقول وضع البيع لو خلي و طبعه علي اللزوم و انقطاع علاقة البائع عن المبيع و انقطاع المشتري عن الثمن بخلاف الهبة فان وضعها علي خلاف البيع حيث ان الجواز في الهبة اصل اولي.

و يرد عليه ان الاصل بهذا المعني لا يترتب عليه اثر عند الشك بحيث يكون مرجعا عنده و اثبات الخيار يكون محتاجا الي الدليل.

الاحتمال الرابع: ان يكون المراد من الاصل القانون المستفاد من الشرع بان في كل مورد يشك

في الخيار و عدمه يحكم بعدمه و كون العقد باقيا بحاله و هذا هو الصحيح فان قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يقتضي اللزوم بتقريب ان الامر بالوفاء لا يكون تكليفا اذ من الواضح ان الفسخ ليس حراما و عدم الفسخ ليس واجبا فيكون ارشادا الي عدم تأثير الفسخ ففي كل مورد يشك في لزوم بيع و عدمه يحكم باللزوم بمقتضي وجوب الوفاء و هذا البيان تام ظاهرا و لا خدشة فيه.

و في المقام اشكال و هو ان الخيار تارة يكون بالتعبد الشرعي كخياري المجلس و الحيوان و اخري يكون بالجعل أما القسم الأول فلا يتوجه به اشكال.

و أما الثاني فيرد فيه الاشكال و هو انه كيف يمكن اجتماع البيع مع جعل الخيار و كان سيدنا الاستاد قدس سره يقول مرجعه الي قول البائع بعتك الي زمان قولي فسخت فلا تنافي بين البيع و جعل الخيار و اعماله اذ قول ذي الخيار فسخت انتهاء التمليك.

و يرد عليه ان الفسخ عبارة عن ازالة الملكية فلا بد من فرض وجودها في الرتبة السابقة كي يرد عليها الازالة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 264

و بعبارة اخري الفسخ بمثابة القطع الخارجي و هل يمكن تحقق القطع و صدقه بلا فرض الوصل قبله.

و كان سيدنا الاستاد قدس سره توهم التنافي بين اعتبار الملكية المستمرة و جعل الخيار و حق الفسخ و الحال انه ليس كذلك فان البائع يعتبر ملكية العين للمشتري في قبال الثمن مستمرا الي زمان انعدام العين علي الاطلاق أي بلا تقيد اعتباره بقيد و بحادث من الحوادث فكما ان نزول المطر من السماء و عدمه لا يؤثر و لا يقيد اعتباره كذلك الفسخ المتأخر عن البيع و

عدمه لا يؤثر و لا يقيد.

و بعبارة واضحة: كون المبيع مملوكا للمشتري الي آخر ازمنة العين اعم من ان يتحقق فسخ أم لا؟

و ببيان آخر نقول البيع عبارة عن تمليك العين من المشتري الي زمان انعدامها و لا ينافيه جعل الخيار بان يجعل الشارط لنفسه حق ازالة الملكية المذكورة كما ان الامر في النكاح كذلك فان الزوجة تجعل نفسها زوجة للزوج و تعتبر الزوجية بينهما الي زمان وفاتها او وفاته و مع ذلك يمكن ان يجعل لنفسها حق طلاقها فالزوجية مستمرة علي كل حال لا انها موقتة و محدودة بالطلاق فلا اشكال في جعل الخيار من هذه الناحية.

فانقدح ان الفسخ كالطلاق يتوقف علي استمرار متعلقه و اولاه لا يصدق عنوان الازالة أو الطلاق اذ الازالة متوقف علي وجود متعلق الازالة كي يصدق عنوانها و مع عدمه لا متعلق للقطع و الازالة فلا يصدق العنوان.

«قوله قدس سره: مع انه لا يناسب ما في القواعد»

الخ يمكن ان يكون وجه عدم المناسبة ان الافراد الغالبة لا تشمل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 265

الفرد النادر فلا يصح التعبير بالخروج اذ الخروج فرع الدخول فلاحظ.

«قوله قدس سره: لكنه مع عدم تمامه تكلف»

الخ.

قد ذكر في وجه عدم التمامية ان الحصر المذكور منقوض بالجواز في عقد الفضولي و الجواز في المعاطاة و الامر سهل.

«قوله قدس: و المراد بوجوب الوفاء العمل بما اقتضاه العقد في نفسه»

الخ تقريب الاستدلال بالآية علي اللزوم انه يجب بحكم الآية ترتيب الآثار علي العقد كي يصدق عنوان الوفاء الواجب فلو عقد البيع و ملك داره به من المشتري يكون الوفاء بهذا العقد ان يسلم الدار منه و لا يتصرف فيها بدون اذنه لا خارجا و لا

اعتبارا فيجب عليه ترتيب آثار ملكية الدار للمشتري و يستفاد من هذا التكليف الوضع و هو عدم تأثير الفسخ فلا مجال لان يقال الكلام في تأثير الفسخ و عدمه فلو لم يكن الفسخ مؤثرا يكون البيع لازما فتحصل ان اللزوم الوضعي يثبت بالايجاب التكليفي المتعلق بالوفاء.

و يرد عليه ان الوفاء بالعقد انما يتحقق بعدم رفع اليد عن نفس العقد مثلا اذا تعهد زيد ان يزور الامام الرضا عليه السلام في كل يوم فتارة يكون متذكرا لعهده و يزور و اخري ينسي عهده و ثالثة يرفع اليد عن عهده.

اما في الصورة الأولي فيصدق انه و في بعهده و أما في الصورة الثانية فلا يصدق عدم الوفاء اذ المفروض انه معذور لنسيانه.

و أما في الصورة الثالثة فيصدق انه لم يف بعهده و رفع اليد عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 266

عهده و هل يتصور انه لم يرفع اليد عن عهده و لا يزور بلا مانع الظاهر انه لا يتصور فانه كيف يمكن ان يكون التعهد بشي ء باقيا و لا يتبعه العمل الخارجي فعلي هذا الاساس نقول البائع للدار مثلا اما يلتزم بعقده و بيعه و يري ان المشتري للدار مالكا لها و مع ذلك يتصرف في الدار عدوانا و اما يتصرف في الدار بعد رفع يده عن العقد و فسخه.

أما علي الاول فلا مجال للاستدلال بالآية علي اللزوم اذ البائع يري ان المشتري مالك للدار و معترف به فيري ان العقد بحاله.

و أما علي الثاني فلا مجال للاستدلال اذ بعد الفسخ لا يكون العقد باقيا كي يترتب الاثر عليه فالاشكال ليس من ناحية التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية بل الاشكال من ناحية القطع بعدم بقاء

الموضوع.

و لو تنزلنا و قلنا انه يشك في بقائه و عدمه يكفي لعدم جواز الاستدلال انه لا يجوز الاخذ بالدليل مع الشك في المصداق ان قلت يستصحب بقائه قلت: يرد عليه أولا انه رجوع من الآية الي الاستصحاب.

و ثانيا ان استصحاب المجعول معارض باستصحاب عدم جعل الزائد فالصحيح في مقام الاستدلال بالآية ان يقال المستفاد منها وجوب اتمام العقد أي عدم رفع اليد عنه و عدم فسخه و من الظاهر ان الفسخ بما هو لا يكون حراما فيفهم ان الفسخ لا يتحقق و لا يؤثر.

و ببيان أوضح ان العقد و العهد و الالتزام و البناء مع بقائها لا يعقل ان لا يترتب عليها آثارها فلا يتصور العدم كي يقال يجب الترتيب و انما المتصور رفع اليد عن نفس العهد و الالتزام فالآية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 267

تدل علي حرمة فسخ العزائم و نقض الهمم و من الظاهر ان رفع اليد بنفسه لا يكون حراما و لا يوجب الفسق و الخروج عن العدالة فيكون المقصود بقائه محفوظا في وعاء الشرع و الامر بالوفاء ارشاد الي هذه الجهة فالعقد لازم شرعا.

و لما انجر الكلام الي هنا يناسب بل يلزم أن نذكر نكتة مهمة جدا و هي ان العقد قد فسر في لسان المعصوم عليه السلام بمطلق العهد لاحظ ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره عن النضر بن سويد عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» قال بالعهود «1».

و الظاهر ان الرواية تامة سندا و عليه نقول اذا تعهد شخص بشي ء كما لو عقد قلبا أن يزور كل ليلة الجمعة الامام الرضا عليه السلام يجب و لا

يمكنه ان يرفع اليد عن عهده و عقده لوجوب الوفاء بالعقد بمقتضي قوله تعالي فلا بد في التفصي عن هذه العويصة من مخرج صحيح و الظاهر انه لا مخرج له الا التسالم و الضرورة.

«قوله قدس سره: فان حلية البيع التي لا يراد منها الا جميع التصرفات»

الخ.

تقريب الاستدلال ان يقال المراد من حلية البيع حلية تصرف كل من المتعاملين فيما انتقل إليه علي الاطلاق أي قبل الفسخ و بعده فيفهم ان العقد لازم اذ لو كان جائزا كان مقتضي الفسخ انتقال العين الي مالكها الاول فلا يجوز التصرف فيها لعدم جواز التصرف في مال الغير بلا اذنه فمن الحكم بالجواز يفهم لزوم العقد هذا تقريب الاستدلال بالآية علي المدعي.

______________________________

(1) تفسير القمي ج 1 ص 160.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 268

و يرد علي الاستدلال ان الا حلال عبارة عن جعل الشي ء حلالا و يظهر هذا المعني من التقابل الواقع في الآية بين احلال البيع و تحريم الربا و الربا عبارة عن الزيادة و تعلقت الحرمة بها فيعلم ان الربا لا تصير مملوكة للطرف بالملازمة اذ لو كانت مملوكة لم يكن وجه لحرمتها و يستفاد من مقابلها و هو احلال البيع انه حلال و بالملازمة العرفية يفهم ان البيع صحيح وضعا اذ مجرد الحلية التكليفية لا اثر له فلا مجال لاستفادة اللزوم من الآية الشريفة بالتقريب المتقدم ذكره.

نعم يمكن الاستدلال علي المدعي بالآية بتقريب آخر و هو ان مقتضي اطلاق احلال البيع و حليته حلية جميع الافراد المتصورة للبيع فانه مقتضي الاطلاق و من الافراد المتصورة ان يبيع زيد داره من بكر و يملكه علي الاطلاق حتي بالنسبة الي ما بعد الفسخ.

و بعبارة واضحة تمليك

العين من قبل البائع للمشتري ليس تمليكا موقتا بيوم أو شهر أو سنة و أيضا غير مقيد بحرارة الهواء و برودته الي غير ذلك بل تمليك علي الاطلاق و من جملة الحوادث الممكنة عروض الفسخ فلا بد بالنسبة الي هذا الحادث اما يكون التمليك مقيدا و اما يكون مهملا و اما يكون مطلقا.

أما التمليك الموقت بزمان خاص فهو غير معهود في البيع و أما الاهمال فهو غير معقول في الواقع فيكون الامر منحصرا في الاطلاق فاذا فرض الاطلاق و قد فرض انه قسم من البيع و من ناحية اخري اطلاق حلية البيع يمضيه فتكون النتيجة اللزوم بالتقريب المذكور.

ثم ان الشيخ قدس سره أورد علي نفسه بانه لو شك في تأثير الفسخ لا ينفع الاطلاق بل يحتاج الي الاستصحاب.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 269

أقول: يمكن أن يكون مراده مما أفاده انه بعد الفسخ يشك في بقاء البيع و عدمه و مع الشك في الموضوع لا للاخذ بإطلاق الحكم فلا بد من جريان الاستصحاب في الموضوع و يحتمل انه بعد الفسخ لا يكون التصرف جائزا اذ مع الفسخ المؤثر لا مجال للجواز و يحتاج الي استصحاب الجواز.

و ما افاده علي كلا التقديرين غير تام.

أما علي الاول فلان الموضوع هو البيع و لا مجال لان يشك فيه فان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و بعبارة اخري اذا كان مفاد الآية انه لو تحقق البيع يجوز التصرف علي الاطلاق لا مجال للاشكال اذ المفروض تحقق البيع فيترتب عليه جواز التصرف في العين مضافا الي انه لو وصلت النوبة الي الاستصحاب يقع التعارض بين الاصل الجاري في المجعول و الجعل.

و أما علي الثاني فلا مجال لرفع

اليد عن الاطلاق فان مقتضاه جواز التصرف فيما انتقل إليه و جواز التصرف فيه يستلزم اللزوم كما تقدم مضافا الي ان الاستصحاب في الحكم الكلي معارض باصالة عدم الجعل الزائد كما تقدم آنفا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و منه يظهر وجه الاستدلال علي اللزوم بإطلاق حلية اكل المال»

الخ.

و تقريب الاستدلال ان المستفاد من الآية جواز التصرف في المال المنتقل الي المتصرف بالتجارة و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين التصرف الواقع قبل الفسخ و بعده و بهذا الاطلاق يكشف لزوم العقد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 270

و يرد عليه ان المستفاد من الآية الشريفة ليس جواز التصرف بل المراد ان تملك اموال الناس علي نحوين.

أحدهما: ما يكون بالسبب الباطل كما لو كان بالسرقة أو القمار أو امثالهما.

ثانيهما: ما يكون بالسبب الشرعي كالتجارة عن تراض فلا مجال لذلك التقريب لاثبات المدعي نعم يمكن اثبات الدعوي بتقريب آخر و هو ان مقتضي اطلاق التجارة عدم الفرق بين انواعها و من تلك الانواع التملك المطلق أي بلا فرق بين تحقق الفسخ و عدمه مثل التقريب الذي سبق في آية احلال البيع.

و بهذا التقريب يمكن اثبات المدعي و لا يتوجه إليه ما افاده الشيخ من انه لا بدّ من التوسل بذيل الاستصحاب و قد تقدم تقريب اشكاله مع رده.

و يمكن أن يكون نظره الي انه مع الشك لا بدّ من اجراء استصحاب عدم تأثير الفسخ.

و يرد عليه انه ما المراد من عدم تأثير الفسخ فان كان المراد ان العقد كان لازما في زمان و الآن كما كان فيرد عليه انه متي كان العقد لازما و ان كان المراد ان الملكية كانت ثابتة قبل الفسخ و الآن كما كانت.

فيرد عليه

ان استصحاب بقاء الملكية معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و ان كان المراد استصحاب عدم جعل الخيار بان نقول نشك في بقاء الملكية بعد الفسخ و الشك في بقاء الملكية ناش و مسبب عن الشك في جعل الخيار فيجري الاصل في عدم جعل الخيار فيترتب عليه اللزوم لان الاصل الجاري في السبب حاكم علي الاصل الجاري

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 271

في المسبب.

و ببيان آخر ان بقاء الملكية بعد الفسخ اثر شرعي و حكم لعدم جعل الخيار فالتسبب شرعي.

فيرد عليه ان البيان المذكور ليس الا مغالطة و عند التأمل لا يرجع الي محصل اذ من الظاهر ان الحكم الشرعي ليس الا اعتبار الشارع فانه يرتب الحكم الفلاني علي الموضوع الكذائي و ليس الحكم الشرعي مرتبطا بباب العلة و المعلول و السبب و المسبب و عليه نقول الشك في بقاء الملكية و عدم بقائها ناش عن ان الجعل الشرعي تعلق بالملكية الطويلة أو تعلق بالملكية القصيرة فيقع التعارض بين بقاء المجعول بالاستصحاب المتعلق به و استصحاب عدم الجعل الزائد.

و ببيان واضح نقول يتعلق الشك بان الشارع الاقدس هل حكم بالملكية الي زمان الفسخ أو حكم بالملكية علي الاطلاق؟ و مقتضي استصحاب بقاء المجعول بقائها بعد الفسخ أيضا و مقتضي عدم الجعل الزائد عدم بقائها بعده و هذا هو التعارض الواقع بين الاستصحابين في كل مورد يكون الشك في بقاء الحكم الكلي.

نعم لو كان الشك في البقاء من جهة الشبهة الموضوعية يجري الاستصحاب في السبب و يترتب عليه المسبب و لا تعارض مثلا لو توضأ زيد يبقي وضوئه الي ان يحدث له النوم أو غيره فاذا شك في النوم و عدمه يجري استصحاب عدم النوم

اذ قد علم من الشرع ان الطهارة ترتفع بالنوم و تبقي عند عدمه فاذا اجري الاستصحاب في عدم النوم و احرز بالاستصحاب يترتب عليه بقاء الطهارة فلاحظ.

ثم انه لا وجه ظاهرا في تفريق الوجه الأول أي الاستدلال بوجوب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 272

الوفاء بالعقد عن الوجهين أي حلية البيع و التجارة في الاشكال فانه قدس سره خصّص ايراده بالوجهين الآخرين و الحال انه لا فرق بين الوجوه الثلاثة من هذه الجهة فان الاشكال اذا كان واردا يرد علي الوجه الأول أيضا و الا فلا بلا فرق فلاحظ.

«قوله قدس سره: و منها قوله تعالي «وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» الخ

بتقريب ان المراد بالاكل التصرف في مال الغير بكل سبب باطل و اما الاكل بالاسباب الشرعية كأكل المارة و امثاله فلا يكون باطلا بل يكون جائزا.

و يرد علي التقريب المذكور أولا ان المراد من الاكل تملك مال الغير لا التصرف فيه.

و ثانيا ان الممنوع التصرف بالباطل و كون الفسخ باطلا اوّل الكلام و الاشكال و الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية غير جائز كما حقق في محله.

و ثالثا انه ما المانع عن الاخذ بدليل البراءة و قاعدة قبح العقاب بلا بيان اذا عرفت ما تقدم نقول يمكن الاستدلال بالآية علي المدعي بنحو آخر و هو ان المراد من الاكل في الآية التملك فيستفاد من الآية الشريفة ان تملك مال الغير باي نحو باطل و السبب الوحيد الذي لا يكون باطلا التجارة عن تراض.

و بعبارة واضحة النهي عن التملك ارشاد الي فساده و العرف يفهم من الآية حصر الحلية في خصوص التجارة عن تراض فكل سبب للاكل اي التملك باطل الا سبب واحد و هي

التجارة عن تراض.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 273

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلي اللّه عليه و آله لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه»

لاحظ ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال من كانت عنده امانة فليؤدها الي من ائتمنه عليها فانه لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفسه «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث عدم جواز التصرف في مال الغير بلا اذنه فاذا انتقل المبيع بالبيع الي ملك المشتري ليس للبائع التصرف فيه بلا اذنه فيكشف ان فسخ البائع لا اثر له فالبيع يكون لازما.

و يرد عليه انه لا بدّ في ترتب الحكم علي موضوعه من بقاء ذلك الموضوع و المفروض انه بعد الفسخ يحتمل رجوع العين الي ملك مالكها الاول فلا مجال للاخذ بإطلاق دليل عدم حل التصرف فان الاخذ بالدليل لا يجوز اذا كانت الشبهة مصداقية و اثبات بقائها في ملك المشتري بالاستصحاب رجوع إليه.

مضافا الي ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد ان قلت مقتضي عدم جواز التصرف عدم جواز الفسخ قلت الفسخ حل العقد.

و بعبارة اخري: الفسخ تصرف في العقد لا في العين و رجوع العين ببركة حل العقد مضافا الي ان التصرف الاعتباري في مال الغير لا يكون حراما قطعا فانه لا اشكال في عدم حرمة بيع مال الغير بلا تصرف خارجي فيه و يضاف الي ذلك كله ان النهي التكليفي

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 274

لا يستلزم المنع

الوضعي.

«قوله قدس سره: و منها قوله صلي اللّه عليه و آله و سلم الناس مسلطون علي اموالهم» «1»

بتقريب ان مقتضي الحديث كون الشخص مسلطا علي ماله و أمره بيده و هذا ينافي تصرف الغير فيه و اخراجه عن ملكه بلا رضاه و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و لا جابر له و ثانيا ان الفاسخ يتصرف في العقد لا في المال و ان شئت قلت لا تنافي بين كون المالك مسلطا علي ماله بان يكون له كل تصرف يكون للملاك شرعا و بين جعل خيار الفسخ للغير.

«قوله قدس سره: و منها قوله صلي اللّه عليه و آله المؤمنون عند شروطهم»

عن منصور بزرج عن عبد صالح عليه السلام قال قلت له ان رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد ان يراجعها فأبت عليه الا ان يجعل للّه عليه ان لا يطلقها و لا يتزوج عليها فاعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار قل له فليف للمرأة بشرطها فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم «2».

بالتقريب المتقدم في الاستدلال علي المدعي بقوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و تقدم الاشكال في الاستدلال بالآية و يجري ذلك الاشكال

______________________________

(1) بحار الانوار ج 2 ص 272.

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب المهور الحديث 4 و تهذيب الاحكام ج 7 ص 371 الحديث 66.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 275

في المقام أيضا طابق النعل بالنعل.

و اجماله ان الشارط مع بقاء التزامه بالشرط و التزامه و عدم رفع يده عنه لا يمكن ان

لا يرتب الاثر الخارجي و اما مع رفع يده عن الشرط و التزامه الاولي فلا يكون الموضوع باقيا فيكون الاخذ بوجوب ترتيب الاثر من الاخذ بالدليل مع القطع بزوال الموضوع.

و مع التنزل يكون من الاخذ بالدليل مع الشك في المصداق و من الظاهر عدم جواز الاخذ بالدليل مع الشك في الموضوع كما انه لا يجوز مع القطع بالزوال فلا بد من الاستدلال بنحو آخر.

و هو ان نقول انه بحكم الشارع الاقدس ان الذي يشترط شرطا لا يفترق عن شرطه و هو عنده و الشرط يلازمه لكن الاشكال تمام الاشكال كما هو مذكور في كلام الشيخ قدس سره ان الشرط لا يصدق علي الالتزام الابتدائي بل عنوان الشرط متقوم بالارتباط بين امرين و الشريط يطلق علي الحبل الرابط بين شيئين فلا مجال للاستدلال علي المدعي بدليل الشرط.

«قوله قدس سره: و انه اذا افترقا وجب البيع»

لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: ايما رجل اشتري من رجل بيعا فهما بالخيار حتي يفترقا فاذا افترقا وجب البيع «1».

فان مقتضي هذه الطائفة من النصوص لزوم البيع بعد الافتراق عن مجلس البيع و توهم ان اللزوم بعد الافتراق حيثيتي اي النصوص ناظرة الي سقوط الخيار و عدمه من حيث خيار المجلس فلا ينافي

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب الخيار الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 276

الحكم باللزوم مع ثبوت الخيار من ناحية اخري فاسد فان الاحتمال المذكور مناف مع الاطلاق المتحقق بمقدماته و حمل الكلام علي الحكم الحيثي خلاف القاعدة الاولية و المحاورات العرفية العقلائية فلاحظ.

«قوله قدس سره: و قد عرفت ان ذلك مقتضي الاستصحاب أيضا»

و قد عرفت انه معارض باستصحاب عدم

جعل الزائد و بالتعارض يتساقطان فتصل النوبة الي البراءة و مقتضاها جواز التصرف و لكن لا تصل النوبة الي التقريب المذكور بعد وفاء ادلة اللزوم به.

«قوله قدس سره: ربما يقال ان مقتضي الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك عن العين»

الخ فان مقتضي الاستصحاب المذكور بقاء العلاقة المتعلقة بالعين للمالك الاول و يرد عليه انه ان اريد بها العلاقة المتفرعة علي الملك و المتقومة بها فلا اشكال في زوالها بزوال الملكية و ان اريد بها العلاقة الحادثة بعد زوال الملكية فالاصل عدمها فان كل حادث مسبوق بالعدم و مقتضي الاستصحاب عدم حدوثه.

و ان اريد بها الخيار الثابت في المجلس فان مقتضي الاستصحاب بقائه فيرد عليه أولا انه لا مجال له فيما لا يتحقق الخيار كما لو اشترط سقوطه في ضمن العقد.

و ثانيا ان مقتضي قوله عليه السلام فاذا افترقا وجب البيع سقوطه كما تقدم و ثالثا انه لو وصلت النوبة الي الشك فالمرجع عموم العام لا استصحاب الحكم الخاص و مقتضي العموم وجوب الوفاء و هو اللزوم عند الشك و رابعا ان الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 277

عدم الجعل الزائد فلا مجال للتقريب المذكور.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله يشير بالامر بالتأمل الي انه لا مجال للاستصحاب مع وجود الامارة و هو العموم كقوله تعالي احل اللّه البيع.

«قوله قدس سره: نعم هو حسن في خصوص المسابقة»

لم يظهر لي تقريب الاصل بنحو يفيد اذ لا اشكال في ان العقد اللازم ما لا ينفسخ بالفسخ و العقد الجائز ما ينحل بالفسخ و عليه نقول يمكن تقريب الاصل المذكور بان نقول العقد الفلاني قبل تحققه لم يكن لازما و الآن كما كان.

لكن الاصل المذكور لا يثبت

كون العقد جائزا الا علي تقدير القول بالاثبات الذي لا نقول به مضافا الي انه يعارضه اصل عدم كونه جائزا بالتقريب المذكور و بعبارة واضحة لا مجال لاثبات احد الضدين باصالة عدم الضد الاخر و يضاف الي ذلك ان المرجع في الشك في اللزوم و الجواز عموم وجوب الوفاء بالعقود بلا فرق بين المسابقة و غيرها فالتوسل بالاصل لا حسن فيه حتي في المسابقة و شبهها فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لاصالة اللزوم»

حاصل مرامه في المقام انه تارة يشك في اللزوم و الجواز من جهة الشبهة الحكمية و اخري من جهة الشبهة الموضوعية اما القسم الاول فيؤخذ بعموم العام و يحكم بكونه عقدا لازما.

و أما القسم الثاني فان قلنا ان الميزان الاخذ بالعموم في الشبهة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 278

المصداقية فالامر ظاهر و اما اذ لم نقل بذلك تصل النوبة الي استصحاب الاثر و عدم زواله.

و يرد عليه ان استصحاب الاثر معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فما الحيلة و ما الوسيلة فنقول لو شك في اللزوم و الجواز في عقد فتارة يكون الاصل موضوعي يعيّن احد القسمين و اخري لا يكون.

أما القسم الأول فيؤخذ بذلك الاصل الموضوعي و يحكم علي طبقه مثلا لو علمنا بالهبة و شك في أن الواهب قصد القربة كي تكون الهبة لازمة أم لم يقصدها كي تكون جائزة فيما تكون لغير ذي رحم يكون مقتضي الاصل عدم قصد القربة فنقول تحقق الهبة وجداني و نشك في قصد القربة و عدمه فيحرز عدمه بالاصل فتكون جائزة اذ كل هبة جائزة الا الهبة القربية كما انه لو علمنا بتحقق البيع و نشك في جعل الخيار

نحرز عدمه بالاصل فنحكم باللزوم بمقتضي وجوب الوفاء بالعقد.

و أما اذا لم يكن اصل موضوعي ينقح المورد كما لو شك في العقد الصادر انه بيع أو هبة يكون مقتضي اصالة عدم كونه هبة لزوم العقد فان كل عقد لازم الا العقد الفلاني و الاصل عدمه و اصالة عدم كونه بيعا لا يثبت كونه هبة الاعلي القول بالاثبات لكن هذا التقريب انما يتم علي القول بتمامية استصحاب العدم الازلي و اما لو لم نقل به فتصل النوبة الي القرعة ان تم اطلاق دليلها و الا فلا مناص عن الصلح و التسالم.

«قوله قدس سره: بمعني استصحاب الاثر»

لا مجال للاستصحاب المذكور حيث انه قد ذكرنا مرارا ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 279

الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم جعل الزائد.

«قوله قدس سره: فان الاصل عدم قصد القربة»

فيكون من قسم الموضوع المركب من الوجدان و الاصل فانه تمليك وجدانا و اما قصد القربة فيحكم بعدمه بالاصل.

«قوله قدس سره: فيحكم بالهبة الجائزة»

هذا علي تقدير ان الجواز يترتب علي التمليك و عدم قصد القربة و اما ان قلنا ان الهبة عنوان بسيط في مقابل الصدقة فلا يمكن اثباتها الاعلي القول بالاثبات الّذي لا نقول به و لكن الظاهر ان الهبة عبارة عن التمليك المجاني و عدم قصد القربة فيكون الموضوع مركبا فيمكن احراز احد جزئيه بالوجدان و الاخر بالاصل.

«قوله قدس سره: و اما تعيين العقد اللازم حتي يترتب عليه ساير آثار العقد اللازم كما اذا اريد تعيين البيع عند الشك فيه و في الهبة فلا»

الخ لان مرجعه الي المثبت الذي لا نقول به و بعبارة اخري اصالة عدم الضدين لا يثبت الضد الاخر.

«قوله قدس سره: لعموم علي

اليد»

الخ فان مقتضي عموم قاعدة علي اليد ضمان كل ما وضعت عليه اليد و اذا شك في خروج فرد بواسطة احتمال كونه من افراد الخارج بالتخصيص ينفي بالاصل فيتحقق الضمان.

لكن يرد عليه ان قاعدة اليد ضعيفة سندا فلا يعتد بها اللهم الا ان يقال ان كلام الماتن تعليقي و لذا لا مجال للاشكال عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 280

«قوله قدس سره: و ان كان المستند دخوله في ضمان العين»

فانه يمكن احراز عدم الموضوع بالاصل اذ يشك في الاقدام و الاصل عدمه.

«قوله قدس سره: أو قلنا بان خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه»

الخ.

ربما يقال ان وجه القول المذكور قاعدة المقتضي و المانع و يرد عليه ان تلك القاعدة غير تامة و الحق ان يقال انه بعد فرض تمامية قاعدة علي اليد اذا شك في كون الفرد معنونا بعنوان اخرج عن تحت العام بالدليل يمكن احراز الموضوع بالوجدان و الاصل فان وضع اليد وجداني و احتمال كونه هبة ينفي بالاصل و لو باصالة العدم الازلي.

مثلا لو قال المولي اكرم العلماء الا الفساق منهم فاذا شك في فرد من العالم انه فاسق أم لا نقول كونه عالما بالوجدان و احتمال كونه فاسقا منفي بالاصل فيجب اكرامه بمقتضي وجوب اكرام كل عالم فلاحظ.

[القول في أقسام الخيار]

[الأول خيار المجلس]
اشارة

«قوله قدس سره: فالمراد بالمجلس مطلق مكان المتبايعين حين البيع»

الخ.

الامر كما افاده فانه لا مدخلية للجلوس و غيره بل الميزان المستفاد من النص عدم تحقق الافتراق و بعبارة واضحة يستفاد من قوله و اذا افترقا وجب البيع ان المناط في ثبوت الخيار و تحققه عدم تحقق الافتراق فما دام لم يتحقق عنوان الافتراق يكون الخيار باقيا.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 3، ص: 281

و لذا لقائل ان يقول اذا تحقق عقد البيع بين البائع و المشتري بواسطة الهاتف يتحقق خيار المجلس ما دام الاتصال الهاتفي باقيا بينهما و اما لو انقطع الارتباط المذكور فلا خيار اذ يصدق عنوان الافتراق فالميزان بطلاق الافتراق و عدمه.

«قوله قدس سره: و لا خلاف بين الامامية في ثبوت هذا الخيار»

بل من الضروريات الفقهيّة و لذا لا مجال لابداء الشبهة في المقام.

«قوله قدس سره: مطروح او مؤوّل»

لاحظ ما رواه غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام اذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا «1».

أفاد سيدنا الاستاد بانه لا يحتاج الي التأويل أو الطرح اذ المراد بالصفق الذي ذكر في الخبر اسقاط الخيار و من الظاهر ان الخيار يسقط بالاسقاط فالرواية علي طبق القاعدة و ادعي انه فسر اللفظ في اللغة بما ذكر و لكن لم يذكر المدرك الذي نقل عنه.

و يمكن ان يكون الامر كما أفاده لاحظ كلام الطريحي في هذا المقام يقول يقال صفقت له بالبيعة صفقا أي ضربت بيدي علي يده و في الدعاء اعوذ بك من صفقة خاسرة أي بيعة خاسرة و كانت العرب اذا وجب البيع ضرب احدهما يده علي يد صاحبه الي آخر كلامه.

و يستفاد من كلامه ان الصفقة عبارة عن البيع كما انه يستفاد هذا المعني من حديث البارقي فان رسول اللّه قال بارك اللّه في صفقة يمينك أي بارك اللّه في بيعك أو شرائك فعن الازهري ان الصفقة للبائع و المشتري.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 282

و صفوة القول ان الظاهر

ان المراد نفس البيع لا اسقاط الخيار بل يدل علي المدعي نفس الحديث فانه عليه السلام قال اذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و ان لم يفترقا اذ لو كان المراد بالكلمة اسقاط الخيار لم يكن مجال لذكر الجملة الاخيرة أي قوله عليه السلام و ان لم يفترقا فان اسقاط الخيار يقتضي سقوطه و لا خصوصية للافتراق و عدمه.

الا ان يقال ان المراد ان الخيار يسقط بالاسقاط حتي مع عدم الافتراق فالخيار الثابت ببقاء الاجتماع يسقط بالافتراق و أيضا يدل علي المدعي قوله عليه السلام اذا صفق الرجل علي البيع فقد وجب و الحال ان اسقاط خيار البائع لا يقتضي سقوط خيار المشتري و الحال انه عليه السلام حكم بوجوب البيع علي الاطلاق فيعلم ان المراد بوجوب البيع لزومه و ان الامام عليه السلام في مقام نفي خيار المجلس فلا بد من العلاج فنقول لا مجال لرفع اليد عن حكم الخيار بهذه الرواية اذ قلنا ان خيار المجلس من ضروريات الفقه.

«قوله قدس سره: و لا فرق في اقسام البيع و انواع المبيع»

الامر كما افاده فان الاطلاق المنعقد في قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا و اذا افترقا وجب البيع يشمل اقسام البيع و انواع المبيع و التخصيص يحتاج الي الدليل فلاحظ.

«قوله قدس سره: اذا كانا اصيلين»

فان القدر المعلوم من الدليل هذه الصورة و الحكم بمرتبة من الوضوح لا مجال للبحث فيه و الاستدلال عليه.

[مسألة لا إشكال في ثبوته للمتبائعين إذا كانا أصيلين و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: و لا في ثبوته للوكيلين في الجملة»

فانه قدس سره اشار بقوله في الجملة الي ان الوكيل ليس قسما واحدا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 283

[أقسام الوكيل]
اشارة

بل له اقسام فنقول

القسم الأول: ما يكون وكيلا مفوضا في امر المعاملة احداثا و ابقاء كالعامل في باب المضاربة

حيث ان العامل مفوض بتمام معني الكلمة و لا اشكال في ثبوت الخيار له اذ في هذه الصورة يكون الوكيل وجودا تنزيليا للموكل و يكون له ما يكون لموكله.

و هذا لا اشكال فيه بل نقول ان الخيار حكم ثابت لعنوان البائع و المتبايع و البيّع و هذه العناوين تصدق علي الوكيل المفوض فالمقتضي للخيار موجود و المانع عنه مفقود فلاحظ.

القسم الثاني ما يكون وكيلا في مجرد اجراء الصيغة
اشارة

و المشهور عندهم عدم ثبوت الخيار له و يقع الكلام في مقامين احدهما فيما يقتضيه ظاهر دليل الخيار بدوا ثانيهما فيما ذكر من الموانع.

أما

المقام الأول [في ما يقتضيه ظاهر دليل الخيار بدوا]

فنقول البائع أو البيّع عبارة عن ذات يكون العنوان ثابتا له كما هو كذلك في كل مشتق و لا اشكال في ان المتصدي للبيع و لو كان وكيلا في مجرد اجراء الصيغة معنون بهذا العنوان فلو تم الاطلاق في دليل الخيار بمقدماته يكون الخيار ثابتا له.

و أما

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 283

المقام الثاني فقد ذكرت للمنع وجوه
الوجه الأول الانصراف

بدعوي ان دليل الخيار منصرف عن الوكيل في مجرد اجراء الصيغة.

و يرد عليه انه لا وجه للانصراف المستقر بحيث يكون اللفظ غير شامل له فان الانصراف المدعي ان كان من جهة قلة الوجود فمضافا الي ان قلة الوجود لا توجب الانصراف و المعروف ان المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر لا انه منصرف عنه ان قلة الوجود ان كانت موجبة للانصراف لكان مقتضاها عدم ثبوت الخيار للوكيل المفوض و هو القسم الأول اذ لا اشكال في ان تحقق البيع في العالم بالوكالة اقل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 284

قليل بالنسبة الي بيع الاصيل.

الا أن يقال ان بيع الوكيل المفوض كالعامل في المضاربة و البيع الصادر من الدلالين كثير في حد نفسه و ان كان اقل قليل بالنسبة و الظاهر انه لا فرق بين الموردين فان قلة الوجود ان كانت موجبة للانصراف تكون كذلك علي الاطلاق و الا فلا، و ان كان الانصراف المدعي من ناحية المادة أو الهيئة فأيضا لا يتم الدعوي فان البيع بمادته عبارة عن التمليك بعوض و هذا المفهوم جار في الاصيل و الوكيل مطلقا و الهيئة دالة علي انتساب تلك المادة الي الذات

بلا دخل لكون المتصدي مالكا أو وكيلا مفوضا أو وكيلا في مجرد اجراء الصيغة.

الوجه الثاني ان جعل الخيار لمصلحة ذي الخيار بان يتروي و يختار ما هو اصلح له

فلا يثبت للوكيل في مجرد اجراء الصيغة اذ ليس له شأن و يرد عليه نقضا و حلا أما النقض فكما لو باع زيد كتابه من بكر بالف تومان و الحال انه كتابه لا يسوي ازيد من عشرة توامين و نفرض ان المشتري يعلم بالحال فهل يكون للبائع الخيار أم لا؟

لا سبيل الي الثاني و الحال ان الخيار و الفسخ ليس مصلحة له و أما الحل فبان مصالح الاحكام و ملاكاتها لا توجب رفع اليد عن اطلاق الادلة و عمومها و لذا التزم الاصحاب بوجوب العدة علي المدخول بها و لو مع عدم الانزال و عدم احتمال الحمل فالوجه المذكور أيضا ساقط و المرجع اطلاق دليل الخيار.

الوجه الثالث: انه قد اقترن في بعض ادلة الخيار خيار المجلس بخيار الحيوان،

لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: البيعان بالخيار حتي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 285

يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة ايام «1».

و حيث ان خيار الحيوان يختص بصاحب الحيوان يكون الخيار في المقام كذلك لوحدة السياق.

و بعبارة اخري نفهم من التقارن وحدة الموضوع فلا مجال لان يقال انه لا تنافي بين المثبتين فان الدليل الذي لا تقارن فيه يدل علي الاطلاق فان التقارن يقتضي الاختصاص و يوجب تضيق موضوع خيار المجلس و يجعله كخيار الحيوان.

و يرد عليه أولا ان لازم التقريب المذكور عدم ثبوته للوكيل المفوض لعين التقريب.

و ثانيا: ان ما افيد من غرائب الكلام فانه اي ربط بين المقامين فان مجرد الاقتران بين حكمين في دليل لا يقتضي اتحاد موضوعيهما فانه لو ثبت في دليل كون خيار الحيوان لابن اخ البائع فهل يتوهم ان خيار المجلس أيضا كذلك لو فرض التقارن

بينهما في الدليل كلا ثم كلا فلاحظ.

الوجه الرابع ان المستفاد من دليل خيار المجلس ان صاحب الخيار له ان يتصرف فيما انتقل عنه

بارجاعه الي ملكه بعد فرض تسلطه علي التصرف فيما انتقل إليه و من الظاهر ان الحكم تابع لموضوعه لا العكس فلا بد من احراز الموضوع و هو التمكن من التصرف فيما انتقل إليه كي يؤخذ بدليل الخيار.

و مع الشك في الموضوع لا مجال للاخذ بدليل الحكم فانه قد ثبت في الاصول عدم جواز الاخذ بالعموم أو الاطلاق في الشبهة المصداقية و لذا لو كان ما انتقل إليه منذور الصدقة أو كان ممن يحتمل انعتاقه

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 286

علي البائع كما لو كان الثمن من اقربائه لا مجال للاخذ بدليل الخيار لنفي وجوب التصدق و عدم انعتاق الثمن و من الظاهر ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة ليس له التصرف فيما انتقل إليه فلا خيار له

و يرد عليه ان الخيار حق متعلق بالعقد و ليس حكما عارضا علي العين فلا مجال للتقريب المذكور نعم من آثار الفسخ انتقال كل من المبيع و الثمن الي ما كان اذا كان باقيا الي زمان الفسخ و من الظاهر انه لا فرق بين الاصيل و الوكيل من هذه الجهة فان العقد الذي هو موضوع الحكم مشترك بين الموردين و اما ما افيد من ان الخيار يوجب نفي الصدقة فليس الامر كذلك فان الخيار ثابت و الاخذ به حرام لانه حنث للنذر و النهي التكليفي لا ينافي الصحة الوضعية.

و اما مسئلة انعتاق الثمن فهو أيضا غير تام اذ الانعتاق لا يقتضي عدم الخيار بل الخيار ثابت غاية الامر تصل النوبة الي دفع البدل.

و بعبارة اخري حيث ان موضوع الخيار هو العقد لا

يفرق فيه بين بقاء العين و عدمه فعلي فرض بقائها ترجع هي و علي فرض تلفها تصل النوبة الي البدل فان كانت مثلية يجب دفع المثل و ان كانت قيمته يجب دفع القيمة.

الوجه الخامس ان الخيار يتحقق لمن يكون له حق الاقالة

و حيث ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة ليس له الاقالة فلا يكون له الخيار.

و فيه أولا ان الخيار ثابت في النكاح في الجملة و الحال انه لا اقالة في النكاح و ثانيا ان هذه الدعوي بلا بينة و برهان و لا يرتبط احد المقامين بالآخر بل المرجع اطلاق دليل الخيار فاذا ثبت الاطلاق يؤخذ به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 287

الوجه السادس ان خيار الفسخ ثابت في حق من يكون مخاطبا بخطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

فان الفسخ يقابل الوفاء فمن يكون الوفاء واجبا عليه يكون الفسخ ثابتا له و حيث ان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة غير مخاطب بالوفاء فلا يكون له الخيار.

و يرد عليه ان مفاد الآية لو كان الحكم التكليفي لكان لهذا التقريب مجال و أما علي ما قلنا و ذكرنا من ان الآية الشريفة ارشاد الي اللزوم و لا يكون مفادها حكما تكليفيا فلا يتم الاستدلال المذكور فان المستفاد من الآية لزوم العقد فلا ينافي مع ثبوت الخيار للوكيل في مجرد اجراء الصيغة.

مضافا الي الاشكال في اصل التقريب فانا نفرض ان مفاد الآية الحكم التكليفي و ذلك الحكم يختص بغير الوكيل في مجرد اجراء الصيغة لكن لا دليل علي اختصاص الخيار بمن يكون مخاطبا بخطاب وجوب الوفاء فانه لا ارتباط بين الامرين.

الوجه السابع ان خيار المجلس لو كان ثابتا للوكيل في مجرد اجراء الصيغة لكان ثابتا للفضولي

بل كان ثبوته له اولي و يرد عليه ان التقريب المذكور فاسد اذ خيار المجلس ثابت للبيع الصحيح.

و بعبارة اخري الخيار و اللزوم فرعا تحقق العقد شرعا و بيع الفضولي فاسد في وعاء الشرع.

و إن شئت قلت: ان البيع الصادر عن الفضولي قبل الاجازة لغو محض و بعد الاجازة اذا كان مجلس العقد باقيا يمكن الالتزام بثبوت الخيار للفضولي و ببيان واضح ان الفضولي تارة يرفع اليد عن عقده و يحله قبل الاجازة و اخري يبقي علي ما عقد و علي الثاني تارة يحصل الافتراق بين المتبايعين قبل الاجازة و اخري يكون مجلسهما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 288

باقيا و لا يحصل الافتراق.

أما علي الاول فلا موضوع للاجازة و لا للخيار اذ المفروض انهدام العقد بحله و علي الثاني فلا مجال للخيار اذ فرض الافتراق قبل الاجازة و علي الثالث يمكن القول بثبوت

الخيار للفضولي فان موضوع الخيار البائع في بيع صحيح فاذا فرض انه تحقق عنوان البائع كما هو كذلك و فرض أيضا بقاء مجلس العقد.

و من ناحية اخري فرض اجازة المالك للعقد الفضولي و من ناحية رابعة قد دل النص الخاص علي تمامية العقد الفضولي بالاجازة فما المانع عن الالتزام بالخيار.

اللهم الا أن يقال: ان الظاهر من دليل خيار المجلس كقوله صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار اعتبار الخيار للبائع من حين صدور البيع و حدوثه.

و بعبارة اخري: يكون الدليل ناظرا الي اثبات حق الحل و الفسخ للعقد الصحيح و المفروض ان العقد الصادر عن الفضولي باطل و لغو و الاجازة المتأخرة لا توجب انقلاب الشي ء الباطل و جعله صحيحا فانه امر غير معقول فالنتيجة ان هذا الوجه أيضا غير مفيد لاثبات المدعي.

الوجه الثامن ان الوجوه المذكورة و ان كانت باطلة و غير تامة لاثبات المدعي لكن تكون مانعة عن تحقق الاطلاق

فان تحقق الاطلاق يتوقف علي تمامية مقدمات الحكمة و المفروض انه مع هذه الوجوه لا تتم تلك المقدمات و لا يحرز الاطلاق.

و يرد عليه ان ضم امر غير معتبر الي مثله و امثاله لا يقتضي الاعتبار و لا يكون قابلا للمنع عن الاطلاق فالاطلاق محكم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 289

الوجه التاسع ان ادلة سائر الخيارات لا تشمل الوكيل في اجراء الصيغة

فخيار المجلس أيضا لا يكون له.

و يرد عليه ان الوجه المذكور في غاية الضعف فان الميزان ملاحظة كل دليل بحياله و استقلاله ففي كل مورد كان الدليل شاملا لمورده يؤخذ بذلك الدليل و يحكم علي ذلك الموضوع بذلك الحكم و في كل مورد لا يكون الدليل شاملا لموضوع لا يحكم به عليه و هذا ظاهر واضح

الوجه العاشر ان النسبة بين دليل الخيار و دليل سلطنة المالك علي ماله عموم من وجه و يقع التعارض بينهما

فيما يفسخ الوكيل و لا يكون المالك راضيا فان مقتضي الخيار الفسخ و مقتضي دليل السلطنة فساده و عدم انحلال القيد و دليل السلطنة مقدم علي معارضه لكونه معاضدا بالحكم العقلائي.

و علي فرض التعارض و عدم مرجح يتساقطان فتصل النوبة الي بقاء الملكية بالاستصحاب و يرد عليه أولا ان دليل السلطنة ضعيف و ثانيا انه لا تعارض بين الدليلين اذ مقتضي دليل السلطنة تسلط المالك علي ماله و دليل الخيار يقتضي جواز انحلال العقد.

و بعبارة واضحة ان الخيار ملك فسخ العقد و لا يرتبط بالعين و ثالثا انه لا مجال لتقديم احد الدليلين علي الاخر بحكم العقلاء فان الترجيح يحتاج الي الدليل.

و رابعا انه لا تصل النوبة الي الاستصحاب اذ دليل الوفاء محكم و معه لا مجال للاصل العملي و خامسا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فالنتيجة ان الصناعة تقتضي الالتزام بثبوت الخيار للوكيل في مجرد اجراء الصيغة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 290

و يؤيد ما ذكرنا ان المنقول عن صاحب الحدائق انه التزم بثبوت خيار المجلس للوكيلين في اجراء الصيغة بل قال بثبوته لهما و لو مع منع المالك اللهم الا أن يقوم دليل قطعي علي الخلاف و الا فمقتضي القاعدة ثبوته له فلاحظ.

القسم الثالث من الوكيل من يكون وكيلا في البيع فقط أو الشراء فقط

بحيث ينتهي امد وكالته بالبيع أو الشراء فهل يثبت له خيار المجلس أم لا؟ و مما ذكرنا في الوكيل في مجرد اجراء الصيغة يظهر الحال في المقام فان ثبوته للقسم الثالث بالاولوية و لو فرضنا عدم ثبوته للقسم الثاني لبعض الوجوه المتقدمة كالانصراف المدعي نلتزم بثبوته للقسم الثالث لتمامية الموضوع فالقاعدة تقتضي ثبوت الخيار له و لو مع منع المالك.

و أما ثبوت

الخيار للفضولي فقد مرّ الكلام فيه في ذيل البحث في القسم الثاني و ذكرنا ما يختلج ببالنا و مجمل القول فيه التفصيل بل اخترنا عدم ثبوته له علي الاطلاق و قلنا ان الظاهر من دليل الخيار حدوث الخيار بحدوث البيع و يبقي الخيار الي زمان حصول الافتراق و في الفضولي لا مجال لجريانه بالنحو المذكور اذ غايته ان البيع الفضولي بعد وقوعه قابل للامضاء من قبل المالك لكن لا يحدث الخيار بحدوث البيع بل يتوقف علي اجازة المالك فاذا كان ظاهر دليل الخيار كما ذكرنا لا يشمل البيع الفضولي فلا مجال للقول به و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف و النقل نعم لو قلنا بالكشف الحقيقي كان الالتزام بالخيار علي طبق القاعدة لكن الكشف الحقيقي باطل من اصله و لا وجه للقول به فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 291

ثم ان الماتن قدس سره تعرض في هذه المسألة لعدة فروع
اشارة

و تبعا له نتعرض لكل واحد من هذه الفروع و نبين ما هو مقتضي القاعدة و الصناعة بحوله و قوته فنقول.

الفرع الأول ان المالك الذي وكل غيره في اجراء الصيغة هل يثبت له الخيار أم لا؟

اقول الخيار رتب علي عنوان البيع و المتبايع و البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي من لفظ أو فعل و لا اشكال في ان الاعتبار و كذا ابرازه بمبرز امر تكويني و هل يمكن نسبة الامر التكويني الي احد و الحال انه صدر عن غيره.

و ان شئت قلت ان الدليل قائم علي جواز التوكيل في بعض الامور التكوينية و لكن فعل الوكيل غير صادر عن الموكل و من الظاهر ان المشتق موضوع لمن ثبت له المبدأ.

و ببيان آخر نقول صحة السلب آية المجاز و صحة الحمل آية الحقيقة و انا نري انه لا يصح حمل الفعل الصادر عن الوكيل علي الموكل مثلا لو فرض ان و كل بكرا في بيع داره ثم ان البكر باع داره في زمان كان زيد نائما هل يصح ان يقال ان زيدا في حال النوم باع داره أو يقال باع وكيله داره في زمان كان نائما و أيضا نري انه يصح ان يقال باع فلان ذلك الشي ء لفلان و كذلك في طرف الاشتراء و نري انه يصح ان يقال زيد في اليوم الفلاني باع داره من فلان و في ذلك اليوم باع وكيله تلك الدار من غيره و لا يقال زيد باع داره في اليوم الفلاني من شخصين و عدم صحة الحمل علامة المجاز.

و صفوة القول ان وكيل زيد لو باع داره لا يقال زيد باع داره

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 292

مباشرة بل يقال باع داره بواسطة وكيله اي لم يبع

بنفسه و بعبارة اخري لم يصدر البيع عن نفسه بل صدر عن وكيله و الخيار حكم من يصدر عنه البيع مباشرة.

و يتضح المدعي بانا نسأل ان الوكيل اذا باع دار الموكل هل يصدق ان الموكل اعتبر الملكية في نفسه و هل يصدق انه ابرز اعتباره بمبرز كذائي أم لا يصدق؟ لا سبيل الي الاول و علي الثاني كيف يمكن الالتزام بصدور البيع عنه و صدقه؟ و الحال ان البيع عبارة عن الاعتبار و ابراز ذلك الاعتبار و قد فرض انه لم يعتبر و لم يبرز.

و لك ان تقول بان غاية ما يمكن ان يقال ان الوكيل وجود تنزيلي للموكل و فعله فعل تنزيلي للموكل فلا يكون الوكيل متحدا مع الموكل و يكون فعله فعلا له فانتساب البيع الصادر من الوكيل الي الموكل ادعائي لا واقعي و عليه لا دليل علي ثبوت الخيار له اذ الظاهر من قوله البيعان بالخيار اثبات الخيار لمن يكون بايعا بالحمل الحقيقي لا بالحمل الادعائي مثلا لو ثبت حكم لعنوان العالم لا يثبت ذلك الحكم لولد العالم فان ولد العالم عالم ادعائي لا حقيقي فلا اطلاق في الدليل.

ان قلت: البائع موضوع في اللغة للجامع بين البيع بالمباشرة و بالوكالة فلا فرق بين الموكل و الوكيل من هذه الجهة.

قلت: يكفي الشك في هذه الدعوي فان الشك في صدق الموضوع مانع عن الاخذ بإطلاق الحكم بل بالاستصحاب يحرز عدم تعنون الموضوع بالعنوان اذ قد ذكرنا مرارا انا بنينا علي جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية.

بل يمكن ان يقال انه يحرز عدم تعنونه بغير الاستصحاب أيضا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 293

و هو انه لو باع وكيل زيد داره في يوم الجمعة نسأل

انه قد تحقق البيع اي بيع دار زيد مرتين أو مرة لا سبيل الي الاول و علي الثاني كيف يمكن نسبة صدور فعل واحد الي فاعلين كل واحد علي نحو الاستقلال و حيث ان صدقه من الوكيل قطعي فلا يكون صادقا بالنسبة الي الموكل فتحصل ان العقد الصادر عن الوكيل لا يستند الي الموكل بل منسوب الي الوكيل فحسب.

و مما يدل علي صدق مقالتنا انهم عنونوا انه هل يشترط حضور المالك في مجلس العقد أم لا؟ فان البيع الصادر عن الوكيل اذا كان صادرا عن الموكل حقيقة و بلا عناية فما الوجه في اشتراط حضور المالك في مجلس العقد بل الميزان علي هذا بمجلس المالك فلو كان المالكان مجتمعين في مكان غير مجلس العقد يلزم ان يثبت لهما خيار المجلس و يكون باقيا ذلك الخيار الي تفرقهما و لو مع تفرق الوكيلين و انقضاء مجلس العقد بل لا بدّ من القول بان مجلس العقد متعدد و احدهما انقضي و ثانيهما باق و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟

و يتضح الامر في النيابة كما لو استناب احد غيره في ان يحج عنه و حج النائب فهل يصح ان يقال ان المنوب عنه اي الفلان حج في هذه السنة و هل يكون فرق بين النيابة و الوكالة.

و ما ذكرنا في تقريب عدم ثبوت الخيار للموكل يتخلص في عدة تقاريب. التقريب الاول: ان البيع عبارة عن الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز من قول أو فعل و كل من الاعتبار و ابرازه امر تكويني و هل يمكن اسناد الامر التكويني من شخص الي شخص آخر؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 294

التقريب الثاني ان المشتق حقيقة في

ذات ثبت له المبدأ و من ناحية اخري المبدأ ثابت للوكيل لا للموكل.

التقريب الثالث ان صحة الحمل آية الحقيقة و عدم صحة الحمل آية المجاز فلو فرض ان الوكيل باع دار زيد في يوم الجمعة و الحال ان زيدا كان نائما في زمان البيع هل يصح ان يقال ان زيدا في حال كونه نائما باع داره أو يقال انه لم يبع داره بل وكيله باع داره.

التقريب الرابع انه لو فرض ان الموكل اذا باع داره في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من شخص و باع وكيله في تلك الساعة دار الموكل من شخص آخر فهل يصح ان يقال ان زيدا باع داره في تلك الساعة من شخصين أو يقال باع هو داره من شخص و باع وكيله داره من شخص آخر.

التقريب الخامس: انه لو باع وكيل زيد دار موكله لا يقال زيد باع داره مباشرة بل يقال ان زيدا باع داره بواسطة وكيله و الخيار حكم من يكون متصديا للبيع مباشرة و لا اقل من انصرافه إليه.

التقريب السادس ان غاية ما يمكن ان يقال ان الوكيل وجود تنزيلي للموكل و من الظاهر ان الوجود التنزيلي وجود ادعائي لا واقعي مثلا ولد العالم عالم ادعائي لا حقيقي و الحكم يترتب علي الموضوع الواقعي لا علي الفرد الادعائي و عليه يترتب الخيار علي البائع الواقعي لا البائع الادعائي.

التقريب السابع: ان النيابة عبارة عن الوكالة و كلاهما من باب واحد فلو استناب زيد شخصا لان ينوب عنه في الحج و النائب حج فهل يصح ان يقال ان زيدا حج في تلك السنة أو يقال استناب للحج فاذا كان الامر كذلك في النيابة يكون هكذا في الوكالة.

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 295

التقريب الثامن: انه لو كان استناد البيع الي الموكل حقيقيا واقعيا فما الوجه في عنوان القوم انه هل يشترط حضور الموكل في مجلس العقد في ثبوت خيار المجلس له أم لا؟ فانه لا وجه لهذا الاشتراط بل المناط حضور المالكين في مجلس في زمان العقد و اجتماعهما فيه و لو كان ذلك المجلس بعيدا عن مجلس العقد بفراسخ و كان بين المكانين بون بعيد.

التقريب التاسع انه لو كان الامر كما يقولون و يكون الفعل الصادر عن الوكيل منسوبا الي الموكل حقيقة و واقعا يلزم ان الموكل لو باع داره يصح اسناد البيع الي وكيله أيضا للتلازم من الجانبين و لا وجه للتخصيص.

ان قلت الفعل فعل الموكل و الوكيل آلة فان الموكل تارة يبيع داره بلسانه المباشري و اخري بغيره و الوكيل لا موضوعية له فان الموضوع هو الموكل.

قلت: فعليه لا بدّ ان نلتزم بعدم صحة اسناد الفعل الي الوكيل و اذا قال احد باع وكيل زيد دارا في اليوم الكذائي يكون كاذبا و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا ثم كلا.

و ان ابيت عما نقول فلا اقل من الشك في صدق العنوان علي الموكل و مع الشك لا مجال للاخذ بالدليل اذ لا يجوز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية بل يمكن احراز عدم صدق العنوان باستصحاب فانا ذكرنا مرارا جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية و به يحرز عدم كون الموكل مصداقا للبائع و البيع.

و أما مسئلة النذر فالظاهر انه لا مجال للاستدلال بها اذ النذر تابع لقصد الناذر فان قصد ترك البيع و لو بالواسطة يحنث ببيع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 296

و كيله و الا فلا اللهم

الا ان يتعلق النذر بما يصدق عليه البيع في العرف فعلي فرض صدق العنوان حتي لو كان بالواسطة و التوكيل يحنث و الا فلا و لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون التوكيل قبل النذر أو بعده.

و ربما يقال كما عن سيدنا الاستاد بانه لو كان التوكيل قبل النذر لا يتحقق الحنث اذ فعل الوكيل ليس اختياريا للناذر.

و يرد عليه أولا انه يمكن ان يفرض الكلام فيما يكون فعل الغير اختياريا له بان يكون الغير مطيعا للناذر و يأتي بما يأمره به و ينتهي عما ينهاه عنه.

و ثانيا ان الناذر بعد النذر يمكنه ان يعزله عن الوكالة في البيع حتي لا يتحقق الحنث فلاحظ.

الفرع الثاني انه علي القول بثبوته للموكلين هل يشترط حضورهما في مجلس العقد أم لا؟

و قد تقدم التعرض منا لهذا الفرع و بينا ما هو الحق عندنا و قلنا ان الميزان بمجلسهما علي القول بثبوت الخيار لهما لا بمجلس العقد و ان الميزان بافتراقهما عن ذلك المجلس بالنسبة الي خيارهما و اما بالنسبة الي الخيار الثابت للوكيلين فالميزان في سقوط الخيار بافتراقهما فلو فرض مجلس جامع للوكيلين و للموكلين يكون الخيار لهم و يسقط خيار الموكلين بافتراقهما و خيار الوكيلين بافتراقهما.

الفرع الثالث انه علي فرض الخيار للوكيلين و الموكلين ففارق احد الموكلين و احد الوكيلين المجلس

فهل يبقي الخيار للموكل و الوكيل الباقيين في المجلس أم لا؟ الظاهر انه يبقي اذ يصدق عنوان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 297

البيعين و المتبايعين عليهما فالخيار يكون باقيا الي ان يتفرقا عن المجلس.

الفرع الرابع انه لو كان الوكيل وكيلا مفوضا في جميع الجهات حتي الاقالة و الفسخ فهل يثبت له الخيار

و قد تقدم الكلام حوله فلا نعيد و اما ثبوت الخيار للموكل فالكلام فيه هو الكلام الذي تكلمنا حوله بالتفصيل فلا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: لكن الوجه الاخير لا يخلو عن قوة»

الخ الظاهر ان المراد بالوجه الاخير الاولوية المذكورة في كلامه و الانصاف انه لا وجه للاولوية فان الخيار بمقتضي ظهور الدليل ثابت للبائع فعلي تقدير صدقه علي الموكل يثبت له و اما علي تقدير عدم الصدق فلا وجه للالتزام بالثبوت فان اجراء حكم ثابت لموضوع علي موضوع آخر خلاف القاعدة و ملاك الاحكام غير معلوم عندنا.

الفرع الخامس انه لو ثبت الخيار لعدة اشخاص من طرف فكل واحد منهم سبق الي اعمال الخيار بالاسقاط أو بالانفاذ هل يسقط خيار الباقين أم لا؟

حكم الشيخ قدس سره بالسقوط و قال ليس المقام تقديم الفاسخ أو الموجب فان تلك المسألة تتصور في الاختلاف في طرفي العقد لا من جانب واحد.

أقول: اذا قلنا بثبوت الخيار لكل واحد من الموكل و الوكيل فلا وجه للالتزام بالسقوط بفعل واحد منهما بل اللازم ملاحظة كل واحد منهما علي حياله و استقلاله.

و بعبارة اخري نقول تارة الخيار للجامع و اخري نقول للمجموع من حيث المجموع كالعام المجموعي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 298

و ثالثة نقول الخيار لكل واحد علي نحو العموم الاستغراقي أما علي الاول فالامر كما افاده فان الخيار يسقط باسقاط واحد كما انه ينحل العقد بفسخه اذ المفروض ان الخيار تعلق بالجامع و المفروض ان الجامع تصدي للاسقاط أو الفسخ و لكن هذا القول لا دليل عليه.

و أما علي الثاني فيلزم ان يشترك كلاهما في الاسقاط أو الفسخ اذ المفروض ان الموضوع عبارة عن المجموع من حيث المجموع و هذا القول أيضا لا دليل عليه و اما علي الثالث فكما قلنا ينحل الخيار و لكل واحد منهما يثبت فلا وجه لسقوط خيار احدهما

باسقاط الاخر و الحق هو القول الثالث فلاحظ.

«قوله قدس سره: لاشخاص كثيرة من طرف واحد»

الخ كيف يتصور الخيار لاشخاص كثيرة من طرف واحد فان ما يمكن تعقله ثبوته للموكل و الوكيل و لا مقتضي لا زيد منهما اللهم الا ان يقال ان الموكل اذا باع داره يثبت الخيار له و لوكيله أو اذا باع احد الوكلاء يثبت الخيار للمالك و لجميع الوكلاء و هل يمكن الالتزام به؟

و هل يكون مقتضا لهذه المقالة؟

«قوله قدس سره: فيكفي بقاء اصيل مع وكيل آخر في مجلس العقد»

الامر كما أفاده فان ما فرضه يكفي لبقاء الخيار و لكن قد ذكرنا انه لا مدخلية لمجلس العقد بل يكفي لثبوت الخيار و بقائه اجتماع المالكين في مجلس آخر حين العقد.

بل لنا ان نقول انه علي القول بثبوت الخيار للوكيل و الموكل يكفي لبقاء الخيار بقاء الاجتماع بين اصيل مع وكيل آخر علي نحو الاطلاق و لو بحضور الاصيل في مجلس العقد بقاء مع عدم حضوره حدوثا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 299

و أيضا يكفي لبقاء الخيار حضور وكيل احدهما بقاء في مجلس الموكلين بان يفرض اجتماع موكلين في مجلس غير مجلس العقد و حضور احد الوكيلين في ذلك المجلس و بقائه مع احد الاصيلين.

و هذا احد الفروع التي تعرض الماتن لبعض صوره فيكون فرعا سادسا للفرع المشار إليها في المتن.

الفرع السابع: انه هل يثبت الخيار للوكيل في مجرد البيع فقط

البرزخ بين القسم الأول و الثاني؟ الماتن انكر ثبوته له و لكن علي ما ذكرنا يثبت له الخيار بل ثبوته له اولي من ثبوته للقسم الثاني كما هو ظاهر و قد ذكرنا ما هو الحق حول الفرع المذكور سابقا أيضا.

الفرع الثامن: انه هل يكون للموكل علي تقدير اختصاص الخيار به تفويض الامر الي الوكيل بحيث يصير ذا حق أم لا؟

الظاهر كما اشار إليه الماتن انه لا يكون للموكل التفويض بهذا النحو اذ لا دليل عليه و مقتضي الاصل الاولي عدمه نعم له ان يوكله في اثبات العقد كما ان له ان يوكله في الفسخ و أيضا له تفويض كلا الامرين إليه.

الفرع التاسع: انه هل يثبت الخيار للفضوليين أم لا؟

قد تقدم منا تحقيق هذه الجهة و بينا ما هو الحق فلا وجه للاعادة و راجع ما ذكرناه و بيناه و لا فرق بين كون الاجازة نافلة أو كاشفة اذ الكشف علي القول به يرجع الي النقل نعم علي القول بالكشف الحقيقي الباطل يثبت الخيار للفضولي اذ المفروض صدق عنوان البيع عليه.

و من ناحية اخري فرض تحقق الملكية من زمان العقد و من ناحية ثالثة الخيار حكم العقد الصحيح و قد فرض كونه صحيحا فلا بد من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 300

التفصيل الذي ذكرنا.

الفرع العاشر: انه هل يثبت الخيار في الصرف و السلم قبل القبض أم لا؟

الحق ثبوته اذ المفروض ان العقد صحيح شرعا فيكون قابلا للبقاء و الانهدام بالفسخ فيكون قابلا لعروض الخيار و حصول الملكية و عدمه لا دخل له في الخيار بل الميزان في امكان تعلق الخيار تحقق العقد الصحيح الشرعي و المفروض تحققه.

لكن الانصاف يقتضي عدم الخيار و عدم ترتبه الاعلي العقد الصحيح و المفروض ان البيع قبل القبض لا يكون صحيحا شرعا و غير تام و ان شئت قلت الفسخ و الحل فرع تحقق الانعقاد و المفروض انه لم يتحقق العقد في و عاد الشرع.

«قوله قدس سره: فحوي ما تقدم من عدم ثبوته للوكيلين الغير المستقلين»

لا وجه للفحوي و الاولوية فان عدم ثبوته للوكيل في مجرد اجراء الصيغة لاجل انصراف دليل الخيار مثلا فاذا كان الدليل منصرفا عن الفضولي أيضا يكون المناط واحدا بدون الاولوية و ان لم يكن منصرفا عنه فالامر اوضح فعدم ثبوته للفضولي لما ذكرنا من ان الخيار حكم للعقد الصحيح شرعا و عقد الفضولي غير صحيح.

الفرع الحادي عشر انه علي القول بالنقل هل يكون دخل لمجلس الاجازة أم لا؟

الحق هو الثاني فان مجلس الاجازة لا موضوعية له اذ الاجازة لا تكون بيعا و لا عقدا فلا يكون موضوعا للخيار فلا يكون مجال للبحث المذكور.

الفرع الثاني عشر ان الفضولي قبل الاجازة لو رد و فسخ و رفع اليد عن التزامه فهل يكون قابلا للاجازة بعده أم لا؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 301

الظاهر هو الثاني اذ الفسخ يهدم العقد و مع الانهدام لا مجال لاجازته من قبل المالك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

الظاهر انه يشير بالامر بالتأمل الي ان الاجازة لا ترتبط باسقاط الخيار بل الاجازة موجبة لاثبات العقد و الاذعان به و الا يلزم الدور اذ اسقاط الخيار يتوقف علي وجوده و الحال ان وجوده يتوقف علي الصحة التي تتوقف علي الاجازة.

«قوله قدس سره: فلو تبايع غاصبان ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الاجازة بخلاف ما لورد الموجب منهما قبل قبول الاخر لاختلال صورة المعاقدة و اللّه العالم»

كيف يكون العقد قابلا للحوق الاجازة مع انهدامه بالتفاسخ و بعبارة واضحة بعد ما تبايع الغاصبان ثم تفاسخا قبل الاجازة من المالك نسأل ان العقد الصادر منهما هل يكون باقيا أم لا؟ اما علي الاول فكيف يكون باقيا مع ان الفسخ عبارة عن حل العقد و هل يمكن اجتماع بقاء العقد بحاله مع فرض انحلاله بالفسخ و الحال ان مرجعه الي اجتماع الضدين و اما علي الثاني فلا موضوع لان يجاز من قبل المالك.

[مسألة لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره هل له الخيار أم لا]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره»

وقع الكلام في انه لو كان العاقد واحدا و متصديا للايجاب و القبول هل يثبت له خيار المجلس أم لا؟ و

ما يمكن ان يذكر في تقريب العدم وجوه.
اشارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 302

الوجه الأول: ان الخيار ثابت في الدليل لعنوان بيعين و متبايعين

و بعبارة اخري ثبت لصيغة التثنية و المفرد لا يكون مثني فلا يتحقق الخيار فيما لا يتحقق عنوان المثني.

و الجواب عن التقريب المذكور ان المستفاد من دليل الخيار ثبوته للبائع و للمشتري و المفروض ان العاقد في مفروض الكلام معنون بكلا العنوانين.

و بعبارة واضحة لا موضوعية لعنوان المثني بل الموضوع عبارة عن البائع و المشتري و المفروض ان كلا العنوانين منطبقان علي الوجود الواحد و مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الصورتين اضف الي ذلك انا نسلم ان المستفاد من الدليل كون الموضوع متعددا.

لكن نقول المستفاد من دليل الخيار تعدد العنوان و المفروض تعدده و بعبارة اخري الميزان و المناط هو العنوان و لا خصوصية للشخص.

و ببيان اوضح: ان غاية ما يمكن ان يقال في تقريب المدعي ان عنوان المثني دخيل في ترتب الحكم لكن نقول هل يكفي تحقق عنوان المثني و لو بتعدد العنوان و وحدة المصداق أم يلزم تعدد المصداق أيضا؟ فانه لا دليل علي تعدد المصداق بل الدخيل تعدد العنوان و هو حاصل في محل البحث فلاحظ.

الوجه الثاني انه لا يمكن جعل غاية الحكم امرا مستحيلا

كما لو قال المولي الشي ء الفلاني نجس حتي يتحقق الدور و عليه لا يمكن جعل الخيار الي زمان الافتراق الذي لا يمكن تحققه في الخارج.

و يرد عليه أولا بالنقض بمورد يكون البائع و المشتري متلاصقين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 303

و غير قابلين للافتراق فهل يمكن القول بعدم الخيار لعدم امكان الافتراق؟

و ثانيا بالحل و هو ان المدعي علي فرض تسلمه انما يكون كذلك فيما لا يكون للموضوع مصداقان احدهما قابل لتحقق الغاية فيه و اما اذا كان الحكم ثابتا للجامع بين فردين احدهما غير قابل لتحقق الغاية فيه و الاخر قابل كما في

المقام فلا محذور و من الظاهران المتعاملين لا يكونان منحصرين في فردين لا يمكن افتراقهما.

و ثالثا انه يرد عليه انه لا مانع من جعل المحال غاية للحكم فانه عبارة اخري عن الدوام و عدم زوال الحكم.

الوجه الثالث: الظهور العرفي

فان الظهور العرفي يحكم بان الشارع الاقدس اثبت الخيار لمتعاقدين متعددين.

و الظاهر ان الوجه المذكور لا بأس به و لو سلمنا عدم الجزم فلا اقل من الشك في تحقق الاطلاق و صدق موضوع الخيار علي الواحد فلاحظ.

الوجه الرابع: احتمال كون الخيار مشروطا بكون ذي الخيار معنونا باحد العنوانين من البائع و المشتري

و اما من يكون معنونا بكلا العناوين فلا يكون الخيار له.

و فيه ان مجرد الاحتمال لا يكون مانعا عن الاطلاق و الا لانسد باب الاخذ بالإطلاق و هو كما تري.

الوجه الخامس: ان الافتراق غاية الحكم فلا بد من التعدد

و ببيان واضح ان الافتراق يستلزم التعدد و الاجتماع و اجاب الشيخ قدس سره عن الوجه المذكور بان كون الغاية الافتراق المستلزم للتعدد مبني

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 304

علي الغالب و فيه انه خلاف الظاهر.

فالحق في الجواب أن يقال ان التعدد محفوظ في المقام فان المفروض ان البائع و المشتري عنوانان و كلاهما موجودان لكن العنوانين متصادقان علي فرد واحد و لا دليل علي لزوم كون المصداق متعددا فانه خلاف الاطلاق.

و بعبارة اخري نسلم ان الافتراق يستلزم التعدد و الاجتماع لكن نقول التعدد مفروض في المقام فان البائع و المشتري عنوانان مجتمعان في شخص واحد.

«قوله قدس سره: فالظاهر بقائه الي ان يسقط باحد المسقطات غير التفرق»

هذا من القضايا التي قياساتها معها فان المفروض انه لا يعقل الافتراق فلا يعقل ما يكون مترتبا عليه فسقوط الخيار بغيره فلاحظ.

[مسألة قد يستثني بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار]
[منها من ينعتق علي احد المتبايعين]
اشارة

«قوله قدس سره: منها من ينعتق علي احد المتبايعين»

قد اشار الماتن في هذه المسألة الي عدة امور.

الأمر الأول: انه اذا كان المبيع من ينعتق علي المشتري فهل يتحقق خيار المجلس أم لا؟

و نقل عن المشهور عدم الخيار و الكلام علي مسلك من يري تحقق الملك بمجرد العقد و أما لو قلنا بتوقف الملك علي مضي زمان الخيار فلا اشكال في ثبوت الخيار.

اذا عرفت مركز البحث فاعلم ان الحق ثبوت الخيار اذ الخيار يتعلق بالعقد فلا منافاة بين انعتاق المبيع و عدم بقائه علي المملوكية و بين ثبوت الخيار فان الخيار ملك فسخ العقد غاية ما في الباب انه لو انعدم المبيع بالانعتاق القهري تصل النوبة الي البدل و لذا نري

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 305

انه لو تلف المبيع أو الثمن بالتلف السماوي في البيع الخياري يكون الخيار باقيا عند القوم و ان ذا الخيار اذا فسخ العقد تصل النوبة الي اخذ البدل من المثل أو القيمة.

الأمر الثاني ان الفسخ الصادر عن ذي الخيار من الحين لا من الاصل

و بعبارة واضحة ان الخيار ملك فسخ العقد و رفعه من حين اعمال الخيار و لا يرتفع بالفسخ اصل العقد فلا حق لذي الخيار بعد الفسخ بالنسبة الي نفس العين الا مع بقائها.

و أما علي تقدير عدم البقاء كما هو المفروض في المقام حيث ان ملكية العمودين توجب الانعتاق فلا يبقي مجال لعود الملك الي مالك الاول بل تصل النوبة الي البدل كما تقدم.

الأمر الثالث انه ربما يقال ان الخيار ثابت للبائع دون المشتري

و هذا التفصيل غير تام و لا وجه له فان مقتضي القاعدة الاولية عدم الفرق بينهما و دليل خيار المجلس يقتضي ثبوت الخيار لهما و لا ترجيح للبائع علي المشتري.

و قد ذكر لعدم ثبوت الخيار للمشتري وجهان: احدهما ان المشتري وطن نفسه علي الغبن فانه بعد علمه بانعتاق المبيع عليه وطن نفسه علي الغبن و الصبر فلا خيار له.

ثانيهما انه سيجي ء ان اتلاف العين بل التصرف فيها يسقط الخيار فاذا كان الاتلاف رافعا للخيار الثابت فهو دافع له بالاولوية و في كلا الوجهين اشكال.

أما الوجه الأول فيرد عليه انه يمكن ان لا يكون المشتري عالما بالحكم كي يقال بانه وطن نفسه علي الغبن و مع الجهل لا مجال للبيان المذكور مضافا الي انه لا اساس للتقريب المشار إليه فان هذا الاقدام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 306

لا يرتبط بالتوطين و رفع اليد عن الخيار فانه حكم شرعي من قبل الشارع.

اضف الي ذلك كله ان خيار المجلس تابع لدليله و لا يرتبط بتوطين المشتري أو البائع و مقتضي اطلاق دليل الخيار ثبوته كما تقدم و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه لمنع البائع عن الخيار بالتقريب المذكور في ناحية المشتري فلا نعيد الكلام.

و أما الوجه الثاني فيرد عليه ان سقوط

الخيار بالتصرف و لو كان اتلافا اوّل الكلام و الاشكال مضافا الي ان القول بالسقوط بسبب التصرف أو الاتلاف لا يرتبط بالمقام فان البائع أو المشتري لا يقصد بالبيع أو الشراء اتلاف العين كي يتم التقريب المذكور بل يقصدان البيع و انما التلف بحكم الشارع كما ان المتعاقدين لا يقصدان بالعقد ايجاد الخيار بل يقصدان البيع و انما يترتب الخيار في مورده بحكم الشارع.

و بما ذكرنا ظهر انه لا وجه لسقوط الخيار و عدمه بالنسبة الي المشتري و البائع كما انه لا وجه للتفصيل بين البائع و المشتري بالالتزام بثبوت الخيار للبائع و عدمه للمشتري و اما تغليب جانب العتق كما نقل عن التذكرة فانما يكون وجها لعدم رد العين بل يحكم بانعتاقها و اما كونه مانعا عن الخيار فلا وجه له فلاحظ.

الأمر الرابع: ان ملكية العمودين بالاشتراء تقديرية أو تحقيقية

ربما يقال انها تقديرية اذ لا يمكن ان يتملك الانسان احد عموديه فلا بد من الالتزام بالملك التقديري.

و الحق أن يقال: ان القاعدة الاولية تقتضي بطلان العقد لان البيع عبارة عن تمليك العين لا مجانا و حيث انه لا يمكن الالتزام بالملكية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 307

يلزم البطلان لكن الاجماع قائم علي صحة العقد فلا بد من الالتزام بتحقق الملكية آنا ما و الانعتاق بعدها فان مقتضي الجمع بين الاجماع علي صحة العقد من ناحية و التسالم علي عدم امكان تملك العمودين من ناحية اخري ما ذكرناه.

الأمر الخامس: انه قدس سره تعرض لكلام صاحب المقابيس

و هو فصل في ثبوت الخيار للبائع اذا كان المبيع من ينعتق علي المشتري بان قال تارة نقول الخيار و الانعتاق كلاهما يتحققان بالبيع و اخري نقول بان كليهما يتحققان بالملك و ثالثة نقول الخيار يثبت بالعقد و الانعتاق يحصل بالملك و رابعة نقول الانعتاق يتحقق بالعقد و الخيار يحصل بالملك.

فان قلنا بالاول أو الثاني أو الرابع يلزم ان نقول بعدم الخيار اذ علي الاول و الثاني يتحقق التعارض بين دليلي الخيار و الانعتاق و حيث ان دليل الانعتاق أنص من دليل الخيار يؤخذ به و يطرح الدليل الاخر و كون القيمة بدل العين فلا مجال لتملك البائع اياها اذ البدلية تتوقف علي تملك المبدل و المفروض ان المبدل لا يصير مملوكا له.

و أما علي الرابع فلسبق تعلق حق الانعتاق علي حق الخيار فهو يتحقق لتقدمه دون ما يكون متأخرا و أما علي القول الثالث فنلتزم بالخيار حيث فرض انه اسبق من العتق.

و بعد ما حكم كذلك و فصل بهذا التفصيل رجع عما أفاده و قال يحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين و دفعا للمنافاة

عن البين و عملا بالنصين و بالاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين و تنزيلا للفسخ منزلة الارش مع ظهور العيب في احدهما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 308

و للعتق بمنزلة التلف أي تلف العين و لانهم حكموا بجواز الفسخ و الرجوع الي القيمة فيما اذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق علي المشتري أو تعيب بما يوجب ذلك و الظاهر عدم الفرق بينه و بين المقام.

ثم قال و حيث كان المختار في الخيار تحققه بمجرد العقد و في العتق انه بعد الملك و المستفاد من الادلة ان الخيار بالنسبة الي العقد كالمعلول بالنسبة الي علته كما ان الانعتاق بالنسبة الي الملك كذلك يكون الاقرب الالتزام بالخيار ان لم يكن اجماع علي خلافه.

و فيما افاده مواقع للنظر الموقع الاول: انه قدم دليل العتق علي دليل الخيار بتقريب ان دليل العتق أنص و الحال ان مجرد الأنصية لا يكون وجها للتقديم بل تقديم احد المتعارضين علي الاخر يتوقف علي كون المقدم قرينة علي معارضه.

الموقع الثاني انه استدل علي عدم تملك البائع قيمة العبد بان العبد لا يصير ملكا له و الحال انه يرد عليه ان المفروض ان العبد كان مملوكا للبائع و قد جعله في مقابل الثمن و بعد الفسخ و انتقال الثمن الي المشتري لا بدّ من اخذه القيمة للعبد اذ لا يمكن رجوع العين الي ملكه و اشتراط امكان التملك و فرض رجوع التالف الي ملك البائع لا دليل عليه بل يكفي انه لو فرض بقاء العين صارت مملوكة له و هذا المقدار قابل لان يلتزم به.

الموقع الثالث: انه قدس سره قاس التقدم الرتبي علي التقدم الزماني و تصور

انه كما يرتفع التعارض و التنافي بالاختلاف الزماني كذلك يرتفع بالاختلاف الرتبي و الحال انه لا اثر للاختلاف الرتبي في رفع التعاند فان قوام التعاند بالاتحاد الزماني و هذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 309

الملاك موجود في الاختلاف الرتبي.

الموقع الرابع ما افاده من الاجماع علي عدم امكان زوال يد البائع عن العوضين و الحال انه علي القول بالخيار لا يقتضي زوال يد البائع عنهما اذ ما دام لم يتحقق الفسخ تكون يده علي الثمن و بعد تحقق الفسخ يتملك قيمة العين أي العبد فلا محذور.

الموقع الخامس: ما افاده بقوله و تنزيلا للفسخ منزلة الارش و الحال انه أي ارتباط بين الامرين

الأمر السادس ان الشيخ قدس سره جعل كلام صاحب المقابيس مورد النظر و بين ما هو الحق عنده

و قال تارة نقول يلزم في مورد الفسخ خروج العين من ملك من انتقل إليه و دخوله في ملك من انتقل عنه و اخري نقول الفسخ لا يقتضي الا رد العين ان كانت موجودة ورد بدلها ان كانت تالفة تكوينا أو تشريعا.

فان قلنا بالاول لا يمكن الالتزام بالخيار في المقام اذ العبد بعد انعتاقه غير قابل لصيرورته رقا فلا يمكن الالتزام بالخيار و لو علي القول بكون الخيار مترتبا علي العقد و الانعتاق علي الملكية.

و أما ان قلنا بالقول الثاني يمكن الالتزام بالخيار و لذا التزموا بالخيار في اشباه المقام و نظائره و مقتضي عموم دليل الخيار ثبوته في المقام.

أقول الحق ان يقال: كما في كلام الماتن ان الفسخ لا يقتضي رد العين الي مالكها الاول فان كانت العين موجودة ترد الي مالكها الاول و ان كانت تالفة تصل النوبة الي البدل بمقتضي السيرة العقلائية.

و لذا نقول لو تلفت العين بآفة سماوية أو ارضية و انفسخ العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 3، ص: 310

بعد تلف العين يكون مقتضي السيرة العقلائية الارتكازية تبدل العين ببدلها فلا يبقي اشكال في المقام و لا ملزم للملك التقديري اي الفرضي بل لو قلنا بلزوم الملك التقديري اي الفرضي نلتزم به في المقام أيضا بلا وجه للتفصيل ففي مورد البحث نفرض ان العبد كان في يد المشتري و انفسخ العقد و نفرض ان العبد بعد الفسخ صار مملوكا للبائع و تلف حالكونه مملوكا له فلا وجه للتفريق بين المقام و بقية الموارد.

الأمر السابع انه أفاد الشيخ قدس سره بان المتبايعين اذا كانا عالمين بالحكم الشرعي

و ان البيع يوجب انعتاق العبد لعدم جواز تملك العمودين و مع ذلك اقدما علي البيع و الشراء لا يتحقق الخيار اذ الخيار حق يتعلق بالعين ما دام تكون موجودة و ببدلها اذا كانت معدومة فعقدهما مع علمهما عبارة عن اعدامهما العين فيكون كتفويت نفس الخيار كما لو اشترطا سقوطه. و قد قال بعضهم ان اتلاف البائع العين اسقاط للخيار و حيث ان بيعه لمن ينعتق اعدام للعين يكون موجبا لسقوط الخيار بالاولوية فان الدفع اهون من الرفع.

و يرد عليه أولا ان الخيار حق متعلق بالعقد لا بالعين و ثانيا ان العتق فعل الشارع لا فعل المتعاقدين.

و ثالثا انه لا وجه لكون اتلاف البائع العين موجبا لسقوط الخيار ما دام لا يقصد به الاسقاط و علي فرض القول به لا وجه للالتزام به في المقام لعدم الجامع بين الموردين فان الانعتاق بفعل الشارع لا بفعل البائع و لعل أمره بالتأمل في آخر المسألة اشارة الي بعض ما ذكرنا أو الي كله و اللّه العالم كما ان امره بالتأمل قبل اسطر يمكن ان يكون اشارة الي بعض ما تقدم منا من المناقشة فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص:

311

فرع لطيف و هو انه لو كان احد عمودي شخص مملوكا لشخص آخر يمكن للولد أن يتوسل الي وسيلة ينجي اباه أو أمه عن الرقية بلا توجه خسارة مالية إليه و هو ان يشتري اباه أو أمه بثمن و مبلغ بلغ ما بلغ فان البائع اذا لم يكن عالما بالمسألة أو كان غافلا و باع العبد أو الامة و كان المبيع عند البائع ينفسخ العقد فان كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فالنتيجة ان المملوك ينعتق و لا شي ء علي الولد و لا خسارة عليه.

[و منها العبد المسلم المشتري من الكافر]

«قوله قدس سره: و منها العبد المسلم المشتري من الكافر»

ما يمكن أن يقال في وجه عدم الخيار في المقام ان مقتضي قوله تعالي «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» «1» عدم امكان تملك الكافر للمسلم و حيث ان الفسخ يوجب انحلال العقد و رجوع كل من العوضين الي مالكه الاول لا يتحقق الخيار اذ لا يمكن شرعا رجوع العبد المسلم الي ملك الكافر فلا خيار.

و فيه أولا: انه لا دليل علي كون التملك سبيلا و مقصودا من الآية بل الظاهر منها بملاحظة ما قبلها ان المراد بها طريق الغلبة و سبيل الظفر في الآخرة في مقام المحاجة و لذا نري انه عبر في الآية بقوله تعالي «و لن» فان النفي ناظر الي المستقبل أي لا يجعل اللّه في الآخرة للكافر سبيلا علي المؤمن.

و أما الحكم الشرعي الّذي حقق في ظرفه من قبل و في عالم التشريع في دار الدنيا فغير مربوط بمفاد الآية ظاهرا و لا يصار إليه و الا كان اللازم عدم جواز استيجار الكافر للمؤمن لخدمته و هل

______________________________

(1) النساء، الآية 141.

عمدة المطالب في

التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 312

يمكن الالتزام به؟

و ثانيا انا نفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم و لازمه عدم رجوع العبد الي ملك الكافر لكن نقول لا يكون هذا مانعا عن الخيار و اعماله اذ غايته كونه كالتالف فتصل النوبة الي اخذ البدل و لا يلزم رجوعه الي ملك البائع كي يرد الاعتراض المذكور و ثالثا انه اذا كان مفاد الآية كما توهم فكيف يمكن التفصيل بين التملك الاختياري و غير الاختياري و هل يمكن الالتزام بالتفصيل في نفي السبيل المستفاد من الآية حسب توهم المتوهم؟

أو ان الحكم المذكور علي الفرض من الاحكام غير القابلة للتخصيص و بعبارة اخري هل يمكن أن يقال: ان اللّه لن يجعل الكافر مسلطا علي المؤمن لان المؤمن عزيز عنده لكن في بعض الاحيان يسلطه عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: من ان البيع بالنسبة الي الكافر استنقاذ»

يرد علي ما افيد أولا ان الامر بالعكس فان الكافر معتقد للملكية فهو يقصد البيع و المشتري يقصد الاستنقاذ.

و ثانيا ان الكلام علي فرض تماميته انما يكون في التملك الابتدائي الاختياري كما عنون في عنوان المسألة في كلام الماتن و عليه لا وجه لكونه استنقاذا و لا يكون بيعا و استنقاذا بل بيع و شراء حقيقة.

و ثالثا انه لا مجال للتفكيك فان البيع قائم بالطرفين فتحققه و صدقه من طرف و عدمه من الطرف الاخر جمع بين المتنافيين.

و رابعا ان ما افيد لا يرجع الي محصل اذ لو كان استنقاذا لعدم الملكية فما فائدة الخيار و أي اثر يترتب عليه فان المفروض عدم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 313

كون العبد ملكا للكافر.

«قوله قدس سره: ليس سبيلا للكافر علي المسلم»

ما هو المراد من التقدير

فان كان المراد منه مجرد الفرض و التصور فلا اثر له اذ الاحكام الشرعية مترتبة علي الموضوعات الواقعية لا علي الفروض و التصورات و ان كان المراد الملكية حقيقة فينهدم اصل الدعوي اذ حكم الامثال واحد و لا وجه للتفصيل.

و بعبارة واضحة ان كانت الملكية سبيلا فلا يمكن تحققها كما توهم و ان لم تكن فلا فرق بين افرادها فالحق ما ذكرنا و هو الالتزام بصحة البيع و ترتب الخيار و رجوع العين الي مالكها الاول نعم إذا تم الدليل علي وجوب الزام الكافر ببيع عبده المسلم نلتزم به.

[و منها شراء العبد نفسه]

«قوله قدس سره: و منها شراء العبد نفسه»

اذا قلنا بجواز شراء نفسه كما هو المفروض فلا وجه لعدم الخيار و أي فرق بين المقام و الفرع السابق و هو بيع من ينعتق علي المشتري فان العين غير قابلة للبقاء مملوكة كما تقدم و لكن لا تنافي بينه و بين الخيار اذ الخيار من احكام العقد و غير مترتب علي العين.

و بعبارة واضحة: لا تعاند بين الخيار المتعلق بالعقد و تلف العين و لذا لا مجال لقوله قدس سره لانه لا يسقط اذا ثبت قبله فانا ندعي انه ثابت قبله و لا مقتضي لسقوطه بتلف العين و لعله اشار الي ما ذكرنا بامره بالتأمل.

[مسألة لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوي البيع عند علمائنا]

«قوله قدس سره: لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود»

هذا من الواضحات الاولية فان كل حكم مترتب في دليل علي موضوع فلاني لا يترتب علي غيره لعدم المقتضي و هذا مما لا ريب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 314

فيه و صفوة القول انه لا مجال لجريان خيار المجلس في غير البيع من العقود بلا فرق بين الجائزة منها و لازمها اما القسم الأول فمضافا الي عدم مقتضي الجريان بعد اختصاص موضوعه انه لا مجال للخيار في العقد الجائز و لا يترتب عليه اثر.

و أما القسم الثاني فيتصور الخيار فيه لكن لا مقتضي للالتزام به بعد خروج موضوعه و عدم شمول موضوع الخيار له و هذا ظاهر واضح.

و أما لو اشترط عقد في ضمن البيع علي نحو شرط النتيجة كما لو باع زيد داره من بكر و يشترط فيه كون المشتري وكيلا في بيع كتابه فهل ينفسخ العقد المشروط بفسخ عقد البيع أم لا؟

الحق هو الثاني أما لو كان المشروط

بنحو شرط النتيجة عقدا لازما فلا مقتضي لانفساخه اذ المفروض تحققه و من ناحية اخري فرض لزومه فلا وجه لانفساخه بفسخ عقد البيع.

و أما لو كان جائزا فالكلام فيه هو الكلام لانه و لو فرض كونه جائزا في حد نفسه و قابلا للفسخ لكن المفروض اشتراطه في ضمن العقد و لا وجه لانفساخه بانفساخه فان الشرط في ضمن العقد اللازم لازم و لا ينفسخ بانفساخ العقد بل لنا ان نقول الشرط في ضمن العقد الجائز لازم اذ مقتضي قوله عليه السلام المسلمون أو المؤمنون عند شروطهم لزوم المشروط.

[مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسئلة مبدأ هذا الخيار من حين العقد»

فان الظاهر من قوله عليه السلام «البيعان بالخيار ما لم يفترقا» تحقق الخيار من اوّل زمان العقد و تماميته و يمكن تقريب المدعي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 315

بان الخيار يتصور فيما يكون العقد في حد نفسه لازما اذ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد فلو فرض عدم تحققه لم يكن موضوع الخيار تاما.

و بعبارة واضحة: الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد فما دام لم يتحقق العقد في الخارج و لم يتم في نظر الشارع لا مجال لفسخه و رفعه فان الرفع فرع الوضع و المفروض انه لم يوضع و حيث ان بيع الصرف و السلم يتوقف علي القبض في المجلس وقع الكلام بين القوم في انه هل يجري خيار المجلس فيهما قبل القبض أم لا؟ و حيث ان التقابض اذا كان واجبا في المجلس تكليفا يمكن القول بالخيار بان نقول علي القول بالخيار لا يجب فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأول انه هل يجب التقابض أم لا؟
اشارة

و

ما يمكن أن يذكر في تقريب الوجوب وجوه:
الوجه الأول: انه قد دل النص علي النهي عن المفارقة حتي يحصل التقابض

لاحظ ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا اشتريت ذهبا بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتي تأخذ منه و ان نزا حائطا فانز معه «1» فان الحديث يدل علي وجوب التقابض.

و يرد عليه ان المستفاد من الحديث الوجوب الوضعي الشرطي لا الوجوب التكليفي و بعبارة اخري لا يستفاد من الرواية الا الاشتراط.

الوجه الثاني: انه مع عدم حصول التقابض يلزم الربا

فيجب التقابض و يرد عليه أولا: انه علي القول به يختص بما يكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب الصرف الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 316

كلاهما من جنس واحد كبيع الذهب بالذهب و اما بيع الذهب بالفضة فلا يجري فيه.

و ثانيا ان الاشكال علي فرض تماميته يختص بما اقبض احدهما دون الاخر و ثالثا ان الربا علي تقدير لزومه يختص بما يشترط فيه التأخير.

و رابعا ان هذا الاشكال علي فرض تماميته يختص ببيع الصرف و اما في السلم فلا يجري.

و خامسا ان العقد الربوي باطل وضعا و الكلام في الوجوب التكليفي.

و سادسا انه لو تحقق الافتراق قبل القبض يكون العقد كالعدم فاين يتحقق الربا.

الوجه الثالث: ان الاقباض شرط ارتكازي بين الطرفين

فيجب بمقتضي وجوب الوفاء بالشرط و فيه ان الدليل اخص من المدعي اذ الواجب علي كل واحد منهما الاقباض عند اقباض الاخر لا مطلقا.

الوجه الرابع: ان المستفاد من دليل وجوب الوفاء وجوب الاقباض.

و فيه أولا انا ذكرنا مرارا ان دليل وجوب الوفاء ناظر الي الحكم الوضعي و لا تعرض فيه للحكم التكليفي فلا موضوع للاستدلال المذكور.

و ثانيا ان وجوب الوفاء علي القول به يختص بالعقد الصحيح التام و المفروض ان العقد قبل القبض و الاقباض غير تام فغير صحيح فانقدح انه لا دليل علي وجوب الاقباض.

و اما

المقام الثاني: و هو انه علي القول بوجوب الاقباض هل يترتب عليه الخيار أم لا؟

فنقول الظاهر انه لا مقتضي للخيار حتي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 317

علي القول بوجوب الاقباض لان الخيار في مقابل اللزوم اي في مقابل وجوب الوفاء فما دام لا يكون العقد لازما بحسب الدليل لا مقتضي للخيار.

و بعبارة اخري: انما يتصور الخيار في مورد تصور اللزوم بعد تمامية العقد و المفروض ان العقد قبل التقابض في المجلس غير تام و غير صحيح فلا مجال لتوجه وجوب الوفاء به فلا موضوع للخيار.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين»

الخ بتقريب ان البيع انما يستند الي المالك من حين الاجازة فلا مجال للخيار للمالك الا بعد الاجازة بلا فرق بين الكشف و النقل هذا تقريب ما افاده.

و لكن قد مر منا ان عنوان البائع و البيع و العاقد ينطبق علي من يتصدي البيع بالاصالة أو بالوكالة أو بالولاية أو بالفضولية و علي هذا لا بدّ من أن يقال ان مجلس العقد لو كان باقيا الي زمان الاجازة و كان المتعاقدان حاضرين في المجلس يثبت الخيار لهما اي يثبت في مفروض الكلام للفضوليين دون غيرهما.

الا ان هذه الدعوي تقرع الاسماع فان قام دليل قطعي علي خلافه فهو و الا فلا مناص عن الالتزام به و هل يمكن القول بثبوت الخيار للاصيل اذا كان احدهما اصيلا

من زمان العقد؟ الظاهر انه لا وجه له اذ الخيار ملك فسخ العقد و المفروض انه لم يتحقق العقد في وعاء الشرع فلا موضوع لهذه الدعوي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 318

[القول في مسقطات الخيار]
اشارة

«قوله قدس سره:

مسألة لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد»

ما افاده من اشتراط سقوطه يتصور علي نحوين: النحو الاول ان يشترط في ضمن العقد اسقاطه اي بالشرط الضمني يسقط الخيار المترتب علي العقد و اورد فيه انه اسقاط لما لم يجب و هو غير جائز و ربما يجاب عن الاشكال المذكور بان دليل الخيار منصرف عن مورد الشرط اذ الخيار للارفاق و مع اشتراط عدمه لا مجال للارفاق.

و يرد عليه أولا انه لا وجه للانصراف و علي فرض تسلمه بدوي يزول بالتأمل.

و ثانيا ان البيان المذكور دوري اذ يتوقف صحة الاشتراط علي عدم شمول دليل الخيار فلو توقف عدم شمول دليل الخيار علي الشرط يلزم الدور.

و ببيان واضح: ان المدعي يدعي ان دليل الخيار لا يشمل المقام فلا يكون الشرط اسقاطا لما لم يجب اذ لا خيار فدليل الشرط يتوقف علي عدم شمول دليل الخيار كي لا يكون اسقاطا لما لم يجب و الحال ان عدم شمول دليل الخيار يتوقف علي الاشتراط و هذا دور.

فالجواب الصحيح أن يقال انه لا دليل علي بطلان اسقاط ما لم يجب الا التعليق و بطلان التعليق بالاجماع و حيث ان الاجماع دليل لبي لا يشمل المقام لعدم كونه ذا لسان فالحق جواز اشتراط الاسقاط في ضمن العقد لكن في المقام دقيقة و هي ان الخيار اما لا يتحقق باشتراط الاسقاط و اما يتحقق و يسقط.

أما علي الاول فلا يتصور الاسقاط اذ الاسقاط فرع الاثبات و السقوط فرع الثبوت فلا بد من ثبوته.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 319

و أما علي الثاني فيلزم انه لو فسخ العقد الوكيل المفوض للمشروط عليه في ذلك الآن فهل يؤثر الفسخ أم لا؟ اما علي الاول فيلزم ان

الشرط لم يؤثر في اسقاطه و أما علي الثاني فما الوجه في عدم تأثيره و مقتضي القاعدة عدم تأثير شي ء منهما اذ تأثير كليهما غير معقول و تأثير احدهما المعين ترجيح بلا مرجح و تأثير احدهما لا علي التعيين الذي يرجع الي التخيير أيضا لا دليل عليه فالنتيجة بعد التعارض بقاء الخيار بحاله.

و بعبارة واضحة: كل واحد من الاسقاط في ضمن العقد بالاشتراط و فسخ الوكيل في عرض واحد و موضوع كليهما متحقق في الخارج فيقع التعارض بينهما.

و نظير ذلك ما لو كان لزيد وكيلان مفوضان و باع داره من بكر و بعد البيع في آن واحد احد الوكيلين اسقط الخيار و في ذلك الزمان الوكيل الاخر فسخ العقد فهل يقدم الفاسخ أو المسقط أو يصح كلا الامرين أو لا هذا و لا ذاك و يبقي الخيار بحاله؟

الحق هو الاخير لعدم وجه لترجيح احد الطرفين علي الاخر و من ناحية اخري تأثير كليهما غير معقول فالنتيجة التعارض ثم التساقط و بقاء الخيار بحاله فلاحظ هذا تمام الكلام في النحو الاول.

و مع ذلك في النفس شي ء و هو انّه لا دليل علي جواز اسقاط ما لم يجب و مجرد عدم الدليل علي البطلان لا اثر له اذ يتوقف الحكم بالصحة علي الدليل بل مقتضي الاصل عدم تماميته فان الاستصحاب يقتضي عدم جوازه.

و اما النحو الثاني و هو اشتراط عدم الخيار فنقول قد اوردت فيه ايرادات الايراد الاول ان الشرط لا بدّ أن يكون فعلا مقدورا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 320

للمشروط عليه و الحال ان الخيار المجعول من قبل الشارع زمام امره بيده و لا سبيل للمكلف إليه.

و الجواب عن هذا الايراد أولا ان

الشرط اذا كان فعلا يجعل علي المكلف كالصلاة و الخياطة يلزم ان يكون مقدورا للمكلف و أما اذا علق العقد علي امر فلا يلزم ان يكون المعلق عليه فعلا مقدورا للمكلف و لذا وقع الكلام بين القوم في جواز التعليق و عدمه و لو لا الاجماع علي بطلانه لجاز تعليق كل عقد أو ايقاع علي امر غير مقدور كنزول المطر من السماء و قدوم زيد من السفر و طلوع الشمس و غروبها و هكذا.

و ثانيا انه يكفي للالتزام بالجواز ورود النص الخاص في المقام لاحظ ما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن رجل كان له اب مملوك و كانت لابيه امرأة مكاتبة قد ادّت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك ان اعينك في مكاتبتك حتي تؤدّي ما عليك بشرط ان لا يكون لك الخيار علي ابي اذا انت ملكت نفسك قالت: نعم فاعطاها في مكاتبتها علي ان لا يكون لها الخيار عليه بعد ذلك قال لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم «1».

فان مقتضي الحديث المذكور جواز اشتراط عدم الخيار.

الايراد الثاني ان اشتراط عدم الخيار ينافي مقتضي العقد فلا يجوز اشتراط عدمه.

و يرد عليه أولا ان الخيار لا يكون باقتضاء العقد بل الخيار حكم شرعي مترتب علي العقد في جملة من الموارد و لذا نري ان العقد بمقتضي دليل وجوب الوفاء لازم في حد نفسه و الخيار يحتاج الي

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب المكاتبة الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 321

الدليل.

و ثانيا انه يكفي لرفع الاشكال النص الخاص الوارد في باب الخيار.

الايراد الثالث ان الشرط يلزم ان يكون في ضمن العقد

اللازم كي يلزم و أما لو لم يكن العقد لازما فلا يكون الشرط لازما و الا يلزم كون الفرع زائدا علي الاصل.

و ان شئت قلت لزوم الشرط يتوقف علي لزوم العقد و الحال ان لزوم العقد يتوقف علي لزوم الشرط و هذا دور فباطل.

و يرد عليه أولا ان التقريب المذكور لو كان تاما لكان مخصوصا بالشروط الراجعة الي المكلف و الافعال الصادرة منه و الخيار في المقام بحكم الشارع كما ان عدمه كذلك الا ان يقال لا فرق في التقريب المذكور بين فعل الشارع و ما يصدر عن المكلف لوحدة الملاك و هو عدم زيادة الفرع علي الاصل.

و ثانيا ان اي دليل دل علي الاشتراط المذكور فان الشرط يتوقف علي تحقق الارتباط فانه متقوم به فاذا تحقق هذا العنوان يتحقق الشرط و يترتب عليه حكمه و لذا قلنا و نقول في محله إن شاء اللّه ان الشرط الواقع في ضمن العقد الفاسد تام و صحيح فلا يختص الشرط بما يكون في ضمن عقد صحيح.

و ثالثا انه يكفي للقول به ورود النص الخاص أي حديث سليمان ابن خالد فان الشرط وقع تلو العقد الجائز أي الهبة الايراد الرابع انه يقع التعارض بين دليل نفوذ الشرط و دليل ثبوت الخيار و النسبة بين الدليلين عموم من وجه اذ ربما يتحقق الشرط و لا يرتبط بالخيار كاشتراط الخياطة و ربما يتحقق الخيار و لم يشترط عدمه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 322

و ثالثة يجتمع الامران كما في المقام فيقع التعارض بين الدليلين فاذا قلنا في تعارض الاطلاقين يسقط كلا المتعارضين فتصل النوبة الي العموم أو الاطلاق الفوقاني ان كان و تكون النتيجة اللزوم لعموم قوله تعالي

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و ان قلنا بلزوم تقديم الدليل الاحداث يلزم تمييز الاحدث عن غيره و تقديمه.

و يرد عليه أولا ان كل مشروط قبل تعلق الشرط به محكوم بحكم في الشريعة المقدسة فان قلنا باختصاص دليل الشرط بما يكون موافقا مع حكم ذلك الموضوع تلزم اللغوية في دليل الشرط و ان قلنا بالعموم كما نقول لا يبقي للتقريب المذكور مجال كما هو ظاهر فيقدم دليل الشرط.

و ثانيا ان العرف لا يري معارضة بين الدليلين فان الادلة الدالة علي حكم بالعنوان الثانوي تقدم علي ادلة العناوين الاولية و لا تعارض بين الطرفين عرفا و لذا نري ان ادلة النذور و الايمان و العهود و اطاعة الوالدين و امثالها تقدم علي الادلة المعارضة لها بلا كلام و لا اشكال و المقام كذلك.

و ثالثا انه يكفي للالتزام به النص الخاص الوارد في المقام.

الايراد الخامس: انه قد حقق في محله انه يشترط في صحة الشرط عدم كونه مخالفا مع الشرع و المفروض ان الدليل قد دل علي الخيار فان مقتضي قوله صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار ثبوت خيار المجلس و لا يمكن رفع اليد عنه بدليل الشرط.

ان قلت: الامر كما افيد لكن نرفع اليد عن القاعدة في امثال المقام بحديث سليمان بن خالد حيث يستفاد منه جواز اشتراط عدم الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 323

قلت: هكذا يستفاد من الحديث المذكور لكن هل يمكن الاخذ بإطلاق ما ورد فيه فان استدلال الامام عليه السلام بعموم دليل الشرط يقتضي جريان الكبري الكلية في جميع الموارد و تكون النتيجة ان الشرط مشرع في الشريعة فانه يستفاد من الكلية انه لو اشترط احد علي احد عدم حرمة شرب الخمر

صار شرب الخمر جائزا نعوذ باللّه و نستعين به.

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال ان المستفاد من الحديث و ان كان كما افيد لكن لا يمكن الالتزام به فانه خلاف الضرورة الدينية فنقتصر فيه بالمقدار الذي يمكن الاخذ به و في الباقي نعمل علي طبق القواعد المقررة فلاحظ.

«قوله قدس سره: لانها مسوقة لبيان ثبوت الخيار باصل الشرع فلا ينافي سقوطه»

الظاهر ان الماتن في مقام نفي الاطلاق في دليل الخيار فلا تعارض و يرد عليه انه لا وجه لعدم الاطلاق بعد تمامية مقدماته فالحق ما ذكرنا من الاطلاق في دليل الخيار و تقديم دليل الشرط بالتقريب المتقدم ذكره آنفا.

«قوله قدس سره: الثاني ان يشترط عدم الفسخ»

الخ لا اشكال بحسب القواعد في صحة الشرط المذكور و تكون النتيجة حرمة الفسخ و هل يمكن القول بفساده كما ذكر في كلام الماتن الظاهر انه لا وجه له فان المستفاد من دليل الشرط لزومه و عدم مفارقة المشروط عليه عن الشرط فاذا كان متعلقه فعلا من الافعال يجب كما لو اشترط خياطة الثوب و ان كان تركا يحرم ذلك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 324

الفعل و في المقام يحرم الفسخ بمقتضي الاشتراط و اما عدم نفوذه فلا دليل عليه و وجوب الوفاء بالشرط ليس وجوبا تكليفيا بل وجوب وضعي أي لا ينحل بالفسخ كما ذكرنا نظيره في وجوب الوفاء بالعقد مضافا الي ان الوجوب التكليفي الراجع الي الحرمة التكليفية لا يستلزم الفساد الوضعي كما هو محقق في محله.

«قوله قدس سره: وجهان»

الخ بل المتعين تأثير الفسخ و لا دليل علي بطلانه و الكلام هنا هو الكلام نعم بفسخه يصير عاصيا اذ يجب عليه بمقتضي الشرط ان

يسقط الخيار و فسخه يناقض اسقاطه و علي الجملة يجب عليه الاسقاط بعد البيع و اذا لم يسقط و لم يفسخ يكون للطرف الاخر حق الفسخ بمقتضي تخلف الشرط كما هو المقرر عندهم.

«قوله قدس سره: ان تأثير الشرط انما هو مع ذكره في متن العقد»

الخ الحق ان يقال انه لو صدق في العرف تحقق الاشتراط و لو بمعونة القرينة بحيث يصدق عرفا انه باع داره مع الشرط الكذائي يكون الاشتراط صحيحا و يترتب عليه آثاره و اما ان لم يصدق عنوان الاشتراط فغير صحيح فان كل حكم تابع لموضوعه و المفروض انه لا يصدق الموضوع فلا يترتب عليه الحكم.

و ان شئت قلت تارة يكون الشرط غير المذكور من الشرائط العامة المرتكزة عند العقلاء بحيث يكون المقدر عندهم كالمذكور و اخري يكون امرا شخصيا و علي الثاني قد يشيران به في ضمن العقد و قد يغفلان عن الشرط الذي تكلما حوله قبل العقد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 325

أما القسم الأول فلا اشكال في صحته و أما القسم الثاني فالظاهر صحته اذ المفروض انهما يشيران إليه فيكون كالمذكور في العقد و أما القسم الثالث فلا يكون صحيحا اذ المفروض انه غير مذكور لا بالصراحة و لا بالاشارة و لا بالارتكاز

«قوله قدس سره: لم يصح البيع»

الخ الظاهر انه لا وجه لما افيد فان النذر معلق علي البيع فالعمل بالنذر و الوفاء به انما يجب في ظرف البيع و بعبارة اخري البيع شرط لوجوب العتق فالوجوب وجوب مشروط فما دام لم يتحقق البيع لا يتحقق الوجوب و بعد تحقق الوجوب لا يمكن العمل بالنذر الا اذا فرض امكان اشترائه من المشتري أو استملاكه بنحو آخر فيجب

من باب مقدمة الواجب.

و أما اسقاطه للخيار فلا مانع لان الوجوب بعد لم يتحقق مضافا الي ان الوجوب التكليفي لا يقتضي الفساد الوضعي فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة و من المسقطات، إسقاط هذا الخيار بعد العقد»
اشارة

الخ

ما يمكن ان يذكر في تقريب جواز اسقاط الخيار بعد العقد وجوه.
الوجه الأول عدم الخلاف المدعي في المقام

فان الماتن أفاد بقوله لا خلاف ظاهرا في سقوطه بالاسقاط.

و من الظاهر انه لا يترتب عليه اثر اذ غايته ان يكون اجماعا منقولا و الاجماع المحصل غير حجة فكيف بمنقوله.

لا أن يقال انه اذا احرز عدم الخلاف في مسئلة و فرع من الفروع الفقهية يطمئن الفقيه بتمامية قيام الحجة علي الحكم الشرعي.

الوجه الثاني انه قد دل الدليل علي سقوط خيار الحيوان بتصرف المشتري فيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 326

لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أم لم يشترط فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضي منه فلا شرط له قيل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء «1».

فانه عليه السلام حكم في الحديث المذكور بقوله «فذلك رضي منه فلا شرط له» بان احداث الحدث في الحيوان كالنظر و التقبيل اسقاط للخيار فيعلم ان ذا الخيار له ان يرضي بالعقد و سقط خياره فله أيضا ذلك في المقام.

ان قلت: الدليل وارد في خيار الحيوان فما وجه تسرية الحكم الي خيار المجلس.

قلت: يفهم من كلامه عليه السلام ان خيار الحيوان يسقط بالاسقاط و لو بمعونة التعبد الشرعي فيفهم العرف عموم الحكم أي يفهم ان الخيار الثابت بالمجلس كالخيار الثابت بالحيوان و ان كان للاشكال مجال.

الوجه الثالث ان الفرق بين الخيار الحكمي و الخيار الحقي و المائز بينهما

ان الخيار الحكمي كالخيار الثابت في الهبة لا يسقط باسقاط من له الخيار و اما الخيار الحقي فهو قابل للاسقاط و اختياره بيد من له الحق و من ناحية اخري خيار المجلس خيار حقي بلا اشكال و لا كلام.

الوجه الرابع فحوي دليل السلطنة علي الاموال

قال رسول اللّه

______________________________

(1) جامع الاحاديث ج 18 الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 327

صلي اللّه عليه و آله: ان الناس مسلطون علي اموالهم «1».

بتقريب انه لو كان الانسان مسلطا علي التصرف في الملكية و اعدامها فبالاولوية يكون مسلطا علي التصرف في الحق الذي يكون مرتبة نازلة من الملك و فيه ان دليل السلطنة ضعيف فلا تصل النوبة الي التقريب المذكور.

الوجه الخامس التمسك بدليل وجوب الوفاء بالشرط

لاحظ ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه عز و جل فلا يجوز له علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم فيما و افق كتاب اللّه عز و جل «2».

بتقريب ان الدليل بإطلاقه يشمل اسقاط الخيار.

و يرد عليه أولا ان مفهوم الشرط متقوم بالارتباط و لا يصدق الشرط علي الامر الابتدائي.

و ثانيا انه ما المراد من الشرط في المقام فان كان المراد الالتزام بعدم الخيار فان الخيار في المقام باعتبار الشارع و ليس زمام امره بيد المتعاقدين و ان كان المراد اسقاط الخيار فلا بد من احراز مشروعيته أولا ثم اشتراطه اذ دليل الشرط لا يكون مشرعا و لا مجال لكونه مجوزا لما لا يكون جائزا في الشريعة فيكفي لعدم الجواز الشك في اصل المشروعية.

مضافا الي انه يمكن احراز عدمها باستصحاب عدم كونه مشروعا فانقدح ان الوجه الوحيد وضوح كون خيار المجلس امرا حقيا

______________________________

(1) بحار الانوار الطبع الجديد ج 2 ص 272 الحديث 7.

(2) جامع الاحاديث ج 18 الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 328

و قابلا للاسقاط و يمكن ان يقال ان المدعي اوضح

من ان يخفي.

«قوله قدس سره: ثم ان الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ»

الخ ما افاده علي طبق القاعدة اذ بعد ما ثبت جواز الاسقاط فلو دل الدليل بالدلالة العرفية علي الاسقاط يترتب عليه السقوط لوجود المقتضي و عدم المانع و هذا ظاهر و لا يحتاج اثبات المدعي الي الاستدلال بالفحوي المتقدمة.

«قوله قدس سره: و فحوي ما دل علي كفاية بعض الافعال»

الخ لاحظ ما رواه معاوية بن وهب قال: جاء رجل الي أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: اني كنت مملوكا لقوم و اني تزوجت امرأة حرة بغير اذن موالي ثم اعتقوني بعد ذلك فأجدد نكاحي اياها حين اعتقت فقال له: أ كانوا علموا انك تزوجت امرأة و انت مملوك لهم فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ قال: فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم اقرار منهم اثبت علي نكاحك الاول «1».

بتقريب ان السكوت الذي يكون ناشئا عن الرضا اذا كان كافيا في اجازة العقد الفضولي فبالاولوية يكون اللفظ الدال علي الاسقاط مسقطا للخيار.

و يرد عليه انه يمكن ان الشارع الاقدس سهل الامر في باب النكاح لسد باب الزنا فلا يتم التقريب المذكور و ان شئت قلت اما يصدق عنوان الاسقاط بحسب الفهم العرفي علي اللفظ الصادر عنه و اما لا يصدق اما علي الاول فلا يحتاج الي الاستدلال بالفحوي بل يتم الامر علي طبق القاعدة و اما علي الثاني فلا وجه للتعدي.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 329

«قوله قدس سره: لكون رضاه باسقاط الاخر خياره اسقاطا أيضا»

يمكن ان يرد عليه بان مجرد الرضا بامر لا اثر له فان الامور الانشائية لا بدّ

من اعتبارها أولا ثم ابرازها و انشائها بمبرز نعم لو كان مجرد الرضا و عدم الرد في مورد مصداقا للانشاء يكون كافيا لكن الاشكال في تمامية الصغري فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ليس فيه دلالة»

الخ الحق ما افاده فانه ليس في هذا اللفظ دلالة لا علي التفويض و لا علي التمليك و لا علي استكشاف الحال بل هذه الجملة دالة علي طلب اختيار احد الطرفين من الطرف المقابل و كونها دالة في العرف السابق لا اثر له.

ثم انه هل يجوز تمليك الخيار من الغير أم لا؟ في هذه العجالة لا يخطر بنظري ما يستدل به علي الجواز نعم يجوز التوكيل فيه بلا اشكال و اما تفويض الامر الي الغير فان رجع الي التوكيل فهو و الا فلا دليل علي الجواز أيضا. اللهم الا ان يقال اذا بيع مال الغير برضاه يكون المقام اولي بكونه جائزا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: كما يظهر من باب الطلاق»

الخ لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: له:

رجل خيّر امرأته قال: انما الخيار لها ما داما في مجلسهما فاذا تفرقا فلا خيار لها «1» الي غير ذلك من اخبار الباب.

«قوله قدس سره: و ما ورد في ذيل بعض اخبار خيار المجلس»

الخ روي نافع عن ابن عمر ان النبي صلي اللّه عليه و آله قال: المتبايعان

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 330

بالخيار ما لم يفترقا أو يقول احدهما لصاحبه اختر «1».

«قوله قدس سره: ثم انه لا اشكال في ان اسقاط احدهما لا يوجب سقوط خيار الاخر»

الخ.

الشيخ قدس سره تعرض لفروع.
الفرع الأول: انه لو اسقط احد المتعاقدين خياره لا يكون اسقاطه موجبا لسقوط خيار الآخر

بل خيار الاخر باق بحاله فان الخيار ثابت لكل

واحد منهما و لا ارتباط لاحدهما بالآخر.

الفرع الثاني: انه لو اجاز احدهما و فسخ الآخر فينفسخ العقد

اذ المفروض ان الخيار ثابت لكل واحد منهما و قلنا لا ارتباط لاحدهما بالآخر و اجازة العقد من قبل احدهما توجب سقوط خياره و خيار الاخر باق بحاله فلو فسخ العقد ينفسخ طبعا و ليس هذا من باب تقديم الفسخ علي الاجازة عند التعارض بل من باب ان لكل منهما فسخ العقد فما دام الحق موجودا يؤثر اثره و ان شئت قلت اجازة المجيز توجب سقوط خياره و فسخ الاخر يوجب انحلال العقد.

الفرع الثالث: ان الخيار من طرف واحد لو كان لمتعدد فاجاز بعضهم و فسخ الآخر يقع التعارض

و النتيجة التساقط و بقاء الخيار بحاله لعدم وجه للترجيح و من ناحية اخري لا يعقل تأثير الكل لاوله الي التناقض فلو فرض ان الاصيل و وكيله لهما الخيار فاجاز احدهما و فسخ الاخر في زمان واحد يقع التعارض و لا يرجح احدهما علي الاخر و ما عن العلامة من ترجيح جانب الفسخ، لا وجه له ظاهرا.

و مثل الشيخ قدس سره للتعارض بموارد. منها: انه لو اجاز العقد

______________________________

(1) الخلاف للطوسي طبع جديد ج 1 ص 507 مسئلة 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 331

بعض الورثة و فسخ البعض الاخر و ما افاده يتوقف علي القول بان الخيار ينتقل بالارث الي الورثة.

و الحال انه محل الكلام و الاشكال و نتعرض ان شاء اللّه لتفصيل هذه الجهة في بحث إرث الخيار و يتوقف أيضا علي كون الخيار لطبيعي الوارث و أما لو قلنا بكونه للمجموع بنحو العموم المجموعي أو قلنا يكون الخيار لكل واحد منهم في مقدار إرثه فلا موضوع للتعارض أما علي الاول فلعدم صدور الاجازة أو الفسخ من المجموع و أما علي الثاني فلتعدد الحق و عدم ارتباط بين الحق الثابت لبعضهم و الحق الثابت للآخر فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين»
قد تعرض الماتن في هذه المسألة لجملة من الفروع.
الفرع الأول ان الخيار يسقط بافتراق المتعاقدين

و الامر كما افاده فانه قد بيّن في جملة من النصوص ان قوام الخيار ببقاء المجلس و بهذا الاعتبار عرف الخيار بخيار المجلس.

الفرع الثاني: انه ربما يقال انه يستفاد من بعض النصوص ان التفرق بما هو لا يكون موجبا لسقوط الخيار

بل التفرق الّذي يكون ناشيا عن الرضا ببقاء العقد و عدم إرادة فسخه فلا يكون التفرق مسقطا علي الاطلاق.

لاحظ ما رواه فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

ما الشرط في الحيوان فقال: ثلاثة ايام للمشتري قلت: فما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 332

خيار بعد الرضا منهما «1».

و دلالة الحديث علي المدعي غير ظاهرة اذ يمكن ان يكون المراد بالرضا الرضا باصل البيع كما انه يمكن ان يكون المراد به التفرق عن الرضا لا عن الاكراه فلا دليل علي كون المراد من الرضا الوارد في الحديث ما ادعوه اضف الي ذلك ان سقوط خيار المجلس بالتفرق من الواضحات التي لا مجال للبحث فيه فلاحظ.

الفرع الثالث انه يكفي في سقوط الخيار صدق عنوان الافتراق

فلو صدق عنوان الافتراق عن مجلس العقد يكفي و لا تعتبر فيه تحقق الخطوة أو اكثر لعدم دليل عليه و دعوي انصراف الدليل عهدتها علي مدعيها.

و أما حديث محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

اني ابتعت ارضا فلما استوجبتها قمت فمشيت خطا ثم رجعت فاردت ان يجب البيع «2»، فلا يدل علي تمامية الدعوي اذ لم يعلم من نقله عليه السلام فعله اشتراط الحكم به فانه من الممكن ان المجلس كان علي نحو لا يتحقق الافتراق الا بما فعل و المحكم اطلاق الدليل.

ثم انه لو وصلت النوبة الي الشك فهل يمكن الحكم بالبقاء بالاستصحاب أم لا؟ الحق هو الثاني فانه يرد علي الاستصحاب أولا انه لا مجال للاصل مع وجود الامارة و المفروض ان قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يقتضي اللزوم و انما رفعنا اليد عنه بالمقدار الذي دل عليه الدليل و

ثانيا ان استصحاب الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلاحظ.

______________________________

(1) جامع الاحاديث ج 18 الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب الخيار الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 333

الفرع الرابع انه لا يلزم في تحقق الافتراق صدور الحركة من كل واحد من المتعاقدين

بل ان تحرك احدهما عن مكانه و بقي الاخر يحصل الافتراق و يكفي للسقوط الاطلاق بل يدل عليه أيضا النص الخاص المتقدم ذكره آنفا.

«قوله قدس سره:

[مسألة] المعروف انه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير أيضا»
اشارة

الخ وقع الكلام بينهم في انه لو تحقق الافتراق عن اكراه و منع عن التخاير أيضا فهل يسقط الخيار أم لا؟ و يقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث القاعدة الثانوية.

[المقام الأول في القاعدة الأولية]

أما الكلام من الناحية الاولي فمقتضي القاعدة سقوط الخيار لاطلاق الدليل فان مقتضاه السقوط و هذا ظاهر.

[المقام الثاني في القاعدة الثانوية]
اشارة

و أما من الناحية الثانية فربما يقال ببقاء الخيار و ما يمكن ان يذكر في تقريبه وجوه

الوجه الأول استصحاب الخيار

. و فيه أولا انه لو تم الاطلاق لا يبقي مجال للاستصحاب و ثانيا انه لو وصلت النوبة الي الشك يكون المرجع وجوب الوفاء بالعقود و ثالثا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض بعدم الجعل الزائد.

الوجه الثاني انصراف الدليل عن الافتراق الاكراهي

و فيه انه لا وجه للانصراف و علي فرض تحققه يكون بدويا و يزول بالتأمل.

و بعبارة واضحة: لا دليل علي التقييد و الفعل يستند الي الفاعل بلا دخل للاختيار فضلا عن الاشتراط بعدم كونه عن اكراه نعم بعض المواد يقتضي القصد و الاختيار كالتعظيم و الاهانة كما ان بعض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 334

المواد اشرب فيه عدم القصد كالموت.

الوجه الثالث: ما رواه فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام

في حديث قال قلت له ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الافتراق المقرون بالرضا يسقط الخيار لا الافتراق علي الاطلاق.

و بعبارة اخري مقتضي مفهوم الشرط عدم السقوط بالافتراق الاكراهي و فيه انه يمكن ان يكون المراد من الرضا كما تقدم الرضا باصل البيع و اصل المعاملة الواقعة لا الرضا بالافتراق و لذا لا اشكال في انه لو فارق أحدهما المجلس مع عدم رضا الاخر يسقط الخيار و الحال ان الحكم قد علق في الحديث علي الرضا منهما.

الوجه الرابع: حديث الرفع

فانه قد ورد في جملة من النصوص رفع الاكراه منها ما رواه اسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: وضع عن هذه الامة ست خصال الخطاء و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون و ما اضطرّوا إليه «2».

و منها ما رواه ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: عفي عن امتي ثلاث الخطاء و النسيان و الاستكراه قال أبو عبد اللّه عليه السلام و هنا رابعة و هي ما لا يطيقون «3».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: وضع عن امتي الخطاء و النسيان و ما استكرهوا

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 16 من ابواب الايمان الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 335

عليه «1».

و عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستكره علي

اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك فقال:

لا، ثم قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: وضع عن امتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطئوا «2» و الظاهر اعتبار بعضها سندا فلا اشكال من هذه الناحية و المراد من الرفع رفع الحكم.

و قد اورد في الاستدلال بحديث الرفع بايرادات الايراد الاول ان حديث الرفع مختص برفع الاحكام التكليفية و الكلام في المقام في الحكم الوضعي.

و فيه انه لا وجه لهذا التقييد و المحكم اطلاق الدليل مضافا الي انّ مورد بعض هذه النصوص الامور الوضعية لاحظ الحديث السادس من الباب السادس عشر.

الايراد الثاني: ان حديث الرفع امتناني و بقاء الخيار للمكره بالفتح خلاف الامتنان بالنسبة الي الطرف المقابل.

و يرد عليه أولا انه لا دليل علي كون الحديث في مقام الامتنان علي الامّة بل لا يبعد أن يكون امتنانا بالنسبة الي الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و آله فان قوله صلي اللّه عليه و آله: رفع أو وضع عن امتي ظاهر في كون الامتنان بالنسبة إليه و لا اقل من الشك و عدم الظهور في احد طرفي الاحتمال.

و ثانيا انه يكفي للامتنان كونه امتنانا بالنسبة الي من يرفع حكم الاكراه عنه و لا يلزم ان يكون امتنانا علي جميع الامة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب الايمان الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 336

الايراد الثالث: ما افاده سيد الحاشية قدس سره و هو آن حديث الرفع ناظر الي رفع الحكم عن الفعل الذي يكون موضوعا بما هو صادر عن القصد و الاختيار كالبيع و النكاح و الطلاق الي غيرها و

اما اذا كان الموضوع الفعل بما هو فعل فلا يشمله حديث الرفع و لذا لو اتلف احد مال غيره بلا قصد و اختيار يتحقق الضمان و لا يرفعه حديث الرفع.

و يرد عليه انه أي دليل دل علي هذا المدعي و مقتضي الاطلاق رفض القيود و لا نسلم عدم شموله لمثل الاتلاف بالنسبة الي الضمان الا ان يقوم اجماع تعبدي كاشف عنه أو يقوم عليه دليل معتبر غيره.

الايراد الرابع: ما افاده السيد أيضا و هو انه لو كان الامر كذلك كان اللازم ان نلتزم ببقاء الخيار حتي مع عدم المنع عن التخاير اذ المفروض انه اعتبر الافتراق كالعدم و لا يقولون به.

و يرد عليه انه لو اقتضي الاطلاق ما ذكر نلتزم به و لا نبالي بعدم قولهم به فان المتبع قول الشارع لا قولهم.

الايراد الخامس: ما افاده السيد أيضا و هو انه يلزم علي هذا الالتزام ببقاء الخيار مع الافتراق الناشي عن النسيان او الاضطرار و لم يلتزموا به … و الكلام فيه هو الكلام الا أن يتضح الفرق بالدليل كالاجماع التعبدي الكاشف و نحوه و الا فالصناعة تقتضي الالتزام بالسريان.

الايراد السادس: ما افاده السيد أيضا و هو ان شمول حديث الرفع لفعل يتوقف علي كون ذلك الفعل موضوعا لاثر شرعي كي يرفع بعروض الاكراه أو الاضطرار أو النسيان مثلا شرب الخمر موضوع لاثر و هو الحد فلو شرب احد الخمر اكراها يرتفع الحد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 337

و أيضا لو اتلف مال احد اكراها يشمله الحديث اذ الاتلاف موضوع اثر شرعي و هو الضمان و اما الافتراق في المقام فليس موضوعا لاثر شرعي بل الموضوع للاثر هو الاجتماع الذي هو ضد الافتراق

فان الاجتماع موضوع الخيار و اما الافتراق فهو نهاية الخيار و امده و لا يكون موضوعا للحكم.

و ان شئت قلت عند الافتراق لا حكم فلا موضوع للارتفاع.

ان قلت الافتراق موضوع لزوم العقد قلت ليس الامر كذلك فان اللزوم ثابت لكل عقد بمقتضي عموم وجوب الوفاء المستفاد من الآية الشريفة و ببيان واضح اللزوم حكم لمطلق العقد و لا دخل للافتراق فيه.

و صفوة القول ان الافتراق امد الخيار و لذا نري قد يعبّر في كلامهم بقوله عليه السلام حتي يفترقا و قد يعبّر بقوله عليه السلام فاذا افترقا فيستفاد من كلامهم روحي فداهم ان الميزان بالاجتماع و أما الافتراق فلا يكون موضوعا للحكم بل يبدل موضوع الحكم بضده و اطلاق الموضوع عليه مسامحة.

و ببيان واضح قد استفيد من ادلة خيار المجلس اختصاص الخيار ببقاء عنوان الاجتماع و عدم تحقق الافتراق و هذا الوجه الاخير دقيق و بالترحيب حقيق.

و لعمري اجاد فيما افاد فعلي اللّه اجره و اقول مضافا الي ما أفاده انك ان ابيت و قلت: ان الافتراق موضوع للزوم بمقتضي دليل خيار المجلس و يرتفع بالاكراه فلا اثر لإلحاحك و اصرارك اذ نفرض ان اللزوم يستفاد من دليل الخيار.

لكن يكفي للزوم العقد عموم وجوب الوفاء المستفاد من قوله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 338

تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و ببيان واضح لو سلمنا ان قوله صلي اللّه عليه و آله اذا افترقا وجب البيع يقتضي اللزوم و بالافتراق الاكراهي لا يتحقق اللزوم لكن نقول دليل اللزوم غير منحصر فيه بل اللزوم مستفاد من قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فلا بد من الالتزام بلزوم العقد و علي الجملة لا مجال للاخذ بحديث الرفع.

و من هذا البيان اللطيف و

التقريب الدقيق يفهم عدم ورود جملة من الموارد التي يمكن توهم جواز الاخذ بحديث الرفع مثلا لو اغتسل احد أو توضأ فنام اكراها هل يمكن القول بعدم بطلان طهارته لحديث الرفع أو اذا فرض ان الصائم اكره علي الافطار فهل يمكن الالتزام بعدم بطلان صومه بتقريب ان حديث الرفع يقتضي ارتفاع الحكم الشرعي كلا ثم كلا و الوجه في ذلك في جميع هذه الموارد التي يمكن فيها التوهم المذكور ان النوم أو الافطار أو غيرهما لا تكون موضوعا للحكم الشرعي بل هذه الامور غايات و ينتهي الحكم بها فان زمان الطهارة ينتهي بتحقق الحدث أي حكم الشارع بهذا المقدار.

و أيضا ان الصائم صائم ما دام يجتنب هذه الخصال كما في الحديث.

بقي شي ء و هو انه لو انعكس الامر بان اكرها علي عدم التفرق فهل يكون الخيار باقيا مقتضي ما تقدم ان يكون الخيار ساقطا لان مقتضي عموم وجوب الوفاء بالعقد هو اللزوم و انما خرجنا بمقدار دلالة دليل خيار المجلس و من ناحية اخري الاجتماع و عدم الافتراق موضوع للاثر الشرعي و من ناحية ثالثة الاكراه يرفع الاثر عن الموضوع الاكراهي فيلزم عدم الخيار و هل يمكن الالتزام بهذا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 339

اللازم فلاحظ و طبق القاعدة علي المورد و اللّه العالم.

«قوله قدس سره:

مسألة لو أكره أحدهما علي التفرق»
اشارة

الخ تعرض الشيخ قدس سره في هذه المسألة لفروع و تبعا له نتعرض لها و الا فعلي ما ذكرنا لا مجال للتعرض لها و لا موضوع لها.

الفرع الأول: انه لو اكره احدهما علي الافتراق و منع عن التخاير و منع الآخر عن المصاحبة مع المكره

بالفتح و منع عن التخاير يكون الخيار باقيا علي ذلك المبني الفاسد و الوجه فيه ظاهر.

الفرع الثاني: انه لو اكره احدهما علي ترك المجلس و يكون الاخر مختارا

فهل يسقط الخيار بالنسبة الي المختار أو يبقي بالنسبة إليه كما يبقي للمكره بالفتح الظاهر بقائه بالنسبة إليه علي جميع انحاء الاستدلال فان بقاء الخيار ان كان بالاستصحاب يبقي بالنسبة إليهما و لا وجه للتفكيك كما ان الامر كذلك لو كان المدرك تبادر الاختيار من الافتراق فان السقوط متفرع علي التفرق الاختياري و المفروض انه غير متحقق.

كما ان الامر كذلك لو كان المدرك صحيح فضيل فان الغاية الافتراق الناشئ عن رضاهما و المفروض عدمه كما ان الامر أيضا هكذا اذا كان المدرك حديث الرفع فان الافتراق الاكراهي و لو من جانب كالعدم فلاحظ.

الفرع الثالث: عكس الصورة الأولي

و الكلام فيه هو الكلام و لا يحتاج الي الاعادة.

«قوله قدس سره:

[مسألة] لو زال الإكراه فالمحكي عن الشيخ و جماعة»

الخ علي فرض الالتزام بالمسلك الباطل اي الالتزام بعدم سقوط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 340

الخيار عند التفرق الاكراهي اذا زال الاكراه هل يبقي الخيار أم لا؟

و علي فرض البقاء بما ذا يسقط فنقول تختلف الحال باختلاف مدرك الحكم فان كان المدرك للبقاء الاجماع فالخيار بعد رفع الاكراه فوري لان مقتضي عموم قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لزوم كل عقد و انما رفعنا اليد عن العموم المذكور للاجماع علي عدم اللزوم فبالقدر المعلوم نرفع اليد عن وجوب الوفاء و في الزائد نأخذ بالعموم و نحكم باللزوم.

و أما اذا كان المدرك انصراف الدليل الي خصوص الافتراق الاختياري يكون الخيار لكلا الطرفين باقيا لانه لم يحصل الافتراق الاختياري فالخيار باق.

و ان كان المدرك حديث فضيل فالخيار باق أيضا الي ان يحصل مسقط آخر من المسقطات كما ان الامر كذلك ان كان المدرك حديث الرفع و الوجه في الكل ان المسقط التفرق الاختياري عن مجلس العقد و المفروض انه لا يمكن تحقق العنوان المذكور اذ المفروض انه زال مجلس العقد و لا يعقل عوده فان اعادة المعدوم غير معقول و صفوة القول ان تحقق الافتراق المؤثر غير معقول فلا بد من تحقق مسقط آخر للالتزام بالسقوط.

«قوله قدس سره:

مسألة و من مسقطات هذا الخيار التصرف»
اشارة

الخ ما يمكن ان يذكر في تقريب الاستدلال وجوه.

الوجه الأول: النصوص الواردة في خيار الحيوان

منها ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أم لم يشترط فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 341

الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث قال ان لا مس أو قبل أو نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء «1».

و منها ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الي أبي محمد عليه السلام في الرجل اشتري من رجل دابة فاحدث فيها حدثا من اخذ الحافر أو انعلها أو ركب ظهرها فراسخ أ له ان يردها في الثلاثة الايام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ فوقع عليه السلام اذا احدث فيها حدثا فقد وجب الشراء ان شاء اللّه «2».

و منها ما رواه علي بن رئاب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري جارية لمن الخيار فقال الخيار لمن اشتري الي ان قال قلت له أ رأيت ان قبلها المشتري أو لامس قال: فقال اذا قبل أو لامس أو نظر منها الي ما يحرم علي غيره فقد انقضي الشرط و لزمته «3».

بتقريب ان الميزان بإطلاق الجواب لا بخصوص السؤال و بعبارة اخري خصوص المورد لا يكون مانعا عن الاطلاق و مقتضي الاطلاق نفي الخيار بعد التصرف علي الاطلاق فالتصرف موجب لسقوط مطلق الخيار لا خصوص خيار الحيوان.

و يرد عليه أولا انه يلزم جريان التقريب المذكور في خيار المجلس بان نقول التفرق يوجب سقوط مطلق الخيار حتي خيار

______________________________

(1) الوسائل الباب 4

من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 342

الحيوان و هل يمكن الالتزام به و الحل ان الظاهر من كل دليل سقوط ذلك الخيار بما يكون مسقطا له لا مطلق الخيار فالتفرق مسقط لخيار المجلس و التصرف مسقط لخيار الحيوان.

و ثانيا انه علي القول بسقوط مطلق الخيار يلزم اختصاص سقوط خيار المشتري بالتصرف و أما خيار البائع فلا.

ان قلت: لا فصل بين الموردين قلت: عدم القول بالفصل لا اعتبار به فان الاجماع لا يكون حجة فكيف بعدم القول بالفصل مضافا الي انه يلزم القول بكون تصرف البائع مسقطا بالتقريب المذكور.

و ثالثا انه يرد علي التقريب المشار إليه انه يقع التعارض بين دليل خيار الحيوان و دليل خيار المجلس فان مقتضي الاول سقوط خيار المجلس و مقتضي الثاني بقائه ما دام بقاء المجلس.

الوجه الثاني: عموم التعليل الوارد و هو قوله عليه السلام «فذلك رضا منه فلا شرط له»

بتقريب ان العلة تعمم و تخصص و في المقام قد اقيمت العلة مقام الجواب في الشرطية كما في قوله تعالي «ان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك» اي ان كذبوك فلا تحزن لانه قد كذبت رسل من قبلك.

و التقدير في المقام هكذا فان احدث المشتري فلا خيار بعد لان احداث الحدث مسقط.

و يرد عليه أولا: انه لا دليل علي المدعي المذكور بل الظاهر من الحديث ان الشارع علي نحو الحكومة جعل التصرف مسقطا للخيار فلا يكون المقام داخلا تحت تلك الكبري.

و بعبارة اخري لا علة و لا معلول بل المقصود ان التصرف موضوع في وعاء الشرع لسقوط الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 343

و ثانيا انه فرضنا كون الجملة المذكورة علة لكن لا يمكن تطبيق التقريب المذكور عليه فان

العلة المذكورة للحكم اذا كان امرا خارجيا واضحا عند العرف فيؤخذ بعمومها و يلتزم بالحكم في كل مورد توجد تلك العلة كما في المثال المعروف لا تشرب الخمر لانه مسكر فانه يتعدي منه الي حرمة كل مسكر.

و أما اذا لم تكن العلة كذلك بل كانت امرا تعبديا يلزم احراز ذلك الامر من الشارع و في المقام العلة عبارة عن جعل الشارع التصرف في الحيوان المشتري اسقاطا لخيار الحيوان و لا دليل علي هذا الاعتبار في مورد آخر و لا شاهد عليه.

و بعبارة اخري: لقائل أن يقول: من الممكن ان يكون تصرف ذي الخيار في الحيوان قبل الثلاثة في اعتبار الشارع مسقطا لخيار الحيوان و لا دليل علي ان التصرف الصادر من كل ذي خيار مسقطا فهذا الوجه أيضا ساقط عن الاعتبار.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 343

الوجه الثالث: ان التصرف في المبيع كاشف نوعي عن الرضا ببقاء العقد علي حاله فيكون مسقطا للخيار.

و يرد عليه أولا انا لا نسلم الكاشفية المذكورة و ثانيا انه لا اثر للكشف النوعي مع كون المتصرف غافلا أو غير معتقد بالشرع أو غير ذلك.

و ثالثا انه لا اثر لمجرد الرضا فان سقوط الخيار يحتاج الي الاسقاط و الاسقاط متقوم بالقصد و الانشاء بمبرز من الفعل أو اللفظ فالنتيجة انه لا دليل علي كون التصرف مسقطا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 344

[الثاني خيار الحيوان]
اشارة

«قوله قدس سره: الثاني خيار الحيوان».

في المقام فروع
الفرع الأول انه لا اشكال في ثبوت خيار الحيوان للمشتري

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط «1».

و منها ما رواه الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام يقول: صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة ايّام «2».

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال:

و قال: في الحيوان كله شرط ثلاثة ايام للمشتري و هو بالخيار فيها اشترط أو لم يشترط «3».

و منها ما رواه فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

ما الشرط في الحيوان قال: ثلاثة ايام للمشتري «4».

و منها ما رواه علي بن اسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: الخيار في الحيوان ثلاثة للمشتري «5».

و منها ما رواه علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع او لهما كلاهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 345

فقال: الخيار لمن اشتري ثلاثة ايام نظرة فاذا مضت ثلاثة ايام فقد وجب الشراء «1».

و منها ما رواه علي بن رئاب «2» و منها ما رواه الصفار «3» و منها ما رواه علي بن رئاب «4» فهذا الحكم في الجملة لا غبار عليه.

الفرع الثاني: انه هل يختص خيار الحيوان بنوع خاص من الحيوانات أم لا يختص؟

الحق هو الثاني فان مقتضي الاطلاق عموم الحكم.

الفرع الثالث انه هل يختص هذا الخيار بالحيوان المقصود حياته

فمثل السمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الاناء لا يكون فيه خيار الحيوان لان المقصود فيه اللحم الظاهر انه لا وجه للقيد و لا دليل علي التخصيص و مجرد كون الغاية من الاشتراء الاستفادة من لحمه لا يوجب القول بعدم الخيار فيه و الا يلزم القول بعدم الخيار في الغنم و الديك و الدجاج و امثالها مما يشتري غالبا للذبح و الانتفاع بلحومها و هل يمكن الالتزام به؟ كلا فانه قول بلا دليل.

الفرع الرابع انه لو قلنا بالاختصاص فهل يسري الحكم و هو عدم الخيار فيما لا يبقي لعارض

لاصابة السهم أو لجرح الكلب المعلم الظاهر انه يجري فيه لعين الملاك و لكن الحق عدم وجه للتقييد.

الفرع الخامس انه علي تقدير تلف المجروح أو المصاب بالسهم قبل القبض أو في زمان الخيار هل يعد تلفه من البائع أم لا؟
اشارة

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 9.

(2) تقدم ذكر الحديث في ص 340.

(3) تقدم ذكر الحديث في ص 341.

(4) تقدم ذكر الحديث في ص 341.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 346

افاد الماتن انه لا يكون علي البائع.

و الذي يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجهان
الوجه: الأول انصراف الدليل عنه

و الظاهر انه ليس انصرافا مستقرا بل بدوي يزول بالتأمل.

و بعبارة اخري لا وجه لرفع اليد عن الاطلاق.

الوجه الثاني ان البائع مع العلم بالحال، يكون مشترطا علي المشتري بكون الضمان عليه و يبرأ عن الضمان بالشرط

و يرد عليه انه يتصور الشرط المذكور علي نحوين اذ تارة يشترط عدم الضمان و اخري يشترط علي المشتري ان يتدارك خسرانه اما علي الاول فيكون الشرط باطلا لكونه خلاف المقرر الشرعي و أما علي الثاني فيكون الشرط صحيحا لكن لا يرتبط بالمدعي هذا كله علي فرض تمامية الدليل علي القاعدتين و هما كون التلف قبل القبض و في زمان الخيار علي من لم يقبض و علي من لا خيار له و البحث من هذه الجهة موكول الي البحث عن احكام الخيار و عن احكام القبض فانتظر.

الفرع السادس انه ان قلنا بجريان الخيار في مثله فلو فرض موته قبل الثلاثة فهل يكون الي الثلاثة أو الي زمان الموت او لا هذا و لا ذاك بل الخيار فوري.

الحق هو الاحتمال الاول اذ الامر دائر بين الخيار و بقائه الي الثلاثة و بين عدمه.

و بعبارة واضحة ان قلنا بعدم الخيار لما مرّ من الوجهين فلا موضوع للبحث و ان قلنا بالخيار كما قلنا فلا وجه لرفع اليد عن دليل خيار الحيوان الدال علي بقائه الي الثلاثة فان الخيار عارض للعقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 347

و بقاء العين و عدمه لا دخل لهما في الخيار فلاحظ.

الفرع السابع: في انه هل يختص خيار الحيوان بالمبيع الشخصي أو يعم الكلي
اشارة

الظاهر ان كلام الماتن في المقام متهافت اذ قد جمع بين قوله ثم انه هل يختص هذا الخيار بالمبيع المعين كما هو المنساق في النظر من الاطلاقات و بين قوله أو يعم الكلي كما هو المترائي من النص و الفتوي و كيف كان الظاهر عدم وجه تام للاختصاص فان مقتضي اطلاق نصوص الباب كقوله عليه السلام صاحب الحيوان المشتري أو و صاحب الحيوان الي غيرهما جريان الخيار في المبيع الشخصي و الكلي في الذمة و الكلي في المعين.

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الاختصاص بالمبيع الشخصي وجهان:
الوجه الأول: الانصراف

و فيه انه لا وجه للانصراف الا كون البيع الكلي نادرا و المعروف بين القوم ان المطلق لا ينصرف الي الفرد النادر لا انه منصرف عن الفرد النادر و يؤكد المدعي انه قد قورن بين خياري الحيوان و المجلس في جملة من النصوص لاحظ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا «1».

و مثله غيره و من الواضح عدم اختصاص خيار المجلس بالبيع الواقع علي المبيع الشخصي و وحدة السياق تقتضي ان يكون خيار الحيوان كذلك فلاحظ.

الوجه الثاني ان حكمة جعل خيار الحيوان التروي

و ان الحيوان

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 348

ربما يكون معيوبا فيكون للمشتري الفسخ و لا يجري البيان المذكور في الكلي.

و يرد عليه أولا ان العيب بنفسه يوجب الخيار و هو خيار العيب.

و ثالثا انه ما الدليل علي المدعي المذكور. و ثالثا انه يلزم عدم الخيار مع علم المشتري بالعيب و هل يمكن الالتزام بعدم الخيار في هذه الصورة؟

و رابعا ان الحكمة لا تكون موجبة لقصر الحكم كما هو ظاهر فانه فرق بين الحكمة و بين العلة.

«قوله قدس سره:

مسألة المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري»
اشارة

وقع الكلام بين القوم في ان خيار الحيوان هل يكون للبائع كما يكون للمشتري أم لا؟ و محل الكلام ما لو كان المبيع حيوانا و أما الثمن فلا و اما فيما كان كلا العوضين من افراد الحيوان أو الثمن وحده حيوانا فيقع الكلام فيه بعد ذلك إن شاء اللّه تعالي.

فنقول مقتضي القاعدة الاولية عدم الخيار فان مقتضي وجوب الوفاء بالعقد كون العقد لازما من قبل البائع كما ان مقتضي ادلة خيار المجلس لزوم العقد بعد التفرق.

الا أن يقال ان تلك الادلة ناظرة الي اللزوم بالنسبة الي خيار المجلس و لا تنفي الخيار علي نحو الاطلاق.

و ما يمكن أن يذكر في تقريب ثبوت الخيار للبائع كما يكون للمشتري وجوه:

الوجه الأول الاجماع

و فيه انه معارض بمثله و ثانيا ان الاجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 349

الوجه الثاني استصحاب الخيار الثابت حال بقاء المجلس.

و يرد عليه ان المراد من الاستصحاب ان كان استصحاب خيار المجلس فلا ريب في زواله و ان كان المراد استصحاب بقائه لاحتمال كون الخيار في المجلس كان مقارنا مع فرد آخر من الخيار أو يتحمل تحقق فرد آخر منه حين التفرق فيجري الاستصحاب في الجامع بين النوعين فيرد عليه انه داخل في القسم الثالث من الكلي و لا دليل عليه بل الدليل علي خلافه لان ما علم به مقطوع الارتفاع و غيره مشكوك الحدوث و مقتضي الاصل عدم حدوثه مضافا الي انه معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

الوجه الثالث ما رواه محمد بن مسلم

«1» فان مقتضي الحديث المذكور ثبوت الخيار لكلا المتعاقدين و يرد عليه انه يعارضه بالصراحة ما رواه علي بن رئاب «2».

فان الحديث نص في اختصاص الخيار بالمشتري فيقع التعارض بين الجانبين و حيث ان الاحدث من الحديثين غير معلوم يدخل المقام في اشتباه الحجة بغير الحجة فلا بد من الرجوع الي العموم الفوقاني و هو يقتضي اللزوم فان وجوب الوفاء بالعقود يقتضي لزوم كل عقد فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هو ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا»

الخ قال الشيخ نسب هذا القول الي جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك و يدل علي المدعي ما رواه زرارة عن أبي جعفر

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 347.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 344.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 350

عليه السلام قال: سمعته يقول: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله:

البيعان بالخيار حتي يتفرقا و صاحب الحيوان ثلاث «1».

فان مقتضاه ثبوت الخيار لمن انتقل إليه الحيوان بلا فرق بين كونه ثمنا أو مثمنا و دعوي انصراف الحديث الي المشتري اثباتها علي مدعيها

و لا وجه لحمل الحديث علي خصوص المشتري ببركة بقية النصوص فان المعروف بين القوم عدم التنافي بين الاثباتين فلا وجه للحمل.

فالنتيجة انه لو ثبت اجماع تعبدي علي عدم الخيار بالنسبة الي البائع علي الاطلاق فهو و الا يشكل الحكم بالعدم و اللّه العالم.

«قوله قدس سره:

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد».
اشارة

وقع الكلام بينهم في ان مبدأ خيار الحيوان من حين العقد أو من حين التفرق و اختار الماتن ان الخيار من حين العقد فلو باع حيوانا يتحقق خياران خيار الحيوان و خيار المجلس فلو انقضت الثلاثة مع بقاء المجلس يسقط خيار الحيوان و يبقي خيار المجلس و لو انعكس الامر بان انقضي المجلس قبل الثلاثة يسقط خيار المجلس و يبقي خيار الحيوان و ان تقارن الامران يسقط كلا الخيارين و ما أفاده موافق مع مقتضي النصوص الواردة في المقام بحسب الظهور العرفي.

و في مقابل هذا القول قول بان خيار الحيوان مبدئه من حين انقضاء المجلس و ما يمكن أن يذكر في تقريبه وجوه.

[الاستدلال علي أن مبدأه من حين انقضاء المجلس]
الوجه الأول: ان الخيار يتحقق في زمان ثبوت العقد و مع خيار المجلس لا يكون العقد ثابتا بل يكون متزلزلا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 351

و يرد عليه: أولا ان العقد في حد نفسه ثابت و انما ينفسخ باعمال الخيار لا بمجرد وجوده اي الخيار عبارة عن القدرة علي حل العقد و لا مانع من تحقق هذه القدرة من نواحي متعددة فلا تنافي بين الخيارين فلا وجه للالتزام بالتأخير الي زمان انقضاء المجلس.

و ثانيا انه لو فرض التنافي فما وجه الترجيح و لما ذا لا يكون الامر بالعكس بان يقال ان خيار المجلس مبدئه من حين انقضاء الثلاثة بل مقتضي ما ذكر عدم تحقق شي ء منهما اذ بعد عدم الترجيح و تحقق التعارض تكون النتيجة التساقط.

و ثالثا انه يمكن رفع التنافي بالالتزام بخيار المجلس فيما لا يكون فيه خيار الحيوان و اختصاص خيار الحيوان بما لا يكون فيه خيار المجلس كما لو تصور تحقق البيع بلا صدق مجلس جامع بين المتعاقدين.

الوجه الثاني: انه لو كان مبدأ الخيار زمان العقد يلزم اجتماع المثلين

و هما خيار المجلس و خيار الحيوان و اجتماع المثلين كاجتماع الضدين محال.

و يرد عليه ان اجتماع المثلين كاجتماع الضدين من الامور التي تترتب علي الموضوعات الخارجية و التكوينية و مقامنا داخل في باب الاعتباريات و لا مجال لهذه التقريبات فيها فان الاعتبار خفيف المئونة و لا يتعدي عن مرحلة الاعتبار و وعاء الاعتبار وسيع و قابل لاعتبار كل شي ء و بعبارة واضحة: لا موضوع لاجتماع المثلين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 352

الوجه الثالث: استصحاب عدم خيار الحيوان الي زمان انقضاء المجلس.

و يرد عليه أولا انه لا مجال للاخذ بالاصل مع الدليل الاجتهادي و المفروض ان النصوص ناهضة لا ثبات الخيار من زمان العقد.

و ثانيا انه لقائل ان يقول لما ذا لا يجري استصحاب عدم خيار المجلس الي زمان انقضاء الثلاثة و ثالثا ان استصحاب عدم الخيار الي زمان التفرق لا يثبت كون مبدئه حين انقضاء المجلس الا علي القول بالمثبت.

الوجه الرابع: استصحاب بقاء الخيار بعد انقضاء المجلس الي انقضاء الثلاثة من ذلك الوقت.

و يرد عليه أولا انه لا مجال للاصل مع الامارة و المفروض وجودها و ثانيا ان الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب عدم جعل الزائد.

الوجه الخامس: انه لو لم نقل بالتفكيك يلزم اجتماع سببين علي مسبب واحد.

و يرد عليه أولا انه قد مرّ منا ان باب الاعتبار غير مرتبط بالامور العقلية فالمقام خارج خروجا موضوعيا.

و ثانيا انه مع الغض عن الجواب الاول نقول المفروض تعدد الخيار فلا يلزم اجتماع علتين علي معلول واحد و ثالثا انه نفرض تمامية التقريب لكن نقول اجتماع سببين مستقلين علي مسبب واحد غير ممكن و أما لو كان واحد منهما جزءا للسبب فلا يتم الاشكال.

الوجه السادس: انه قد دلت جملة من النصوص ان التلف في اثناء الثلاثة من البائع

منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري امة بشرط من رجل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 353

يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن علي من يكون الضمان فقال ليس علي الذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه «1».

و منها ما رواه ابن سنان- يعني عبد اللّه- قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الي يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري «2».

و منها ما رواه محمد بن الحسن باسناده عن الحسن بن محبوب مثله الا انه قال: و يصير المبيع للمشتري شرط البائع أو لم يشترطه «3».

و منها ما رواه زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في رجل اشتري عبدا بشرط ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال يستحلف باللّه ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان «4».

و منها ما رواه علي بن رباط مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال

ان حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع «5».

و من ناحية اخري ان مقتضي قاعدة ان كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممن لا خيار له عدم الضمان علي البائع و المفروض ان البائع له خيار المجلس فلا بد من جعل مبدأ خيار الحيوان من حين التفرق كي لا يتوجه الاشكال المذكور.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

(5) نفس المصدر الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 354

و يرد عليه انه لو تمت تلك القاعدة يمكن ان تخصص بدليل معتبر و لا تكون قاعدة غير قابلة للتخصيص.

مضافا الي ان المفروض ان المشتري له الخيار أيضا فتلك القاعدة لا تنطبق فيؤخذ بدليل كون التلف أي تلف الحيوان علي البائع اذا كان التلف اثناء الثلاثة.

الوجه السابع: انه قد قوبل في جملة من الروايات بين خيار الحيوان و خيار المجلس

منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المتبايعان بالخيار ثلاثة ايام في الحيوان و فيما سوي ذلك من بيع حتي يفترقا «1».

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار حتي يتفرقا و صاحب الحيوان ثلاث «2».

فان التقسيم قاطع للشركة و ظهور حديث ابن مسلم في التقسيم و التفصيل بين الحيوان و غيره غير قابل للانكار و به ترتفع اليد عن اطلاق جملة من النصوص الدالة بإطلاقها علي ثبوت خيار المجلس في الحيوان فان تقييد المطلق بالمقيد غير عزيز و الظاهر ان الوجه المذكور تام اللهم ان يتم الامر بالاجماع و التسالم بان نقول ثبوت خيار المجلس في الحيوان متسالم عليه بينهم.

«قوله قدس سره:

ثم ان المراد بزمان العقد هل زمان مجرد الصيغة»

الخ قد ذكرنا سابقا ان الخيار عبارة عن فسخ العقد فما دام لا يكون

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب الخيار الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 355

العقد تاما صحيحا من قبل الشارع لم يكن مجال للخيار و عليه فلا بد من جعل مبدأ الخيار من زمان حصول الملكية اذ قبل حصولها لم يكن العقد تاما عند الشارع و لم يكن البيع متحققا شرعا فلا مجال للخيار ففي العقد الفضولي ان قلنا بان الاجازة المتأخرة كاشفة كشفا حقيقيا يكون مبدأ الثلاثة زمان العقد اذ عليه تكون الملكية حاصلة من ذلك الزمان و الاجازة المتأخرة أمارة و كاشفة.

و أما علي القول بالكشف غير الحقيقي الّذي يكون نقلا في الحقيقة أو النقل يكون مبدأ الثلاثة من حين الاجازة فلا تغفل و مما ذكرنا ظهران مبدأ خيار الحيوان بعد القبض فيما لو باع حيوانا سلفا بشي ء فانه قد حقق في محله ان القبض في المجلس شرط شرعي فما دام لم يتحقق القبض لا يكون العقد صحيحا.

«قوله قدس سره:

مسألة لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين»

الخ

الوارد في النص عنوان ثلاثة ايام و من الظاهر ان اليوم بحسب المفهوم العرفي عبارة عن البياض الموجود بين طلوع الفجر و غروب الشمس فالليل خارج لكن حيث ان المستفاد من الدليل اتصال زمان الخيار كنظائر المقام نلتزم بثبوت الخيار فيما يكون متوسطا بين الايام من الليل.

و أما الاكتفاء باليوم الملفق من يومين فأيضا من جهة الظهور العرفي اذ لو كان المراد من اليوم، اليوم التام غير الملفق لأشير إليه في النصوص كما أن الامر كذلك في الحيض و اقامة عشرة ايام و مضي ثلاثين يوما

بالنسبة الي المتردد و اما دخول مقدار من الليل اذا تحقق العقد فيه فهو من باب ظهور دليل الخيار في كونه متصلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 356

بالعقد فلا بد من الالتزام بكون ذلك المقدار من الليلة الاولي داخلا في زمان الخيار.

[مسألة يسقط هذا الخيار بأمور]
[الأول و الثاني اشتراط سقوطه في العقد و إسقاطه بعد العقد]

«قوله قدس سره: و لو شرط سقوط بعضه فقد صرح بعض بالصحة و لا بأس به»

اسقاط بعض الخيار و ابقاء البعض الاخر يتوقف علي تعدد الخيار بحسب اجزاء الزمان و اما لو كان الخيار امرا واحدا مستمرا فكيف يمكن تبعيضه و الظاهر من دليله كونه امرا واحدا مستمرا.

و لو وصلت النوبة الي الشك يكون التعدد خلاف الاصل فلا مجال للتبعيض لا يقال كما ان الاصل يقتضي عدم التعدد كذلك يقتضي عدم الوحدة فما وجه الترجيح فانه يقال استصحاب عدم الوحدة لا يقتضي التعدد الا علي القول بالمثبت مضافا الي معارضته باستصحاب عدم التعدد و يكفي لاثبات الامر في النتيجة استصحاب عدم التعدد و لا يحتاج الي اثبات الوحدة.

«قوله قدس سره:

و الثالث التصرف»
اشارة

الخ يقع الكلام تارة في مقتضي القاعدة الاولية و اخري في مقتضي النصوص الخاصة فيقع البحث في مقامين:

أما

المقام الأول: [في مقتضي القاعدة الأولية]

فلا وجه لسقوط الخيار بالتصرف باي نحو من انحاء التصرفات اذ اسقاط الخيار امر انشائي فلا بد من اعتباره في النفس ثم ابراز ذلك الاعتبار بمبرز خارجي من لفظ أو فعل و الا فلا وجه للسقوط حتي لو كان تصرفا يوجب اعدام العين حقيقة أو حكما هذا بالنسبة الي المقام الأول.

و أما

المقام الثاني [في مقتضي النصوص الخاصة]

فقد دلت جملة من النصوص علي ان التصرف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 357

في العين يوجب سقوط الخيار منها ما رواه علي بن رئاب «1».

و هذه الرواية يستفاد من صدرها ان احداث ذي الخيار حدثا في الحيوان يوجب سقوط خياره و يستفاد من ذيل الحديث ان المراد من الحدث الموجب لسقوط الخيار عبارة عن ملامسة الجارية و تقبيلها و النظر منها الي ما يحرم عليه قبل الشراء فالمستفاد من الحديث صدرا و ذيلا ان الحيوان المشتري لو كان امة يسقط خيار المشتري بملامستها و تقبيلها و النظر إليها و لا يدل الحديث علي ازيد من هذا المقدار.

و منها ما رواه علي بن رئاب أيضا «2» و المستفاد من الحديث المذكور عين ما يستفاد من الحديث الاول لا ازيد.

و منها ما رواه الصفار «3» و المستفاد من الحديث صدرا و ذيلا ان مشتري الدابة اذا انعلها أو اخذ من حافرها يسقط خياره و لا دليل في الحديث علي ازيد من هذا المقدار فالنتيجة انه ليس في النصوص ما يدل علي ان مطلق التصرف في الحيوان يوجب سقوط الخيار كي يقال يشكل ذلك بأنه ما الفائدة في جعل الخيار فان اشتراء الحيوان لا ينفك عن التصرف فيه و لو بمقدار سوقها الي الاصطبل و ينحصر بقاء الخيار بزمان يكون الحيوان عند بايعه و

يلزم ان يكون جعل الخيار لغوا و خلاف حكمة الجعل فان حكمته التروي في الابقاء و الرد.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 340.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 341.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 341.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 358

فانقدح بما ذكرنا انه لا يستفاد من النصوص الاطلاق فلا يتوجه الاشكال لكن الانصاف ان المستفاد من اطلاق جواب الامام عليه السلام في حديث الصفار ان احداث الحدث في الدابة علي الاطلاق يوجب سقوط الخيار حيث قال عليه السلام فاذا احدث فيها حدثا، لكن لا يشمل الحديث مجرد الركوب أو السوق الي الاصطبل فلا ينافي حكمة الجعل.

«قوله قدس سره: يحتمل وجوها»

قد ظهر مما ذكرنا ان الحديث ليس مجملا فان المستفاد من كلامه عليه السلام أولا قاعدة كلية و هي ان احداث الحدث علي الاطلاق في الحيوان المشتري يوجب سقوط خيار المشتري.

و من ذيل كلامه روحي فداه يستفاد ان المراد بالحدث الملامسة و القبلة و النظر الي ما لم يكن جائزا قبل الاشتراء فالذيل مانع عن استقرار الظهور المستفاد من الصدر و تصير النتيجة ان الحيوان المشتري لو كان امة توجب هذه الافعال الثلاثة سقوط الخيار بالنسبة إليها و يكون قوله عليه السلام فذلك رضي منه جوابا للشرط.

و يكون معناه بحسب الظهور ان الامام يحكم بكون احداث الحدث اسقاط للخيار علي نحو الحكومة فان الشارع الاقدس له ان يعتبر امرا لمورد لا يكون كذلك فان احداث الحدث بنفسه لا يكون اسقاطا للخيار و لكن الشارع الاقدس اعتبره اسقاطا فلا خيار بعد ذلك و بعد ذلك فسر الحدث بالثلاثة المذكورة في الحديث.

و يدل علي المدعي الحديث الاخر لابن رئاب فان قوله عليه

السلام في ذيل الحديث اذا قبل أو لا مس أو نظر منها الي ما يحرم علي غيره فقد انقضي الشرط و لزمته يدل بمفهوم الشرط الذي حقق في محله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 359

علي عدم السقوط في غير الموارد المذكورة هذا بالنسبة الي الامة.

و يستفاد من حديث الصفار التفصيل بين اخذ الحافر و الانعال و بين الركوب بسقوط الخيار في الاولين و عدم سقوطه في الثالثة و بهذا النحو يفصل بمقتضي النصوص الواردة في المقام.

و صفوة القول ان سقوط الخيار بالتصرف أو باحداث الحدث بلا قصد اسقاط الخيار لا يقتضي السقوط بل اللازم بحسب القواعد الالتزام بالبقاء و انما نخرج عن تحت القاعدة و الحكم علي خلافها بمقدار قيام الدليل.

فتكون النتيجة هكذا فان الحيوان المشتري اما انسان و اما حيوان و علي الاول اما يكون عبدا و اما يكون امة فان كان عبدا لا يوجب التصرف فيه سقوط الخيار لعدم الدليل عليه و ان كان امة يكون التقبيل أو الملامسة أو النظر موجبا لسقوط الخيار و ان كان دابة يكون احداث الحدث فيها موجبا لسقوط الخيار و ان كان غير دابة لا يكون التصرف فيها باي نحو موجبا لسقوط الخيار فلاحظ.

[الثالث خيار الشرط]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث خيار الشرط»

لا اشكال في ان عقد البيع لو خلي و طبعه عقد لازم اجماعا و كتابا و سنة اما الاجماع فواضح فان لزوم العقد بيعا كان أو غيره لو خلي و طبعه امر ظاهر واضح و لو نوقش في الكلية فلا ريب في ان عقد البيع كذلك.

و اما الكتاب فقوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فان المستفاد من الآية الشريفة ان كل عقد لازم و المتعاقدان لا يجوز لهما

الفسخ.

و اما السنة فقوله صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار ما لم يفترقا و اذا افترقا وجب البيع فلا اشكال في اللزوم الطبعي الاصالي انما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 360

الكلام في انه هل يمكن صيرورة البيع جائزا بشرط الخيار أم لا؟

فنقول لا اشكال في ان الشرط لا يكون مشرعا بل لا بدّ من ان يكون الشرط في الرتبة السابقة امرا جائزا في الشريعة المقدسة كي يلزم بواسطة الشرط.

فلو شك في مشروعية شرط و عدمها لا يمكن اشتراطه لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية فكيف بمورد يكون عدم جوازه محرزا و المقام كذلك اذ قد علم من الشريعة المقدسة كما بينا ان عقد البيع لازم فاشتراط الخيار فيه علي خلاف المقرر الشرعي فلا بد من التوسل بدليل معتبر دال علي الجواز.

[الاستدلال علي جواز خيار الشرط في العقد]
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب الجواز وجوه

الوجه الأول الاجماع.

و فيه ما فيه فان الاجماع المنقول لا يكون حجة و المحصل منه علي فرض حصوله محتمل المدرك فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام.

الوجه الثاني: ما افاده سيدنا الاستاد قدس سره و هو ان الاهمال غير معقول في الواقع

فالبائع في مقام التمليك اما يهمل و اما يملك حتي بعد الفسخ و اما يملك الي زمان الفسخ اما الاهمال فهو غير معقول و اما الاطلاق فهو يرجع الي التناقض و التناقض باطل فيكون الامر منحصرا في الثالث و هو ان البائع يملك الي زمان قوله فسخت.

و يرد عليه أولا انه علي هذا لا فرق بين اشتراط الخيار و عدمه اذ المفروض ان التمليك الي زمان قوله فسخت و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم الفاسد و ان اشتراط الخيار، لا يفيد شيئا و وجوده كعدمه و ان البائع له الفسخ علي كلا التقديرين.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 361

و ثانيا انه يستلزم الغرر اذا المشتري لا يعلم انه مالك للعين في اي مقدار من الزمان و المعروف عندهم ان الغرر يفسد البيع.

و ثالثا ان المشتري لو باع العين من ثالث ثم فسخ البائع البيع يلزم ان يكون بيع المشتري باطلا اذ فسخ البائع يكشف عن عدم كون العين مملوكة للمشتري و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم الباطل.

و رابعا ان البيع بحسب الارتكاز العرفي العقلائي و المتشرعي ليس امرا موقتا و بعبارة اخري ليس التمليك البيعي تمليكا موقتا بل دائمي و الارتكاز ينافي مدعاه.

و خامسا ان الفسخ لا يكون غاية بل رافع و الرفع يتوقف علي الوضع فلا مجال لما افاده.

و سادسا ان التمليك الدائمي لا ينافي الفسخ و لا يكون البيع و جعل الخيار جمعا بين المتنافيين بل الفسخ يتوقف علي كون التمليك دائميا فان

البائع يملك العين من المشتري علي نحو الدوام غاية الامر يجعل لنفسه أو للمشتري حق رفع الامر الدائم فان البيع كالزواج و الفسخ كالطلاق فكما ان الطلاق يقطع الزوجية الدائمية و يرفعها كذلك الفسخ يرفع الملكية و يقطعها.

الوجه الثالث: ما عن سيدنا الاستاد أيضا

و هو ان المستفاد من دليل خيار المجلس ان امر لزوم العقد و جوازه بيد المتعاقدين.

بتقريب ان المستفاد من قوله عليه السلام فلا خيار بعد الرضا منهما ان الامر بيدهما و تابع لرضاهما.

و يرد عليه ان هذه الدعوي بلا دليل فانه يمكن ان يكون المراد بالرضا، الرضا باصل العقد فيكون معناه انهما بعد كونهما راضيين بالعقد و تفرقهما عن مجلسه يصير العقد لازما و يمكن ان يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 362

المراد ان العقد بعد رضاهما ببقائه و عدم فسخهما يصير لازما.

و يمكن ان يكون المراد ان التفرق غير الاكراهي يوجب اللزوم اضف الي ذلك انه ما المراد من هذه الدعوي و ان امر اللزوم بيدهما اي اذا اراد اللزوم يلزم و اذا اراد الجواز يجوز فان هذا المعني لا يرجع الي محصل فان اللزوم اعتبار شرعي لا يتصور فيه ارتباطه بالمتعاقدين و اذا كان الامر بيدهما فلا يحتاج الي اشتراط الخيار.

و بعبارة واضحة: انه اذا كان المراد انهما يقدران علي اشتراط الخيار في ضمن العقد يكون مصادرة بالمطلوب و ان كان المراد ان امر العقد دائما بيدهما فمرجعه الي ان العقد لا يكون لازما بل ابقاء و اعداما باختيارهما.

الوجه الرابع: ما عن سيدنا الاستاد أيضا

و هو انه لا اشكال في جواز اشتراط الافعال الجائزة كخياطة الثوب مثلا في ضمن العقد و مفهوم الاشتراط يتقوم بالارتباط فيرتبط فعل الخياطة مثلا بالوفاء اي الوفاء بالعقد يرتبط بالخياطة.

و بعبارة اخري يعلق الخيار علي عدم الخياطة فاذا جاز اشتراط الخيار بهذا النحو يجوز اشتراطه علي الاطلاق.

و يرد عليه أولا ان اشتراط الخياطة لا يتوقف علي جعل الخيار فان الاشتراط عبارة عن تعليق احد الامرين علي الامر الاخر فالذي يبيع داره

مثلا يمكنه ان يعلق بيع الدار علي الالتزام بخياطة الثوب فالالتزام بخياطة الثوب شرط للبيع.

ان قلت: التعليق في البيع يوجب بطلانه قلت: بطلان التعليق بالاجماع و لا اجماع فيما يكون المعلق عليه محرزا و انما يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 363

باطلا فيما يكون المعلق عليه امرا مرددا و مشكوكا فيه كقدوم زيد من السفر فاشتراط خياطة الثوب لا يتوقف علي جعل الخيار.

و ثانيا انا سلمنا صحة اشتراط الخيار هناك لكن لا نسلم جوازه علي الاطلاق لعدم الدليل.

الوجه الخامس النصوص الدالة علي جواز الشرط في ضمن العقد

و من تلك النصوص ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فلا يجوز «1». الي غيره من النصوص فان مقتضي اطلاق النصوص المشار إليها جواز كل شرط فيجوز اشتراط الخيار و قد اوردت في الاستدلال بهذه النصوص علي المدعي ايرادات:

الايراد الاول: ان الظاهر من هذه النصوص ما يرجع الي الفعل الصادر عن المكلف و بعبارة اخري النصوص بظاهرها ناظرة الي الحكم التكليفي فلا يعم الوضعي و فيه ان لا وجه لرفع اليد عن الاطلاق و تخصيص النصوص بالتكليف بل مقتضاها جواز كلا الامرين و لزومها بالاشتراط.

الايراد الثاني: ان جعل الخيار خلاف مقتضي العقد فلا يجوز اشتراطه.

و فيه ان مقتضي العقد تحقق الملكية و اللزوم و الجواز حكمان يعرضان عليه و ليس اللزوم مقتضي العقد و هذا ظاهر واضح.

الايراد الثالث: ان الاشتراط متقوم بكون الشرط تحت قدرة المكلف و الخيار امره بيد الشارع و لا مجال لاشتراط الفعل الصادر عن الشارع فانه خارج عن تحت الاختيار.

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي

المكاسب، ج 3، ص: 364

و يرد عليه انه لا اشكال في ان الخيار امر مقدور للمكلف و لذا يمكن جعله ممن لا يعتقد باللّه تعالي.

و ان شئت قلت: الخيار نحو اعتبار من الاعتبارات فلا يختص بناحية خاصة.

الايراد الرابع: ان الاشتراط مفهومه متقوم بالارتباط و ليس في جعل الخيار ارتباط و المعروف بين القوم انه لا اعتبار بالشرط الابتدائي.

و يرد عليه ان الامر ليس كذلك فان جعل الخيار يتصور بنحوين.

احدهما: ان يبيع داره مثلا علي نحو الاطلاق و يجعل لنفسه الخيار ثانيهما ان يشترط الخيار بان يعلق البيع علي التزام الطرف الاخر بالخيار فان كان علي النحو الاول لا يكون مؤثرا اذ جعل الخيار في في نفسه لا دليل علي صحته شرعا و اما اذا كان علي النحو الثاني فيكون صحيحا اذ مفهوم الاشتراط متحقق حيث فرض تعليق البيع علي الالتزام بالخيار.

ان قلت: التعليق يفسد العقد بالاجماع قلت: التعليق علي امر محرز وجوده لا يكون مبطلا فانه ليس مورد الاجماع.

الايراد الخامس: ان اشتراط الخيار مخالف مع المقرر الشرعي فان الشارع الاقدس حكم بلزوم البيع.

و قد اورد سيد الحاشية قدس سره علي الاشكال المذكور بان اللزوم ليس من مقتضيات العقد بل اللزوم مقتضي اطلاق العقد فلا يكون شرط الخيار خلاف المقرر الشرعي.

و ما أفاده لا يرجع الي محصل صحيح اذ نسأل ان دليل وجوب الوفاء بالعقد مهمل او مطلق او مقيد بعدم جعل الخيار و مع جعل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 365

الخيار لا يكون لازما اما الاهمال فغير معقول و أما التقييد فلا دليل عليه و مصادرة بالمطلوب و من الظاهر بطلانه و فساده فيكون مطلقا و مع الاطلاق يكون الشرط مخالفا مع المقرر الشرعي

فلا يصح.

و دفع الايرواني الاشكال بوجه آخر و هو ان اشتراط الخيار عبارة عن اشتراط استرجاع ما دفعه متي شاء و استملاكه متي احبّ و هذا من جملة الشروط فيصح بمقتضي دليل جواز الاشتراط.

و يرد عليه ان ما افاده ليس تحته شي ء اذ ما المراد من الاسترجاع فان كان المراد الاسترجاع مع مجوز شرعي فهذا لا يحتاج الي الشرط و الكلام في انه لا دليل علي المشروعية و ان كان المراد الاسترجاع بلا موجب و مجوز شرعي فهذا شرط فاسد و مخالف للشرع و ان كان المراد الاسترجاع مع رضا الطرف المقابل الراجع الي الاقالة فهذا امر جائز و الاقالة مستحبة و لا يحتاج الي الشرط فالنتيجة فساد الوجه المذكور كبقية الوجوه

الوجه السادس النصوص الخاصة الواردة في الموارد المخصوصة

منها ما رواه سعيد بن يسار قال:

قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: انا نخالط أناسا من اهل السواد و غيرهم فنبيعهم و نربح عليهم للعشرة اثني عشر و العشرة ثلاثة عشر و نؤخر ذلك فيما بيننا و بين السنة و نحوها و يكتب لنا الرجل علي داره أو علي ارضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي اخذ منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه فنعده ان هو جاء بالمال الي وقت بيننا و بينه ان نردّ عليه الشراء فان جاء الوقت و لم يأتنا بالدراهم فهو لنا فما تري في الشراء فقال: اري انه لك ان لم يفعل و ان جاء بالمال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 366

للوقت فرد عليه «1».

فان المستفاد من الحديث جواز جعل الخيار للمشتري فيجوز اشتراط الخيار و فيه انه حكم وارد في مورد مخصوص و لا يمكن ان يستفاد من الحديث قانون كلي عام فانه

من الممكن جواز جعل الخيار في خصوص تعليق الخيار علي رد الثمن.

الوجه السابع: ما يستفاد من بعض الروايات من ان جواز جعل الخيار كان مرتكزا في ذهن السائل

و الامام عليه السلام قرر ما في ذهنه لاحظ ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل ان يمضي الشرط فهو من مال البائع «2».

و لاحظ ما رواه ابن سنان أيضا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الي يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة و يحدث فيه الحدث علي من ضمان ذلك فقال: علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري شرط له البائع أو لم يشترط قال و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل ان يمضي الشرط فهو من مال البائع «3».

فان المستفاد من الحديث ان جواز جعل الخيار كان عند الراوي امرا مفروغا عنه و انما يسأل عن الضمان و الامام عليه السلام قرره علي ما في ذهنه و اجاب عن مسئوله.

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 2.

(3) تهذيب الاحكام ج 7 ص 24 الحديث 103.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 367

مضافا الي أنه يستفاد من كلام الامام عليه السلام في ذيل الرواية الاطلاق فان قوله عليه السلام و ان كان بينهما شرط مطلق يشمل جميع الموارد و الظاهر ان الوجه المذكور تام.

الوجه الثامن السيرة الجارية بين المتشرّعة و العقلاء بلا نكير

فانه لا اشكال في تحقق السيرة المذكورة بل يمكن ان يقال ان الاشكال في الجواز و الايراد يقرع الاسماع و يعد مستنكرا فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه»

لا ريب في جواز انفصال زمان الخيار عن العقد في مقام الثبوت و الامكان و ما قيل من أنه يلزم كون العقد جائزا بعد كونه لازما مدفوع.

أولا بانه يمكن تصوير عدم انفصال زمان الخيار مع عدم حدوث الجواز بعد اللزوم كما لو جعل الخيار من زمان التفرق عن المجلس أو من زمان انتهاء خيار الحيوان فالدليل اخص من المدعي.

و ثانيا ان ما افيد استبعاد محض و ليس تحته شي ء نعم عمدة الاشكال عدم الدليل علي جواز الانفصال اذ قد تقدم ان جعل الخيار خلاف القاعدة الاولية و انما التزمنا بالجواز في الجملة للسيرة و لبعض النصوص فلا دليل علي الجواز باي نحو كان اللهم الا أن يقال يمكن ان يستفاد الاطلاق من حديث بن سنان «1» فان قوله عليه السلام و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك الخ مطلق و لم يقيد عليه السلام كلامه بان يكون الشرط متصلا بالعقد و مقتضي الاطلاق

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 366.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 368

رفض القيود و عموم الحكم فلاحظ.

«قوله قدس سره: نعم يشترط تعيين المدة»

بتقريب انه مع عدم التعيين يكون البيع غرريا و قد نهي عنه و يرد عليه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ يمكن ان لا يكون غرريا كما لو كان المشتري رابحا علي اي تقدير فلا غرر و لا خطر و ثانيا انه قد قلنا سابقا انه لا دليل علي كون الغرر مفسدا للعقد.

«قوله قدس سره: و يشير الي ما ذكرنا

الاخبار الدالة علي اعتبار»

الخ لاحظ الباب الثالث من ابواب السلف من الوسائل و الحديث الخامس منه حديث «غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما الي اجل معلوم و لا تسلمه الي دياس و لا الي حصاد» الذي اشار إليه الشيخ.

و الانصاف انه لا يستفاد المدعي من النصوص المشار إليها فانه لا يرتبط احد البابين بالآخر و الاحكام الشرعية امور تعبدية لا تنالها عقولنا.

«قوله قدس سره:

مسألة لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة»

الخ الميزان صدق عنوان الغرر بلا فرق بين مصاديقه.

«قوله قدس سره: فجعلوا مدة الخيار في الصورة الثانية ثلاثة ايام»

الخ و المدرك للحكم المذكور امران احدهما الاجماع المدعي في المقام ثانيهما دعوي وجود اخبار دالة عليه و كلا الوجهين فاسدان اما الاجماع فمنقوله غير حجة و محصله علي تقدير تحصيله محتمل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 369

المدرك مضافا الي انه كيف يحصل الاجماع و اما الثاني فمجرد نقل اخبار دالة عليه و هذه الدعوي لا اعتبار بها كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص»

لم يظهر لي فرق بين النحوين فانه علي كلا التقديرين يكون تحديدا و حكما شرعيا و الامر سهل و العمدة عدم تمامية الدليل بما ذكر.

«قوله قدس سره: نعم قد روي في كتب العامة ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة اصابته في رأسه فقال له النبي صلي اللّه عليه و آله اذا بعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلثا و في رواية و لك الخيار ثلثا و الخلابة الخديعة»

و لا اعتبار بالرواية المشار إليها كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: و في دلالته فضلا

عن سنده ما لا يخفي»

يمكن ان يكون الوجه في الاشكال في الدلالة انها اجنبية عما نحن بصدده فان خيار الشرط امر بين الطرفين مجعول علي نحو الاشتراط و المستفاد من الحديث ان الرسول الاكرم صلي اللّه عليه و آله و سلم جعل في بيع الرجل خيارا له بدون رضا الطرف الاخر اي لا يشترط فيه كون الطرف راضيا و كيف كان لا اثر للحديث.

«قوله قدس سره:

مسألة مبدأ هذا الخيار من حين العقد»

فانه المنصرف من اطلاق الكلام كما في كلام الماتن.

«قوله قدس سره: بطل لادائه الي جهالة مدة الخيار»

ما أفاده غريب اذ الجهالة ناشية عن الخيار الذي قرره الشارع اي خيار المجلس و من الظاهر ان البيع لا يبطل من ناحية المقرر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 370

الشرعي و لا فرق من هذه الجهة بين جعل الخيار من حين التفرق و عدمه اذ المفروض ان الجهل متعلقه خيار المجلس و اما الخيار المجعول فلا جهل فيه فالحق ان مقتضي القاعدة عدم وجه للاشكال.

«قوله قدس سره: و قد تقدم عن الشيخ وجهه مع عدم تماميته»

تقدم انه يجوز اجتماع الخيارين بل ازيد و لا محذور في الاجتماع.

«قوله قدس سره: بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم علي المتعاقدين بخلاف قصدهما»

الخ لا اشكال في ان الامور الانشائية تابعة لقصد المنشئ و لذا اشتهر فيما بين القوم ان العقود تابعة للقصود فعلي هذا الاساس في مقام الدلالة إما يكون الكلام و لو بمعونة القرينة ظاهرا في معني و إما يكون مجملا.

أما علي الاول فلا اشكال في العمل علي طبق الظهور حيث انه حجة و اما مع الاجمال كما لو تردد الامر بين الجمعة و السبت فلا يترتب الاثر الا علي اعمال الخيار في

كلا اليومين حتي يعلم بان اعمال الخيار وقع في زمان تحقق الحق اي الخيار.

[مسألة يصح جعل الخيار لأجنبي]

«قوله قدس سره: يصح جعل الخيار لاجنبي»

لا اشكال في أنه لا مانع عن جعل الخيار للاجنبي فان باب الاعتبار باب واسع و لكن مجرد الامكان الثبوتي لا اثر له و أما في مقام الاثبات فلا دليل علي جوازه.

و عموم دليل جواز الشرط لا يقتضي جوازه اذ دليل الاشتراط لا يكون مشرعا للاحكام و من ناحية اخري ان الشرط يلزم ان لا يكون علي خلاف المقرر الشرعي و من ناحية ثالثة ان الدليل من الكتاب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 371

و السنة دل علي كون عقد البيع لازما و جعل الخيار يضاد اللزوم فالنتيجة عدم جواز الخيار للاجنبي ان قلت لا اشكال في جواز الوكالة فليكن هذا من مصادقيها قلت جعل الخيار لا يرتبط بالوكالة فان الخيار للموكل و الوكيل وجود تنزيلي له و لا اصالة للوكيل و اما في المقام فيكون الخيار له اصالة.

«قوله قدس سره: و لو جعل الخيار لمتعدد كان كل منهم ذا خيار»

مقتضي ما ذكرنا من عدم الجواز لا تصل النوبة الي عنوان الفرع المذكور و امثاله فيكون فرضيا و تعليقيا.

فنقول جعل الخيار للمتعدد يتصور علي اقسام القسم الأول ان يجعل الخيار لكل واحد مستقلا ففي هذه الصورة لو اجاز احدها و فسخ الاخر يكون العقد منفسخا و ليس هذا من باب تقديم الفسخ علي الاجازة بل من باب ان المفروض ان لكل واحد خيارا فيؤثر فعل كل منهما اثره.

القسم الثاني ان يكون الخيار للمجموع من حيث المجموع و في هذه الصورة ما لم يتحقق الاجتماع علي احد الطرفين لا يؤثر اذ المفروض ان الخيار للمجموع

فلا بد من الاجتماع.

القسم الثالث ان يكون الخيار للجامع و في هذه الصورة الامر للسابق و الوجه فيه ظاهر.

«قوله قدس سره: و لو خولف امكن اعتبار فعله و الا لم يكن لذكره فائدة»

اذا فرض ان الخيار جعل للاجنبي استقلالا لم يكن وجه للتفريق بينه و بين المتعاقدين اذ الاجنبي علي الفرض يصير بالجعل كاحدهما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 372

و الا لم يكن فائدة في جعله له.

ثم انه هل يلزم ان يراعي الاجنبي مصلحة الجاعل اذا قلنا بانه يصح جعل الخيار له الظاهر انه لا وجه للتقييد و عليه يكون الامر بيده و كما تقدم يكون كالاصيل فاجازته و فسخه نافذتان مضافا الي انه لو كان اعمال نظره مشروطا بالمصلحة فكيف يمكنه الامضاء أو الفسخ اذ ربما يكون الاعمال صالحا لاحد الطرفين دون الاخر الا في مورد يكون الاعمال علي صلاح كليهما.

«قوله قدس سره: ثم انه ربما يتخيل ان اشتراط الخيار للاجنبي مخالف للمشروع»

الخ الحق تمامية التخيل المذكور و ليس ما اشير إليه تخيلا بل امر مطابق مع الواقع فان الفسخ المشروع ما يكون بالاقالة و بالخيار الثابت بالشرع كخيار المجلس و الحيوان و الشرط فان العقد في حد نفسه لازم و لا يجوز جعل الخيار فما افيد في كمال الصحة.

و ما افاده الشيخ قدس سره من عدم المنع العقلي تام و لكن ما افاده عن عدم المنع الشرعي غير تام فان العقد لازم شرعا و من ناحية اخري الشرط يلزم ان لا يكون مخالفا للمشروع و في المقام يكون خالفا له و قياس ما نحن فيه بمسألة إرث الزوجة من الخيار مع الفارق فانه لو ثبت إرث الخيار و أيضا لو ثبت

ان الزوجة ترث الحق يتحقق الارث.

و صفوة القول ان الميزان في كل مورد تمامية الدليل و في المقام لا دليل علي الجواز بل مقتضي الاستصحاب عدمه فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة يجوز لهما اشتراط الاستيمار»

لو قلنا بجواز شرط الخيار كما تقدم انه جائز لا مانع شرط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 373

الاستيمار فيجب علي المشروط عليه العمل علي طبق الشرط.

«قوله قدس سره: فان فسخ المشروط عليه من دون استيمار لم ينفذ»

الخ.

اذ لا يكون الخيار ثابتا له علي الفرض فلا مجال للنفوذ كما انه لو استأمره و امره بشي ء و خالفه لم يكن ما فعله تاما لعين الملاك المتقدم و هذا واضح ظاهر.

«قوله قدس سره: فمعناه سلطنة صاحبه علي الفسخ».

الامر كما افاده مع قيام الدليل علي ان المراد من الاشتراط ان الطرف المقابل يمتثل امر المستأمر بالفتح مع طلبه من الشارط ففي هذه الصورة يجب علي المشروط عليه ان يفعل ما يريده الطرف المقابل فان لم يفعل ثبت للشارط خيار تخلف الشرط.

[مسألة من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع و يقال به بيع الخيار]
اشارة

«قوله قدس سره: و هو جائز عندنا»

جوازه علي طبق القاعدة الاولية فانه من مصاديق خيار الشرط و قد مرّ تماميته و جوازه فالجواز في هذه المسألة في الجملة لا اشكال فيه انما الكلام في بعض الخصوصيات مضافا الي دعوي الاجماع علي جوازه.

اضف الي جميع ذلك النصوص الخاصة الواردة في المقام منها ما رواه اسحاق بن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال: رجل مسلم احتاج الي بيع داره فجاء الي اخيه فقال: ابيعك داري هذه و تكون لك احب إليّ من ان تكون لغيرك علي ان تشترط لي ان انا جئتك بثمنها الي سنة ان تردّ علي فقال:

لا بأس بهذا ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه قلت: فانها كانت فيها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 374

غلة كثيرة فاخذ الغلة لمن تكون الغلة فقال:

الغلة للمشتري الا تري انه لو احترقت لكانت من ماله «1».

و منها ما رواه سعيد بن يسار «2» و منها ما رواه معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرجل الذي اشتري منه الدار حاصر فشرط انك ان اتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فاتاه بماله قال: له شرطه قال له أبو الجارود: فان ذلك الرجل قد اصاب في ذلك المال في ثلاث سنين قال: هو ماله و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «3».

فان هذه الطائفة تدل بوضوح علي المدعي و

قد تعرض الشيخ قدس سره في المقام لامور.
الأمر الأول ان اعتبار رد الثمن يتصور علي وجوه:
الوجه الأول ان يؤخذ قيدا للخيار علي وجه التعليق أو التوقيت

فلا خيار قبله و المراد بالرد فعل ما يكفي من طرفه كالتخلية بين المال و مالكه و ان لم يقبضه الطرف الاخر.

و يمكن أن يكون المراد بالتوقيت تعيين وقت كسنة مثلا بان يعلق الخيار علي رد الثمن في تلك المدة و بالتعليق عدم تعيين المدة و يعلق الخيار علي الرد بلا تعيين مدة.

و قد اورد في هذه الصورة ايرادان احدهما ان التعليق باطل

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 365.

(3) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 375

فالوجه المذكور باطل.

ثانيهما ان التعليق و جعل الخيار بالنحو المذكور يوجب كون البيع غرريا فيكون باطلا.

و يرد علي الاشكال الاول ان التعليق في الشرط لا يكون باطلا فان قوام الشرط بالتعليق و الربط و مقعد اجماعهم علي بطلان التعليق لا يشمل المقام.

و يرد علي الثاني انا

ذكرنا سابقا ان الغرر معناه الخديعة فلا يرتبط بامثال المقام مضافا الي انه لا دليل علي بطلان الغرر فان النبوي المعروف لا سند معتبر له.

و يضاف الي ذلك انه ربما لا يكون في الجعل المذكور خطر فالدليل اخص من المدعي.

الوجه الثاني ان يكون رد الثمن قيدا للفسخ لا قيدا للخيار

فيكون الخيار ثابتا من اوّل الامر بخلاف الوجه الأول لكن يشترط عليه أن لا يفسخ ذو الخيار الا بعد رد الثمن و في هذه الصورة لو فسخ قبل الرد يكون عاصيا لكن يؤثر فسخه اذ فرض ان له الخيار من اوّل العقد لكن للطرف المقابل ان لا يسلم العين الا بعد رد الثمن فان هذا شرط ارتكازي جار بين العقلاء.

ان قلت: لا يجوز ابقاء مال الغير و حبسه بدون اذنه فلا يمكن الاشتراط.

قلت: يرد عليه أولا انّا ننقض بعدم وجوب اقباض المبيع اورد الثمن في كل بيع بل في كل عقد يكون متعلقا بمالين للمتعاقدين و الكلام فيه هو الكلام فكيف يجوز هناك و لا يجوز هنا.

و ثانيا انه لا شبهة في جريان السيرة العقلائية عليه و لم تردع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 376

السيرة المذكورة من قبل الشارع.

الوجه الثالث أن يكون الفسخ بالرد أي يتحقق الفسخ بالرد

و الظاهر انه لا اشكال فيه الا ان يقال انه يرد عليه بانه ان كان الخيار مجعولا له و يكون مقتضي الشرط أن يفسخ بالرد فلا يكون فرق بينه و بين الوجه السابق و ان لم يكن كذلك يشكل الامر اذ عليه يكون الرد موضوعا لثبوت الخيار فكيف يمكن ان يكون فسخا.

الوجه الرابع: ان يكون رد الثمن موضوعا للاقالة

أي يشترط البائع علي المشتري انه اذا رد الثمن يقيله فيجب عليه الاقالة و اذا تخلف يجبره الحاكم و اذا لم يمكن الاجبار يتصدي بنفسه للفسخ لانه وليّ الممتنع و هذا علي تقدير قبول ولاية الحاكم بهذا المقدار.

الوجه الخامس: ان يشترط البائع علي المشتري انه لو رد الثمن يبيع العين منه

فيجب البيع علي المشتري بالشرط و لو تخلف يجبره الحاكم و مع عدم امكان الاجبار يتصدي هو بنفسه و يمكن ان يقال انه لو امتنع عن البيع في هذه الصورة أو امتنع من الاقالة في الصورة السابقة يتحقق للبائع خيار تخلف الشرط فلاحظ.

الوجه السادس: ان يعلق الانفساخ علي رد الثمن

و في هذه الصورة ان كان مرجع الشرط المذكور الي انفساخ العقد بنفسه من دون الفسخ يكون الشرط باطلا اذ الانفساخ بلا فسخ غير مقرر في الشريعة.

ان قلت: حديث معاوية بن ميسرة «1» يدل علي الجواز فانه الظاهر منه قلت الظاهر ان الحديث ظاهر في المدعي و لكن الاشكال في سنده فان معاوية لم يوثق و اما ان كان مرجعه الي الفسخ من حين العقد بنحو

______________________________

(1) قد مرّ الحديث في ص 374.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 377

شرط النتيجة فهل يكون صحيحا أم لا؟

و ربما يورد في هذا الوجه ايرادات الايراد الاول انه لا دليل علي صحة شرط النتيجة و يرد عليه انه يكفي للجواز الاطلاقات الواردة في العقود و الايقاعات و من ناحية اخري دليل نفوذ الشرط بإطلاقه يقتضي الصحة و لذا لا مانع من اشتراط الزوجة علي زوجها في عقد النكاح كونها وكيلة في طلاقها و في المقام يتحقق الفسخ بنفس الشرط.

الايراد الثاني: انه تعليق و التعليق باطل و يرد عليه انه لا اجماع في المقام و بطلان التعليق ليس امرا عقليا بل امر تعبدي.

الايراد الثالث ان الشرط المذكور مناف مع العقد اذ الفسخ يتوقف علي تحقق العقد كي يجوز فسخه فكيف يمكن فسخه قبل تحققه.

و يرد عليه انه لو كان زمان الفسخ متحدا مع زمان العقد لكان الايراد المذكور في محله و اما لو لم يكن كذلك

كما هو المفروض في المقام اذ رد الثمن متأخر عن العقد فلا اشكال.

الايراد الرابع: ان الشرط المذكور مخالف للشرع لان الفسخ يحتاج الي سبب شرعا و الانفساخ بلا فسخ خلاف الشرع.

و يرد عليه ان سببه الفسخ حين العقد بنحو الوجوب المشروط و لا مانع منه.

الايراد الخامس: انه أي دليل دل علي جواز الفسخ بهذا النحو مثلا هل يجوز ان يفسخ زيد البيع الذي يصدر منه بعد شهر من الآن؟ فلو قال كل بيع صدر مني في الشهر الآتي و يتحقق فيه خيار المجلس فسخته من الآن فهل يمكن القول بجوازه؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 378

الانصاف انه يشكل جوازه اذ لا دليل علي جواز الفسخ علي نحو الاطلاق كي يؤخذ به و يحكم بنفوذه مثلا المستفاد من قوله صلي اللّه عليه و آله البيعان بالخيار ما لم يفترقا ان البائع اذا باع داره أو مملوكه الاخر له ان يفسخ عقده ما دام في المجلس فما دام لا يتحقق عقد لا يتحقق خيار كي يسقط باسقاطه.

ان قلت: يسقط علي نحو الوجوب المشروط قلت: لا مانع منه ثبوتا و اما في مقام الاثبات فأي دليل دل علي جوازه.

و ان شئت قلت: المستفاد من الدليل ان ذا الخيار له ان يفسخ و أما من لا يكون له الخيار و بعد ذلك يحدث له الخيار فبأي ميزان نحكم بجواز اسقاط الخيار الحادث بعد ذلك و المقام كذلك فان الخيار يمكن ان يحدث بعد شهر مثلا برد الثمن و جواز اسقاطه من الآن يحتاج الي الدليل و لا دليل عليه بل الدليل موجود علي عدمه فان الاستصحاب يقتضي عدم تماميته فالنتيجة عدم الجواز.

«قوله قدس سره: و الا استقل

بالفسخ»

الخ يمكن أن يقال ان جواز الاستقلال بالفسخ لا يتوقف علي عدم امكان دخالة الحاكم فانه لو أبي عن الفسخ يتحقق خيار تخلف الشرط للبائع فلاحظ.

الأمر الثاني قال الشيخ قدس سره: الثمن المشروط رده اما ان يكون في الذمة الي آخر كلامه
اشارة

و قد تعرض في هذا الامر لعدة فروع.

الفرع الأول: ان الثمن اعم من ان يكون كليا أو شخصيا اذا لم يقبضه البائع يكون له الخيار

في تلك المدة المضروبة و ان لم يتحقق الرد اذ بحسب ما يفهم عرفا لا تكون للرد موضوعية بل الموضوع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 379

للخيار وصول الثمن بيد المشتري.

الفرع الثاني: ان البائع لو لم يفسخ حتي انقضت المدة فهل يسقط خياره أم لا؟

لا اشكال في أن الخيار المشروط برد الثمن ساقط اذ المفروض انقضاء المدة المضروبة فلا مقتضي لبقاء الخيار نعم اذا كان عدم القبض من ناحية عدم اقباض المشتري يثبت للبائع خيار تخلف الشرط.

الفرع الثالث انه لو كان الثمن شخصيا و قبضه البائع

فان شرط و علق الخيار علي رد عينه فما دام لم يرد العين لا يتحقق الخيار كما هو ظاهر اذ لا مقتضي للخيار في الفرض.

الفرع الرابع: انه لو قبض الثمن و شرط و علق الخيار علي رد العين أو بدلها في فرض عدمها

فلو عدمت العين ورد بدلها من المثل أو القيمة يثبت الخيار علي طبق الجعل.

الفرع الخامس: انه هل يجوز اشتراط الخيار بشرط رد بدل الثمن و لو مع بقائه أم لا؟

الظاهر انه غير جائز اذ الفسخ يقتضي رد العوض بنفسه فاعتبار كون بدله بدلا عنه و لو مع وجود المبدل خلاف المقرر الشرعي و مما ذكر يظهر الاشكال في جعل المثل بدل القيمي و القيمة بدل المثلي فان المستفاد من الدليل التعين ففي المثلي يتحقق المثل و في القيمي تتحقق القيمة.

الفرع السادس: ان الثمن اذا كان كليا فان كان في ذمة البائع فرده برد فرد من ذلك الكلي يتحقق الخيار

اذ بالبيع يصير ما في الذمة مملوكا للبائع و يسقط أي يتلف.

و يدعي الشيخ قدس سره ظهور حديث ابن يسار في هذه الصورة و لم افهم وجهه اذ لا يفهم المدعي من الحديث المذكور.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 380

الا أن يقال: يفهم من الحديث ان المخالط مع أهل السواد يبيع أولا عينا منه نسية ثم البدوي يبيع داره او ارضه من البائع الاولي و يجعل ثمن الدار او الارض ما في ذمته و يجعل خيارا لنفسه و الانصاف ان الحديث ليس واضح الدلالة بل فيه اجمال.

الفرع السابع: انه لو كان الثمن كليا في ذمة غير البائع و صار شخصيا بالقبض فاللازم رعاية الشرط المجعول بينهما

و أما اذا اطلق فمقتضاه عموم الحكم كما يقول به الشيخ و لكن قد تقدم انه مع بقاء العين لا مجال لرد المثل أو القيمة فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الأمر الثالث قيل ظاهر الاصحاب بناء علي ما تقدم من ان رد الثمن في هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع»
اشارة

الخ وقع الكلام في انه هل يمكن فسخ العقد في بيع الخيار برد الثمن و الوجه في وقوعه محل البحث ان الرد اذا كان مقدمة للخيار كيف يمكن ان يتحقق به الفسخ و الكلام في المقام تارة يقع مع قطع النظر عن النص الخاص الوارد في المسألة و اخري بلحاظ النص الخاص الوارد فيها فيقع الكلام في موضعين.

أما الموضع الاول فنقول ما يمكن ان يقال في تقريب المنع وجوه
الوجه الأول ان الرد بما هو رد لا يكون دليلا علي الفسخ.

و فيه ان التقريب المذكور يتم فيما لا تكون قرينة علي الفسخ و اما لو قامت قرينة عليه فلا مجال للاشكال.

الوجه الثاني: ان الرد دليل إرادة الفسخ و الإرادة غير المراد.

و فيه انه لو دل دليل علي كون الرد بعنوان الفسخ لا يبقي موضوع للاشكال و بعبارة اخري لو دل دليل علي ان من له الخيار اراد برده فسخ العقد يتم الامر بلا اشكال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 381

الوجه الثالث ان المفروض ان الرد موضوع لتحقق الخيار فما دام لم يتحقق الرد لا يتحقق الخيار

و الخيار عارض للعقد و من احكامه و الحال ان الفسخ اعدام للعقد و كيف يمكن ان يكون شي ء واحد و هو الرد موجدا للخيار و معدما للعقد فانه يلزم الخلف اذ يلزم من وجوده عدمه و ان شئت قلت يلزم ان يكون شي ء واحد و هو الرد يوجد الخيار و يعدم موضوع الخيار و مرجعه الي التناقض.

ان قلت: تأخر الخيار عن الرد رتبي فلا يتوجه الاشكال قلت:

الاشكال في ان لازم القول المذكور كون شي ء موضوعا لشي ء و مع ذلك يكون مقتضيا لعدمه و هو غير معقول نعم لا مانع ثبوتا من ان يقصد بالرد فسخ العقد بعد حين بنحو الوجوب المشروط لكن مجرد الامكان الثبوتي لا اثر له هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

و أما الموضع الثاني فيمكن أن يقال انه يستفاد من النص ان مجرد الرد يكفي في الفسخ

لاحظ ما رواه ابن عمار «1».

فانه عليه السلام قال: ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه فان قوله عليه السلام يدل علي ان الفسخ يتحقق بالرد فيتحقق التراد فلاحظ.

و اما ما أفاده الشيخ قدس سره من ان البائع يقصد بالرد كون المبيع له و الثمن للمشتري فغير تام فان الفسخ حل العقد و نتيجته التراد.

مضافا الي ان الرد تمام الموضوع لتحقق الحق فكيف يمكن ان يقصد به التراد الاعلي النحو التعليق و لا دليل عليه الا الخبر الخاص بالتقريب الذي تقدم منا.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 373.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 382

«قوله قدس سره:

الأمر الرابع يسقط هذا الخيار باسقاطه بعد العقد»

الخ بلا اشكال و لا كلام اذ قد علم من الشرع ان الخيار الحقي قابل للاسقاط نعم لو قلنا بان خيار الشرط يحدث بعد انقضاء المجلس أو كان زمان جعل الخيار متأخرا فهل يجوز اسقاطه أم لا؟

فان قلنا بانه اسقاط لما لم يجب و لا دليل علي صحته يشكل الحكم بالجواز و الا فلا مانع عن الاسقاط و لو لم يكن اسقاط ما لم يجب جائزا يشكل الاسقاط اذ الخيار برد الثمن لا يتحقق الا بعد تحقق الرد الخارجي فزمان الخيار متأخر عن العقد الا ان يفرض كون الثمن عند المشتري و لم يأخذ البائع منه أو يكون الخيار مجعولا من الاول و يشترط علي البائع ان لا يفسخ الا بعد رد الثمن أو يكون فسخه برد الثمن و في الفرض المذكور الخيار ثابت من اوّل الامر و يكون قابلا للاسقاط.

«قوله قدس سره: الا أن يفرق هنا بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد»

الخ هذا الفرق لا يكون مؤثرا في الجواز فان الاشكال في اسقاط ما

لم يجب و هو مشترك بين الموردين فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين»

الخ الظاهر ان التعبير بالسقوط مسامحة اذ قبل رد الثمن لا خيار كي يسقط و الحق في التعبير ان يقال ينعدم موضوع الخيار ثم ان التصرف المعدم للموضوع التصرف الذي يكون موجبا لانعدام الثمن بالانعدام الحقيقي أو الحكمي و الا فواضح ان مجرد التصرف

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 383

في الثمن لا مقتضي فيه للسقوط.

«قوله قدس سره: لاطلاق ما دل علي ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضاء بالعقد و لا خيار»

قد تقدم منا و نقول الآن انه لا دليل علي كون التصرف مسقطا للخيار و ما ورد في خيار الحيوان حكم تعبدي يختص بمورده و لا وجه للتعدي عنه مضافا الي ان الخيار لا يتحقق الا بعد الرد فلا خيار قبله كي يسقط نعم لو فرض ثبوت الخيار بالجعل من اوّل الامر يكون قابلا للاسقاط.

«قوله قدس سره: و قد عمل الاصحاب بذلك في غير مورد النص»

الخ لا اثر لعمل الاصحاب و عملهم لا يكون حجة علينا و قد ثبت في الاصول ان الشهرة الفتوائية لا تكون حجة بل ثبت هناك ان الاجماع لا اعتبار به فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان الظاهر عدم سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن»

الخ فان هؤلاء الاساطين استظهروا عدم سقوط الخيار بالتصرف و ذلك لان بناء العقد المذكور علي التصرف في الثمن و مع سقوط الخيار بالتصرف لا تبقي فائدة في الخيار و استدلوا علي مدعاهم بحديث ابن عمار «1».

حيث ان المستفاد من الحديث جواز التصرف في الثمن و مع ذلك يكون الخيار باقيا.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 373.

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 384

و اورد عليهم العلامة الطباطبائي قدس سره بان الكلام في التصرف في زمان الخيار و لا خيار قبل الرد و مجرد كون البائع قادرا علي ايجاد موضوع الخيار برد الثمن لا اثر له لان الميزان بالفعل لا بالقوة.

مضافا الي انه ربما لا يكون قادرا علي ايجاد الموضوع كما لو جعل الخيار بعد سنة.

و أورد عليه صاحب الجواهر قدس سره بأن تأخير مبدأ الخيار يوجب الجهل و هو يوجب الغرر و أيضا يستفاد من اخبار المسألة تحقق الخيار من اوّل العقد.

و الماتن اورد علي جميعهم فانه اورد علي المستظهرين بانه لا وجه للتفصيل و لا مجال لرفع اليد عن قولهم بسقوط الخيار بالتصرف.

و أورد علي الطباطبائي قدس سره بانه لا وجه لعدم القول بسقوطه بالتصرف من ذي الخيار فان المستفاد من الدليل سقوط الخيار بالتصرف فان الخيار المذكور يسقط بالقول بلا اشكال فيسقط بالفعل أيضا نعم لو كان الخيار منفصلا عن العقد يجري فيه الاشكال و لكن كما تقدم ربما يكون الخيار من اوّل الامر و اما النقاش في جهالة المدة فلا يرد اذ مع التعيين لا مجال للاشكال.

اقول: الحق ان الخيار لو كان معلقا علي الرد لم يكن مجال لاسقاطه قبله لعدم الدليل عليه هذا من ناحية و من ناحية اخري ان التصرف بما هو تصرف لا وجه لكونه مسقطا.

و اما النصوص الواردة في المقام فالحق عدم امكان الاستدلال بها علي الخيار برد الثمن اذ النصوص الواردة اما قاصرة من حيث السند

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 385

و اما كذلك من حيث الدلالة فان حديث معاوية بن ميسرة قاصر سندا.

و اما حديث ابن يسار فهو مجمل و

لا يمكن الاعتماد عليه و ان ابيت عن كونه مجملا نقول المستفاد منه ان البلدي يبيع بضاعته من القروي بثمن نسيئة و حيث انه لا يطمئن به يكتب القروي سندا يدل علي بيع داره أو ارضه من صاحب البضاعة و قبض ثمنه ففي الواقع وقع عقد بين البلدي و القروي يكون البلدي بايعا و القروي مشتريا و وقع عقد صوري لا واقعية لا يكون القروي بايعا و البلدي مشتري و البلدي وعد للقروي انه ان اتي بالثمن في الوقت المؤجل يرد داره و الا تكون له و الامام عليه السلام أمضاه فهذه الرواية ليس فيه خيار برد الثمن و لا ترتبط بالمقام اصلا.

و اما حديث ابن عمار فيمكن ان يكون الشرط الرد اي يشترط عليه ان يقيل اذا رد الثمن فلا يكون الخيار مجعولا فلاحظ، فدليل الخيار برد الثمن منحصر بدليل نفوذ الشرط اذ قلنا انه علم من السيرة الجارية بين العقلاء و المتشرعة جواز شرط الخيار و من الظاهر ان شرط الخيار برد الثمن من صغريات هذه الكبري الكلية فلو شرط الخيار برد الثمن لا مجال لاسقاطه قبل الرد اذ لا خيار قبله كي يسقط و اما التصرف بما هو تصرف فلا يكون مسقطا علي الاطلاق.

«قوله قدس سره:

الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري»

الخ

هذا علي طبق القاعدة الاولية فان من يكون مالكا لمال يكون تلفه من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 386

كيسه و كون تلفه علي غيره يحتاج الي الدليل و يؤيد المدعي قوله عليه السلام في ذيل حديث معاوية بن ميسرة أ رأيت لو ان الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري «1».

و لا فرق في ذلك بين ان يكون التلف قبل الرد

أو بعده كما ان القاعدة الاولية تقتضي ان تكون منافعه له.

«قوله قدس سره: و الظاهر عدم سقوط خيار البائع»

الخ قد مرّ منا ان هذا التعبير مسامحة اذ لا خيار قبل الرد و كيف كان فلو ردّ البائع الثمن فهل يتحقق الخيار المجعول أم لا؟

تارة يشكل بانه بعد تلف العين لا موضوع للخيار و هذه الدعوي فاسدة لان موضوع الخيار نفس العقد لا العين فلا يرتبط تلف العين و عدمه بالخيار و عدمه فلا اشكال من هذه الجهة.

و انما الاشكال من ناحية اخري فان جعل الخيار علي خلاف القانون المقرر الشرعي اذ ينافي لزوم العقد فيلزم الاقتصار علي مقدار تحقق السيرة الا ان يقال يستفاد من بعض النصوص جواز جعل الخيار و مقتضي اطلاقه جواز جعله حتي مع تلف العين لاحظ ما رواه ابن سنان «2».

فان المستفاد من هذه الرواية ان المرتكز في ذهن السائل بقاء خيار الشرط اي الخيار المسبب عن الشرط حتي بعد تلف العين و الامام عليه السلام لم يردعه عن ارتكازه مضافا الي ان قوله في ذيل الحديث صريح في المطلوب فلاحظ.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 374.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 366.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 387

«قوله قدس سره: و يحتمل عدم الخيار»

الخ في مقام الثبوت لا مانع عن جعل الخيار بحيث يبقي بعد تلف العين و الدليل الشرعي يساعده و اما في مقام الاثبات فاللازم رعاية الظهور و من الظاهر ان الظهور العرفي يختلف بحسب اختلاف الموارد و لا يبعد ان يكون الغالب ما افاده الشيخ فلا يبقي الخيار بعد التلف.

«قوله قدس سره: ثم انه لا تنافي بين شرطية البقاء و عدم جواز تفويت

الشرط»

الخ الامر كما افاده فانه لا تنافي بين ان يكون الابقاء و الحفظ شرطا واجبا علي المشتري و بين سقوط الموضوع بعد انعدام العين.

«قوله قدس سره: و لو تلف الثمن»

الخ الثمن قد يتلف بعد الرد و قد يتلف قبل الرد اما اذا كان بعد الرد فربما يقال يكون علي المشتري لقاعدة ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له و حيث ان الخيار للبائع يكون التلف علي المشتري.

و يرد عليه انه لا دليل علي تسرية تلك القاعدة الي الثمن فانها تختص بالمبيع فلا مقتضي للسريان و مقتضي القاعدة الاولية كون التلف علي مالك المال و اما ان كان التلف قبل الرد فأيضا لا وجه لكونه علي المشتري لما ذكرنا من عدم تسرية الحكم الي الثمن و اما اذا قلنا بالتسرية فهل يمكن الالتزام بكونه علي المشتري؟ الظاهر انه لا يمكن و ذلك لان الخيار بعد لم يتحقق و لا مال لترتب الحكم الحكم قبل تحقق موضوعه فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 388

«قوله قدس سره:

الأمر السادس لا اشكال في القدرة علي الفسخ برد الثمن علي نفس المشتري»
اشارة

الخ في هذا الامر فروع

الفرع الأول: لو صرح بجعل الخيار في فرض رد الثمن الي المشتري أو وكيله أو وليه يتحقق الموضوع برده كذلك

و لا اشكال فيه فان خيار الشرط خيار مجعول بين المتعاقدين و تابع لجعلهما سعة و ضيقا.

الفرع الثاني: انه لو صرح بكون الموضوع خصوص الرد الي المشتري لا اثر لرده الي غيره

و لو كان ذلك الغير وكيلا أو وليا و هذا أيضا ظاهر.

الفرع الثالث: لو لم يصرح باحد الطرفين فهل يتحقق الخيار برده الي احد المذكورين أم لا؟

الحق ان يقال تارة يفهم من القرينة و لو من جهة الارتكاز العموم فيكفي رده إليه و اما لو شك فمقتضي الاصل عدم سعة الجعل و عدم تحقق الخيار.

الفرع الرابع: انه هل يشترط في نفوذ الفسخ حضور المفسوخ عليه أم لا؟

الظاهر هو الثاني لعدم الدليل عليه نعم مورد نصوص الباب ظاهر في حضوره لكن هذا المقدار لا يمكن جعله دليلا للمدعي مضافا الي انه قد مر منا ان النصوص المشار إليها لا ترتبط ببيع الخيار.

الفرع الخامس: انه هل يكفي لثبوت الخيار و جواز الفسخ رد الثمن الي وارث المشتري؟

الظاهر هي الكفاية للارتكاز.

الفرع السادس: انه هل يجوز لوارث البائع ان يرد الثمن أم لا؟

الظاهر انه لو قلنا بارث الخيار له ان يرد و تحقيق إرث الخيار و عدمه موكول الي مجال آخر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 389

الفرع السابع انه هل يجوز الرد الي الولي

و الحال ان الولي يلزم ان يراعي مصلحة المولي عليه او ان لا يكون التصرف مضرا بحاله أم لا؟ الحق انه لا مجال لهذه الشبهة فانه ليس تصرفا في مال المولي عليه كي يتوجه الاشكال المذكور بل التصرف صادر عن البائع و هو تصرف ناش عن الحق.

و بعبارة واضحة: لا اختيار للولي في مفروض الكلام بل يده يد المولي عليه فكما ان المولي عليه لم يكن له الامتناع كذلك ليس للولي الامتناع و علي هذا الاساس لو وصلت النوبة الي عدول المؤمنين يحصل موضوع الخيار اي الرد و هو رده إليهم و علي الجملة ليس اخذ الولي تصرفا اختياريا كي يقال يلزم كونه موافقا مع صلاح المولي عليه بل المدعي حصول الرد و تحققه فلاحظ.

الفرع الثامن: انه لو اشتري الأب شيئا للصغير بالخيار برد الثمن فهل يجوز للجد ان يأخذ المردود؟

أو يجوز للاب ان يأخذه لو انعكس الامر؟ الظاهر هو الجواز فانه لا فرق بينهما اذ كلاهما قد ثبتت ولايتهما علي الصغير فيكون كل منهما بدلا عن الاخر.

الفرع التاسع انه لو اشتري احد حكام الشرع للصغير شيئا ببيع الخيار فهل يجوز رد الثمن الي الحاكم الثاني

الظاهر انه لا وجه لعدم الجواز فان تملك الثمن امر جديد فلا يكون تصرفا في مورد التصرف الصادر عن الحاكم الاول فيجوز و لكن اذا فرض انه يعد عرفا مزاحمة مع الحاكم الاول يشكل الجواز لعدم الدليل علي الولاية علي الاطلاق بل ولاية الحاكم من باب القدر المتيقن و لا يقين في الفرض مضافا الي انه اذا صدق عنوان المزاحم يشكل الجزم ببقاء عدالة المزاحم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 390

فيسقط عن الاعتبار.

«قوله قدس سره:

الأمر السابع اذا اطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك الا برد الجميع فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ»
اشارة

الخ.

قد ذكر الشيخ قدس سره في هذا الامر فروعا

الفرع الأول: انه لو اطلق ليس له الفسخ و الامر

كما افاده فانه الظاهر من اللفظ عند الاطلاق و الظهور حجة.

الفرع الثاني: انه ليس للمشتري التصرف في المقدار المدفوع

لانه ملك الغير و لا يجوز التصرف فيه الا باذنه.

الفرع الثالث: انه لو تلف يكون المشتري ضامنا

لان رده بعنوان الثمنية لا بعنوان الامانة كي يقال ان الامين لا يضمن.

و يشكل بان المدفوع لا يتعنون بعنوان الثمنية الا بعد الفسخ فكيف يمكن فرض تعنونه بالثمنية مع عدم تحقق الخيار كما هو المفروض.

لكن لا يبعد ان يقال ان الدافع للثمن اذا كان دفعه بعنوان تحقق موضوع الخيار، بالارتكاز يشترط الضمان فيدخل تحت عنوان العارية المضمونة.

الفرع الرابع: انه لو اشترط الخيار في كل جزء دفع الي المشتري فهل يكون الشرط المذكور جائزا كما قال به الشيخ أم لا؟

الانصاف انه يشكل الالتزام بالجواز فان جعل الخيار خلاف المقرر الشرعي و انما التزمنا بجوازه لاجل السيرة و اثبات السيرة بهذا النحو مشكل مضافا الي ان جعل الخيار لكل جزء متوقف علي تعدد البيع و الحال انه بيع واحد و لا تعدد فيه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 391

الفرع الخامس: انه لو قلنا بجواز التبعيض و بعض البائع هل يحصل للمشتري خيار تبعض الصفقة أم لا؟

الانصاف يقتضي عدمه فان خيار تبعض الصفقة لا دليل عليه الا اشتراط الخيار ارتكازا و فيما نحن فيه هذا الاشتراط خلاف الارتكاز فان الشرط الاول يقتضي عدم تحقق الشرط الثاني اذ اشتراط البائع الخيار في كل جزء ناش من انه ربما يريد ابقاء البعض الاخر فكيف يقبل الخيار الناشي عن التبعض.

الفرع السادس: انه يجوز جعل الخيار برد جزء معين

بان يرد الجزء و يكون له فسخ الكل فانه يجوز علي القاعدة اذ انه من مصاديق جعل الخيار و اذا فسخ يبقي باقي الثمن في ذمته ان كان كليا و يرجع الباقي الشخصي ان كان شخصيا.

الفرع السابع: انه يجوز جعل الخيار في الكل برد جزء غير معين

و الكلام فيه هو الكلام. ان قلت: اذا لم يكن معينا يلزم الغرر؟

قلت: نجيب أولا انه يمكن تصوير الامر علي نحو لا يكون غررا و ثانيا انه قد مرّ منا ان الغرر لا دليل علي كونه مفسدا بالإضافة الي ان الغرر معناه الخديعة لا الخطر.

«قوله قدس سره:

الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن»
اشارة

الخ أيضا ذكر الماتن في الأمر الثامن فروعا

الفرع الأول انه يجوز للمشتري جعل الخيار لنفسه اذا رد المثمن

و هذا علي طبق القاعدة الاولية اذ قد تقدم ان اشتراط الخيار مورد السيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 392

الفرع الثاني: انه لو اطلق ينصرف الاطلاق الي رد نفس العين

و اذا صرح باشتراط الخيار حتي بعد تلف العين بردّ عوضه يثبت له الخيار لجواز اشتراطه.

الفرع الثالث: انه هل يجوز جعل الخيار بردّ العوض مع وجود العين بحيث يرد بدل العين الي الطرف المقابل بعد الفسخ أم لا؟

الظاهر هو الثاني لان الفسخ يقتضي التراد فهذا الشرط خلاف المقرر الشرعي و الشرط لا يكون مشرعا فلو فسخ يصح فسخه و لكن ترجع العين الي البائع.

و أما ما افاده الماتن من الاشكال في أصل الفسخ فلا وجه له اذ انه صادر من اهله و واقع في محله الا ان يجعل الخيار بالنحو المقيد أي الخيار الّذي اذا اخذ به لا ترد العين مع بقائها فان الخيار بهذا النحو غير مجعول شرعا.

الفرع الرابع: انه هل يجوز اشتراط ايفاء المثلي بالقيمة أو ايفاء القيمي بالمثل أم لا؟

الظاهر جوازه فانه شرط فعل علي المشروط عليه و لا مانع منه لكن هذا النحو من الشرط يجوز مع بقاء العين بان يشترط التبديل و لعله بأمره بالتأمل يشير الي ما ذكرنا.

و لا يخفي ان الذي ذكرنا بالنسبة الي القيمة و المثل علي مسلكهم من ضمان المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة و أما علي مسلكنا من ان نفس العين تثبت في الذمة و ادائها اما بالمثل أو القيمة فلا تصل النوبة الي البحث المذكور.

الفرع الخامس: انه يجوز جعل الخيار لكل من الطرفين علي الاخر

كما هو ظاهر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 393

«قوله قدس سره:

مسألة لا اشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع»

الخ وقع الكلام بينهم في جريان خيار الشرط في غير البيع من العقود اللازمة و في غيرها من العقود الجائزة و في غيرها من الايقاعات.

و قبل الخوض في البحث نتذكر ان الاستدلال بدليل الشرط و الاجماع المدعي في المقام علي الجريان لا مجال له فان دليل الشرط غير مشرع فلا بد من احراز الجواز في الرتبة السابقة في كل مورد كي يلزم ذلك الامر الجائز بالشرط و اما لو وصلت النوبة الي الشك فلا يمكن الاخذ بدليل الشرط لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية بل بالاستصحاب يحرز عدم جواز الاشتراط و أما الاجماع فلا مجال للاستدلال به فانه منقولا و محصلا محل الاشكال.

و ربما يقال ان الاقالة في كل مورد تكون جائزة يكون اشتراط الخيار جائزا.

و يرد عليه انه لا ملازمة بين الامرين فان الاقالة هي الفسخ من الطرفين و الفسخ تصرف من جانب واحد و لو مع كراهة الطرف المقابل مضافا الي ان جريان الاقالة في كل مورد يحتاج الي الدليل و مع عدمه لا يمكن الالتزام بجوازها فعلي هذا لا بدّ من ملاحظة كل عقد أو ايقاع و اجراء القاعدة فيه فنقول من العقود اللازمة الاجارة.

و الظاهر انه لا اشكال و لا كلام في جواز جعل الخيار فيها و السيرة جارية علي جعل الخيار فيها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 394

و من العقود اللازمة الصلح و لا اشكال أيضا في جواز جعل الخيار فيه بالاشتراط بل الامر في الصلح من هذه الجهة اظهر من الاجارة و منها الرهن فانه نقل عن بعض الاساطين ان جعل الخيار فيه

ينافي كونه وثيقة للدين.

و فيه ما لا يخفي فان عمدة الاشكال عدم الدليل علي الجواز بل الدليل قائم علي عدمه و هو الاستصحاب فلاحظ. و قس علي ما ذكر بقية العقود اللازمة فان الاصل الاولي عدم الجواز و الجواز يحتاج الي الدليل ففي كل مورد ثبت الجواز بالسيرة نلتزم به و الا فلا.

و مما ذكرنا ظهر الحال بالنسبة الي العقود الجائزة فانه يكفي لعدم الجواز عدم ثبوت مشروعية جعل الخيار بل الثابت بالاستصحاب عدمه و هذا هو العمدة و الا فالاشكالات الواردة علي جعل الخيار في العقود الجائزة كاللغوية و اجتماع المثلين و تحصيل الحاصل و امثالها لا ترجع الي محصل.

و مما تقدم يظهر عدم جواز اشتراط الخيار في الايقاعات فانه يكفي لعدم الجواز عدم قيام دليل علي الجواز بل قلنا ان مقتضي الاستصحاب عدم الجواز و الا فالوجوه المذكورة للمنع قابلة للدفع للفقيه الخبير بالصناعة فلاحظ.

[الرابع خيار الغبن]
اشارة

«قوله قدس سره: و اصله الخديعة»

قال البحراني قدس سره في الحدائق اصله الخديعة و قال الطريحي في المجمع يقال غبنه في البيع من باب ضرب غبنا و يحرك خدعه و الانصاف ان الجزم بكون مفهوم الغبن متقوما بالخدعة مشكل

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 395

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 395

و يمكن الاستدلال علي عدم تقومه به بصحة الاستعمال و لو مع عدم الخدعة بل يتبادر من اللفظ الخسارة و الخسران في المال أو العمر و اذا ثبت تقومه بها يترتب عليه اثر مهم نتعرض له عن قريب إن شاء اللّه تعالي.

«قوله قدس

سره: قال في الصحاح هو بالتسكين في البيع و الغبن بالتحريك في الرأي».

قال الطريحي في مجمعه و غبن رأيه غبنا من باب تعب قلّت فطنته و ذكائه.

«قوله قدس سره: و هو في اصطلاح الفقهاء تمليك ماله بما يزيد»

قال في الحدائق و المراد هنا البيع و الشراء بغير القيمة مع الجهالة اذا كان الغبن بما لا يتسامح به غالبا بان شراه بزيادة علي القيمة أو بنقصان عنها فالمرجع فيه الي العادة لعدم تقديره شرعا.

«قوله قدس سره: مع انه قد لا يكون خدعا اصلا»

فالخيار المبحوث عنه في محل الكلام لا يكون معلقا علي تحقق عنوان الخدعة.

«قوله قدس سره: و المراد بما يزيد او ينقص العوض»

الامر كما افاده فان الاشتراط ربما يوجب تغيّر القيمة فلا بد من ملاحظة المجموع من حيث المجموع.

«قوله قدس سره: و الظاهر ان كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن مفهومه».

أي عنوان الغبن يصدق حتي مع الاختلاف بما يتسامح غاية الامر لا يكون موضوعا للخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 396

«قوله قدس سره: ثم ان ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين الاصحاب»

قال في الحدائق و هذا النوع من الخيار لم يذكره كثير من المتقدمين و القول به انما ثبت عن الشيخ و اتباعه و نقل في الدروس و كذا في المسالك عن المحقق في الدرس القول بعدمه الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

و كيف كان

ما يمكن ان يذكر في تقريب الاستدلال عليه وجوه.
الوجه الأول: الاجماع

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر فان المنقول منه غير حجة و المحصل منه علي تقدير حصوله محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به.

الوجه الثاني: قوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ» *

«1» بتقريب ان المستفاد من الآية النهي عن الاكل بالباطل و البيع الغبني باطل.

و فيه أولا: ان لازمه بطلان العقد لا صحته و ثبوت الخيار فيه.

و ثانيا انا قد ذكرنا مرارا ان الباء للسببية لا للمقابلة فتكون الآية اجنبية عن المدعي فان البيع من الاسباب الصحيحة.

الوجه الثالث قوله تعالي: «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

و يمكن ان يقرب الاستدلال بالآية علي المدعي بوجهين احدهما ان المستفاد من الآية اشتراط الرضا بالتجارة و المغبون اذا كان عالما لا يكون راضيا.

و يرد عليه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ ربما يكون راضيا

______________________________

(1) النساء/ 29.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 397

حتي مع العلم بالغبن و ثانيا ان المعتبر الرضا الفعلي و لا اثر للتقديري.

و ثالثا ان لازم التقريب المذكور بطلان العقد لا صحته و ثبوت الخيار فيه ثانيهما ان الرضا المعتبر في التجارة المعني المستفاد من اسم المصدر لا المعني المستفاد من المصدر.

و بعبارة اخري يعتبر فيها ما يكون باقيا و هو الحاصل عن المصدر و اما المعني المصدري الّذي لا بقاء له فهو لا يكون شرطا و حيث ان الرضا لا يكون باقيا بعد العلم بالغبن فلا تصح التجارة.

و فيه أولا ان لازم هذا التقريب عدم الصحة حتي في صورة ترقي العين فان البائع لو كان عالما بالترقي لم يبيع و هل يمكن الالتزام به.

و ثانيا ان الدليل اخص من المدعي فانه ربما يكون راضيا حتي مع الغبن و ثالثا ان لازم القول المذكور بطلان البيع لا صحته مع الخيار كما هو المدعي فالمدار بالمعني المصدري لا اسمه.

الوجه الرابع: قاعدة نفي الضرر

فان مقتضي القاعدة المذكورة رفع الحكم الضرري.

و يرد عليه أولا ان الاستدلال بالقاعدة يتوقف علي القول المشهور في معني القاعدة و اما علي مسلك شيخ الشريعة فلا مجال للاستدلال بها علي المدعي.

و ثانيا انه علي فرض تمامية الاستدلال تكون نتيجته بطلان العقد لا اثبات الخيار و ان شئت قلت المستفاد من دليل نفي الضرر بطلان العقد الضرري لا تدارك الضرر الواقع بالخيار فلاحظ.

الوجه الخامس: الروايات الواردة في تلقي الركبان

منها ما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 398

عن عوالي اللآلي عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه نهي عن تلقي الركبان و قال: من تلقاها فصاحبها بالخيار اذا دخل السوق و عنه صلي اللّه عليه و آله انه قال في حديث: و لا تلقوا السلع حتي يهبط السوق «1».

و منها ما عن السيد ابن زهرة في الغنية: عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال: فان تلقي متلق فصاحب السلعة بالخيار اذا ورد السوق «2».

فان تلك الطائفة تدل علي ان الركبان اذ ادخلوا السوق لهم الخيار.

و فيه أولا ان السند ضعيف و ثانيا انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا يستفاد العموم من تلك الطائفة.

و ثالثا انها لا تدل علي ثبوت الخيار للمغبون فلاحظ.

الوجه السادس النصوص الواردة في غبن المسترسل

منها ما رواه اسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال غبن المسترسل سحت «3».

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا انه لا يدل علي الخيار بل يدل علي حرمة الغبن و بعد كون الرواية ضعيفة لا مجال للدقة فيها و ذكر ما يحتمل في المراد منها.

و منها ما رواه ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: غبن

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 29 من ابواب آداب التجارة الحديث 3.

(2) نفس المصدر الحديث 4.

(3) الوسائل الباب 17 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 399

المؤمن حرام «1».

و يرد عليه ان المستفاد من الحديث ان غبن المؤمن حرام و لا تدل الرواية علي ثبوت الخيار.

و منها ما رواه علي بن موسي بن طاوس في كتاب (الاستخارات) عن احمد بن محمد بن يحيي قال: اراد بعض أوليائنا الخروج

للتجارة فقال: لا اخرج حتي آتي جعفر بن محمد عليه السلام فاسلّم عليه و استشيره في امري هذا و اسأله الدعاء لي قال: فاتاه فقال له يا ابن رسول اللّه انّي عزمت علي الخروج الي التجارة و اني آليت علي نفسي ان لا اخرج حتي القاك و استشيرك و اسألك الدعاء لي قال: فدعا له.

و قال عليه السلام: عليك بصدق اللسان في حديثك و لا تكتم عيبا يكون في تجارتك و لا تغبن المسترسل فان غبنه لا يحل و لا ترض للناس الا ما ترضي لنفسك و أعط الحق و خذه و لا تخف و لا تخن فان التاجر الصدوق مع السفرة الكرام البررة يوم القيامة و اجتنب الحلف فان اليمين الفاجرة تورث صاحبها النار و التاجر فاجر الا من اعطي الحق و اخذه و اذا عزمت علي السفر أو حاجة مهمة فاكثر الدعاء و الاستخارة فان ابي حدثني عن ابيه عن جده ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كان يعلّم اصحابه الاستخارة كما يعلّم السورة من القرآن الحديث «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي انها تدل علي حرمة الغبن و لا تدل علي الخيار

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب الخيار الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب آداب التجارة الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 400

و منها ما رواه ابو هريرة قال: نهي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله ان يبيع حاضر لباد «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا مضافا الي انها لا تدل علي الخيار و منها ما ارسله في دعائم الاسلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه نهي ان يبيع الحاضر للبادي «2» و

المرسل لا اعتبار به.

الوجه السابع: الاشتراط الضمني الارتكازي

بتقريب ان كل شخص يريد ان يتحفظ مالية ماله و غير راض بالضرر فبارتكازه حين العقد يشترط لنفسه الخيار اذا كان مغبونا و من ناحية اخري ان اشتراط الخيار امر جائز في الشريعة.

و ان شئت قلت بعد ما فرضنا ان الانسان في مقام المعاملة بصدد ابقاه مقدار مالية ماله في العوض الذي يأخذه من الطرف المقابل فاذا اقدم علي المعاملة فاما يقيد المأخوذ بكونه ذا مالية كذائية و اما يعلق العقد علي كونه موصوفا بهذا الوصف و اما يعقد علي الاطلاق و يجعل لنفسه الخيار.

اما الاول و الثاني فلا يمكن الالتزام بهما فان الجزئي الخارجي غير قابل للتقييد و التعليق باطل بالاجماع فالامر منحصر في الطريق الثالث.

فالنتيجة ان خيار الغبن من باب الاشتراط الضمني الارتكازي و لازمه ان المغبون يرضي بالعقد غاية الامر يشترط لنفسه الخيار في صورة كونه مغبونا و شرط الخيار جائز.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 30 من ابواب آداب التجارة الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 401

بقي شي ء و هو انه لو صدق عنوان الخدعة و التغرير في مورد و صح أن يقال ان البائع الفلاني غرر و خدع المشتري في تلك المعاملة أو انعكس الامر و صدق ان المشتري خدع البائع و اوقعه في الخسارة يمكن ان يقال ان قانون الغرور يقتضي جواز الرجوع و اخذ الغرامة من الغار.

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله يشير الي ان هذه الوجوه لا تقتضي الظهور و ما دام لا ينتهي الامر الي الظهور العرفي لا يترتب عليه اثر اضف الي ذلك ان الاستدلال بقاعدة نفي الضرر مخدوش كما مرّ.

«قوله قدس سره: فالعمدة في المسألة الاجماع المحكي»

الخ

قد تقدم منا انه لا مجال للاستناد لا الي الاجماع و لا الي حديث نفي الضرر بل العمدة الاشتراط الضمني

«قوله قدس سره:

مسألة يشترط في هذا الخيار امران
الأول عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بالقيمة فلا خيار»

فانه مع العلم لا مجال لان يقال بارتكازه شرط الخيار في صورة الغبن.

«قوله قدس سره: بل لا غبن»

اذ اشرب بحسب المتفاهم العرفي في مفهوم الغبن الجهل و اما الاقدام علي الضرر مع العلم فلا يصدق علي المقدم عنوان المغبون.

«قوله قدس سره: ثم ان الظاهر عدم الفرق»

المدرك للخيار الشرط الارتكازي الضمني ففي كل مورد قام دليل علي انه مقدم علي العقد و ان كان ضرريا بحيث لا يكون بحسب الارتكاز شارطا لا يتحقق الخيار كما ان الامر كذلك لو وصلت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 402

النوبة الي الشك فان مقتضي الاصل عدم تحقق الشرط الارتكازي فلا خيار.

«قوله قدس سره: فلا يبعد الخيار»

لتحقق الاشتراط المذكور و لو ارتكازا و المراد من الارتكاز في المقام و نظائره انه يصدق في عرف العقلاء انه امر مركوز و يكون مقدرا بحيث يترتب عليه الاثر.

«قوله قدس سره: ثم ان المعتبر القيمة حال العقد»

الامر كما افاده فان الاشتراط المذكور بلحاظ ذلك الزمان و هو الميزان.

«قوله قدس سره: و يحتمل عدم الخيار»

لكنه ضعيف و لا وجه له فانا ذكرنا ان المدرك الوحيد للخيار الاشتراط الارتكازي فان تحقق يترتب عليه الخيار و الا فلا فرق بين صور المسألة.

«قوله قدس سره: كما لو برء المعيوب»

يظهر مما ذكرنا انه أيضا غير سديد فان الميزان بالاشتراط و عدمه الا ان يقال ان الارتكاز يقتضي عدم الاشتراط في جملة من الموارد و لا يبعد ان يكون كذلك و ان كان في النفس شي ء.

«قوله قدس سره: سقط حق الرد»

بتقريب ان الشرط الارتكازي يدور مدار الغبن

و عدمه.

«قوله قدس سره: و اشكل منه ما لو توقف الملك علي القبض»

الكلام فيه هو الكلام فان مقتضي الاشتراط الارتكازي تحقق الخيار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 403

و لا دخل لحصول الملكية و عدمه في هذه الجهة فالعمدة سعة الجعل و ضيقه.

«قوله قدس سره: ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد»

اذ المفروض انه لا شأن له الا كونه لسانا للموكل فالاثر لعلم الموكل و عدمه و ان شئت قلت ليس للوكيل المذكور صلاحية الجعل و الاشتراط بخلاف ما لو كان وكيلا مفوضا فان الامر بيده و له الوضع و الرفع.

«قوله قدس سره: الا ان يكون عالما بالقيمة»

الظاهر انه لا وجه له فانه قد فرض كونه مفوضا و هو بارتكازه يجعل الخيار و شرطه نافذ فلا وجه لانكاره بالتقريب المذكور في كلام الماتن.

«قوله قدس سره: الا أن يكون وكيلا مطلقا»

مراده قدس سره ان الوكيل المفوض يجوز له ان يفسخ العقد بمقتضي الخيار الثابت للموكل و ليس المراد ان الخيار ثابت له فانه لا مقتضي له كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن»

فان اقرار العقلاء علي انفسهم جائز نافذ كما انه يثبت بالبيّنة.

«قوله قدس سره: و بالبينة»

فان البيّنة علي مدعي الخيار فاذا اقام البيّنة علي كونه جاهلا يثبت الخيار ان قلت الجهل ليس موضوعا للخيار فما فائدة اقامة البيّنة عليه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 404

قلت: بعد فرض الاتفاق علي تفاوت القيمة و وقوع المشتري في الضرر فان كان مدرك الخيار حديث لا ضرر فالامر ظاهر اذ الضرر يقتضي الخيار و العلم مانع عن تأثير المقتضي فاذا ثبت الجهل يتم الامر.

و أما ان كان المدرك الاشتراط

الارتكازي فان الغابن معترف بتحقق الاشتراط مع الجهل غاية الامر ينكر الجهل فأيضا الامر ظاهر و أما مع عدم اعترافه فالبينة القائمة علي الجهل تدل علي الاشتراط بالملازمة الا ان يقال انه لو فرض انكار الغابن الملازمة لا اثر لاقامة البينة أيضا.

و بعبارة اخري الدلالة الالتزامية موقوفة علي الاعتراف بالتلازم لكن كيف يمكنه انكار التلازم و الحال انه مفروغ عنه. و علي الجملة لا اشكال في ان قيام البيّنة علي الجهل يقتضي الخيار فان خلافهما في الجهل و عدمه و اما مع اثبات الجهل فلا كلام في تحقق الخيار و لذا قلنا ان الاعتراف بالجهل يقتضي الخيار فلاحظ.

«قوله قدس سره: لاصالة عدم العلم»

الخيار مترتب علي الاشتراط و اما العلم أو الجهل فلا يكونان موضوعين للخيار و عدمه الاعلي النحو المثبت.

«قوله قدس سره: مع انه قد يتعسر اقامة البينة علي الجهل»

الخ يرد عليه أولا انه ما الوجه في تعسره فانه يمكن ان يحصل الاطلاع عليه كما يحصل الاطلاع علي غيره من الصفات النفسانية و ثانيا انه ما الوجه في وصول النوبة الي اليمين و سماع قوله بمجرد تعسّر اقامة البيّنة فان المستفاد من الدليل ان المدعي يلزم ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 405

يقيم البيّنة علي مدعاه.

اضف الي ما ذكر انه قدس سره جمع بين اقامة البيّنة و الحلف بالنسبة الي المغبون و الحال ان الحلف علي المنكر و البيّنة علي المدعي و كيف يجتمعان في مورد واحد و الحال ان التقسيم قاطع للشركة الا ان يقال ان المدعي اذا لم يمكنه اقامة البيّنة يجوز له الحلف و لتحقيق المسألة مجال آخر خارج عن المقام.

«قوله قدس سره: و لا يمكن للغابن الحلف علي علمه

لجهله بالحال»

كيف لا يمكن و الحال انه كثيرا ما يمكن الاطلاع علي ما في نفس الغير من الصفات و لعل امره بالتأمل اشارة الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: هذا كله اذا لم يكن المغبون من اهل الخبرة بحيث لا يخفي عليه القيمة الا لعارض من غفلة أو غيرها و الا فلا يقبل قوله كما في الجامع و المسالك»

اذ في الفرض المذكور يكون قوله خلاف الاصل فيصير مدعيا و يلزم عليه اقامة البيّنة.

«قوله قدس سره: لكن المدعي لما تعسر اقامة البينة عليه و لا يعرف الا من قبله يقبل قوله مع اليمين فليكن هذا من هذا القبيل الا أن يقال»

الخ انه قدس سره أولا يشير الي كبريين. الاولي: جواز الحلف للمدعي اذا تعسر عليه اقامة البيّنة. الثانية: قبول قول من لا يعرف المقول الا من قبله و يجعل المقام من صغريات الاولي و الثانية.

ثم يستشكل في صحة اصل الكبري و كون المقام من صغرياتها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 406

و لا يخفي انه قدس سره خلط بين الكبريين و جعلهما واحدة و الامر كما افاده في الاشكال فانه لا دليل علي قبول قول من يتعسّر اقامة البيّنة علي دعواه بيمينه بل مقتضي القاعدة أوّلا اقامة البيّنة و علي فرض عدمها تصل النوبة الي يمين الخصم كما انه لا دليل علي قبول قول من لا يعرف مقوله الا من قبله الا في بعض الموارد بالخصوص كدعوي المرأة الحيض أو العدة أو الحمل. و اما غيرها فلا دليل.

مضافا الي ان المقام غير داخل تحتهما فان اقامة البيّنة علي كونه غافلا و مضطربا لكثرة الابتلاءات امر ممكن و أيضا ليس داخلا في كبري ما

لا يعلم الا من قبله فالاشكال وارد كبرويا و صغرويا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده مع تعذر الاستعلام فالقول قول منكر سبب الغبن لاصالة عدم التغير و اصالة اللزوم»

الخ تارة يتفقان علي القيمة الفعلية كما لو اتفقا علي ان المبيع يسوي درهما الآن و في هذا الوقت و لكن البائع يدعي انه كان يسوي در همين وقت البيع فيكون لي خيار الغبن و المشتري ينكر التغير و يقول لم يتغير عن حاله السابق.

حكم الشيخ قدس سره بأن القول قول منكر الخيار و استدل عليه بوجهين. احدهما: اصالة عدم التغير و مع عدم التغير لا غبن و لكن اثبات عدم الغبن باصالة عدم التغير من اظهر انحاء المثبت.

ثانيهما: اصالة اللزوم و لا يبعد ان يكون مراده باصالة اللزوم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 407

استصحاب بقاء الملكية بعد الفسخ لا الاخذ بعموم وجوب الوفاء بالعقد كي يقال انه تمسك بالعموم في الشبهة المصداقية.

و لا يخفي ان الاستصحاب المذكور جار في الشبهة الموضوعية لا في الحكم الكلي فلا مجال لما عن سيدنا الاستاد علي ما في تقريره الشريف من عدم جريان فيه للمعارضة و الحاصل ان هذا الاستصحاب لا بأس به و ان شئت قلت اذا شك في ثبوت الخيار و عدمه يكون مقتضي الاستصحاب عدمه و لكن اجراء الاستصحاب بتقريبين اذ يمكن استصحاب عدم تحقق سبب الخيار فيترتب عليه عدمه لحكومة الاصل السببي علي الاصل المسببي.

و يمكن جريانه في أصل الخيار فان مقتضاه عدمه و اخري يتفقان في قيمة زمان العقد كما لو اتفقا علي كون المبيع كان يسوي درهما و بيع بدرهمين فيتحقق الخيار لكن

البائع يدعي انه ترقي بعد العقد و المشتري ينكر و في هذه الصورة لا اثر لترقي القيمة بعد العقد فان الاثر للقيمة في زمان العقد فالخيار متحقق و لا يؤثر الترقي الحادث بعد العقد و لو تنزلنا و قلنا يؤثر فما هو مقتضي الصناعة الظاهر ان الامر بالعكس فان الخيار ثابت بمقتضي تلك القيمة و الاصل عدم ترقي القيمة و عليه لا بدّ من التفصيل بان يقال القول قول منكر الخيار في صورة و قول مدعيه في صورة اخري.

«قوله قدس سره: و منه يظهر حكم ما لو اتفقا علي التغير و اختلفا في تاريخ العقد».

لا يبعد ان يكون العبارة هكذا و اختلفا في تاريخه بقرينة مقابله في كلامه أي بعد ما علم ان اصالة عدم التغير لا تؤثر يظهر انه لو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 408

علم اصل التغير و كان الاختلاف في زمانه لا اثر لاستصحاب عدم التغير.

«قوله قدس سره: و لو علم تاريخ التغير فالاصل و ان اقتضي تأخر العقد الواقع علي الزائد علي القيمة الا انه لا يثبت به وقوع العقد علي الزائد حتي يثبت الغبن».

الظاهر انه قدس سره يري عدم جريان الاصل في معلوم التاريخ و يري اختصاص جريانه في مجهوله و لذا لو كان تاريخ التغير معلوما و تاريخ العقد مجهولا يمكن جريان الاستصحاب في العقد بان يقال مقتضي الاستصحاب عدم جريان العقد الي زمان التغيّر لكن اثبات الغبن بالاصل المذكور مثبت فان العقد لو وقع بعد التغيّر كان لازمه العقلي وقوعه علي الزائد.

و الامر كما افاده لكن الحق جريان الاصل في معلوم التاريخ أيضا و عليه يشكل الامر من ناحية المعارضة أيضا فاذا فرض جريان الاستصحاب في

العقد بالنسبة الي التغيّر كذلك يجري استصحاب عدم التغير الي زمان العقد فيقع التعارض بين الاصلين.

«قوله قدس سره:

الأمر الثاني كون التفاوت فاحشا»

الخ اذا كان مدرك الخيار الاشتراط الارتكازي كما اخترناه لا اشكال في اشتراط الخيار بالشرط المذكور و هو كون الغبن فاحشا لانه لو لم يكن كذلك لا يتحقق الشرط فلا موضوع للخيار و اما اذا كان المدرك حديث لا ضرر فيمكن ان يقال لا وجه للشرط المذكور اذ الضرر متحقق و مع وجود الموضوع يترتب عليه الحكم.

ثم انه وقع الكلام في بيان الفاحش و تعيين الضابط الكلي فيه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 409

و الظاهر ان التقديرات المذكورة في المقام لا ترجع الي محصل صحيح اذ ليس فيه وضع شرعي و حقيقة شرعية بل مفهوم عرفي و المرجع فيه العرف و نعم ما نقل عن العلامة حيث قال علي ما نقل عنه ما لا يتغابن الناس بمثله.

«قوله قدس سره: ثم الظاهر ان المرجع عند الشك في ذلك هو اصالة ثبوت الخيار».

القاعدة تقتضي التفصيل بان يقال المدرك للخيار ان كان الشرط الارتكازي ففي مورد الشك في الخيار و عدمه تكون النتيجة عدمه اذ يشك في انه هل تحقق الخيار أم لا؟ فان الخيار متفرع علي تخلف الشرط و هو مشكوك فيه و مقتضي الاصل عدمه.

و يمكن جريان الاصل في الحكم أي استصحاب عدم تحقق الخيار لكن ما دام ان يجري الاصل في الموضوع لا تصل النوبة الي جريانه في الحكم لتقدم الاصل السببي علي الاصل المسببي.

و أما ان كان المدرك للخيار حديث لا ضرر فالقاعدة تقتضي ثبوت الخيار اذ المفروض تحقق الضرر و هو منفي في الشريعة المقدسة و لا وجه للفرق بين الفاحش و غيره

فانه خلاف اطلاق دليل لا ضرر و التسامح و عدمه ليسا دخيلين في الامر بل الميزان تحقق الموضوع و بعد تحققه يترتب عليه الحكم.

و لما انجر الكلام الي هنا نشير الي نكتة و هي انه سلمنا ان حديث لا ضرر ناظر الي ادلة الاحكام و يخصّصها كما هو المشهور بين القوم لكن نقول المستفاد من الحديث ان الشارع الاقدس لا يجعل للمكلفين احكاما ضررية و اما الضرر الناشي من قبل المكلف كما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 410

لو باع ما يسوي عشرة دنانير بدينار واحد فلا يشمله الحديث قطعا اذ الضرر بفعل المكلف نفسه و لا يرتبط بالشارع الاقدس فلا تغفل.

و حيث وقع الكلام في مفاد لا ضرر علي مذاق المشهور في معناه نذكر فرعا و هو انه ربما يقال انه لو لاقت النجاسة مع مقدار من الزيت المائع أو السمن كذلك لا يمكن الالتزام بنجاسة الملاقي بالفتح للضرر و القاعدة ترفع الضرر.

و هذا التوهم فاسد اذ علم من جملة من النصوص الواردة في السمن و الزيت الدالة علي الانفعال لزوم الاجتناب و القاء ما لاقي النجاسة فلا مجال للاستدلال بالقاعدة.

«قوله قدس سره: بقي هنا شي ء و هو ان ظاهر الاصحاب و غيرهم ان المناط في الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية مع قطع النظر عن ملاحظة حال اشخاص المتبايعين».

ما افاده تام لا غبار عليه فان الموضوع المأخوذ في الحديث عنوان الضرر و مقتضاه ترتب الحكم عليه بلا ملاحظة حال المتضرر فالميزان تحقق الضرر و صدقه فاذا صدق يترتب عليه الحكم نعم كما افاد الشيخ يمكن تخصيص الدليل في مورد بالنص الخاص الوارد في ذلك المورد فان تخصيص العام غير عزيز.

«قوله قدس سره:

بل لعدم كونه ضررا»

الخ.

هذا مما لا يمكن المساعدة عليه فان الاجر الاخروي لا يوجب انتفاء عنوان الضرر الدنيوي و بعبارة اخري لا اشكال في تحقق الضرر الدنيوي فان الضرر عبارة عن النقص في المال أو البدن أو الاعتبار أو راحة الخيال غاية ما في الباب انه يتدارك في الآخرة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 411

فلا بد من صدقه كي يصير سببا للاجر الاخروي.

«قوله قدس سره: لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفي بادلة نفي الحرج»

لقائل ان يقول مع ملاحظة الاجر الاخروي لا حرج كما انه لا ضرر الا ان يقال الحرج امر محسوس و لا يمكن انكاره و الحق ان الضرر كما قلنا أيضا امر حسي فلا مجال لما افيد.

«قوله قدس سره: ان المغبون اما ان يكون هو البائع أو المشتري أو هما»

وقع الكلام بينهم في انه كيف يمكن ان يكون البائع و المشتري كلاهما مغبونين و الحال ان مرجعه الي التناقض و لذا وقعوا في حيص و بيص و مثلوا له بامثلة.

و الانصاف ان صرف الوقت لهذه الجهة تضييع للمتاع الغالي و لا ينبغي للفقيه صرف وقته لمثله و مجمل القول انه لا اشكال في ان الغبن و عدمه يلاحظان بالنسبة الي مجموع المعاملة من اصلها و خصوصياتها و شرائطها و عليه لا يكون المغبون الا احد الطرفين.

«قوله قدس سره:

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار أو كاشف عقلي».
اشارة

تارة يبحث في مقام الثبوت و اخري في مقام الاثبات اما

المقام الأول [في مقام الثبوت]

فلا اشكال في امكان كون ظهور الغبن شرطا شرعيا لحدوث الخيار و لكن مجرد الامكان الثبوتي لا اثر له.

و أما

المقام الثاني [في مقام الإثبات]

فلا اشكال في كون ظهور الغبن كاشفا عقليا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 412

بلا كلام و لا اشكال و بلا فرق بين كون المدرك حديث لا ضرر أو الاشتراط الارتكازي أما علي الاول فلان الضرر يتحقق بنفس العقد فيتحقق الخيار و أما علي الثاني فلان الخيار يتفرع علي التخلف و هو يتحقق حين العقد نعم ما دام لم يظهر الغبن لا مجال لا عمال الخيار.

فالحق ان يقال ان الغبن بحسب مقام الحكم الواقعي يوجد الخيار من اوّل الامر و أما بحسب الحكم الظاهري فلا يتحقق الا بعد ظهور الغبن و ان شئت فقل ان ظهور الغبن كاشف عقلي بالنسبة الي الحكم الواقعي و شرط شرعي بالنسبة الي الحكم الظاهري فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلا يحدث الا بعد ظهور الغبن»

ان كان مراده انه في مقام الظاهر ليس له الا بعد ظهور الغبن كما هو ليس ببعيد فما أفاده تام و أما ان كان المراد انه ليس له في الواقع بحيث اذا فسخ أو اسقط لم يؤثر فلا يكون تاما.

و صفوة القول ان الميزان في ثبوت الخيار و عدمه هو الغبن الواقعي و العلم و الجهل ليسا دخيلين فيهما.

و مما ذكرنا يظهر انه لا فرق بين العلم و الجهل الا بالنسبة الي الحكم الظاهري نعم فيما يكون علي خلاف القاعدة الاولية ككون التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له لا بدّ من ملاحظة دليله أولا من حيث الاعتبار و عدمه ثم ملاحظة مقدار دلالته.

و علي الجملة القاعدة الاولية تقتضي ترتب الآثار علي الوجود الواقعي للخيار

الا ان يقوم دليل في مورد خاص علي الخلاف و لا فرق من هذه الجهة بين خيار الغبن و بقية الخيارات.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 413

«قوله قدس سره:

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور
أحدها إسقاطه بعد العقد»

الخ بلا اشكال اذ من الظاهر ان الخيار المذكور خيار حقي قابل للاسقاط فاسقاط المغبون الخيار صادر من أهله واقع في محله و لا فرق بين العلم بالمرتبة و عدمه لعدم المقتضي للتفريق.

«قوله قدس سره: و من ان الخيار امر واحد مسبب عن مطلق التفاوت».

و هذا هو الحق فان المفروض انه اسقط الحق فلا وجه لعدم سقوطه و ان شئت قلت هذا من باب تخلف الداعي و لا يؤثر في شي ء نعم لو علق اسقاطه علي صورة خاصة و لم تكن تلك الصورة في الواقع لم يؤثر اذ من المعلوم ان المطلق و المشروط دائران مدار المعلق عليه و الشرط.

بل الامر في القذف و الشتم كذلك فان ذا الحق تارة يسقط الحق الموصوف و المعنون بعنوان كذائي و اخري يسقط الحق الموجود و يتصور كونه الحق الكذائي و اشتبه في التطبيق أما علي الاول فلا يسقط لان ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد و اما علي الثاني فالظاهر ان الاسقاط تام و يؤثر اثره و هو السقوط.

«قوله قدس سره: و هذا هو الاقوي»

كيف يكون اقوي و الحال انه اذا فرض انصراف الاطلاق الي خصوص مرتبة فالحق هو الوجه الأول اذ مع الانصراف لا يبقي مجال للصحة لا مطلقا و لا مع الخيار و لعله بامره بالتأمل يشير الي ما ذكرنا و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 414

«قوله قدس سره: و لا يقدح عدم تحقق شرطه»

الخ قد تقدم

منا ان الخيار يتحقق من اوّل الامر و لا يتوقف علي شي ء فلا وجه للاشكال لكن لو قلنا بان الخيار يتحقق بعد ظهور الغبن فيشكل جواز الاسقاط قبله و ذلك لانه يدخل في كبري اسقاط ما لم يجب و لا دليل علي جوازه و مع الشك يحكم بعدم الجواز و ذلك لا للاشكال الثبوتي بل للاشكال الاثباتي و هو عدم الدليل علي الجواز فلاحظ.

«قوله قدس سره: كابراه المالك الودعي»

الخ هذا يتصور بنحوين. النحو الاول: ان يكون وديعة غير مضمونة أي عارية غير مضمونة. النحو الثاني: ان يكون مضمونا و لكن يبرئه عن الضمان الذي سيوجد بعد ذلك.

أما النحو الاول فلا ضمان فيه و بعبارة اخري يكون دفعا للضمان فلا ضمان كي يبرأ و لا مجال للاشكال فيه. و أما النحو الثاني فيدخل في كبري اسقاط ما لم يجب و فيه الاشكال الذي تقدم و هو عدم الدليل علي الجواز.

«قوله قدس سره: و كبراءة البائع من العيوب».

الكلام فيه هو الكلام أي قد يكون مرجعه الي عدم الالتزام فيكون دفعا للالتزام و اخري يكون رفعا و اسقاطا لما التزم به المشروط عليه اما علي الاول فلا اشكال لكن لا يرتبط بالمقام و اما علي الثاني فلا دليل عليه و يكفي للاشكال و عدم الجواز عدم دليل عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الثاني من المسقطات اشتراط سقوط الخيار في متن العقد»

علي ما ذكرنا خيار الغبن مسبب من الشرط الارتكازي و عليه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 415

التعبير بالاسقاط مسامحة فان الاسقاط فرع الثبوت و الحال ان مرجع الاسقاط في المقام الي عدم الاشتراط و عليه يكون محل الاشكال علي مسلك القوم حيث يرون الغرر مفسدا للبيع.

و لكن قد تقدم منا ان الغرر معناه الخديعة و

ليس المراد منه الخطر فلا يرتبط بما نحن بصدده و هو البيع مع الجهل بالقيمة و عدم الاشتراط مضافا الي ان مدرك البطلان ضعيف.

بالإضافة الي ان الدليل اخص من المدعي اذ ربما يكون المعاملة بحيث لا يكون خطرا للجاهل و يري العقد بصلاحه فلا وجه للبطلان من ناحية الجهل بالقيمة و مما ذكرنا ظهر الاشكال فيما افاد الماتن بالنسبة الي خيار الرؤية فان الكلام فيه هو الكلام بلا فرق.

«قوله قدس سره: بان الغرر في الغبن سهل الازالة»

لم يعلم المراد من الجملة فان سهولة الازالة لا تقتضي ان لا تكون مؤثرة و بعبارة واضحة اذا فرض تحقق الغبن و فرض كونه موجبا للفساد فلا مجال للمنع عن فساده بكونه سهل الازالة فلاحظ.

«قوله قدس سره: لكن الاقوي الصحة»

الخ اذا كان الغرر موجبا للبطلان كما ان بنائهم عليه فكيف يكون الاقوي الصحة بل الاقوي الفساد نعم علي ما ذكرنا لا وجه للفساد اذ قلنا مرارا ان الغرر معناه الخدعة مضافا الي ان المدرك للبطلان ضعيف.

بالإضافة الي انه ربما لا يكون خطر للمغبون و اما ما افاده من ان الخيار لا يرفع الغرر فيرد عليه انه تقدم منا ان الخيار علي نحوين و قسمين:

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 416

القسم الأول الخيار الشرعي و القسم الثاني الخيار الجعلي بجعل المتعاقدين أما القسم الأول فلا يمكن أن يكون مصححا للعقد اذ تعلق الخيار يتوقف علي صحة العقد و الحال ان صحة العقد تتوقف علي الخيار فيدور و اما الخيار الجعلي فهو يوجب رفع الغرر.

و بعبارة اخري الخيار يوجب تعنون العقد بعدم كونه غرريا و بعد فرض عدم كونه غرريا يشمله دليل الامضاء من قوله «احل اللّه البيع» و

قوله «تجارة عن تراض».

«قوله قدس سره: كبيع المجهول»

ما المراد من المجهول فانه تارة يكون المبيع مجهول الوجود و اخري يكون مجهول الصفة اما لو كان مجهول الوجود فلا معني لبيعه الاعلي نحو التعليق فلا تصل النوبة الي الخيار اذ لو بيع معلقا علي وجوده يصح البيع علي تقدير تحقق الشرط و يبطل علي تقدير عدمه.

و أما مجهول الصفة فان دل الدليل علي اشتراط العلم بتلك الصفة الخاصة فلا بد من رعا العلم بها في صحة البيع و الا فيمكن تصحيح البيع باشتراط كونه واجدا و الا يكون الخيار للشارط و بهذا النحو يمكن تصحيح البيع في جميع الموارد هذا علي تقدير البناء علي كون الغرر مبطلا للعقد و اما علي تقدير عدم تمامية الدليل علي بطلان الغرر كما هو كذلك فلا مانع عن الالتزام بالصحة بلا اشتراط الخيار.

«قوله قدس سره: لا الي عدم التزام ما اشترطاه من الاوصاف»

الذي يختلج بالبال ان يقال ان الالتزام يتعلق بالامر الاختياري للمكلف كالالتزام بالخياطة أو الكناسة و امثالهما من الافعال الاختيارية و أما الالتزام بامر خارج عن الاختيار كنزول المطر من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 417

السماء مثلا فلا مجال له و عليه كيف يمكن الالتزام بكون العبد كاتبا أو الامة مليحة و هكذا فمرجع اشتراط الصفة الي جعل الخيار عند التخلف.

و صفوة القول ان الامر الذي يفيد للمشتري عند الشك في الصفة ان يكون له خيار تخلف الوصف و الا فيكون البيع خطريا مضافا الي انا سلمنا صحة الالتزام بكون المبيع ذا وصف كذائي لكن اي اثر يترتب علي هذا الالتزام عند التخلف غير الخيار.

«قوله قدس سره: و لا تنافي بين ان يقدم علي اشتراء العين

بانيا علي وجود تلك الاوصاف و بين الالتزام بعدم الفسخ»

الخ تارة يكون الخيار مجعولا غاية الامر قد اشترط علي ذي الخيار ان لا يفسخ و اخري لا يكون له الخيار اما مع عدم جعل الخيار فلا معني لاشتراط عدم الفسخ اذ ليس له خيار كي يفسخ او لا يفسخ.

و أما مع جعل الخيار فالظاهر عدم صحة اشتراط عدم الفسخ اذ يلزم الخلف فان صحة الشرط المذكور يتوقف علي صحة العقد و الحال ان صحة العقد تتوقف علي جواز الفسخ و لعله يشير بامره بالتأمل الي ما ذكرنا.

الا ان يقال ان جواز الشرط يتوقف علي صحة العقد و صحة العقد تتوقف علي جواز الفسخ وضعيا لا تكليفيا و لكن كيف يمكن الالتزام بالصحة بهذا النحو فان مرجعه الي الخلف اذ ارتفاع الخطر بالقدرة علي الفسخ و الحال انه ملزم بعدم الفسخ فلاحظ.

مضافا الي أن صحة الشرط لا تتوقف علي صحة العقد و لذا نري ان الشرط في ضمن العقد الفاسد صحيح لاطلاق قوله عليه السلام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 418

المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم لكن صحة الشرط بلا صحة العقد امر غير معقول اذ مع عدم صحة العقد لا موضوع للفسخ و عدمه.

«قوله قدس سره: و كيف كان فلا اري اشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن»

الخ كيف لا يري الاشكال و الحال ان قوام عدم الغرر و عدم الخطر بوجود الخيار و مع عدمه يكون العقد غرريا و الغرر يبطل العقد كما هو المفروض عندهم.

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان الفسخ لو لم يكن جائزا تكليفا يصدق ان العقد غرري فيكون باطلا و مع بطلان العقد لا يبقي مجال للفسخ فالشرط

باطل.

و لما انجر الكلام الي هنا ننبه بنكتة دقيقة مهمة و هي ان الشرط لو كان جائزا شرعا يكون نافذا و لو مع كون العقد فاسدا كما لو باع زيد من عمرو مقدارا من الخمر و اشترط عليه ان يزور الحسين عليه السلام في يوم الجمعة فان العقد باطل كما هو ظاهر و لكن الشرط صحيح و واجب الوفاء و لا تنافي بين الامرين فان مفهوم الشرط اذا صدق كما هو المفروض يكون نافذا و لا تلازم بين الامرين بل نقول الشرط الابتدائي جائز و نافذ كما لو قال ان كانت هذه الليلة ليلة الجمعة فانا ازور الحسين عليه السلام اذ يصدق علي الالتزام المذكور عنوان الشرط و من ناحية اخري الشرط نافذ فشرطه زيارة الحسين صحيح و نافذ واجب الوفاء بمقتضي دليل وجوب العمل بالشرط فلاحظ و اغتنم لكن اطلاق الشرط الابتدائي علي الشرط مسامحي فان مفهوم الشرط لا يتحقق الا بالارتباط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 419

«قوله قدس سره:

الثالث تصرف المغبون»

الخ الماتن جعل المسقط الثالث لخيار الغبن تصرف المغبون في العين بعد علمه بالغبن و المسقط الرابع تصرفه فيها قبل العلم به و الذي تقتضيه القاعدة ان التصرف تارة يراد به اسقاط الخيار و يكون بحسب الفهم العرفي ان المتصرف اسقط خياره بالتصرف و ابرزه به.

و اخري لا يقصد به الاسقاط أما علي الاول فلا اشكال فيه اذ المفروض ان خيار الغبن حقي و قابل للاسقاط و لا فرق في اسقاطه بين ابرازه بالقول و الفعل و اما اذا لم يقصد به الاسقاط فلا وجه لسقوط الخيار بالتصرف لا من باب استصحاب الخيار كي يقال الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي يعارضه استصحاب

عدم الجعل الزائد بل لان الخيار بلحاظ الشرط الضمني و مقتضاه البقاء الي ان يسقطه ذو الخيار فما دام لم يسقطه يكون باقيا بلا فرق بين ان يكون قبل العلم بالغبن و بعده و ما ورد في خيار الحيوان من السقوط بالتصرف حكم خاص في مورده المخصوص و لا وجه للتعدي و تقدم منا انه لا مقتضي للتعدي عن مورده.

«قوله قدس سره: و يدل عليه ما دل علي سقوط خياري المجلس و الشرط»

ليس عليه دليل معتبر و الكلام فيهما هو الكلام في المقام بلا فرق.

«قوله قدس سره: و هو اطلاق بعض معاقد الاجماع»

قد ذكرنا مرارا انه لا اعتبار بالاجماع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 420

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله يشير بالامر بالتأمل الي ان الاجماع قائم علي الخيار بهذا المقدار اي لا اجماع بعد التصرف و لا مجال للاستصحاب فان المحكم عموم دليل اللزوم.

«قوله قدس سره: الرجوع الي اصالة بقاء الخيار»

الظاهر انه ان كان مراده من الاصل القاعدة فالامر كما افاده فان القاعدة تقتضي بقائه كما سبق منا و اما ان كان مراده استصحاب الخيار فيرد عليه ان الاستصحاب في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

«قوله قدس سره:

الرابع من المسقطات تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن تصرفا مخرجا عن الملك علي وجه اللزوم كالبيع و العتق»
اشارة

الخ ما يمكن ان يذكر في تقريب المدعي المذكور وجوه.

الوجه الأول: الإجماع

و فيه من الاشكال الايراد الساري في جميع الاجماعات المنقولة.

الوجه الثاني: ان المدرك لخيار الغبن قاعدة لا ضرر و المفروض ان المغبون بنفسه اخرج العين عن ملكه و اقدم علي الضرر.

و فيه أولا ان التصرف قبل العلم بالغبن لا يكون اقداما علي الضرر.

و ثانيا ان اخراج العين ليس اقداما علي الضرر و لا تنافي بين الاخراج و الاخذ بالخيار.

و ثالثا ان دليل خيار الغبن عندنا الاشتراط الضمني لا دليل نفي الضرر و من الظاهر ان اخراج العين لا يوجب انتفاء الخيار اذ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 421

الخيار يتعلق بالعقد لا بالعين فلاحظ.

الوجه الثالث ان الغابن يتضرر باخذ البدل فلا يجوز الفسخ

و يرد عليه أولا ان الغابن لا يتضرر اذ بعد عدم امكان رد العين ان كانت العين مثلية يأخذ مثلها و ان كانت قيمية يأخذ قيمتها فلا ضرر عليه.

و ثانيا ان الدليل المذكور علي فرض تماميته اخص من المدعي اذ ربما يمكن رد نفس العين بانتقالها بالارث أو بالهبة أو بالاشتراء أو بغيرها.

و ثالثا ان ضرره يعارض بضرر المشتري و بعد التعارض تصل النوبة الي الاخذ بالشرط الارتكازي المقتضي للخيار.

و رابعا انا ذكرنا في محله ان مفاد القاعدة النهي لا النفي.

الوجه الرابع: انه لا يمكن التراد فلا خيار

و فيه أولا انه اخص من المدعي اذ ربما يمكن و ثانيا ان موضوع الخيار العقد لا العين فالنتيجة انه لا دليل علي كون التصرف المعدم للعين حقيقة أو حكما موجبا لسقوط الخيار نعم اذا كان دالا علي الاسقاط فلا اشكال في السقوط بلا فرق بين كون التصرف قبل العلم بالغبن أو بعده.

و قال سيدنا الاستاد في منهاجه في بحث خيار الغبن نعم اذا لم يدل علي ذلك كما هو الغالب في التصرف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به.

ثم ان الشيخ قدس سره تعرض لفروع متفرعة علي سقوط الخيار بالتصرف و علي ما ذكرنا من عدم السقوط بالتصرف لا مجال لعنوان الفروع المذكورة في كلامه و لكن مع ذلك نتعرض لتلك الفروع المشار إليها تبعا للشيخ قدس سره.

[فروع]
الفرع الأول: انه لا فرق في الحكم المذكور بين المشتري و بين البائع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 422

فكما ان تصرف المشتري يوجب السقوط كذلك يسقط بتصرف البائع المغبون في الثمن و ان لم نقل بالسقوط كما لم نقل به لا يسقط خيار البائع المغبون.

و يمكن ان يقال لا بدّ من التفصيل بان نقول لو كان المدرك للسقوط الاجماع يختص الحكم بالمشتري لعدم تحقق الاجماع بالنسبة الي البائع و أما ان كان المدرك للسقوط عدم امكان التراد فالميزان للسقوط و عدمه امكانه و عدم امكانه.

الفرع الثاني: انه لا فرق في الحكم المذكور بين كون التصرف موجبا لتلف العين تكوينا و بين النقل اللازم أو الجائز

و بين كون التصرف موجبا لعدم جواز نقل العين عن ملك المالك الي ملك الغير كالاستيلاد.

و يمكن ان يفصل في الحكم المذكور بان نقول ان كان المدرك للحكم الاجماع فلا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن منه و ان كان المدرك عدم امكان التراد فلا بد من التفصيل بين الموارد من هذه الجهة.

الفرع الثالث: انه لو فرض انتقال العين الي المشتري بسبب من الاسباب أو ارتفع المانع عن النقل كما لو مات ولد أمّ الولد فهل يجوز الفسخ أم لا؟

ففي جواز الفسخ لامكان الرد و عدم جوازه لاستقرار البيع وجهان فعلي الاول يجوز الفسخ و علي الثاني لا يجوز و ربما يقال ان القول بالجواز و عدمه يدور ان مدار القول بان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد فعلي الاول يجوز و علي الثاني لا يجوز.

و قال الايرواني قدس سره ان البناء المذكور في غاية السخافة و لم يذكر وجه السخافة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 423

و الذي يختلج بالبال ان يقال ان المانع عن الفسخ ان كان عدم امكان التراد يكون الفسخ جائزا اذ المفروض جواز الرد و أما البناء المذكور كما في عبارة الايرواني فسخيف و ذلك لانه لم يرد هذه القاعدة في آية أو رواية فلا بد من السلوك علي طبق القاعدة و هو ما ذكرنا.

هذا علي تقدير السقوط بالتصرف و اما علي مسلكنا و هو المسلك الحق فلا وجه للبيان المذكور.

الفرع الرابع انه هل تلحق الاجازة بالبيع في تأثيرها في سقوط الخيار أم لا

يظهر من كلام الشيخ قدس سره كونه ذا وجهين فمن ناحية ان البيع يمنع عن الرد و الاجازة كذلك فيسقط الخيار و من ناحية اخري ان موضوع الاسقاط التصرف المخرج و الاجازة لا تكون تصرفا مخرجا بل امضاء للتصرف الفضولي.

و الحق ان يقال تارة نقول لا بدّ من الاقتصار علي المتيقن من مورد الاجماع فلا بد من الالتزام بعدم السقوط لعدم الدليل علي السقوط و اخري نقول الملاك للسقوط عدم امكان التراد فلا وجه للتفصيل بين البيع و الاجازة مضافا الي ان الاجازة علي جميع المسالك نقل من المجيز فتكون من مصاديق النقل نعم علي القول بالكشف الحقيقي لا تكون الاجازة ناقلة بل كاشفة لكن القول بالكشف الحقيقي باطل من أصله و لا دليل

عليه.

بالإضافة الي ان النقل تحقق بفعل الفضولي فعلي ذلك المسلك فالموضوع للسقوط تحقق من ذلك الزمان.

الفرع الخامس: ان المغبون لو آجر مورد المعاملة و بعد انقضاء الاجارة علم بالغبن يمكنه الفسخ و لا يسقط خياره

اذ يمكنه الرد و يلحق به في الحكم ما لو يعلم بالغبن حتي انفسخ البيع الثاني فانه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 424

يمكن الرد فلا مانع منه و لا يخفي انه يختلف الحكم باختلاف المدرك كما لا يخفي علي الخبير.

الفرع السادس: انه لو امتزج المبيع بغيره فهل يوجب سقوط الخيار أم لا؟

فنقول تارة يوجب الامتزاج عدم الميز و اخري لا يوجبه و ثالثة يوجب انعدام احد الامرين كما لو امتزج مقدار من ماء الورد في الدبس و استهلك فيه.

أما علي الاول و الثالث فيسقط الخيار اذ المفروض عدم امكان الرد اما لحصول الاشتراك و اما لانعدام العين و أما علي الثاني فلا وجه للسقوط لامكان الرد.

الفرع السابع: انه لو تغيرت العين بالنقيصة يسقط الخيار

لعدم امكان الرد و اما لو تغيرت بالزيادة فاما تكون الزيادة عينية و إما تكون حكمية و إما تكون عينية و حكمية أما علي الاول و الاخير فيسقط الخيار لعدم امكان الرد و اما علي الوسط فلا يسقط لامكان الرد الا ان يقال انها توجب الشركة في المالية فلا يمكن الرد و لعل امره بالتأمل اشارة الي هذه الجهة.

و هذا التفصيل أي التفصيل بين النقيصة و الزيادة انما يتم علي مسلكنا حيث نري ان بيع العين الواحدة بيع واحد و أما علي المسلك الاخر و هو انحلال البيع و ان كل جزء من المبيع له بيع فلا بد من الالتزام ببقاء الخيار في صورة النقصان لبقاء الموضوع و امكان تراده فبقاء الخيار علي القاعدة.

و لما انجر الكلام الي هنا نشير الي نكتة و هي ان الزيادة الحكمية كخياطة الثوب و صبغ القميص هل توجب الشركة في المالية أم لا؟

و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة انه لو لا الدليل الخارجي الدال

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 425

علي الشركة في المالية لا يكون الالتزام بالشركة فيها وجيها اذ القاعدة الاولية لا تقتضي الشركة و في مقام الاستبعاد و كونها علي خلاف المرتكز العقلائي ذكرنا انه لو اكل عبد زيد طعام بكر غصبا و عدوانا و صار قويا و سمينا

فهل يمكن ان يقال ان بكرا يصير شريكا مع زيد في مالية العبد لتحقق الشركة بالتقوي و السمن و لعله يضحك الثكلي فالحق في مثل هذه الموارد تحقق الضمان بالاتلاف.

و صفوة القول ان الشركة في المالية تحتاج الي الدليل كما لعله قام في باب الزكاة في بعض اقسامها فلاحظ.

الفرع الثامن انه لو تصرف الغابن في العين التي انتقلت إليه فلا وجه لسقوط خيار المغبون بتصرفه

اذ المسقط تصرف ذي الخيار فخيار المغبون باق بحاله و عليه لو فسخ العقد و وجد العين خارجة عن ملك الغابن بالعقد اللازم فربما يقال بان المغبون يمكنه فسخ العقد الصادر من الغابن و ابطاله من أصله لان العين متعلقة لحق المغبون كحق الارتهان فله ابطاله.

و ربما يقال له ابطاله من الحين اذ الحق يثبت من حين ظهور الغبن فلا وجه للابطال من الاصل و ربما يقال لا هذا و لا ذاك بل يفسخ العقد و حيث لا يمكنه اخذ العين لتلفها الحكمي تصل النوبة الي البدل.

و هذا هو الاقوي و الوجه فيه ان الخيار متعلق بالعقد و العين كانت مملوكة لمالكها و لم يكن فيها حق لاحد فما صدر عنه صدر عن أهله و وقع في محله و لا مقتضي لابطال ما صدر عنه و لكن حيث ان الخيار باق فللمغبون فسخ العقد الواقع بينه بين الغابن و الغابن يرجع البدل الي المغبون هذا فيما يكون العقد الصادر عن الغابن لازما.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 426

و أما ان كان جائزا فربما يقال بوجوب فسخ الغابن و رد العين الي المغبون و مع امتناعه يتصدي الحاكم و مع عدم امكانه يتصدي المغبون بنفسه.

و فيه انه بعد الفسخ يملك البدل و مع دخول البدل في ملكه بالفسخ لا مقتضي و لا موجب لفسخ العقد

الصادر عن الغابن.

و ان شئت قلت ان المغبون بالفسخ اما يملك نفس العين و اما يملك بدلها اما علي الاول فلا موضوع للفسخ ثانيا فانه تحصيل للحاصل و اما علي الثاني فلا موجب للتبديل.

ان قلت: لا منافاة بين الامرين فان تملكه للبدل من باب بدل الحيلولة قلت بدل الحيلولة انما يتصور فيما تكون العين باقية في ملكه و المفروض ان العين قد خرجت عن ملكه بالعقد الاول و دخلت في ملك الغابن ثم خرجت بالعقد الثاني عن ملك الغابن و دخلت في ملك الطرف المقابل مضافا الي ان الالتزام ببدل الحيلولة لا اساس له.

ثم انه لو قلنا بعدم وجوب الفسخ لو انتقلت العين الي الغابن فهل يملك المغبون بالفسخ نفس العين أم لا؟ أفاد الشيخ قدس سره بانه تارة يكون نقلها الي الغابن بالفسخ و اخري يكون بعقد جديد و علي الاول اما يكون فسخه قبل فسخ المغبون أو بعده فان كان الانتقال بناقل جديد فلا مقتضي لتملكها اذ المفروض ان المغبون كان مالكا للعين بالسبب السابق و الغابن ملكه بسبب جديد فلا وجه لخروجها عن ملكه.

و ان انتقلت إليه بالفسخ بعد فسخ المغبون فأيضا لا وجه لانتقالها إليه بعد صيرورة البدل مملوكا له و اما اذا كان فسخه قبل فسخ المغبون يصبر المغبون مالكا لها بالفسخ و الحق ان يقال انه يجب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 427

عليه رد العين علي جميع الصور فان القاعدة تقتضي ضمان نفس العين و علي تقدير تعذره تصل النوبة الي المثل ثم الي القيمة و لذا ذكرنا في باب الضمان ان الميزان قيمة يوم الدفع لثبوت العين في الذمة نعم في باب الغصب التزمنا بضمان قيمة

يوم الغصب بلحاظ صحيح أبي ولاد الدال علي المدعي حيث قال عليه السلام قيمة بغل يوم خالفته.

الفرع التاسع: انه لو تصرف الغابن في العين تصرفا مغيرا لها
اشارة

فاما يكون بالنقيصة و اما بالزيادة و اما بالامتزاج فهنا صور.

الصورة الأولي: ما لو كان التغير بالنقيصة و كان النقصان موجبا للارش

فاذا فسخ المغبون يأخذ العين مع ارش العيب اذ الفسخ يوجب انحلال العقد و رجوع العين الي مالكها الاول و قد فرض انها معيوبة بعيب موجب للارش و أيضا انها مضمونة و لم تؤخذ مجانا فلا بد من ردها مع الارش بعد اخذ عوضها المسمي بعد الفسخ كما هو المفروض.

الصورة الثانية: ما لو تغيرت العين بالنقيصة بأن تلف جزء منها و في هذه الصورة يلزم تداركه بالعوض

كما هو المقرر في باب الضمان فلو اشتري منا من الحنطة و نقصت الحنطة بمقدار نصف المن ثم فسخ المشتري العقد بخيار الغبن يجب عليه رد عوض النصف التالف.

الصورة الثالثة: ما لم يوجب التغير شيئا

فانه يرد العين بلا ضميمة و هل يلحق بهذه الصورة لو استأجر الغابن العين مدة و المغبون بعد الفسخ وجدها مسلوبة المنفعة مدة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 428

ربما يقال كما في عبارة الشيخ انه لا شي ء علي الغابن و لكن لا يمكن الالتزام به فان المفروض ان العقد انفسخ باعمال الخيار و لازمه رجوع العين بجميع خصوصياتها الي المغبون و حيث انه لا يمكن فعلي الغابن رد ما به التفاوت بين كون العين مستأجرة في المدة المفروضة و عدمها و لا مناص عنه و الا يلزم ان يكون المغبون خاسرا أو لم يأخذ شيئا و لو مع فرض كون مدة الاجارة خمسين سنة و هل يمكن الالتزام به؟ كلا ثم كلا.

الصورة الرابعة: ما لو كان التصرف موجبا للزيادة الحكمية و لكن بحيث لا تكون تلك الزيادة موجبة لتفاوت القيمة

و في هذه الصورة ليس للغابن في مقابل تلك الزيادة شي ء لعدم المقتضي.

الصورة الخامسة: ما لو زيدت زيادة حكمية و زادت قيمة العين بتلك الزيادة لكن كانت الزيادة بفعل غير الغابن

كما لو كانت العصي عوجاء فاعتدلت بواسطة الهواء فأيضا لا يجب علي المغبون شي ء لعدم المقتضي.

الصورة السادسة: ما لو زيدت زيادة حكمية موجبة لازدياد القيمة و كانت الزيادة بفعل الغابن

و في هذا الفرض تارة يكون التغير موجبا لانعدام الصورة النوعية الاولية و حصول الصورة النوعية الثانوية كما لو صار البيض دجاجا و اخري يكون موجبا لتغير صفة من صفاته اما علي الاول فتصل النوبة الي اخذ القيمة فان المبيع انعدم اذ المفروض ان العقد وقع علي البيض و الآن صار دجاجا فما وقع عليه العقد صار معدوما و الموجود الآن غيره.

و أما علي الثاني فربما يقال بحصول الشركة في المالية و لا مدرك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 429

لها و الذي يمكن ان يقال في توجيهها امران. احدهما انها بفعل الغابن و عمله محترم.

ثانيهما ان الزيادة مملوكة له فتوجب الشركة و كلا الوجهين مخدوشان اما الاول فلانه عمل في مملوكه و عمله في مملوكة بإرادته لا احترام له و اما الثاني فلان المملوك هي العين و المالية صفة للعين و لا تكون مملوكة فالحق انه لا وجه للشركة في المالية و قد افتي سيدنا الاستاد في منهاجه في بحث خيار الغبن بعدم الشركة في المالية.

ان قلت ان الغابن يتضرر و الضرر منفي في الشريعة قلت يرد عليه أولا ان دليل لا ضرر دليل علي الحكم التكليفي فلا يرتبط باثبات الخيار و نفيه.

و ثانيا انه لو منع عن الخيار يتضرر المشتري و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي الاخذ بدليل الخيار.

الصورة السابعة: ان تكون الزيادة عينا محضا كالغرس

فالاقوال فيها مختلفة القول الاول: ان المغبون مسلط علي القلع بلا ارش بتقريب ان الارض مملوكة للمغبون و لا حق للغابن الغارس فيها فللمغبون قلعه و لا مقتضي لان يدفع الارش بل يمكن ان يقال انه لو احتاجت الارض بعد القلع الي الترميم يجب علي الغابن ترميمها.

القول الثاني انه لا حق

له في قلع الغرس مطلقا اي لا مع الارش و لا بدونه كما ان الامر كذلك لو رجع البائع في الارض المغروسة بعد صيرورة المشتري مفلسا بتقريب ان مال المشتري مال مغاير مع المقلوع عرفا و ليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت القيمة باعتبار المكان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 430

مضافا الي مفهوم قوله صلي اللّه عليه و آله ليس لعرق ظالم حق اذ المفروض ان الغرس عن حق.

القول الثالث ان للمغبون قلع الغرس مع الارش بتقريب انه ليس للغارس اشغال مملوك الغير و المفروض ان الارض مملوكة للمغبون بعد الفسخ و لكن الغارس يكون له المغروس المنصوب اي بهذه الصفة فله الارش فليس للغابن ابقاء الغرس في الارض لان الارض مملوكة للغير كما انه ليس للمغبون قلع الغرس بلا دفع الارش فان المفروض انه مالك للغرس المنصوب.

ان قلت اي فرق بين المقام و بين ما لو باع ارضا و المشتري غرس فيها ثم صار مفلسا و البائع فسخ العقد بخيار التفليس و لا يجوز له قلع الغرس لا مع الارش و لا بلا ارش ذهب إليه الاكثر.

قلت: الفارق بين المقامين انه في مورد خيار الغبن يكون العقد متزلزلا من اوّل الامر فحق الخيار يقدم علي حق الغرس و اما في خيار التحجير فقد حدث بعد الحجر فالغرس وقع قبل ثبوت التزلزل فيكون مثل ما يشتري الارض المغروسة فانه لا اشكال في عدم جواز قلع الغرس.

اذا عرفت ما تقدم نقول الحق هو القول الاول اذ المفروض ان الارض مملوكة لمالكها فكما ان احداث الغرس في الارض المملوكة يتوقف علي اجازة مالك الارض كذلك ابقائها يحتاج إليها و لا فرق بين المقام

و بين مورد خيار التحجير فان اثبات الحق للابقاء حتي مع الارش يحتاج الي الدليل بل الدليل قائم علي عدم حق الابقاء و أيضا قائم علي عدم وجوب الارش و هو الاستصحاب فان مقتضاه عدم تحقق الضمان كما ان مقتضي اصالة الاباحة عدم حرمة الافراغ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 431

و التفريق بين خيار التحجير و خيار الغبن لا وجه له فان المناط و المعيار تزاحم الحقين في زمان واحد و اما تقدم سبب احدهما علي السبب الاخر زمانا فلا اعتبار به فلاحظ.

الفرع العاشر: انه لو قلنا بجواز القلع مع الارش أو مطلقا فهل للمغبون وجوب الرجوع الي المالك او لا

و مع امتناعه الي الحاكم ثانيا و مع تعذره يتصدي بنفسه أم يجوز التصدي بنفسه من اوّل الامر؟ الظاهر انه ليس له التصدي ابتداءً اذ المفروض ان الغرس لمالكه و اختياره بيده و لا يجوز التصرف في ماله الا باذنه فيلزم مراجعته ثم التصدي بنفسه فاذا تصدي بلا مراجعته و تلف يضمن القالع لان يده يد عدوان و لا فرق بين المقام و بين دخول اغصان شجر الجار الي دار جاره فانه يجب علي المالك الاخراج و التفريق بين الموردين بان دخول الاغصان بدون اختيار المالك غير فارق بين الموردين لان حدوثه و ان لم يكن باختياره و لكن بقائه في ملك الغير باختياره.

الفرع الحادي عشر: انه لو اختار الغابن الابقاء فلا بد من المراضاة مع المالك

و التوافق علي الاجرة المسماة اذ المفروض ان الارض مملوكة للمغبون و هو مسلط علي ملكه فلا بد من الموافقة معه و لا مجال لان يقال كما في عبارة الشيخ ان حق المغبون مقدم علي الغرس فانه لا يرجع الي محصل بل الميزان ما ذكرنا من كونها مملوكة له و لا يجوز التصرف في ملك احد لا حدوثا و لا بقاء.

و بعبارة واضحة لا مجال لان يستدل علي المدعي بالتقريب المذكور في عبارة الشيخ فان خيار المغبون متعلق بالعقد و لا اثر لتقدمه زمانا و تأخره و العمدة ان الارض بعد الانفساخ ترجع الي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 432

المغبون و اختيارها بيده هذا في الغرس.

و أما في الزرع فربما يقال بان له الابقاء مع الاجرة و ليس لصاحب الارض منعه بتقريب ان مدة اشغال الزرع للارض قصيرة فلا يتضرر لا الغابن و لا المغبون بخلاف الغرس فلا بد من التفريق بين الغرس و الزرع.

و يرد عليه انه لا

فرق بين الموردين و الدليل ليس قاعدة نفي الضرر حتي يقرب الاستدلال بالنحو المذكور مضافا الي ان الضرر مرتفع في المدة الطويلة بتأدية الاجرة الزائدة فلا وجه للتفريق و لعله قدس سره اشار الي ما ذكرناه بقوله فتأمل.

الفرع الثاني عشر: انه لو طلب الغابن قلع غرسه فهل للمغبون منعه

الظاهر انه ليس له حق المنع اذ كما يكون المالك مسلطا علي طلب قلع الغرس و افراغ الارض من المغروس كذلك لمالك الغرس قلع مملوكه و عدم ابقائه في تلك الارض نعم عليه طم الارض.

الفرع الثالث عشر: ان التغير لو كان بالامتزاج فيتصور فيه اقسام
القسم الأول: ان ينعدم احدهما في الآخر

كما لو امتزج مقدار من ماء الورد مع الماء أو مع النفط فلو انفسخ العقد لا بدّ من دفع العوض من المثل أو القيمة اذ المفروض صيرورة العين تالفة بالامتزاج.

القسم الثاني ان لا ينعدم بالامتزاج و كان امتزاجه بغير الجنس و صار المجموع طبيعة ثالثة

كما لو امتزج الانجبين مع الخل و صار حقيقة اخري فأيضا تصل النوبة الي البدل من المثل أو القيمة فان العين تغيرت و الصورة الاولية صارت معدومة و المادة تصورت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 433

بصورة اخري و بعبارة اخري المبيع الخل أو الانجبين و لا وجود له في الخارج بل هو منعدم و الموجود صورة اخري.

القسم الثالث أن يمتزج بالجنس كالسمن مع السمن

و الحق ان يقال لا وجه للشركة اذ المفروض ان العين امتزجت بغيرها و غير قابلة لرجوعها الي مالكها الاول و تحقق الشركة بلا وجه اذ الشركة تتوقف علي امتزاج مملوكين و الحال ان الملكية تتوقف علي الشركة و هذا دور فالنتيجة وصول النوبة الي دفع البدل من المثل أو القيمة بلا فرق بين كون الامتزاج بالأردإ أو بالافضل أو بالمساوي اذ لا مقتضي للتفريق بين الاقسام هذا كله علي فرض الالتزام بعدم تحقق الشركة بالامتزاج.

و أما ان قلنا بتحقق الشركة بالامتزاج فان كان الامتزاج بالمساوي فالامر ظاهر و لا اشكال فيه و ان كان بالاردي فأفاد الشيخ قدس سره ان فيه وجوها من استحقاق الارش للنقص الحاصل فيه و تفاوت الرداءة من الجنس أو من ثمنه.

و الذي يختلج بالبال هو الوجه الأول اذ بالامتزاج يحصل النقص في القيمة فتصل النوبة الي الارش اي ارش العيب.

و بعبارة اخري لا مقتضي للوجه الثالث و الثاني و ببيان واضح ان الامتزاج بالأردإ اما يوجب النقص في القيمة و اما لا يوجب أما علي التقدير الثاني فلا وجه للتفريق بل مقتضي القاعدة التساوي بين المالكين في الملكية المشاعة و أما علي التقدير الاول فيلزم الارش و اما ان كان الامتزاج بالاعلي فتردد الشيخ قدس سره بين ان تكون الشركة

في الثمن بان يباع و يعطي من الثمن بالنسبة و بين الشركة في العين بنسبة الثمن.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 434

و الحق هو الاحتمال الثاني فانه مقتضي القاعدة الاولية بحسب الارتكاز العقلائي و أما الاحتمال الاول فلا وجه له ظاهرا و لا مقتضي له.

مضافا الي أنا نسأل القائل به انه قبل البيع هذه العين المشار إليها هل تكون مملوكة لاحدهما أو لكليهما أو لثالث اما الاول و الثالث فباطل بالضرورة و أما الثاني فيتوجه السؤال بانه باي نحو تكون مشتركة بينهما.

ان قلت: عليه يلزم الربا و علي القول بحرمته في جميع المعاوضات يشمل المقام أيضا فما الحيلة و ما الوسيلة.

قلت: يرد عليه أولا ان الربا يختص بالبيع و لا وجه للالتزام به في غيره و ثانيا ان مقامنا خارج عن عنوان المعاوضة فان حصول الشركة بالامتزاج لا يكون معاوضة فيكون المقام خارجا موضوعا فلاحظ.

ثم ان الشيخ قدس سره تعرض لتلف العوضين و للفروع المتفرعة عليه
الفرع الأول لو تلفت العين عند المغبون باتلاف متلف

و قبل ان يأخذ العوض من المتلف فسخ العقد فهل يرجع الغابن الي المتلف كما في عبارة الشيخ أم لا؟

الحق هو الثاني اذ المفروض ان العقد ينفسخ بالفسخ من الحين و كانت العين مملوكة للمغبون فالمتلف ضامن للمغبون و لا وجه لرجوع الغابن إليه اللهم الا ان يقال ان المقام من صغريات تعاقب الايدي و مقتضي القاعدة ان يكون الغابن ذا حقّ في الرجوع الي كل من المغبون و المتلف.

و ان شئت قلت ان المتلف باتلافه يصير ضامنا للمغبون و بعد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 435

انفساخ العقد يصير الغابن مالكا للجامع بين ذمة المغبون و المتلف.

و مقتضي القاعدة الاولية ان الميزان بقيمة يوم الاداء فانا ذكرنا في محله ان العين بعينها في الذمة فلا بد

من ملاحظة قيمة يوم الاداء نعم بمقتضي حديث ابي ولاد نلتزم ان التلف اذا كان في يد الغاصب يكون المناط قيمة يوم الغصب ففي المقام اذا فرض ان التلف صار بالاتلاف العدواني يكون الميزان هو الميزان و الا يكون المناط يوم الاداء كما في جميع الموارد.

الفرع الثاني انه لو تلف ما في يد المغبون باتلافه أو بآفة سماوية و بعد التلف فسخ العقد

رجع الي الغابن بالثمن ان كان باقيا و يأخذ بدله ان كان تالفا و يرد عليه عوض التالف المثل أو القيمة و الميزان قيمة يوم الاداء كما مرّ.

الفرع الثالث انه ان تلف ما في يد المغبون باتلاف الغابن فان لم يفسخ يأخذ المغبون بدله منه

و اما مع الفسخ فتارة بعد ابرائه و اخري لا كذلك فان كان الفسخ بعد ابرائه من الضمان يأخذ منه الثمن و يرد عليه قيمة المبيع فان الابراء بمنزلة القبض فكانه اخذ منه العوض و ان كان بلا ابراء منه يأخذ الثمن منه و لا شي ء عليه اذ المفروض ان الغابن كان متلفا و مما ذكرنا في حكم تلف ما في يد المغبون يعلم حكم الاقسام المتصورة المتعلقة بما في يد الغابن.

«قوله قدس سره:

مسألة الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة».

قد وقع الخلاف بينهم في ثبوت خيار الغبن في غير البيع من

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 436

المعاوضات و المعاقدات فبعضهم فصل بين كون المقصود المعاوضة و عدمه فالتزم بالثبوت في الاول دون الثاني.

و يظهر من بعضهم ثبوته في كل عقد يجري فيه الغبن بدعوي ان الدليل علي الخيار قاعدة لا ضرر و القاعدة تعم جميع العقود و الحق في المقام علي ما يختلج بالبال أن يقال ان دليل خيار الغبن ليس هو الاجماع كما مرّ و تقدم فانه محتمل المدرك لو لم يكن مقطوعا به كما انه ليس المدرك حديث لا ضرر فانا ذكرنا مرارا ان حديث لا ضرر لا يدل علي النفي بل يدل علي النهي.

مضافا الي ان شأن الحديث ليس الاثبات بل شأنه النفي اضف الي ذلك ان الضرر انما يتوجه باصل العقد لا بلزومه فيلزم البطلان من أصله بل المدرك للخيار عبارة عن الشرط الارتكازي الضمني ففي كل مورد احرز الارتكاز المزبور يلتزم بالخيار و الا فلا و مع الشك لا يمكن الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية كما هو المقرر عند القوم و لذا لو كان بناء العقد علي المسامحة و عدم المماسكة لا يجري

فيه.

و بعبارة واضحة المدرك لخيار الغبن دليل الشرط لكن الاشكال في ان دليل الشرط ليس مشرعا فلا بد من احراز جواز الاشتراط في الرتبة السابقة و الا فلو شك في جوازه و عدمه لا يمكن الاخذ بدليل الاشتراط لعدم جواز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية بل يمكن احراز عدم جوازه بالاصل فان الاستصحاب يقتضي عدم الجواز فان الجواز في المقام وضعي لا تكليفي كي يقال ان البراءة تقتضي الجواز و الجواز الوضعي محكوم بالعدم ففي كل مورد احرز و لو بالسيرة جواز جعل الخيار كما هو كذلك في الاجارة و الصلح

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 437

فهو و الا فلا يجوز فتحصل ان خيار الغبن لا يجري الا في البيع و الاجارة و الصلح و أما في غيرها من العقود فلا دليل عليه.

«قوله قدس سره:

مسألة اختلف اصحابنا في كون هذا الخيار علي الفور أو علي التراخي علي قولين»
اشارة

الخ يقع الكلام في المقام في جهات

الجهة الأولي: في انه لو لم يكن دليل لا علي الفور و لا علي التراخي

فهل القاعدة الاولية تقتضي الفورية و عدم تأثير الفسخ بعد الزمان الاول أو تقتضي التراخي و بقاء الخيار.

الظاهر ان القاعدة تقتضي الفور و ذلك لان الملكية المستمرة تحققت بالبيع و تأثير الفسخ بعد مضي أول زمان الخيار محل الكلام و مشكوك فيه و الاصل عدم جعل الشارع هذا الحق لاحد الطرفين أي حق الفسخ.

و ببيان واضح ان الشك في تأثير الفسخ ناش عن الشك في ثبوت الحق و عدمه و قد قرر في محله ان الاصل الجاري في السبب حاكم علي الاصل الجاري في المسبب بل دليل وجوب الوفاء بالعقود أي مفاد الآية الشريفة يقتضي اللزوم فان كل عقد لازم الوفاء الا ما خرج بالدليل.

الجهة الثانية في انه هل تستفاد الفورية أو الاستمرار من الدليل الذي يدل علي الخيار أم لا؟

و الحق أن يقال ان كان دليل الخيار الاجماع فلا يستفاد منه الاستمرار كما انه لا يستفاد منه الفورية بمعني نفي الخيار بالنسبة الي ما بعد الزمان الاول بل المستفاد من الاجماع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 438

ثبوت الخيار في الجملة بلا تعرض لما بعد الزمان الاول.

و أما ان كان المدرك للخيار قاعدة لا ضرر أو كان المدرك الاشتراط الارتكازي يكون الخيار باقيا و متراخيا.

و الوجه فيه ان الضرر علي الفرض موجود فموضوع القاعدة متحقق و ترتب الحكم علي موضوعه علي القاعدة فلا وجه للفورية فلا مجال لان يقال ان الموضوع غير محرز لاحتمال ان الموضوع عبارة عمّن لا يتمكن من تدارك ضرره فاذا فرض تمكنه و لم يتدارك ينتفي الموضوع اذ لم يرد دليل لا ضرر بهذا العنوان بل نفي الضرر علي نحو الاطلاق فالموضوع باق بحاله كما ان الامر كذلك لو كان المدرك الشرط الارتكازي فان الاقتصار علي الزمان الاول بلا وجه.

الجهة الثالثة: في انه لو شك في بقاء الخيار و عدمه فهل القاعدة تقتضي الاخذ بعموم دليل اللزوم أو تقتضي جريان استصحاب الحكم المخصص.

يظهر من الشيخ قدس سره التفصيل بين ان يكون الزمان مفردا و لكل زمان حكم مستقل في قبال فرد آخر من الزمان و بين كون الزمان ظرفا لحكم مستمر.

و بعبارة اخري فرق بين العام الاستغراقي و المجموعي فاختار الاخذ بعموم العام في الفرض الاول و الاخذ باستصحاب الحكم الخارج في الفرض الثاني.

بتقريب انه لو كان علي نحو العموم الاستغراقي لا يكون وجه لجريان الاستصحاب و لا مجال اذ المفروض ان العام اثبت الحكم لكل فرد و قد خرج منه فرد و بقي الباقي تحت العام و اما اذا كان الزمان علي نحو الظرفية يكون الحكم واحدا مستمرا فاذا خرج عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 439

تحت العموم

لا دليل علي دخوله بعد فالاستصحاب يجري في بقاء الحكم المخصص.

و يرد عليه انه لا فرق بين الموردين من هذه الجهة و المرجع عموم العام في كلا الموردين و لذا نري ان الامر كذلك في نظائر المقام مثلا اذا امر المولي بوجوب اكرام كل عالم بقوله اكرم العلماء ثم اخرج زيدا العالم من تحت العام و قال لا تكرم زيدا العالم لا اشكال في الاخذ بالعموم بالنسبة الي بقية العلماء في وجوب اكرامهم.

و قس عليه ما لو قال المولي اكرم هؤلاء العشرة علي النحو المجموعي و بعد ذلك اخرج من العشرة واحدا لا اشكال في الاخذ بالدليل في وجوب اكرام الباقي من العشرة و قس علي ذلك المقام مقامنا فان المولي تارة يلاحظ كل زمان مفردا بحيث يكون لكل زمان حكم و اخري يلاحظ الزمان ظرفا و يكون الحكم واحدا و لكن اذا اخرج عن الحكم الواحد ساعة يبقي الباقي تحت الدليل و لا فرق فيما ذكرنا بين ان يكون التخصيص من الاول أو الوسط فان الدليل قائم علي الوجوب الا في قطعة من الزمان.

فتحصل ان المرجع عموم العام علي كل تقدير و لا تصل النوبة الي الاستصحاب و لو سلمنا عدم جواز التمسك بالعموم فهل تصل النوبة الي استصحاب الحكم المخصص أم لا؟ الحق عدم وصول النوبة إليه اذ قد ثبت في محله عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية و معارضته مع استصحاب عدم الجعل الزائد و بعد المعارضة تكون النتيجة عدم الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 440

ان قلت: بعد تعارض الاصلين في الخيار يقع التعارض بين الاصلين في أصل بقاء الملكية بتقريب انه بعد قطع اليد عن جريان الاصل في

الخيار نشك في الملكية بعد الفسخ فيكون مقتضي الاصل بقائه و يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد و بعد التعارض و التساقط لا طريق الي احراز بقاء الملكية بعد الفسخ.

قلت: لا مجال لهذا التقريب اذ لا اشكال في ان الملكية مجعولة من قبل الشارع مستمرا اعم من ان يكون الخيار متحققا أم لا و قد ذكرنا سابقا ان الملكية في مورد الخيار لا تكون موقتة بان يقال الملكية مجعولة الي قول ذي الخيار فسخت و قلنا ما افاده سيدنا الاستاد في هذا المقام لا يرجع الي محصل فان الملكية كالزوجية الدائمة مجعولة غاية الامر اذا كان الخيار مجعولا يمكن رفعها و الا فلا.

و ان شئت قلت الفسخ في مورده عبارة عن الرفع لا غاية للمجعول و كم فرق بينهما و لعمري ما افدته دقيق و بالتأمل حقيق و لكن الاسف كل الاسف علي قلة الشكور و قليل من عبادي الشكور و له الحمد و الشكر.

[الخامس خيار التأخير]
اشارة

«قوله قدس سره: الخامس خيار التأخير قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه الي المشتري و لا قبض الثمن و لا شرط تأخيره و لو ساعة لزم البيع ثلاثة ايام فان جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو احق بالعين و ان مضت الثلاثة و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد و الصبر»

الخ.

و قال سيدنا الاستاد في منهاجه «اطلاق العقد يقتضي ان يكون تسليم كل من العوضين فعليا فلو امتنع احد الطرفين عنه اجبر عليه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 441

فان لم يسلم كان للطرف الاخر فسخ العقد بل لا يبعد جواز الفسخ عند الامتناع قبل الاجبار و لا يختص هذا الخيار بالبيع بل يجري

في كل معاوضة و يختص البيع بخيار و هو المسمي بخيار التأخير» الي آخر كلامه رفع في علو مقامه.

فقد تعرض قدس سره لثلاثة امور الاول ان اطلاق العقد يقتضي فورية الاقباض و ان الامتناع من التسليم يقتضي الخيار و الوجه فيه الاشتراط الارتكازي.

الثاني: عدم اختصاص الخيار المذكور بالبيع بل يجري في كل معاوضة بتقريب ان الملاك في ثبوت الخيار الشرط الارتكازي و هو موجود في جميع المعاوضات و يرد عليه ان دليل الشرط لا يكون مشرعا فلا بد من احراز صحة الشرط في الرتبة السابقة و مقتضي الاصل عدمها.

الثالث ان البيع يختص بخيار التأخير بالنحو المذكور في عبارة الشيخ قدس سره و

ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:
الوجه الأول الاجماع

و حال الاجماع في الاشكال ظاهر.

الوجه الثاني قاعدة لا ضرر

بتقريب ان التأخير و عدم جواز الفسخ ضرر علي البائع فانه لا يجوز له التصرف في المبيع لكونه مال الغير و ليس عنده الثمن فلا بد من التمسك بقاعدة نفي الضرر.

و يرد عليه أولا انا ذكرنا مرارا عدم دلالة القاعدة علي النفي بل مفادها النهي و ثانيا انه لا تدل علي المدعي مع هذه الخصوصيات.

الوجه الثالث النصوص الخاصة

فلا بد من ملاحظة كل واحد منها، فنقول منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده، فيقول حتي آتيك

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 442

بثمنه قال ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له «1».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال اشتريت محملا فاعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثم احتسبت اياما ثم جئت الي بائع المحمل لاخذه فقال قد بعته فضحكت ثمّ قلت لا و اللّه أدعك أو أقاضيك فقال لي: ترضي بأبي بكر بن عياش قلت نعم فأتيته فقصصنا عليه قصتنا فقال ابو بكر بقول من تريد أن أقضي بينكما أ بقول صاحبك أو غيره قال قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشتري شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و الا فلا بيع له «2».

و منها ما عن علي بن يقطين انه سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال فانّ الاجل بينهما ثلاثة أيام فان قبض بيعه و الا فلا بيع بينهما «3».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال من اشتري بيعا فمضت ثلاثة أيام

و لم يجي ء فلا بيع له «4».

و الاحتمالات المتصورة في هذه النصوص ثلاثة الاحتمال الاول ان يكون القبض شرطا في صحة البيع فان لم يتحقق في الثلاثة يكون البيع باطلا من اصله.

الاحتمال الثاني انه لو لم يتحقق القبض في الثلاثة يحصل للبائع الخيار و حق الفسخ كما هو المدعي في المقام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 443

الاحتمال الثالث انه لو لم يتحقق القبض يبطل البيع من ذلك الحين لا من اصله اذا عرفت ما تقدم نقول اما الاحتمال الاول و هو بطلان البيع من اوّل الامر فهو خلاف الظاهر اذ لو كان البيع باطلا من اوّل الامر كان التصرف في المبيع جائزا للبائع اذ علي هذا الفرض يكون المبيع مملوكا و التصرف في الملك جائز اما مع العلم بعدم الاتيان بالثمن فظاهر و اما مع الشك فمقتضي الاستصحاب الاستقبالي هو الجواز فان مقتضي الاستصحاب عدم الاتيان بالثمن.

و أما الاحتمال الثاني فهو أيضا خلاف الظاهر فان قوله عليه السلام لا بيع له يدل علي عدم البيع و هو البطلان فلا يدل علي الخيار بل يدل علي البطلان ان قلت لا بيع له نفي من الطرف الواحد لا من الطرفين قلت البيع امر قائم بالطرفين فالارتفاع من طرف يستلزم الارتفاع من الطرف الاخر أيضا.

و ان ابيت عن ذلك اقول يكفي لافادة المدعي و هو البطلان و الانفساخ حديث ابن يقطين الدال علي الارتفاع من الطرفين فغاية ما في الباب ان يقع التعارض بين حديث ابن يقطين الدال علي البطلان و بقية الاحاديث الدالة علي الخيار

للبائع كما توهم فلا بد من التماس مرجح لاحد الطرفين علي الاخر و الا يصل الامر الي التساقط و الترجيح مع دليل البطلان لكونه احدث و المرجح الوحيد في باب الترجيح الاحدثية فلاحظ.

فتحصل ان الصحيح هو الاحتمال الثالث لكن هل يمكن الالتزام به مع كونه خلاف الارتكاز المتشرعي و خيار تأخير الثمن امر مشهور معروف و اللّه العالم بحقائق الامور و عليه التوكل و التكلان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 444

و لقائل ان يقول لا تعارض بين الجانبين فان حديث ابن يقطين يكون الموضوع فيه عدم اقباض المبيع فانه علق عدم البيع في هذا الخبر علي عدم اقباض المبيع و علق تحقق البيع علي الاقباض و مقتضي اطلاقه انه لو اقبض المبيع يصح البيع و يتم و لو مع فرض عدم قبض الثمن و مقتضي تلك النصوص ان الميزان هو اقباض المشتري و مع عدمه يبطل البيع فيقع التعارض بينهما فيما قبض الثمن و لم يقبض المبيع و فيما اقبض المبيع و لم يقبض الثمن و الجمع بين المتعارضين يتحقق بتقييد كل منهما بالآخر فالنتيجة ان البائع اذا اقبض المبيع و قبض الثمن فهو و الا فان لم يتحقق القبض اصلا أو اقبض المبيع و لم يقبض الثمن أو قبض الثمن و لم يقبض اصلا أو اقبض المبيع و لم يقبض الثمن أو قبض الثمن و لم يقبض المبيع يكون البيع باطلا أو يتحقق الخيار علي الخلاف بين القولين.

«قوله قدس سره:

ثم انه يشترط في هذا الخيار امور
أحدها عدم قبض المبيع»

ادعي عليه عدم الخلاف و يدل علي المدعي من النصوص ما رواه اين يقطين «1».

فان قوله عليه السلام في الجواب (فان قبض بيعه) يدل علي الشرط المذكور فان لفظ البيع في كلامه

عليه السلام عبارة عن المبيع بقرينة الصدر فان السائل يسأل بان الرجل يبيع البيع فالمراد من البيع المبيع في هذه الجملة و الضمير في قوله عليه السلام قبض يرجع الي الرجل بمقتضي قانون الكلام فيكون المراد من البيع المبيع.

فلا وجه لان يقال انه يحتمل ان يكون لفظ قبض بلا تشديد

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 442.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 445

و يكون المراد من البيع البائع كي يرد عليه بان استعمال البيع في البائع نادر و الاصل عدم كون اللفظ البيع مشدّدا فان الظاهر علي حسب قانون الكلام لا مجال لهذا التقريب.

«قوله قدس سره: ثم لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع» الخ

الامر كما افاده فان الظاهر من النص عدم صورة عدوان البائع و يمكن الاستدلال عليه بنحو آخر و هو ان الموضوع للخيار عدم مجي ء المشتري بالثمن و المفروض في المقام ان المشتري جاء بالثمن و البائع لم يقبضه فلا خيار.

«قوله قدس سره: و لو قبضه المشتري علي وجه يكون للبائع استرداده»

الخ الحق هو الوجه الأول من الوجوه اي يكون القبض المذكور كلا قبض فان المستفاد من حديث ابن يقطين ان المؤثر في تحقق الخيار تحقق قبض المشتري المبيع باقباض البائع و قد تقدم ان المدرك للخيار المذكور النص الخاص لا حديث لا ضرر كي يكون المقام قابلا لما أفاده الشيخ قدس سره.

«قوله قدس سره: و لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض»

الخ المستفاد من النص ان الميزان في تحقق الخيار عدم القبض الناشئ من امساك البائع عن الاقباض و اما مع اقباض البائع و عدم القبض من قبل المشتري فلا خيار.

ان قلت يستفاد من حديث زرارة ان مجرد التمكين

لا اثر له اذ ذكر فيه هكذا (الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتي آتيك بثمنه قال ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة ايام و الا فلا بيع له)

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 446

فانه فرض التمكين في الرواية و مع ذلك حكم الامام عليه السلام بالخيار فالتمكين لا اثر له.

قلت لم يفرض في الحديث انه مكنه منه بحيث يكون له ان يأخذه و يروح بل مقتضي الاطلاق المستفاد من الحديث ان الميزان في تحقق الخيار عدم مجي ء المشتري بالثمن الي ثلاثة ايام و يستفاد من حديث ابن يقطين انه لو اقبض البائع المبيع من المشتري قبضا تاما اي مكّنه من الاخذ و عدم استرداده بعنوان الوديعة يكون موجبا لسقوط الخيار فتكون النتيجة ان موضوع الخيار عبارة عن عدم اقباض البائع المتاع من المشتري و عدم مجي ء المشتري بالثمن الي ثلاثة ايام فلاحظ.

«قوله قدس سره: و في كون قبض بعض المبيع كلا قبض»

الخ الّذي يستفاد من حديث ابن يقطين ان الميزان باقباض البائع تمام المبيع فلا اثر لاقباض بعضه و يؤيده حديث عبد الرحمن حيث صرح فيه باقباض بعض الثمن فان المستفاد من كلامه عليه السلام عدم اثر لاقباض البعض فانه و ان كان في طرف الثمن و الكلام في المبيع لكن لا يخلو عن التأييد كما هو الظاهر عند الخبير.

«قوله قدس سره:

الشرط الثاني عدم قبض مجموع الثمن»

الخ فانه يستفاد من النص ان عدم قبض مجموع الثمن شرط في ثبوت الخيار فلا اثر لقبض البعض و يؤيد المدعي فهم القاضي اي أبي بكر.

«قوله قدس سره: و القبض بدون الاذن كعدمه»

الخ فان المستفاد من النص بحسب الفهم العرفي ان القبض المؤثر

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 3، ص: 447

القبض الّذي يكون ناشيا عن اذن المشتري و لا فرق بين القبض عن حق و غيره اذ الموضوع المأخوذ في الدليل عدم مجي ء المشتري بالثمن و مقتضاه عدم الفرق و ربما يقال بكفاية القبض مطلقا في المقام و اشتراطه بالاذن في طرف اقباض المبيع.

بتقريب ان الاصحاب عبروا هناك بالاقباض و في المقام بالقبض فلا بد ان يكون القبض باقباض البائع و رضاه و اما في المقام فيكفي القبض كيف ما كان.

و قد اورد عليه الشيخ قدس سره بان التعبير بالاقباض و القبض من باب كون الموضوع في نظرهم البائع فلا بد من التعبير بالاقباض في الاول و بالقبض في الثاني و بعده امر بالتأمل بقوله (فتأمل) و لعل الوجه فيه ان حمل الكلام علي ما ذكر بعيد و كيف كان الحق ما ذكرنا من ان القبض بلا رضا المشتري لا اثر له.

«قوله قدس سره: و لو اجاز المشتري قبض الثمن»

الخ فان المستفاد من حديث زرارة الوارد في نكاح العبد بلا اذن مولاه جواز الاجازة في كل مورد يكون من حق الناس و المقام كذلك و يكون الاجازة في المقام كبقية الموارد كاشفة اذ المفروض ان الامضاء الشرعي يتعلق بما يصدر عن الفضولي بعد اجازة من بيده الامر فلا مجال للنقل و يظهر الثمرة بين القولين فيما يحصل القبض في الثلاثة و تحقق الاجازة بعدها فعلي الكشف تكون صحيحة و علي النقل تكون باطلة.

«قوله قدس سره:

الشرط الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم احد العوضين»

لا يبعد أن يكون الامر كما افاده قدس سره فان الظاهر من النص

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 448

ان يكون عدم القبض ناشئا عن الامساك عن الاقباض لا عن حق و علي الجملة ان

المستفاد من النص كذلك و في المقام اشكال و هو انه ما المراد من اشتراط التأخير.

و يتصور هذا الشرط علي انحاء ثلاثة الاول ان يشترط لاحد الطرفين حق التأخير و لو مع مطالبة الاخر الثاني ان يشترط عليه عدم المطالبة الثالث ان يشترط عليه الاذن في الابقاء.

أما الصورة الأولي فيرد عليها انه شرط غير مشروع و الشرط يلزم ان يكون امرا جائزا الا ان يقال ان السيرة جارية عليها بلا ردع من الشارع الاقدس.

و اما الصورة الثانية فيرد عليها انه لو عصي و لم يعمل بالشرط يجب علي الطرف الاخر الاقباض.

و أما الصورة الثالثة فمرجعها الي اشتراط الاذن في الامساك في ضمن العقد هذا من ناحية و من ناحية اخري الشرط اذا تحقق صحيحا يكون لازما فان المؤمن عند شرطه و الظاهر ان هذا الوجه حسن و صفوة القول انه لو اذن بنفس الاشتراط لا يمكنه الرجوع فان الشرط لازم و هذا التقريب دقيق و بالتأمل حقيق.

«قوله قدس سره:

الشرط الرابع ان يكون المبيع عينا»
اشارة

ما يمكن أن يستدل به علي المدعي وجوه

الوجه الأول الاجماع

و حاله في الاشكال ظاهر.

الوجه الثاني ان مستند الخيار المذكور حديث لا ضرر و في الكلي في الذمة لا يتصور ضرر للبائع

و فيه انه يتصور الضرر للبائع أيضا مثلا لو فرض ان زيدا في وسعه بيع وزنة من الحنطة و الزائد عليها ليس في امكانه فلا يمكنه المعاملة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 449

مع غير هذا المشتري.

مضافا الي ان المدرك كما تقدم النصوص الخاصة الواردة في المقام لا حديث لا ضرر.

الوجه الثالث ان الشرط المذكور مستفاد من نصوص الباب

فلا بد من ملاحظتها فنقول اما حديث زرارة فيمكن ان يقال انه نص في العين الخارجية حيث يقول ثم يدعه عنده و لا يصدق هذا العنوان علي الكلي في الذمة و اما حديث ابن الحجاج فهو أيضا كذلك حيث يقول و تركته عند صاحبه و اصرح منه قول البائع بعته.

و اما حديث ابن يقطين فهو أيضا ظاهر لو لم يكن صريحا في المبيع الشخصي فان السائل يسأل عن الرجل يبيع البيع فيلزم ان يكون قبل تحقق البيع مبيع كي يتعلق به البيع فان الكلي قبل البيع لا ثبوت له لا في الخارج كما هو ظاهر و لا في الذهن كما هو اظهر فيتوقف تحقق العنوان المذكور علي كون المبيع شخصيا هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الضمير في كلامه روحي فداه يرجع الي ما تقدم في كلام السائل فيتحصل ان المستفاد من النص لزوم كون المبيع شخصيا.

«قوله قدس سره:

ثم ان هنا امورا قيل باعتبارها في هذا الخيار
منها عدم الخيار لاحدهما او لهما»
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في مستند الحكم المذكور وجوه.

الوجه الأول ان الميزان في تحقق خيار التأخير، التأخير من غير حق

و مع وجود الخيار له ان يؤخر فلا يتحقق خيار التأخير و يرد عليه ان المبني فاسد فان الخيار و جواز العقد لا يوجب جواز التأخير و لا دليل عليه.

و بما ذكرنا ظهر ان ما افاده المحقق النائيني (ره) من انه مع الخيار

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 450

لا يجب الوفاء فلا يجب الاقباض غير تام فانه لا ربط بين المقامين اذ وجوب الوفاء و عدمه عبارة عن عدم حق الفسخ و ثبوت حقه و هذا لا يرتبط بوجوب اقباض مال الغير فان امساك مال الغير و عدم اقباضه حرام.

ان قلت وجوب الاقباض من باب الشرط الضمني و المفروض ان العقد جائز فلا يشمله دليل وجوب الوفاء.

قلت يرد علي التقريب أولا ان وجوب الاقباض ليس من باب الشرط الضمني بل وجوبه من باب وجوب تسليم مال الغير إليه و عدم امساكه و حرمة التصرف فيه.

الا ان يقال التصرف حرام و لكن لا وجه لوجوب الاقباض و لا دليل عليه الا الشرط الارتكازي.

و ثانيا ان دليل وجوب العمل بالشرط غير منحصر بدليل وجوب الوفاء بل العمدة دليل لزوم الشرط و قوله (ع) المؤمنون عند شروطهم.

ان قلت كيف يمكن ان يكون العقد جائزا و الشرط الارتكازي الضمني لازما قلت لا تنافي بين الامرين فان كل حكم تابع لموضوعه و لذا لو فرض انفساخ العقد بالفسخ أو بالاقالة يبقي لزوم الشرط بحاله بل يمكن ان يقال ان الشرط في ضمن العقد الفاسد صحيح و يجب العمل به لتحقق موضوع الشرط و ترتب الحكم علي موضوعه ضروري.

و لما انجر الكلام الي هنا نشير الي نكتة و ان

كانت خارجة عن البحث و هي انه لو علق المكلف فعله الفلاني علي شرط كأن يقول و يلتزم بانه لو قدم المسافر الفلاني من السفر في يوم السبت انا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 451

التزم باقامة مجلس اطعام و فرض تحقق الشرط يجب الوفاء عليه بان يقيم المجلس اذ يصدق الاشتراط فيترتب عليه حكمه فلاحظ.

«قوله قدس سره:

و منها تعدد المتعاقدين»
اشارة

الخ و استدل علي المدعي المذكور بوجهين.

الوجه الأول ان النصوص الواردة في المقام تختص بصورة التعدد

فلا مقتضي للخيار في غير هذه الصورة و يرد عليه ان النص وارد في مورد تعدد البائع و المشتري و هذا لا اشكال فيه فان البائع لا يمكن ان يكون عين المشتري و لكن تعدد البائع و المشتري لا يستلزم تعدد المتعاقدين كما هو ظاهر.

الوجه الثاني ان خيار التأخير ثابت بعد تمامية المجلس

و لا يتصور الانقضاء فيما يكون المتعاقدان واحدا و يرد عليه أولا انه لا تنافي بين خياري التأخير و المجلس و اللزوم الثابت في مورد خيار التأخير قبل الثلاثة حكم حيثي اي العقد لازم من هذه الجهة فلا تنافي بين هذا الخيار و بقية الخيارات و ثانيا انه يمكن ان يفرض عدم خيار المجلس كما اذا اسقط بالاسقاط حين العقد.

«قوله قدس سره:

و منها ان لا يكون المبيع حيوانا»

و المستند للحكم ما رواه علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشتري جارية و قال اجيئك بالثمن فقال ان جاء فيما بينه و بين شهر و الا فلا بيع له «1».

و المذكور في الرواية عنوان الجارية فلا وجه لتسرية الحكم الي مطلق الحيوان ثم انه لا وجه لحمل الرواية علي بيان خيار التأخير

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب الخيار الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 452

الّذي يكون مورد البحث و لا دليل و لا قرينة علي ان المراد بيان ذلك الخيار فمن الممكن ان الشارع الاقدس جعل في خصوص الجارية خيارا بعدم مجي ء المشتري بالثمن الي شهر فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان مبدأ الثلاثة»

الخ تردد امر الثلاثة من حيث ان ابتدائها من حين التفرق أو ان مبدئها من حين العقد الظاهر من النصوص ان الثلاثة تحسب من حين العقد و بعبارة اخري الظهور الاولي يقتضي ذلك فكما ان خيار الحيوان يحسب من حين العقد الي ثلاثة ايام كذلك اللزوم في المقام يحسب من حين العقد الي ثلاثة ايام و هذا ظاهر واضح.

ان قلت يستفاد من قوله عليه السلام فان جاء بالثمن انه يحسب من حين التفرق اذ المجي ء مقابل عدمه فلا بد من مفارقته كي

يتحقق المفهوم و المفارقة تحصل بالافتراق عن المجلس.

قلت المراد من قوله عليه السلام (فان جاء بالثمن) اعطائه فالنتيجة ان مبدأ الثلاثة من حين العقد.

«قوله قدس سره:

مسألة يسقط هذا الخيار بأمور
أحدها إسقاطه بعد الثلاثة»
اشارة

اذ الخيار الحقي قابل للاسقاط و من ناحية اخري قد علم من الشرع ان الخيار المذكور حقي.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 452

«قوله قدس سره: و في سقوطه بالاسقاط في الثلاثة وجهان»

تارة يسقط الخيار علي النحو التنجيزي و اخري يسقطه علي النحو التعليقي اما الاول فلا واقع له اذ المفروض ان الموضوع لم يتحقق بعد فلا خيار حتي يسقط و اما علي الثاني فالتعليق لا يجوز.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 453

و يرد عليه ان بطلان التعليق لا يستند الي دليل عقلي كي يقال الحكم العقلي غير قابل للتخصيص بل مدركه الاجماع و الاجماع دليل لبي لا لسان له لكن الاشكال كل الاشكال انه لا يكفي للحكم بالجواز مجرد الامكان فان الجزم به يتوقف علي قيام دليل عليه.

و ما يمكن ان يذكر في تقريبه وجوه.

الوجه الأول ان العقد سبب للخيار و المفروض انه وجد فيجوز اسقاط الخيار الّذي يوجد بعد.

و فيه ان الوجه المذكور لا يرجع الي محصل فان الاحكام الشرعية لا تقاس بالامور التكوينية و لا علاقة بينهما مضافا الي انه هب ان العقد سبب لكن الاشكال في عدم جواز الحكم بصحة الاسقاط مع عدم مستند يستند إليه في انه يجوز.

الوجه الثاني ان اشتراط سقوطه في ضمن العقد جائز فالاسقاط بعد العقد جائز أيضا بالاولوية

اذ لو كان الاسقاط جائزا قبل تحقق المقتضي فالجواز بعد تحققه اولي و يرد عليه انه لو ثبت الجواز هناك لكان للتقريب المذكور مجال و اما لو استند في الجواز هناك بدليل الشرط فلا يتم الاستدلال هناك و ان شئت قلت اصل الدعوي في الاصل فاسد فلا تصل النوبة الي الفرع.

الوجه الثالث ان الخيار و ان كان بعد الثلاثة لكن مبدأ تحققه من حين العقد

اذ من حين العقد يجب علي المشتري دفع الثمن فمرجع اسقاط الخيار الي اسقاط حقه عن المطالبة و حق المطالبة حق فعلي قابل للاسقاط.

و يرد عليه أولا كون حق المطالبة قابلا للاسقاط اوّل الكلام و ثانيا ان حق المطالبة في قبال حق الخيار فاشكال اسقاط ما لم يجب بحاله و ثالثا ان اسقاط حق المطالبة لا يوجب سقوط الخيار لان موضوع الخيار عدم دفع الثمن لا عدم حق المطالبة فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 454

الوجه الرابع ان الخيار المذكور مستند الي الشرط الضمني غاية الامر الشارع الاقدس قد تصرف فيه و جعل له حدودا

و لا اشكال في ان من له الشرط يجوز التجاوز عن حقه هذا من ناحية و من ناحية اخري ان الحق الناشي عن الاشتراط حق فعلي فاذا تجاوز المشروط له عن حقه لا يبقي موضوع للخيار.

و يرد عليه أولا ان الخيار المستفاد من الشرع لا يرتبط بالخيار المجعول بالشرط الارتكازي و لذا لو فرضنا انهما صرحا بعدم الاشتراط يثبت خيار التأخير المستفاد من النص اذا تحقق موضوعه.

و ثانيا انه لا وجه لقياس جعل الخيار بجعل فعل علي احد الطرفين بالاشتراط كالخياطة مثلا فان الفعل مثل الخياطة لو شرط علي احد يصير الشارط مطالبا بالفعل للفعل الفلاني في الظرف الكذائي و المشروط عليه يصير مديونا كذلك فيمكن ان يقال ان الدائن بالفعل يبرأ المديون و يسقط الدين عن ذمته و اما الخيار فلا تحقق له الا بعد مضي الثلاثة فلا مجال لهذا البيان و القياس مع الفارق.

«قوله قدس سره:

الثاني اشتراط سقوطه في متن العقد»

الظاهر ان الالتزام به مشكل الا ان يقوم عليه اجماع تعبدي كما اشار إليه الشيخ قدس سره و صفوة الكلام ان دليل الشرط لا يكون مشرعا ففي كل مورد احرز جواز امر وضعا أو تكليفا لكان لاشتراطه مجال و اما ان لم يكن كذلك يشكل الالتزام بجواز الاشتراط بل مقتضي الصناعة الالتزام بفساد الاشتراط المذكور فان مقتضي الاصل عدم ثبوت حق الاسقاط قبل الثلاثة فيكون اشتراطه خلاف المشروع.

ثم انه لا بد من التنبيه بنكتة و هي ان اشتراط السقوط يتصور علي انحاء النحو الاول ان يشترط علي الطرف ان يسقط خياره بعد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 455

العقد و قد مرّ الكلام حوله فلا وجه للاعادة النحو الثاني ان لا يثبت الخيار و ينتفي هذا

الحق و بعبارة اخري بنحو شرط النتيجة و الشرط بهذا النحو فاسد بلا كلام و لا اشكال اذ لا اشكال في ثبوته و اشتراط عدمه مخالف للشرع النحو الثالث ان يشترط الفعل و يشترط الاسقاط اي بنفس الشرط يسقط الخيار و الاشكال فيه هو الاشكال الّذي قد تقدم في الاسقاط و تصحيحه بالشرط لا مجال لتقريبه الاعلي النحو الدوري.

«قوله قدس سره:

الثالث بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة»

قد تقدم منا ان مستند الخيار المذكور ليس حديث لا ضرر فلا مجال للاخذ به فلا مجال للتفصيل الّذي ذكره الشيخ قدس سره و المستند لهذا الخيار النص الخاص و مقتضاه ثبوت الخيار حتي مع مطالبة البائع الثمن و حتي مع بذل الثمن من قبل المشتري بل الامر كذلك حتي اذا اخذه البائع نعم اذا قصد بالاخذ اسقاط الخيار نلتزم بالسقوط فلاحظ.

[مسألة في كون هذا الخيار علي الفور أو التراخي]

«قوله قدس سره: و قد عرفت ان الاقوي الفور».

الامر كما افاده لو لم يكن دليل علي التراخي و الميزان الكلي العام انه لو دل دليل الخيار بإطلاقه علي بقاء الخيار و استمراره يؤخذ به و الا يحكم بالفورية فان دليل وجوب الوفاء بالعقد محكم فبالمقدار الّذي دل الدليل علي خروجه يؤخذ به و الا فالمرجع عموم دليل اللزوم.

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن ان يكون في امره بالتأمل ناظرا الي ان الوجه المذكور انما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 456

يقتضي الانسبية كما صرح بها في المتن لكن الاشكال في ان مجرد الانسبية هل يقتضي التعين و بعبارة اخري اذا تردد في المعني المجازي فهل تكون الاقربية قرينة معينة.

«قوله قدس سره:

[مسألة] لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع اجماعا»
اشارة

يقع البحث في هذه المسألة تارة من حيث المقتضي لهذه الدعوي و اخري من حيث معارضة هذه القاعدة مع قاعدة اخري فيقع الكلام في مقامين.

فنقول أما

المقام الأول [في المقتضي لهذه الدعوي]
اشارة

فما يمكن ان يذكر في مقام الاستناد لهذه القاعدة امران

الأمر الأول الاجماع

و اتمامه مشكل اذ قد ثبت في محله عدم اعتبار الاجماع اعم من ان يكون منقولا أو محصلا و حيث انه ورد في المقام نبوي من طريق العامة و اشتهر بين الاصحاب يمكن استناد المجمعين إليه.

الأمر الثاني النبوي المشهور

و هو قوله صلي اللّه عليه و آله كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا يوجب اعتبارها فالنتيجة انه لا دليل علي هذه القاعدة هذا هو المقام الأول.

و أما

المقام الثاني فربما يقال انه يقع التعارض بين هذه القاعدة و قاعدتين اخريين.

القاعدة الاولي قاعدة الخراج بالضمان «2» فان

______________________________

(1) مستدرك الوسائل ج 13 الباب 9 من ابواب الخيار.

(2) المبسوط ج 2 ص 126.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 457

مقتضي هذه القاعدة ان الضمان في مقابل المنافع فيلزم ان يكون ضمان التالف علي مالكه و هذه القاعدة لا اساس لها و لا دليل عليها القاعدة الثانية قاعدة ان التلف في زمن الخيار فهو ممن لا خيار له و المفروض ان الخيار بعد الثلاثة للبائع فلا بد من كون الضمان علي المشتري.

و أجاب الشيخ قدس سره بأن هذه القاعدة تختص ببعض اقسام الخيار مضافا الي انها تختص بما بعد القبض فلا تعارض و لا تلاقي بينهما و تفصيل الكلام موكول الي احكام الخيارات و احكام القبض.

«قوله قدس سره: و لو تلف في الثلاثة فالمشهور كونه من مال البائع أيضا».

الشيخ قدس سره أولا قوي عدم ضمان البائع للاجماع المدعي مؤيدا بقاعدة ضمان كل عين علي مالكها و بعد ذلك رد القول المذكور بكون الاجماع موهونا و دليل القاعدة يختص بالنبوي الذي انجبر ضعفه سندا.

مضافا الي حديث عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء اللّه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتي يقبض

المتاع و يخرجه من بيته فاذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه «1».

و يرد عليه ان النبوي لا ينجبر ضعفه بالشهرة كما مرّ منا مرارا و اما حديث عقبة بن خالد فغير تام سندا اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 458

القاعدة تقتضي ان يقال انه لو تلف قبل الثلاثة لا يكون ضمانه علي البائع لعدم الدليل عليه الا في صورة حصول الاطمينان للفقيه من مجموع ما ذكر في المقام و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: و لو مكنه من القبض فلم يتسلم».

ان قلنا ان التمكين من القبض محقق له يتم الامر و اما ان قلنا بان القبض لا يتحقق بالتمكين أو شككنا فيه يشكل الحكم اما مع الجزم بعدم تحققه فظاهر و اما مع الشك فباستصحاب عدم تحقق القبض يلزم بعدمه و يترتب عليه آثار العدم لكن قد ظهر مما تقدم ان القاعدة لا اساس لها فلا تصل النوبة الي هذه التفاصيل.

«قوله قدس سره:

مسألة لو اشتري ما يفسد من يومه»
اشارة

بقع الكلام في هذه المسألة تارة من حيث النص الخاص الوارد في المقام و اخري من حيث القاعدة الاولية فيقع الكلام في مقامين

أما

المقام الأول: فورد في المسألة حديثان.

الحديث الاول: ما ارسل عن الصادق و الكاظم روحي فداهما في الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتي يأتيه بالثمن قال ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الا فلا بيع له «1» و المرسل لا اعتبار به فلا تصل النوبة الي ملاحظة مقدار دلالته مضافا الي ان المستفاد من الحديث بطلان البيع اذا لم يجي ء المشتري بالثمن في الوقت المقرر. الحديث الثاني: ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 459

و الفواكه يوم الي الليل «1» و قد قلنا في الدورة الاولي ان الحديث مرسل حسب ما قرره المقرر و لكن ليس كذلك فان الحديث تام سندا فان اسناد الصدوق الي حسن بن علي بن فضال معتبر علي ما كتبه الحاجياني و لا يقتضي كون الحديث مرسلا في مورد كونه كذلك علي الاطلاق اذ يمكن ان يذكر المحدث الواحد حديثا مرة مرسلا و مرة اخري مسندا و لا تنافي بين الارسال و الاسناد فالنتيجة ان الحديث تام من حيث السند الا ان يقال انه يبعد ان الصدوق قدس سره في مورد واحد ينقل الحديث تارة مرسلا و اخري مسندا فيتردد الامر بين الارسال و الاسناد فتكون النتيجة اجمال الامر فلا يمكن الاعتماد علي الرواية و لقائل ان يقول انّه مجرد استبعاد و عليه يكون الحديث المسند قابلا للاعتماد

عليه فلاحظ. و اما من حيث الدلالة فالظاهر و اللّه العالم انه عليه السلام حدد الزمان فيما يفسد من يومه بيوم واحد و بعبارة اخري المراد من الحديث بيان خيار التأخير و انه يتحقق بعد مضي يوم واحد و ان المراد بالعهدة المذكورة في الرواية ان البيع لازم الي الليل و الظاهر ان سيدنا الاستاد هكذا فهم و استفاد من الحديث حيث ذكر في منهاجه في جملة من المسائل المربوطة بخيار تأخير الثمن مسئلة 37 ما يفسده المبيت مثل بعض الخضر و البقول و اللحم في بعض الاوقات يثبت الخيار فيه عند دخول الليل فاذا فسخ جاز له ان يتصرف في المبيع كيف شاء انتهي موضع الحاجة من كلامه فانه قدس سره استفاد من الحديث ان هذا الخيار داخل في كلي خيار التأخير مع تحديد فيه من حيث الزمان الاول الذي يكون البيع فيه لازما هذا تمام الكلام في المقام الأول.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 460

و اما

المقام الثاني و هو ما تقتضيه القاعدة الاولية

ان مقتضي الارتكاز العقلائي اشتراط الخيار لكل من طرفي العقد علي الاخر في ظرف عدم اقباض العوض منه فلاحظ و مما ذكرنا علم ان احكام خيار التأخير مترتبة علي الخيار المبحوث عنه في المقام اذ قد ذكرنا ان المستفاد من الدليل انه من صغريات تلك الكبري الكلية.

[السادس خيار الرؤية]
اشارة

«قوله قدس سره: السادس خيار الرؤية: و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع

ما يمكن ان يقال في تقريب المدعي وجوه.
الوجه الأول: الاجماع

و فيه ما فيه من الاشكال الساري في منقوله و محصله علي فرض حصوله.

الوجه الثاني: قاعدة لا ضرر

بتقريب ان من تملك بالاشتراء مثلا عينا علي خلاف الوصف الّذي تصور كون العين موصوفة به يكون متضررا فيرتفع بالقاعدة و يرد عليه أولا ان الاستدلال بالقاعدة مبني علي مسلك المشهور في مفادها و اما علي طبق المسلك المنصور فلا مجال للاستدلال كما هو ظاهر و ثانيا انه يمكن تصور تخلف الوصف علي نحو لا يكون التخلف موجبا للضرر مثلا ان المشتري لو كان له غرض شخصي في اشتراء الحنطة الشامية فبانت انها كوفية و نفرض ان القيمة في كليهما علي حد سواء. و ثالثا انه يدخل في خيار الغبن فلا وجه لعده في قباله. و رابعا ان الضرر يوجب بطلان العقد لا ترتب الخيار. و خامسا ان شأن حديث لا ضرر نفي الحكم لا اثباته مثلا اذا كان الوضوء ضرريا يكون حديث لا ضرر مقتضيا لارتفاع وجوبه لا جعل التيم بدلا له فلاحظ. فتحصل ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 461

الوجه الثاني كالوجه الاول في عدم تماميته لاثبات المدعي الا ان يقال ان الحديث يرفع اللزوم و ارتفاع اللزوم مساوق للجواز كما هو ظاهر.

الوجه الثالث: طائفة من النصوص

منها ما رواه جميل بن دراج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري ضيعة و قد كان يدخلها و يخرج منها فلما ان نقد المال صار الي الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال ابو عبد اللّه عليه السلام: انه لو قلب منها و نظر الي تسعة و تسعين قطعة ثم بقي منها قطعة و لم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية «1» و هذه الرواية قد صرح الامام عليه السلام فيها بثبوت خيار الرؤية للمشتري و لا يبعد ان يكون المراد

بالرؤية وجدان جزء منها علي خلاف الوصف المقصود فيكون له الخيار بمقتضي ما صدر عن مخزن الوحي روحي فداه و منها ما رواه زيد الشحام قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري سهام القصابين من قبل ان يخرج السهم فقال لا تشتر شيئا حتي تعلم أين يخرج السهم فان اشتري شيئا فهو بالخيار اذا خرج «2» و لا يبعد ان لا يكون الحديث مربوطا بالمقام و يكون المراد من الخيار الاختيار بين الشراء الجديد و عدمه توضيح المدعي ان المستفاد من الحديث ان بيع السهم قبل التقسيم غير صحيح اذ البيع لا بدّ من تعلقه بالمملوك و المشاع قبل القسمة لا يكون مملوكا فلا يجوز بيعه فيكون شرائه قبلا باطلا و بعد تعديل السهام و التقسيم يصح البيع

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 462

فالحديث غير مرتبط بالمقام و منها ما رواه منهال القصاب قال:

قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اشتري الغنم أو يشتري الغنم جماعة ثم يدخل دارا ثم يقوم علي الباب فيعد واحدا و اثنين و ثلاثة و اربعا و خمسا ثم يخرج السهم قال لا يصلح هذا انما تصلح السهام اذا عدلت القسمة «1».

و هذه الرواية ضعيفة فان منها لا لم يوثق

الوجه الرابع الاشتراط الضمني الارتكازي

و هذا الوجه للاستدلال به علي المدعي تام لا غبار عليه فانه لا شبهة في ان مقتضي الارتكاز انه لو بان ان المبيع أو الثمن لم يكن موصوفا بالوصف الّذي اشترط فيه و بني عليه يأخذون به و يرون ان لهم الخيار و من ناحية اخري قد ذكرنا سابقا ان جواز جعل الخيار لاحدهما

أو كليهما ظاهر واضح فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشتري»

قد تبين مما ذكرنا ان عمدة الدليل لهذا الخيار الشرط الارتكازي و مقتضاه عدم الفرق بين البائع و المشتري لوحدة الملاك و اتحاد الدليل فلا وجه للاختصاص و هذا ظاهر واضح.

«قوله قدس سره:

مسألة مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة»

لا اشكال في عدم جريان الخيار المذكور في الكلي الثابت في الذمة اذ لا يتصور التخلف في الكلي فان غايته ما يدفعه البائع في مقام الوفاء لا يكون مصداقا للكلي الذي وقع مورد العقد و هذا لا يوجب

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 463

الخيار بل عليه ان يبدل ما دفعه بما يكون مصداقا للكلي و بعبارة اخري لو فرض ان البيع كلي الحنطة و دفع في مقام الوفاء الشعير لا يوجب الخيار بل لا بدّ من التبديل و كذلك لو دفع غير الموصوف بذلك الوصف الذي لوحظ في الكلي لا مقتضي للخيار فلا بد من تخلف الوصف في المبيع الشخصي لكن لا فرق في هذه الجهة بين وقوع العقد علي الشخص الخارجي أو الكلي في المعين أو المشاع فانه يتصور الخيار الناشي من تخلف الوصف في هذه الاقسام كلها كما انه لا يختص خيار الرؤية بتوصيف المبيع بالوصف الكذائي مع كون العين غائبة بل يعمه و مورد رؤية العين و ايقاع العقد مبنيا علي وجود الوصف الخاص ثم يظهر علي خلاف ما شوهد سابقا و أيضا لا يلزم في خيار الرؤية كون ما وقع عليه العقد اقل قيمة من الموصوف بالوصف الكذائي بل يمكن ان يكون الوصف المرغوب فيه موجبا لتزل القيمة و كونها اقل من فاقد

الوصف فان ملاك الخيار تخلف الوصف و الاشتراط الارتكازي للخيار و هذا هو الجامع بين جميع الاقسام فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان الاوصاف التي يختلف الثمن من اجلها غير محصورة»

يظهر من مجموع كلامه ان الصفات التي تختلف القيمة بلحاظها كثيرة و لا يمكن الاحاطة بتمامها للشخص العادي فان قلنا يشترط في صحة البيع ملاحظتها و معرفتها ففي كثير من الموارد بل اكثرها لا يمكن و ان لم نقل باشتراطها يلزم الجهل بصفة المبيع و هو يبطل البيع فما الحيلة و الجواب عن هذه الشبهة انه لا دليل علي اشتراط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 464

المعرفة بجميع الخصوصيات ان قلت يلزم الغرر و معه يبطل البيع قلت يرد عليه أولا ان الدليل اخص من المدعي فانه لا يلزم الغرر في كثير من الموارد و بعبارة اخري في كثير من الموارد لا يكون في الاقدام خطر فلا وجه للبطلان و ثانيا انه لا دليل علي فساد الغرر و بطلانه و ثالثا ان السيرة العقلائية و المتشرعية جارية علي المعاملة بهذا النحو بالنسبة الي الخصوصيات الموجبة لزيادة القيمة و قلتها و اما بالنسبة الي الصفة المرغوبة لدي البائع أو المشتري فيكفي الرؤية السابقة أو الرؤية عند إرادة الاشتراء أو التوصيف فان العقد يقع مبنيا علي تلك الصفة و ليس هذا عبارة عن تقييد العين كي يقال ان الجزئي الخارجي غير قابل للتقييد و أيضا ليس المراد تعليق العقد كي يقال ان لازم التعليق بطلان العقد عند الفقدان لا ثبوت الخيار مضافا الي ان التعليق بنفسه موجب لبطلان العقد بل المراد ان العقد يتحقق مع جعل الخيار ان قلت جعل الخيار يتوقف علي صحة العقد فاذا توقفت

صحته علي الشرط يلزم الدور قلت هذا امر عقلائي اي في نظر العقلاء مثل هذا العقد مشروطا بالخيار صحيح و مع فرض صحته يشمله دليل الامضاء فلاحظ.

«قوله قدس سره: و اشكل من ذلك ان الظاهر ان الوصف يقوم مقام الرؤية»

قال الشهيدي قدس سره في شرح هذه الجملة ما مضمونه الاشكال المتقدم اشكال علي ما ذكروه ضابطا لبيع العين الغائبة بانه ان اريد من الاوصاف جميع الاوصاف الدخيلة في المثمن فلازمه عدم امكان بيع العين الغائبة بالتوصيف لعدم امكان ذكر جميع الاوصاف الدخيلة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 465

و هذا اشكال علي كفاية الرؤية في بيع العين الحاضرة حيث انهم جعلوا التوصيف في العين الغائبة قائما مقام بيع العين الحاضرة اذ يقع التنافي في كلامهم اذ التوصيف قائم مقام الرؤية و فرع له فيلزم ان الرؤية تفيد ما يفيد الوصف كي لا يلزم كون الفرع زائدا علي الاصل و اما يلزم الاكتفاء في توصيف العين الغائبة بمقدار تفيده الرؤية و الحال ان القوم لم يلتزموا باحد الامرين انتهي.

اقول لا وجه للاشكال فان الغرر علي فرض تحققه لا يكون مبطلا مضافا الي انه لا يلزم الاطلاع علي جميع الخصوصيات بل يكفي الاطلاع علي ما يكون منظورا به و مطلوبا للمشتري و هو يحصل بالرؤية و التوصيف اضف الي ذلك انه يمكن ان يقال ان الرؤية توجب جواز بيع العين بلا اشتراط الخيار لعدم الغرر و اما العين الغائبة فلا بد من التوصيف و مرجعه الي جعل الخيار عند التخلف.

«قوله قدس سره: ثم انه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بان ذكر الاوصاف لا يخرج البيع عن كونه غررا»

ربما يقال ان الموصوف لو كان مشكوك الوجود

يكون العقد باطلا للغرر و بعبارة اخري مع القيد لا يعلم بوجوده فكيف يمكن الحكم بالصحة فلا تصل النوبة الي الخيار اذ الخيار فرع تحقق العقد و الجواب عن هذا الاشكال ان الجزئي الخارجي غير قابل للتقييد فلا يكون المبيع مقيدا فلا موضوع للاشكال المذكور بل المبيع بعنوان الوصف يباع و عليه تارة يعلم بالوصف ثم ينكشف الخلاف و اخري بتوصيف البائع يباع و ثالثة بتوصيف شخص ثالث و علي جميع التقادير يخرج البيع عن عنوان الغرر و عند انكشاف الخلاف يثبت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 466

الخيار الناشي عن الاشتراط الارتكازي.

«قوله قدس سره: ثم ان الخيار بين الرد و الامساك مجانا هو المشهور بين الاصحاب»

هذا هو الحق فان مقتضي القاعدة التخيير بين الامرين اما الامساك فلاجل ان العين مملوكة له فيجوز له امساك مملوكه و اما الرد فلاجل الخيار الحاصل له بالشرط و اما اخذ الارش فلا دليل عليه نعم اذا كان فقدان الوصف يعد عيبا في العين يكون له اخذ الارش من باب خيار العيب لا من باب خيار الرؤية كما انه لو كان الوصف المتخلف صورة نوعية و لو في نظر العرف يكون العقد باطلا مثلا لو باع الجسم الخارجي بعنوان كونه حمارا فبان كونه بقرا يكون العقد باطلا

ان قلت ما الفرق بين بيع العبد الكاتب و بيع العبد الحبشي فانه لو بان كون العبد غير كاتب لا يترتب عليه الفساد بل يتحقق الخيار و اما لو بان انه لم يكن عبدا بل كان حمارا وحشيا يحكم بالبطلان و الحال ان المناط واحد اذ لو كان المناط تعلق القصد بالخصوصية يلزم البطلان في كلا المقامين و ان لم يكن كذلك

يلزم الالتزام بالصحة و تحقق الخيار فما الفرق بين الموردين.

قلت: الفرق ان بيع العبد الكاتب يتعلق بالعبد بلا قيد و بعبارة اخري يكون بيعه مطلقا غاية الامر يشترط احدهما علي الاخر الخيار في صورة عدم كونه كاتبا و اما بيع العبد الحبشي فلم يتعلق بالجسم الموجود في الخارج بل تعلق بالموجود الخارجي الموصوف بالوصف الذاتي و ان شئت قلت يكون البيع في القسم الثاني معلقا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 467

علي الوصف الذاتي و يمكن ان يقال ان العقد يتعلق بالموجود الموصوف بهذا الوصف و عند التخلف يكون العقد باطلا

«قوله قدس سره: فتأمل»

يمكن ان يكون امره بالتأمل اشارة الي ان وجه المجازفة عدم الفرق بين الوصف الذاتي و العرضي فان الرضا المعاملي تعلق بالموصوف فلا وجه للتفريق و لكن قد ظهر مما ذكرنا ان التفريق بين الموردين صحيح و عليه السيرة العقلائية و ان مثل هذه الامور لا تكون من الامور العقلية كي يقال كما قيل انه لا وجه للتفريق فلاحظ.

«قوله قدس سره: فتأمل

يمكن ان يكون اشارة الي ان الحكم لم يتعلق بعنوان متحد الجنس و مختلفه كي يقال ان المرجع فيهما هو العرف هذا و لكن قد ظهر مما ذكرنا ان المناط العرف فان هذه الامور امور عقلائية و الشارع الاقدس امضي ما هو مقرر عند العرف و العقلاء و حيث انا نري ان العرف يفرق بين الوصف الذاتي و العرضي بان يحكم بالفساد عند التخلف في الاول و بالصحة و ثبوت الخيار في الثاني نفرق بينهما بالنحو المذكور.

«قوله قدس سره:

مسألة الاكثر علي ان الخيار عند الرؤية فوري»

قد وقع الكلام بينهم في ان خيار الرؤية فوري أم متراخ و الحق ان يقال انه مستمر لا للاستصحاب كي يقال

المرجع عند الشك عموم وجوب الوفاء مضافا الي عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي بل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 468

لان مستند الخيار الشرط الارتكازي و مقتضاه بقاء الخيار نعم لو كان المستند الاجماع أو قاعدة لا ضرر لكان للقول بالفورية وجه و لكن ليس الامر كذلك بل مقتضي حديث جميل «1» عدم الفورية نعم يمكن ان يقال ان السيرة العقلائية جارية علي ان المشتري مثلا لو انكشف عنده الامر و ظهر ان المبيع علي غير تلك الصفة لا بدّ له من الاقدام باحد الامرين اما الرد و اما الصبر و هذا هو المرتكز العقلائي فلا مقتضي للخيار ازيد من هذا المقدار و عليه لا بدّ من التفصيل بان يقال ان كان المدرك للخيار الشرط الارتكازي يكون مقتضاه فورية الخيار بعد العلم بتخلف الوصف و ان كان المدرك حديث جميل يكون مقتضاه التراخي اما وجه الفورية في الاول فلعدم المقتضي للتراخي و اما وجه التراخي في الثاني فاطلاق الحديث فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة يسقط هذا الخيار بترك المبادرة».

ما افاده يبتني علي كون الخيار فوريا و هو اوّل الكلام و الاشكال مضافا الي انه علي القول بالفورية لا يصدق عنوان السقوط بل يصدق عنوان الانتهاء بانتهاء اجله.

«قوله قدس سره: و باسقاطه بعد الرؤية و بالتصرف بعدها»

اما سقوطه بالاسقاط فهو صحيح اذ الخيار المذكور خيار حقي و الخيار الحقي قابل للسقوط باسقاط ذي الخيار و اما سقوطه بالتصرف فلا يصح الا ان يكون التصرف بقصد الاسقاط فيرجع الي

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 461.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 469

الاول و اما كون التصرف بنفسه موجبا للسقوط فلا دليل عليه.

«قوله قدس سره: و لو تصرف قبلها ففي

سقوط الخيار وجوه ثالثها ابتناء ذلك علي جواز اسقاط الخيار قولا قبل الرؤية بناء علي ان التصرف اسقاط فعلي»

القضية بشرط المحمول ضرورية لكن الاشكال في المبني اذ قد مرّ منّا آنفا انه لا دليل علي كون التصرف مسقطا فلا وجه للسقوط ما دام لم يقصد ثم يبرز بمبرز قولي أو فعلي.

«قوله قدس سره: و في جواز اسقاطه قبل الرؤية وجهان»

الظاهر ان الخيار ثابت من اوّل الامر فانه مقتضي الاشتراط الارتكازي نعم لو كان المدرك حديث جميل يكون الظاهر منه حدوث الخيار بعد الرؤية و علي فرض كونه حادثا بعد الرؤية لا وجه لسقوطه بالاسقاط قبلها اذ يدخل في كبري اسقاط ما لم يجب و لا دليل علي جوازه و لا فرق بين ان يكون الرؤية شرطا أو سببا اذ علي كلا التقديرين يحدث الخيار بعد الرؤية فاشكال اسقاط ما لم يجب باق بحاله فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لو شرط سقوط هذا الخيار ففي فساده و افساده للعقد»

الخ.

الاقوال في المقام مختلفة. القول الاول: ان الشرط و العقد كليهما باطلان و الوجه فيه ان اشتراط سقوط الخيار يوجب كون العقد غرريا فيكون العقد باطلا لبطلان الغرر و يرد عليه انه لا بدّ من التفصيل بان يقال تارة يتوقف رفع الغرر بالاشتراط و اخري يكون الغرر مرتفعا في حد نفسه اما علي الاول فالحق هو البطلان للزوم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 470

الغرر الا ان يقال انه لا دليل معتبر علي بطلان الغرر.

ان قلت: كيف يمكن رفع الغرر باشتراط الخيار و الحال ان صحة الشرط تتوقف علي صحة العقد فاذا توقف صحة العقد علي صحة الشرط يدور.

قلت: يرد علي التقريب المذكور أولا ان صحة الشرط لا

يتوقف علي صحة العقد بل الحق صحة الشرط و لو وقع تلو العقد الفاسد و انما اللازم في الشرط ان لا يكون مخالفا للشرع و ثانيا ان الخيار علي نحوين. النحو الاول: الخيار الشرعي كخياري الحيوان و المجلس و قس عليهما بقية الشروط فان صحتها تتوقف علي صحة العقد.

النحو الثاني الخيار المجعول بالجعل العقلائي كخيار تخلف الوصف.

اما النحو الاول فلا بد من فرض صحة العقد في الرتبة السابقة كي يترتب عليها الخيار الشرعي التأسيسي و اما الخيار المجعول بالجعل العقلائي فلا مانع من كونه رافعا للغرر و موجبا لصحة العقد اذ المفروض ان العقد بهذا النحو واقع في السيرة العقلائية و لا يكون غرريا عندهم و الشارع الاقدس قد امضي العقد العرفي العقلائي.

ان قلت: علي هذا الاساس يلزم جواز رفع الغرر علي الاطلاق مع شرط الخيار. قلت: لا نضايق عن الالتزام به و اما النحو الثاني فلا مانع عن اشتراط سقوط الخيار اذ المفروض ان العقد مع قطع النظر عن الخيار لا يكون غرريا فلا وجه للاشكال من هذه الناحية نعم الاشكال متوجه من ناحية اخري و هي ان الخيار لا يتحقق الا بعد تمامية العقد فيكون اشتراط سقوطه في ضمن العقد اسقاطا لما لم يجب و هو مشكل لعدم الدليل علي جوازه مضافا الي ان اشتراط سقوط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 471

الخيار في ضمن العقد مرجعه الي عدم اشتراط الخيار لا الي اشتراط السقوط و بعبارة واضحة الخيار يتحقق بالاشتراط الارتكازي فاشتراط سقوطه يرجع الي عدم الشرط الارتكازي فيكون لو كان المدرك للخيار النص أي حديث جميل يتصور اشتراط السقوط في العقد لكن يبقي اشكال اسقاط ما لم يجب بحاله و

لا دافع له. القول الثاني: ان يكون العقد و الشرط كلاهما صحيحين بتقريب ان العقد مع قطع النظر عن الشرط صحيح و لا تكون صحته متوقفة علي الشرط فان الشرط اذا كان رافعا للغرر امكن بيع كل مجهول بشرط الخيار فالعقد صحيح فاذا فرض كون العقد صحيحا يكون الشرط كذلك.

و يرد عليه انه قد ظهر مما تقدم منا انه يتصور كون الشرط مصححا للعقد و لا نبالي بكون شرط الخيار رافعا للغرر في بيع كل مجهول و عليه لا مجال للحكم بكون العقد و الشرط كلاهما صحيحين بل لا بدّ من التفصيل بان نلتزم بالصحة في قسم و نلتزم بالفساد في قسم آخر كما فصلنا القول الثالث: ان يكون العقد صحيحا و الشرط فاسدا بتقريب ان صحة العقد لا تتوقف علي صحة الشرط فالعقد صحيح علي القاعدة و اما الشرط فهو فاسد لانه اسقاط لما لم يجب فالنتيجة التفكيك بين العقد و الشرط بالالتزام بالصحة في نفس العقد و بالالتزام بالفساد بالنسبة الي الشرط و يرد عليه انه قد ظهر مما تقدم انه لا يمكن الالتزام بصحة العقد مع اسقاط الخيار علي نحو الاطلاق بل لا بدّ من التفصيل كما فصلناه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 472

«قوله قدس سره: لكن الانصاف ضعف وجه هذا القول»

افاد في وجه الفساد ان اشتراط اسقاط الخيار ينافي التوصيف كتوصيف العبد بالكتابة مثلا فان مرجع التوصيف اما الي ارتباط العقد بوجود الوصف في العين و اما الي تقييد المبيع بذلك الوصف و القيد هذا من ناحية و من ناحية اخري مرجع اشتراط سقوط الخيار الي الالتزام بالبيع علي كل تقدير و من الظاهر ان الاشتراط أو التقييد ينافي

الاطلاق فانه جمع بين الضدين هذا ملخص كلامه.

و يرد عليه ان التعليق و التقييد كليهما باطلان اما التعليق فلقيام الاجماع علي بطلانه و اما التقييد فلعدم قابلية العين الخارجية له و بعبارة اخري الكلي قابل لان يقيد بالقيود و اما الجزئي الخارجي فغير قابل له فالالتزام البيعي لا مقيد و لا معلق فيمكن جعل الخيار و يمكن اسقاطه و لتوضيح المدعي نذكر صورتي العقد فنقول الصورة الأولي ان يبيع العين بشرط الخيار و لا اشكال في تحقق الخيار بلحاظ الشرط الصورة الثانية ان يبيع الموصوف بالصفة الخاصة مع عدم الخيار و في هذه الصورة ينعقد البيع بلا خيار.

ان قلت: مع اسقاط الخيار و عدم اشتراطه يكون العقد غرريا فيكون باطلا اذ قد مرّ ان التعليق و التقييد باطلان. قلت: يرد عليه أولا انه لا دليل علي بطلان الغرر و ثانيا انه يمكن رفع الغرر بالعلم بتلك الصفة فان رفع الغرر لا ينحصر باشتراط الخيار.

«قوله قدس سره: فان البائع يتعهد لوجودها في المبيع»

التعهد انما يتعلق بالفعل الاختياري فلا مجال لتعهد البائع لان يكون العبد كاتبا فان كتابة العبد لا تكون في اختيار البائع كي يتعهدها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 473

«قوله قدس سره:

مسألة لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت»

الامر كما افاده فانه لا وجه لسقوط الخيار ببذل التفاوت و لا بابدال العين بل لقائل ان يقول لا يسقط الخيار حتي مع الابدال و المعاوضة الجديدة لان الخيار متعلق بالعقد لا بالعين الا ان يقال مرجع الابدال و المعاوضة الي اسقاط ذي الخيار خياره فلا مجال لبقائه.

«قوله قدس سره: و لو شرط في متن العقد الابدال لو ظهر علي خلاف الوصف»

الصور المتصورة ثلاثة. الصورة الأولي: ان يشترط الابدال بنفسه و

بلا سبب و هذا باطل بلا كلام لان الشرط لا يكون مشرعا و لا بدّ من كون المبادلة مشروعة كي تلزم بالشرط و من الظاهر فساد المبادلة بلا سبب. الصورة الثانية: ان يشترط الابدال بان يكون الابدال بنفس الشرط و هذا باطل أيضا لانه يرجع الي التعليق و بعبارة اخري البيع معلق علي التبديل و الحال انه ما دام لم يتحقق البيع لا مجال للتبديل. الصورة الثالثة: ان يشترط عليه الابدال و هذا جائز لان المبادلة في حد نفسها امر جائز و بالشرط يصير لازما فلا بد في المقام من التفصيل كما فصلناه.

«قوله قدس سره: فيفسد و يفسد العقد»

أما فساد الشرط فكذلك كما تقدم قريبا و اما افساده للعقد فليس كذلك اذ الحق ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 474

«قوله قدس سره: و بذلك ظهر ضعف ما في الحدائق من الاعتراض علي الشهيد»

الخ و حاصل الكلام ان صاحب الحدائق في مقام الاشكال علي الشهيد افاد انه لا وجه للحكم بالفساد علي الاطلاق بل لا بدّ من التفصيل بان يقال ان ظهر المبيع علي الوصف المطلوب يكون العقد صحيحا و الا فلا و ذلك لاطلاق الاخبار و اورد عليه المصنف بانه لا وجه للتفصيل اذ المفروض ان الشرط فاسد و الشرط الفاسد اما يفسد العقد و اما لا يفسد فعلي الاول يفسد علي الاطلاق و اما علي الثاني فأيضا كذلك.

«قوله قدس سره:

مسألة الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع علي عين شخصية»

الذي يختلج بالبال ان يقال ان كان المستند للخيار النص الخاص فلا مجال للالتزام به في غير البيع اذ المفروض انه يختص به و ان كان المدرك الاشتراط الارتكازي يمكن ان يقال بانه لا يختص بالبيع و

لا وجه لاختصاصه به لكن الالتزام بالعموم مواجه مع اشكال آخر و هو ان الشرط لا يكون مشرعا بل لا بدّ ان يكون في الرتبة السابقة مشروعا و حيث ان جعل الخيار علي خلاف لزوم العقد بمقتضي وجوب الوفاء المستفاد من قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لا يجوز جعل الخيار لكن في الصلح و الاجارة لا اشكال في جواز اشتراط الخيار بمقتضي السيرة الجارية بين العقلاء و المتشرعة و اما في غير البيع و الصلح و الاجارة فلا دليل علي مشروعيته.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 475

ان قلت: كما في عبارة الشيخ ان الامر دائر في صورة تخلف الوصف بين كون العقد فاسدا و ان يكون صحيحا لازما و ان يكون صحيحا جائزا اما الاول فهو علي خلاف بناء الفقهاء حيث لا يحكمون بالفساد عند تخلف الوصف و اما الثاني فلا مقتضي له لان دليل اللزوم يقتضي الوفاء بما بني عليه و المفروض ان التعهد وقع علي الموصوف و اما الثالث فهو المتعين و هو المطلوب.

قلت: نختار الشق الثاني و نلتزم بكونه لازما فان مقتضي وجوب الوفاء لزوم كل عقد الا ما خرج بالدليل و التعهد العقدي غير معلق علي وجود الوصف و غير متعلق بالمقيد بالوصف. اما الاول فلبطلان التعليق مضافا الي ان لازمه بطلان العقد و عدم تحققه مع عدم المعلق عليه و اما الثاني فلعدم امكان تقييد الجزئي الخارجي فالحق هو اللزوم لكن قد ذكرنا ان جعل الخيار في العقود الثلاثة و هي البيع و الاجارة و المصالحة أمر مشروع مطابق للسيرة المتشرعية.

«قوله قدس سره:

مسألة لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفة و قال المشتري قد اختلف»

الظاهر بحسب القواعد ان القول قول البائع اذ المشتري يدعي الخيار و عليه اثباته و ان

شئت قلت كل عقد لازم بلحاظ وجوب الوفاء و الخيار يحتاج الي سبب و الاصل عدم تحققه و عن العلامة ان القول قول المشتري بتقريب ان مقتضي البراءة براءة ذمته عن الثمن و الاشتغال يحتاج الي اقامة بينة و يرد عليه ان تملك البائع للثمن اعم من ان يكون شخصا أو كليا لا ريب فيه و انما الشك في وجود الخيار و بعبارة واضحة الكلام في اللزوم و الجواز لا في الصحة و الفساد و ان الصحة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 476

مفروغ عنها و للشيخ كلام في المقام و قد فصل بين ايقاع العقد علي المقيد و ايقاع العقد علي العين بلا تقييد و مع شرط الخيار عند التخلف فاختار الفساد في الشق الاول و الصحة مع الخيار عند التخلف في الشق الثاني و قال ان كان من القسم الأول يكون القول قول المشتري اذ مقتضي الاصل عدم كون العين متصفا بالوصف الذي قيدت العين به و ان كان من القسم الثاني يكون القول قول البائع فان اثبات الخيار يحتاج الي الدليل فعلي الاول تكون اقامة البينة علي البائع و علي الثاني تكون علي المشتري و ما افاده غير تام اذ الجزئي غير قابل للتقييد فلا مجال لهذا التفصيل و لا يكون فرق بين الموردين و عليه يكون القول قول البائع و المشتري عليه الاثبات فان قوله خلاف الاصل و ان ترك ترك و هذا هو الميزان في كون الشخص مدعيا فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسئلة لو نسج بعض الثوب فاشتراه علي ان ينسج الباقي كالاول بطل»
اشارة

استدل علي البطلان بان بعض المبيع حاضر و معلوم و بعضه مجهول في الذمة و بيع المجهول باطل و لتوضيح الحال نذكر الاقسام المتصورة في المقام كي نري

ما هو حكم كل صورة فنقول

الصورة الاولي ان يبيع مقدارا منسوجا حاضرا مع مقدار منسوج شخصي

و لكن لا يكون فعلا منسوجا بل يصير منسوجا بعد ذلك و الظاهر ان البيع بهذا النحو باطل بالنسبة الي غير المنسوج اذ المفروض ان المنسوجية صفة نوعية و المفروض ان المبيع متصف بهذه الصفة فالمبيع لا يكون موجودا بالفعل و ان شئت قلت الذي يكون موجودا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 477

في الخارج بالفعل لا يكون مبيعا و الّذي يكون مبيعا لا يكون موجودا و لا يصح بيع غير الموجود هذا بالنسبة الي غير المنسوج و اما بالنسبة الي المنسوج فلا بد من التفصيل بان نقول ان كان المبيع مجموع الامرين بحيث يكون البيع واحدا يكون فاسدا بالنسبة الي المنسوج أيضا اذ المفروض ان البيع واحد و لا يعقل ان الامر الواحد يكون صحيحا و باطلا فان اجتماع الضدين محال و ان كان البيع متعددا و الوحدة في الصورة و الانشاء فلا وجه لبطلان البيع بالنسبة الي المنسوج.

الصورة الثانية: ان يبيع المنسوج مع غيره الموجود في الخارج علي ان ينسجه يكون البيع صحيحا

غاية الامر يكون للمشتري خيار تخلف الشرط.

الصورة الثالثة: ان يبيع المنسوج مع غيره في الذمة متصفا بكونه منسوجا

ان قلت كيف يمكن بيع العين الشخصية مع الكلي في الذمة قلت لا مانع منه و مقتضي القاعدة هو الجواز و في هذه الصورة يكون البيع صحيحا و يجب علي البائع ان يسلم ذلك المقدار منسوجا فان غير المنسوج لا يكون متعلقا للبيع و صفوة القول ان البائع يجب عليه ان يسلم المنسوج و ان لم يفعل يتحقق خيار عدم تسليم المبيع فان مقتضي الارتكاز تحقق الخيار عند عدم تسليم المبيع و اما خيار تبعض الصفقة الذي في كلام الشيخ فلا نتصوره و لما انجر الكلام الي هنا فلا بد من بيان حقيقة الامر و هي انه لا مورد لخيار تبعض الصفقة اذ البائع اذا باع شيئين فتارة يكون البيع في الحقيقة متعددا و الانشاء واحدا و اخري يكون البيع واحدا و المبيع واحد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 478

كما لو باع مصراعي الباب فظهر ان المبيع مصراع واحد و ثالثة يبيع كتاب الجواهر فيظهر انه معيب.

اما الصورة الأولي فمقتضي القاعدة صحة البيع بالنسبة الي الموجود و عدم الصحة بالنسبة الي المعدوم.

و اما الصورة الثالثة ففيه خيار العيب مع صحة اصل العقد.

و اما الصورة الثانية فمقتضي القاعدة فساد العقد اذ ما وقع غير مقصود و ما قصد لم يقع و ان شئت قلت البيع تعلق بالمصراعين و لا واقع للمبيع فالبيع باطل من اصله فتحصل ان خيار تبعض الصفقة لا اصل له و هذا تحقيق جديد و الظاهر انه لم يسبقني إليه سابق.

[السابع خيار العيب]
اشارة

«قوله قدس سره: اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا علي سلامة العين من العيب و انما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا علي اصالة السلامة».

ما أفاده مبني علي ما اشتهر بينهم من بطلان

العقد الغرري و عليه لا يجوز بيع العين بدون احراز صحته و يرد عليه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ يمكن ان نفرض في مورد لا يكون خطر بان يكون المشتري عالما بان المبيع يساوي الثمن المدفوع و لو فرض كونه معيبا.

و ثانيا انه لا دليل معتبر علي كون الغرر موجبا للابطال و لكن نبحث علي تقدير المذكور فنقول ما المراد من اصالة السلامة فيمكن ان يكون المدرك للاصل المذكور الغلبة الخارجية في الافراد و يرد عليه ان الغلبة لا توجب العلم أو الاطمينان و أما الظن فلا يغني عن الحق شيئا.

و يمكن أن يكون المدرك لها استصحاب الصحة. ان قلت: الدليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 479

اخص من المدعي اذ ربما يحتمل كون الحادث معيبا من حين حدوثه فلا موضوع للاستصحاب.

قلت: يمكن اجراء الاستصحاب في العدم الازلي بان نقول العين الفلانية لم تكن قبل وجودها معيبة و الآن كما كانت.

ان قلت: استصحاب عدم كونها معيبة لا يثبت الصحة الا علي نحو الاثبات الذي لا نقول به قلت الّذي يكون مورد الرغبة ان لا تكون العين معيبة.

و بعبارة اخري الموجب لعدم الرغبة أو قلتها العيب و بالاستصحاب ينفي. ان قلت: الاستصحاب اصل عملي و كيف يرتفع الغرر به.

قلت: الاستصحاب أصل محرز و أمارة حيث لا أمارة و يقوم مقام القطع الطريقي و ببيان آخر اذا احرز كون العين صحيحة أو غير معيبة لا يكون الاقدام في بيعه غرريا.

ان قلت: مع الاستصحاب لا يرتفع احتمال الخطر فلا يفيد قلت اذا كان الامر كذلك فقيام الامارة أيضا لا يفيد اذ مع قيامها لا يرتفع الشك. ان قلت: لوازم الامارة حجة فيترتب عليها عدم الخطر.

قلت:

لا اشكال في عدم تأثير الامارة في ارتفاع الشك و انه باق بحاله مع الامارة فاذا كان الاحتمال مضرا لم يكن فرق بين الامارة و الاستصحاب و صفوة القول انه يمكن ان يقال انه لو احرز بالاستصحاب ان الطريق الفلاني لا يكون فيه مانع أو المكان الكذائي ليس فيه سبع لا يكون الاقدام اقداما غرريا فمع جريان الاستصحاب يكون الغرر مرتفعا.

و يؤكد المدعي انه يظهر من الشيخ قدس سره الذي هو خريت

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 480

الفن انه سلّم جريان الاستصحاب و اذ عن باعتباره حيث يقول في جملة من كلامه في هذا المقام أو اشترط بقاء شي ء علي الصفة السابقة المرئية فانه في حكم ما ترك ذلك اعتمادا علي اصالة بقائها انتهي موضع الحاجة من كلامه.

فان هذه الجملة صريحة في انه قدس سره مذعن باستصحاب الصحة و يمكن ان يكون المراد بالاصل بناء العقلاء علي الاقدام مع الشك و لا يعتنون باحتمال العيب و يؤيد هذا المدعي ان الاستصحاب حكم شرعي جار من ناحية الشرع فلا يكون بناء العقلاء ناشيا عن الاستصحاب اذ لا يبعد ان هذه السيرة جارية في كافة العقلاء و لو مع عدم الالتزام بالشرع و الشريعة.

ان قلت: لعل الاقدام العقلائي مستند الي الشرط الارتكازي للخيار عند انكشاف كونها معيبة.

قلت: اذا كان كذلك لم يكن التبري من العيب صحيحا و الحال انا نري انهم ربما يقدمون علي المعاملة و لو مع تبري البائع عن العيب و مع التبري لا مجال للشرط الارتكازي.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا يظهر ان الانصراف ليس من باب انصراف المطلق الي الفرد الصحيح»

الخ.

ليس المراد من الانصراف ما هو المعروف بينهم من أن المطلق

ينصرف الي الفرد الكامل فلا يتوجه السؤال بانه ما الفرق بين المقام و مقام النذر حيث لم يلتزموا بانصراف المنذور الي خصوص الصحيح.

مضافا الي ان الانصراف بذلك المعني لا محال له في المقام اذ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 481

ذلك الانصراف يتصور في الكلي و الكلام في المقام في العين الشخصية و أيضا يلزم عدم تحقق البيع اذ المفروض ان البيع وقع علي المقيد بالصحة بل المراد من الانصراف الاعتماد علي اصالة الصحة و من ناحية اخري الشرط الارتكازي يقتضي اشتراط الصحة أي الخيار عند التخلف فان اشتراط الصحة بغير شرط الخيار لا مجال له اذ لو لم يكن المراد منه اشتراط الخيار يكون المراد منه اما تعليق العقد علي الصحة فيلزم التعليق المبطل للعقد و اما تقييد العين بالصحة فيلزم تقييد الجزئي الخارجي و اما تعهد البائع بان تكون العين صحيحة فلا مجال له اذ التعهد يلزم ان يتعلق بالامر الاختياري و صحة العين لا تكون كذلك.

«قوله قدس سره: فتأمل»

الظاهر ان امره بالتأمل اشارة الي ان مرجع الامرين واحد و لا يكون الوجه الثاني في قبال الوجه الأول وجها علي حدة فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان المصرح به في كلمات جماعة ان اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد».

وقع الكلام بين القوم في أن اشتراط الخيار صريحا في مورد خيار العيب هل يوجب التأكيد فلا يحدث خيار آخر غير ما جعل شرعا أو يكون تأسيسا و يتحقق خياران أحدهما بالتعبد الشرعي ثانيهما بالجعل و الشيخ اختار التأكيد و أيد مدعاه بما رواه يونس في رجل اشتري جارية علي انها عذراء فلم يجدها عذراء قال يرد عليه فضل القيمة اذا علم انه صادق

«1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب احكام العيوب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 482

و هذه الرواية ضعيفة سندا بابن مرار فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها و الذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان يقال لو التزمنا بكون خيار العيب ثابتا شرعا لا بدّ من التفصيل بأن نقول اشتراط الخيار في مورده مع قطع النظر عن الجعل الشرعي يكون تارة بالارتكاز و اخري يكون بالتصريح به في ضمن العقد فان كان بالتصريح فلا وجه لجعله تأكيدا للمجعول الشرعي بل هو خيار برأسه بمقتضي نفوذ الشرط و لا موجب للالتزام بكونه تأكيدا.

و أما اذا كان بالارتكاز فيكون تأكيدا لا تأسيسا و الوجه في هذا التفصيل انه اذا كان بالتصريح فلا مقتضي لرفع اليد عنه لانه ليس دائميا بل ربما يوجد الاشتراط المذكور.

و أما اذا لم يكن كذلك فالشرط المذكور الارتكازي دائمي الا في مورد تبري البائع عن العيب فيفهم عرفا ان الشارع امضي ذلك الارتكاز مع التصرف فيه و بعبارة اخري يفهم ان المجعول الشرعي هو الخيار الناشي عن العيب بحسب الارتكاز غاية الامر قد تصرف الشارع فيه و حدّ له حدودا كسقوطه بالتصرف و جواز اخذ الارش مع عدم امكان الرد فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري علي الرد و اخذ الارش»
اشارة

الخ.

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول انه بما ذا يمكن اثبات خيار العيب
اشارة

فنقول الذي يمكن ان يذكر في تقريب المدعي اي ثبوت الخيار وجوه.

الوجه الأول: قاعدة لا ضرر

بتقريب ان المبيع اذا كان معيبا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 483

يتضرر المشتري و الضرر منفي في الشريعة المقدسة.

و يرد عليه أولا انه يمكن ان يتصور ان يكون المبيع معيبا و مع ذلك لا يتضرر المشتري كما لو اشتري بدر همين كتابا معيبا يسوي ثلاث دراهم و ثانيا انه قد تقدم في خيار الغبن عدم المجال للاستدلال بالقاعدة علي الخيار فلا نعيد.

الوجه الثاني: جملة من النصوص

منها ما عن الفقه الرضوي عليه السلام و روي في الرجل يشتري المتاع فيجد به عيبا يوجب الرد فان كان المتاع قائما بعينه رد علي صاحبه و ان كان قد قطع أو خيط أو حدث فيه حادثة رجع فيه بنقصان العيب علي سبيل الارش، و قال في موضع آخر فان خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه ان شاء رد و ان شاء اخذه اورد عليه بالقيمة ارش العيب الي آخره «1».

و الرواية لا اعتبار بها سندا و منها مرسل جميل عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا فقال ان كان الشي ء قائما بعينه ردّه علي صاحبه و أخذ الثمن و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب «2» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه عمر بن يزيد قال كنت انا و عمر بالمدينة فباع عمر جرابا هرويا كلّ ثوب بكذا و كذا فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوبا فيه عيب فقال لهم عمر اعطيكم ثمنه الذي بعتكم به قالوا لا و لكنا نأخذ منك قيمة الثوب فذكر ذلك عمر لابي عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 12 من ابواب الخيار الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 16 من

ابواب الخيار الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 484

فقال يلزمه ذلك «1».

و هذه الرواية تامة سندا. ان قلت: كيف يمكن الجزم بكون عمر بن يزيد ثقة و الحال انه مشترك بين السابري و الصيقل و الّذي ثبت كونه ثقة هو الاول. قلت: يرد عليه أولا ان التناسب و هو بيع الجراب يقتضي ان يكون المراد في الحديث هو الاول.

و ثانيا انه نفرض ان الراوي هو الصيقل و لكن نقول قد نقل سيدنا الاستاد في رجاله توثيق النجاشي الرجل عن ابن داود و العجب من سيدنا الاستاد انه بني علي عدم وثاقة الرجل و الحال انه بنفسه بعد نقل التوثيق عن ابن داود يقول اقول نسخ النجاشي خالية عن التوثيق فلعل نسخة ابن داود كانت مشتملة عليه انتهي موضع الحاجة من كلامه.

و العجب انه مع التصريح بهذه الجهة المقتضية للبناء علي توثيق الرجل كيف بني علي عدم كونه ثقة فتحصل ان الحديث لا بأس به من حيث السند الا ان يقال لا يتم الامر بما ذكر فان الكلام و الاشكال جار في ابن داود اذ لم يصرح بتوثيقه في الرجال و ما افاده سيدنا الاستاد في ترجمة الرجل من أن ما أفاده النجاشي لا يقصر عن الوثيق غير تام فالنتيجة بقاء الاشكال في الرواية من حيث السند.

الا أن يقال بأن الظاهر ان الناقل للقصة حسن بن عطية لا عمر ابن يزيد فتكون الرواية تامة سندا فلاحظ.

و لكن في دلالتها تأمل و ذلك لعدم وضوح المراد منها اذ الرواية مختلفة بحسب النقل فان الضمير في قوله عليه السلام يلزمه ذلك مفرد علي ما في الكافي و لكن يكون الضمير بصورة الجمع في نسخة

______________________________

(1) الوسائل

الباب 16 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 485

الفقيه و المعني يختلف باختلاف الضمير فعلي نسخة الفقيه يستفاد من الرواية انهم ملزمون باخذ ثمن الثوب و رده أي يكون لهم خيار رد العين و رد ثمنه و علي ما في نسخة الكافي يستفاد غير ما ذكر لكن عند دوران الامر بين الزيادة و النقيصة يرجح ما يكون زائدا و عليه يتم الاستدلال بالرواية علي المدعي أي يستفاد منها مشروعية خيار العيب.

و لو سلمنا انهما حديثان لا حديث واحد فأيضا لا يضر بالمطلوب اذ لا تعارض بين المفادين فان مفاد الحديث علي نسخة الكافي اما مجمل و المجمل لا يعارض المبين و اما مفيد لحكم غير مناف مع المستفاد منه علي نسخة الفقيه فالنتيجة ان الحديث تام سندا و دلالة و بعد المراجعة الاخيرة رأينا ان الفقيه ذكر الحديث مرسلا بقوله و روي عن عمر بن يزيد و المرسل لا اعتبار به فيبقي نسخة الكافي خالية عن المعارض و عليه لا يمكن الاستدلال بالحديث علي ثبوت خيار العيب.

الوجه الثالث: تسالم الاصحاب عليه

فان ثبوت الخيار من ناحية العيب من الواضحات التي لا تكون قابلة للانكار.

الفرع الثاني: انه هل الارش في رتبة الرد أم لا؟
اشارة

لا اشكال في مشروعية اخذ الارش في الجملة و اما في أي مورد و تحت اي شرط فلا بد من ملاحظة النصوص و كيفية دلالتها و قبل الخوض في نصوص المقام نقول ربما يتوهم ان الارش في عرض الرد بمعني ان المشتري يكون مخيرا بين الامرين و ما يمكن ان يستدل به علي المدعي وجوه.

الوجه الأول ان ما يدل علي الخيار و امكان فسخ العقد يدل علي الارش أيضا

بدعوي ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين العقد بالنسبة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 486

الي تمام الثمن و بين جزء الثمن فيثبت المدعي.

و بعبارة واضحة ان المستفاد من دليل الخيار جواز الفسخ بالنسبة الي تمام المبيع المعيب و بالنسبة الي جزئه و يرد عليه أولا ان الظاهر من دليل جواز الفسخ جواز فسخ العقد من رأسه و بتمامه فلا مجال لهذه الدعوي.

و ثانيا ان مقتضي البيان المذكور لزوم كون الارش من عين الثمن و الحال ان الامر ليس كذلك و يجوز دفعه من غير الثمن.

و ثالثا انه يستفاد من بعض النصوص الترتيب بين الرد و اخذ الارش و ان الارش ليس في رتبة الرد.

و رابعا ان وصف الصحة لا يقابل بالمال فلا مجال للتقريب المذكور.

الوجه الثاني ان الخيار بين الامرين ثابت بالعيب و لكن حيث ان حق الرد ضعيف يسقط بالتصرف و يبقي حق اخذ الارش.

و يرد عليه ان التقريب المذكور لا بأس به ثبوتا و لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات

الوجه الثالث انه يبعد ان يكون الوطي موجبا لثبوت حق آخر غير الرد

فهو في عرض الرد غاية الامر بالتصرف كالوطي يسقط الاول و يبقي الثاني.

و يرد عليه ان الوجه المذكور ليس برهانا بل امر ذوقي و ليس تحته شي ء

الوجه الرابع حديث الفقه الرضوي

«1» و الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به و عليه فالطريق منحصر في التوسل بالنصوص الواردة في المقام المنسوبة الي مخازن الوحي عليهم صلوات اللّه

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 483.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 487

و تحياته فنقول النصوص المربوطة بالمقام علي طوائف.

الطائفة الاولي ما يدل علي ان الارش في عرض الرد و المشتري مخير بين الامرين من اوّل الامر لاحظ حديث الفقه الرضوي «1» و قد تقدم انه لا اعتبار به سندا.

الطائفة الثانية ما يدل علي جواز الرد بلا تعرض للارش لاحظ ما رواه عمر بن يزيد «2» و هذه الرواية لا يستفاد منها الا جواز الرد و لا تعرض فيها للارش مضافا الي انه قد مرّ الاشكال في دلالتها و لاحظ ما رواه ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال قلت له رجل اشتري زق زيت فوجد فيه درديا قال فقال ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يرده و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت رده علي صاحبه «3».

و المستفاد من الحديث جواز الرد مع وجدان العيب فيه و الشيخ قدس سره ذكر الحديث في باب العيوب الموجبة للرد و صاحب الوسائل ذكره في الباب السابع من أبواب احكام العيوب و علي الجملة لا اشكال في دلالة الرواية علي جواز الرد اذا كان فيه عيب و الحديث تام سندا.

و لاحظ حديث أبي صادق قال دخل أمير المؤمنين عليه السلام سوق التمارين فاذا

امرأة قائمة تبكي و هي تخاصم رجلا تمارا فقال لها ما لك فقالت يا أمير المؤمنين اشتريت من هذا تمرا بدرهم و خرج اسفله رديئا ليس مثل الّذي رأيت قال: فقال ردّ عليها فأبي حتي

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 483.

(2) قد تقدم ذكر الحديث في ص 483.

(3) الوسائل الباب 7 من ابواب احكام العيوب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 488

قالها ثلاثا فأبي فعلاه بالدرة حتي ردّ عليها و كان يكره ان يجلل التمر «1».

و هذه الرواية تدل علي جواز الرد مع العيب و لكن السند مخدوش.

الطائفة الثالثة ما يدل علي سقوط الرد باحداث الحدث في المبيع و جواز اخذ الارش لاحظ ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ايّما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبين له فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «2».

و ما رواه جميل عن بعض اصحابنا عن احدهما عليهما السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا فقال ان كان الشي ء قائما بعينه رده علي صاحبه و اخذ الثمن و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب «3» و الحديثان كلاهما ضعيفان.

الطائفة الرابعة ما يدل علي ان المبيع لو وجد فيه عيب و قد احدث فيه حدثا يسقط الرد و لا تعرض فيه للارش بل امر بان يعامل المشتري مع البائع المهاياة التي فسرت بنوع من البيوع لاحظ ما رواه

عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سأل عن رجل ابتاع ثوبا فلما قطعه وجد فيه خروقا و لم يعلم بذلك حتي قطعه كيف القضاء في ذلك قال: اقبل ثوبك و الا فهابي صاحبك بالرضا

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من ابواب احكام العيوب الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 16 من ابواب الخيار الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 489

و خفض له قليلا و لا يضرك ان شاء اللّه فان ابي فاقبل ثوبك فهو اسلم لك ان شاء اللّه «1» و الرواية ضعيفة سندا.

و قد وردت جملة كثيرة من النصوص المربوطة بالعيوب العارضة للاماء و تلك النصوص لا اثر لها بالنسبة الي المقام اذ الحكم الوارد في مورد خاص لا يشمل غير مورده و لا وجه لا سرائه الي غيره الا مع قيام دليل عليه فانقدح بما ذكرنا انه لا دليل علي جواز اخذ الارش فلا تصل النوبة الي ان الارش في رتبة الرد أو هو متأخر عنه.

ثم انه لو قلنا بان جواز اخذ الارش يستفاد من بعض النصوص فلا يقتضي مجرده كونه في رتبة الرد بل يمكن جعله فيما لا يمكن الرد و لعل امره بالفهم بقوله فافهم اشارة الي ما ذكرنا.

الفرع الثالث: ان ظهور العيب كاشف عن ثبوت الخيار من اوّل الامر أو مثبت و موجد له

الظاهر هو الاول فان الموجب للخيار هو العيب و المفروض اقترانه مع العقد و ان شئت قلت ظهور العيب طريق الي المجعول الشرعي و لا موضوعية له.

الفرع الرابع: انه هل يختص خيار العيب بالمشتري أو يعم البائع
اشارة

فان وجد البائع الثمن معيبا يكون له الخيار الحق ان يقال اذا كان المدرك للخيار الاشتراط الارتكازي فلا فرق بين البائع و المشتري و اما لو كان المدرك الاجماع او النص الخاص يكون الخيار مختصا بالمشتري اما علي فرض كون المدرك الاجماع فواضح اذ الاجماع دليل لبي له القدر المتيقن و من الظاهر عدم شموله للبائع و اما علي تقدير كون المدرك النص فالظاهر انه لا يشمل البائع.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب الخيار الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 490

و ربما يتوهم التعميم و ما يمكن ان يذكر في تقريبه وجوه

الوجه الاول ان العنوان المأخوذ في الدليل عنوان الاشتراء

لاحظ حديث جميل و رواية زرارة و يرد عليه أولا ان الحديثين ضعيفان و ثانيا ان عنوان الاشتراء لا يصدق علي البيع كما هو ظاهر.

الوجه الثاني ان عنوان الاشتراء ليس لاجل خصوصية فيه

بل لاجل كون الغالب في المعيوب في الاجناس بخلاف النقود فانه ليس الغالب فيها بل المعيوب فيها اقل قليل و يرد عليه أولا ان الظهور حجة و هو يقتضي الاختصاص.

و ثانيا ان كون الغالب في طرف الاشتراء النقود انما بالنسبة الي زماننا و اما في زمانهم عليهم السلام فلم يكن الامر كذلك و لا اقل من الشك و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال

الوجه الثالث ان ظهور الادلة و ان كان يقتضي الاختصاص بالمشتري و لكن نقطع بعدم الفرق

و فيه ما فيه فان الاحكام الشرعية امور تعبدية و زمامها بيد الشارع فلاحظ.

«قوله قدس سره:

[في مسقطات هذا الخيار]
مسألة يسقط الرد خاصة بأمور
أحدها التصريح بالتزام العقد و اسقاط الرد»

بلا اشكال و لا كلام فان خيار العيب خيار حقي قابل للاسقاط.

«قوله قدس سره: و اختيار الارش»

ما افاده يتوقف علي كون الارش في عرض الرد و الحال انه مورد الاشكال و الكلام.

«قوله قدس سره: و لو اسقط الخيار فلا يبعد سقوطه»

أما في مقام الثبوت فلا فرق و الميزان بالقصد و اما في مقام

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 491

الاثبات فالمحكم ظهور اللفظ و لو مع القرينة مضافا الي ان الارش اذا كان في الطول لا مجال لاسقاطه في عرض اسقاط الخيار.

«قوله قدس سره:

الثاني التصرف في المعيب عند علمائنا»
اشارة

تارة يقع الكلام في سقوط الخيار بالفعل الّذي يدل علي الاسقاط و اخري في كون الفعل بما هو مسقط أما مع الدلالة فلا اشكال في السقوط اذ لا يختص الانشاء بخصوص اللفظ بل اعم منه و من الفعل و اما كون الفعل بما هو يكون مسقطا للخيار فعلي مقتضي القاعدة الاولية لا وجه له و مخالف مع اطلاق دليل الخيار و اما من حيث قيام دليل آخر علي كون التصرف بما هو مسقطا.

فما يمكن ان يذكر في تقريب المدعي وجوه.

الوجه الأول الاجماع

و فيه ما فيه

الوجه الثاني ما عن العلامة

و هو ان التصرف دال علي اسقاط الخيار و لو لا ذلك كان المناسب الصبر حتي يعلم انها معيبة أو صحيحة.

و يرد عليه ان الاستدلال المذكور دوري اذ يتوقف كشف التصرف عن الاسقاط علي كون التصرف مضادا مع بقاء الخيار فلو توقف التضاد علي الكشف لدار.

الوجه الثالث النص الخاص

لاحظ ما رواه زرارة «1» فان المستفاد من الحديث ان احداث الحدث في المعيب يوجب سقوط الرد هذا من حيث الكبري و قد بين المراد من الحدث في حديث آخر و هو ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فان احدث المشتري فيما

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 488.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 492

اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء الحديث «1».

فان المستفاد من هذه الرواية ان المراد من الحدث الّذي يسقط الخيار الملامسة و التقبيل و النظر الي ما كان النظر إليه محرما قبل الاشتراء فيكون التصرف مسقطا.

و يرد عليه أولا ان حديث زرارة ضعيف سندا فلا مجال للاخذ بالكبري و ثانيا ان الحديث الثاني لا يشمل بيع غير الحيوان و لا وجه لاسراء الحكم الي المقام و الا ففي بعض النصوص ما يدل علي جواز رد الجارية المشتراة مع عدم الوطي لاحظ ما رواه حماد بن عيسي قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول قال علي بن الحسين عليه السلام كان القضاء الاول في الرجل اذا اشتري الامة فوطأها ثم ظهر علي عيب ان

البيع لازم و له أرش العيب «2».

فان المستفاد من الحديث ان الامة المشتراة قبل الوطي ترد بالعيب و مقتضي اطلاق المفهوم عدم لزوم الاشتراء و لو مع تحقق الملامسة و التقبيل و امثالهما فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الثالث تلف العين»
اشارة

ما يمكن ان يذكر في تقريب المدعي وجوه.

الوجه الأول: الاجماع

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني مرسل جميل

«3» فان المستفاد منه ان قوام الخيار

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الخيار الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام العيوب الحديث 7.

(3) قد تقدم ذكر الحديث في ص 488.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 493

ببقاء العين و اما اذا تلفت فلا يكون موضوعه باقيا و لكن المرسل لا اعتبار به.

الوجه الثالث ما رواه ميسر

«1» فان الامام روحي فداه في هذه الرواية امر برد المعيوب و من الظاهر انه مع التلف لا موضوع للرد و الحديث تام سندا فهذا الوجه قابل لاثبات المدعي و الظاهر ان الامر أيضا كذلك اذا كان المدرك للخيار الشرط الارتكازي فان الارتكاز علي حق رد العين اذا كانت معيوبة فاذا تلفت لا يبقي مجال للرد كما هو ظاهر.

«قوله قدس سره: أو صيرورته كالتالف»

كما لو سرق أو بيع فان العين في بعض الاحوال و الاحيان لا تكون تالفة و لكن تكون كالتالف في عدم امكان ردها و علي هذا الاساس لو تعذر ردها باي سبب كالبيع و الاجارة و الرهن الي غيرها يسقط الخيار.

«قوله قدس سره: ثم انه لو عاد الملك الي المشتري لم يجز رده للاصل»

الظاهر ان ما افاده تام اذ بعد زوال الخيار بالانتقال لا دليل علي رجوعه برجوع العين و اذا وصلت النوبة الي الشك يكون مقتضي الاصل عدم حدوثه بعد زواله بل لا تصل النوبة الي الشك فان عموم وجوب الوفاء بالعقد يقتضي اللزوم غاية الامر يكون العقد في جزء من الزمان جائزا و بعد زوال موجب الخيار يكون عموم وجوب الوفاء مرجعا.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 487.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 494

«قوله قدس سره: لا خلاف نصا و فتوي في ان

وطي الجارية يمنع عن ردها بالعيب»

تدل علي المدعي المذكور جملة من النصوص منها ما رواه حماد بن عيسي «1» الي غيره ممّا ورد في الباب المشار إليه.

«قوله قدس سره: ثم ان المشهور استثنوا عن عموم هذه الاخبار لجميع افراد العيب الحمل فانه عيب اجماعا كما في المسالك الا ان الوطي لا يمنع من الرد به»

و قد دلت عليه عدة من النصوص منها ما رواه ابن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري جارية حبلي و لم يعلم بحبلها فوطأها قال يردها علي الّذي ابتاعها منه و يردّ معها نصف عشر قيمتها لنكاحه ايّاها الحديث «2».

الي غيره من الروايات الواردة في الباب المشار إليه فلاحظها و قد تعرض الماتن لجملة من الخصوصيات لكن حيث ان المسألة خارجة عن محل الابتلاء في امثال زماننا يكون الاعراض عنها و الاشتغال بما هو اهم اولي و الزم و علي هذا الاساس لا نخوض في البحث في المقام.

«قوله قدس سره:

الرابع من المسقطات حدوث عيب عند المشتري»
اشارة

العيب الحادث بعد العقد علي اقسام ثلاثة. القسم الأول العيب الحادث قبل القبض القسم الثاني العيب الحادث بعد القبض في زمان خياري الحيوان و المجلس. القسم الثالث العيب الحادث بعد القبض

______________________________

(1) تقدم ذكر الحديث في ص 492.

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب احكام العيوب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 495

و مضي الخيارين و الكلام في المقام في القسم الثالث.

و الذي يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه.
الوجه الأول: الاجماع

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني: مرسل جميل

«1» فان المستفاد من الحديث ان المعيب اذا كان قائما بعينه يجوز ردّه و الا فلا و فيه ان الحديث مرسل و المرسل لا اعتبار به.

الوجه الثالث: ما عن العلامة

و هو ان العيب الحادث يقتضي تلف جزء من المعيب و يكون مضمونا علي المشتري فيسقط رده، اذ لا وجه لترجيح المشتري علي البائع و بعبارة اخري الامر يدور بين صبر المشتري علي العيب السابق و بين صبر البائع علي العيب الحادث و لا ترجيح فلا خيار و يرد عليه انه بعد عدم الترجيح و تحقق التعارض يكون المرجع اصالة بقاء الخيار و ليس المراد استصحابه كي يقال المرجع دليل اللزوم فلا تصل النوبة الي استصحاب الخيار مضافا الي معارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد بل المراد دليل خيار العيب و هو النص الدال عليه فان مقتضي اطلاقه بقائه حتي بعد حدوث العيب في المعيب غاية ما في الباب ان يأخذ البائع من المشتري ارش النقصان.

«قوله قدس سره: ثم مقتضي الاصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله».

الامر كما افاده أي علي القول بسقوط الخيار بحدوث الحادث لا فرق بين بقاء الحادث و زواله لكن ان كان مراده من الاصل الاستصحاب فلا يصح ما افاده لعدم مجال لجريان الاستصحاب و ان كان المراد من الاصل القاعدة فالحق معه اذ مقتضي دليل اللزوم و هو

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 488.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 496

قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كون العقد لازما و مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة الي الاصل العملي.

«قوله قدس سره: و لو رضي البائع برده مجبورا بالارش أو غير مجبور جاز الرد».

ربما يقال كما في كلام الشيخ قدس

سره في وجه الجواز ان عدم الجواز بلحاظ حال البائع و رعاية عدم تضرره و فيه انه و ان كان البيان المذكور ممكنا في مقام الثبوت و الواقع لكن مقتضي الدليل القائم و هو الاجماع أو النص الدال علي السقوط عدم امكان الالتزام بالثبوت الا مع قيام دليل عليه و لا دليل علي عود الخيار نعم يمكن الرد بالاقالة و لكنها خارجة عن محل الكلام و بعبارة واضحة ان رضا البائع لا يقتضي تحقق الخيار.

«قوله قدس سره: و مما ذكرنا يعلم ان المراد بالارش الّذي يغرمه المشتري عند الرد قيمة العيب لا الارش».

الارش الذي يدفعه البائع من باب ضمان المعاوضة و لذا تلاحظ النسبة بين القيمة الواقعية و الثمن المسمي و يدفع الارش بتلك النسبة و اما المشتري فيغرم القيمة الواقعية اذ ضمانه ضمان اليد.

«قوله قدس سره: ثم ان صريح المبسوط انه لو رضي البائع باخذه معيوبا لم يجز مطالبته بالارش».

بدعوي انه مع امكان الرد لا تصل النوبة الي الارش و المفروض في المقام امكان الرد فلا ارش و يرد عليه انه لا وجه له بل الميزان اطلاق الدليل الدال علي جواز اخذ الارش و مقتضاه عدم الفرق بين كون البائع راضيا بالرد و عدمه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 497

[هل تبعض الصفقة مانع من الرد]
اشارة

«قوله قدس سره: تنبيه ظاهر التذكرة و الدروس ان من العيب المانع من الرد بالعيب القديم تبعض الصفقة علي البائع و توضيح الكلام في فروع هذه المسألة».

وقع الكلام بينهم في أن تبعّض الصفقة مانع عن الاخذ بالخيار بالعيب القديم و عليه يسقط الخيار و المناسب مع المقام ان نفكك بين فروع المسألة و ملاحظة كل فرع بحياله و استقلاله و ما يترتب

عليه من الحكم الشرعي فنقول و من اللّه الاستعانة.

الفرع الأول: ان يشتري كتابا و قلما بعنوان المجموع المركب بثمن واحد كثلاثة دراهم مثلا

فظهر ان جزء المبيع و هو القلم مثلا معيوب فهل يمكن رد القلم فقط بخيار العيب و ابقاء الكتاب بحاله ربما يقال انه جائز لكن يلزم تبعض الصفقة فلا يجوز الاخذ بالخيار بالعيب السابق هذا فيما يرد القلم معينا و أما رد الجزء المشاع فأيضا لا يجوز للزوم الشركة و هي بنفسها عيب فعلي كلا التقديرين لا يجوز.

و يرد علي التقريب المذكور أولا انه لا مجال للترديد المذكور اذ تعدد المبيع الذي يكون مقوما للاخذ بخيار العيب اما بتعين كل جزء معينا و اما بلحاظ كل جزء مشاعا و لا بدّ من اختيار احدهما و لا يمكن الجمع بينهما فلا مجال للترديد.

و ثانيا ان العيب الحادث يتحقق باعمال الخيار و الحال ان الدليل قائم علي كون العيب الحادث مانعا و كم فرق بين الامرين فان المستفاد من الدليل ان العيب الحادث في المبيع موضوع للمنع عن الخيار و الحال ان اعمال الخيار يوجب المانع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 498

و ان شئت قلت ما افيد مرجعه الي كون الشي ء علة لعدمه فيلزم من وجود الشي ء عدمه و هذا خلف و محال فخذ و اغتنم، اذا عرفت ما تقدم نقول الحق عدم جواز الاخذ بالخيار و ذلك لعدم تعدد البيع و عدم تعدد المبيع لان البائع تارة يبيع الكتاب بدرهم و القلم بدرهمين غاية الامر يجمع بين الانشائين في إنشاء واحد و يترتب عليه احكام البيع المتعدد أي يكون كل واحد من بيع الكتاب و الدرهم مستقلا و يترتب علي كل واحد حكمه من الخيار و غيره فلا مانع للمشتري ان يأخذ بالخيار في احدهما

و يبقي الاخر و لا يحدث للبائع خيار تبعض الصفقة اذ لا موضوع له نعم اذا اشترط الخيار عند الانفكاك يتحقق له الخيار بالنسبة الي الاخر بالشرط و اخري يجعل المجموع من الكتاب و القلم مبيعا واحدا و يعتبرهما شيئا فاردا و يبيعهما ببيع واحد بثلاثة دراهم فلو ظهران القلم معيوب لا يمكنه الاخذ بالخيار لان البيع لم يتعلق بالقلم بل القلم جزء للمبيع.

و ان شئت قلت القلم في المثال كالسرداب بالنسبة الي الدار و هل يمكن للمشتري رد السرداب فقط لو كان معيوبا و السرّ في الجميع ان البيع و المبيع واحد فلا مجال للتبعيض و الذي يدل علي المدعي انه لو ظهر كون القلم مملوكا للغير يرد من الثمن درهمان في الصورة الأولي و يرد الثمن بالنسبة في الصورة الثانية.

ان قلت علي هذا الاساس لو اشتري زيد منا من الحنطة و غنما صفقة واحدة و كان المبيع المجموع المركب من الحنطة و الغنم لم يكن مجال لخيار الحيوان بالنسبة الي الغنم و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 499

قلت: مرجع هذا الاشكال الي انه يصدق عنوان بيع الحيوان و مع صدق الموضوع يترتب عليه الحكم و بعبارة اخري مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين كونه مبيعا مستقلا و كونه جزءا للمبيع.

و يرد عليه أولا النقض بما لو باع احد داره من شخصين فهل يجوز لاحدهما فسخ البيع قبل التفرق بخيار المجلس بالنسبة الي نصف الدار و هل يمكن الالتزام بصحته و ثانيا ان الظهور العرفي حجة و الظاهر من قوله عليه السلام صاحب الحيوان المشتري و أيضا قوله عليه السلام البيعان بالخيار ان الخيار يعرض لاصل البيع و

مجموع المبيع و لا يتعلق ببيع الجزئي.

و ثالثا انه لا وجه للقياس بين المقام و بقية المقامات فان المستفاد من خيار العيب تعلقه بالبيع المتعلق بالكل لاحظ ما رواه ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1» قال عليه السلام في هذا الحديث «رده علي صاحبه» و الضمير يرجع الي مجموع المبيع.

الفرع الثاني: ان يشتري احد كتابا بدينار و درهم فظهر ان الدرهم معيوب

هل يمكن للبائع ان يفسخ العقد بالنسبة الي ما يقابل الدرهم الكلام فيه هو الكلام و لا وجه للاعادة و علي الجملة انه لا مجال لاعمال الخيار في البعض دون الاخر و لا فرق بين المثال المذكور و ما لو باع شيئا بأربعين تومانا فظهر علي احد الورقين عيب فهل يمكن اعمال الخيار بالنسبة الي البعض.

الفرع الثالث: انه لو اشتري شخصان دارا بالف درهم فظهر ان الدار معيوبة

فهل يجوز لاحد المشتريين رد نصيبه بالعيب؟ الظاهر انه لا يجوز اذ المفروض ان البيع واحد و المبيع أيضا كذلك

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 487.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 500

و المفروض ان الخيار عرض لكل بيع و المفروض انه ليس الا بيع واحد فكيف يمكن فسخ العقد بالنسبة الي بعض المبيع دون الاخر.

الفرع الرابع: انه لو اشتري زيد دارا من بكر و خالد فظهر ان الدار معيوبة

فهل يمكن فسخ العقد بالنسبة الي احد البائعين دون الاخر الظاهر عدم الجواز و الكلام هو الكلام و لا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: فلا اشكال في كون هذا عقدين و لا اشكال في جواز التفريق بينهما»

الخ قد ظهر مما ذكرنا انه يختلف الحكم باختلاف الجعل فلو جعل الثمن مركبا من درهم و دينار مثلا لا يجوز التفريق و ان كان كل واحد لوحظ مستقلا يجوز فلاحظ.

«قوله قدس سره: و يدل عليه النص المانع عن الرد بخياطة الثوب و الصبغ»

الخ الظاهر ان مراده من النص حديث جميل «1» قال عليه السلام في هذه الرواية و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

«قوله قدس سره: نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه بالجزء المعنون»

الخ كأنه فرض قدس سره وضوح الحكم هناك و لذا تصدي لقياس المقام علي ذلك المورد و الحال ان الاشكال عام فان المبيع لو لوحظ مركبا من كتاب و حمار يشكل الالتزام بخيار الحيوان في خصوصه اذ لم يتعلق البيع بالحيوان استقلالا بل تعلق به ضمنا و عليه نسأل في مورد المثال هل تحقق بيع واحد أو بيعان لا مجال للقول بالتعدد

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 488.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 501

اذ المفروض

انه بيع واحد و علي الاول يكون المبيع مركبا من الكتاب و الحمار و ان شئت قلت الحمار جزء المبيع لا تمامه.

«قوله قدس سره: فالعمدة في المسألة»

الخ بل العمدة في المسألة عدم المقتضي كما تقدم فان البيع واحد و كذلك المبيع و للعقد الواحد ليس الا خيار واحد فلا مجال للتفريق.

«قوله قدس سره: فالأصل كاف في المسألة»

الخ أي اصالة اللزوم.

«قوله قدس سره: لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد»

قد ظهر مما قدمناه عدم جواز الرد فانّ رضا البائع لا يكون قابلا لتشريع الاحكام.

«قوله قدس سره:

مسألة يسقط الارش دون الرد في موضعين
احدهما اذا اشتري ربويا بجنسه فظهر عيب في احدهما»
اشارة

الخ ما يمكن ان يذكر في تقريب المدعي وجهان.

الوجه الأول: ان الشارع الاقدس اعتبر وصف الصحة في الاجناس الربوية كالمعدوم

فلا يجوز ان يؤخذ بإزائها شي ء و بعبارة اخري لا يجوز التفاضل و الحال ان اخذ الارش يوجب التفاضل و تحقق الربا المحرم.

و يرد عليه ان الارش غرامة شرعية و لا يكون بإزاء وصف الصحة و لذا لا يجب دفعه من الثمن و يدل علي المدعي أيضا ان المشتري لو كان جاهلا بالحكم و لم يطالب البائع بالارش لا يجب عليه شي ء و لا تكون ذمته مشغولة بشي ء علي ما هو المشهور عندهم.

الوجه الثاني: انه قد استفيد من الادلة انه كما لا يجوز اخذ الزيادة في مورد الربا حدوثا كذلك لا يجوز بقاء

فلا يجوز اخذ الارش و يرد عليه أولا ان الظاهر من الادلة حرمة اخذه حدوثا و اما بقاء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 502

فلا دليل علي حرمته و ثانيا انه قد ظهر مما قدمناه ان الارش غرامة شرعية و لا ترتبط بالمتعاقدين.

«قوله قدس سره:

الثاني ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة»

و مثلوا له بالخصاء في العبد و الوجه في السقوط عدم الموضوع للارش و بعبارة واضحة ان الارش لجبران النقصان من حيث القيمة و بعد فرض عدم التفاوت يكون الموضوع منتفيا و مع انتفاء الموضوع لا تصل النوبة الي ترتب الحكم فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة يسقط الرد و الارش معا بامور
أحدها العلم بالعيب قبل العقد»

الخ.

و الوجه عدم المقتضي لهما اما الاجماع فلا يشمل الصورة المفروضة و اما الاشتراط الارتكازي فقوامه بالجهل و مع العلم بالحال لا شرط فلا رد و اما النص فلعدم شموله لصورة العلم بالحال لاحظ ما رواه ميسر «1» فانه عليه السلام قال في هذه الرواية «و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه علي صاحبه».

«قوله قدس سره:

الثاني تبري البائع عن العيوب»
اشارة

الخ قال سيدنا الاستاد في منهاجه في هذا المقام الثاني تبري البائع من العيوب بمعني اشتراط عدم رجوع المشتري عليه بالثمن أو الارش و يرد عليه ان التبري لا يراد منه هذا المعني المذكور في كلامه و ليس هذا الا اشتراط عدم اخذ من له الحق بحقه و لا يترتب عليه سقوط الحق بل يترتب عليه حرمة الاخذ بالحق و لازمه انه لو عصي المشتري و طالب بحقه بان فسخ العقد أو طالب الارش ينفسخ العقد في الاول و يجب دفع الارش في الثاني.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 487.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 503

و أما التبري عن العيوب بالمعني المشهور فهل يقتضي سقوط الرد و الارش كما في كلام الماتن قدس سره أم لا الذي يمكن ان يذكر في تقريب المدعي وجوه

الوجه الأول الاجماع

و فيه ما فيه

الوجه الثاني حديثا زرارة عن أبي جعفر عليه السلام

«1» و جعفر بن عيسي قال كتبت الي أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فاذا نادي عليه برء من كل عيب فيه فاذا اشتراه المشتري و رضيه و لم يبق الا نقد الثمن فربما زهد فاذا زهد فيه ادعي فيه عيوبا و انه لم يعلم بها فيقول المنادي قد برئت منها فيقول المشتري لم اسمع البراءة منها أ يصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن، فكتب عليه الثمن «2».

و كلا الحديثين ضعيفان سندا اما الاول فبموسي بن بكر و اما الثاني فبابني عيسي.

الوجه الثالث ان خيار العيب ثابت بالاشتراط الارتكازي

و مع تبري البائع لا يبقي مجال للاشتراط المذكور و يرد عليه أولا ان الارش لا يرتبط بالاشتراط الارتكازي فانه غرامة مجعولة من قبل الشارع.

و ثانيا ان خيار العيب مجعول شرعا بمقتضي النص الخاص و لا بدّ من العمل علي طبقه بمقدار دلالته.

الوجه الرابع ان النصوص الخاصة منصرفة عن الصورة المفروضة

و لا تشملها و يؤيد المدعي ان السيرة العقلائية جارية علي عدم الخيار مع التبري و الشارع الاقدس ممض للسيرات التي عليها

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 488.

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب احكام العيوب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 504

العقلاء غاية الامر يتصرف فيها في بعض الاحيان مثل تحريمه الربا و امثاله و عليه لا مقتضي للخيار كما انه لا مقتضي للارش.

ثم ان في المقام اشكالا و هو انه مع تبري البائع يكون البيع غرريا فيكون باطلا و يرد عليه أولا ان كون الغرر مبطلا للعقد اوّل الكلام و الاشكال و ثانيا ان التبري لا يستلزم الغرر اذ يمكن ان يكون المشتري عالما بسلامة المبيع اعم من العلم الوجداني أو التعبدي أو يكون له طريق الي احراز سلامة المبيع كاصالة السلامة علي القول بها أو بالاستصحاب كما مرّ و تقدم في اوّل البحث نعم مع الالتزام بكون الغرر مبطلا و فرض عدم طريق لاحراز سلامة المبيع يشكل الالتزام بالصحة في صورة تبري البائع عن العيب.

ثم انه لا فرق بين التبري الاجمالي و التفصيلي كما انه لا فرق بين التبري عن العيوب الظاهرة و الباطنة و بلا فرق بين ان يكون المدرك النص كما عليه الاصحاب و بين مقالتنا و هو انصراف دليل الخيار عن صورة التبري فان مقتضي اطلاق النص عدم الفرق كما انه كذلك علي

القول بالانصراف و الجامع بين القولين عدم المقتضي للخيار و الارش فلاحظ.

ثم انه هل يكون فرق بين العيوب الموجودة حين العقد و العيوب المتجددة بعده أفاد الشيخ قدس سره انه لا فرق بين الموردين و تمسك بعموم وجوب الوفاء بالشرط و قبل الخوض في البحث نقول مقتضي القاعدة الاولية عدم ثبوت الخيار بالعيب المتجدد اذ المفروض ان المبيع كان صحيحا و انما تعيب بعد ما انتقل الي ملك المشتري فلا وجه للخيار.

لكن ما افيد مبني علي أن العيب المتجدد في زمان الخيار المختص

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 505

بالمشتري و أيضا العيب الحادث قبل القبض كالعيب الموجود قبل العقد و البحث جار علي هذا الفرض فنقول ما المراد من الشرط المذكور في كلام الماتن فان كان المراد اشتراط اسقاط الخيار الحادث بعد حدوث العيب فيدخل في عنوان اسقاط ما لم يجب و اسقاط ما لم يجب و ان كان ممكنا ثبوتا.

و لكن لا دليل علي صحته في مقام الاثبات بل مقتضي الاصل عدم مشروعيته و ان كان المراد اشتراط عدم الخيار فلا مجال له فان دليل وجوب الوفاء بالشرط ليس مشرعا و مشروعية مثله اوّل الكلام و ان كان المراد به عدم اخذ المشتري بالخيار فهو و ان كان جائزا لكن هذا الاشتراط لا ينافي تحقق الخيار كما مر منا قريبا.

«قوله قدس سره: ثم ان البراءة في هذا المقام يحتمل اضافتها الي امور»

الخ وقع الكلام في المراد من البراءة فذكر الشيخ (ره) احتمالات ثلاثة. الاول عدم تعهد البائع سلامة المبيع.

و يرد عليه ان التعهد و عدمه يتعلقان بالامر الّذي يكون اختياره بيد المتعهد كما لو تعهد احد ان يزور قبر الحسين عليه السلام

في يوم الجمعة و اما تعلق التعهد بامر خارج عن القدرة كنزول المطر من السماء فلا معني له و المقام كذلك اذ كون المبيع سالما أو غير سالم يكون تحت قدرته سبحانه و لا يرتبط باحد.

الثاني ضمان العيب اي لا يلتزم باشتغال ذمته بشي ء من الارش و هذا قابل و لكن لا يكون هذا مرادا من التبري و العرف ببابك الثالث البراءة من الخيار اي عدم الالتزام بالرد و هذا أيضا لا يكون مرادا من البراءة بل المراد من البراءة عدم الالتزام بشي ء اي لا يلتزم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 506

لا بالرد و لا بالارش و يظهر من كلام الشيخ ان البيع مع الالتزام معلق علي كون العين سالمة حيث يقول فكانه باعه علي كل تقدير و الحال ان البيع مع الالتزام أيضا علي كل تقدير و الا يلزم التعليق الموجب لفساد العقد و أيضا يلزم بطلان العقد مع عدم المعلق عليه اذ المشروط ينتفي عند انتفاء الشرط فلاحظ.

ثم انه هل يسقط بالتبري جميع الآثار المترتبة علي العيب أو يختص السقوط بخصوص الخيار و الارش فلو مات الحيوان بالعيب الموجود فيه في زمان الخيار المختص بالمشتري كما لو مات في الثلاثة يكون الضمان علي البائع لقاعدة (كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممن لا خيار له) قولان و الّذي يختلج بالبال ان يقال تارة لا يقصد من التبري الا من الناحية الخاصة و اخري يقصد التبري علي نحو الاطلاق اما علي الاول فلا وجه لسقوط غير تلك الناحية و أما علي الثاني فلا بد من ملاحظة الدليل و ان الضمان مثلا هل يسقط بالتبري أم لا و مقتضي القاعدة الاولية عدم

السقوط فان الضمان مثلا بحكم الشارع و لا وجه لسقوطه بالتبري.

ثم انه قدس سره تعرض لجملة من الامور التي يمكن القول بسقوط الرد و الارش بها
الأمر الأول زوال العيب قبل الرد

و قد اختار قدس سره التفصيل بين الرد و الارش بالسقوط في الاول و عدمه في الثاني بتقريب انه مع زوال العيب لا يتضرر المشتري فلا وجه للرد و أما الارش فهو غرامة مجعولة في ذمة البائع و لا وجه لسقوطه عن عهدته.

و الحق ان يقال ان المدرك للخيار ان كان هو الاجماع فلا خيار اذ شمول الاجماع للمقام غير معلوم و الخيار خلاف القاعدة و ان كان المدرك الاشتراط الارتكازي فالظاهر انه ليس الاشتراط ثابتا في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 507

فرض زوال العيب قبل الرد و ان كان المدرك النص فالظاهر أيضا عدم شموله للمقام فان الظاهر من حديث ميسر بل صريحه ان الرد يتعلق بالمعيب و مع فرض زوال العيب لا موضوع للرد كما هو ظاهر هذا بالنسبة الي الرد و أما بالنسبة الي الارش فلا مقتضي له في المقام اذ العمدة في دليله الاجماع و التسالم و لا اجماع في المقام.

و أما ما افاده الماتن من ان ذمة البائع يشتغل و البراءة مورد الشك فيرد عليه انه لا دليل علي المدعي المذكور و لذا لو لم يطالب المشتري الارش لجهله به أو لغير ذلك لا يجب علي البائع دفعه.

و اما قاعدة الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد فليس تحتها شي ء مضافا الي انها لا تنطبق علي المقام فان المفروض ان العيب زال و لم يفرض عوده.

الأمر الثاني التصرف في العين بعد العلم بالعيب
اشارة

فانه مسقط للرد و الارش عند ابن حمزة علي ما نقل عنه و الذي يمكن ان يقال في تقريب المدعي وجهان.

الوجه الأول ان التصرف دليل علي الرضا.
الوجه الثاني ان النص الدال علي الارش بعد التصرف يختص بصورة عدم العلم بالعيب

و كلا الوجهين مخدوشان اما الاول فبان التصرف اعم من الرضا. و اما الثاني فلان الامر ليس كذلك فان الحديث الدال علي الارش بعد التصرف مطلق من حيث العلم و عدمه فلا وجه للاختصاص و اما ما ورد في سقوط خيار الحيوان بالتصرف فيه فهو يختص بتلك المسألة و لا وجه للتسرية اذ ما ورد هناك حكم تعبدي مختص بموضوعه و مقتضي ما ورد من النص في المقام كحديث جميل «1» هو الاطلاق نعم يمكن ان يقال ان دليل الارش كما تقدم منا

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 483.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 508

هو التسالم فلا بد من الاقتصار علي مورد يكون متسالما عليه.

الأمر الثالث: التصرف في المعيب بالعيب الّذي لا يوجب نقصا في القيمة

كالخصاء فان الارش لا يتصور فيه و اما الرد فيسقط بالتصرف و يرد عليه انه لا دليل علي سقوط الخيار بمطلق التصرف نعم اذا كان التصرف دالا علي الاسقاط فلا اشكال في السقوط.

الأمر الرابع: حدوث عيب في المعيب بالعيب الّذي لا يكون موجبا لنقصان القيمة
اشارة

فان الارش لا يتصور فيه كما تقدم و اما الرد فيسقط بمقتضي ما دل علي سقوط الرد بحدوث التغير في المبيع و تخصيص ذلك الدليل بخصوص مورد يكون الارش ثابتا بلا وجه.

و أما التمسك بدليل الضرر فلا مجال له حيث قد تقدم منا مرارا ان القاعدة لا تقتضي الاثبات بل شأن القاعدة نفي الاحكام الضررية و يختلج بالبال في هذه العجالة انه لو قلنا بمقالة المشهور في مفاد القاعدة و قلنا مفادها النفي لا النهي و القاعدة تكون حاكمة علي ادلة الاحكام نقول يمكن التمسك بها لنفي اللزوم فيما يكون ضرريا اذ لا تختص القاعدة بنفي الاحكام التكليفية بل تعم الاحكام الوضعية أيضا و حيث انه لا يمكن الاهمال في الواقع يكون رفع اللزوم مستلزما للجواز.

و علي هذا الاساس يلزم جريان القاعدة في نظير اللزوم و الالتزام بالرفع مثلا لو كان زيد مالكا لمقدار كر من الزيت ثم اصابه دم يصيره متنجسا علي مقتضي القاعدة و لكن تنجس الزيت يوجب تضرر المالك فيقتضي ان يحكم بعدم نجاسته فيكون طاهرا لا محاله و قس عليه بقية الموارد و يأتي هذا البيان بالنسبة الي قاعدة رفع الحرج و الظاهر انه يلزم تأسيس فقه جديد و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 509

و يمكن رد الدعوي المذكورة بوجوه.
الوجه الأول انه لو كان الامر كذلك لشاع و ذاع

و لم يكن واقعا مورد البحث و الرد و الايراد فان الثمرات المترتبة علي التقريب المذكور كثيرة جدا و موردا لابتلاء العموم فكيف يمكن ان تكون تحت الستار.

الوجه الثاني النصوص الواردة الدالة علي تنجس السمن و الزيت و غيرهما

«1». فان الامام عليه السلام حكم بحرمة الاكل و الشرب و البيع و حكم بنجاسة الملاقي مع النجاسة مع انه يتضرر المالك و يكون حرجا عليه و مع ذلك لم يؤثر الضرر و الحرج في الحكم الشرعي.

الوجه الثالث ما ورد في باب الزوجة المبتلاة

فقال عليه السلام في حديث بلية ابتليت فلتصبر فانه يستفاد من الحديث ان الحرج و الضرر لا يؤثر ان في ارتفاع العلقة الزوجية اللهم الا ان يقال اذا تم التقريب المذكور نخصصه بهذه الموارد المشار إليها و تخصيص العام ليس امرا عزيزا فلاحظ.

لكن العمدة في الاشكال عدم تمامية دليل سقوط الخيار بالتغير الحادث في العين من حيث السند فعليه يكون مقتضي القاعدة عدم سقوط الرد لا للاستصحاب كما في كلام الماتن فان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد بل لاطلاق دليل الخيار نعم لو كان العيب الحادث موجبا لنقصان القيمة يلزم علي المشتري دفع الارش.

الأمر الخامس ثبوت احد مانعي الرد اي التصرف فيه و حدوث عيب جديد في المعيب الّذي لا يجوز اخذ ارش العيب

بملاحظة

______________________________

(1) الوسائل الباب 44 و 45 من ابواب الاطعمة المحرمة و الباب 5 من ابواب الماء المضاف و الباب 6 من ابواب ما يكتسب به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 510

ترتب الربا فان المفروض سقوط الرد بالتصرف و بحدوث العيب الجديد فيه يحصل التغير في المبيع فلا يجوز الرد كما انه لا يجوز الارش للزوم الربا المحرم فيسقط الرد و الارش كلاهما و الحق عدم سقوط شي ء من الامرين و لا مقتضي لسقوط الرد و لا الارش و ذلك لان التصرف كما تقدم اعم من الرضا و لا يستلزم التصرف في العين اسقاط الخيار كما انه لا دليل معتبر علي سقوط الرد بحدوث العيب في العين و صيرورتها متغيرة فلا يسقط الرد كما انه لا وجه لسقوط الارش فان الارش غرامة شرعية و لا يرتبط بالعوضين.

«قوله قدس سره: اقدم علي عدم مطالبة مال زائد علي ما يأخذه»

يرد عليه أولا ان الامر ليس كذلك فان العقد الواقع علي الجنس الربوي و المعاوضة بين الربويين لا

يستلزم الاقدام المذكور و ثانيا ان الاقدام المذكور لا اثر له الا ان يرجع الي اسقاط الخيار و هو مشكل اذ يدخل تحت كبري اسقاط ما لم يجب و لا دليل علي صحته.

«قوله قدس سره: و قد عرفت النظر فيه»

ما عرفنا بل مقتضي الاطلاق عدم الفرق نعم لا دليل معتبر علي اصل الحكم اي سقوط الرد بحصول التغير في المعيب.

«قوله قدس سره: و ان رد مع الارش لزم الربا»

الخ الربا يختص بالمعاوضة ورد المبيع بالفسخ لا يكون معاوضة كما هو ظاهر فان الفسخ حل العقد غاية الامر يثبت الارش بالحكم الشرعي و بعبارة واضحة الارش بحكم الشارع و هل يعقل ان يكون الحكم الشرعي موجبا لتحقق الربا و علي الجملة المشتري اذا فسخ العقد في مفروض الكلام اما يؤثر و اما لا يؤثر فعلي الاول يتحقق الحكم الشرعي بدفع الارش و هل يمكن ان يكون الحكم الشرعي بالارش

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 511

يوجب بطلان الفسخ أ ليس هذا داخلا تحت كبري ان المعلول يقتضي عدم علته و هذا من الاباطيل الاولية و مما ذكرنا ظهران اخذ الارش من البائع لاجل العيب السابق جائز و لا يرتبط بمسألة الربا.

«قوله قدس سره: و لذا يبطل التقايل مع اشتراط الزيادة أو النقيصة»

قد ظهر مما ذكرنا انه لا مجال للتقريب المذكور فان التقايل حل العقد من الطرفين كما ان الفسخ حل للعقد من طرف واحد و لا معاوضة في شي ء منهما نعم لا يجوز الاشتراط المذكور في التقايل من ناحية اخري و هي ان التقابل حل للعقد و مقتضي حله رجوع كل من العوضين الي محله الاول و لا مقتضي للزيادة و النقيصة و اشتراطهما باطل

لكون الشرط المذكور خلاف الشرع فيكون شرطا فاسدا.

«قوله قدس سره: و الاول اولي»

ما افاده قدس سره من الغرائب فان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و علي هذا الاساس كيف يمكن ان يكون اخذ الارش موجبا لصيرورة العقد ربويا و بعبارة واضحة ان العقد الصادر من المتعاقدين اما يكون ربويا و اما لا أما علي الاول فيكون باطلا من الاول و أما علي الثاني فلا يعقل اتصافه به بعد عدمه مضافا الي ان الارش ليس في مقابل وصف الصحة فان وصف الصحة لا يقابل بشي ء بل الارش غرامة شرعية مجعولة من قبل الشارع الاقدس.

«قوله قدس سره: كنسيان العبد الكتابة»

كانه قدس سره فرض عدم الضمان في نسيان الكتابة و امثاله و الحال ان الامر ليس كذلك فان نسيان الكتابة و امثاله يوجب الضمان و الوجه في الضمان انه اذا فسخ المشتري تعتبر العين مملوكة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 512

للبائع و حيث ان العين كانت ذات وصف كذائي كالصحة و الكتابة و امثالهما و تكون يد المشتري يد ضمان و المفروض ان التلف تحقق في يده تكون الغرامة بعهدته و ان شئت قلت اذا فرض ان العين المشتراة تلفت في يد المشتري و بعد التلف فسخ العقد يكون ضامنا للعين كذلك يكون ضامنا للصفات التي زالت عنده فان ضمان كلا الامرين من باب واحد.

«قوله قدس سره: لان وصف الصحة فيه يقابل بجزء من الثمن».

وصف الصحة لا يقابل بجزء من الثمن كبقية الاوصاف بل الاوصاف توجب زيادة قيمة العين و الذي يدل علي المدعي انه لا يجوز بيع الوصف بما هو وصف و الحال انه لو كان مقابلا لمقدار من الثمن كان مقتضاه جواز بيعه

فقط و هو كما تري.

الأمر السادس: تأخير الاخذ بمقتضي الخيار مع العلم بالعيب

بتقريب انه لا دليل علي التراخي و القدر المعلوم من الخيار الفور نعم مقتضي الاستصحاب بقائه و تراخيه و يرد عليه أولا انه ما الوجه في سقوط الارش فان غاية البيان المذكور فورية الرد و ثانيا انه لا وجه للفورية فان دليل الخيار ان كان الارتكاز العقلائي فهو يقتضي التراخي و ان كان النص الخاص فأيضا كذلك نعم ان كان المدرك الاجماع فلا بد من الاخذ بالمقدار المعلوم.

و ثالثا انه لو التزمنا بعدم الدليل علي التراخي فلا تصل النوبة الي استصحاب الخيار اذ يرد عليه أولا ان مع الدليل الاجتهادي لا مجال للاصل العملي و المفروض ان عموم قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» يقتضي اللزوم فلا مجال لاستصحاب الجواز و ثانيا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 513

فتحصل ان الحق بقاء الخيار و حق اخذ الارش و لا وجه للقول بالفورية فيهما.

[مسألة هل يجب الإعلام بالعيب]

«قوله قدس سره: قال في المبسوط من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا و كان المشتري بالخيار».

لا اشكال في حرمة الغش تكليفا و قد مرّ الكلام حوله في المكاسب المحرمة فمع احرازه لا شبهة في حرمته و مع الشك في الصدق يكون مقتضي الاصل الموضوعي و الحكمي هو الجواز اما الاصل الموضوعي فهو عبارة عن استصحاب عدم صدق العنوان فلا يترتب عليه حكمه و اما الاصل الحكمي فهو عبارة عن البراءة عن الحرمة و اذا باع و غش المشتري يكون المشتري بالخيار لاجل الاشتراط الارتكازي.

و يقع الكلام في صدقه في بعض الموارد مثلا لو باع المعيب و لم يبيّن العيب فتارة يتبرأ من العيب و اخري يقول ان العين سالمة

و لا عيب فيها و ثالثة يسكت اما الصورة الأولي فلا يصدق عنوان الغش و اما الصورة الثانية فالظاهر انها مصداق للغش فان الغش علي ما يستفاد من اللغة عبارة عن مفهوم «گول زدن و كلاه به سر گذاردن» في اللغة الفارسية و لا يصدق العنوان المذكور الا مع علم الغاش و جهل المغشوش و إرادة الغاش اضلال المغشوش.

و أما الصورة الثالثة: فقال سيدنا الاستاد في منهاجه في هذا المقام و قد يكون بترك الاعلام مع ظهور العيب و عدم خفائه كما اذا احرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم اعلامه بالعيب فاعتقد انه صحيح و لم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه فان عدم اعلام البائع بالعيب مع اعتماد المشتري عليه غش للمشتري انتهي كلامه رفع

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 514

في علو مقامه فالميزان في الحرمة صدق العنوان المذكور و بعد صدقه يحرم تكليفا و يترتب عليه الخيار وضعا.

«قوله قدس سره: ثم التبري من العيوب هل يسقط وجوب الاعلام في مورده»

الخ.

قد ظهر مما تقدم انه يسقطه و ان عنوان الغش مع التبري لا يصدق و مجرد كون المشتري معتمدا علي اصالة الصحة من باب عدم اعلام البائع بالعيب لا يوجب تعنون البائع بكونه غاشا و العرف ببابك مضافا الي انه قد مرّ الاشكال في كون اصالة السلامة اصلا معتبرا الا ان يكون مصداقا للاستصحاب.

«قوله قدس سره: ثم ان المذكور في جامع المقاصد و المسالك و عن غيرهما انه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء».

الظاهر ان القاعدة تقتضي التفصيل بان يقال تارة يكون شوب الماء باللبن بنحو يخرج اللبن عن كونه لبنا و يصدق علي المركب منهما عنوان آخر و

اخري لا يخرجه عن ذلك غاية الامر يكون لبنا معيبا اما علي الاول فيكون البيع باطلا اذ ما وقع عليه البيع هو اللبن و ما يكون في الخارج غيره فيكون مثل بيع الحمار الوحشي و الحال ان ما في الخارج العبد الحبشي و اما علي الثاني فيكون البيع صحيحا غاية الامر يترتب عليه حكم المعيب فلاحظ.

[مسائل في اختلاف المتبايعين]
[الأول الاختلاف في موجب الخيار]
اشارة

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 3، ص: 514

«قوله قدس سره: فالقول قول المنكر بيمينه».

لان الاصل موافق معه و بعبارة اخري المدعي للعيب يدعي ثبوت الخيار أو الارش و كلاهما علي خلاف الاصل و يحتاج اثباتهما الي اقامة البيّنة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 515

«قوله قدس سره: كان الحكم كسابقه»

لعين التقريب المتقدم فلا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: كان للمشتري الخيار في الرد»

اذ العيب متفق عليه بينهما فيترتب عليه الخيار و اما الارش فهو غير معلوم و ينفي بالاصل و بعبارة واضحة قد مرّ سابقا ان من العيوب ما لا يوجب قلة القيمة كالخصاء.

«قوله قدس سره: كان القول قول منكر تقدمه»

علي ما هو المقرر من ان المدعي عليه البينة و اما المنكر فالقول قوله و حيث ان المشتري يدعي الخيار و البائع ينكره فالقول قوله.

«قوله قدس سره: حتي لو علم تاريخ الحدوث».

فان الحق جريان الاصل في معلوم التاريخ في الحادثين و ما افاده في الكفاية من الشبهة المصداقية لنقض اليقين بالشك لا محصل له فان الشك في الحالة الوجدانية لا معني له فتأمل.

«قوله قدس سره: لان اصالة عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد علي

المعيب»

الخ فانه من الاصل المثبت الذي لا نقول به مضافا الي انه معارض بمثله و هو أصل عدم حدوث العيب الي زمان العقد.

[لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك]
اشارة

«قوله قدس سره: و لعله لاصالة عدم تسليم البائع العين الي المشتري علي الوجه المقصود»

الخ ادعي ابن الجنيد علي ما نقل عنه بانه لو ادعي البائع ان العيب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 516

حدث عند المشتري حلف المشتري ان كان منكرا و الشيخ قدس سره

قرب ما افاده ابن الجنيد بوجوه ثلاثة.
الوجه الأول: اصالة عدم تسليم البائع العين الي المشتري علي الوجه المقصود.

و يرد عليه أولا ان الاصل المذكور لا يقتضي الخيار للمشتري الا علي القول بالاثبات و ثانيا ان الشك المذكور ناش عن حدوث العيب قبل القبض أو بعده و حيث ان اصالة عدم حدوث العيب الي زمان القبض جارية لا تصل النوبة الي اصالة عدم التسليم علي الوجه المقصود فان الاصل السببي حاكم علي الاصل المسببي.

الوجه الثاني اصالة عدم استحقاق البائع الثمن بتمامه

و يرد عليه ان البائع يستحق الثمن بتمامه بالعقد غاية الامر اذا كانت العين معيبة يؤخذ منه الارش بعنوان الغرامة الشرعية.

الوجه الثالث: اصالة عدم لزوم العقد

و يرد عليه ان الاصل الاولي في العقود اللزوم بمقتضي قوله تعالي «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و الجواز يحتاج الي الدليل.

«قوله قدس سره: قال في التذكرة و لو اقام احدهما بينة عمل بها ثم قال و لو اقاما بينة عمل ببينة المشتري لان القول قول البائع لانه ينكر فالبينة علي المشتري و هذا منه مبني علي سقوط اليمين عن المنكر باقامة البينة و فيه كلام في محله و ان كان لا يخلو عن قوة».

الماتن قدس سره اشار بكلامه الي بحث في باب القضاء و هو انه هل يختص اقامة البينة بالمدعي و يختص اليمين بالمنكر الا في صورة الرد علي المدعي أم لا يختص بل لكل واحد منهما اقامة البينة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 517

المشهور فيما بين القوم القول الاول و في مقابله القول الثاني ذهب إليه بعض كالشهيد و العلامة و يمكن الاستدلال علي القول الاول بوجوه.

[المشهور علي أن اقامة البينة بالمدعي و يختص اليمين بالمنكر]
الوجه الأول: ما رواه جميل و هشام

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله البينة علي من ادّعي و اليمين علي من ادعي عليه «1» و مثله الحديث الثاني و الثالث و الرابع و الخامس و السادس و السابع من هذا الباب.

الوجه الثاني: الاجماع

فانه ربما يدعي عليه كما يشاهد في كلماتهم و قد نقل عن المستند انه نقل الاجماع عليه عن بعض معاصريه.

الوجه الثالث: السيرة العقلائية الجارية عليه

فانه لا اشكال في انه لو كانت دار مثلا في يد احد و عليها سلطانه فادعي غيره انها له يطلب من المدعي البينة في المحاكم العرفية و العرف ببابك.

الوجه الرابع: ان هذه المسألة محل الابتلاء

و لا يمكن عادة ان يبقي حكمها تحت الستار و ان شئت قلت لو كان الحكم الشرعي علي خلاف المشهور لذاع و شاع و حيث لا يكون كذلك يعلم ان الحق ما عليه المشهور فلاحظ.

و استدل علي القول الآخر أيضا بوجوه.
الوجه الأول: حجية البينة علي الاطلاق

و مقتضي اطلاقها عدم اختصاصها بخصوص البائع و يرد عليه ان تقييد الاطلاق أو تخصيص العام ليس بعزيز و بعبارة اخري نرفع اليد عن الاطلاق المذكور بما

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 518

يدل علي الاختصاص و التفصيل المستفاد من النصوص المشار إليها.

الوجه الثاني: ما رواه أبو ضمرة

عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام احكام المسلمين علي ثلاثة: شهادة عادلة او يمين قاطعة أو سنة ماضية من ائمة الهدي «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث انه من جملة ما يتحقق به الحكم البينة و يرد عليه أولا ان السند مخدوش و ثانيا انه لا تنافي بين الامرين فان البينة تؤثر في مورد و اليمين في مورد آخر.

الوجه الثالث: ما ورد في بعض النصوص

من ان اللّه اوحي الي بعض انبيائه ان اقض بينهم بالبينات و اضفهم الي اسمي لاحظ خبر سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في كتاب عليّ عليه السلام ان نبيا من الأنبياء شكا الي ربه فقال يا ربّ كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد قال فأوحي اللّه إليه احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلفهم به و قال هذا لمن لم تقم له بينة «2».

و خبر أبان بن عثمان عمّن اخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في كتاب علي عليه السلام ان نبيّا من الأنبياء شكا الي ربّه القضاء فقال كيف اقضي بما لم تر عيني و لم تسمع اذني فقال اقض بينهم بالبينات و اضفهم الي اسمي يحلفون به 3.

و فيه انه لا يدل الحديث علي كون اليمين في عرض البينة و كليهما في حد سواء و بعبارة اخري يستفاد من الحديث ان اليمين

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 6.

(2) (2 و 3) الوسائل الباب 1 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 519

في طول البينة و قد علم من الدليل الاخر ان اليمين وظيفة المنكر

و اذا لم يكن للمدعي البينة و المنكر لم يحلف ورد اليمين الي المدعي يحلف.

الوجه الرابع: مطالبة أبي بكر الملعون البينة من فاطمة عليها السلام

و الحال ان الفدك كان في يدها مع ان المدعي لا بدان يقيم البينة و الحال انه أراد من الصديقة عليها السلام اقامتها و يرد عليه ان فعل أبي بكر و اضرابه لا يترتب عليه الا العذاب الاكبر و أمير المؤمنين عليه السلام لم يصدقه في فعاله بل علي مقتضي النقل في مقام المحاجة اورد عليه بعين الايراد.

لاحظ ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث فدك ان أمير المؤمنين عليه السلام قال لابي بكر أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين قال لا قال فان كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ادّعيت انا فيه من تسأل البينة قال اياك كنت اسأل البينة علي ما تدعيه علي المسلمين قال فاذا كان في يدي شي ء فادّعي فيه المسلمون تسألني البيّلة علي ما في يدي و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و بعده و لم تسأل المؤمنين البينة علي ما ادعوا علي كما سألتني البينة علي ما ادعيت عليهم الي ان قال و قد قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله البينة علي من ادّعي و اليمين علي من انكر «1».

و لكن في مقابل الكافر العنود المكب علي الدنيا لا سبيل الا التسليم و الي اللّه المشتكي.

الوجه الخامس: جملة من النصوص

التي تدل علي اعتبار بينة

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 520

الداخل اي ذي اليد منها ما رواه ابو بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي القوم فيدعي دارا في ايديهم و يقيم البينة و يقيم الّذي في يده الدار البينة انه ورثها

عن ابيه و لا يدري كيف كان امرها قال اكثرهم بينة يستحلف و تدفع إليه و ذكران عليا عليه السلام اتاه قوم يختصمون في بغلة فقامت البينة لهؤلاء انهم انتجوها علي مذودهم و لم يبيعوا و لم يهبوا و قامت البينة لهؤلاء بمثل ذلك فقضي عليه السلام بها لاكثرهم بينة و استحلفهم قال فسألته حينئذ فقلت أ رأيت ان كان الّذي ادعي الدار قال ان أبا هذا الّذي هو فيها اخذها بغير ثمن و لم يقم الّذي هو فيها بينة الا انه ورثها عن ابيه قال اذا كان الامر هكذا فهي للذي ادعاها و اقام البينة عليها «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه ان رجلين اختصما الي امير المؤمنين عليه السلام في دابة في ايديهما و اقام كل واحد منهما البينة انها نتجت عنده فاحلفهما علي عليه السلام فحلف احدهما و ابي الآخران يحلف فقضي بها للحالف فقيل له فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة فقال احلفهما فأيهما حلف و نكل الآخرة جعلتها للحالف فان حالفا جميعا جعلتها بينهما نصفين قيل فان كانت في يد احدهما و اقاما جميعا البينة قال اقضي بها للحالف الّذي هي في يده 2 و الجواب انه لو امكن تخصيص تلك الكبري بهذه النصوص نلتزم به و اما اذا لم يمكن التخصيص نرفع اليد عن هذه الروايات.

الوجه السادس ما رواه حفص بن غياث

عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال له رجل اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 12 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3،

ص: 521

له قال نعم قال الرجل اشهد انه في يده و لا اشهد انه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبد اللّه عليه السلام أ فيحل الشراء منه قال نعم فقال أبو عبد اللّه عليه السلام فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز ان تنسبه الي من صار ملكه من قبله أليك ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث جواز الشهادة لذي اليد و الحال ان وظيفته اليمين و فيه ان السند مخدوش فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالة الرواية فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان كان قد اختبر المبيع»

الخ قد فصل قدس سره في المقام بين اختبار البائع المبيع و عدمه فعلي الاول يمكنه الحلف علي عدم تقدم العيب واقعا و بعبارة اخري يحلف علي العدم في الواقع و أما مع عدم الاختبار ففي جواز الاستناد الي الاصل وجه فيجوز له الحلف كما يجوز له الحلف علي طهارة شي ء استنادا الي الاصل.

و يمكن الفرق بين البابين بان الطهارة في الاصطلاح عبارة عمّا يعم غير معلوم النجاسة لا الطهارة الواقعية كما ان المراد بالملكية أو الزوجية كذلك فلا مانع من الحلف فان مورده محرز بالوجدان و استدل بحديث حفص بن غياث و قد مرّ آنفا حيث يستفاد من الحديث جواز الشهادة مستندا الي اليد اقول قد عبر عن الحديث برواية جعفر و الحال ان الراوي هو الحفص لا جعفر و يمكن ان يكون مراده انه

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من ابواب كيفية الحكم و احكام الدعاوي الحديث 2.

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 522

صادر عن جعفر بن محمد عليهما السلام و الامر سهل.

ثم انه لا وجه للاستدلال بحديث حفص اذ الحديث المذكور ضعيف سندا مضافا الي ان المذكور في الحديث الاستناد الي اليد و الكلام في المقام في جواز الحلف مستندا الي الاصل لا الي الامارة و الّذي يختلج بالبال ان يقال انه قد ثبت في محله ان الاستصحاب يقوم مقام القطع الطريقي خصوصا اذا قلنا ان الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة فلا بأس بالشهادة أو الحلف علي نحو البت مستندا الي الاستصحاب الا ان يقوم دليل علي الخلاف كما لا يبعد قيامه علي عدم جواز الشهادة مستندا الي الاستصحاب.

ثم انه هل يكون مجرد نفي العلم بالتقدم كافيا في اسقاط الدعوي أم لا الظاهر هو الثاني فلا اثر علي مجرد نفي العلم فان نفي العلم لا يقتضي شيئا بالنسبة الي الواقع فلا بد من رد القسم علي المدعي فاذا حلف يثبت مدعاه فانقدح بما ذكرناه انه لا فرق بين كون البائع مختبرا للمبيع و عدمه اذ قلنا انه يمكنه الحلف مستندا الي الاستصحاب و علي كل تقدير لا اثر للحلف علي نفي العلم و يمكن ان الماتن بامره بالفهم بقوله فافهم يشير الي دقة المطلب و اللّه العالم.

«قوله قدس سره: فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده علي الموكل»

الخ الظاهر ان الامر كما افاده فان المالك هو الاصل و الوكيل وسيلة الطرفين و ربط بين الجانبين و ينتهي شأنه بتمامية العقد.

«قوله قدس سره: فيحلف الموكل علي عدم التقدم كما مرّ»

و قد مرّ الكلام حوله.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 523

«قوله قدس سره: و لا يقبل اقرار

الوكيل بقدمه لانه اجنبي»

و اقرار العقلاء علي انفسهم جائز لا علي غيرهم.

«قوله قدس سره: و اذا كان المشتري جاهلا بالوكالة»

ان المشتري لو ادعي علي الوكيل و الوكيل اعترف بقدم العيب لا يمكنه رد المبيع الي الموكل فانه بلا وجه و لا بدّ في اثباته من اقامة البينة فيكون للوكيل احلاف الموكل علي عدم السبق لدفع الظلامة عن نفسه فلو رد اليمين فحلف الوكيل يلزم الموكل و لو انكر الوكيل التقدم يحلف ليدفع عن نفسه و ليس للمشتري تحليف الموكل المقر بالوكالة اذ تحليفه للموكل اقرار بالوكالة فيسقط دعواه عن الوكيل و المفروض ان الواقعة واحدة و لا تعدد في الدعوي فليس له تحليف شخصين و بعبارة واضحة المشتري اما طرف في الدعوي مع الوكيل و اما طرف مع الموكل فلاحظ.

«قوله قدس سره: وجهان بناهما في القواعد علي كون اليمين»

الّذي يختلج بالبال في هذه العجالة ان اليمين المردودة لا يكون كالبينة و لا يكون كالاقرار لعدم الدليل عليه فلا بد من ان يعمل علي طبق القواعد المقررة مضافا الي ان المفروض ان الوكيل معترف بعدم السبق فكيف يجوز له ان يراجع الي الموكل اللهم الا ان يكون اعترافه مبنيا علي الاصل فانه من الظاهر انه لا مجال للاصل مع وجود الامارة.

«قوله قدس سره: الرابعة لورد سلعة بالعيب فانكر البائع انها سلعته قدم قول البائع»

اذ المشتري يدعي الخيار و البائع ينكره فالقول قوله بل الاصل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 524

يجري في السبب فان مقتضي الاصل عدم كون المردود سلعة البائع.

«قوله قدس سره: فاحتمل هنا في التذكرة و القواعد تقديم قول المشتري»

الظاهر انه لا وجه له فان الاعتراف بالخيار لا يقتضي ان يكون المردود عين

السلعة و مع الشك يكون مقتضي الاصل العدم كما ان اعمال الخيار لا يرتبط بكون المردود من سلعة البائع أو غيرها.

«قوله قدس سره: و الاصل عدمها»

لا اصل لهذا الاصل و الا يلزم الحكم بعدالة كل شخص مجهول الحال لاصالة عدم كونه خائنا في الحكم الشرعي و هل يمكن الالتزام به كلا ثم كلا مضافا الي انه يمكن ان يكون اقدامه مبنيا علي الغفلة و الاشتباه و كيف كان الميزان الكلي في باب الدعاوي ان القول قول من يكون قوله موافقا مع الاصل بخلاف المدعي.

«قوله قدس سره: الثاني سقوط حق الخيار»

هذا خلاف ظاهر المسألة فان البائع لا ينكر الخيار و لا يدعي سقوطه بل ينكر كون المردود سلعته و الاصل معه فالقول قوله.

«قوله قدس سره: قدم منكر العلم»

فانه مقتضي الاصل.

«قوله قدس سره: أقواهما الاول»

الّذي يختلج بالبال ان يفصل بان نقول اذا قلنا ان العيب اذا كان زائلا قبل العلم به فلا خيار من اوّل الامر لا انه كان ثابتا ثم زال فمقتضي الاصل عدم الخيار اذ لا ندري ان المشتري علم به في زمان وجوده و قبل زواله و الاصل عدم تحقق علمه به.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 525

و بعبارة واضحة موضوع الخيار علم المشتري بالعيب قبل زواله و مقتضي الاستصحاب عدم تعلق علمه به و اما ان قلنا بان الخيار ثابت بوجود العيب و انما يرتفع و يسقط بزواله قبل العلم به فاذا شك في البقاء معناه الشك في تحقق المسقط و الاصل عدم تحققه فلاحظ.

[الثاني الاختلاف في المسقط]

«قوله قدس سره: و لو اختلفا بعد حدوث عيب جديد و زوال احد العيبين في كون الزائل»

الخ.

فيدعي البائع ان الزائل العيب القديم فلا رد و لا

ارش و يدعي المشتري ان الزائل الجديد فله الخيار الظاهر ان القول قول المشتري اي يكون له الخيار اذ المفروض ان حدوث العيب قطعي و زواله مشكوك فيه و الاستصحاب يقتضي بقائه المقتضي للخيار و لا يعارضه استصحاب بقاء الحادث اذ اصالة بقاء الحادث لا يقتضي زوال القديم الا علي النحو المثبت الّذي لا نقول به ففي النظرة الاولي يتصور تمامية الامر و لا مجال للتعارض.

و لكن بحسب النظرة الثانية ان في المقام شبهة و هي ان الاستصحاب الجاري في بقاء الوجود المحمولي لا يثبت الوجود النعتي مثلا لو كان في يوم السبت مقدار كر من الماء في الحوض و في يوم الاحد يحتمل ان الموجود في الحوض هو الماء الموجود في السابق و يحتمل كونه غير ذلك الماء فاذا شك في كرية الماء الموجود بالفعل لا مجال لاستصحاب بقاء الكر لاثبات كرية الموجود الا علي نحو الاثبات و المقام كذلك لان استصحاب بقاء العيب السابق لا يثبت ان الموجود بالفعل هو الاعلي نحو الاثبات ان قلت لا اشكال في حدوث عيب سابق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 526

في العين و لا شك فيه و هو يوجب الخيار فأي مانع من اجراء الاستصحاب في الخيار فان الخيار كان موجودا و يشك في ارتفاعه و الاصل بقائه.

قلت اما علي القول بان العيب اذا زال قبل علم المشتري به فلا خيار يكون الامر ظاهرا اي لا مجال لاستصحاب الخيار فانه لا علم بوجوده كي يحكم ببقائه بالاستصحاب.

و أما علي القول بثبوت الخيار بالعيب و ارتفاعه بزوال العيب قبل العلم فيمكن القول ببقاء الخيار اذا شك في مسقطه بعد العلم بوجوده و الاصل يقتضي عدم تحقق

المسقط و بما ذكرنا ظهر فساد ما نسب الي الشافعي من ان الوظيفة التحالف اذ مقتضي ما ذكرنا ان القول قول المشتري و يلزم علي البائع اثبات سقوط الخيار هذا علي تقدير و علي تقدير آخر يكون القول قول البائع فعلي كلا التقديرين لا مجال للتحالف مضافا الي ان ما افيد في المقام من ان البائع يستفيد بحلفه عدم الرد و يستفيد المشتري بحلفه اخذ الارش كيف يمكن الالتزام به مع كونه مخالفا مع القطع الوجداني اذ العيب الموجود ان كان هو العيب الّذي كان في العين قديما فيجوز الرد و ان لم ين فلا يجوز الارش فما افاده باطل.

«قوله قدس سره: الثالثة لو كان عيب مشاهد غير المتفق عليه فادعي البائع حدوثه عند المشتري و المشتري سبقه»

الامر كما افاده الماتن من ان القول قول المشتري و هو بقاء الخيار و عدم سقوطه و لا مجال للمقايسة بين المقامين فان الدعوي في المقام الأول في اصل ثبوت الخيار و في المقام الثاني في سقوطه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 527

و القول قول البائع في الاول و قول المشتري في الثاني فان استصحاب عدم كونه سابقا و عدم تحققه لا يثبت حدوثه عند المشتري كي يسقط الخيار الا علي القول بالاثبات الّذي لا نقول به و بما ذكرنا ظهر ان ما افاده الماتن قدس سره في الفرع المذكور تام بتمامه و كما له فلاحظ.

«قوله قدس سره: الرابعة لو اختلف في البراءة قدم منكرها».

الامر كما افاده فان اثبات البراءة يحتاج الي الدليل و مقتضي الاصل عدمها فالقول قول منكرها.

«قوله قدس سره: و ربما يتراءي من مكاتبة جعفر بن عيسي «1» خلاف ذلك».

لاحظ ما رواه و

الحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالته.

«قوله قدس سره: ثم الحلف هنا علي نفي العلم بالبراءة لانه الموجب لسقوط الخيار».

و بعبارة اخري الذي يوجب سقوط الخيار علم المشتري بالبراءة و أما البراءة و عدمها فلا اثر لهما في الحكم.

«قوله قدس سره: حلف المشتري لاصالة عدم هذه الامور».

الامر كما افاده و الوجه مذكور في كلامه فلاحظ.

«قوله قدس سره: لاصالة بقاء الخيار».

الظاهر ان هذا هو الحق فان اصالة التأخر لا تثبت الحدوث عند

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 503.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 528

المشتري الا بالاصل المثبت الّذي لا نقول به فالقول قول من يدعي بقاء الخيار و بعبارة واضحة ان حدوث العيب عند المشتري المانع عن الاخذ بالخيار خلاف الاصل فالقول قول منكره.

«قوله قدس سره: فان كان الخيار باقيا فله انشائه».

الامر كما افاده اذ الخيار ان كان باقيا يكون لذيه الفسخ و لا مجال للاشكال فيه و البائع يلزم بترتيب الاثر علي فسخه فانه معترف ببقاء الخيار غاية الامر يدعي عدم صدور الفسخ من المشتري لكن يكون ملزما لان المفروض ان الفسخ صدر عن المشتري في الحال فالعقد منفسخ قطعا اما بالفسخ الاول كما يدعيه المشتري و اما بالفسخ الثاني كما يدعيه البائع فلا اشكال فيه.

«قوله قدس سره: و في الدروس انه يمكن جعل اقراره إنشاء».

هذا التقريب غير سديد فان الاقرار ليس إنشاء و لذا لو لم يصدر عنه الفسخ سابقا يكون العقد باقيا بحاله و ان شئت قلت الاقرار اخبار و الفسخ إنشاء فلا جامع بينهما نعم يمكن ترتيب الاثر عليه من باب قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به انما الكلام في سند هذه القاعدة و مدركها و

نقل عن المحقق العراقي الشيخ ضياء الدين قدس سره ان السلطنة علي شي ء تلازم السلطنة علي اثباته.

و الانصاف ان هذه الدعوي ليس تحتها شي ء و لا ترجع الي محصل فانه يرد عليه نقضا و حلا اما النقض فبان الامر لو كان كما يقول يلزم انه لو ادعي احد انه عادل يصدق في قوله اذ كل مكلف مسلط علي صيرورته عادلا و هل يمكن الالتزام به.

و أما الحل فبان أي دليل دل علي هذه الملازمة المدعاة و انها

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 529

عقلية أو شرعية او لا هذا و لا ذاك و هو الحق فلا بد في اثبات المدعي من التوسل بدليل آخر و الظاهر انه امر مرتكز عند العقلاء و سيرتهم جارية عليه و يؤيد المدعي بل يدل عليه التسالم عليه بين الاصحاب كما يشاهد في كلماتهم مضافا الي دعوي الاجماع.

و يؤيد المدعي أيضا ما رواه الكاهلي قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام كان لعمي غلام فابق فاتي الانبار فخرج إليه عمّي ثم رجع فقلت له ما صنعت يا عمّ في غلامك قال بعته فمكث ما شاء اللّه ثم ان عمّي مات فجاء الغلام فقال انا غلام عمك و قد ترك عمّي اولادا صغارا و انا وصيهم فقلت ان عمّي ذكر انه باعك فقال ان عمّك كان لك مضارّا و كره ان يقول لك فتشمت به و انا و اللّه غلام بنيه فقال صدّق عمك و كذب الغلام فأخرجه و لا تقبله «1».

و انما عبرنا بالتأييد لان الكاهلي لم يوثق صريحا نعم ورد في حقه قول المعصوم عليه السلام مخاطبا الي الطرف اضمن لي الكاهلي اضمن لك الجنة فان هذه العبارة

تشعر الي جلالة قدر الرجل عنده و لكن الانصاف ان هذه الجملة لا تدل علي توثيق الرجل اذ يمكن ان تكون توصية الامام بالنسبة إليه من باب كونه وجودا نافعا للدين و مروجا للولاية فلاحظ.

ان قلت: لا اشكال في اعتبار قاعدة اقرار العقلاء علي انفسهم جائز أو نافذ و هذا من مصاديقه و بعبارة اخري اقرار المالك بشي ء من مصاديق اقرار العقلاء.

قلت: اقرار العقلاء علي انفسهم يختص بموارد تكون ضررا علي المقر و لكن هذه القاعدة لا يختص بهذا القسم و بعبارة واضحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من ابواب بيع الحيوان.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 530

مورد قاعدة من ملك اعم من مورد القاعدة فلاحظ و لا تغفل.

«قوله قدس سره: افتقر مدعيه الي البينة».

الامر كما افاده فان اعتبار القاعدة يختص بمورد يكون المقر مالكا للمقر به و اما بعد انتهاء زمانه و انقضاء السلطنة فلا دليل علي الاعتبار و ان شئت قلت ليس علي اعتبار القاعدة اطلاق أو عموم كي يؤخذ به فلا بد من الاقتصار علي القدر المعلوم.

«قوله قدس سره: و مع عدمها حلف الاخر».

هو مقتضي قاعدة اليمين علي من انكر.

«قوله قدس سره: ثم اذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الارش»

الخ تارة المشتري لا يطالب الارش و اخري يطالب اما علي الاول فلا يمكنه اخذ شي ء اذ الارش انما يتحقق و يجب دفعه عند المطالبة لا مطلقا و اما علي الثاني فربما يقال بانه يستحق الارش كي لا يحرم عن كلا الحقين و عن الشهيد في الدروس انه يحتمل ان يأخذ اقل الامرين من الارش و ما زاد علي القيمة من الثمن ان اتفق لانه بزعمه يستحق الثمن ورد القيمة

فيقع التقاص في القيمة و يبقي قدر الارش مستحقا علي التقديرين.

و ما افاده متين لكن حق العبارة ان يقال و يبقي اقل الامرين مستحقا علي التقديرين و في المقام شبهة و هي ان التقاص متحقق في مورد التعدي و اما اذا كان مع العذر فلا دليل عليه الا ان يقال ان السيرة جارية علي هذا المنوال في امثال المقام و لم تردع عنها.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 531

«قوله قدس سره: وجهان».

ربما يقال ان القول قول مدعي الفسخ لاصالة الصحة فانها تقتضي صحة الفسخ و يرد عليه ان اصالة الصحة انما تجري فيما يكون الاهلية محرزة و المفروض انه يحتمل صدور الفسخ عن المشتري بعد انقضاء زمان الاهلية مضافا الي ان جريان اصالة الصحة في باب المرافعات و المنازعات محل الاشكال.

هذا علي تقدير كون المراد بالاصل حمل فعل الغير علي الصحة و ان كان المراد الاخذ بعموم دليل ان ذا الخيار له ان يفسخ فيرد عليه ان التمسك بالعام غير جائز في الشبهة المصداقية و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر و هو ان استصحاب بقاء الخيار الي حين الفسخ يقتضي الانفساخ ان قلت ان الاصل المذكور لا يترتب عليه وقوع الفسخ قبل الانقضاء الا علي القول بالمثبت الذي لا نقول به قلت يكفي لصحة الفسخ بقاء الخيار الي زمانه و هذا يتحقق من تركيب الوجدان مع الاصل.

لكن يرد علي التقريب المذكور ان الاصل المشار إليه معارض بمثله و هو استصحاب عدم الفسخ في زمان انقضاء الخيار و لا يلزم اثبات كون الفسخ بعد الانقضاء كي يقال انه مثبت فانه يكفي احراز عدم الفسخ في الظرف القابل للتأثير و بعد تعارض الاصلين تصل النوبة

الي استصحاب بقاء الملكية فان الاصل الجاري في الحكم لا يجري ما دام يجري الاصل في الموضوع.

و أما مع عدم جريانه في الموضوع فلا مانع عن جريان الاصل الحكمي. ان قلت: ما وجه عدم تعارض الاصل المعارض الجاري في الطرف الاخر مع الاصل الموضوعي و الحكمي في زمان واحد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 532

قلت: الاصل الجاري في الطرف الاخر غير جار قطعا اعم من ان يكون الاصل الحكمي يجري أم لا و معه لا مجال للمعارضة مضافا الي ان الاصل الحكمي لا مجري له مع الاصل الموضوعي فما دام الاصل الموضوعي يكون جاريا لا مجال للاصل الحكمي و بعد سقوطه بالمعارضة لا موضوع للتعارض فلاحظ.

«قوله قدس سره: لا يثبت وقوع الفسخ في اوّل الزمان».

فانه من اظهر انحاء المثبت فالقول قول منكر تأثير الفسخ بالتقريب المتقدم لعين الملاك.

«قوله قدس سره: و هذه المسألة نظير ما لو ادعي الزوج الرجوع»

الظاهر انه ناظر الي نظير هذه المسألة لا انه ناظر الي خصوص الفرض الثاني.

«قوله قدس سره: الثالثة لو ادعي المشتري الجهل بالخيار او بفوريته بناء علي فوريته سمع قوله»

لان قوله موافق مع الاصل فان مقتضاه عدم العلم الا في فرض الوثوق بكذبه فما افاده قدس سره في الفرع المذكور تام فلاحظ.

«قوله قدس سره: و اما العيب فالظاهر من اللغة و العرف انه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه و بين الكمال».

و قال الطريحي و هو كلما يزيد أو ينقص علي مجري الطبيعي كزيادة اصبع و نقصانه و لا يبعد ان يقال ان العيب عبارة عن شي ء يكون موجبا لنقصان القيمة و لذا في خيار العيب اذا تعذر الرد تصل النوبة الي الارش فالعيب عبارة عما

يوجب النقص في القيمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 533

و هو الميزان و لذا نري ان الغلفة تعد عيبا مع انها مقتضي الطبيعة الاولية.

و نري أيضا ان الخصاء كمال في بعض الحيوانات و في بعض الاناسي مع انه نقص عن الطبيعة الاولية و صفوة القول ان المتبادر من العيب ما يوجب النقص في قيمة المعيوب.

و اما حديث السياري قال: روي عن ابن ابي ليلي انه قدّم إليه رجل خصما له فقال ان هذا باعني هذه الجارية فلم اجد علي ركبها حين كشفتها شعرا و زعمت انه لم يكن لها قط قال فقال له ابن أبي ليلي ان الناس يحتالون لهذا بالحيل حتي يذهبوا به فما الذي كرهت قال ايها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به قال اصبر حتي اخرج أليك فانّي اجد اذي في بطني ثم دخل و خرج من باب آخر فأتي محمد بن مسلم الثقفي فقال له أيّ شي ء تروون عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة لا يكون علي ركبها شعر أ يكون ذلك عيبا فقال محمد بن مسلم اما هذا نصا فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلي اللّه عليه و آله انه قال كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب فقال له ابن ابي ليلي حسبك ثم رجع الي القوم فقضي لهم بالعيب «1».

الدال بإطلاقه علي كون كلما نقص او زاد بالنسبة الي الخلقة الاصلية عيب فلا اعتبار به سندا.

«قوله قدس سره: و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب هو النقص المالي».

قد ظهر مما تقدم ان هذا هو الحق.

______________________________

(1) الوسائل

الباب 1 من ابواب احكام العيوب.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 534

«قوله قدس سره: فتأمل».

لعله يشير بالامر بالتأمل الي ان المانع للرد انما يمنع فيما يكون الارش ثابتا و اما مع عدم الارش كما هو المفروض فلا مانع من الرد فلا فرق بين خيار العيب و خيار الشرط.

قوله قدس سره: و في صورة حصول هذا النقص قبل القبض أو في مدة الخيار.

أي تظهر الثمرة في حدوث العيب و هو النقص في زمان الخيار أو قبل القبض فعلي الاول يوجب الخيار و اما علي الثاني فلا يوجب.

«قوله قدس سره: و للنظر في كلا شقي الثمرة مجال».

الظاهر ان المراد بكلا الشقين الثمرة الثانية المذكورة في كلامه من ضمان النقص قبل القبض و في مدة الخيار و لا يكون المراد منهما الثمرتين المذكورتين فانه قدس سره اشار الي الاول بقوله فتأمل فلا تغفل و الظاهر ان وجه النظر عدم الفرق فان كلام الاصحاب و ان كان واردا في العيب لكن ملاك الحكم واحد فلا فرق بين كون الخيار ناشيا و مسببا عن العيب و ان يكون مسببا عن الاشتراك و تحقيق الحال موكول الي بحثي احكام الخيار و القبض فانتظر.

«قوله قدس سره: بما في مرسلة السياري»

قد مرت الاشارة الي الرواية و قلنا انها ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة مضمونها.

«قوله قدس سره: فلا يظهر من الرواية»

و الحاصل ان المستفاد من الحديث جواز الرد و لكن لا يستفاد منه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 535

ان الرد من باب خيار العيب كي يترتب عليه جميع احكامه و لا فرق بين خياري العيب و الشرط في أصل جواز الرد و يرد عليه انه خلاف الظاهر من

الحديث ان لم يكن خلاف صريحه و لعله الي هذا يشير بقوله فتأمل.

«قوله قدس سره: فافهم».

لعله قدس سره يشير بامره بالفهم الي ان الحديث و لو كان ضعيفا لكن منجبر ضعفه بالشهرة و يرد عليه انا قد ذكرنا مرارا ان الخبر الضعيف لا ينجبر بالشهرة كما ان المعتبر من الخبر لا يسقط عن الاعتبار باعراض المشهور عنه فلاحظ.

«قوله قدس سره:

القول في الارش»
يقع الكلام في الارش في جهات
الجهة الأولي في تعريفه

كما تعرض الشيخ لهذه الجهة في اوّل البحث و قال و هو لغة كما في الصحاح و عن المصباح دية الجراحات.

و قال في مجمع البحرين ارش الجناية ديتها و الجمع اروش مثل فلس و فلوس قال في المصباح و اصله الفساد من قولهم ارشت بين القوم تأريشا اي افسدت ثم استعمل في نقصان الاعيان لانه فساد فيها و الارش ما يأخذه المشتري من البائع اذا اطلع علي عيب في المبيع و منها اروش الجنايات لانها جابرة للنقص.

و قال الشهيدي في شرحه علي المتن الّذي يقضيه التدبر في موارد استعمالاته ان له معني واحدا و هو المال الّذي يجبر به نقص مضمون في ماله أو بدن حصل من فوات وصف مضمون في مال أو بدن حصل من فوات وصف الصحة فيه و هو الظاهر من عبارة النهاية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 536

الاثيرية فالارش عوض وصف الصحة الفائت عن العين مالا كان أو بدنا فلفظ الارش اسم له كما ان اجرة المثل اسم لعوض المنفعة الفائتة و القيمة اسم للعين الفائتة كلا أو بعضا و الكل مشترك في أنه عوض التألف المضمون و لكن التالف ان كان عينا فاسمه القيمة و ان كان منفعة فاسمه اجرة المثل و ان كان وصف الصحة فاسمه الارش

الخ.

الجهة الثانية ان الارش الّذي يبحث عنه في المقام هل يكون علي طبق القاعدة أم لا

الظاهر هو الثاني اذ الثمن لا يقع في مقابل وصف الصحة و عليه لا وجه للارش.

ان قلت: هذه الامور راجعة الي العقلاء الا في مورد يثبت من الشرع شي ء علي خلاف سيرتهم فلا بد من ملاحظة السيرة العقلائية قلت:

الظاهر ان مقتضي الارتكاز العقلائي اشتراط الفسخ عند ظهور العيب في العين و أما الارش فلا و لو فرض الشك في هذه الجهة يحكم بالعدم بمقتضي الاصل نعم يمكن و يجوز المصالحة علي الارش و هذا خارج عن محل البحث.

الجهة الثالثة في ان ضمان الارش ضمان يد أو ضمان معاوضة أو ضمان التزام أو ضمان تعبدي

فاقول لا اشكال في عدم كونه من باب ضمان اليد فان كل من العوضين في يد مالكه و لا مقتضي لضمان اليد كما انه ليس ضمان المعاوضة اذ لا معاوضة بين الارش و وصف الصحة.

و أيضا ليس هذا الضمان مسببا عن الالتزام فانه ربما يكون الطرف جاهلا بالعيب أو غافلا و لذا لا يتحقق الضمان بلا مطالبة من له الحق بل هذا الضمان ضمان تعبدي ثابت بحكم الشارع الاقدس.

الجهة الرابعة في انه هل يلزم ان يكون الارش من عين الثمن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 537

أم لا فنقول حيث ان ثبوت الارش بالتعبد الشرعي فلا بد من ملاحظة نصوص الباب و استفادة الحكم منها.

و من النصوص الدالة علي الارش ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ايّما رجل اشتري شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الي ملاحظة دلالتها.

و منها ما رواه ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قال علي عليه السلام لا ترد التي ليست بحبلي اذا وطأها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها «2» و هذه الرواية واردة في الامة المعيوبة و يستفاد منها بحسب الظهور العرفي ان الموضوع من عين الثمن و لا وجه لرفع اليد عن الظهور مضافا الي عدم شمول الحديث للمقام.

الا ان يقال ان العرف يفهم الاتحاد و لا يخفي ان المستفاد من هذه الرواية

ان الارش ثابت و لو مع عدم مطالبة المشتري.

و بعبارة واضحة ان المستفاد من الحديث بحسب الفهم العرفي انه مع الوطي يرجع من الثمن بمقدار ما به التفاوت الي المشتري فلاحظ.

و منها ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب الخيار الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 4 من ابواب احكام العيوب الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 538

قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشتري جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع علي المبتاع فضل ما بين الصحة و الداء «1».

و هذه الرواية تدل علي رد ما به التفاوت علي الاطلاق و المطلق يحمل علي المقيد و يستفاد من الحديث انه يرد عليه و لو مع عدم المطالبة بل يمكن ان يقال انه يستفاد من الحديث وجوب الرد من عين الثمن فان مفهوم الرد متقوم بكون المردود من عين المأخوذ.

و منها ما رواه منصور ابن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري جارية فوقع عليها قال ان وجد بها عيبا فليس له ان يردها و لكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب قال قلت هذا قول علي عليه السلام قال نعم «2» و هذه الرواية تدل علي ارجاع الارش من عين الثمن.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام انه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها ثم يجد بها عيبا بعد ذلك قال لا يردها علي صاحبها و لكن تقوم ما بين العيب و الصحة فيرد علي المبتاع معاذ اللّه ان يجعل لها اجرا «3»

و هذه الرواية تدل علي وجوب الرد من نفس الثمن.

و منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان علي بن الحسين عليه السلام لا يرد التي ليست بحبلي اذا وطأها و كان يضع

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الخيار الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 539

له من ثمنها بقدر عيبها «1» و هذه الرواية تدل بالصراحة علي ان الرد لا بدّ من كونه من عين الثمن.

و منها ما رواه عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ايّما رجل اشتري جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردها ورد البائع عليه قيمة العيب «2» و هذه الرواية تدل علي وجوب رد ما به التفاوت بلا تقييده بكونه من الثمن لكن قلنا ان الرد متقوم بكون المردود من المأخوذ.

و منها ما رواه حماد بن عيسي قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول قال علي بن الحسين عليه السلام كان القضاء الاول في الرجل اذا اشتري الامة فوطأها ثم ظهر علي عيب ان البيع لازم و له ارش العيب «3» و هذه الرواية تدل علي وجوب الارش علي الاطلاق.

و منها ما رواه محمد بن ميسر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال كان علي عليه السلام لا يرد الجارية بعيب اذا وطئت و لكن يرجع بقيمة العيب، و كان علي عليه السلام يقول معاذ اللّه ان اجعل لها اجرا «4» و المستفاد من الحديث وجوب الرجوع من عين الثمن فان قوام الرجوع به.

و منها ما رواه رفاعة النخاس قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت

ساومت رجلا بجارية فباعنيها الي ان قال قلت أ رأيت ان وجدت

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من من أبواب الخيار الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) نفس المصدر الحديث 7.

(4) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 540

بها عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك ان تردها و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب «1».

و هذه الرواية تدل علي وجوب دفع ما به التفاوت و هذه النصوص موردها الامة و لا وجه للتعدي اذ لا اطلاق فيها كي يؤخذ به اللهم الا ان يقال ان العرف يفهم منها عدم الفرق بين الموارد و قلنا لا بدّ من حمل مطلقها علي مقيدها و النتيجة وجوب الرد من نفس الثمن.

و بعبارة واضحة مقتضي الجمع بين هذه النصوص وجوب الرد من عين الثمن هذا من ناحية و من ناحية اخري ان العرف يفهم من مجموع هذه النصوص ان الحكم المذكور حكم العيب في المبيع و ليس مختصا بخصوص مورد كون المبيع الامة فيجب الرد بهذه الخصوصية الا ان يقوم دليل معتبر علي الخلاف.

و صفوة القول ان ما افاده الشيخ قدس سره من البناء علي عدم وجوب كون الارش من نفس الثمن و حمل النصوص علي بعض المحامل المذكور في كلامه خلاف المقرر من لزوم العمل بالظهور و عدم جواز رفع اليد عنه بلا دليل و أيضا المستفاد من النصوص كما قلنا رجوع ما به التفاوت الي المشتري و لو مع عدم مطالبته.

و بعبارة واضحة يمكن ان يقال ان المستفاد من النصوص ان العيب في الرتبة الاولي يقتضي الخيار و بعد سقوط الرد بالوطي أو بغيره تصل النوبة الي الارش و هو عبارة

عن جزء من الثمن و يرجع ذلك المقدار الي المشتري و هذا حكم شرعي تعبدي مجعول من قبل الشارع الاقدس فلا مجال لان يقال يلزم ان يكون البيع بالنسبة الي

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب احكام العيوب الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 541

هذا المقدار باطلا لوقوع مقدار الثمن في مقابل وصف الصحة فان الحكم بالارش حكم تعبدي مترتب علي العيب و لا يكون الارش ثابتا في الذمة بل الارش كما تقدم منا جزء من الثمن يرجع الي المشتري بحكم الشارع الاقدس فليكن هذا بذكرك ينفعك فيما يأتي فانتظر..

«قوله قدس سره: ثم علي المختار من عدم تعينه من عين الثمن»

الخ قد ظهر مما ذكرنا تعينه من الثمن بل قلنا المستفاد من النصوص ان الارش ليس غرامة مالية بحيث يكون مجرد وجوب اداء المقدار و أيضا ليس الارش امرا ثابتا في الذمة بل الارش جزء من الثمن نعم لو قلنا بمقالة الماتن يكون ما افاده تاما لما ذكره من الوجه.

«قوله قدس سره: و لم يجز منهما»

الخ لم يظهر لي وجه عدم جواز الاخذ منهما فان المفروض تحقق شرط بيع الصرف و هو التقابض في المجلس قبل التفرق و هذا تغريم عارض و لا يكون موجبا لاختلال شرط الصحة و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه.

«قوله قدس سره: و انما هو حق لو اعمله»

قد ظهر مما ذكرنا ان الارش جزء من الثمن يرجع الي المشتري بلا مطالبته.

«قوله قدس سره: بطل بيعه»

يرد عليه انا ذكرنا سابقا انه لا دليل علي اشتراط المالية في المبيع فلا مجال لاثبات المدعي بهذا التقريب نعم يمكن اثباته

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 542

بتقريب آخر و هو ان

المستفاد من نصوص الارش هو رد مقدار من الثمن اي بالمقدار الّذي نقصه العيب علي حسب المتعارف فان النقصان انما يعلم بتقويم اهل الخبرة و من الواضح انه لا يتحقق ذلك الا في الاشياء التي هي اموال في نظر العقلاء و بهذا التقريب يتم المدعي فلا يتصور مورد يكون الارش مستوعبا لتمام الثمن و ان شئت قلت انه غير معقول.

«قوله قدس سره:

مسألة يعرف الارش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب»

اذا كانت القيمة معلومة فالامر ظاهر و لا احتياج الي التوسل بالمقوم فانه تحصيل للحاصل.

«قوله قدس سره: و هذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة»

قد ذكرنا في موارد عديدة من ابواب الفقه انه لا يعتبر في الشاهد في الموضوعات الا كونه ثقة و لا دليل علي ازيد من هذا المقدار و الوجه فيه ان السيرة قائمة علي العمل بخبر الثقة الواحد و لم يردع عنها الشارع الاقدس نعم يلزم في الشهادة الاخبار عن الحسن.

«قوله قدس سره: و هذا يحتاج الي الصفات السابقة»

اي الصفات التي ذكرها للشاهد و لكن الحق عدم اعتبار شي ء فيه الا الامانة و الوثوق بعدم خيانته فان السيرة جارية علي العمل بقول اهل الخبرة و بعبارة واضحة مقتضي السيرة العقلائية رجوع الجاهل الي العالم في جميع الموارد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 543

«قوله قدس سره: و قد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر»

هذا داخل في القسم الأول غاية الامر الشاهد في القسم الأول يشهد بمقدار القيمة و هذا يشهد بالخصوصية و يخبر عن القيمة ثانيا و مترتبا علي الخصوصية المخبر بها.

«قوله قدس سره: لكن الاظهر عدم التفرقة بين الاقسام»

الامر كما افاده فانه لا فرق بين الاقسام كما ذكرنا نعم قد

ثبت بالدليل لزوم كون الشاهد عند الحاكم في المرافعات عادلا متعددا و هذا حكم خاص لذلك المقام و صفوة القول انه لا فرق بين الاقسام لا من هذه الجهة و لا من حيث بحث المعارضة بين المقومين فانه لو وقع التعارض بين فردين من قسم من الاقسام أو وقع التعارض بين قسم مع قسم آخر يسقط كل واحد من المتعارضين اذ الاخذ بكل واحد غير معقول و ترجيح احد الجانبين علي الجانب الاخر بلا مرجح فالنتيجة هو التساقط و هذا ظاهر واضح.

«قوله قدس سره: و ان احتمل في غير الاول الاكتفاء»

قد ظهر مما ذكرنا عدم الفرق بين الاقسام في الاكتفاء بالواحد لا من باب لزوم الحرج بل من باب قيام الدليل علي الاكتفاء و هي السيرة العقلائية فانقدح بما ذكرنا ان الوجه في الاكتفاء لا يكون من باب حجية الظن كما انه لا يكون من باب رفع الحرج.

«قوله قدس سره: و يحتمل ضعيفا الاخذ بالاكثر»

هذا الوجه ضعيف كما افاده الماتن اذ مع الشك لا بدّ من الاقتصار علي المقدار المعلوم و ان شئت قلت الثمن مملوك للبائع و خروج

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 544

مقدار منه عن ملكه و دخوله في ملك المشتري بالتعبد الشرعي دائر بين الاقل و الاكثر و الاقل معلوم و قطعي و الاكثر مشكوك فيه فيدفع بالاصل فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسئلة لو تعارض المقومون فيحتمل تقديم بينة الاقل»
اشارة

الماتن فرض طرح الدعوي عند الحاكم و تردد في الحكم بين امور و نحن نذكر كل واحد من الوجوه المذكورة في كلامه مع ملاحظة دليله و اخذ النتيجة بحسب ما يختلج بالبال.

الوجه الأول تقديم بينة الاقل للاصل

اقول مقتضي القاعدة في باب المرافعات عند الحاكم ان البينة علي المدعي و اليمين علي من انكر و لكن لو فرض انه قامت بينة في قبال بينة المدعي و عارضتها تسقط كلتا البينتين بالتعارض و تصل النوبة الي حلف المنكر ففي المقام يكون القول قول مدعي الاقل فان قوله موافق مع الاصل و يمكنه ان يحلف علي عدم الاكثر لاطلاعه علي واقع الامر بل يكفي لاثبات دعواه الحلف علي عدم علمه بالحال.

الوجه الثاني تقديم بينة الاكثر لانها مثبتة

و يرد عليه انه لا فرق بين البينتين فكما ان بينة الاكثر مثبتة له كذلك بينة الاقل تثبت الاقل فلا فرق بين الامرين و بتقريب واضح انه تارة تكون بينة الاكثر تثبت الاكثر و بينة الاقل لا تنفي مفاد الاخري فيمكن ان يقال ان بينة الاكثر لا معارض لها و اما مع فرض المعارضة فلا مجال للتقديم.

و بعبارة اخري المفروض تحقق التعارض بين الامرين و النتيجة التساقط و وصول النوبة الي حلف منكر الاكثر.

الوجه الثالث القرعة

بتقريب انها لكل امر مشتبه و يرد عليه ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 545

الوظيفة قد عينت من قبل الشارع في باب المرافعات فلا تصل النوبة الي التوسل بالقرعة

و بعبارة واضحة ان القرعة تختص بمورد التحير و سد باب انكشاف الواقع و المفروض ان الشارع الاقدس جعل قانونا في باب المرافعات فلا تصل النوبة الي الاخذ بالقرعة مضافا الي انا ذكرنا في محله انه لا دليل علي مجعولية القرعة و جريانها في جميع الموارد و انما تجري في جملة منها ليس ما نحن فيه منها.

الوجه الرابع الرجوع الي الصلح لتثبت كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية

و المورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع و يرد عليه انه لا اشكال في جواز الصلح و اتمام الامر به لكن الاشكال في عدم انحصار الطريق فيه و لا وجه لاجبار المترافعين عليه و من ناحية اخري يمكن لكل واحد منهما الحلف علي الواقع لامكان علمهما به مضافا الي انه يكفي للحكم بالاقل عدم العلم بالواقع فان الاصل يقتضي نفي الاكثر.

الوجه الخامس تخيير الحاكم لامتناع الجمع و فقد المرجح

و يرد عليه انه لا وجه لتخيير الحاكم مع كون الحكم بالاقل موافقا للقاعدة كما تقدم منا بل لا مقتضي لتخيير الحاكم نعم ربما يقال به في تعارض الحديثين في باب الاحكام و اما في تعارض الدليلين في الموضوعات فلا مقتضي له.

الوجه السادس الجمع بين الدليلين بان يعمل علي طبق كل واحد منهما في الجملة

فاذا قوم احدهما العين بعشرة دنانير و الاخر بثمانية نأخذ بكليهما و نحكم بخمسة دنانير في نصف العين و بأربعة دنانير في النصف الاخر بتقريب ان كل واحد من الدليلين حجة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 546

شرعية يلزم العمل به و المفروض انه لا يمكن العمل في تمام مدلوليهما فيؤخذ بكليهما بالنحو المذكور فان الجمع بين الدليلين و العمل بهما و لو في بعض المدلول اولي من الطرح.

و يرد عليه أولا ان التقريب المذكور علي فرض تماميته انما يجري فيما لا تكون الوظيفة معلومة و اما علي تقدير احراز الوظيفة كما بينا فلا تصل النوبة إليه كما هو ظاهر و ثانيا ان التعارض اوجب سقوط الدليلين و هو بعينه موجود بالنسبة الي النصف فاذا كان التعارض موجبا للسقوط كما هو كذلك لا فرق بين افراده و اشخاصه و حكم الامثال واحد و ثالثا ان هذا النحو من الجمع طرح لكلا الدليلين و ترك العمل بهما معا فلاحظ.

«قوله قدس سره: و لذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة الحكم بالتنصيف فيما تعارضت البنيتان في دار في يد رجلين يدعيهما كل واحد منهما»

القياس مع الفارق و لا جامع بين مقامنا و ذلك المقام فان المفروض هناك تحقق يديهما علي الدار و اليد أمارة الملكية فالحكم بالتنصيف هناك امر علي مقتضي قاعدة اليد.

و أما في المقام فليس الامر كذلك كما هو ظاهر

و اما الاستدلال بقاعدة العدل و الانصاف المقتضية للتنصيف فأيضا غير تام فان تلك القاعدة و ان كانت تامه في موردها بمقتضي السيرة العقلائية و قد وردت رواية في باب الودعي دالة عليها و هي ما رواه السكوني عن الصادق عن ابيه عليهما السلام في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال يعطي صاحب الدينارين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 547

دينارا و يقسم الاخر بينهما نصفين «1».

لكن لا ترتبط تلك القاعدة بما نحن فيه اذ تلك القاعدة موردها دوران الامر في مال بين شخصين أو اشخاص و في المقام الامر دائر بين الاقل و الاكثر بالنسبة الي حق شخص واحد و مقتضي الاصل عدم الاكثر و ان شئت قلت الوظيفة الشرعية المقررة في المقام معلومة و لا تصل النوبة الي التوسل الي تلك القاعدة مضافا الي انها غير مربوطة بالمقام فلاحظ و الرواية المشار إليها ضعيفة سندا بضعف اسناد الصدوق الي السكوني بالنوفلي الواقع فيه.

«قوله قدس سره: و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل»

بل من هذا القبيل فانه يتساقط المتعارضان و تصل النوبة الي الاصل العملي و مقتضاه نفي الاكثر.

«قوله قدس سره: لا يوجب سقوطها بالمرة»

بل يوجب و الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية و بعبارة واضحة انهما متعارضان في كل جزء من العين و مقتضي القاعدة سقوطهما و وصول الامر الي الاخذ بالاصل العملي و مقتضاه نفي الاكثر.

«قوله قدس سره: بخلاف مقام احقاق حقوق الناس»

احقاق حقوق الناس يرجع الي احقاق حقوقه تعالي و لولاه لا يلزم الاحقاق فان وجوب الاحقاق من باب دفع الضرر المحتمل أو جلب المنافع الاخروية و هذا يرجع الي حقوقه تعالي و تقدس فلاحظ

و تأمل تصدق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب للصلح الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 3، ص: 548

«قوله قدس سره: ثم ان المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينهما»

هذا علي تقدير الالتزام بالجمع و الطريق المذكور هو المعروف عند القوم و يتضح المدعي في ضمن مثال مثلا لو قوم احد المقومين الصحيح به 15 دينارا و المعيب به 10 و الثاني قوم الصحيح به 20 و المعيب به 15 و الثالث قوم الصحيح به 25 و المعيب به 20 فنجمع اعداد الصحيح في ناحية يكون المجموع 60 و أيضا نجمع اعداد المعيب في ناحية اخري يكون المجموع 45 و التفاوت بينهما بالربع 15 و بهذه النسبة نأخذ من الثمن.

«قوله قدس سره: و يحتمل الجمع بطريق آخر و هو ان يرجع»

لا وجه لتطويل البحث في هذا المقام اذ قد ذكرنا انه مع التعارض يتساقطان و لا وجه للجمع بين الدليلين بالنحو المشهور أو بما ذكره الشهيد قدس سره.

الجزء الرابع

[تتمة الخيارات]

[تتمة أقسام الخيار]

[تتمة السابع في خيار العيب]
[القول في الشروط التي يقع عليها العقد و شروط صحتها و ما يترتب علي صحيحها و فاسدها]
[الشرط يطلق في العرف علي المعنيين]
[أحدهما المعني الحدثي]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ «قوله قدس سره: و في القاموس انه الزام الشي ء و التزامه في البيع و غيره و ظاهره كون استعماله في الالزام الابتدائي مجازا.»

لا يخفي ان مجرد الشك يكفي في عدم مجال للالتزام بكونه حقيقة في الاعم و بعبارة اخري مع الشك لا يمكن الاخذ بدليل «المؤمنون عند شروطهم» اذ لا يجوز الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية و استعمال الشرط في هذه الموارد التي ذكرها الشيخ لا يدل علي مدعاه فان الاستعمال أعم من الحقيقة.

مضافا الي النقاش في اسناد هذه الروايات أو بعضها و يضاف الي ذلك انه لا يتصور معني الشرط في قوله عليه السلام «الشرط في الحيوان» الخ، فان خيار الحيوان و

خيار المجلس بحكم الشارع الاقدس لا بالتزام المتعاقدين.

بل لنا أن ندعي قيام الدليل علي كون استعماله في الالتزام الابتدائي مجازا فان المتبادر من الشرط الالتزام المعلق و أيضا صحة السلب علامة المجاز مثلا لو وعد زيد لصديقه أن يزوره بالليل هل يصدق علي وعده عنوان الشرط.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 4

و لكن اذا قال زيد لابنه ان صمت غدا اشتري لك سيارة يصح أن يقال ان زيدا اشترط في بيع السيارة لابنه و شرطه صوم الابن فلاحظ، و العرف ببابك و صفوة القول انه لا مجال للاستدلال علي العموم بالاستعمالات المذكورة في كلامه.

[الثاني ما يلزم من عدمه العدم]

«قوله قدس سره: الثاني ما يلزم من عدمه العدم من دون ملاحظة انه يلزم من وجوده الوجود أو لا»

افاد قدس سره ان لفظ الشرط له أربعة معان اثنان منها لغويان و اثنان منها اصطلاحيان و المعني الاول من الاولين معني حدثي و يشتق منه المشتقات كالشارط و المشروط.

و الثاني منهما معني جامد و المراد منه ما يلزم من عدمه العدم بلا تعرض لتحقق الوجود عند وجوده و الاشتقاق منه ليس علي الاصل و القاعدة و لذا لا يكون الشارط و المشروط متضايفين فان المراد من الشارط الجاعل و من المشروط ما علق علي الشرط.

و الثالث اصطلاح النحاة حيث يطلقون الشرط علي الجملة التي تقع تلو اداة الشرط.

و الرابع اصطلاح الفلاسفة حيث يطلقونه علي ما يترتب علي عدمه عدم المعلول و عدم ترتب وجود المعلول علي وجوده فالمعني الرابع أخص من الثاني.

و قال سيدنا الاستاد قدس سره علي ما في تقرير درسه الشريف ان الشرط مستعمل في جميع الموارد بمعني الارتباط و ليس له معني عرفي و معني اصطلاحي بل

في جميع الموارد عبارة عن الاناطة و هذه الاناطة قد تكون أمرا تكوينيا كالشروط التكوينية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 5

كاناطة المعلول بعلته و قد تكون مجعولا شرعيا كالشروط المجعولة في العقود و منها شروط الصلاة و بقية العبادات.

و هذا التوقف أيضا عقلي غاية الامر المنشأ قد يكون عقليا و اخري يكون شرعيا و جعليا نعم في المعاملات الشروط جعلية محضة و هي الربط و هذا الارتباط جعلي و بعبارة اخري ان الشرط قد يكون أمرا تكوينيا و قد يكون أمرا شرعيا و قد يكون جعليا محضا «1» هذا ملخص ما افيد في المقام.

و يرد عليه أولا ان ما أورده علي الشيخ غير وارد عليه اذ لا اشكال في أن لفظ الشرط ربما يراد به المصدر و يشتق منه الشارط و المشروط و المشروط له و المشروط عليه الي بقية المشتقات منه.

و بعبارة اخري الشرط بالمعني المصدري كالضرب و النصر و يرادفها في الفارسي «شرط نمودن» و لا يراد منه بهذا الاعتبار مفهوم الارتباط و الاناطة و ربما يراد من لفظ الشرط المعني الجامد أي الشي ء الّذي يكون دخيلا في تحقق أمر نعم لا اشكال في أن الانسان ينتقل من مفهوم الشرط الي الارتباط.

و بعبارة اخري ينتزع الاناطة و الارتباط من لفظ الشرط فانقدح بما ذكرنا ان ما أفاده الشيخ من تعدد المعني للشرط تام و ما أورده عليه سيدنا الاستاد غير تام.

و ثانيا: ان صدر كلامه يناقض ذيله و ذيله يناقض صدره فانه يصرح كما تري في صدر العبارة كالشروط المجعولة في العقود

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 7 ص 297 الي 298.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 6

و في الذيل يقول

و قد يكون جعليا محضا و الحال ان المعاملات عبارة عن العقود.

و ثالثا ان تقسيمه ليس علي ما ينبغي فانه لا فرق بين شروط العبادات و المعاملات و كلها من واد واحد فان الشرطية كالجزئية غير قابلة للجعل بل المجعول عبارة عن حكم الشارع فتارة يجعل وجوب الصلاة عن طهارة فينتزع من جعله شرطية الطهارة للصلاة و اخري يجعل الملكية عند تحقق الصيغة بقيد كونها عربية فينتزع منه شرطية العربية في العقد بالنسبة الي تحقق الملكية و هكذا و في جميع هذه الموارد التوقف عقلي بلا فرق بين الجعليات و التكوينيات.

أما في التكوينيات فواضح و أما في الجعليات فلأن ما دام موضوع الحكم لا يتحقق في الخارج لا يترتب عليه حكمه فتوقف الترتب علي الموضوع بحكم العقل و هذا ظاهر واضح لمن تكون له خبرة بالصناعة.

«قوله قدس سره: و اشتقاق المشروط منه ليس علي الاصل»

اي لا بد من التأويل و اشراب المعني الحدثي فيه اذ المفروض انه اسم جامد و الجامد غير قابل للاشتقاق منه.

«قوله قدس سره: و لذا ليستا بمتضايفين في الفعل و الانفعال»

مثل الضارب و المضروب اللذين يكونان متضايفين و أما الشارط و المشروط فليسا متضايفين فان الشارط عبارة عن الجاعل و المشروط عبارة عما جعل له الشرط.

«قوله قدس سره: نظير الامر بمعني المصدر و بمعني الشي ء»

فان لفظ الامر كلفظ الشرط تارة يراد منه المعني الحدثي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 7

و اخري يراد منه المعني الجامد.

«قوله قدس سره: و لا يلزم من وجوده الوجود»

و هذا المعني الثاني الاصطلاحي اخص من المعني الثاني العرفي.

«قوله قدس سره: من ذلك المعني»

اي من ذلك المعني الثاني العرفي.

[الكلام في شروط صحة الشرط]
[أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف]
اشارة

«قوله قدس سره: احدها أن يكون داخلا

تحت قدرة المكلف»

اقول: الشرط الّذي يكون في العقد اما يكون شرطا و موضوعا للخيار و اما يكون موضوعا للعقد أما ان كان موضوعا للخيار فلا يكون مشروطا بشي ء اذ من الواضح ان جعل الخيار أمر جائز.

و لا فرق في جعله بين كونه ابتدائيا أي بلا قيد و بين أن يكون معلقا علي أمر اي شي ء كان لكن الظاهر بل الواقع انه ليس المراد في كلامهم اشتراط الخيار بل النظر الي نفس العقد.

و عليه تارة يكون الشرط غير فعل المشروط عليه أعم من أن يكون فعلا لغيره أو صفة في شي ء و اخري يكون الشرط الفعل الصادر من المكلف الّذي يكون طرف العقد أما اذا كان غير فعل المشروط عليه فمرجع الاشتراط الي تعليق الامر علي شي ء.

و عليه اذا كان تلك الامر موجودا بالفعل و محرزا عند المتعاقدين يكون العقد صحيحا لعدم تحقق الاجماع علي منعه و أما ان لم يكن كذلك بأن كان أمرا استقباليا أو حاليا غير معلوم الحصول يكون العقد باطلا لبطلان التعليق.

و أما اذا كان الشرط فعل المشروط عليه فلا بد أن يكون مقدورا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 8

له اذ شرط الفعل عبارة عن تعليق العقد علي التزام الطرف المقابل بذلك الفعل الكذائي فاذا لم يكن الفعل مقدورا له لا معني لتعلق التزامه به اذ الالتزام لا بدّ أن يتعلق بالامر المقدور و لا مجال للالتزام بالطيران الي السماء.

و بعبارة واضحة فساد الشرط المذكور من الواضحات و لا يحتاج الي اقامة الدليل و يمكن اثبات المدعي بتقريب آخر أيضا و هو أن الشرط بنفسه لا يترتب عليه أثر و انما الاثر للالتزام المترتب عليه و مع عدم القدرة لا

يمكن تعلق الالزام اذ التكليف لا يتعلق بغير المقدور.

ان قلت: التعليق باطل و الحال أنه يلزم من البيان المذكور أن العقد يكون معلقا علي الالتزام.

قلت: بطلان التعليق لا يكون بحكم العقل بل اجماعي و لا اجماع فيما يكون معلقا علي امر موجود بالفعل و المفروض ان الالتزام فعلي و محرز نعم مع الشك في القدرة يكون العقد باطلا لبطلان التعليق.

فانقدح بما ذكرنا ان اشتراط الشرط بكونه مقدورا أمر واضح و لا يحتاج الي اقامة دليل عليه و لكن مع ذلك

قد استدل عليه بوجوه:
الوجه الأول: الإجماع

و فيه ما فيه منقولا و محصلا.

الوجه الثاني: ان مرجع الاشتراط الي تقييد المبيع و مع عدم القدرة علي القيد لا يمكن تسليم المبيع.

و بعبارة اخري مرجعه الي بيع أمر غير ممكن الحصول و فيه ان المبيع اذا كان شخصا لا يكون قابلا للتقييد اذ الجزئي لا يقيد فان القيد لاصل العقد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 9

الوجه الثالث: انه سفهي

و فيه انه لا دليل علي بطلان العقد السفهي انما الكلام في العقد الصادر عن السفيه.

الوجه الرابع: انه يلزم الغرر

و فيه انه يمكن أن يتصور علي نحو لا يكون العقد غرريا مضافا الي عدم دليل معتبر علي بطلان الغرر.

«قوله قدس سره: فافهم»

لعل الوجه في أمره بالفهم انه علي هذا الفرض لا يكون الشرط فاسدا اذ المفروض انه يقدر علي المقدمات الموصلة.

«قوله قدس سره: فاشتراط كتابة العبد المعين الخارجي بمنزلة توصيفها بها»

ان كان المراد من الاشتراط تعليق العقد علي الكتابة يكون العقد باطلا لبطلان التعليق و ان كان المراد تعليق الخيار عليها يكون جائزا و يوجب رفع الغرر فان الخطر يرتفع بالخيار.

«قوله قدس سره: لا يدل علي البناء علي تحققه»

البناء و عدم البناء غير دخيلين في صحة العقد و عدمها بل الميزان تحقق الخيار فان الخيار يرفع الغرر و بما ذكرنا يظهر أن الحق مع الشيخ و القاضي حيث حكما بلزوم العقد و تحقق الخيار مع عدم الجهل.

«قوله قدس سره: فيتحقق الخلاف في مسألة اعتبار القدرة في صحة الشرط»

علي ما ذكرنا لا ارتباط بين المقامين فان الشرط الّذي لا بد أن يكون مقدورا هو الفعل الّذي يشترط من قبل احد المتعاقدين علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 10

الاخر و أما الصفة كالكتابة و الحمل و أمثالهما فلا ترتبط بالمكلف.

«قوله قدس سره: فاشتراط النتيجة بناء علي حصولها»

الظاهر ان اشتراط النتيجة مبتدأ و قوله بناء خبره اي اشتراط النتيجة من باب الوثوق بحصولها.

[الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه]

«قوله قدس سره: الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه»

لا وجه لذكر هذا الشرط مع كونه عين الشرط الرابع فلاحظ.

[الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا أو بالنظر إلي خصوص المشروط له]
اشارة

«قوله قدس سره: الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء نوعا أو بالنظر الي خصوص المشروط له»

يقع الكلام في هذه الجهة في مقامين:

المقام الأول: في مقتضي القاعدة الاولية

المقام الثاني في مقتضي الادلة الثانوية.

فنقول: أما المقام الأول فالحق انه لا وجه للاشتراط المذكور فان دليل امضاء الشرط بإطلاقه يقتضي العموم و دعوي انصرافه الي خصوص الشرط العقلائي بلا دليل و لا وجه له.

و أما

المقام الثاني [في مقتضي الأدلة الثانوية]
اشارة

فما يمكن أن يقال أو قيل في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول: ان مقدارا من الثمن يقع في مقابل الشرط و مع عدم كون الشرط عقلائيا يصير مصداقا للاكل بالباطل

المنهي عنه بقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و يرد عليه ان الثمن في مقابل العين و لا يكون جزء منه في مقابل الشرط مضافا الي أن الجار للسببية لا للمقابلة.

الوجه الثاني: ان الشرط اذا لم يكن عقلائيا يكون العقد سفهائيا

فيكون باطلا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 11

و يرد عليه أولا انه يمكن أن يكون العقد بنفسه عقلائيا و يكون الشرط سفهائيا و لا يصير العقد العقلائي بالشرط سفهائيا.

سفهائيا.

و ثانيا: انا نفرض كون العقد سفهائيا لكن أي دليل دل علي فساد العقد السفهائي.

الوجه الثالث: انه لو لم يكن الشرط عقلائيا لا يكون تخلفه موجبا لتضرر المشروط له فلا يترتب عليه الخيار.

و يرد عليه انه لو كان دليل الخيار حديث لا ضرر لكان لهذا التقريب مجال لكن دليل وجوب العمل بالشرط حديث «المؤمنون» فلا مجال للبيان المذكور فتحصل ان الحق عدم الاشتراط المذكور.

«قوله قدس سره: و مثل له في الدروس باشتراط جهل العبد بالعبادات»

الظاهر في عنوان المسألة ان الكلام في شروط الفعل الذي يشترط علي الطرف المقابل فلا بد أن يكون محور البحث هو الفعل لكن نري ان كلامهم يعم اشتراط الاوصاف و بعبارة اخري الكلام في اشتراط الافعال لا في اشتراط الاوصاف اللهم الا أن يقال انه لا وجه للتخصيص.

«قوله قدس سره: و لو شك في تعلق غرض صحيح به حمل عليه»

لقانون حمل ما يصدر عن الغير علي الوجه الصحيح بمقتضي السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع الاقدس.

[الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]
اشارة

«قوله قدس سره: الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب و السنة فلو اشترط رقية حر أو توريث اجنبي كان فاسدا»

ينبغي أن يقع الكلام في المقام تارة مع قطع النظر عن النصوص

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 12

و اخري مع ملاحظتها فيقع الكلام في موردين.

المورد الأول: في الشرط المخالف مع الشرع مع قطع النظر عن النصوص الدالة علي نفوذ الشرط

فنقول: مقتضي القاعدة الاولية عدم تأثير الشرط لعدم الدليل فرضا.

و بعبارة اخري: لا يتغير حكم من الاحكام وضعيا كان أو تكليفيا بالشرط بلا فرق بين أن يكون الشرط غير فعل من عليه الشرط كصيرورة الحر رقا و بين أن يكون الشرط فعل الطرف المقابل كأن يشترط عليه شرب الخمر أو شرب الماء فان الشرط ابتداءً و بلا ملاحظة ادلة نفوذ الشرط لا يقتضي شيئا و هذا واضح ظاهر.

و بعبارة اخري: ادلة الاحكام بإطلاقها أو عمومها تشمل موارد الاشتراط.

و أما

المورد الثاني فالنصوص الواردة فيه طائفتان

الطائفة الاولي ما يدل علي نفوذ الشرط بلا تقييد و بلا اشتراط بشي ء لاحظ ما رواه منصور بزرج عن عبد صالح عليه السلام قال: قلت له: ان رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه الا أن يجعل للّه عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار قل له فليف للمرأة بشرطها فان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم «1» فان المستفاد من هذه الرواية نفوذ الشرط علي الاطلاق.

و لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال سئل و انا حاضر عن رجل تزوج امرأة علي مائة دينار علي أن

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من ابواب المهور الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 13

تخرج معه الي بلاده فان لم تخرج معه فان مهرها خمسون دينارا ان أبت أن تخرج معه الي بلاده قال: فقال ان أراد أن يخرج بها الي بلاد الشرك

فلا شرط له عليها في ذلك و لها مائة دينار التي أصدقها ايّاها و ان أراد أن يخرج بها الي بلاد المسلمين و دار الاسلام فله ما اشترط عليها و المسلمون عند شروطهم و ليس له أن يخرج بها الي بلاده حتي يؤدي إليها صداقها أو ترضي منه من ذلك بما رضيت و هو جائز له «1».

و مقتضي القاعدة الأولية تقديم دليل الشرط علي جميع الادلة من الكتاب و السنة و الوجه فيه ان المشهور فيما بينهم انه لا تعارض بين الادلة الواردة علي العناوين الاولية و الادلة الواردة علي العناوين الثانوية و لذا لا نري تعارضا بين دليل حلية أكل الرمان و حرمة الاضرار بالنفس فيما اذا كان أكل الرمان مضرا و قس عليه جميع الموارد.

و الحاصل: انه لو لم يكن مقيد كان مقتضي القاعدة الالتزام بنفوذ الشرط علي الاطلاق.

و لكن في المقام نصوص تدل علي التقييد و الاشتراط فلا بد من ملاحظتها و استفادة ما يتحصل منها فنقول من تلك النصوص ما روته حمادة بنت الحسن اخت أبي عبيدة الحذاء قالت سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تزوج امرأة و شرط لها أن لا يتزوج عليها و رضيت ان ذلك مهرها قالت: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: هذا شرط فاسد لا يكون النكاح الاعلي درهم أو درهمين «2» و هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من ابواب المهور الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 20 من ابواب المهور الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 14

ضعيفة سندا فلا يعتد بها.

و منها ما أرسله العياشي عن ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال قضي أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوجها

رجل و شرط عليها و علي أهلها ان تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتي عليها سرية فانها طالق فقال شرط اللّه قبل شرطكم ان شاء و في بشرطه و ان شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسري عليها و هجرها ان أتت بسبيل ذلك قال اللّه تعالي في كتابه «فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنيٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ» و قال «احل لكم مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ» و قال «وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ» الآية «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في رجل تزوج امرأة و شرط لها ان هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق فقضي في ذلك ان شرط اللّه قبل شرطكم فان شاء وفي لها بما اشترط و ان شاء أمسكها و اتخذ عليها و نكح عليها «2» و الحديث ضعيف بالازدي.

و منها ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل قال لامرأته ان نكحت عليك أو تسريت فهي طالق قال ليس ذلك بشي ء ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال من اشترط شرطا سوي كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه «3» و الحديث ضعيف بالميثمي.

و منها ما رواه اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه ان علي بن

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من ابواب المهور الحديث 6.

(2) الوسائل الباب 38 من ابواب المهور الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 15

أبي طالب عليه السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم

حلالا او احل حراما «1» و هذه الرواية ضعيفة بغياث بن كلوب بل و بغيره.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه سئل عن رجل قال لامرأته ان تزوجت عليك أوبت عنك فأنت طالق فقال:

ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال: من شرط لامرأته شرطا سوي كتاب اللّه عز و جل لم يجز ذلك عليه و لا له الحديث «2».

و المستفاد من الرواية ان صحة اشتراط شرط مشروطة بكونه موافقا مع الكتاب و المراد من الكتاب القرآن و يمكن أن يقال: يستفاد الاطلاق من الحديث و ان العرف لا يفهم خصوصية للمورد.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال قضي علي عليه السلام في رجل تزوج امرأة و شرط لها ان هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق فقضي في ذلك ان شرط اللّه قبل شرطكم فان شاء وفي لها بالشرط و ان شاء امسكها و اتخذ عليها و نكح عليها «3».

و المستفاد من الحديث ان صحة الشرط منوطة بعدم كونه مخالفا مع المجعول الشرعي.

و منها ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه فلا يجوز له و لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من ابواب المهور الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 13 من ابواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 16

يجوز علي الذي اشترط عليه و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّه عز و جل «1» و المستفاد من الحديث ان الشرط المخالف مع الكتاب غير نافذ.

و

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب اللّه عز و جل فلا يجوز «2» و المستفاد من الحديث ما هو المستفاد من الحديث الاول.

و منها ما رواه ابن سنان أيضا قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الشرط في الاماء لاتباع و لا توهب قال يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث لان كل شرط خالف الكتاب باطل «3» و المستفاد منه ما هو المستفاد من الحديثين.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام انه قضي في رجل تزوج امرأة و أصدقته هي و اشترطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و وليت حقا ليست باهله فقضي أن عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة «4».

و المستفاد من الحديث ان الشرط المخالف للسنة باطل فالمستفاد من نصوص الباب انه يلزم أن يكون الشرط موافقا مع الكتاب و لا يكون مخالفا مع الكتاب و السنة و من الظاهر انه ليس المراد موافقة الشرط مع الكتاب فان هذا الاشتراط خلاف الضرورة و الا يلزم

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

(4) الوسائل الباب 29 من ابواب المهور الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 17

بطلان اشتراط غسل الجمعة في عقد و قس عليه باقي الشروط التي لا يكون اثر منها في الكتاب الا أن يراد من الكتاب كتاب التشريع.

مضافا الي أنه يلزم ان يكون أخذ عنوان عدم المخالفة مع الكتاب و السنة لغوا فانه كيف يمكن صدق الموافقة مع الكتاب

و المخالفة معه أو مع السنة فالجامع بين جميع الافراد أن لا يكون الشرط مخالفا مع الشرع.

«قوله قدس سره: ثم الظاهر ان المراد بكتاب اللّه هو ما كتب اللّه علي عباده»

هذا خلاف الظاهر كما اشرنا إليه آنفا.

«قوله قدس سره: فخياطة ثوب البائع مثلا موافق للكتاب بهذا المعني»

لكن هل يمكن أن يقال اشتراط غسل الجمعة و امثاله موافق للكتاب فلاحظ.

«قوله قدس سره: ثم ان المتصف بمخالفة الكتاب اما نفس المشروط»

الذي يختلج بالبال أن يقال: ان المشروط عبارة عن المعلق علي الشرط مثلا لو باع زيد داره من بكر بشرط أن يشرب بكر مقدارا من الخمر يكون بيع الدار مشروطا بالتزام بكر شرب الخمر فالالتزام بالشرب شرط مخالف مع الشرع فيكون الشرط مخالفا باعتبار متعلقه و لذا يصح أن يقال الا شرطا يحرم الحلال أو يحلل الحرام.

و بعبارة واضحة الذي يكون محل الكلام في المقام أن يرتبط عقد أو ايقاع بالالتزام بفعل أو بحكم تكليفي أو وضعي و الا فمجرد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 18

تعليق العقد علي كون الفعل الحرام الفلاني حلالا أو بالعكس لا يكون من محل الكلام و لا يرتبط بالشرط الصحيح أو الفاسد فان التعليق علي كون الخمر حلالا من مصاديق تعليق العقد و يكون باطلا من باب ان المعلق لا يتحقق مع عدم المعلق عليه فقول القائل بعتك داري بشرط أن يكون الخمر حلالا مثل قوله بعتك داري بشرط أن يكون السماء تحتنا فان مرجع هذا الاشتراط الي قوله ان كان السماء تحتنا بعتك و الا فلا.

و صفوة القول: ان الاشتراط في العقد عبارة عن ارتباط العقد بالالتزام بفعل كخياطة ثوب مثلا أو قراءة سورة أو الالتزام بحكم تكليفي أو

وضعي فان كان ذلك الفعل الملتزم به حلالا بالمعني الاعم يصير بالشرط واجبا و ان كان واجبا يصير وجوبه آكد و ان كان حراما يكون الشرط باطلا و ان كان الحكم التكليفي الذي تعلق الالتزام به أو الحكم الوضعي موافقا مع الشرع لا يكون الشرط مؤثرا اثرا جديدا.

نعم اذا كان الالتزام متعلقا بامر وضعي علي نحو شرط النتيجة و كان ذلك الامر يتحقق بكل سبب و لو كان ذلك السبب الشرط في ضمن العقد يؤثر الاشتراط في تحققه.

فالنتيجة ان المشروط عبارة عن العقد و الشرط عبارة عن الفعل المعلق عليه العقد أو الايقاع و الظاهر ان الموافق للكتاب أو المخالف معه صفة للشرط مثلا اشتراط قراءة القرآن لا يكون مخالفا مع القرآن و اشتراط شرب الخمر يكون مخالفا معه.

و بعبارة اخري: الالتزام بما هو التزام يكون محللا و محرما و بعبارة واضحة: ان الشرط يقتضي الوصول الي ما تعلق به الغرض

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 19

كالخياطة أو شرب المائع الفلاني أو الكنس أو ملكية الدار الفلانية أو رقية ذلك الحر الي غيرها من الموارد.

فان كان المتعلق امرا جائزا في الشريعة يكون الشرط نافذا و الا فلا فان كان المتعلق غير جائز يكون الشرط مجوزا لذلك الحرام فيصدق قوله عليه السلام من اشترط شرطا مخالفا للكتاب فان الشرط المذكور مخالف مع كتاب اللّه كما ان الفتوي بجواز شرب الخمر مخالف مع الكتاب.

فتحصل ان المتصف بالمخالفة و عدمها هو الشرط أي الالتزام و لعمري ما أفدته دقيق و بالتأمل حقيق.

«قوله قدس سره: و انما المخالف الالتزام به»

ليس الامر كذلك فان الالتزام بترك المباح اذا لم يكن بعنوان التشريع لا يكون مخالفا مع الكتاب نعم

الالتزام بحرمة المباح مخالف مع الشرع.

«قوله قدس سره: مع ان الرواية المتقدمة»

الظاهر ان المراد منها ما عن تفسير العياشي «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بالارسال مضافا الي أنه لم يشترط عدم التسري و عدم التزويج بل الشرط عبارة عن صيرورة الزوجة طالقا بالتسري و التزويج فالحديث مخدوش من هذه الجهة أيضا.

«قوله قدس سره: فان الّذي يرخص باشتراطه الحرام الشرعي»

ما أفاده تام فان الشرط كما تقدم منا هو الّذي يوجب تغير الحكم الشرعي فالموافق او المخالف هو الشرط و ببيان ظاهر: ان الكتاب

______________________________

(1) قد تقدم في ص 14.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 20

حرم الميتة و الشرط يحللها فالمتحصل ان الشرط اذا كان مخالفا مع الكتاب أو السنة يكون فاسدا أما اذا كان مخالفا مع الكتاب فالدليل علي فساده جملة من النصوص و قد تقدم نقلها في كلام الشيخ و كلامنا.

و أما المخالف مع السنة فيدل علي بطلانه ما رواه محمد بن قيس «1» فانه يستفاد من قوله عليه السلام خالفت السنة عدم نفوذ الشرط الّذي يكون خلافا لها فلاحظ و قد تقدم أيضا.

«قوله قدس سره: ثم ان المراد بحكم الكتاب و السنة الّذي يعتبر عدم مخالفة المشروط الخ»

قد تعرضنا لهذه الجهة في مقدمة البحث و ذكرنا انه لا تنافي بين الادلة الدالة علي الاحكام المترتبة علي العناوين الاولية و بين الادلة الدالة علي الاحكام المترتبة علي العناوين الثانوية و المتحصل من مجموع النصوص ان الشرط المخالف مع الشرع غير نافذ.

و صفوة الكلام ان المستفاد من ادلة الاحكام ثبوتها و ترتبها علي موضوعاتها بلا اثر لترتب عنوان الشرط المخالف و عدمه فان الاطلاق فيها يرفض كل قيد و المستفاد من ادلة الشروط و

نصوص الباب ان الشرط نافذ اذا لم يكن مخالفا مع الكتاب التشريعي و القانون الالهي.

«قوله قدس سره: لكن ظاهر مورد بعض الاخبار»

يمكن أن يكون مراده من البعض ما رواه العياشي «2» و لكن من

______________________________

(1) قد تقدم في ص 16.

(2) قد تقدم في ص 14.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 21

الظاهر ان ترك التسري و أيضا ترك التزويج لا يكونان مخالفين للشرع بل موافقان كما هو ظاهر اذ ترك التزويج و التسري أمر جائز في الشرع الاقدس.

«قوله قدس سره: و أما الحمل علي أن هذه الافعال مما لا يجوز وقوع الطلاق عليها الخ»

هذا هو المتعين فان الشرط عبارة عن الالتزام بتحقق الطلاق بالتسري أو التزويج و من الظاهر ان تحقق الطلاق بالامور المذكورة خلاف المقرر الشرعي.

«قوله قدس سره: بعض الاخبار»

لاحظ ما رواه منصور «1».

«قوله قدس سره: فيمكن حمل رواية محمد بن قيس «2» علي اراده عدم سببية للطلاق»

لعله يشير بقوله فتأمل الي أن المستفاد من هذه الرواية توكيل المرأة في الطلاق و هذا ليس مخالفا للشرع و يمكن أن يناقش فيما أفاده بأن الظاهر من الحديث ليس توكيلا بل اعتبار هذا الامر اي الطلاق و الجماع بيدها في مقابل الشرع فان المقرر الشرعي كون امر الطلاق بيد من أخذ بالساق و أيضا اختيار الجماع بيد الزوج.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 12.

(2) قد تقدم في ص 14.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 22

«قوله قدس سره: و انما الاشكال في تميز مصداق احدهما عن الاخر»

اي الاشكال في تميز الشرط الجائز النافذ عن الشرط الفاسد غير النافذ و لا يكاد ينقضي تعجبي مما أفاده في هذا المقام مع انه مرجع المجتهدين و استاد الفقهاء و

لعله مشير الي دقيقة لا افهمها.

فاقول و علي اللّه التوكل: انه لا اشكال في التميز و الامر ظاهر واضح فان المستفاد من النصوص كما تقدم انه يشترط في الشرط أن لا يكون مخالفا مع الكتاب التشريعي و القانون الالهي فكل شرط اشترط في العقد فلاحظه قبل تعلق الشرط به فاما يكون جائزا تكليفا أو وضعا بمقتضي الادلة الشرعية فيكون الشرط جائزا و نافذا بمقتضي قوله عليه السلام «المسلمون عند شروطهم» و اما لا يكون جائزا بحسب الادلة فلا يكون اشتراطه جائزا و نافذا و لو شك في مشروعيته و عدمها فان كان الشك في جوازه و حرمته يكون أصل البراءة مقتضيا لجوازه فيكون اشتراطه جائزا و ان كان أمرا وضعيا و شك في جعله شرعا نستصحب عدم جعله فيكون اشتراطه خلاف الشرع فلا يكون نافذا.

و بعبارة واضحة: لا بدّ من ملاحظة الشرط في حد نفسه مع قطع النظر عن دليل نفوذ الشرط و لحاظ الموضوع الّذي اخذ في دليل الشرط و لعمري هذا ظاهر واضح لا يحتاج الي بحث و تطويل فلاحظ ما قلنا تصدق ما ذكرناه.

«قوله قدس سره: منها كون من احد ابويه حر رقا»

تارة نبحث في هذا الفرع مع قطع النظر عن النصوص الخاصة و اخري نبحث في مقتضي تلك النصوص أما البحث فيما هو مقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 23

القاعدة فالامر ظاهر و ان الشرط المذكور فاسد اذ الدليل قائم و الضرورة شاهدة علي أن الولد ملحق بأشرف الابوين و لا يكون رقا في الفرض المذكور فالشرط المذكور شرط مخالف مع الشرع فلا ينفذ و أما مقتضي النصوص فهو خارج عن مقامنا فانه فرع فقهي مربوط بالباب المختص به

مضافا الي عدم فائدة في صرف الوقت فيه لعدم كونه محل الابتلاء.

«قوله قدس سره: و منها إرث المتمتع بها»

و الكلام في هذا الفرع هو الكلام في سابقه بأن نقول تارة يبحث فيما تقتضيه القاعدة الاولية و اخري نتكلم في مفاد النص الخاص أما من حيث القاعدة الاولية فيكون الشرط المذكور باطلا فان مقتضي ادلة الارث الدالة علي موارده و حدوده و خصوصياته و اختصاصه بالعناوين المذكورة في الكتاب و السنة عدم إرث المتمتع بها و لو مع الشرط فان الشرط المذكور مخالف مع الادلة الدالة علي اختصاص الارث بالزوجة الدائمة و أما البحث من حيث الاجماع و التسالم و النص الخاص فهو بحث خارج عن نطاق ما نحن بصدده فان البحث في المقام بحث كبروي و ذلك البحث صغروي فلا تغفل.

«قوله قدس سره: و منها انهم اتفقوا علي جواز اشتراط الضمان في العارية»

الامر فيه أيضا ظاهر فان الدليل قد دلّ علي جواز الشرط المذكور في العارية و أما في الاجارة فالقاعدة تقتضي عدم الضمان إذ يد المستأجر يد امانة و ليس علي الامين الا اليمين فاشتراط الضمان فيها خلاف المقرر الشرعي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 24

«قوله قدس سره: كالشرط في ضمن عقد تلك الامانة»

هذا يتوقف علي كون الشرط مشرعا و مغيرا للاحكام الاولية و لا دليل عليه بل الدليل قائم علي خلافه فان المستفاد من الدليل ان الشرط المخالف للشرع غير نافذ هذا من ناحية و من ناحية اخري انه قد علم من الدليل انه لا ضمان علي الامين و مقتضي دليل عدم الضمان بإطلاقه عدمه حتي مع شرط الضمان.

بل الاصل يقتضي عدمه فان الضمان يحتاج الي قيام دليل عليه و المفروض

انه ليس فليس نعم لو قام دليل علي جواز التضمين بنحو خاص و سبب مخصوص نلتزم بجواز جعله بذلك السبب لكن الظاهر انه مجرد فرض و تصور فلاحظ.

«قوله قدس سره: و منها اشتراط أن لا يخرج بالزوجة الي بلد آخر»

لا وجه للاشكال في هذه المسألة أيضا اذ المفروض ان الخروج بالزوجة الي بلدة اخري ليس امرا واجبا كي يكون الشرط المذكور مخالفا مع القانون الشرعي بل أمر جائز و بالشرط يلزم عليه أن لا يخرجها و الميزان في نفوذ الشرط أن يصير الجائز واجبا أو حراما.

و بعبارة اخري الشرط مثل الاجارة فكما ان الاجارة توجب وجوب الفعل الفلاني علي الاجير كذلك الشرط.

ثم ان في المقام فرعا تعرض له سيدنا الاستاذ قدس سره علي ما في تقريره الشريف و هو ان الزوج بعد الاشتراط المذكور لو عصي و قال لزوجته اخرجي معي الي تلك البلدة فهل يجب علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 25

الزوجة اطاعته بمقتضي الكتاب و السنة أم لا و نقل عن بعض انه يجب عليها الاطاعة.

و أورد عليه بأن الاطاعة واجبة فيما يكون من شئون الحق و بعد الشرط المذكور لا حق للزوج كي يجب علي الزوجة اطاعته «1».

اقول: الحق ما نقل عن ذلك البعض و الوجه فيه انه تارة تشترط علي الزوج أن لا يكون له هذا الحق و اخري تشترط عليه أن لا يعمل علي مقتضاه أما الصورة الأولي فلا يكون الشرط صحيحا لكونه مخالفا مع الشرع و أما الصورة الثانية فيصح الشرط لكن لا يصير الزوج بلا حق بل يتحقق حكم تكليفي و هو حرمة الاخراج.

و بعبارة واضحة: فرق بين الحكم الوضعي و التكليفي فان الشرط لا يزيل

الحكم الوضعي بل يقتضي وجوب الوفاء بالشرط و ببيان اوضح: ان الزوج ليس له سلب الحق المذكور عن نفسه بل له أن لا يخرجها.

ان قلت الاشتراط بمقتضي السيرة العقلائية يوجب حقا للمشروط له فيجوز له اجبار المشروط عليه علي خروجه عن عهدة الشرط فلو شرط عليه خياطة الثوب يمكنه اجبار الاجير علي الخياطة.

قلت هب ان الامر كذلك لكن لو لم يجبره أو لم يمكن الاجبار و خالف المشروط عليه و أمر مثلا بالخروج لم يكن وجه لجواز المخالفة فلاحظ.

«قوله قدس سره: و فيه من الضعف ما لا يخفي»

يمكن أن يكون وجه الضعف انه لا وجه لاختصاص عدم المخالفة

______________________________

(1) مصباح الفقاهة ج 7 ص 335 و 336.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 26

بخصوص الكتاب بل المستفاد من الادلة انه يشترط في صحة الشرط أن لا يكون مخالفا مع الكتاب و السنة أما بالنسبة الي الاول فجملة من النصوص و الامر ظاهر و أما بالنسبة الي الثاني فلاحظ ما رواه محمد ابن قيس «1» فان المستفاد من الحديث الميزان الكلي و هو لزوم أن لا يكون الشرط مخالفا مع السنة.

«قوله قدس سره: لزم الرجوع الي اصالة بقاء الوجوب»

المراد من الاصل المذكور الاستصحاب و قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد و المرجع بعد التساقط اصالة البراءة عن الوجوب و الحرمة فالنتيجة ما أفاده الماتن من عدم نفوذ الشرط و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم.

فالحق ان ما أفاده غير تام و عليه لو كان الشرط متعلقا بفعل حرام أو ترك واجب أو بأمر وضعي مخالف مع الجعل الشرعي لا يصح و لا ينفذ و الا فيكون صحيحا و نافذا

فعلي كل تقدير لا مجال للتعارض.

«قوله قدس سره: ثم انه يشكل الامر في استثناء الشرط المحرم للحلال علي ما ذكرنا في معني الرواية بأن ادلة حلية اغلب المحللات بل كلها انما تدل علي حليتها في نفسها الخ».

الظاهر انه قدس سره في مقام ان ادلة الامور المباحة انما تدل عليها مع قطع النظر عن عروض عنوان ثانوي و اما مع عروض العنوان الثانوي فلا تدل تلك الادلة علي الاباحة فلا تنافي بين دليل

______________________________

(1) قد تقدم في ص 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 27

الاباحة و دليل لزوم الشرط فكيف يصدق عنوان المخالفة فان المفروض انه لا مخالفة اذ ما دام لم يعرض العنوان الثانوي لا موضوع للمخالفة كما هو ظاهر و بعد عروض العنوان الثانوي كالشرط لا دليل علي الحلية فاين التلاقي و الظاهر ان ما افاده غير تام اذ مقتضي اطلاق دليل كل حلال او عمومه حلية ذلك الشي ء مثلا مقتضي استحباب اكل التفاح جواز أكله و استحبابه علي نحو الاطلاق اي يشمل الدليل بإطلاقه صورة الضرر و شرط عدم الاكل الي غير ذلك من العناوين الثانوية غاية الامر لو قام دليل علي نفوذ الشرط و اشترط اكله في ضمن عقد يجب كما انه لو قام دليل علي حرمة الاضرار بالنفس و فرض ان اكل التفاح يضر بالنفس يحرم و هذا هو المراد بانه لا تعارض بين الادلة الاولية و الادلة الثانوية فالمراد بالمخالفة و اللّه العالم انه يشترط و يلتزم بأمر مخالف للشرع و بعبارة اخري يكون متعلق الشرط مخالفا مع مدلول دليل شرعي و لو كانت المخالفة مع عمومه او اطلاقه و لا فرق فيما نقول بين ان يكون متعلق الشرط

فعلا من الافعال او اعتبار من الاعتبارات و ببيان واضح لا فرق بين الجهة التكليفية و الوضعية فلو شرط في ضمن عقد شرب الخمر يكون هذا الشرط باطلا اذ شرب الخمر مخالف مع دليل حرمته و بعبارة اخري الشرط يقتضي فعله و الدليل يقتضي تركه و أيضا لو شرط في عقد ترك فريضة من فرائض اللّه يكون الشرط فاسدا بعين التقريب المتقدم و أيضا لو اشترط في ضمن عقد ان اختيار الطلاق بيد الزوجة يكون باطلا لان الامر الوضعي المذكور بيد الزوج الّذي يأخذ بالساق و قس عليه اشتراط كون الكر منفعلا بالملاقات و نجاسة ماء المطر و هكذا و هكذا و اما لو اشترط شرب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 28

الماء او عدم شربه يكون الشرط نافذا اذ الدليل الشرعي لا يقتضي شرب الماء و لا عدم شربه بل الدليل يقتضي الترخيص و الشرب و عدمه لا يخالفان الرخصة نعم لو اشترط وجوب شرب او حرمته لا يكون صحيحا ان قلت قد ورد في حديث اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السلام ان علي بن ابي طالب عليه السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا او احل حراما «1» و اشتراط الشرب يوجب الوجوب كما ان اشتراط الترك يوجب الحرمة فالشرط حرم حلالا فان الشرب كان حلالا فصار حراما او واجبا قلت يرد عليه أولا النقض بالنذر المتعلق بالحلال و مثله اليمين و العهد و امر الوالد الي غيرها من العناوين الملزمة فما يجاب به هناك نجيب به هنا و ثانيا انّه ندفع الاشكال بالحل و هو ان الشارط

لم يحرم الشرب و لم يوجبه و انما الشارط الزم المشروط عليه بالفعل او الترك و من الظاهر ان الالتزام بفعل المباح او تركه لا يكون مخالفا للشرع و بعبارة واضحة ان الشارع الاقدس اوجب الشرب او حرمه بواسطة الشرط او النذر او سبب آخر فلاحظ و تأمل كي لا تقع في الاشتباه.

«قوله قدس سره: علي وجه لا يتغير بعنوان الشرط و النذر و شبههما الخ»

ليس الامر كذلك فان المستفاد من الدليل ان ما من شي ء حرم اللّه الا و قد أحله في مورد الضرورة و الاستثناء يعم جميع المحرمات نعم لا يتغير الحرام بالنذر اذا اخذ في موضوعه الرجحان في حد

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 29

نفسه و لا يتغير بالشرط لانه اشترط في الشرط ان لا يكون مخالفا للشرع و لكن اذا كان ارتكاب الحرام شفاء لمرضه او اذ اقتضي التقية ان يرتكب محرما و هكذا من هذا القبيل فهل يمكن ان يقال بعدم ارتفاع الحرمة؟ كلا ثم كلا.

[الشرط الخامس أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد]

«قوله قدس سره: الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضي العقد الخ»

كما لو شرط البائع علي المشتري في ضمن البيع ان لا يتملك المبيع و لا يصير مالكا له فان الاشتراط المذكور باطل بلا كلام و لا اشكال. اما أولا فلان اوله الي التناقض. و أما ثانيا فلانه خلاف المجعول الشرعي مضافا الي دعوي الاجماع علي بطلانه ان قلت اقتضاء العقد في المثال لصيرورة المشتري مالكا للمبيع لو خلي و طبعه و مع قطع النظر عن الشرط و اما مع الشرط فلا. قلت هذا خلف الفرض فان الكلام في اشتراط خلاف ما يقتضيه العقد

بالفعل مضافا الي انه كما مر مرجعه الي التناقض و عليه نسأل انّ العاقد اما يقصد البيع مع الشرط المذكور و اما يقصد امرا آخر اما علي الاول فيرجع الي التناقض و اما علي الثاني فيلزم الخلف فلاحظ.

«قوله قدس سره: كاشتراط عدم التصرف اصلا الخ»

الظاهر انه لا مانع عن الاشتراط المذكور فان عقد البيع لا يقتضي التصرف في المبيع فان التصرف فيه قد يتحقق و قد لا يتحقق اصلا كما لو اشتري شيئا و قبل التصرف مات فورا او لم يمت و لكن غفل و لم يتصرف الي ان مات و الحاصل ان الاثر اذا كان من مقتضيات العقد يلزم تحققه بنفس العقد لا انه يترتب عليه بعد ذلك بل الحق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 30

ان يقال ان الاثر المترتب علي العقد عبارة عن الحكم المترتب عليه و من الظاهر ان الحكم لا يتخلف عن موضوعه مثلا الملكية في البيع اعم من أن تكون عقلائية او شرعية او شخصية مترتبة علي عقد البيع اي هذا الاعتبار حكم مترتب علي هذا الموضوع فانا ذكرنا سابقا ان الاحكام الشرعية اعم من التكليفية و الوضعية لا يكون وزانها وزان المعاليل الخارجية التكوينية المترتبة علي عللها بل الاحكام باسرها اعتبارات مترتبة علي الموضوعات التي لوحظت موضوعات لهذه الاحكام.

«قوله قدس سره: و عدم الاستمتاع اصلا بالزوجة الخ»

الكلام فيه هو الكلام فان عقد النكاح يقتضي تحقق الزوجية و لا يقتضي الاستمتاع فلا مانع عن اشتراط عدمه اصلا نعم ربما يشكل من جهة استلزامه خلاف حق الزوجية و هذا امر آخر.

«قوله قدس سره: الا ان الاشكال في كثير من المواضع الخ»

الظاهر انه لا وجه للاشكال فان تشخيص المقتضي بالفتح

عن غيره لا يكون مشكلا فان المراد بالمقتضي بالفتح ما يكون معلولا للعقد اصطلاحا و حكما مترتبا عليه واقعا و تشخيص هذه الجهة في كمال السهولة بعد تميز العقد الكذائي فعليه لا وجه لما افاده.

«قوله قدس سره: و قد اعترف في التحرير بان اشتراط العتق مما ينافي مقتضي العقد الخ»

لا ينافي الشرط المذكور مقتضي العقد فان مقتضي العقد صيرورة العبد ملكا للمشتري نعم لو اشترط في عقد بيع العبد كونه معتقا بلا عتق و بلا سبب يكون الشرط باطلا لكونه خلاف المقرر

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 31

الشرعي كما انه لو اشترط عتقه بنفس الشرط المذكور في ضمن العقد يشكل لانه تعليق فلو قلنا بجواز التعليق في الايقاع يمكن القول بجوازه الا ان يكون متعلق الشرط العتق بلا صيرورة العبد ملكا للمعتق بالكسر فانه يكون باطلا أيضا اذ لا عتق الا في ملك و قس عليه اشتراط الوقف علي البائع فانه من واد واحد ملاكا فلاحظ بل يمكن ان يقال الشرط المفروض باطل حتي علي القول بعدم اشتراط العتق بكون المعتق بالفتح مملوكا للمعتق بالكسر اذ العتق في ضمن البيع اذا لم يكن معلقا علي حصول الملكية يلزم من صحته و وجوده عدمه و ما يلزم من وجوده العدم محال و ذلك لان المفروض ان البائع قصد صيرورة العبد ملكا للمشتري و في نفس ذلك الزمان يقصد المشتري عتقه و لا يمكن الجمع بين العتق و الملك و ان شئت قلت المقام داخل في توارد علتين كل منهما يقتضي ضد ما يقتضيه الاخر و من الظاهر ان اجتماع الضدين محال.

«قوله قدس سره: و منها اشتراط عدم البيع الخ»

قد ظهر مما ذكرنا انه لا

اشكال في الشرط المذكور و لا مجال للتأمل فان القواعد الصناعية تقتضي جوازه و لا دليل علي المنع.

«قوله قدس سره: و منها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة فيه اذا قال الربح لنا و لا خسران عليك الخ»

حكم الفرع المذكور أيضا ظاهر اذ تارة نبحث فيه مع قطع النظر عن النص الخاص و اخري بملاحظة النص اما البحث مع قطع النظر عن النص فالظاهر ان الشرط المذكور فاسد اذ يكون خلاف المقرر الشرعي فان المقرر تحقق الربح و الخسران في الشركة بالسوية

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 32

و اما مع ملاحظة النص فالظاهر الجواز لاحظ ما رواه رفاعة قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك في جارية له و قال ان ربحنا فيها فلك نصف الربح و ان كان وضيعة فليس عليك شي ء فقال لا اري بهذا بأسا اذا طابت نفس صاحب الجارية «1» و تفصيل الحال في المسألة موكول الي كتاب الشركة.

«قوله قدس سره: و منها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية و عدم جوازه في الاجارة الخ»

المائز بين المقامين النص الخاص الوارد في العارية و التفصيل موكول الي ذلك الباب و تقدم الكلام حول المسألة فراجع.

«قوله قدس سره: و منها اشتراط عدم اخراج الزوجة من بلدها الخ»

قد تعرضنا له و بينا عدم الاشكال فيه.

«قوله قدس سره: و منها توارث الزوجين بالعقد المنقطع الخ»

أيضا قد تعرضنا له بالمقدار المناسب مع المقام و تفصيل الكلام في المسألة موكول الي كتاب الارث.

«قوله قدس سره: اقول وضوح المنافات ان كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال الخ»

قد مرو سبق منا ان تميز الموارد و تشخيص المخالف عن غيره ليس

امرا عزيزا و مشكلا بل في كمال السهولة فلا وجه للتأمل و التشويش فكما ذكرنا في كل مورد ننظر فان كان الشرط علي خلاف المستفاد من الادلة عموما او خصوصا واقعا او ظاهرا يكون الشرط باطلا و الا فلا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من ابواب بيع الحيوان الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 33

[الشرط السادس أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع]

«قوله قدس سره: الشرط السادس ان لا يكون الشرط مجهولا الخ»

بتقريب انه لو كان الشرط مجهولا يصير العقد غرريا و الغرر يوجب بطلان العقد و يرد عليه أولا انه لا دليل معتبر علي افساد الغرر للعقد و ثانيا انه علي فرض تسليم تمامية الدليل انما دل علي ان البيع الغرري فاسد و الكلام في جهالة الشرط لا اصل العقد الا ان يقال اذا كان الشرط غرريا يسري الي نفس العقد و ثالثا انه علي فرض الاطلاق غاية ما في الباب كون الشرط فاسدا لكن لا دليل علي ان الشرط الفاسد يفسد العقد و رابعا انه لا يتصور الخطر في بعض الموارد كما لو علم المشتري بأنه يصل إليه بمقدار الثمن الذي دفعه و خامسا ان الغرر من الغرور و الخدعة فلا يرتبط بالجهالة فالنتيجة انه لا مجال للاشتراط المذكور.

[الشرط السابع أن لا يكون مستلزما لمحال]
اشارة

«قوله قدس سره: الشرط السابع ان لا يكون مستلزما لمحال كما لو شرط في البيع ان يبيعه علي البائع الخ»

ما ذكر في تقرير فساد الشرط المذكور وجهان:
الوجه الأول انه يستلزم الدور

بتقريب ان البيع الاول متوقف علي البيع الثاني اذ فرض اشتراطه به و الحال ان البيع الثاني متوقف علي البيع الاول فيدور و الدور باطل و يرد عليه ان الشرط في البيع الاول ليس البيع الخارجي كي يتوهم الدور بل الشرط عبارة عن التزام الطرف المقابل بالبيع الثاني فالبيع الاول متوقف علي الالتزام و البيع الثاني متوقف علي البيع الخارجي فلا دور.

الوجه الثاني انه مع الشرط المذكور لا يقصد البائع الاول قصدا جديا فلا يصح العقد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 34

و يرد عليه انه لا اشكال في تحقق القصد الجدي اذ العمل بالشرط متوقف علي تحقق البيع الاول فلا اشكال من هذه الجهة أيضا فلاحظ فالحق ان يقال ان الشرط لو استلزم المحال او كان متعلقا بأمر محال كما لو اشترط علي احد الطيران الي السماء يكون الشرط باطلا اذ لا يعقل ان يتعلق به الوجوب و لكن المثال الّذي ذكر في كلامهم غير تام كما تقدم و ظهر انه لا دور فلاحظ.

[الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد]
اشارة

«قوله قدس سره: الشرط الثامن ان يلتزم به في متن العقد فلو تواطيا عليه قبله لم يكف ذلك الخ»

يقع الكلام في مقامين

المقام الأول في الشروط الابتدائية و حكمها.

المقام الثاني انه هل يكفي في تحقق الشرط في ضمن العقد التواطي او اللازم التصريح به و ذكره اما المقام الأول فنقول المشهور بين القوم عدم نفوذ الشرط الابتدائي و يرد علي هذا الكلام أولا ان الشرط الابتدائي لا معني له فان الاشتراط قوامه بالارتباط فالجمع بين الشرط و الابتدائية جمع بين المتنافيين.

و ثانيا انه لو فرض صدق الشرط علي الالتزام الابتدائي فلا وجه لعدم نفوذه اذ مقتضي اطلاق دليل لزوم الشرط عدم الفرق بين اقسامه لكن الحق ان الالتزام الابتدائي لا يصدق عليه الشرط بل يصدق عليه الوعد كما لو وعد زيد لصديقه ان يزوره فيكون هذا و عدا و لا يكون شرطا و هل يكون الوفاء به واجبا تكليفا أم لا؟

يستفاد من طائفة من النصوص وجوب العمل بالوعد منها ما رواه العقرقوفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 35

عليه و آله من كان يؤمن باللّه و اليوم الاخر فليف اذا وعد «1».

و لا اشكال في استفادة الوجوب من الرواية و منها ما رواه هشام ابن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: عدة المؤمن اخاه نذر لا كفارة له فمن اخلف فبخلف اللّه بدء و لمقته تعرض و ذلك قوله «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ» «2» و دلالة الحديث علي المدعي اظهر و نقل عن كمال الدين الميثمي البحراني و السيد نعمة اللّه

الجزائري الالتزام بالوجوب و لكن لا يعمل بالوعد حتي ان المتدينين الا شاذ منهم لا يتقيدون ان يعملوا بوعودهم و هل يمكن رفع اليد عن النص الدال بوضوح علي وجوب الوفاء و حرمة التخلف الانصاف انه خلاف التورع اللهم الا ان يقال لو كان العمل بالوعد واجبا في عداد الواجبات لذاع و شاع اذ هو امر مورد ابتلاء العموم و كيف يمكن ان يبقي تحت الستار و لم يكشف عنه الغطاء و يؤكد المدعي ان المصنف قدس سره يقول لا تأمل في عدم وجوبه هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و اما

المقام الثاني فما يمكن ان يذكر في تقريب الاشتراط المذكور وجوه.
الوجه الأول الاجماع

و فيه ما فيه.

الوجه الثاني ان الشرط من اركان العقد فلا بد من ذكره فيه

و يرد عليه أولا انه ليس ركنا فيه و لذا لو لم الشرط في العقد اصلا لا يكون ناقصا و ثانيا انا نفرض كونه ركنا لكن اي دليل دل علي لزوم ذكر كل ركن و لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 109 من ابواب العشرة الحديث 2.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 36

يكتفي بكونه مقدرا و مدلولا عليه بالقرينة و لذا نري ان جملة من الشروط الارتكازية معتبرة عند العقلاء و يعمل بها مع عدم ذكرها في العقد بل يكتفي بالدلالة عليها بالقرائن.

الوجه الثالث ان الشرط عبارة عن ارتباط احد الامرين بالآخر فلا بد من انشائه باللفظ

و لا يكفي في الانشاء مجرد الاخطار القلبي و فيه ان الانشاء مأخوذ من النشو و بعبارة اخري الانشاء ابراز ما في النفس فلو صدق العنوان المذكور و لو بالقرينة كفي.

الوجه الرابع طائفة من النصوص واردة في باب المتعة

منها ما رواه عبد اللّه بن بكير قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح و ما كان بعد النكاح فهو جائز «1» بتقريب ان المراد بما بعد النكاح ما يكون في النكاح فما يذكر فيه تام و ما لم يذكر فيه فاسد و يرد عليه أولا انه حكم خاص في مورد مخصوص فلا وجه للتسرية و التعدي. و ثانيا انه لو كان مع التواطي يكون الشرط في النكاح لا قبله و بعبارة واضحة النكاح عبارة عن اعتبار الزوجية فما كان مقرونا مع الشرط و مرتبطا به يجوز و الا فلا.

و ان شئت قلت الحديث لا يرتبط بالذكر و عدمه فلاحظ فتحصل انه لا دليل علي الاشتراط المذكور فالميزان و المدار الصدق العرفي فان صدق في مقام الاثبات انه أنشأ العقد الفلاني مشروطا يصح العقد و الشرط و ان لم يصدق في مقام الاثبات و كان العقد مشروطا في مقام الثبوت لم يصح العقد اذ المفروض انه مشروط

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من ابواب المتعة الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 37

و من ناحية اخري لم يتحقق انشائه كذلك فما قصد لم ينشأ و ما انشأ بحسب الصورة لم يقصد نعم لو قام الدليل علي الانقلاب كما هو المحتمل في باب عدم ذكر الاجل في المتعة يتحقق علي خلاف المقصود لكن هذا يحتاج الي الدليل.

[و قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط بناء علي أن تعليقه يسري إلي العقد]

«قوله قدس سره: و قد يتوهم هنا شرط تاسع و هو تنجيز الشرط بناء علي ان تعليقه يسري الي العقد الخ»

و بعد السراية يصير العقد باطلا لبطلان التعليق و فيه انه ليس الامر كذلك فانه لا يرتبط احد الامرين بالآخر و

بعبارة واضحة لا يعقل ان يسري تعليق الشرط الي العقد اذ تحقق الشرط يتوقف علي العقد فما دام ان العقد لم يتحقق لا يتحقق الشرط فرتبة العقد متقدمة علي رتبة تعليق الشرط و لتوضيح المدعي نمثل مثالا فنقول لو باع زيد داره من بكر بشرط ان يخيط ثوبا له ان جاء عمرو يوم الجمعة من السفر معناه ان بكرا التزم بالخياطة في الفرض الكذائي فالالتزام بالخياطة بهذا النحو يتحقق في الخارج و بيع الدار معلق علي الالتزام المذكور و مع ذلك صحيح اذ الالتزام امر فعلي و التعليق علي امر موجود بالفعل جائز فانقدح ان الاشتراط المذكور لا يرجع الي محصل صحيح.

[مسألة في حكم الشرط الصحيح]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة في حكم الشرط الصحيح و تفصيله ان الشرط اما ان يتعلق بصفة من صفات المبيع الشخصي ككون العبد كاتبا و الجارية حاملا الخ»

قد ظهر مما تقدم ان اشتراط الصفات في المبيع الشخصي كالكتابة في العبد مثلا اما يرجع الي تعليق البيع علي وجود الصفة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 38

و اما الي جعل الخيار في صورة فقدان تلك الصفة و علي كلا التقديرين لا يرتبط بما نحن بصدده.

«قوله قدس سره: و عموم المؤمنون عند شروطهم و نحوه لا يجري»

هذا هو الحق فان دليل الشرط لا يكون مشرعا فلا بد من احراز مشروعية ما تعلق به الشرط في الرتبة السابقة و بعبارة واضحة دليل الشرط اما يختص بالموارد المشروعة و اما يعم غير المشروع و اما مهمل أما الاهمال فغير معقول و أما الاطلاق فهو كذلك كما هو ظاهر فالامر منحصر في الاول.

«قوله قدس سره: و من أن الوفاء لا يختص بفعل»

نعم لا يختص بالفعل و لكن يختص

بالمشروع و مع الشك في المشروعية لا يجوز الاخذ بالعموم لما حقق في محله من عدم جواز الاخذ بالعام في الشبهة المصداقية بل مقتضي الاصل عدم مشروعيته فببركة الاصل يحرز عدم كونه مشروعا.

«قوله قدس سره: و يشهد له تمسك الامام عليه السلام»

لا شهادة فيه علي المدعي فان تمسكه عليه السلام دليل علي المشروعية في مورد تمسكه عليه السلام.

«قوله قدس سره: مضافا الي كفاية دليل الوفاء بالعقود»

قد ذكرنا كرارا ان دليل الوفاء بالعقد دليل اللزوم لا دليل الصحة.

«قوله قدس سره: فهي دعوي غير مسموعة»

بل دعوي مسموعة اذ مع الشك يكون مقتضي الاصل عدم الصحة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 39

و صفوة القول انه مع الشك في المشروعية لا مجال للاخذ بدليل الشرط ففي كل مورد لا بدّ من احراز المشروعية فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالاقوي صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع»

بل الاقوي صحة اشتراط ما علم من الشارع كونه مشروعا و أما مع الشك فالحق عدم جواز اشتراطه لما مر منا آنفا فلاحظ.

[و الكلام فيه يقع في مسائل]
[الأولي في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي]

«قوله قدس سره: لظاهر النبوي المؤمنون عند شروطهم»

الامر كما افاده فان المستفاد من قوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم» ان الشارع الاقدس يري الشارط لشي ء مقرونا مع التزامه و غير منفك عنه و من الظاهر انه لا يعقل ان الشخص يكون ملتزما بأمر كشرب الماء مثلا و مع ذلك لا يشرب فانه خلف.

و أيضا لا يمكن أن يكون الانسان ملتزما بأمر كالزوجية الفلانية و الملكية الكذائية و مع ذلك لا يكون ملتزما به فاذا حكم الشارع بكون التزامه باقيا في وعاء الشرع أعم من أن يكون التزامه متعلقا بفعل أو يكون متعلقا بأمر وضعي فلا بد من ترتيب الآثار فاذا

كان متعلق الالتزام فعلا كالصلاة مثلا تجب و ان كان متعلقه امرا وضعيا يجب ترتيب آثاره فافهم و اغتنم و لا تغفل.

«قوله قدس سره:

الثانية: في انه لو قلنا بوجوب الوفاء به من حيث التكليف الشرعي فهل يجبر عليه لو امتنع»
اشارة

هذه مسألة مهمة اذ يترتب عليها اثر مهم و هو جواز اجبار المشروط عليه علي الاقدام بما اشترط علي نفسه و الذي يمكن أن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 40

يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول: الاجماع

علي ما في بعض الكلمات. و فيه ما فيه مضافا الي القطع بعدم تحقق الاجماع.

الوجه الثاني: ان الفعل بالشرط يصير مملوكا للشارط و لكل مالك جواز أخذ مملوكه باي نحو ممكن.

و فيه ان الامر ليس كذلك فان المشروط عليه لا يملك فعله من الشارط و ليس الشرط كالاجارة حيث ان الاجارة تمليك من الموجر عمله من المستأجر و أما المشروط عليه فلا يملك.

الوجه الثالث: انه يتحقق بالاشتراط حق للشارط علي المشروط عليه و لذا قابل للاسقاط

و هذا أمر عقلائي بحسب سيرتهم و الشارع الاقدس امضي السيرة المذكورة.

و بعبارة واضحة ليس وجوبا تكليفيا محضا بل وجوب تكليفي و مع ذلك يتضمن حقا للشارط و لذا يسقط الوجوب التكليفي بالاسقاط فلو اشترط الخياطة في ضمن البيع يتحقق للشارط حق علي المشروط عليه و يجوز للشارط اسقاط حقه و مع الاسقاط لا يجب علي المشروط عليه الخياطة بخلاف الوجوب التكليفي المحض كما لو نذر قراءة سورة من القرآن فانه وجوب تكليفي و غير قابل للاسقاط لانه حق إلهي و لا يرتبط بالخلق فالنتيجة ان شرط الفعل يوجب حقا للشارط علي المشروط عليه بحيث يمكن اجباره عليه.

ان قلت: ان الشرط متعلق بفعل صادر عن الاختيار و مع الاجبار لا يكون اختياريا. قلت: الاجبار لا يخرج الفعل عن الاختيارية و لذا يكون الافطار في شهر رمضان مفطرا للصوم و لو كان الافطار بالاكراه نعم مع الاجبار لا يكون الفعل صادرا عن طيب النفس لكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 41

الشرط لم يتعلق بالفعل بهذا القيد.

ان قلت: ان لم يعمل المشروط عليه بالشرط و لم يأت بالفعل المشروط عليه يمكن للشارط فسخ العقد فلا مجال للاجبار.

قلت: يرد عليه أولا انه يمكن تصوير الشرط مع عدم الخيار كما لو صرح بعدمه. و ثانيا: انه لا يرتبط احد الامرين بالآخر فان المجعول امران احدهما الفعل الفلاني كالخياطة مثلا. ثانيهما خيار الفسخ في فرض عدم الاتيان بالفعل و تخلفه فكلا الامرين مجعولان من قبل

الشارط علي المشروط عليه غاية الأمر الثاني في طول الأمر الأول فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الثالثة في أنه هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار»
اشارة

الحق انه يمكنه الفسخ حتي مع التمكن من الاجبار فان الخيار علق علي عدم الاتيان بالشرط. و ان شئت فقل: ان الخيار المذكور في المقام ليس خيارا تعبديا شرعيا مترتبا علي موضوع خاص كي يبحث عن موضوعه بل الخيار المبحوث عنه خيار جعلي فهو تابع للجعل فان رتب علي عدم الاتيان و عدم امكان الاجبار لا يتحقق الا مع عدم امكانه و ان رتب بحسب الجعل علي مجرد عدم الاتيان به كما هو كذلك بحسب الارتكاز العقلائي يتحقق الحق بمجرد عدم الاتيان به بل يكفي لتحققه مجرد عدم الاتيان و ان كان عن غفلة و ذهول فلاحظ.

«قوله قدس سره: فهل يوقعه الحاكم عنه اذا فرض تعذر اجباره»

ما يمكن أن يذكر في تقريب جواز تصدي الحاكم وجهان:
اشارة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 42

الوجه الأول: انه روي قوله عليه السلام «السلطان ولي الممتنع»

فيجوز تصدي الحاكم.

و يرد علي الوجه المذكور انه بعد فرض تمامية الحديث من حيث السند لا اثر له في المقام اذ لا اشكال في أن الحاكم الشرعي ليس سلطانا فان السلطان علي الاطلاق هو الامام عليه السلام فلا ينطبق علي الحاكم الشرعي الا بعد اثبات كون جميع الشئون الراجعة الي الامام عليه السلام له في زمان الغيبة و هذا اوّل الكلام و الاشكال فهذا الوجه غير سديد.

الوجه الثاني: ان للحاكم التصدي للامور الحسبية و المقام منها.

و فيه انه اوّل الكلام فان المراد من الامور الحسبية الامور التي علمنا من الشرع ان الشارع لا يرضي بتركها بل أراد التصدي لها و كون المورد منها اوّل الاشكال فالنتيجة عدم امكان الجزم بجواز تصدي الحاكم الشرعي فلاحظ.

«قوله قدس سره:

الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشروط له الا الخيار لعدم دليل علي الارش»
ما يمكن أن يذكر في تقريب جواز أخذ الارش وجوه:
الوجه الأول: ان الارش مقتضي القاعدة الاولية

فان الشرط يوجب زيادة القيمة ففي عالم اللب و الواقع يكون مقدار من الثمن في مقابل الشرط فاذا تعذر يلزم جبرانه بالارش.

و يرد عليه انه فرق بين كون شي ء موجبا لزيادة القيمة و بين كون الشي ء مقابلا بمقدار من الثمن و لا اشكال في أن تمام الثمن في مقابل العين فلا مجال للتقريب المذكور.

الوجه الثاني: ان الثمن واقع في مقابل العين المقيدة بالقيد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 43

الكذائي كالخياطة مثلا و مع تعذر الشرط يلزم بطلان العقد بهذا المقدار.

و يرد عليه ان الجزئي الخارجي غير قابل للتقييد نعم قابل للتعليق و التعليق يوجب البطلان.

و ثانيا ان الثمن لا يكون مقابلا الا مع العين و ليس مقداره في قبال العين و مقدار منه في مقابل التقيد.

الوجه الثالث: السيرة العقلائية الممضاة عند الشارع

و يرد عليه أولا ان السيرة المدعاة اوّل الكلام و الاشكال. و ثانيا: انه علي فرض تسلمها تكون مردوعة بقوله تعالي «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ».

فان المستفاد من الآية ان التملك الجائز منحصر في التجارة عن تراض فلاحظ.

الوجه الرابع ان الشارط بشرطه يتملك الفعل في ذمة الطرف المقابل و مع تعذره تصل النوبة الي البدل.

و يرد عليه ان الشارط لا يتملك شيئا في ذمة الطرف كما تقدم منا فالنتيجة انه لا وجه للارش المدعي في المقام.

«قوله قدس سره:

الخامسة لو تعذر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه»

الّذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال التصرفات الواقعة علي العين من قبل المشروط عليه كلها صحيحة نافذة اذا لتصرفات صادرة من أهلها و واقعة في محلها فلا وجه لفسادها و ضغا و ان كان التصرف حراما تكليفا في بعض الفروض.

فانه لا تنافي بين الحرمة التكليفية و الصحة الوضعية و ليس

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 44

للشارط فسخ تلك التصرفات لعدم المقتضي لثبوت الحق المذكور فلا تصل النوبة الي البحث في أن الفسخ من الاصل أو من الحين نعم لو كان تصرف المشروط عليه منافيا لما شرط عليه و يمكنه الاتيان به و لو بفسخ عقد خياري أو اشتراء العين ممن باعها منه يجب عليه و يجوز للشارط اجباره و الزامه به اذ قد مر انه يجوز للشارط الزام المشروط عليه بالاتيان بمورد الشرط.

فلو باع بالبيع الخياري الدار التي اشترط عليه وقفها للذرية يجب عليه أن يفسخ العقد و يقف الدار كما انه يجب عليه الاشتراء اذا كان ممكنا و لم يكن العقد الاول خياريا و أما الزائد علي ذلك فلا مقتضي له.

«قوله قدس سره:

السادسة للمشروط له اسقاط شرطه»

وقع الكلام بينهم في أنه هل يجوز للشارط اسقاط حقه بالنسبة الي الشرط؟ مقتضي القاعدة الاولية عدم السقوط بالاسقاط فان مقتضي دليل وجوب الوفاء بالشرط وجوب الوفاء و لو مع اسقاط المشروط له و لكن الظاهر ان السيرة العقلائية و ارتكازهم علي سقوط الحق المذكور بالاسقاط.

و ان شئت قلت: لا يفهم من دليل وجوب الوفاء وجوب تعبدي بحيث لا يؤثر فيه اسقاط من يكون له الشرط.

و بعبارة اخري: لا يفهم من الدليل الوجوب التعبدي كبقية الواجبات بل يفهم من الدليل انه من حقوق الناس.

و ان ابيت عن

ذلك فلا اشكال في أن الامر كذلك في ارتكاز العقلاء و الشارع الاقدس لم يردع عن الارتكاز المذكور و علي كل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 45

تقدير لا اشكال في عدم بقاء الحق بعد الاسقاط اذ لا دليل عليه فانه ليس في المقام عموم أو اطلاق دال علي الحق كي يقال بأن مقتضاه بقائه بعد اسقاطه فلا بد من جريان الاستصحاب في بقائه و الحال ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

ثم انه علي تقدير السقوط بالاسقاط فهل يفرق بين اشتراط العتق و غيره بأن يقال لا يسقط الوجوب في الاول فيجب العتق حتي بعد الاسقاط.

ربما يقال بالوجوب و عدم السقوط بتقريب ان الحق في العتق لا ينحصر بالمشروط له بل الحق مشترك بينه و بين اللّه و العبد فلا وجه لسقوط الاخيرين بالاسقاط.

و يرد عليه انه لا يتصور حق لا له تعالي و لا للعبد و مجرد الوجوب الشرعي مشترك بين جميع الموارد و أما انتفاع العبد بالعتق فلا يقتضي ثبوت حق له و الا يلزم القول بثبوت الحق للمنذور له و هل يمكن الالتزام به كلا.

«قوله قدس سره:

السابعة قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن»

الامر كما أفاده فان الشرط ليس جزءا من المبيع بل الثمن بتمامه يقع في مقابل العين و اشتراط المقدار الكذائي في العقد لا يوجب التقسيط فلا مجال للقول بأن التخلف يوجب تبعض الصفقة فانه لا موضوع للتبعض.

مضافا الي أنه لا مجال للالتزام به فقد ذكرنا سابقا ان البيع الواحد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 46

لا ينحل الي البيوع بانحلال الاجزاء نعم تخلف الوصف ربما يقتضي البطلان و ربما يقتضي الخيار المشروط بالشرط الارتكازي العقلائي فلو باع العين

الخارجية بعنوان كونه مصرعي الباب فانكشف انه مصراع واحد يكون العقد باطلا اذ ما قصد غير واقع و غير موجود و الموجود غير ما بيع.

كما انه لو باع الجسم الخارجي بعنوان الغلام الحبشي فبان كونه حيوانا وحشيا يكون العقد باطلا نعم في تخلف الوصف يتحقق الخيار فلو باع ارضا علي أنها خمسة جريان فبان انها اقل فتارة يعلق البيع علي الكم الخاص يكون العقد باطلا و اخري يبيع العين مقيدة بالكم الخاص يكون العقد أيضا باطلا لاستحالة تقييد الجزئي الحقيقي.

و ثالثة يبيع و يشترط كون المبيع كذا مقدار فالتخلف يوجب الخيار الناشئ عن الشرط الارتكازي العقلائي و علي جميع التقادير لا يقع شي ء من الثمن في مقابل الشرط بل الامر دائر بين البطلان و الصحة مع الخيار فلاحظ.

نعم لو باع صبرة من الحنطة كل من منها بكذا بشرط أن يكون مائة من فبان كونها خمسين منا فالقاعدة تقتضي صحة البيع بالنسبة الي الموجود و البطلان بالنسبة الي الفاقد.

كما ان القاعدة تقتضي الالتزام بتعدد البيع في مقام الثبوت و الواقع و انما الوحدة في مقام الاثبات و الدلالة و لازمه تعدد الخيار بعدد البيوع الواقعة علي الصبرة فان البيع المتعلق بها علي الفرض ينحل الي بيوع عديدة و يترتب علي كل واحد منها اثره فيجوز فسخ البعض و امضاء البعض الاخر فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 47

[القول في حكم الشرط الفاسد و البحث في أمور]
[الأول أن الشرط الفاسد لا تأمل في عدم وجوب الوفاء به بل هو داخل في الوعيد]
اشارة

«قوله قدس سره: بل هو داخل في الوعيد»

قال الطريحي في مجمع البحرين انهم خصوا الوعد بالخير و الوعيد بالشر فالمراد بالوعيد الوعد و الامر سهل.

«قوله قدس سره: استحب الوفاء به»

ما افاده مبني علي عدم وجوب الوفاء بالوعد و القاعدة الاولية تقتضي الوجوب و قد تعرضنا للاستدلال

علي وجوب العمل به في ذيل الشرط الثاني من شروط نفوذ الشرط فلا وجه للاعادة.

و ربما يقال: ان خلف الوعد يستلزم الكذب فيحرم الخلف. و يرد عليه ان الوعد قسم من الالتزام و داخل في الانشائيات فليس اخبارا كي يلزم الكذب مضافا الي انه لو كان مصداقا للاخبار لا بدّ أن يتصف بالكذب و عدمه حين الاخبار.

و بعبارة واضحة المخبر بأمر حين الاخبار اما صادق بالصدق المخبري و اما كاذب كذلك فخلف الوعد في المستقبل لا أثر له و ببيان آخر: ان الشي ء لا ينقلب عما هو عليه فالمخبر حين الاخبار اما مرتكب للحرام و اما غير مرتكب له و علي كل تقدير الخلف المتأخر لا يغيّر الصفة المتقدمة غاية ما في الباب يكون المخلف نادما و من الظاهر ان الندم ليس حراما فلاحظ.

«قوله قدس سره: لرجوع الجهالة فيه الي جهالة احد العوضين»

و يرد عليه أولا ان جهالة الشرط لا توجب مجهولية العوض فان الشرط لا يكون جزءا من العوض. و ثانيا: انه لا دليل علي كون الجهالة موجبة للفساد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 48

ان قلت: مع كون العوض مجهولا يلزم الغرر الموجب لفساد العقد قلت: يرد عليه أولا انه أخص من المدعي اذ يمكن أن يتصور عدم الخطر.

و ثانيا: انا قد ذكرنا كرارا انه لا دليل معتبر علي افساد الغرر للعقد بالإضافة الي أن الغرر بمعني الخديعة لا بمعني الخطر اضف الي جميع ذلك انه لو كان الشرط فاسدا كما هو المفروض في كلامه يكون وجوده كعدمه و المفروض انه لا موجب للبطلان الا من ناحية الشرط.

اللهم الا ان يقال انه خروج عن الفرض اذ قد سلم انه جزء من العوض

و مع فرض كون العوض باطلا لا مجال لصحة العقد.

«قوله قدس سره: للدور»

ما أفاده غريب اذ لا وجه لتقريب الدور فان البيع الاول يتوقف علي التزام المشتري بالبيع و التزامه كذلك لا يتوقف علي البيع نعم البيع الثاني يتوقف علي البيع الاول و أما البيع الاول فيتوقف علي الالتزام كما قلنا فلا دور.

«قوله قدس سره: او لعدم القصد الي البيع الاول»

هذا أيضا غريب اذ لا اشكال في تحقق قصد البيع و يكفي في اثبات المدعي الرجوع الي الوجدان.

«قوله قدس سره: أو للتعبد من أجل الاجماع أو النص»

اما الاجماع فلا يفيد فان الاشكال العام الجاري في الاجماعات جار هنا أيضا و أما النص فقد دل علي بطلان العقد مع الشرط المذكور بعض الروايات.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 49

لاحظ ما رواه حسين بن منذر قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فأشتري له المتاع مرابحة ثم ابيعه اياه ثم اشتريه منه مكاني قال: اذا كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت انت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس.

فقلت ان اهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون ان جاء به بعد أشهر صلح قال: انما هذا تقديم و تأخير فلا بأس «1».

فان المستفاد من الحديث التفصيل بين الاشتراط و العدم فعلي الاول لا يصح البيع و علي الثاني يصح و لكن الحديث ضعيف سندا فان حسين بن منذر الواقع في السند لم يوثق ظاهرا.

و لاحظ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم أ

يحل؟ قال اذا لم يشترط و رضيا فلا بأس «2».

و هذه الرواية تامة سندا و لكن لا يستفاد منها اطلاق الحكم و بعبارة اخري: تدل علي المدعي علي نحو الموجبة الجزئية و كيف كان بطلان العقد فيما نحن فيه ليس من باب فساد الشرط بل من باب النص الخاص و الا لا يكون الشرط المذكور فاسدا كما هو واضح اذ لا وجه لفساده من أية ناحية.

«قوله قدس سره: لان المعاملة علي هذا الوجه أكل للمال بالباطل»

قد تكرر منا ان الجار في الآية الشريفة ليس للمقابلة بل للسببية و من الظاهر ان البيع من الاسباب الصحيحة مضافا الي أن المعاملة

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب احكام العقود الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 50

بين الثمن و الخشب و بيع الخشب لا مانع منه و انما الاشكال من ناحية النص الخاص لاحظ ما رواه عمرو بن حريث قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التوت ابيعه يصنع للصليب و الصنم قال: لا «1».

فيكون المقام نظير المسألة السابقة اي ان تم الدليل علي الحرمة أو الفساد فنلتزم به من باب قيام الدليل الخاص علي البطلان لا من باب كون الشرط الفاسد مفسدا فلاحظ.

«قوله قدس سره: ان الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدور علي تسليمه»

لا وجه للدعوي المذكورة فان عدم القدرة علي الشرط لا يستلزم عدمها علي تسليم المبيع فان الشرط ليس جزءا من المبيع و لا قيدا له مضافا الي عدم تمامية الدعوي في أصل الكبري فانه لا دليل علي اشتراط القدرة علي التسليم في صحة البيع.

«قوله قدس سره: التفصيل بين الفاسد لاجل عدم تعلق غرض مقصود للعقلاء به»

يرد

عليه أولا: انه لا وجه للحكم بالفساد اذا لم يكن في الشرط غرض عقلائي فان كل شرط نافذ الا ما يكون مخالفا للشرع و لا دليل علي لزوم كونه عقلائيا و ثانيا: انه لو قلنا بكون الشرط الفاسد مفسدا للعقد لا وجه للتفصيل بين أقسامه بل يلزم كونه مفسدا علي الاطلاق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 51

[هل العقد مع الشرط الفاسد صحيح أم لا]
اشارة

«قوله قدس سره: و كيف كان فالقول بالصحة في أصل المسألة لا يخلو عن قوة»

يقع الكلام من هذه الجهة في مقامين احدهما فيما تقتضيه القاعدة الاولية ثانيهما فيما تقتضيه الادلة الثانوية.

اما

المقام الأول [فيما يقتضيه القاعدة الأولية]

فنقول: لا تنافي بين فساد الشرط و عدم نفوذه و صحة العقد مثلا لو باع احد داره من آخر بشرط أن يرتكب المشتري محرما من المحرمات الشرعية يكون بيع الدار صحيحا لتمامية المقتضي و عدم المانع اذ قد علق البيع علي التزام المشتري بارتكاب الحرام و لا دليل علي فساد البيع في الفرض المذكور غاية الامر لا يكون الشرط صحيحا فلا يكون واجب الوفاء.

ان قلت هل يترتب علي عدم الوفاء تحقق الخيار أم لا. قلت:

نلتزم بتحققه اذ قد مر في بحث الخيار جواز جعله لاحد المتعاقدين و لكليهما فلا مانع من جعله بالارتكاز او بالصراحة.

و أما

المقام الثاني فقد ذكرت وجوه لاثبات كون الشرط الفاسد مفسدا.
الوجه الأول: ان للشرط قسطا من الثمن فيكون الثمن المقابل للمبيع مجهولا فيكون غرريا فيكون فاسدا.

و يرد عليه أولا انه لا يقع شي ء من الثمن في مقابل العين.

و ثانيا ان مجرد الجهل لا يوجب الغرر و الخطر بل أعم منه.

و ثالثا: انه لا دليل معتبر علي كون الغرر مفسدا للعقد. و رابعا انه يمكن أن يقال انه لا يتحقق الجهل و لو مع الالتزام بالتقسيط لان ما يقابل للشرط معلوم كما يعلم ما يقابل بالوصف.

و أفاد الشيخ قدس سره ايرادا آخر و هو ان الجهل الطاري غير

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 52

مضر بالعقد و انما المضر الجهل عند العقد و مقارنا له.

و يرد عليه ان الجهل المذكور مقارن مع العقد أي البائع لا يعلم بما يكون مقابلا مع العين و أما علمه بالمجموع فلا اثر له لان المفروض ان الشرط باطل و ما يقابله خارج عن محور العقد فلاحظ.

الوجه الثاني: ان العقد اذا كان مشروطا بشرط يكون التراضي واقعا علي النحو الخاص

فاذا تعذرت الخصوصية كما هو المفروض لا يبقي التراضي فان المشروط ينتفي بانتفاء شرطه فالتراضي الواقع بين الطرفين غير باق و المفروض عدم تحقق تراض جديد فيكون أكل المال اكلا بالباطل.

و يرد عليه المناقشة في الصغري فان العقد مشروط بالالتزام الصادر عن الطرف المقابل و ليس معلقا علي وجود الشرط في الخارج و من الظاهر ان الالتزام محقق حين العقد و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه.

و بعبارة واضحة: لا تخلف في محل الكلام فلا تصل النوبة الي النقض و الحل و الاستشهاد ببعض النصوص الوارد في باب النكاح منها ما رواه محمد بن قيس «1».

فان العقد كما ذكرنا معلق علي الالتزام و المفروض ان المشتري يلتزم بالشرط حين العقد فلا مانع عن صحة العقد و لا يقاس المقام بباب تخلف الوصف النوعي أي تخلف الصورة النوعية كما

لو باع الحمار الوحشي فيظهر ان المبيع غلام حبشي فانه لا اشكال في فساد البيع اذ لم يتعلق العقد بالجامع بين الامرين بل تعلق بالصورة

______________________________

(1) قد تقدم في ص 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 53

الخاصة و المفروض انتفائها و في المقام لا يتصور الانتفاء اذ المفروض ان المشتري يلتزم فالمعلق عليه تحقق و المعلق مثله فلا وجه للاشكال اصلا.

و لا يخفي ان تخلف الشرط الفاسد كما قلنا سابقا يوجب الخيار بلا فرق بين علم المشتري المشروط عليه فرضا بالفساد و جهله به فان الخيار بلحاظ الجعل الارتكازي أو بلحاظ التصريح به.

و لذا لو فرضنا ان البائع جعل لنفسه الخيار علي المشتري الا في صورة ارتكاب المشتري محرما من المحرمات يكون الجعل المذكور صحيحا اذ قد مر في بحث الخيار انه يجوز جعله ابتداءً فاذا فرض جواز جعله فلا فرق بين أقسامه و انواعه.

الوجه الثالث: بعض النصوص

لاحظ ما رواه عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا الحسن موسي عليه السلام عن الرجل ابتاع منه طعاما أو ابتاع منه متاعا علي أن ليس عليّ منه وضيعة هل يستقيم هذا و كيف يستقيم وجه ذلك قال لا ينبغي «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث فساد العقد بفساد الشرط فان الشرط المذكور في الحديث علي خلاف المقرر الشرعي.

و يرد عليه أولا ان السند مخدوش فان عبد الملك الواقع في السند مشترك بين الصيرفي و الهاشمي. و ثانيا: ان لفظ لا ينبغي لا يدل علي الفساد بل يمكن أن يكون المراد منه كراهة مثل هذه المعاملة.

و ثالثا انه يمكن أن يكون المراد فساد الشرط لا العقد فلا يتم

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من ابواب احكام العقود.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 4، ص: 54

الاستدلال و لاحظ احاديث ابناء منذر و جعفر و حريث «1» و قد تعرضنا قريبا لهذه الروايات و أجبنا عنها فلا وجه للاعادة

«قوله قدس سره: و يدل علي الصحة أيضا جملة من الاخبار»

و من تلك النصوص ما رواه الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امة كانت تحت عبد فاعتقت الامة قال أمرها بيدها ان شاءت تركت نفسها مع زوجها و ان شاءت نزعت نفسها منه. و قال و ذكر ان بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة و اعتقتها فخيرها رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و قال: ان شاءت ان تقرّ عند زوجها و ان شاءت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا علي عائشة ان لهم ولاءها فقال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله الولاء لمن اعتق «2» الحديث.

فان هذه الرواية تدل بوضوح علي ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد و منها ما رواه الحلبي أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الشرط في الاماء لاتباع و لا تورث و لا توهب فقال يجوز ذلك غير الميراث فانها تورث و كل شرط خالف كتاب اللّه فهو رد «3».

و هذه الرواية واضحة الدلالة علي المدعي و منها ما رواه ابن سنان مثله الا انه قال فهو باطل «4» فان الحديث المذكور أيضا دال علي المدعي.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 49- 50.

(2) الوسائل الباب 52 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 15 من ابواب بيع الحيوان الحديث 1.

(4) نفس المصدر ذيل الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 55

«قوله قدس سره: و قد يستدل علي الصحة

بان صحة الشرط فرع علي صحة البيع»

فيلزم الدور فان صحة الشرط يتوقف علي صحة العقد فلو كانت صحة العقد متوقفة علي صحة الشرط يلزم الدور.

و يرد عليه ان صحة الشرط تتوقف علي كونه موافقا مع الشرع لا علي صحة العقد نعم المشهور بينهم ان نفوذ الشرط يتوقف علي صحة العقد فلا دور اذ التوقف من جانب واحد.

و لما انجر الكلام الي بيان حكم هذا الفرع و ان تقدم سابقا نقول:

ان الشرط في ضمن العقد الفاسد صحيح و نافذ لتمامية المقتضي و عدم المانع فلو باع زيد مقدار خمر من بكر و اشترط عليه أن يخيط ثوبه يكون البيع باطلا و لكن شرط خياطة الثوب نافذ لكن الظاهر انه يقرع الاسماع.

«قوله قدس سره: و الانصاف ان المسألة في غاية الاشكال»

بل الانصاف انه لا اشكال فيها لا من حيث القاعدة الاولية و لا من حيث القاعدة الثانوية سيما مع وجود النصوص الظاهرة أو الصريحة في الجواز و عدم كونه مفسدا للعقد فلاحظ.

«قوله قدس سره: ففي ثبوت الخيار للمشروط له مع جهله بفساد الشرط وجه»

الّذي يختلج بالبال كما تقدم منا انه لا وجه للترديد و الاشكال فان دليل الخيار كما سبق منا عبارة عن الشرط الارتكازي أو الاشتراط الصريح و لا فرق بين الجاهل و العالم اذ جعل الخيار جائز شرعا و لا فرق في جواز جعله بلا تعليق و تعليقه علي فعل واجب أو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 56

ترك محرم أو فعله و هكذا.

فلو قال البائع للمشتري لي الخيار ان لم تشرب الخمر يصح الاشتراط و لا مانع منه و بعبارة واضحة: المقتضي له موجود و المانع عنه مفقود فنلتزم به و لا نفرق

بين الجاهل و العالم.

[الثاني لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد علي القول بإفساده لم يصح بذلك العقد]

«قوله قدس سره: الثاني لو اسقط المشروط له الشرط الفاسد الخ»

الحق ما أفاده من عدم تأثير اسقاط الشرط اذ المفروض ان العقد تحقق مقرونا بالمانع و الشي ء لا ينقلب عما هو عليه و علي هذا الاساس يشكل اتمام العقد الفضولي بالاجازة اللاحقة و تصحيح العقد الاكراهي بالرضا المتأخر.

و الوجه في الاشكال ان المفروض ان العقد تحقق باطلا و لا يمكن الانقلاب فالصحة تحتاج الي دليل خاص كما هو كذلك في مورد العقد الصادر عن الفضولي فان النص الخاص الوارد في نكاح العبد بدون رضي مولاه يدل بعموم العلة الواردة فيه علي صحة كل عقد فضولي ملحوق بالاجازة الصادرة عمن بيده الامر.

[الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد]

«قوله قدس سره: الثالث لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد لفظا و لم يذكر في العقد الخ»

تارة نقول: الشرط الفاسد يفسد العقد بمقتضي القاعدة الاولية و اخري نقول: الدليل لا فساده للعقد الاجماع أو النصوص الخاصة فان قلنا بالاول فلا فرق بين ذكر الشرط قبل العقد و ذكره في العقد اذ المفروض ان التراضي واقع علي العقد الخاص فمورد التراضي باطل و غيره لم يقصد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 57

و ان شئت قلت: ما وقع العقد عليه غير قابل للامضاء و ما يكون قابلا له لم يقع العقد عليه نعم اذا غفلا عما ذكرا قبلا و لم يكن الشرط مرتكزا بحيث يصدق انه مقدر و المقدر كالمذكور لا مقتضي للبطلان اذ المفروض ان العقد مطلق.

و أما ان قلنا بأن المدرك للبطلان الاجماع أو النصوص الخاصة فلازمه القول بعدم الفساد في الصورة المفروضة فان الاجماع دليل لبّي و لا يشمل ما لا يكون الشرط مذكورا في العقد.

كما ان ظاهر النصوص ان الحكم

يترتب فيما يكون الشرط مذكورا في نفس العقد و لا يخفي ان هذا الفرع و أمثاله فروع فرضية اذ قد تقدم ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد فلا مجال لامثال هذه الفروع.

[الرابع لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء]

«قوله قدس سره: الرابع لو كان فساد الشرط لاجل عدم تعلق غرض معتد به عند العقلاء الخ»

يمكن أن يفصل في المقام بعين ذلك التفصيل الذي ذكر في الفرع المتقدم بأن نقول تارة يكون البطلان علي طبق القاعدة الاولية و اخري يكون الافساد من باب الاجماع أو من باب النصوص الخاصة فان قلنا بكون الافساد علي مقتضي القاعدة الاولية فلا بد من القول بالافساد لعدم ما يقتضي التفصيل.

و ان كان المدرك الاجماع فلا بد من الاقتصار علي المقدار المعلوم منه و ان كان المدرك النص الخاص فلا بد من التفصيل بأن نقول ان قلنا ان اطلاقه منصرف عن هذه الصورة لا يكون الشرط مفسدا و ان قلنا اطلاق النص يشمل الصورة المفروضة و لا يكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 58

منصرفا عنها فلا بد من الالتزام بالافساد فلاحظ.

[الكلام في أحكام الخيار]

[الخيار موروث بأنواعه]

«قوله قدس سره: الخيار موروث بانواعه»

اثبات إرث الخيار يتوقف علي ثلاث مقدمات: المقدمة الاولي ان الخيار حق في قبال الحكم فانه من الظاهر ان الحكم الشرعي غير قابل للانتقال بالارث فلا بد من اثبات كونه حقا في قبال الحكم.

و الظاهر انه لا اشكال فيه و كونه فيما هو محل الكلام من الحقوق و قابلا للاسقاط مما لا ريب فيه و الحال ان الحكم غير قابل للاسقاط فالمقدمة الاولي واضحة.

المقدمة الثانية: انه قابل للانتقال. و هذا اوّل الكلام و الاشكال و لذا لا يمكن لاحد أن ينقل خياره الي الغير بالمصالحة مثلا كما يجوز التوكيل في اعماله فهذه المقدمة غير واضحة و مورد للاشكال بل مقتضي الاصل عدم قابليته للانتقال.

المقدمة الثالثة: شمول دليل الارث اياه و الظاهر بل الصريح من ادلة الارث كتابا و سنة ان الارث

يتعلق بالاعيان و المنافع و لا تشمل الخيار نعم ربما يقال ان قوله صلي اللّه عليه و آله «ما ترك ميت من حق فلوارثه» «1»، يشمل الخيار.

لكن هذه الرواية مرسلة و لا اعتبار بها و عمل المشهور بها محل الاشكال و علي فرض تمامية الصغري لا يتم الامر اذ اصل الاشكال في الكبري فانا انكرنا انجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور كما انه انكرنا سقوط الخبر المعتبر باعراضهم اضف الي ذلك ان الخيار امر بسيط لا جزء له.

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 23 ص 75.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 59

و بعبارة واضحة: ان الخيار حق متعلق بالعقد و العقد أمر واحد لا أجزاء له فلا يكون الخيار قابلا للتقسيم كي يقال «للذكر مثل حظ الانثيين» فلا بد من الالتزام باحد الامرين.

احدهما: ثبوت خيار مستقل لكل واحد من الوراث ثانيهما: كونه للمجموع من حيث المجموع كما عليه القوم أما الاول فلا دليل عليه. و أما الثاني فان تم المدعي بتحقق اجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام فهو و الا يشكل الامر و مقتضي الاصل الاولي عدمه.

و في المقام حديث رواه حمزة بن حمران بن اعين قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام من ورث رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فقال فاطمة ورثته متاع البيت و الفرش و كل ما كان له «1».

و يستفاد من الحديث المذكور ان فاطمة عليها السلام ورثت من رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كل ما كان له.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا بابن حمران و ثانيا ان الحديث وارد في مورد اتحاد الوارث. و ثالثا: ان الحديث وارد في قضية شخصية و لا

ندري ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله عند وفاته كان له حق الخيار بالنسبة الي مورد أم لا فالنتيجة ان الجزم بارث الخيار مشكل الا أن يتم الامر بالاجماع أو التسالم و ان ظهور الحكم بحد غير قابل للنقاش فلاحظ.

«قوله قدس سره: لم يمنع انتقال الخيار الي الوارث»

بتقريب ان المقتضي موجود و المانع مفقود لكن علي مسلك المشهور في مفاد قاعدة لا ضرر لو ترتب ضرر علي الديان باعمال

______________________________

(1) تهذيب الاحكام ج 9 ص 277 الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 60

الخيار أمكن منعه بالقاعدة فانه علي المسلك المشهور يرفع الحكم الضرري بالقاعدة بلا فرق بين التكليفي و الوضعي فلاحظ.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 4، ص: 60

«قوله قدس سره: فلا اشكال في عدم الارث»

اذ المستفاد من الدليل كون العناوين المذكورة كالقتل و أمثاله مانعة عن الارث و الاطلاق يقتضي عدم الفرق بين الموارد.

«قوله قدس سره: او عدم حرمانه كذلك»

الظاهر ان هذا القول هو الحق فان الخيار حق متعلق بالعقد و مقتضي القاعدة الاولية ان ترث الزوجة منه بناء علي كونه موروثا كما هو المفروض و لا مانع في مقابل الادلة المقتضية فلا بد من القول به.

بل لقائل أن يقول: ان الخيار اذا كان حقا متعلقا بالعين يلزم القول بانتقاله بالارث الي الزوجة اذ المفروض ان المقتضي تام و المانع مفقود و الوجوه المذكورة للمنع وجوه ذوقية ليس تحتها شي ء.

«قوله قدس سره: فلو علل بارثها دار»

و الحق ما ذكرنا و تقدم منا فان إرث الخيار لا يرتبط بارث المال

فالحق انها ترث من الخيار نعم لو كان إرث الخيار تابعا لارث المال من حيث المقدار لا موضوع لارثها مع فرض عدم ارثها من المال الذي تركه الميت كالعقار و هذا واضح ظاهر.

و بعبارة اخري: تقريب الدور: ان جواز الفسخ يتوقف علي ملكية الثمن و الحال ان الملكية تتوقف علي الفسخ فيدور. و الجواب ان الحق عدم توقف إرث الخيار علي شي ء كما تقدم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 61

[مسألة في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شي ء واحد غير قابل للتقسيم و التجزية]
[وجوه في كيفية استحقاق الورثة للخيار]
اشارة

«قوله قدس سره:

الأول ما اختاره بعضهم من استحقاق كل منهم خيارا مستقلا كمورثه»

و الوجه فيه: ان ظاهر النبوي و بقية ادلة الارث ثبوته لكل واحد من الورثة و يتصور تعدد الوارث المنتقل إليه بالنسبة الي الحق بخلاف المال فان المال الواحد لا يتصور فيه تعدد المالك المستقل و أما الحق الواحد فيتصور فيه تعدد ذيه كما هو كذلك في بعض الحقوق كحق القذف مثلا.

و أورد عليه الشيخ قدس سره بأن المراد من الوارث في النبوي و غيره مما افرد فيه لفظ الوارث جنس الوارث الشامل للواحد و للمتعدد و كون ما ترك لجنس الوارث يتصور علي وجوه أربعة:

الوجه الأول: أن يكون الخيار لكل واحد علي نحو العموم الاستغراقي.

الوجه الثاني: أن يكون لكل واحد بمقدار حصته من الارث.

الوجه الثالث: أن يكون للمجموع من حيث المجموع.

الوجه الرابع: أن يكون للمجموع من حيث الطبيعة فكل واحد منهم بادر و أجاز أو فسخ يتم الامر و لا تصل النوبة الي الآخرين و لو تقارن فسخ احدهما مع امضاء الاخر لا يؤثر شي ء منهما لعدم المرجح.

و اما ما ورد بصيغة الجمع فلا يخفي انه اما اريد به جنس الجمع أو جنس الفرد أو الاستغراق القابل للحمل علي الاستغراقي و المجموعي.

و الظاهر هو الثاني مضافا الي القرينة العقلية و اللفظية علي خلاف ما رامه أما الاولي فلأن الخيار أمر واحد شخصي فكيف يمكن قيامه باشخاص متعددين علي نحو الاستقلال.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 62

و أما الثانية فلان الدليل الدال علي إرث المال و الحق دليل واحد فكيف يمكن إرادة الاشتراك بالنسبة الي المال و ارادة التعدد و الاستقلال بالنسبة الي الحق و الحال انه يستلزم استعمال اللفظ الواحد في اكثر من معني.

مضافا الي أن لازم كلامه ان

الورثة كالوكلاء لشخص واحد فيؤثر السابق و لا تصل النوبة الي اللاحق فلا وجه لتقديم الفاسخ علي المجيزان كان متأخرا.

و يرد علي الشيخ قدس سره فيما أفاده نقضا و حلا أما الاول فيما لو كان لشخص واحد خيارات متعددة فهل يكون الاجازة بالنسبة الي بعضها مانعا عن الفسخ بالآخر؟ كلا.

و أما الثاني فلان قياس المقام بالوكلاء مع الفارق فان الخيار في مورد الوكلاء حق واحد و أما في المقام فقد فرض خيارات عديدة لكن الاشكال في اصل المدعي و انه تقدم منا ان النبوي لا سند له و أما بقية ادلة الارث فيستفاد منها تقسيم الاعيان و المنافع و الخيار كما تقدم امر بسيط غير قابل للقسمة.

و ان شئت قلت: الخيار ملك فسخ العقد و العقد أمر واحد غير قابل للتجزية و التحليل فلا مجال لتقسيم حق الخيار بين الوراث فلاحظ فتحصل انه لا يمكن القول بكون الخيار لكل واحد من الوراث علي نحو الاستقلال.

و أما

الوجه الثاني و هو كون الخيار لكل واحد من الورثة بالنسبة الي نصيبه

فاورد عليه الشيخ قدس سره بأنه لا دليل علي تجزئة الخيار يحسب اجزاء العين المتروكة.

و بعبارة واضحة: الخيار بنفسه غير قابل للقسمة فيكون تقسيمه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 63

بلحاظ متعلقه اي العين و المفروض انه ليس في الادلة ما يدل عليه فلا يمكن الالتزام به فالنتيجة ان الخيار الواحد يكون للمجموع من حيث المجموع.

اقول: تارة يكون في المقام اجماع علي ما التزم به الماتن فلا كلام لكن هل يمكن الجزم بالاجماع المذكور مع الاختلاف المترائي في المقام؟

و أما مع قطع النظر عن الاجماع فنقول: الالتزام بارث الخيار متوقف علي امكان الانتقال و الالتزام بكون الخيار كما انه قابل للاسقاط كذلك قابل للانتقال.

و هذا كما تقدم اوّل

الكلام و الاشكال بل مقتضي الاصل عدم قابليته للانتقال فانه أمر حادث في الشريعة و الاصل عدمه.

مضافا الي انه يشكل الالتزام به لعدم دليل عليه أما النبوي فهو مرسل و المرسل لا اعتبار به و أما ادلة الارث فهي ناظرة الي بيان السهام و من الظاهر ان الخيار أمر بسيط غير قابل للانقسام.

و كونه في كل وارث عارضا علي حصة فمضافا الي عدم دليل عليه لا يمكن الالتزام به اذ الخيار حق متعلق بالعقد و المفروض ان العقد واحد فكيف يمكن فسخه من ناحية وارث و عدمه من ناحية آخر و بعبارة اخري: الخيار لا يكون متعلقا بالعين بل متعلق بالعقد و المفروض ان العقد واحد.

«قوله قدس سره: فافهم»

يمكن أن يكون اشارة الي أن اللفظ كيف يمكن أن يراد منه المتعدد من المعني.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 64

«قوله قدس سره: فتأمل»

لعله قدس سره يشير بأمره بالتأمل الي أن القاعدة شأنها نفي الحكم الضرري و لا يستفاد منها الحكم الاثباتي.

«قوله قدس سره: ثم ان ما اخترناه من الوجه الأول هو مختار العلامة في القواعد»

قال الايرواني قدس سره: المراد من الوجه الأول الوجه الأول من الوجه الثالث و المراد من الوجه الثاني ظاهرا هو الوجه الثاني من أصل الوجوه فالعبارة مختلة النظم.

«قوله قدس سره:

[فرع] اذا اجتمع الورثة كلهم علي الفسخ فيما باعه مورثهم»
في هذا الفرع مسائل:
المسألة الأولي: ان الميت اذا كان له الخيار و كان له دين مستغرق

فان قلنا ان الخيار يختص بمورد يكون المنتقل إليه مملوكا لذي الخيار لا يكون خيار للورثة.

و لكن هذا القول باطل فان موضوع الخيار العقد فلا فرق بين كون العين مملوكة لذي الخيار و أن لا تكون كذلك و علي هذا الخيار لا يختص بتلك الصورة و عليه تارة يكون اعمال الخيار نافعا للديان او لا يكون مضرا بهم و اخري

يكون مضرا بهم.

أما في الصورة الأولي فلا اشكال في أن الخيار ثابت لهم و في صورة كون الفسخ نافعا للديان هل يجبر الوراث علي الفسخ أم لا؟

الظاهر هو الثاني اذ لا مقتضي للاجبار.

و أما في الصورة الثانية فان كان المدرك للخيار الاجماع فلا خيار اذ الدليل اللبي يقتصر فيه علي المقدار المتيقن منه و أما ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 65

كان المدرك اطلاق ادلة الارث فتارة نقول بمقالة المشهور في مفاد قاعدة لا ضرر و اخري لا نقول بها.

أما علي الاول فلا خيار لان اعماله ضرري و الضرر مرتفع في الشريعة و أما علي الثاني فيكون الخيار ثابتا.

المسألة الثانية: ان الوارث اذا فسخ العقد فان كان الدين مستغرقا للتركة

فتارة يكون ما يقابل ما انتقل عنه موجودا و اخري لا يكون أما علي الاول فيرجع الي الطرف و أما علي الثاني فيكون التالف من ديون الميت.

المسألة الثالثة: انه لو فرض ان الميت لا يكون مديونا و كان له الخيار في عقد

و انتقل الي وارثه بموته و أخذ الوارث بالخيار فهل ينتقل ما انتقل إليه بالعقد الي الطرف المقابل باعمال الخيار؟

الحق ان الجزم به مشكل اذ المفروض ان ما تركه بموته انتقل الي الوارث فيكون في حكم التالف.

و بعبارة اخري: لا مقتضي لخروج ما انتقل الي الوارث بالارث عن ملكه بالفسخ بل يحكم عليه بالتلف الحكمي فعلي ذلك لا بد من القول بأنه بالفسخ ينتقل ما انتقل عنه بالعقد الي ملكه اي ملك الميت و يصير الميت مديونا بالنسبة الي ما قابل العين المفروض تلفه بالتلف الحكمي.

المسألة الرابعة: انه لو لم يكن للميت مال و فسخ الورثة العقد فهل يجب عليهم دفع الثمن بمقدار حصتهم من المبيع أم لا؟

الحق هو الثاني اذ لا مقتضي لوجوب الاداء عليهم فان اعمالهم للخيار كاعمال الوكيل أو الولي و ربما يقال انهم قائمون مقام الميت و كأنهم هو و لازمه اشتغال ذممهم بمقدار حصصهم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 66

و يرد عليه انه لا دليل علي هذه الدعوي و لا مقتضي لها و ما ذكر في المقام من أن الوارث لخيار الفسخ برد الثمن يردون مثل الثمن من مالهم و يستردون المبيع مردود بأنه أيضا لا وجه له فان مقتضي الفسخ انتقال المال الي محله الاول فلا وجه لانتقاله الي محل آخر.

المسألة الخامسة: انه لو قلنا بجواز فسخ بعض الورثة و لو مع عدم اجازة الباقي

و فسخ بعضهم فتردد الشيخ بين رجوع العين الي ملك الجميع و بين رجوعها الي ملك خصوص الفاسخ و رجح الثاني.

و الحق أن يقال ان كان مراده بالرجوع الي ملك الجميع رجوعها الي ملك الميت ثم انتقالها الي الورثة بالارث فما أفاده تام و ان كان مراده رجوعها الي ملكهم ابتداءً فيرد عليه انه لا وجه له فان قانون الفسخ رجوع العين بعد الفسخ الي ملك ما انتقلت عنه فلاحظ.

[مسألة لو كان الخيار لأجنبي و مات ففي انتقاله إلي وارثه]

«قوله قدس سره: مسألة لو كان الخيار لاجنبي و مات ففي انتقاله الي وارثه»

ربما يقال ان الخيار الثابت للاجنبي ينتقل الي وارثه بمقتضي دليل الارث. و يرد عليه أولا: ان جعل الخيار للاجنبي و جوازه اوّل الكلام و الاشكال.

و ثانيا: ان قابلية الانتقال في الخيار محل الكلام كما تقدم و ثالثا انه لا دليل علي إرث الخيار كما تقدم أيضا.

و ربما يقال انه بموت الاجنبي ينتقل الخيار الي المتعاقدين.

و يرد عليه مضافا الي ما تقدم ان الانتقال الي المتعاقدين لا وجه له فانه لا مقتضي له و ليس الاجنبي كالوكيل و علي فرض كونه وكيلا لا موضوع للانتقال كما هو ظاهر فان الحق ثابت للموكل بلا فرق بين موت الوكيل و عدمه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 67

و ربما يقال بسقوطه بموته لان الظاهر أو المحتمل مدخلية نفس الاجنبي فلا يكون قابلا للانتقال و ليس مما تركه الميت.

و يرد عليه انه لو فرض جواز جعل الخيار للاجنبي و فرضنا قابليته للانتقال و أيضا فرضنا شمول دليل الارث للخيار لم يكن مجال للاشكال المذكور اذ المفروض انه حق له و يكون مما تركه و هذا نظير أن يقال ان الشي ء الفلاني اذا صار ملكا

لشخص بما هو شخص كذائي لا يرث وارثه منه اياه و هل يمكن الالتزام به؟ و بعبارة واضحة:

جعل الاحكام بيد الشارع لا بيد العباد فلاحظ.

[مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف بعد العلم بالخيار]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة و من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف»

يقع الكلام في هذه المسألة من جهات:

الجهة الأولي ان التصرف فيما انتقل إليه اذا كان كاشفا عن الامضاء يكون اسقاطا للخيار

و قد مرّ الكلام فيه سابقا في بحث مسقطات الخيار و الكلام هنا في أن التصرف فيما انتقل عنه اذا كان كاشفا عن الفسخ يتحقق الفسخ.

و بعبارة اخري: لا فرق من هذه الجهة بين التصرف فيما انتقل إليه و بين التصرف فيما انتقل عنه.

و ان شئت قلت: لا مدخلية للقول فكما ان القول ربما يكون دالا علي الاسقاط و ربما يكون دليلا علي الفسخ كذلك الفعل فان الامضاء و الاسقاط امران انشائيان يحتاجان الي الاعتبار النفساني و ابراز ذلك الاعتبار بمبرز قولي أو فعلي فلا فرق بين الفسخ و الامضاء من هذه الجهة.

نعم اذا دل النص في مورد علي سقوط الخيار بالتصرف فيما انتقل إليه و لو مع عدم قصد الامضاء كما هو كذلك في خيار الحيوان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 68

لا نلتزم به بالنسبة الي الفسخ فان الامر التعبدي يقتصر فيه بمقدار دلالة الدليل.

و دعوي الاجماع علي التسوية بين الفسخ و الامضاء علي الاطلاق جزافية فان تحقق الاجماع اوّل الكلام مضافا الي عدم اعتبار الاجماع المنقول بل المحصل.

الجهة الثانية: انه لو تصرف ذو الخيار فيما انتقل عنه تصرفا غير شرعي

فربما يقال انه يمكن اثبات الفسخ ببركة حمل فعل المسلم علي الصحة.

و يرد عليه أولا ان التقريب المذكور علي فرض تماميته يختص بما يكون المتصرف مسلما و الحال ان البحث عام للمسلم و غيره و ثانيا: ان التصرف فيما انتقل عنه اما تصرف اعتباري كالبيع مثلا و أما تصرف خارجي أما التصرف الاعتباري فلا يكون حراما فان البائع الفضولي اذا لم يكن غاصبا لا يكون مرتكبا للحرام فلا موضوع لاصالة الصحة.

و أما اذا كان تصرفا خارجيا فغاية ما يمكن ان يستفاد من الادلة عدم حمل فعله علي الفساد و لذا لو واجهنا شخصا

و تكلم بكلام مردد بين السلام و الشتم لا نحمل كلامه علي الشتم و لكن لا نحكم عليه بالسلام و لذا لا يجب الجواب مع وجوب جواب السلام.

و بعبارة اخري: اصالة الصحة لا تثبت اللوازم بلا فرق بين القول بأن اصالة الصحة أصل و بين القول بكونها أمارة اذ لم يرد دليل دال علي أن لوازم الامارات حجة علي نحو العموم و السريان و انما نلتزم باثبات اللوازم في باب الاخبار اذ الاخبار عن شي ء اخبار عن لوازمه و حيث ان الخبر حجة نلتزم باعتبار الاخبار بالنسبة الي مدلوله المطابقي و الالتزامي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 69

اضف الي ذلك ان التصرف الخارجي فيما انتقل عنه حرام حدوثا بلا اشكال اذ المفروض ان الفسخ بالفعل الخارجي و ما دام لا يتحقق التصرف الخارجي لا يتحقق الفسخ ففي الآن الاول يكون المتصرف مرتكبا للمعصية مثلا لو قبل الامة المبيعة يكون لمسه اياها حراما اذا المفروض انها مملوكة للغير.

و بعبارة واضحة: يتوقف الفسخ علي التصرف و التصرف واقع في ملك الغير فيكون حراما.

و صفوة القول ان اصالة الصحة لا يترتب عليها اثر و لا يثبت بها شي ء فكونها من باب الظواهر المعتبرة شرعا كما في عبارة الماتن لا اساس له.

و حيث انجر الكلام الي هنا ناسب أن نشير الي نكتة و هي ان كل ما صدر عن الغير و كان الفاعل مسلما هل يحمل فعله علي الصحة ما دام لم يقطع بكونه عاصيا؟

الانصاف ان الالتزام به في غاية الاشكال و الا يلزم انا لو رأينا انه يشرب الخمر نحمل فعله علي الصحة و نقول يمكن أن يكون غافلا او اذا رأينا فلانا مرتكبا للزنا لا

نتعرض له اذ لعله مكره و هكذا و هكذا فانه لا دليل علي هذه الدعوي و السيرة علي خلافه اذ يتعرضون للفساق و الفجار و الوجه فيه ان الغفلة أو النسيان و الاكراه و نظائرها خلاف الاصل الاولي.

نعم في الموارد التي لا يكون الحمل علي الصحة خلاف الموازين الاولية لو احتمل كون الفعل ناشيا عن منشأ صحيح شرعي يحمل علي الصحة و لا يؤاخذ المرتكب مثلا لو رأينا شخصا مفطرا في شهر رمضان و احتملنا انه مريض أو مسافر لا نحكم بفسقه اذ يمكن أن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 70

لا يكون افطاره فسقا كما انه لو تكلم بكلام مردد بين التحية و السب لا نحمل كلامه علي السب او اذا رأينا انه يغتاب احد او أمكن أن يكون عنده احد مجوزات الغيبة لا نحكم بفسقه و هكذا.

و ببالي ان هذا التفصيل كان مورد تصديق سيدنا الاستاد قدس سره و الميزان الكلي انه لو كان ارتكاب فعل جائزا للمكلف في حد نفسه كما أن الامر كذلك في الصوم فان المستفاد من الدليل تقسيم المكلف الي المسافر و الحاضر و الي المريض و الصحيح لا بدّ في مورد الشك الحمل علي الصحة.

و أما لو لم يكن كذلك بأن يتوقف الجواز علي عروض عنوان ثانوي كالغفلة و النسيان و الجهل العذري و الاكراه و الاضطرار و الخطاء الي غيرها من الاعذار.

و بعبارة اخري في مورد احتمال عروض العنوان الذي يكون علي خلاف الاصل الاولي لا مجال للحمل علي الصحة و لا بدّ للمدعي للعروض من اثباته فانه لو شرب احد الخمر و عند الاعتراض عليه اعتذر بكونه مكرها لا بدّ من اثباته و هكذا و

هكذا الي بقية الاعذار.

و لكن الجزم بما ذكر و البناء عليه مشكل و الّذي يختلج بالبال في هذه العجالة أن يقال: تارة نقطع أو نطمئن بصدور الفعل عن الفاعل معصية فالامر ظاهر و مثله ما لو قامت أمارة معتبرة علي كونه كذلك.

و بعبارة اخري: قام دليل معتبر علي كون المرتكب للفعل الفلاني غير معذور يحكم عليه بكونه فاسقا و يترتب عليه حكمه و أما في غير هذه الموارد فلا وجه للحكم بكون الفاعل مرتكبا للحرام بل لا بدّ من حمل فعله علي الصحة و اللّه العالم بحقائق الاشياء.

الجهة الثالثة: انه لو تصرف ذو الخيار فيما انتقل عنه تصرفا اعتباريا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 71

كالبيع مثلا فربما يقال كما في عبارة الماتن ان التصرف المذكور يدل علي الفسخ ببركة عدم قصد الفضولية بتقريب ان الظاهر ان المتصرف فسخ العقد فلا مجال لان يقال ان الاصل عدم الفسخ.

و يرد علي التقريب المذكور أولا انه اي دليل دل علي هذا الظاهر و اي دليل دل علي اعتبار الظهور المدعي في وعاء الشرع.

و ثانيا انه مع فرض الظهور المذكور لا تصل النوبة الي اصالة عدم الفضولية فان المفروض ان الظهور أمارة و مع وجود الامارة لا مجال للاصل العملي.

و ثالثا ان البيع لا يمكن أن يكون مصداقا للفسخ و مع ذلك يكون مصداقا للبيع اذ البيع متأخر عن الفسخ رتبة و زمانا فكيف يكون البيع مصداقا لامرين مترتبين من حيث الرتبة و الزمان فتحصل مما تقدم ان التصرف فيما انتقل عنه اذا دل و لو بمعونة قرينة علي الفسخ فهو و الا فمجرد التصرف لا يكشف عن الفسخ و لا يدل عليه فلاحظ.

«قوله قدس سره: و هنا كلام مذكور في الاصول»

يمكن أن يكون ما افاده قدس

سره ناظرا الي البحث المتداول بين القوم في أن اصالة الصحة هل يترتب عليها اثر أم أجراها لمجرد عدم حمل فعل الغير علي الفساد و اللّه العالم.

[مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة هل الفسخ يحصل بنفس التصرف أو يحصل قبله متصلا به»

يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين

المقام الأول في مقتضي القاعدة

المقام الثاني فيما يترتب علي الاختلاف المذكور و انه هل يترتب عليه اثر عملي أم لا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 72

أما المقام الأول فنقول الحق ان الفسخ يتحقق بنفس التصرف الخارجي و ذلك لان الفسخ من الامور الانشائية و الامر الانشائي متقوم بالانشاء و الابراز بقول أو بفعل.

و ما في كلام الماتن من عدم تحقق الانشاء بالفعل غير تام فان الانشاء من النشو و لا فرق فيه بين تحققه بالقول أو بالفعل.

اضف الي ذلك انه لو قلنا بأن التصرف كاشف نسأل انه كاشف محض أو له دخل في تحققه أما علي الاول فمعناه ان الفسخ يتحقق بمجرد الاعتبار النفسي بلا دخل للفعل ابدا و ان وجوده و عدمه سيان و هل يمكن الالتزام به.

و أما علي الثاني فهل يكون جزءا من السبب او شرطا و علي كلا التقديرين يتوقف تحققه علي وجوده الا أن يقال انه شرط علي نحو الشرط المتأخر و هذا قول بلا دليل.

مضافا الي انه التزام بتأثيره و دخله في موضوع الحكم و اذا وصلت النوبة الي الشك يكون مقتضي الاصل عدم تحقق الفسخ بمجرد النية القلبية.

اضف الي ذلك ان لازم القول بالكاشفية عدم تحقق الفسخ بالقول اذ دائما يحصل بالنية قبل حصول القول و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم و يدل علي المدعي انه لو كانت الكراهة القلبية كافية في الفسخ و لم يشترط الفسخ بانشاء ما في النفس لكان الاخبار بالكراهة بدون قصد الانشاء كافيا فان الاخبار كاشف فتحصل ان الفسخ متقوم بالتصرف هذا تمام الكلام في

المقام الأول.

و أما

المقام الثاني فيترتب علي الخلاف المذكور اثر عملي تكليفا و وضعا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 73

اما تكليفا فيظهر فيما قبل ذو الخيار الامة المبيعة فان قلنا بأن التصرف كاشف يكون لمسه للامة جائزا تكليفا و ان لم نقل به يكون حراما.

ان قلت ما المانع عن الالتزام بتحقق الفسخ و انتقال الملك في آن واحد و بعبارة اخري: تأخر الملكية عن الفسخ رتبي لا زماني فيحصل كلا الامرين في زمان واحد.

قلت لا يمكن القول به فانه ما دام لا يتحقق الفسخ لا يترتب الانتقال و بعبارة واضحة: الفسخ مثل البيع و هل يمكن الالتزام بأن زمان بيع العين من المشتري متحد مع زمان انتقال العين إليه و الحال انه ما لم يتحقق السبب في الخارج لا يترتب عليه المسبب.

و ان شئت قلت البيع أو الفسخ موضوع و من الظاهر ان ما قبل تحقق الموضوع لا يعقل تحقق الحكم.

و ببيان آخر قبل تحقق الموضوع بتمامه لا يمكن ترتب الحكم عليه فانقدح مما ذكرنا انه تظهر الثمرة بين القولين من حيث الحكم التكليفي و أما الثمرة وضعا فتظهر فيما لو باع ذو الخيار العين المبيعة فعلي القول بجواز الجمع بين الفسخ و البيع يكون البيع صحيحا و علي القول الاخر يكون باطلا.

و الحق هو الثاني و الامر في المقام أوضح من سابقه اذ جواز البيع متوقف علي كون العين مملوكة للبائع و كونها مملوكة له يتوقف علي الفسخ فيكون البيع الثاني متأخرا عن الفسخ بمرتبتين رتبة و زمانين زمانا فلاحظ و اغتنم ما حققناه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 74

«قوله قدس سره: و يؤيده ما دل من الاخبار المتقدمة علي كون الرضا هو مناط الالتزام بالعقد و سقوط الخيار»

اي خبر

دل علي هذا المدعي كي يكون مؤيدا مضافا الي أنه لو كان الخبر الصادر عن المعصوم عليه السلام دالا علي المدعي لم يكن وجه للتعبير عنه بالتأييد بل هو دليل و نعم الدليل و ان لم يكن دالا عليه فلا مجال لكونه مؤيدا.

نعم قد ورد في بعض نصوص خيار الحيوان ما يمكن أن يتوهم منه ما افاده قدس سره لاحظ ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة ايام للمشتري اشترط أم لم يشترط فان احدث المشتري فيما اشتري حدثا قبل الثلاثة الايام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبل او نظر منها الي ما كان يحرم عليه قبل الشراء الحديث «1».

و لكن هذه الدعوي لا تستفاد من الحديث و لا ترتبط الرواية بالدعوي المذكورة فان المستفاد من الحديث ان الشارع الاقدس حكم علي نحو التعبد الشرعي و الحكومة علي أن التصرف الفلاني و الاحداث الكذائي مصداق للفسخ في وعاء الشرع لا ان الرضاء القلبي بنفسه فسخ و كيف يمكن أن يحمل الامر القلبي و الصفة النفسية علي الفعل الخارجي.

«قوله قدس سره: لان الفعل لا إنشاء فيه»

هذا من غرائب الكلام اذ كيف لا يكون الفعل مصداقا للانشاء

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 75

و الحال انه لا فرق بين القول و الفعل من هذه الجهة كيف و هو قدس سره قائل بالعقد المعاطاتي و الحال ان المعاطاة عبارة عن الانشاء و العقد الفعلي في قبال العقد القولي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و ان الدور معي»

لا يتصور الدور المعي في المقام اذ

قد تقدم منا ان احد الامرين متأخر عن الاخر رتبة و متوقف عليه و أيضا متأخر عنه زمانا.

«قوله قدس سره: فملكه بمجرد العقد كاف كمن باع مال غيره ثم ملكه»

المستفاد من الدليل الشرعي ان التصرف يلزم أن يقع في الملك و المفروض ان التصرف واقع في ملك الغير و الحكم في المقيس عليه كذلك فان من باع شيئا ثم ملكه لا يكون بيعه صحيحا.

نعم اذا أجاز بيعه السابق بعد صيرورته مالكا ربما يقال بتماميته بالاجازة بواسطة حديث زرارة الوارد في نكاح العبد بدون الاجازة عن المولي و هذا بحث آخر موكول الي محله.

«قوله قدس سره: و الجزء الّذي لا يتجزي غير موجود»

لا فرق فيما نحن بصدده بين القول بامكان الجزء الذي لا يتجزي و عدمه فانا نفرض امكانه لكن يلزم تأخر المسبب عن السبب و تأخر الحكم عن موضوعه.

«قوله قدس سره: غير قابل للفضولي»

ان تم اجماع تعبدي علي التفريق بين العقد و الايقاع فهو و الا فيمكن القول بعدم وجه للتفصيل اذ المستفاد من حديث زرارة عن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 76

أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال ذاك الي سيده ان شاء اجازه و ان شاء فرق بينهما قلت: اصلحك اللّه ان الحكم بن عتيبة و ابراهيم النخعي و اصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد و لا تحل اجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه السلام انه لم يعص اللّه و انما عصي سيده فاذا اجازه فهو له جائز «1» بمقتضي عموم التعليل عدم التفريق بين الامرين فلاحظ.

«قوله قدس سره: فلا يعم المستثني منه البيع الواقع بعضه في ملك الغير و تمامه في ملك البائع»

لا

اشكال في أن المستفاد من تلك الادلة اشتراط وقوع البيع بتمامه في ملك البائع و بعبارة اخري لا بدّ من وقوع البيع في مال نفسه.

«قوله قدس سره: هذا مع انه يقرب ان يقال ان المراد بالبيع هو النقل العرفي»

لا مجال لهذه المقالة فان النقل العرفي مترتب علي البيع لا أنه بنفسه هو و ببيان واضح ان البيع عبارة عن اعتبار التمليك و ابرازه بمبرز فاذا تحقق هذا المعني يترتب عليه النقل العرفي و العقلائي و الشرعي فلاحظ.

«قوله قدس سره: و بالجملة فما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان في المسألة لا يخلو عن قوة و به يرتفع الاشكال»

كيف يرتفع الاشكال مع انه قدس سره اعترف بأن الجزء الاول من التصرف واقع في ملك الغير و اعترف بأن التصرف الخارجي

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب نكاح العبيد و الاماء الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 77

كالوطء و التقبيل يكون حدوثه حراما لوقوعه في ملك الغير مضافا الي أنه نقل قبل اسطر عن الشهيد و المحقق الثانيين ان التصرف كاشف عن الفسخ السابق.

«قوله قدس سره:

فرع لو اشتري عبدا بجارية مع الخيار له فقال اعتقهما»
اشارة

اذا اعتق العبد و الجارية دفعة ففيه وجوه بل اقوال

الوجه الأول: الالتزام بصحة عتق الجارية دون العبد لتقدم الفسخ علي الاجازة.

و يرد عليه ان تقديم الفسخ علي الاجازة ليس مدلول دليل كي نلتزم به علي الاطلاق بل الوجه فيه انه لو كان الخيار للمتعدد فأجاز واحد و فسخ الاخر، يقدم الفسخ اذ المفروض ان الفاسخ له الخيار فيكون اعماله للفسخ مؤثرا.

و لا تنافي بينه و بين تحقق الاجازة فان الاجازة اسقاط الخيار و المفروض تعدد الخيار كما ان الشخص الواحد لو كان له الخيار بنحو التعدد كما لو كان له خيار الحيوان و المجلس فاسقط احد خياريه و أعمل الاخر يؤثر اعماله و ينفسخ العقد.

و أما لو كان الصادر كلا الامرين من شخص واحد بالنسبة الي خيار واحد يقع التنافي بين الامرين و لا يؤثر شي ء منهما.

الوجه الثاني بقاء العقد بحاله و عدم سقوط الخيار و عدم انعتاق العبد و لا الجارية

بتقريب ان الجمع بين كلا الامرين محال و ترجيح احد الطرفين علي الاخر بلا مرجح فلا يؤثر شي ء منهما.

الوجه الثالث صحة عتق العبد

لان الاجازة ابقاء للعقد و الاصل بقائه و اورد فيه بأن عتق العبد متوقف علي عدم عتق الجارية و المفروض انه اعتق كليهما فلا يؤثر لا هذا و لا ذاك.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 78

و الّذي يختلج بالبال أن يقال ان الحق هو الوجه الثالث لكن لا بالتقريب المتقدم بل من باب ان عتق العبد صدر من اهله و وقع في محله فيؤثر اثره و لا يكون عتقه مسقطا لخياره اذ الخيار لا يسقط بانعدام العين حكما أو حقيقة اذ الخيار عارض علي العقد لا علي العين.

و أما عتقه للجارية فهو باطل فان صحته متوقف علي دخولها في ملكه و دخولها في ملكه يتوقف علي الفسخ و قد مر منا و تقدم ان الانتقال لا يحصل الا مع الفسخ.

و بعبارة اخري انتقال الامة الي ملك الفاسخ متأخر عن فسخه رتبة و زمانا فلا يكون عتقه واقعا في ملكه نعم يكون عتقا فضوليا و ادعي الاجماع علي عدم جريان الفضولي في الايقاعات و قدس الكلام حول هذه الجهة قريبا.

«قوله قدس سره: صحة عتق الجارية»

الالتزام بصحة عتق الجارية يتوقف علي الالتزام بدخولها في ملك مشتري العبد اذ لا عتق الا في ملك و من الظاهر ان انتقالها الي ملكه متأخر عن الفسخ رتبة و زمانا فالنتيجة عدم امكان صحة العتق فان الفسخ لا بدّ أن يتقدم علي العتق و المفروض عدمه.

هذا بالنسبة الي عتق الجارية و أما عتقه للعبد فان قلنا بعدم جواز التصرف في العين في زمان خيار الطرف المقابل فلا أثر له أيضا

و ان لم نقل به يكون عتقه جائزا و لا يستلزم العتق فسخ العقد.

نعم يمكن أن يقصد المشتري بعتق العبد أمرين احدهما عتق العبد ثانيهما فسخ العقد و لا تنافي بين الامرين غاية الامر بعد الفسخ

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 79

حيث لا يمكنه ارجاع العبد تصل النوبة الي دفع القيمة و اذا امكنه الارجاع بالخيار أو بالعقد الجديد أو سبب آخر وجب.

«قوله قدس سره:

مسألة من احكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفا يمنع من استرداد العين عند الفسخ»
اشارة

وقع الكلام بينهم في أنه هل يجوز تصرف من عليه الخيار في العين تصرفا مانعا عن الاسترداد أم لا و يقع الكلام في هذه المسألة من جهات.

الجهة الأولي في انه هل يجوز له تكليفا التصرف في العين

فنقول مقتضي القاعدة الاولية هو الجواز فان الحق ان العين تملك و تنتقل الي ملك المشتري و لا يتوقف حصول الملكية علي انتهاء زمان الخيار.

و بعبارة اخري: كل شخص مسلط علي تصرفه في ماله فالقاعدة الاولية تقتضي الجواز و أما المنع فيتوقف علي قيام دليل.

و أما الاستدلال علي المنع بأن العين لا تدخل في ملك الطرف الا بعد انقضاء الخيار و من الظاهر انه لا يجوز التصرف في ملك الغير.

فيرد عليه انه لا دليل علي هذه الدعوي فان مقتضي القاعدة الاولية انتقال كل من العوضين الي ملك الاخر بمجرد العقد و لا دليل علي التوقف المذكور.

ان قلت يستفاد المدعي المذكور من حديث ابن سنان- يعني عبد اللّه- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الي يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث علي من ضمان ذلك فقال علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة ايام و يصير المبيع للمشتري «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 80

فان قوله عليه السلام في ذيل الحديث «حتي ينقضي الشرط و يصير المبيع للمشتري» يدل علي توقف الانتقال علي انقضاء زمان الخيار فان هذه الرواية تدل علي عدم الانتقال الا بعد مضي زمان الخيار و حيث انه لا يمكن الالتزام به فاقرب المجازات الالتزام بعدم جواز التصرف في ذلك الزمان و هو المطلوب.

قلت يرد علي التقريب المذكور أولا انه يختص ببعض الخيارات.

و

ثانيا ان لازمه الالتزام بحرمة مطلق التصرف لا خصوص التصرف المتلف.

و ثالثا ان لازم التقريب المذكور عدم جواز تصرف ذي الخيار و من له الخيار فيما انتقل إليه فلا يمكن الالتزام بمفاد الرواية فيكون المراد انه ما دام الخيار باقيا يكون من عليه الخيار ضامنا و الضمان حكم تعبدي شرعي.

و ربما يستدل علي مدعي الخصم بأن من له الخيار له حقان في عرض واحد احدهما فسخ العقد و هدمه ثانيهما: استرداد العين أو نقول له الفسخ و حل العقد لان يسترد العين مع بقائها و يسترد البدل مع انعدامها و علي كلا التقديرين لا يجوز اعدام العين اذ اعدامها ينافي مع حق ذي الخيار كما انه لا يجوز للراهن التصرف في العين المرهونة مع كونها مملوكة له فكون شي ء مملوكا لاحد لا يستلزم جواز التصرف فيه.

و يرد عليه ان ما افيد في مقام الاستدلال و ان كان ممكنا ثبوتا لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات و عليه نقول يجوز لمن عليه الخيار التصرف في العين اعم من أن يكون له الخيار أم لا و بلا فرق بين الخيار الشرعي و الجعلي نعم اذا اشترط في ضمن العقد عدم تصرفه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 81

في العين يجب عليه العمل بالشرط و هذا مطلب آخر و لا يرتبط بما نحن بصدده.

الجهة الثانية انه لو تصرف من عليه الخيار تصرفا اعتباريا

كما لو باع العين في زمان الخيار فهل يكون نافذا الظاهر انه علي مقتضي القاعدة يكون تصرفه نافذا و يكون بيعه صحيحا اذ المفروض انه تصرف صادر من اهله واقع في محله.

الجهة الثالثة انه لو باع العين ثم اعمل ذو الخيار حقه و حل العقد

فما هي الوظيفة و الحق أن يقال ان البائع للعين تارة يمكنه استرجاعها باعمال الخيار ان كان النقل خياريا أو بالاشتراء أو نحوه أو لا يمكنه الاسترجاع.

اما مع عدم امكان الاسترجاع فالامر ظاهر و تصل النوبة الي البدل و اما مع امكانه باعمال الخيار فيكون الاسترجاع واجبا عليه اذ علي ما بنينا عليه في محله ان العين المضمونة تنتقل بنفسها الي ذمة الضامن و انما يصل الامر الي البدل من المثل أو القيمة من باب البدلية و عليه لو كان الاسترجاع ممكنا يجب عليه.

و اما اذا لم يكن العقد خياريا لكن يمكنه الاسترجاع باشتراء و نحوه فتارة يتضرر البائع بالاسترجاع و اخري لا يتضرر أما علي الاول فعلي مسلك المشهور فلا يجب عليه و أما علي المسلك المنصور فيجب.

و اما علي الثاني فاما لا يكون في الاسترجاع مانع عن التكليف كالحرج مثلا و اما يكون أما علي الاول فيجب لتمامية المقتضي و عدم المانع و اما علي الثاني فلا يجب.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 82

[مسألة المشهور أن المبيع يملك بالعقد]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة المشهور ان المبيع يملك بالعقد»

وقع الكلام في ان المبيع في البيع الخياري يملك بالعقد أو يتوقف حصول الملكية علي انقضاء ايام الخيار و المشهور فيما بينهم هو الاول و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين

المقام الأول فيما تقتضيه القاعدة الاولية.
اشارة

المقام الثاني في أنه هل هناك ما يقتضي الذهاب الي خلاف المشهور.

فنقول اما المقام الأول فيمكن الاستدلال علي المدعي بوجوه

الوجه الأول: ان البائع حين البيع اما يقصد نقل العين الي المشتري من حين العقد

كما يقصد المزوج الزواج في النكاح كذلك أو يقصد نقلها إليه من حين انقضاء الخيار أو يكون مهملا اما الاهمال فلا يعقل بالنسبة الي الواقع و أما النقل من حين انقضاء الخيار فلا وجه له فيكون المتعين التمليك من زمان العقد و الامضاء الشرعي مطابق مع الانشاء المعاملي.

و بعبارة اخري العقود تابعة للقصود و ببيان واضح الامضاء الشرعي علي طبق الاعتبار العرفي العقلائي و من الظاهر ان في اعتبار العقلاء يكون العين مملوكة للمشتري من حين العقد كما ان الثمن يكون مملوكا للبائع كذلك.

الوجه الثاني: انه لو فرض ان البائع مات قبل انقضاء زمان الخيار

فهل ينتقل المبيع الي وارثه أو ينتقل الي المشتري أو تبقي في ملكه أو يصير بلا مالك في تلك المدة.

اما الانتقال الي الوارث فهو خلاف كونه مبيعا من الغير مضافا الي أنه كيف يمكن أن يتملك الوارث العوض و المعوض كليهما.

و اما انتقاله الي المشتري فهو كرّ الي ما فرّ منه و أما بقائه في

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 83

ملكه فهو غير معهود و أما بقائه بلا مالك فلا وجه له.

الوجه الثالث ما دل من النص علي جواز النظر الي الامة المشتراة في زمان الخيار

الي ما يحرم النظر إليه قبل الاشتراء لاحظ حديث علي بن رئاب «1».

فانه لو لم تكن العين مملوكة للمشتري قبل انقضاء زمان الخيار لم يكن النظر الي بعض اعضائها جائزا فيعلم انه بالبيع ينتقل المبيع إليه.

الوجه الرابع ما دل من النص علي كون نماء المبيع في بيع الخيار برد الثمن للمشتري

لاحظ ما رواه اسحاق ابن عمار قال حدثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال رجل مسلم احتاج الي بيع داره فجاء الي اخيه فقال ابيعك داري هذه و تكون لك احبّ إليّ من أن تكون لغيرك علي أن تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها الي سنة ان تردّ علي فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها الي سنة ردها عليه قلت فانها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة فقال الغلة للمشتري الا تري انه لو احترقت لكانت من ماله «2» فان النماء تابع للاصل فيعلم ان الاصل له و النماء يصير له أيضا.

الوجه الخامس: الاخبار الواردة في العينة

لاحظ ما رواه بشار بن يسار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به فقلت له

______________________________

(1) قد تقدم في ص 74.

(2) الوسائل الباب 8 من ابواب الخيار الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 84

اشتري متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك «1».

فانه لو لم تكن العين مملوكة للمشتري في زمان الخيار فكيف يمكنه بيعها في ذلك الزمان مع ان البيع يشترط أن يكون واقعا علي المملوك.

و بعبارة واضحة هذه الطائفة تدل علي جواز بيع العين من البائع و لو مع فرض كون العقد خياريا فان اطلاقها يقتضي ذلك.

الوجه السادس: قوله صلي اللّه عليه و آله الخراج بالضمان

بتقريب ان ضمان المبيع في زمان الخيار المشترك أو المختص بالبايع علي المشتري فخراجها له و هذه آية كونها مملوكة له.

و يرد عليه ان الحديث لا سند له فلا يعتد به.

الوجه السابع: قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

بتقريب ان الخيار يقتضي ارجاع العين في ملكه و من الظاهر ان الارجاع فرع دخول المبيع في ملك المشتري.

و يرد عليه ان الخيار متعلق بالعقد لا بالعين فلا تنافي بين الخيار و عدم دخول العين في ملك احد الطرفين.

الوجه الثامن: النصوص الدالة علي ان العبد المبيع ان كان له مال يكون المال مالا للمشتري الا مع عدم علم البائع بالمال

لاحظ ما رواه زرارة قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام الرجل يشتري المملوك و له مال لمن ماله فقال ان كان علم البائع ان له مالا فهو للمشتري و ان لم يكن علم فهو للبائع «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من ابواب احكام العقود الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 7 من ابواب بيع الحيوان الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 85

و مثله غيره بتقريب ان المستفاد من ظاهر تلك النصوص ان مال العبد يصير مالا للمشتري بنفس الاشتراء و من الظاهر انه لا يمكن أن يصير مال العبد الّذي هو تابع للعين مملوكا للمشتري بمجرد العقد و اما نفس العين فلا تتملك الا بعد انقضاء الخيار.

الوجه التاسع: انه قد تقدم آنفا جواز التصرف الوضعي في العين من قبل من يكون عليه الخيار

و الحال ان البيع يتوقف علي كون العين مملوكة للبائع هذا تمام الكلام في المقام الأول.

و اما

المقام الثاني فما يمكن أن يستدل به علي القول المقابل لمقالة المشهور

ما دل من النص علي كون ضمان المبيع في زمان خيار المشتري علي البائع لاحظ حديث ابن سنان «1».

و أيضا ما رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال و ان كان بينهما شرط اياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع «2».

فان مقتضي الحديثين الشريفين ان ضمان المبيع في زمان الخيار علي البائع و من ناحية اخري قد دل النص علي أن الخراج بالضمان فيتوقف حصول الملكية علي انقضاء زمان الخيار.

و يرد عليه ان حديث الخراج بالضمان لا اعتبار به مضافا الي ان التزام الشيخ الطوسي قدس سره بالتوقف في مورد الخيار المختص بالمشتري اوّل الكلام فتحصل ان القاعدة الاولية تقتضي ان الانتقال يحصل بالعقد و ليس في قبالها ما يكون قابلا لمعارضتها.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 79.

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الخيار الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 86

[مسألة و من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة و من احكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار في الجملة»

الظاهر ان وجه تعبيره بقوله في الجملة من جهة ان التسالم علي الحكم المذكور لا يشمل جميع الخيارات و قبل الخوض في البحث ينبغي تأسيس اصل اولي يكون مرجعا عند الشك و هو ان المالك اذا باع ملكه يكون تلف ذلك الملك و تلك العين علي المشتري و لا مقتضي لكون تلفه علي البائع و الالتزام بضمان البائع يحتاج الي الدليل

و بعبارة اخري لا مقتضي لانفساخ العقد و رجوع العين الي ملك البائع فان الانفساخ يتوقف علي قيام دليل شرعي.

ان قلت: قبل القبض يكون البائع ضامنا بمقتضي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال

بايعه و مقتضي الاستصحاب بقاء الضمان الي زمان انقضاء الخيار.

قلت: يرد عليه أولا ان تمامية تلك القاعدة اوّل الكلام و الاشكال و لا بدّ من ملاحظتها.

و ثانيا انه علي فرض تماميتها يكون الاستدلال المذكور اخص من المدعي اذ يمكن أن يفرض ان المبيع مقبوض من الاول.

و ثالثا ان عنوان المقبوض يضاد غيره و يشترط في الاستصحاب وحدة الموضوع.

و رابعا ان الضمان بالمثل أو القيمة لا تكون له حالة سابقة و بمعني انفساخ العقد يرجع الي الاستصحاب التعليقي الّذي لا نقول به.

و خامسا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم جعل الزائد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 87

و سادسا ان حديث عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء اللّه فسرق المتاع من مال من يكون قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته فاذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه «1»، يقتضي عدم الضمان بعد القبض فتحصل ان الاصل الاولي يقتضي عدم الضمان.

ثم ان الماتن قد تعرض في هذه المسألة لعدة فروع:

الفرع الأول ان الخيار لو كان مختصا بالمشتري و كان الخيار خيار الحيوان يكون تلف الحيوان في مدة الخيار علي البائع.

و تدل علي المدعي جملة من النصوص منها ما رواه ابن سنان يعني عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السلام «2».

و منها ما رواه بشار بن يسار «3»، و منها ما رواه حسن بن علي بن رباط عمن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ان حدث بالحيوان قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع «4».

الفرع الثاني انه لو كان الخيار مختصا بالمشتري و كان الخيار خيار الشرط يكون تلف المبيع علي البائع

و ادعي عليه عدم الخلاف و يدل علي المدعي عدة روايات منها ما رواه ابن سنان «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) قد تقدم في ص 79.

(3) قد تقدم في ص 83.

(4) الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار الحديث 5.

(5) قد تقدم في ص 85.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 88

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اشتري امة بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده و قد قطع الثمن علي من يكون الضمان فقال ليس علي الّذي اشتري ضمان حتي يمضي شرطه «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عن ابيه عن جعفر بن محمد عليهم السلام قال قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في رجل اشتري عبدا بشرط ثلاثة ايام فمات العبد في الشرط قال يستحلف باللّه ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان «2».

الفرع الثالث: انه هل يجري الحكم المذكور في خيار المجلس؟

ربما يقال انه قد اطلق الشرط علي خيار المجلس لاحظ ما رواه فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال قلت له ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما «3» فانه يستفاد من هذه الرواية ان الشرط يطلق علي خيار المجلس.

و لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «4» فانه يستفاد من هذه الرواية ان الميزان مضي زمان الشرط فيستفاد من مجموع الحديثين ان الميزان بقاء الشرط و عدمه.

و يرد عليه أولا ان اطلاق الشرط علي الخيار في سؤال الراوي لا في كلام الامام عليه السلام.

______________________________

(1)

الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار الحديث 4.

(3) الوسائل الباب 1 من ابواب الخيار الحديث 3.

(4) قد تقدم آنفا.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 89

و ثانيا ان الحديث الثاني مرسل و لا اعتبار به.

و ثالثا ان الظاهر من الحديث ان الموضوع انقضاء الشرط المجعول بينهما لا مطلق الخيار.

الفرع الرابع: انه هل يجري الحكم المذكور في بقية الخيارات أم لا

الظاهر انه لا وجه لتسريه و غاية ما يمكن أن يستدل به علي الاطلاق ما تقدم آنفا بأن يقال يستفاد من قوله عليه السلام في حديث ابن سنان و يصير المبيع للمشتري «1».

بتقريب ان المستفاد من الحديث ان الميزان انقضاء زمان خيار المشتري و صيرورة العقد لازما لكن الجزم بما ذكر مشكل فان الموضوع المذكور في الحديث أمران احدهما انقضاء الشرط اي مضي ثلاثة ايام أو انقضاء زمان الشرط المجعول بين المتعاقدين ثانيهما صيرورة العقد لازما فلا مجال للتعدي عن المورد.

و ربما يقال بأن قوله عليه السلام في حديث ابن سنان «2» فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع يشمل مطلق الخيار.

و يرد عليه انه لا دليل عليه و التعدي قول بغير علم و ببيان واضح ان الظاهر من قوله روحي فداه و ان كان فيها شرط اياما معدودة خيار الشرط فلا وجه للتعدي الي مطلق الخيار.

و مما ذكرنا يعلم ان الاستدلال علي المدعي بحديث ابن زيد «3»

______________________________

(1) قد تقدم في ص 79.

(2) قد تقدم في ص 85.

(3) قد تقدم في ص 88.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 90

بالتقريب المذكور غير تام مضافا الي الاشكال في السند.

الفرع الخامس ان الحكم المذكور يختص بالحيوان و لا يجري في غيره من الاعيان

لاختصاص النصوص به فلاحظ.

الفرع السادس ان الحكم المذكور هل يختص بالمشتري أو يعم البائع
اشارة

الحق هو الاختصاص و

ما يمكن أن يذكر سندا للعموم وجهان:
الوجه الأول ان المستفاد من النص ان الميزان انقضاء الخيار و لزوم العقد بالنسبة الي من له الخيار.

و فيه انه لا دليل علي المدعي المذكور و ظاهر نصوص المقام اختصاص الحكم بالمشتري و اقل ما يمكن أن يقال عدم دليل علي العموم.

الوجه الثاني استصحاب الضمان الثابت قبل القبض

و يرد فيه ما اوردناه في نظيره و مع الاغماض عن الوجوه التي ذكرنا لا مجال للاستصحاب لكونه معارضا باستصحاب عدم جعل الزائد.

الفرع السابع ان الحكم المذكور هل يختص بمورد يكون الخيار مختصا بالمشتري أو يعم

ما لو كان الخيار لا يختص به الّذي يختلج بالبال ان يقال لا بدّ من التفصيل بين خيار الحيوان و خيار الشرط بأن يقال يشترط في الاول الاختصاص و لا يشترط في الثاني و الوجه فيه انه يستفاد من حديث ابن سنان «1» ان الحكم المذكور صيرورة العين لازمة للمشتري و لا يكون العقد متزلزلا حيث قال عليه السلام في تلك الرواية «و يصير المبيع للمشتري» اي لا يكون متزلزلا و الحال انه لو كان البائع ذا خيار لا يكون العقد لازما بالنسبة الي المشتري.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 79.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 91

و يستفاد من ذيل الحديث ان الميزان في خيار الشرط انقضاء الزمان المجعول بينهما.

الفرع الثامن انه هل يختص الحكم المذكور بالمبيع الشخصي أم يعم الكلي

الظاهر من نصوص المقام المبيع الشخصي فان الظاهر عروض التلف و الهلاك لنفس المبيع و المبيع الكلي لا معني لهلاكه و تلفه و انما يقع التلف و الهلاك علي مصداقه.

و ان ابيت فلا اقل من عدم امكان الجزم بالعموم و ان شئت قلت:

النص مجمل من هذه الجهة.

الفرع التاسع: ان ضمان البائع للعين اي ضمان

و بعبارة اخري ان المراد بالضمان ضمان المثل أو القيمة أو ان المراد بالضمان ان العقد ينفسخ بالتلف و يعتبر التلف في مملوك البائع الحق هو لا خير.

و يدل علي المدعي بالصراحة بالنسبة الي التلف في زمان خيار الشرط حديث ابن سنان «1» فانه عليه السلام قد صرح بقوله فهو من مال البائع و يدل عليه بالظهور بالنسبة الي خيار الحيوان صدر الحديث «2».

و يدل عليه بالصراحة بالنسبة الي خيار الحيوان ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ان حدث بالحيوان قبل ثلاثة ايام فهو من مال البائع «3».

فان الرواية و ان كانت مرسلة برواية الشيخ لكنها مسندة برواية الصدوق.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 85.

(2) قد تقدم في ص 79.

(3) الوسائل الباب 5 من ابواب الخيار ذيل حديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 92

الفرع العاشر: ان تلف الجزء كتلف الكل

لاحظ حديثي ابن سنان و زرارة «1» فانه عليه السلام قال في الحديث الاول أو يحدث فيه حدث في مقابل موت العبد و الدابة و في الحديث الثاني عبر عليه السلام ان حدث بالحيوان الخ.

الفرع الحادي عشر: انه لو تلف وصف الصحة فهل يتحقق الضمان علي البائع.

لا اشكال في عدم الانفساخ لا كلا و لا بعضا اذ لا يقع في مقابل وصف الصحة شي ء من الثمن انما الكلام في أنه هل يتحقق خيار للمشتري بين الفسخ و الارش كالعيب السابق أو يثبت خصوص الارش و سيأتي بيان ما هو الحق إن شاء اللّه عند تعرض الماتن لحكم التعيب قبل القبض فانتظر و لو لا التسالم و الاجماع الكاشف يشكل الالتزام بالضمان بالنسبة الي تلف الوصف فان عنوان حدوث الحدث في العين و ان كان صادقا علي التعيّب لكن إرادة الضمان بالانفساخ تارة و بالتخيير بين الرد و الارش اخري استعمال للفظ واحد في معنيين و هو خلاف الظاهر.

الفرع الثاني عشر: ان ترتب الحكم المذكور يختص بالتلف الناشي عن آفة سماوية و شبهها

أو بالتلف الناشي من حكم الشارع بالتلف و أما اذا كان باتلاف ذي الخيار أو باتلاف من عليه الخيار أو باتلاف الاجنبي فلا يترتب عليه الحكم لانصراف الدليل عن صورة الاتلاف.

و علي جميع التقادير هل يسقط خيار ذيه بالاتلاف الظاهر انه

______________________________

(1) قد تقدم في ص 79 و 85 و 91.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 93

لا وجه له بل الخيار باق بحاله فان سقوط الخيار باتلاف ذيه أو من عليه أو الاجنبي لا مقتضي له و مقتضي القاعدة بقائه و علي هذا الاساس نقول ان كان الاتلاف بسبب ذي الخيار و بعده فسخ العقد يكون ضامنا للبائع بالمثل او القيمة.

و اما اذا كان باتلاف من عليه الخيار فان فسخ ذو الخيار يرجع بالثمن و الا يرجع الي البائع بالمثل أو القيمة.

و اما اذا كان باتلاف الاجنبي فان أمضي ذو الخيار يرجع الي المتلف بالمثل أو القيمة و أما اذا فسخ العقد فيرجع بالثمن و أما البائع فهل يرجع الي المشتري أو

يرجع الي المتلف أو يكون مخيرا بين الامرين.

ربما يقال بأن القاعدة تقتضي الرجوع الي المتلف اذ المفروض ان بدل العين التالفة في ذمة المتلف و العين التالفة بعد الفسخ ملك للمالك السابق فيكون للبائع المفسوخ عليه الرجوع علي المتلف.

و يرد عليه ان ضمان المتلف بالنسبة الي المشتري اذ المفروض ان المتلف أتلف ماله فيكون ضامنا له و لذا يجوز للمشتري ابراء ذمة المتلف و بالفسخ يصير المشتري الفاسخ للعقد ضامنا للمفسوخ عليه اي البائع.

و مما ذكرنا علم ان التخيير لا وجه له اذ ربما يقال به بتقريب ان المقام من صغريات تعاقب الايدي و يرد عليه ان الامر ليس كذلك فان المفروض ان المتلف ضامن للمشتري و المشتري ضامن للبائع فالحق هو القول الاول و هو رجوع البائع الي الفاسخ اي المشتري فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 94

«قوله قدس سره:

مسألة و من احكام الخيار ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب علي البائع تسليم المبيع»

الظاهر انه لا دليل علي الحكم المذكور و عليه يجب الاقباض علي كل واحد من الطرفين عند اقباض الاخر و حيث ان أصل الحكم بلا اساس لا تصل النوبة الي البحث عن الخصوصيات.

[مسألة هل يسقط الخيار بتلف العين]

«قوله قدس سره: مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين»

تارة يتعلق الخيار بحل العقد و امضاءه كما في خيار المجلس حيث يستفاد من الدليل ان المتعاقدين بالخيار ما دام المجلس باقيا و أما اذا افترقا فيجب البيع.

و اخري يكون المستفاد من الدليل جواز رد العين و ثالثة يكون الدليل مجملا أما علي الاول فلا اشكال في بقاء الخيار بعد تلف العين و لا وجه لسقوطه بتلفها و بعبارة اخري: حل العقد و امضائه لا يرتبط ببقاء العين و عدمه.

و أما علي الثاني فلا اشكال في سقوط الخيار فان رد العين و ان كان معناه الرد في وعاء الاعتبار و في ظرف الملكية لكن الميزان صدق العنوان المذكور و هو رد العين فلا بد من بقائها كي يصدق ردها في عالم الاعتبار و لا مجال لاستصحاب بقاء الخيار فانه عليه لا شك في انعدام الموضوع.

مضافا الي ان دليل وجوب الوفاء بالعقد محكم و قد ذكرنا سابقا ان المحكم عند الشك اطلاق وجوب الوفاء و انما نرفع اليد عنه بمقدار دلالة الدليل علي التخصيص.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 95

و أما اذا كان الدليل مجملا فأيضا المحكم اطلاق وجوب الوفاء بلا اشكال و لا كلام.

«قوله قدس سره: نعم هنا موارد تاملوا في ثبوت الخيار مع التلف»

الذي يختلج بالبال أن يقال الخيار اما شرعي ثابت بالدليل الشرعي و اما جعلي من باب جواز جعل الخيار أما علي الاول فقد مر حكمه

و قلنا تارة رتب الحكم علي عنوان رد العين و اخري يكون المستفاد من الدليل جواز حل العقد فعلي التقدير الاول لا مقتضي لبقاء الخيار اذ الموضوع علي الفرض عبارة عن رد العين و هو غير ممكن.

و علي التقدير الثاني فاما الدليل مطلق و اما لا أما علي الاول فالخيار باق بلا اشكال و أما علي الثاني فالمحكم اطلاق دليل وجوب الوفاء هذا بالنسبة الي الخيار الشرعي.

و أما في الخيار الجعلي فالميزان مقدار جعل الخيار سعة و ضيقا فمع احراز مقدار الجعل يكون الامر ظاهرا و أما لو وصلت النوبة الي الشك فالمحكم عموم وجوب الوفاء.

و ان شئت قلت: الشك في وجوب الوفاء و عدمه ناش عن الشك في سعة الجعل و مقتضي الاصل عدم سعته فيترتب عليه اللزوم فلاحظ.

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة بلا خلاف]
اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة بلا خلاف»

تعرض الماتن في هذه المسألة لفرعين:

الفرع الأول انه لو فسخ ذو الخيار تكون العين في يده مضمونة

و لا بدّ من اقامة دليل علي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 96

الضمان اذ مجرد عدم الخلاف بما هو لا يكون من الادلة.

فربما يقال بأن المدرك استصحاب الضمان الثابت قبل الفسخ اذ من الظاهر ان العين كانت مضمونة بالعوض و بعد الفسخ ببركة الاستصحاب نحكم بالضمان.

و يرد عليه أولا ان الاستصحاب المذكور من اقسام الاستصحاب الكلي من القسم الثالث اذ ذلك الضمان الثابت قبل الفسخ قد ارتفع و حدوث ضمان جديد مشكوك فيه و محكوم بالعدم.

و ثانيا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

و ربما يقال ان الدليل علي الضمان حديث اليد و يرد عليه ان الحديث ضعيف لا يعتد به.

و قد افاد المحقق الايرواني و تبعه سيدنا الاستاد تفصيلا في المقام و هو التفصيل بين تفريط الفاسخ في اعلام الطرف المقابل و عدمه بالحكم بالضمان في صورة التفريط و عدمه في غير هذه الصورة.

و الّذي يختلج بالبال أن يقال ان مقتضي السيرة العقلائية ضمان العين بعد الفسخ بالمثل أو القيمة فان العقلاء يرون الفاسخ ضامنا للعين و يرون انه ملزم بأن يوصل العين الي مالكها علي تقدير بقائها و علي تقدير تلفها حقيقة أو حكما يرونه ضامنا للمثل أو القيمة و الظاهر انه لا وجه للتفصيل الذي التزم به سيدنا الاستاد تبعا للايرواني.

الفرع الثاني: أن المفسوخ عليه هل يكون ضامنا أم لا

الظاهر عدم الفرق بين الموردين من هذه الجهة اي يكون المفسوخ عليه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 97

أيضا ضامنا بالمثل أو القيمة كما ان الفاسخ كذلك و لا تنافي بين عدم كون الفاسخ غاصبا و كونه ضامنا فان المأخوذ بالسوم يكون جائز الاخذ و مع ذلك يكون الاخذ ضامنا.

[القول في النقد و النسيئة]

[أقسام البيع باعتبار تأخير و تقديم أحد العوضين]

اشارة

«قوله قدس سره: قال في التذكرة ينقسم البيع باعتبار التقديم و التأخير في احد العوضين الي أربعة اقسام»

بالنسبة الي تأخير الثمن او تأخير المبيع بحيث يكون التأخير حقا للطرف شبهة و هي ان اشتراط حق التأخير خلاف المقرر الشرعي حيث انه ليس لاحد حبس مال الغير و امساك مملوكه الا باذنه فاشتراط حق التأخير شرط مخالف للشرع و من ناحية اخري الشرط لا يكون مشرعا فما الحيلة و ما الوسيلة.

[الاستدلال علي جواز اشتراط حق التأخير بوجوه]
اشارة

و يمكن اثبات الجواز بوجوه

الوجه الأول السيرة العقلائية

الجارية علي المنوال المذكور في النسية و السلم و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع الاقدس.

الوجه الثاني النصوص الدالة علي الجواز

منها ما رواه عبد اللّه ابن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسلم في غير زرع و لا نخل قال يسمّي كيلا معلوما الي اجل معلوم الحديث «1».

و منها ما رواه ابو مريم الانصاري عن أبي عبد اللّه عليه السلام ان اباه لم يكن يري بأسا بالسلم في الحيوان بشي ء معلوم الي اجل معلوم 2.

و منها ما رواه قتيبة الاعشي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في

______________________________

(1) (1 و 2) الوسائل الباب 3 من ابواب السلف الحديث 1 و 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 98

الرجل يسلم في أسنان من الغنم معلومة الي اجل معلوم فيعطي الرباع مكان الثني فقال أ ليس يسلم في أسنان معلومة الي اجل معلوم قلت بلي قال لا بأس «1».

و منها ما رواه سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي انت به قال نعم اذا كان الي اجل معلوم 2.

و منها ما رواه غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام لا بأس بالسلم كيلا معلوما الي اجل معلوم و لا تسلمه الي دياس و لا الي حصاد 3.

و منها ما رواه سليمان بن خالد في حديث انه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يسلم في غير زرع و لا نخل قال يسمّي شيئا الي اجل مسمّي «4».

و منها ما رواه حديد بن حكيم قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام رجل اشتري الجلود

من القصاب فيعطيه كل يوم شيئا معلوما فقال لا بأس به 5.

و منها ما رواه سماعة قال سألته عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الّذي يصنع في البلد الّذي انت فيه قال نعم اذا كان الي اجل معلوم و سألته عن السلم في الحيوان اذا و صفته الي اجل و عن السلف في الطعام كيلا معلوما الي اجل معلوم فقال لا بأس 6.

و منها ما رواه احمد بن محمد قال: قلت لابي الحسن عليه السلام

______________________________

(1) (1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من ابواب السلف الحديث 3 و 4 و 5.

(4) (4 و 5 و 6) نفس المصدر الحديث 6 و 7 و 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 99

اني اريد الخروج الي بعض الجبال فقال ما للناس بدّ من ان يضطربوا سنتهم هذه فقلت له جعلت فداك انّا اذا بعناهم بنسية كان اكثر للربح قال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال نعم قلت بتأخير ثلاث قال لا «1».

و منها ما رواه عمار بن موسي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمّي ثم افترقا فقال وجب البيع و الثمن اذا لم يكونا اشترطا فهو نقد «2».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر انه قال لابي الحسن الرضا عليه السلام ان هذا الجبل قد فتح علي الناس منه باب رزق فقال ان اردت الخروج فاخرج فانها سنة مضطرب و ليس للناس بدّ من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت انهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنتين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا

يكون لك شي ء اكثر من ثلاث سنين «3».

الوجه الثالث: نفوذ الشرط

فان المشتري أو البائع اذا اذن في الامساك بالشرط المقارن مع العقد لا يمكنه الرجوع عن اذنه لان المؤمن عند شرطه و لذا يمكن أن يقال اذا اذن في ضمن الشرط احد لغيره التصرف في ماله لا يمكنه الرجوع عن الاذن المذكور فان رجوعه لغو اذ المفروض ان الاذن الصادر منه بالشرط و الشرط نافذ و الوفاء به لازم و ليس للمشروط عليه الرجوع فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب احكام العقود الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 100

[مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة اطلاق العقد يقتضي النقد»

ذكر الماتن في المسألة امورا

الأمر الأول ان اطلاق العقد يقتضي النقد

و قد علل الحكم المذكور في التذكرة بأن مقتضي العقد انتقال كل من العوضين الي الاخر فيجب الخروج عن العهدة.

و الحق في التعبير ان يقال اذا لم يشترط حق التأخير لا في ناحية الثمن و لا في ناحية المبيع و الحال ان العقد يوجب تملك كل من المتعاقدين ما انتقل إليه يترتب عليه وجوب الخروج عن العهدة.

و بعبارة اخري: النقد عبارة عن التملك مع عدم حق للطرف المقابل علي التأخير و يترتب علي النقد وجوب الخروج عن العهدة و الحاصل انه لا اشكال في الحكم المذكور.

و لا يخفي انه ليس المراد من الاطلاق مقام الاثبات و الدلالة بل المراد من الاطلاق عدم التقييد بالسلم أو بالنسية و يدل علي الحكم المذكور النص لاحظ ما رواه عمار «1» فان المستفاد من الحديث ان الثمن اذا لم يشترط فيه حق التأخير يكون نقدا.

الأمر الثاني: ان وجوب الدفع منوط بمطالبة مالك الثمن

فانه اذا طالب و كان طلبه عن حق بأن أقبض المبيع أو مكّن المشتري من القبض علي الخلاف فيه يجب علي المشتري الخروج عن العهدة.

و يمكن أن يقال ان وجوب الدفع لا ينوط بالمطالبة بل يجب عليه الخروج و لو مع عدم المطالبة الا اذا كان راضيا بعدم الدفع و صفوة القول انه يجب تسليم مال الغير الا في صورة كون الطرف المقابل راضيا بالامساك و عدم الاقباض.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 99.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 101

الأمر الثالث انه لو اشترط تعجيل الثمن كان تأكيدا لمقتضي الاطلاق علي المشهور

فيكون تأكيدا لا تأسيا و يمكن أن يقال ان الشرط المذكور تأسيس لا تأكيد بأن يقال كما عليه سيد الحاشية قدس سره ان مرجع الشرط الي اشتراط الدفع و لو مع عدم المطالبة فانه المتفاهم عرفا.

لكن لنا ان نقول مع الشرط المذكور تارة يكون الشارط راضيا بالتأخير و اخري لا يكون اما مع فرض رضاه بالتأخير لا يجب الدفع اذ المفروض ان وجوب الدفع بلحاظ الشارط فيكون من قبيل حق الناس و ان لم يكن راضيا يجب الدفع و لو مع عدم الاشتراط فيكون الاشتراط مؤكدا لا مؤسسا.

الأمر الرابع: ان الشهيد الاول قدس سره ذكر في الدروس انه اذا اشترط زمان النقد و اخل المشتري به يثبت للبائع خيار الفسخ

و قال الشهيد الثاني قدس سره يثبت الخيار مع الاطلاق أيضا.

و استحسن الشيخ قدس سره كلام الشهيد الثاني قدس سره بقوله «و هو حسن» و الحال انه لا حسن فيه اذ مع عدم تعيين وقت معين و كون زمان الدفع ممتدا لا وجه لتحقق الخيار اذ لا يصدق التخلف الا مع التخلف المطلق و أما التعجيل المطلق فلا يتصور فيه اوّل و آخر و بعبارة اخري: التعجيل المطلق ينافي التوقيت.

الأمر الخامس: ان الخيار لا يكون مقيدا بعدم امكان اجبار المشتري

فانه لا وجه للتقييد المذكور.

الأمر السادس: انه «مجال لطرح مسألة ثبوت الخيار بعدم امكان الاجبار

بتقريب انه ما دام الوقت باقيا لا يجوز الاجبار فانه خلاف الحق و بعد مضي زمانه لا موضوع اذ يرد عليه انه مع تضيق الزمان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 102

و عدم الامتداد يجوز اجباره من الاول و مع الامتداد يجوز الاجبار في آخره فلاحظ.

[مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة مفهوما و لا مصداقا]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدة معينة غير محتملة مفهوما و لا مصداقا»

حكم قدس سره بالجواز في صورة كون الاجل معلوما و حكم بالفساد في صورة الجهل اما مصداقا او مفهوما اما حكمه بالجواز في الصورة الأولي فعلي طبق القاعدة الاولية فان مقتضي اطلاق قوله تعالي «احل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» جوازه و أيضا تدل علي الصحة بقية الادلة الدالة علي جواز البيع.

و أما حكمه بعدم الجواز و الصحة

فما يمكن أن تذكر في تقريب الاستدلال عليه وجوه
الوجه الأول عدم الخلاف

كما في عبارة المتن و فيه ان الاجماع لا يكون حجة فكيف بعدم الخلاف.

الوجه الثاني: لزوم الغرر و هو يفسد البيع

و يرد عليه أولا ان الرواية الدالة علي كون الغرر مبطلا لا تكون تامة سندا و لا جابر لها.

و ثانيا ان الغرر عبارة عن الخديعة و المقام اجنبي عن الخديعة فان المانع المتصور هو الجهل.

و ثالثا انه ربما لا يكون خطر في المعاملة فيكون الدليل اخص من المدعي.

الوجه الثالث النصوص الدالة علي اشتراط كون الاجل معلوما في السلف

«1» و يرد عليه انه قياس و القياس باطل.

الوجه الرابع: ان التأجيل كما تقدم و سبق خلاف المقرر الشرعي

______________________________

(1) قد تقدم ذكر روايات الباب في ص 97 و 98.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 103

و بعبارة اخري: شرط التأجيل خلاف الشرع فلا يمكن اشتراطه في العقد فلو خلي و طبعه لا يكون جائزا و عليه فلا بد من الاقتصار علي المقدار الذي احرز جوازه و حيث ان التأجيل بمدة غير معلومة لم يحرز جوازه لا مجال للقول به.

و يرد عليه ان التأجيل عبارة عن الترخيص من ناحية من بيده الامر في التأخير فاذا فرضنا ان الترخيص المذكور و الاباحة المشار إليها وقعت تلو الشرط و الشرط تعلق به يصير لازما و لا يمكن للمشروط عليه التجاوز عنه فلاحظ.

ثم انه افاد قدس سره بعدم الفرق في الاجل المعين بين الطويل و القصير و بالنسبة الي هذه الجهة تارة نبحث علي طبق القاعدة الاولية و اخري نبحث علي مقتضي النص الوارد في المقام أما الكلام من حيث القاعدة فالظاهر عدم الفرق بين الطويل و القصير لوحدة الملاك.

و اما من حيث النص فالنصوص مختلفة لاحظ ما رواه احمد بن محمد «1» فان المستفاد من هذه الرواية المنع عن التأخير ثلاث سنين و لاحظ ما رواه البزنطي «2» فان المستفاد من الحديث المنع عن الزائد علي الثلاثة فيقع التعارض بين الخبرين و حمل نهيه عليه السلام علي الارشاد لا علي المولوية خلاف الظاهر فان الاصل الاولي في اوامرهم و نواهيهم المولوية و بيان الحكم الشرعي.

لكن الذي يسهل الخطب ان الحديث الاول ضعيف بسهل فيبقي الحديث الثاني خاليا عن المعارض مضافا الي أنه احدث و الحديث

______________________________

(1) قد تقدم في ص 98.

(2) قد تقدم في ص 99.

عمدة المطالب

في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 104

ينسخ كما ينسخ القرآن فلا بد أن لا يكون أزيد من ثلاث سنين.

ثم انه هل يجوز الافراط في التأخير أم لا و هذا البحث يتفرع علي عدم العمل برواية البزنطي أو حملها علي الارشاد و الا فلا مجال لهذا البحث.

فنقول: مع قطع النظر عن تلك الرواية ربما يقال انه يجوز ما دام لا يعد العقد سفهيا و اكلا للمال بالباطل.

و يرد عليه انه لا دليل علي بطلان المعاملة السفهائية كما انه قد ذكرنا مرارا بأن الجار للسببية لا للمقابلة فلا مجال للتقريب المذكور.

مضافا الي أنه ربما لا يكون العقد سفهيا و لو مع الافراط و لا يعد من الاكل في مقابل الباطل.

ثم انه لو كان الاجل ازيد من عمرهما كألف سنة فربما يقال بعدم الجواز لوجهين
الوجه الأول انه لا مالية له اذ لا يمكن أن يستفاد منه.

و يرد عليه أولا ان المالية غير معتبرة في الثمن كما انها لا تعتبر في المثمن و ثانيا انه لا نسلم المدعي فانه مال و قابل لوقوع العقد عليه.

الوجه الثاني: انه بالموت يعجل المؤجل

و معه اذا قصدا الي زمان الموت يكون مجهولا فيكون مبطلا و اذا قصدا الامتداد يكون شرطا مخالفا للسنة فيكون فاسدا بل ربما يكون مفسدا.

و يرد عليه أولا النقض بما لو جعلا مدة قصيرة و تصادف موت المديون فان الكلام فيه هو الكلام. و ثانيا ان التأجيل جائز شرعا غاية الامر يترتب عليه الحكم المذكور.

ثم انه هل يكفي التعين الواقعي أو يلزم كونه معلوما عند

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 105

المتعاقدين الظاهر هو الثاني فان التعين الواقعي محفوظ في كل مورد انما اللازم كونه معلوما عندهما كي يرتفع الغرر علي مسلكهم.

[مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لو باع بثمن حالا و بأزيد منه مؤجلا»

تارة يقع الكلام في هذه المسألة من حيث القاعدة الاولية و اخري من حيث المستفاد من النص الخاص الوارد في المقام فيقع البحث في مقامين. أما

المقام الأول [في مقتضي القاعدة الأولية]

فنقول: تارة يقبل المشتري احد الانشائين الصادرين من البائع و اخري يقبل الانشاء المردد الصادر منه أما الصورة الأولي فالظاهر صحتها لعدم مانع عن الصحة لكن لصورة الأولي خلاف ظاهر المتن.

و أما الصورة الثانية فالظاهر بطلانها لا للجهالة بل لان المردد لا واقع له و بعبارة اخري: بعد القبول بالنحو المذكور نسأل انه هل وقع عقد أم لا و من الواضح انه لم يتحقق عقد و لم يقع شي ء في الخارج فلا موضوع هذا هو المقام الأول.

و اما

المقام الثاني فقد وردت في المقام عدة نصوص

منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في مناهي النبي صلي اللّه عليه و آله قال و نهي عن بيعين في بيع «1» و هذه الرواية ضعيفة بحسين بن زيد مضافا الي ان اسناد الصدوق الي شعيب بن واقد ضعيف.

و منها ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ان عليا عليه السلام قضي في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب احكام العقود الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 106

كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع علي ذلك الشرط فقال هو باقلّ الثمنين و أبعد الاجلين يقول ليس له الا اقل النقدين الي الاجل الذي اجله بنسيئة «1» و هذه الرواية ضعيفة بالنوفلي.

و منها ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال امير المؤمنين عليه السلام من باع سلعة فقال ان ثمنها كذا و كذا يدا بيد و ثمنها كذا و كذا نظرة فخذها باي ثمن شئت و جعل صفقتها واحدة فليس له الا اقلهما و ان كانت نظرة قال: و قال عليه السلام من ساوم بثمنين احدهما

عاجلا و الاخر نظرة فليسم احدهما قبل الصفقة «2».

و الظاهر تمامية السند و يستفاد من الحديث ان المشتري مختار في اختيار احدهما و يكون النتيجة اقل ثمنين و هذا حكم صادر عن مخزن الوحي و لا بدّ من الاخذ به و لو مع كونه علي خلاف القواعد الاولية.

و بهذه الرواية يقيّد الحديثان الآخران احدهما ما رواه عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بعث رجلا الي اهل مكة و أمره ان ينهاهم عن شرطين في بيع 3.

و ثانيهما ما رواه سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: نهي رسول اللّه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و عن بيع ما ليس عندك و عن ربح ما لم يضمن «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من ابواب احكام العقود الحديث 2.

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 1 و 3.

(4) الوسائل الباب 2 من ابواب العقود الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 107

«قوله قدس سره: ثم ان الثابت منهما علي تقدير العمل بهما»

قد تقدم منا في صدر المسألة التفصيل و ذكرنا ان مقتضي القاعدة الصحة في احد الفرضين و البطلان في الفرض الاخر.

«قوله قدس سره: ثم ان العلامة في المختلف ذكر في تقريب صحة المسألة انه مثل ما اذا قال المستأجر لخياطة الثوب ان خطته فارسيا»

الخ

ما أفاده قدس سره من رجوعها الي الجعالة تام و طبع القضية كذلك و المفروض في هذه المسألة اي مسألة خياطة الثوب ان المستأجر يردد و الترديد الصادر منه ينطبق علي الجعالة و لكن لو فرضنا ان الاجير قال للمستأجر آجرتك

نفسي لخياطة كذا بهذا المقدار و لخياطة كذا بالمقدار الاخر تكون المسألة نظير مقامنا فلاحظ.

بقي في المقام شي ء و هو ان المقام لا يرتبط بمسألة الربا اصلا فان الربا القرضي عبارة عن جعل شي ء في مقابل القرض و في المقام بيع العين بمقدار من الثمن المؤجل نعم قد تستفاد في عقد تلك الفائدة المترتبة علي القرض الربوي لكن هذا لا يوجب حرمة ذلك العقد لا تكليفا و لا وضعا فلاحظ.

[مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لا يجب علي المشتري دفع الثمن المؤجل»

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول ان الثمن اذا كان مؤجلا لا يجب علي المشتري دفعه

و لو مع المطالبة و ادعي عليه الاجماع و هذا ظاهر واضح اذ لولاه يلزم اللغوية فان التأجيل عبارة عن حق التأخير فلا مجال للبحث.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 108

الفرع الثاني انه لو تبرع المشتري بالدفع فهل يجب علي البائع القبول

ادعي علي عدم وجوبه عدم الخلاف بل ادعي عليه الاجماع و عن العلامة في التذكرة تعليل عدم الوجوب بأن البائع لا يكلف بتحمل المنة كما انه لا يكلف بقبول الزيادة و قال الماتن فيه تأمل.

و يمكن أن يكون وجه التأمل انه لا جامع بين المقام و دفع الزيادة اذ انتقال الزيادة الي البائع يحتاج الي قبوله و لا دليل علي وجوب قبوله و أما في المقام فان المفروض ان الثمن مملوك له و أما تحمل المنة فربما لا تكون فيه بل يكون للمشتري قبول المنة من البائع في قبوله قبل مضي الاجل فلا بد من التفصيل.

و الّذي يختلج بالبال أن يفصل في المقام بأن يقال تارة يكون التأجيل بلحاظ المشتري فقط و اخري يكون التأجيل شرطا لكل منهما علي الاخر أما في الصورة الأولي فلا اشكال في وجوب القبول لوجود المقتضي و عدم المانع.

و أما في الصورة الثانية فيجب اذ المفروض انه جعل الحق لكل منهما علي الاخر فلا وجه لالزام البائع علي رفع اليد عن حقه فالنتيجة عدم وجوب القبول.

و بعبارة اخري: المشتري التزم في ضمن العقد و اشترط علي نفسه أن يحفظ مال البائع فيجب عليه الحفظ و لا يجب علي البائع القبول.

الفرع الثالث انه لو اسقط المشتري حق التأجيل فهل يسقط أم لا
اشارة

ربما يقال بعدم سقوطه بالاسقاط و ما يمكن أن تذكر في تقريب المدعي وجوه:

[الاستدلال علي عدم سقوطه بوجوه]
الوجه الأول انه حق ثابت في ضمن عقد لازم فلا يمكن اسقاطه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 109

و يرد عليه ان المفروض انه حق و الحق قابل للاسقاط و تحققه بالشرط في ضمن العقد اللازم لا يوجب عدم امكان سقوطه بالاسقاط فان الخيار الثابت بالشرط في ضمن العقد قابل للاسقاط.

و علي الجملة ثبوته بالاشتراط في ضمن العقد لا يكون موجبا لعدم قابليته لسقوطه نعم اذا كان حكما لم يكن قابلا للسقوط بالاسقاط اضف الي ذلك انه كيف يسقط بالتقايل و الحال ان الملاك واحد.

الوجه الثاني ما عن العلامة من ان التأجيل صفة تابعة كالجودة

فكما ان الوصف المأخوذ في العين غير قابل للاسقاط كذلك حق التأجيل.

و يرد عليه انه قياس مع الفارق فان الوصف عنوان للعين و للمبيع و لا مجال لاسقاطه و بعبارة اخري يتملك المشتري الموصوف الكذائي و هذا لا يتغير و اما الشرط و جعل الحق فهو قابل للاسقاط و رفع اليد عنه.

الوجه الثالث: انه افاد الماتن ان مرجع التأجيل الي اسقاط حق المطالبة

و الساقط لا يعود و يرد عليه أولا ان حق المطالبة حكم غير قابل للاسقاط. و ثانيا ان حق المطالبة للبائع و الكلام في جواز اسقاط المشتري حقه. و ثالثا ان حق التأجيل احداث للحق لا اسقاط شي ء.

الوجه الرابع: ان في التأجيل حقا لصاحب الدين و لا يجوز الاسقاط من طرف واحد حقا يقوم بالمتعدد نعم يجوز اسقاطه بالتقايل.

و يرد عليه أولا ان الدليل اخص من المدعي اذ ربما يكون الحق

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 110

مختصا بالمشتري فلا موضوع للتعدد و ثانيا ان لكل منهما حق مستقل و لا يرتبط احدهما بالآخر.

و امر الماتن بالتأمل بقوله فتأمل و لعل وجه التأمل ان استفادة كل واحد منهما من الحق لا يستلزم التعدد و لكن الظاهر كما قلنا ان الحق متعدد و لا مجال للاتحاد و الوحدة.

و بعبارة اخري لا شك في تعدده كي يكون قابلا لهذا البيان في وجه التأمل فتحصل انه لا مقتضي لعدم جواز الاسقاط.

الفرع الرابع انه لو نذر التأجيل و كان النذر منعقدا لاجل رجحان المتعلق فلا يسقط لا بالاسقاط و لا بالتقايل

و الوجه فيه ان النذر لا يوجب حقا وضعيا كي يسقط بالاسقاط أو بالتقايل بل مقتضاه الوجوب الشرعي و الحكم الشرعي غير قابل للاسقاط و التقايل فلاحظ.

[مسألة إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة اذا كان الثمن بل كل دين حالا او حل وجب علي مالكه قبوله عند دفعه إليه»

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 4، ص: 110

قد تعرض قدس سره في هذه المسألة لفروع.

الفرع الأول انه لو دفع الثمن الي مالكه مع الحلول يجب علي المالك قبوله
اشارة

و ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول ان عدم القبول اضرار بالمديون و الاضرار بالغير حرام

ان قلت: يرتفع الضرر بقبض الحاكم عند الامتناع و بعزله و ضمانه علي مالكه.

قلت: قبض الحاكم و كذلك العزل لا يكونان في رتبة قبض المالك كي يصيران بدلين عنه عند الامتناع بل تصل النوبة إليهما عند

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 111

الاضطرار فلا ترتفع حرمة الاضرار بالبدلية.

و لقائل أن يقول لا يصدق علي الامساك عن القبول عنوان الاضرار مضافا الي أن القبول ربما يكون ضررا بالنسبة الي القابل نعم يمكن أن يكون الامساك ايذاء و لكن اي دليل دل علي حرمة الايذاء علي الاطلاق.

الوجه الثاني ان عدم القبول ظلم بالنسبة الي المشتري و الظلم حرام.

و يرد عليه ان الظلم عبارة عن التعدي علي الغير و وضع الشي ء في غير موضوعه و انطباق العنوان المذكور في المقام اوّل الكلام و الاشكال نعم كما تقدم ربما ينطبق عليه عنوان الايذاء و لكن لا دليل علي حرمة الايذاء علي الاطلاق.

مضافا الي انه معارض بأنه ربما يكون القبول موجبا لايذاء نفسه و الترجيح يحتاج الي الدليل الا ان يقال انه لا دليل علي حرمة ايذاء المكلف لنفسه.

الوجه الثالث الاجماع

و فيه ان الاجماع علي فرض حصوله محتمل المدرك اذ يمكن استناد المجمعين الي الوجوه المذكورة في المقام.

الوجه الرابع ان وجوب الوفاء بالعقد يقتضي وجوب القبول فانه من شئونه

و يرد عليه أولا ان وجوب الوفاء وضعي و الامر به ارشاد الي اللزوم فلا يرتبط بما نحن فيه.

و ثانيا ان كون القبول من شئون الوفاء اوّل الكلام و الاشكال.

الوجه الخامس ان مقتضي تسلط كل انسان علي نفسه تسلط المشتري علي افراغ ذمته فيجب علي البائع القبول

و يرد عليه انه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 112

كما ان المشتري مسلط علي نفسه كذلك البائع مسلط علي نفسه فلا وجه للترجيح.

الوجه السادس ان الّذي يختلج بالبال أن يقال ان القبول قد اشترط في ضمن العقد بالارتكاز

فان مقتضاه وجوب قبوله و الظاهر ان الوجه المذكور تام.

الوجه السابع ان مقتضي الانصاف ان السيرة العقلائية جارية علي عدم حق لاحد أن يشغل ملك غيره

و أيضا ليس له أن يشغل ذمة غيره بلا رضاه و لذا لا يجوز وضع شي ء في دار الغير بل يجب رفعه و افراغ مملوك الغير و هكذا الكلام بالنسبة الي ذمة الغير و هذه السيرة ممضاة من قبل الشارع.

الفرع الثاني انه بعد فرض عدم جواز الامتناع و انه لا حق له فيه اذا امتنع عن القبول يسقط اعتبار رضاه

و استدل الماتن قدس سره علي المدعي بقاعدة نفي الضرر و أفاد ان مورد الحديث كان من هذا القبيل اذ سمرة كان بلا اذن يدخل بستان الاعرابي و كان دخوله ضررا عليه فالغي النبي احترام ماله و امر بقطع نخله بعد امتناعه عن الاستيذان و عن البيع.

و يرد عليه انا ذكرنا في محله ان المستفاد من القاعدة الحكم التكليفي اي حرمة الاضرار بالغير و لم نسلم كون القاعدة ناظرة الي ادلة الاحكام مضافا الي أن القاعدة لا تنطبق علي قطع الشجرة بل مقتضي القاعدة منع السمرة عن الدخول اذ الضرر كان ناشيا من دخوله بلا اعلام و استيذان.

فالحق في مقام الاستدلال علي سقوط اذنه عن الاعتبار بوجوب القبول عليه و عدم حق له في ابقاء ذمة الغير مشغولة و بعد سقوط

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 113

اذنه و رضاه عن الاعتبار تصل النوبة الي تصدي الحاكم الشرعي لكن هل يتصدي الحاكم بنفسه للقبض أو يتصدي لاكراهه علي القبض أو لا و مع عدم امكانه يتصدي بنفسه فان السلطان ولي الممتنع.

يمكن ان يقال ان الحق هو الاحتمال الثاني و الوجه فيه ان تصدي الحاكم علي خلاف القاعدة فما دام امكن قبض البائع و لو مع الاكراه يكون مقدما.

ان قلت: مقتضي حديث رفع الاكراه عدم ترتب الاثر علي القبض الاكراهي قلت: هذا فيما لا يكون الاكراه حقا و أما مع كونه حقا كما هو المفروض

فلا مجال للاستدلال بحديث الرفع كما هو ظاهر.

ثم انه اذا لم يمكن تصدي الحاكم الشرعي فأفاد الماتن بانه يأمره و يجبره كل مكلف عادلا كان أو فاسقا و استدل عليه بوجوب الامر بالمعروف.

و يرد عليه ان وجوب الامر بالمعروف يشمل كل مكلف و لا يكون الحاكم مقدما علي غيره مضافا الي أن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يقتضيان الاكراه و لا دليل علي وجوبه انما الكلام في انه هل يقوم العادل مقام الحاكم الشرعي في صورة تعذره و عدم امكان تصديه كما هو المفروض أم لا.

الظاهر انه مع عدم امكان تصدي الحاكم تصل النوبة الي العادل و مع عدم امكانه يصل الامر الي مطلق المكلف و اذا انطبق العنوان علي المديون يتصدي للامر بنفسه و لا يخفي ان وصول النوبة الي تصدي الغير يتوقف علي عدم امكان قبضه بنفسه و لو مع الاجبار و الاكراه.

و لقائل أن يقول لا يلزم صدق عنوان القبض في افراغ الذمة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 114

من الدين فان اللازم صدق عنوان الاداء و هو يحصل بالتخلية بينه و بين المال أو الاقدار علي القبض مع التفاته فانه يصدق عليه عنوان الاداء فيلزم أن نقول ان تصدي الحاكم يترتب علي عدم امكان الاداء.

الفرع الثالث انه لو فرض عدم امكان القبض او الاداء

حتي بالنسبة الي الحاكم و من يقوم مقامه و ان كان تحقق الفرض المذكور مشكلا فهل يجوز عزله ربما يقال بأنه يجوز لقاعدة نفي الضرر في الشريعة فان مقتضاها جواز الافراغ بالعزل.

و يرد عليه أولا ان القول به يتوقف علي الالتزام بمسلك المشهور في مفاد القاعدة و ثانيا ان القواعد النافية تنفي الاحكام الاولية مثلا قاعدة لا ضرر تنفي الوجوب الضرري و اما

اثبات الحكم الاخر فلا يستفاد من تلك القواعد فلا مجال لان يقال ان المستفاد من حديث لا ضرر جواز الجبيرة عند كون الوضوء التام ضرريا و عليه كيف يمكن الالتزام في المقام بتحقق الافراغ بالعزل.

و صفوة القول انه لا دليل علي تشخص كلي الثمن في المعزول و اما ان قلنا بجواز العزل و تحقق الافراغ به فلا مجال لان يقال ان المعزول باق في ملك المشتري و اذا تلف يتلف عن البائع فانه جمع بين المتنافيين مضافا الي أن لازمه عدم مالكية البائع لشي ء و يترتب عليه عدم امكان بيعه و التصرف فيه فان المفروض فراغ ذمة المشتري بالعزل فلا يكون مالكا لما في ذمة المشتري و لا يكون مالكا للمعزول اذ قد فرض انه باق في ملك المشتري فالبائع لا يكون مالكا لشي ء و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم الفاسد.

و أما تقدير دخوله في ملك البائع قبل التلف فأيضا قول بلا دليل

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 115

ثم علي هذا الاساس الفاسد هل يمكن القول بجواز تصرف المشتري في المعزول و اتلافه و رجوع التالف الي ذمته أم لا الحق هو الثاني اذ لا وجه للاشتغال بعد الافراغ لعدم الدليل عليه بل الدليل قائم علي عدمه و هو استصحاب عدم الاشتغال.

ثم انه لو قلنا بجواز العزل و تشخص الكلي في المعزول و صيرورته مملوكا للبائع فهل يجب علي المشتري حفظه الظاهر عدم الوجوب لانه اكثر ضررا عليه فلاحظ.

ثم انه لو قلنا ان دليل لا ضرر يقتضي جواز العزل و صيرورة المعزول مملوكا للبائع فهل يمكن اسراء هذا الحكم الي فرعين آخرين احدهما ان الغاصب لو غصب من المشاع نصيب احد الشريكين بالخصوص

أي ينوي الخصوصية.

الفرع الثاني أن يجبر الغاصب احد الشريكين أن يدفع إليه نصيب الشريك فنقول لا بدّ من التفصيل بين الفرعين بأن نقول لا مقتضي للتعين في الفرع الأول و بعبارة اخري نية الغاصب لا تغير الواقع و الاشاعة بحالها و لازمه تحقق الغصب و وروده علي كلا الشريكين.

و أما في الفرع الثاني فمجال لان يقال ان قاعدة نفي الضرر تقتضي جواز القسمة و تعيين حصة الشريك في المغصوب.

لكن يشكل بأن القاعدة كما تقتضي نفي الضرر بالنسبة الي الغير المغصوب عنه كذلك تقتضي عدم الاضرار بالنسبة الي الشريك و حيث انه لا ترجيح لاحد الطرفين علي الاخر تسقط القاعدة بالمعارضة و الذي يهون الخطب ان القاعدة ناهية لا نافية و علي فرض كونها نافية اثرها النفي لا اثبات الحكم الاخر.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 116

[مسألة في عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه و الاستدلال عليه]

اشارة

«قوله قدس سره: مسألة لا خلاف علي الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال بل مطلق الدين بازيد منه»

تارة يقع الكلام في مقتضي القاعدة الاولية و اخري في مقتضي النص الخاص الوارد في المقام فيقع الكلام في موضعين. اما

الموضع الأول [في مقتضي القاعدة الأولية]

فقد حكم عليه بالحرمة لاجل كونه مصداقا للربا بحسب النظر العرفي.

و يرد عليه انه ليس مصداقا للربا القرضي فان المستفاد من دليله ان القرض الربوي حرام تكليفا و فاسد وضعا و المقام ليس من مصاديق القرض بل اخذ شي ء في قبال التأجيل و الاهمال و عليه لا يمكن الالتزام بالحرمة و الفساد بالتقريب المذكور.

و أما الاستدلال عليه بعدم الخلاف في عدم جوازه ففيه ان الاجماع لا يكون حجة فكيف بعدم الخلاف مضافا الي احتمال كون القول بعدم الجواز مستندا الي بعض الوجوه المذكورة في المقام.

فعلي هذا الاساس نقول لو لا النص الخاص تارة يقع المعاوضة بين شي ء و التأجيل و اخري يلتزم الدائن في ضمن الشرط بالتأجيل مدة أما علي الاول فلا يصح المعاوضة وضعا و ان جاز تكليفا اذ لا دليل يدل علي تمامية كل معاوضة فان دليل وجوب الوفاء بالعقود ارشاد الي اللزوم و لا يمكن ان يكون دليلا للصحة.

و أما اطلاق قوله تعالي «تجارة عن تراض» فيرد فيه ان اطلاق التجارة علي غير البيع اوّل الكلام و الاشكال و أما علي الثاني فالظاهر انه لا مانع منه تكليفا و لا وضعا لعدم المقتضي للمنع فلو ملكه شيئا و شرط في ضمن التمليك أن يؤجل مدة يصح و يلزم اذ المؤمن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 117

لا يفارق شرطه و الشرط لازم هذا تمام الكلام في

الموضع الاول.

و أما

الموضع الثاني فقد وردت في المقام عدة نصوص

منها ما عن ابن عباس قال: كان الرجل منهم اذا حل دينه علي غريمه فطالبه به قال المطلوب منه له زدني في الاجل و ازيدك في المال فيتراضيان عليه و يعملان به فاذا قيل لهم هذا ربا قالوا هما سواء يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب الاجل عند محل الدين سواء فذمهم اللّه به و الحق الوعيد بهم و خطأهم في ذلك بقوله «و احل اللّه البيع و حرم الربا» «1» و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا.

و منها ما عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام انهما قالا في الرجل يكون عليه الدين الي اجل مسمّي فيأتيه غريمه فيقول انقدني من الذي لي كذا و كذا واضع لك بقيته أو يقول انقد لي بعضا و امد لك في الاجل فيما بقي عليك قال لا اري به بأسا ما لم يزدد علي رأس ماله شيئا يقول اللّه «فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ» «2».

و منها ما رواه ابن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه قال لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا «3».

فانه يستفاد المدعي من هذه الروايات و منها جملة من الروايات

______________________________

(1) مجمع البيان ج 2 ص 389.

(2) الوسائل الباب 7 من ابواب الصلح الحديث 1.

(3) الوسائل الباب 19 من ابواب الدين و القرض الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 118

تدل علي جواز اعماله الحيلة الشرعية لجواز الانتفاع في قبال التأجيل.

منها

ما رواه ابن عمار قال: قلت لابي الحسن عليه السلام ان سلسبيل طلبت مني مائة الف درهم علي أن تربحني عشرة آلاف فاقرضها تسعين الفا و ابيعها ثوب وشي تقوم بالف درهم بعشرة آلاف درهم قال لا بأس «1».

و منها ما عن الكليني قال و في رواية اخري لا بأس به اعطها مائة الف و بعها الثوب بعشرة آلاف و اكتب عليها كتابين «2».

و منها ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل رجل له مال علي رجل من قبل عينة عينها اياه فلما حلّ عليه المال لم يكن عنده ما يعطيه فأراد أن يقلب عليه و يربح أ يبيعه لؤلؤا أو غير ذلك ما يسوي مائة درهم بألف درهم و يؤخره قال لا بأس بذلك قد فعل ذلك ابي رضي اللّه عنه و امرني ان افعل ذلك في شي ء كان عليه 3.

و منها ما رواه ابن عمار قال: قلت لابي الحسن عليه السلام يكون لي علي الرجل دراهم فيقول اخرني بها و انا اربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين الفا و اؤخّره بالمال قال لا بأس «4».

و منها ما رواه عبد الملك بن عتبة قال سألته عن الرجل يريد أن

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب احكام العقود الحديث 1.

(2) (2 و 3) نفس المصدر الحديث 2 و 3.

(4) نفس المصدر الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 119

أعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني مالا ازيده علي مالي الذي لي عليه أ يستقيم أن ازيده مالا و ابيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم فأقول ابيعك

هذه اللؤلؤة بألف درهم علي أن اؤخرك بثمنها و بمالي عليك كذا و كذا شهرا قال لا بأس «1».

و منها ما رواه ابن عمار قال قلت للرضا عليه السلام الرجل يكون له المال فيدخل علي صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم و يؤخر عنه المال الي وقت قال لا بأس به قد أمرني ابي ففعلت ذلك و زعم انه سأل أبا الحسن عليه السلام عنها فقال مثل ذلك «2».

فانه يستفاد من هذه الروايات لزوم اعمال هذه الحيلة الشرعية و لو جاز أخذ شي ء في قبال التأجيل لم يكن اعمال الحيلة لازما.

«قوله قدس سره:

مسألة اذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بايعه و غيره»

ما أفاده من الجواز في شقوق المسألة علي طبق القاعدة الاولية لوجود المقتضي و عدم المانع و يدل علي المدعي بعض النصوص لاحظ ما رواه بشار بن يسار «3» فان الحديث يدل بإطلاقه علي الجواز في مورد الخلاف حيث ان الامام عليه السلام في مقام الجواب لم يفصل و حكم بالجواز و من عدم التفصيل يستفاد جواز الحكم في جميع الاقسام كما صرح به الماتن قدس سره و لاحظ ما رواه حسين بن منذر «4» و هذه الرواية أيضا يشمل مورد الخلاف و لاحظ ما

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب العقود الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) قد تقدم في ص 83.

(4) قد تقدم في ص 49.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 120

رواه علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام «1» و الكلام فيه هو الكلام.

«قوله قدس سره: الا بالنسبة الي بعض صور المسألة فمنع منها الشيخ في النهاية و التهذيبين و هي بيعه من البائع بعد الحلول بجنس الثمن لا مساويا و قال في النهاية اذا اشتري

نسية فحل الاجل و لم يكن معه ما يدفعه الي البائع جاز للبائع ان يأخذ منه ما كان باعه اياه من غير نقصان من ثمنه فان اخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك صحيحا»

و يرد علي الطوسي قدس سره كما أورد عليه الماتن بأن الادلة الاولية الدالة علي صحة البيع تقتضي خلاف ما بني عليه كما ان اطلاق جملة من النصوص الخاصة كذلك انما الكلام في أنه هل هناك دليل يقتضي رفع اليد عما ذكرنا و الذهاب الي مذهب الطوسي أم لا.

ربما يستدل عليه بما رواه خالد بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بعته طعاما بتأخير الي اجل مسمّي فلمّا حلّ الاجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي طعام فاشتره مني قال: لا تشتره منه فانه لا خير فيه «2».

و هذه الرواية ضعيفة سندا بخالد فلا يعتد بها مضافا الي أنه يمكن أن يقال ان المستفاد منها الكراهة لمكان قوله عليه السلام لا خير فيه.

اضف الي ذلك انه لا دليل علي أن المبيع في العقد الثاني عين

______________________________

(1) قد تقدم في ص 49.

(2) الوسائل الباب 12 من ابواب السلف الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 121

المبيع الاول فان لفظ طعام في قول السائل نكرة و لا قرينة في الكلام تدل علي كون المراد منه هو الذي اشتراه من البائع و يضاف الي ذلك كله ان الحديث مطلق و غير مختص بمورد كلام الطوسي فلاحظ.

و ربما يستدل عليه بما رواه ابن بشير قال سأله محمد بن القاسم الحناط فقال أصلحك اللّه ابيع الطعام من الرجل الي اجل فأجي ء و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس

عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه قال افهم اصلحك اللّه انه طعامي الذي اشتراه مني قال لا تأخذ منه حتي يبيعه و يعطيك قال أرغم اللّه أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد علي «1».

و هذه الرواية غير نقية السند مضافا الي أن الحديث لا يختص بمورد كلام الطوسي قدس سره.

«قوله قدس سره: و قد يستدل برواية يعقوب بن شعيب و عبيد ابن زرارة قالا سألنا أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الاجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ مني طعاما قال لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء «2» و في دلالتها نظر»

يمكن أن يكون وجه النظر ان هذه الرواية لا تدل علي خلاف ما ذهب إليه الشيخ اذ لا دلالة في الحديث علي ان المبيع الثاني عين ما بيع أوّلا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من ابواب السلف الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 11 من ابواب السلف الحديث 10.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 122

و يرد عليه انه يكفي الاطلاق فانه مقتضي قوله عليه السلام يأخذ بها ما شاء لكن لم يفرض في الحديث التفاضل في الثمن و يمكن أن يكون وجه النظر من هذه الجهة.

«قوله قدس سره: اقول الظاهر ان الشيخ قدس سره جري في ذلك و فيما تقدم عنه في النهاية»

ملخص الكلام ان الشيخ الطوسي قدس سره استفاد من بعض النصوص قاعدة كلية و هي ان عوض الشي ء الربوي لا يجوز أن يعوض به شي ء بزيادة و ان عوض العوض عوض و الحديث المشار إليه ما رواه ابن جعفر قال: سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ

بقيمته دراهم قال اذا قوّمه دراهم فسد لان الاصل الذي يشتري به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم و سألته عن رجل أعطي عبده عشرة دراهم علي أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم أ يحل ذلك قال لا بأس «1».

و الظاهر انه يستفاد المدعي من الحديث بعموم العلة و أورد سيدنا الاستاد قدس سره علي الاستدلال بالرواية علي ما في تقريره الشريف بأن الحديث ضعيف سندا مضافا الي انه معارض لمثله في مورده.

و كلا الاشكالين مدفوعان أما الاشكال الاول فلأن الحديث و ان كان ضعيفا باحد سنديه و لكنه تام بسنده الاخر فان الحر قدس سره نقل الحديث عن كتاب علي بن جعفر و أما الاشكال الثاني فأيضا مدفوع بأن الحديث المزبور ضعيف سندا بعبد اللّه بن حسن فلاحظ.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب السلف الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 123

«قوله قدس سره: و اما الحكم في المستثني و هو ما اذا اشترط في البيع الاول نقله الي من انتقل عنه»

هذا هو الفرع الثاني الذي قد تعرض له الماتن قدس سره و عدم الجواز فيه مشهور بين القوم و استدل عليه بأن الشرط المذكور يستلزم الدور المحال بتقريب ان البيع متوقف علي الشرط المذكور و الحال ان الشرط المشار إليه لا يتحقق الا بالبيع الاول فيتوقف البيع الاول علي أمر يتوقف ذلك الامر عليه فالتوقف من الطرفين هذا تقريب الاستدلال.

و الحق بطلان الاستدلال و لا مانع من الشرط المذكور اذ تارة يتوقف البيع الاول علي تحقق البيع الثاني و اخري يتوقف علي الالتزام به أما علي الاول فمجال للتقريب المذكور و يصح الاستدلال الدوري.

و أما علي الثاني فلا دور فان البيع

الاول يتوقف علي الالتزام بالبيع الثاني في ظرفه القابل و البيع الثاني يتوقف علي البيع الاول فكل من الامرين يتوقف علي شي ء فلا دور.

و ان شئت قلت: التقريب الدوري انما يصح فيما يكون الشرط شرط النتيجة اي بالشرط يتحقق البيع الفعلي و اما اذا كان الشرط علي نحو شرط الفعل فلا دور و لا اشكال.

و بما ذكرنا ظهران التقريب الثاني للاشكال و هو عدم قصد البائع الاول اخراج العين عن ملكه غير وارد فان تحقق الشرط يتوقف علي تحقق البيع الاول.

و بعبارة واضحة: لا يتحقق البيع الثاني الا في صورة تحقق البيع الاول فكيف لا يكون البائع في البيع الاول قاصدا للبيع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 124

ان قلت: يشترط في كل شرط أن يكون جائزا في حد نفسه كي لا يكون مخالفا مع الشرع و الحال ان البيع الثاني لا يكون جائزا الا بعد البيع الاول.

قلت: يشترط أن يكون الشرط جائزا في ظرفه و الشرط المذكور جائز في ظرفه و لذا يجوز قبل الزوال أن يبيع زيد داره من بكر و يشترط عليه أن يصلي صلاة ظهر ذلك اليوم و الحال ان الاتيان بصلاة الظهر لا يجوز قبل الزوال و يجوز بعده بل يجب.

ان قلت: البيع الاول معلق علي الشرط و التعليق باطل قلت:

البيع الاول معلق علي الالتزام و الالتزام موجود بالفعل و التعليق علي الموجود بالفعل المحرز عند المتعاقدين جائز فلاحظ.

و هذا الذي ذكرنا سار و جار في جملة من الموارد و الشروط فان البيع بشرط الوقف علي البائع من هذا القبيل و أيضا البيع بشرط أن يكون المبيع رهنا علي الثمن و قس عليهما بقية الموارد المشابهة لما ذكرنا.

هذا كله

بحسب القاعدة الاولية و في المقام حديثان ربما يقال بأنه يستفاد المدعي منهما الحديث الاول ما رواه ابن منذر «1» و هذه الرواية ضعيفة سندا بابن منذر مضافا الي ان المستفاد من الحديث فساد البيع الثاني و الكلام في البيع الاول.

و الحديث الثاني ما رواه ابن جعفر «2» و هذه الرواية تامة سندا اذ الحر قدس سره نقل الحديث عن كتاب ابن جعفر فلا بأس بسنده.

______________________________

(1) قد تقدم في ص 49.

(2) قد تقدم في ص 49.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 125

و ما افاده سيدنا الاستاد من ان الرواية ضعيفة ليس تاما لكن الذي يهون الخطب ان المستفاد من الحديث فساد البيع الثاني و الحال ان الكلام في العقد الاول فان المستفاد من الحديث ان البائع اذا اشترط في العقد الاول الاشتراء منه ثانيا يكون العقد الثاني باطلا فلاحظ.

و يستفاد من حديث ابن جعفر نكتة مهمة فقهية و هي ان الشرط الفاسد لا يفسد العقد اذ قد فرض ان الشرط المذكور فاسد بحكم الشارع الاقدس و مع ذلك الامام عليه السلام لم يتعرض لفساد البيع الاول مع كونه في مقام البيان فان الاطلاق المقامي يقتضي صحة البيع الاول.

[القول في القبض]

[مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول بعد اتفاقهم علي أنها التخلية في غير المنقول علي أقوال]

«قوله قدس سره: مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول»

الظاهر انه ليس للقبض حقيقة شرعية و لا متشرعية بل للقبض معني واحد لغوي عرفي غايته تكون مصاديقه مختلفة بحسب اختلاف ما يقبض قال في الحدائق «1» في جملة كلام له في هذا المقام لم يرد له تحديد شرعي يرجع فيه إليه و نقل عن المصباح المنير تفسير القبض بالاخذ و لا يبعد أن يكون القبض عبارة عن ايصال الشي ء الي من يجب اقباضه و جعله

مسلطا و مستوليا استيلاء خارجيا.

و ربما يقال ان القبض عبارة عن اخراج العين عن الدار و الدليل عليه ما رواه عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل اشتري متاعا من رجل و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا ان شاء اللّه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال

______________________________

(1) الحدائق ج 19 ص 153.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 126

صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع و يخرجه من بيته فاذا اخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد ماله إليه «1».

و هذه الرواية ضعيفة سندا و لا يعتد بها و علي الجملة القبض له مفهوم عرفي يحمل عليه و كل حكم مترتب عليه يترتب علي ما يصدق عليه هذا المفهوم بحسب العرف و اذا فرض في مورد استفيد من الدليل الشرعي تحقق القبض بنحو خاص نلتزم به في ذلك المورد.

و لا يخفي ان نسبة الاقباض الي القبض نسبة الايجاد الي الوجود فلا يعقل أن يتحقق الاقباض و لا يتحقق القبض فلا مجال لان يقال ان الاقباض متحقق من ناحية المشتري و القبض لم يحصل من قبل البائع مثلا أو بالعكس.

[القول في وجوب القبض]

اشارة

«قوله قدس سره:

مسألة يجب علي كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر»

الامر كما افاده فان الناس مسلطون علي أموالهم و لا يجوز حبس مال الغير و منعه عن التصرف فيه بل يمكن الاستدلال علي المدعي بدليل نفوذ الشرط فان التسليم شرط ضمني في كل من الطرفين.

و ربما يقال يجب الابتداء من ناحية البائع فان الثمن تابع للمبيع و لان الاطلاق ينصرف إليه و لان البيع يستقر باقباض المبيع فان المبيع لو تلف قبل القبض يكون من مال البائع.

و الوجوه المذكور كلها ضعيفة أما كون الثمن تابعا فلا نفهم له معني معقولا اذ لا فرق بين المبيع و الثمن و كل واحد عوض للآخر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من ابواب الخيار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 127

و أما الاطلاق فلا موضوع له اذ البيع تمليك و لا يرتبط بالاقباض و أما كون تلف المبيع من مال البائع اذا كان قبل القبض فلا يرتبط بما نحن بصدده مضافا الي أن دليل ذلك الحكم ضعيف سندا و نتعرض له إن شاء اللّه.

ثم انه لو امتنع من يجب عليه الاقباض عنه يجبر عليه و علي فرض عدم الامكان ينوب عنه الحاكم الشرعي فانه ولي الممتنع و بعبارة واضحة: المقام من الامور الحسبية فتصل النوبة الي الحاكم ثم الي العدول ثم الي الفساق و علي هذا الاساس اذا كان احدهما مستعدا للاقباض أو أقبض و الاخر امتنع يجبر الممتنع و اذا كان كلاهما ممتنعين عنه يجبران عليه.

و اذا كان كلاهما مستعدين للاقباض و امتنع كل منهما عن البدأة هل يجبران كما في كلام الشيخ قدس سره يشكل الجزم به فان الواجب عند العقلاء و عند الشرع وجوب اقباض كل منهما عند اقباض الاخر بحيث يتحقق الاقباض من

كلا الجانبين و أما الازيد من هذا المقدار فالالتزام به مشكل.

ان قلت: مقتضي القاعدة وجوب اقباض مال الغير و عصيان احد و ظلمه لا يكون مجوزا للظلم و العصيان.

قلت: يرد علي التقريب المذكور أولا ان مقتضي الشرط الارتكازي العقلائي اشتراط تسليم كل منهما عند اقباض الاخر و مع امتناع احدهما عن الاقباض لا مقتضي لتعلق الوجوب بغير الممتنع

و ثانيا: انه مقتضي جواز الاعتداء بالمثل المستفاد من قوله تعالي «فَمَنِ اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ» «1».

______________________________

(1) البقرة/ 184.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 128

ثم ان وجوب الاقباض مشروط بعدم اشتراط التأجيل و أما مع اشتراطه فلا يجب فلو كان الاشتراط من الطرفين لا يجب لا علي البائع و لا علي المشتري و لو فرض ان احدهما أقبض لا يجب علي الاخر و اذا كان التأجيل من جانب واحد لا يجب عليه و يجب علي الاخر الاقباض.

و لو فرض عدم الاقباض من ناحية من لم يكن فيه تأجيل بالعصيان أو بغيره حتي تم الاجل و حل فهل يجوز له عدم الاقباض الا عند اقباض الاخر؟ الظاهر لا اذ لا يكون له حق التأخير فلا مجال لان يقال الحبس مقابل الحبس بل جواز الحبس لاجل التأجيل.

و لقائل أن يقول مقتضي جواز الاعتداء بالمثل جوازه.

و لما انجر الكلام الي مفاد الآية ناسب ان نبحث في مفادها و نري مقدار دلالتها فنقول الظاهر ان المستفاد من الآية الشريفة انه يجوز المكافاة و المجازاة.

ان قلت: لا يمكن الالتزام بالإطلاق اذ بعض افراده يقرع الاسماع قلت: نرفع اليد عن اطلاق الآية بقدر الضرورة و نعمل به في الباقي.

ثم انه لو قبض احدهما ما في يد الاخر بلا

اذنه لا يكون هذا القبض صحيحا و لا يترتب عليه اثر و يكون القابض آثما لانه ارتكب الحرام و تجاوز عن الحد و يجب عليه رده اذ المفروض انه لاحق له فجواز القبض يتوقف علي احد امرين اما الاقباض و اما صدور الاذن من الطرف المقابل.

و اذا كان القبض علي خلاف القاعدة فلا يترتب عليه الاثر المترتب عليه مثلا لو قلنا ان بيع المشتري لا يجوز قبل القبض لا يجوز بيع المقبوض بالقبض الفاسد و هذا ظاهر واضح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 129

ثم انه لو أقبض احدهما اما لكونه واجبا عليه و اما تبرعا فيجبر الطرف علي الاقباض و لا يمنع عن التصرف في المقبوض و لا في شي ء آخر من امواله لعدم الدليل علي المنع و الحجر و بعبارة واضحة:

منعه و حجره عن التصرف في المقبوض أو في غيره من امواله لا دليل عليه فلا يجوز نعم يجبر علي اقباض مال الغير.

«قوله قدس سره:

مسألة يجب علي البائع تفريغ المبيع من امواله مطلقا»

اذ لا يجوز اشغال مال الغير بلا اذنه لانه عدوان و غصب مضافا الي أن الاشتراط الارتكازي يقتضي ذلك.

ثم انه ما المراد من الاطلاق و من قوله «في الجملة» يمكن أن يكون المراد من الاطلاق عدم الفرق بين علمه بكون العين مشغولة بماله و بين عدم علمه به فانه يجب عليه الافراغ مطلقا و اما بالنسبة الي مملوك الغير فلا بد من التفصيل بأن يقال يجب عليه الافراغ في صورة العلم و عدم وجوبه في صورة الجهل.

و يرد عليه انه لا وجه للتفصيل المذكور فان مقتضي القاعدة وجوب الافراغ علي جميع التقادير اذ الاشتراط الارتكازي العقلائي يقتضي وجوب تسليم مال الغير فارغا عن جميع المزاحمات نعم يمكن

أن يفصّل بنحو آخر و هو التفصيل بين كونه قادرا علي الافراغ و بين ما لم يكن كذلك اذ كل تكليف مشروط بالقدرة و لكن لا فرق من هذه الجهة بين مال نفسه و مال غيره.

«قوله قدس سره: و هذا الوجوب ليس شرطيا»

الامر كما أفاده فان وجوب الافراغ حكم مستقل في قبال وجوب

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 130

اصل التسليم و الاقباض و يترتب عليه انه لو سلم و لم يفرغ كان عاصيا بالنسبة الي الحكم الثاني و أما بالنسبة الي الحكم الاول فالامتثال حاصل.

«قوله قدس سره: فان التسليم بدونه كالعدم»

ليس الامر كذلك فان التسليم و لو مشغولا يترتب عليه فوائد كثيرة.

«قوله قدس سره: فلو كان في الدار متاع وجب نقله فورا»

فان التصرف في ملك الغير حرام و مع العذر يسقط التكليف بمقدار الضرورة فيجب في اوّل ازمنة الامكان.

«قوله قدس سره: كان له الخيار لو تضرر»

الخيار ليس من باب قاعدة لا ضرر بل من باب الشرط الارتكازي و عليه لا فرق بين صورة الضرر و غيرها.

«قوله قدس سره: و في ثبوت الاجرة لو كان لبقائه اجرة الي زمان الفراغ وجه»

و الوجه وجيه فان الانتفاع بمال الغير يوجب الضمان و الميزان استناد الانتفاع و الاتلاف إليه.

«قوله قدس سره: و لو كان تأخير التفريغ بتقصيره فينبغي الجزم بالاجرة»

لا فرق في لزوم الاجرة بين التقصير و عدمه فان اتلاف مال الغير و الانتفاع منه يوجب الضمان نعم اذا لم يكن الاتلاف مستندا إليه بأن يكون الدار مشغولة بمتاع الاجنبي و عدوانه فلا اشكال في ثبوت الخيار و لكن

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 131

هل يكون البائع ضامنا فيه اشكال و بعبارة اخري يشكل الجزم

بالضمان.

«قوله قدس سره: وجب ازالته»

لما تقدم في تقريب الوجوب فلا وجه للاعادة.

«قوله قدس سره: وجب الصبر الي بلوغ اوانه للزوم تضرر البائع بالقلع»

لا وجه لوجوب الصبر الا مع علم المشتري بالحال و اشتراط الصبر و دليل لا ضرر لا ينفي باثبات الوجوب اذ دليل لا ضرر ينهي عن الاضرار بالغير و لا ينفي الحكم الضرري و علي فرض التسليم يكون ضرر المشتري بالصبر معارضا مع ضرر البائع و ثبوت الخيار لا يقتضي عدم المعارضة.

«قوله قدس سره: كما لو وجدها مستأجرة»

القياس مع الفارق اذ في مورد كون الارض مستأجرة لا يمكن للبائع بيع العين مع منافعها لكون المنافع مملوكة لشخص آخر فتصل النوبة الي الخيار و أما لو كان الزرع للبائع فيمكن له أن يبيع الارض مع منافعها فلا يجوز له ابقاء زرعه في ملك الغير الا مع اذن المالك فان الاختيار بيده فيمكن له الاذن في الابقاء مجانا أو مع الاجرة و يمكن له أن لا يأذن و يأمر بالقلع و ليس عليه الارش لعدم المقتضي بل يجب علي مالك الزرع قلعه و ترميم الارض و جعلها كأمثالها من الارضين.

«قوله قدس سره: و قلعه بالارش»

لا وجه للارش فان المشتري مالك للارض مع منافعها فيكون له

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 132

القلع و لا شي ء عليه.

«قوله قدس سره: هدمه باذن المشتري»

لانه تصرف في ملك الغير فيتوقف علي اذنه و يجب عليه الطم و اصلاح ما انهدم و الميزان في باب الضمان ارجاع نفس التألف و علي فرض عدم امكانه كما هو كذلك في صورة التلف تصل النوبة الي المثل و مع تعذره تصل النوبة الي القيمة فلا وجه للترديد بين الاصلاح و الارش و

ان جميع الموارد من واد واحد.

«قوله قدس سره: لا ارش العيب»

يمكن أن يكون الوجه في عدم الارش ان للبائع أن يهدم مقدمة للتفريغ و اما الهدم فلا يكون مجانا فيجب عليه قيمته هذا تقريب المدعي.

و يرد عليه انه كان له حق التفريغ شرعا و يكون في الهدم ذا حق شرعي فلا وجه لوجوب القيمة عليه و ان لم يكن له الحق المذكور يجب عليه الارش فالتفصيل بين الارش و القيمة لا وجه له.

«قوله قدس سره: كان له وجه»

و لكن غير وجيه بل الحق جعل جميع الموارد مثليا ان امكن فلا تصل النوبة الي التفصيل و ملاحظة الاقوال و اختلافها فان الميزان الكلي وجوب المثل.

[مسألة لو امتنع البائع من التسليم]

«قوله قدس سره: الا ان منافع الاموال الفائتة بحق لا دليل علي ضمانها»

الظاهر ان الامر كذلك فان الضمان ينافي كون الانتفاع ناشيا عن الحق و هذا ظاهر واضح.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 133

«قوله قدس سره: و علي المشتري نفقة المبيع»

فان نفقة كل مملوك علي مالكه الا أن يقوم دليل علي خلافه في مورد بالخصوص.

«قوله قدس سره: فان في استحقاقها النفقة ترددا»

ما يمكن أن يقال انه تجب النفقة في الزوجية الا فيما يتحقق النشوز و لا بأس بأن يقال ان كان عدم التمكين عن حق لا يتحقق النشوز و النشوز يتحقق مع عدم الحق فيكون المقامان من باب واحد

«قوله قدس سره: و يمكن الفرق بين النفقة في المقامين»

بأن يقال ان النفقة في باب المملوك من آثار الملكية و المفروض ان الملكية حاصلة فالموضوع متحقق و أما النفقة في باب الزوجية فمترتبة علي التمكين و مع عدمه لا تجب.

و يرد عليه ان النفقة في باب الزوجية مترتبة علي عنوان الزوجية

و المفروض تحققها غاية الامر يسقط الوجوب بالنشوز و المفروض عدم تحققه و أما التفصيل بين اليسر و العسر كما عن جامع المقاصد فلا وجه له لعدم الدليل علي التفصيل المذكور نعم كل تكليف يسقط عند العسر و الحرج.

«قوله قدس سره: ففي وجوب اجابته وجهان»

فربما يقال بعدم الوجوب اذ تصرف المشتري في العين ينافي الاستيثاق و بعبارة اخري الامساك علي العين لاجل قبض الثمن ينافي تصرف المشتري و ربما يقال بالوجوب لعدم التنافي بين الامرين و يختلج بالبال أن يقال انه لا يجب القبول مطلقا فان مقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 134

الارتكاز جواز منع البائع المشتري عن التصرف في العين باي نحو كان فلاحظ.

«قوله قدس سره: و مقتضي القاعدة ان نفقته علي المشتري»

لا مجال للاخذ بالقاعدة مع وجود النص الخاص لاحظ ما رواه ابو ولاد الحناط قال اكتريت بغلا الي قصر ابن هبيرة ذاهبا و جائيا الي ان قال قال فقلت جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي عليه علفه فقال لا لانك غاصب «1».

فان مقتضي هذه الرواية ان النفقة علي الغاصب.

[القول في أحكام القبض]

اشارة

«قوله قدس سره:

مسألة من احكام القبض انتقال الضمان ممن نقله الي القابض»
اشارة

في هذه المسألة فروع

الفرع الأول ان المبيع ما لم يقبض ضمانه علي البائع
اشارة

و هذا الحكم علي خلاف القاعدة الاولية فلا بد في اثباته من قيام دليل عليه.

و ما يمكن أن يقال في تقريب المدعي وجوه

الوجه الأول ما عن النبي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه

«2» و هذه الرواية ضعيفة من حيث السند و لا جابر لها و عمل المشهور بها علي تقدير تحققه لا اثر له كما ذكرنا مرارا.

الوجه الثاني ما رواه عقبة بن خالد

«3» و الرواية ضعيفة بمحمد بن عبد اللّه بن هلال و الكلام في انجبارها بعمل المشهور هو الكلام الجاري في الوجه السابق.

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من ابواب الاجارة الحديث 1.

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من ابواب الخيار.

(3) قد تقدم في ص 125.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 135

الوجه الثالث الاجماع

قال الماتن «اجماعا مستفيضا بل محققا»

و يرد عليه انه قد ثبت في محله ان الاجماع لا يكون حجة فان تم الامر بالتسالم و كون الحكم واضحا ظاهرا فهو و الا فالجزم بالحكم المذكور مشكل جدا و طريق الاحتياط ظاهر.

الفرع الثاني: ان الضمان المذكور ضمان معاوضة

اي يكون تلف العين واقعا في ملك البائع و يكون التلف من ماله فان الظاهر من الدليل و هو قوله «فهو من مال بايعه» صيرورة المبيع مملوكا للبائع و وقوع التلف في ماله فلا بد من تقدير كون المبيع قبل تلفه مملوكا للبائع ثم تلفه من ماله.

و لا اشكال في ان المستفاد من الحديث كذلك لكن الاشكال في سنده كما تقدم و يترتب عليه ان الاجنبي لو اتلفه يكون طرف المصالحة البائع فانه المالك لما تلف من المال.

ان قلت قوله صلي اللّه عليه و آله «كل مبيع تلف قبل قبضه» يدل علي ان الضمان يحصل بعد التلف فلا بد من الالتزام بكون المراد بالضمان ضمان المثل أو القيمة.

قلت: قوله صلي اللّه عليه و آله «فهو من مال بايعه» يقتضي أن يكون التالف قبل تلفه مملوكا للبائع اللهم الا أن يقال علي هذا الاساس يكون الحديث مجملا و غير قابل للاستدلال فلا بد من اتمام الامر بالاجماع و التسالم.

ثم ان مقتضي القاعدة الالتزام بكون العين مملوكة للمشتري الي زمان التلف اذ لا موجب للخروج عن ملكه و انما الضرورات تقدر بقدرها.

الفرع الثالث: ان الحكم بالضمان علي النحو المذكور شرعي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 136

تعبدي و لا يكون من الحقوق فلا يكون قابلا للاسقاط و لا اثر لابراء المشتري و لا يرتبط هذا بعدم جواز اسقاط ما لم يجب بل الوجه فيه ان الحكم الشرعي غير قابل للاسقاط كالجواز في الهبة مثلا.

الفرع الرابع: ان نماء المبيع قبل القبض و قبل التلف مملوك للمشتري

فان القاعدة الاولية تقتضي ذلك.

ثم ان الملكية المفروضة للبائع تقديرية أو تحقيقية الحق هو الثاني فان مقتضي كون التلف من مال البائع انفساخ العقد و رجوع العين الي ملكه تحقيقا.

و أما ما أفاده الماتن من ان زمان الملكية مقدار غير قابل للتجزية فهو أمر غير معقول اذ قد ثبت في الفلسفة استحالة الجزء الذي لا يتجزي.

الفرع الخامس: انه يلحق بالتلف الحقيقي تعذر الوصول إليه عادة

فانه ملحق عند العقلاء بالتلف و يوجب انفساخ العقد و يدل عليه حديث عقبة بن خالد «1».

لفرع السادس: ان القبض اذا لم يكن شرعيا كما لو قبضه بدون اذن البائع لا يترتب عليه الاثر

و يكون كلا قبض و مما قلنا يظهر انه لا اثر للتخلية و لا للنقل و لا لوضع اليد الا في صورة صدق عنوان القبض الشرعي المترتب عليه الاثر فلاحظ.

الفرع السابع: انه لو اتلف البائع العين فهل يكون حكمه حكم تلفها بآفة سماوية

الظاهر انه ليس داخلا تحت ذلك الدليل فان حديث «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» منصرف عن

______________________________

(1) قد تقدم في ص 125.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 137

صورة اتلاف البائع و ان ابيت عن الانصراف فلا اقل من الاجمال فلا يمكن الجزم بالحكم فالمحكم دليل اتلاف مال الغير فيكون البائع ضامنا للمثل أو القيمة.

نعم يمكن أن يقال انه يثبت في الفرض المذكور الخيار للمشتري لتعذر التسليم ثم انه هل للبائع الامتناع عن اداء عوض العين قبل قبضه للثمن الظاهر بحسب الارتكاز كذلك اذ لا فرق في نظر العرف و العقلاء بين المبدل و البدل من هذه الجهة.

الفرع الثامن: انه لو أتلفه المشتري فتارة يكون منشأ الاتلاف تغرير البائع

كما لو قدمه الطعام المبيع بعنوان الاطعام من قبل نفسه و اخري لا يكون كذلك يمكن أن يقال ان دليل تلف قبل القبض منصرف عن صورة استناد التلف الي المشتري فلا بد من العمل علي طبق القاعدة من بقاء العقد بحاله و تلف العين من مال المشتري غاية الامر في صورة الغرور يرجع الي البائع بالبدل من باب قاعدة الغرور.

و يمكن أن يقال في صورة الغرور يكون للمشتري خيار الفسخ لتعذر تسليم العين.

الفرع التاسع: انه لو أتلف الاجنبي العين فان قلنا بانصراف الدليل عن صورة الاتلاف

فالامر ظاهر من عدم انفساخ العقد و ضمان المتلف غاية ما في الباب تحقق الخيار للمشتري لتعذر تسليم العين.

و ان قلنا بعدم الانصراف ينفسخ العقد و يكون المتلف ضامنا للبائع بالمثل أو القيمة.

الفرع العاشر: انه لو قبضه المشتري ظلما و كان للبائع استرداده فاتلفه البائع

فهل يكون كاتلافه بعد القبض أو يكون كاتلافه قبله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 138

الحق انه لا فرق بين الصورتين فانه قد مرّ ان دليل «كل مبيع تلف قبل قبضه» منصرف عن الصورة المذكورة فلا بد من الحكم علي طبق القاعدة فلاحظ.

«قوله قدس سره:

مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين»
اشارة

في هذه المسألة فرعان

الفرع الأول: انه هل يجري حكم تلف المبيع قبل القبض بالنسبة الي الثمن أم لا
اشارة

ما يمكن أن يذكر في تقريب المدعي وجوه:

الوجه الأول: عدم الخلاف فيه

و يرد عليه ان الاجماع لا يعتد به فكيف بعدم الخلاف.

الوجه الثاني: شمول عنوان المبيع للثمن.

و يرد عليه انه لا دليل علي هذه الدعوي.

الوجه الثالث حديث عقبة بن خالد

«1» بتقريب ان المستفاد من الحديث ان المشتري بعد قبض المبيع ضامن الملك البائع الي أن يقبضه منه.

و يرد عليه أولا ان الحديث ضعيف سندا و ثانيا انه قد علق الضمان علي قبض المبيع و اخراجه من البيت فالنتيجة عدم نهوض دليل معتبر علي المدعي الا أن يتم الامر بالتسالم و ثالثا ان المستفاد من الحديث انه ضامن لمال البائع بالمثل أو القيمة و الكلام في المقام في أن التلف يكون في ملك الضامن و كم فرق بين الامرين.

الفرع الثاني: انه هل يجري الحكم المذكور في غير البيع

لا

______________________________

(1) قد تقدم في ص 125.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 139

اشكال في ان القاعدة الاولية تقتضي عدم السريان فان الحكم المذكور علي خلاف القاعدة فلا بد من قيام دليل معتبر عليه.

«قوله قدس سره:

مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه»
اشارة

ذكر الماتن قدس سره في هذه المسألة فرعين

الفرع الأول: انه لو تلف بعض المبيع قبل قبضه و يكون ذلك البعض مما يقسط عليه الثمن يجري ذلك الحكم عليه

بتقريب ان مقتضي الاطلاق عدم الفرق بين الموارد فان الموضوع تلف المبيع قبل القبض فلا فرق بين كون التالف كل المبيع أو بعضه.

و يرد عليه مضافا الي اصل الاشكال الذي قد تقدم ان بعض المبيع ليس مبيعا بل بعضه و المفروض ان الحكم تعلق بعنوان المبيع و بعض المبيع لا يكون مبيعا فيكون خروجه عن الموضوع بالتخصص.

و قد ذكرنا سابقا انه لو التزم بالانحلال يلزم أن يكون في بيع الدار مثلا ثبوت الخيار للمجلس بعدد كل جزء من اجزاء الدار بل يلزم تحقق بيوع و خيارات غير متناهية لما ثبت في الفلسفة من استحالة الجزء الذي لا يتجزي.

الفرع الثاني: انه لو كان التالف مما لا يقسط عليه الثمن

كما لو فات بعض الصفات أو تعيب المبيع بعيب فلا اشكال في أن دليل تلف قبل القبض لا يشمله فلا بد من أن يعامل معه علي طبق القاعدة الاولية.

فنقول: حدوث العيب أو زوال وصف الكمال اما بآفة سماوية و اما بفعل احد و علي الثاني اما يكون السبب نفس المشتري و اما

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 140

يكون هو البائع و اما يكون هو الاجنبي فان كان الحادث بآفة سماوية يكون للمشتري خيار الفسخ بمقتضي الشرط الارتكازي لا بواسطة حديث لا ضرر فان حديث لا ضرر لا يقتضي اثبات حكم بل يقتضي نفي الحكم الضرري و ليس له اخذ الارش اذ المفروض ان السبب آفة سماوية.

و ان كان المشتري بنفسه سببا لحدوث ذلك الحادث فليس له لا الفسخ و لا الارش لعدم المقتضي فان الشرط الارتكازي ليس في مورد كون السبب هو المشتري.

و ان كان السبب هو البائع يكون للمشتري الفسخ كما ان له الارش اما الفسخ فللشرط الارتكازي و أما الارش فلأن المفروض انه

المتلف و من اتلف مال الغير فهو ضامن و اما ان كان باتلاف الاجنبي فله الفسخ للشرط الارتكازي و له أن يرجع الي المتلف لكونه ضامنا بالاتلاف.

«قوله قدس سره:

مسألة الاقوي من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل و الموزون قبل قبضه الا تولية»

تمامية ما أفاده قدس سره تتوقف علي ملاحظة نصوص الباب كي نري ان مقتضي القاعدة ما افاده أو غيره فنقول من النصوص الواردة في المقام ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا أن توليه فاذا لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه يعني انه يوكل المشتري بقبضه «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب احكام العقد الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 141

و مقتضي هذه الرواية التفصيل بين المكيل و الموزون و بين غيرهما بالمنع عن البيع فيهما قبل القبض إلا تولية و الترخيص في بيع غيرهما قبل القبض.

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال قال لا يصلح له ذلك «1» و المستفاد من الحديث عدم جواز بيع الطعام قبل أن يكال.

و منها ما رواه علي بن جعفر عن اخيه انه سأل أخاه موسي بن جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام أ يصلح بيعه قبل أن يقبضه قال اذا ربح لم يصلح حتي يقبض و ان كان يوليه فلا بأس «2».

و المستفاد من الحديث التفصيل في الطعام بين بيعه قبل القبض تولية فيجوز و بين أن يربح فلا يجوز قبل القبض.

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن

يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتي تكيله أو تزنه الا أن توليه الذي قام عليه «3» و المستفاد من الحديث هو التفصيل المتقدم.

و منها ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه الا أن توليه فان لم يكن فيه كيل و لا وزن فبعه «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب احكام العقد الحديث 5.

(2) نفس المصدر الحديث 9.

(3) نفس المصدر الحديث 11.

(4) نفس المصدر الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 142

و المستفاد منه هو التفصيل الي غيرها من النصوص و المستفاد منها ان المبيع لو كان من المكيل أو الموزون يشترط في جواز بيعه أن يكال أو يوزن و يقبض لاحظ الحديث الاول من الباب فان المستفاد منه اشتراط الصحة بالقبض و لاحظ الحديث الخامس منه و لاحظ الحديث الحادي عشر.

و لاحظ ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال امير المؤمنين عليه السلام من احتكر طعاما أو علفا أو ابتاعه بغير حكرة و اراد أن يبيعه فلا يبعه حتي يقبضه و يكتاله «1» فان المستفاد من المجموع اشتراط البيع في المكيل و الموزون بالكيل أو الوزن و الاقباض.

و في قبال هذه النصوص جملة اخري من الروايات يمكن أن يستفاد منها خلاف ما استفيد من الطائفة الاولي منها ما رواه البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن رجل عليه كر من طعام فاشتري كرا من رجل و قال للرجل انطلق فاستوف حقك قال لا بأس به «2» و هذه الرواية ناظرة الي وفاء الدين بما اشتري

لا بيعه فلا ترتبط بالمقام.

و منها ما رواه الكرخي قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام اشتري الطعام من الرجل ثم ابيعه من رجل آخر قبل أن اكتاله فاقول ابعث وكيلك حتي يشهد كيله اذا قبضته قال لا بأس «3» و هذه الرواية ضعيفة بالكرخي فلا يعتد بها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب احكام العقد الحديث 17.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 143

و منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها قال لا بأس به ان وجد بها ربحا فليبع «1» و المبيع في هذه الرواية لا يكون من المكيل و الموزون.

و منها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله قال لا بأس «2» و هذه الرواية ضعيفة بعلي ابن حديد.

و يستفاد الجواز في مورد خاص من حديث سماعة قال سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها قال لا حتي يقبضها الا أن يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح أو يوليه بعضهم فلا بأس «3».

و حديث سماعة ضعيف بالاضمار فان سماعة من الواقفة و لا دليل علي كون اضماره عن المعصوم عليه السلام فلا يعتد بمضراته فتحصل انّ مقتضي الجمع بين النصوص عدم الجواز الا تولية و الجواز بعد الكيل و الوزن و القبض.

«قوله قدس سره: و ربما يستأنس للجواز بالاخبار الواردة في جواز بيع السلم علي

من هو عليه»

و هذا الاستيناس علي خلاف القاعدة اذ التخصيص في كل عام و التقييد في كل مطلق امر جائز مضافا الي أن الكلام في المقام في

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب احكام العقد الحديث 4.

(2) نفس المصدر الحديث 6.

(3) نفس المصدر الحديث 15.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 144

بيع العين قبل القبض من غير بايعها فلا جامع بين الفرعين.

«قوله قدس سره: ثم ان صريح التحرير و الدروس الاجماع علي الجواز في غير المكيل و الموزون»

هذا علي طبق القاعدة فان القاعدة الاولية تقتضي الجواز علي الاطلاق و انما نرفع اليد عنها في خصوص المكيل و الموزون كما صرح بالتفصيل في جملة من النصوص فلاحظ.

ثم انه هل يختص الحكم المذكور بالمبيع الشخصي أم يعم الكلي في الذمة الظاهر هو الثاني بمقتضي اطلاقات النصوص.

ثم انه ما المراد من الحرمة اي المراد الفساد أو الحكم التكليفي لا اشكال في ظهور النهي في الحرمة التكليفية و لكن لو قيل بظهور النهي في امثال المقام في الفساد الوضعي لا يكون جزافا اذ لا يحتمل ان مجرد الانشاء يكون حراما تكليفيا بل لا اشكال في المدعي بحسب بعض النصوص لاحظ ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله قال لا يصلح له ذلك «1».

فان قوله عليه السلام لا يصلح ظاهر بحسب الظهور العرفي في الحكم الوضعي.

ثم ان الماتن ذيّل كلامه بجملة من التنبيهات. التنبيه الاول: انه هل يلحق الحكم المذكور الثمن أم لا فنقول لا اشكال في أن الاصل الاولي عدم الالحاق فان الالحاق يحتاج الي الدليل.

و ربما يقال في وجه الالحاق بأن ملاك المنع مشترك بين المبيع

و الثمن و هو ضعف الملكية قبل القبض. و الوجه المذكور اوهن من بيت العنكبوت.

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من ابواب احكام العقود الحديث 13.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 145

و ربما يستدل علي الجواز بما رواه يعقوب بن شعيب «1» و يرد عليه أولا انه حكم خاص في مورد مخصوص و لا وجه للتعدي و ثانيا ان الثمن في الحديث فرض دراهم و الكلام في المكيل و الموزون.

و ثالثا انّ الكلام في بيع الثمن و الظاهر بل الصريح في الرواية جعل دراهم ثمنا في البيع الثاني.

و رابعا ان المفروض في الحديث العقد مع من يكون الدراهم عليه و الكلام في بيعه من ثالث فلاحظ.

التنبيه الثاني: ان الحكم المذكور هل يختص بالبيع أم يعم غيره من المبادلات الحق هو الاول فانه حكم علي خلاف القاعدة الاولية فلا بد من الاقتصار فيه بمقدار دلالة الدليل و هو وارد في البيع فلو وقع العقد علي المبيع بصورة الصلح يجوز و لو كان قبل القبض و قبل الكيل و الوزن.

التنبيه الثالث: ان المنهي عنه خصوص البيع أو يعم النهي تطبيق الكلي علي الفرد فلو كان عليه دين كلي كمن من الحنطة فدفع دراهم للدائن و قال اشتر بها من حنطة و اقبضه بدل طلبك هل يجوز أم لا.

الظاهر هو الجواز فان تطبيق الكلي علي الفرد لا يكون مصداقا للبيع و الدليل مختص بالبيع فلاحظ و يمكن الاستدلال علي الجواز بما رواه ابن شعيب: سألته عن الرجل يكون له علي الاخر احمال من رطب أو تمر فيبعث إليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس اذا ائتمنه «2».

______________________________

(1) قد تقدم في ص 121.

(2)

الوسائل الباب 12 من ابواب السلف ذيل حديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 146

و ربما يقال بأنه يستفاد عدم الجواز من حديثي حلبي قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل اسلفه دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الي بدراهم و قال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال: اري ان تولي ذلك غيرك و تقوم معه حتي تقبض الذي لك و لا تتولي انت شرائه «1».

و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له فأرسل إليه بدراهم فقال اشتر طعاما و استوف حقك هل تري به بأسا قال يكون معه غيره يوفيه ذلك «2».

و لا يبعد أن يكون المستفاد من الخبرين الكراهة و علي فرض التعارض بين دليل المانع و المجوز تصل النوبة الي الاخذ بالقاعدة الاولية و هي تقتضي الجواز فان المقام من اشتباه الحجة بغيرها اذ الاحدث غير معلوم.

ثم انه لا فرق في الجواز بين كون الطعام المشتري شخصيا و بين كونه كليا اذ غاية ما يمكن أن يقال ان الايفاء بالكلي المشتري يتوقف علي القبض و الاقباض كي يتعين ذلك الكلي في الشخص الخارجي و يصير ملكا للمديون و بعده يوفي به دينه.

لكن يرد عليه انه يمكن الوصول الي المطلوب بالحوالة أو الوكالة و اجراء حكم البيع علي الوكالة و الحوالة بلا وجه.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 147

«قوله قدس سره: الرابع ذكر جماعة انه لو دفع الي من له عليه طعام دراهم و قال اشتر بها لنفسك طعاما لم يصح»

بتقريب

ان المعاوضة تتوقف علي دخول كل من العوضين في موضع خروج العوض الاخر عنه و أما خروج الثمن من كيس احد و دخول المعوض في كيس شخص آخر فغير معقول.

و لكن ذكرنا سابقا انه لا مانع عنه اذا صدق عليه عنوان البيع و قلنا السيرة جارية علي أن الانسان يدفع الثمن للخباز مثلا و يشتري رغيفا للفقير و لا نري مانعا عنه من هذه الجهة و لا يتوجه الاشكال.

و في الدورة السابقة قلنا يتوجه الاشكال من ناحية اخري و هي ان ما يشتري الغريم بدرهم المديون يدخل في كيس الدائن فيكون الضمان و الدين باقيا بحاله اذ سقوط الدين عن ذمة المديون اما بالابراء و اما بالاداء و اما بالتبديل و شي ء من هذه الوجوه لم يتحقق في المقام فلا بد من الالتزام بكون اللام للمنفعة اي يشتري الغريم للمديون و بعد ذلك يأخذه بدلا عن دينه.

و لكن يختلج بالبال أن يقال: ان النحو المذكور من طرق اداء الدين اي دفع الدرهم أو الدينار و الامر بالاشتراء لنفسه من طرق الاداء.

ان قلت مقتضي قوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

حصر اكل مال الغير بالتجارة و من ناحية اخري صدق عنوان التجارة علي غير البيع اوّل الكلام و الاشكال فما الحيلة.

قلت يكفي للالتزام بالجواز السيرة الجارية العقلائية الممضاة عند الشارع الاقدس غاية ما في الباب لزوم التخصيص في الآية الشريفة و هو ليس بعزيز كما ان تقييد المطلق كذلك فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 148

«قوله قدس سره: كما ورد في مورد بعض الاخبار السابقة اشتر لنفسك طعاما»

لاحظ ما رواه الحلبي «1».

«قوله قدس سره:

مسألة لو كان له طعام علي غيره فطالبه في غير مكان حدوثه في ذمته»
اشارة

تعرض الماتن في هذه المسألة لفروع ثلاثة

الفرع الأول انه لو أسلفه طعاما في العراق و طالبه في المدينة مع عدم الاشتراط

فلا اشكال في عدم وجوب ادائه في ذلك البلد و أيضا لا تجب اجابته لو طالبه باداء قيمته في ذلك البلد بل عدم الوجوب فيه اولي لعدم المقتضي للوجوب.

انما الكلام فيما لو طلبه بالقيمة في بلد المطالبة و تراضيا به فهل يجوز أم لا ربما يقال بعدم الجواز لعدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل القبض.

و يرد عليه أولا ان الكلام في البيع و يمكن ان تكون المبادلة علي نحو الصلح و اجراء حكم البيع علي مطلق المبادلة تخرص بالغيب و ثانيا ان النهي تعلق بالبيع من غير البائع و اما بيع ما يشتري من نفس البائع فليس محل الكلام مضافا الي أن النص الخاص دال علي الجواز بالنسبة الي البائع.

لاحظ ما رواه الحلبي قال سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن رجل أسلم دراهمه في خمسة مخاتيم من حنطة او شعير الي اجل مسمّي و كان الذي عليه الحنطة و الشعير لا يقدر علي أن يقضيه جميع الّذي

______________________________

(1) قد تقدم في ص 146.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 149

له اذا حل فسأل صاحب الحق أن يأخذ نصف الطعام أو ثلثه أو اقل من ذلك أو اكثر و يأخذ رأس مال ما بقي من الطعام دراهم قال لا بأس «1».

«قوله قدس سره: لان الطعام الّذي يلزمه دفعه معدوم»

الذي يختلج بالبال أن يقال لا مجال لوصول النوبة الي البدل اي القيمة اذ المفروض ان الدين هو الكلي في الذمة و انعدام الكلي لا معني له و من ناحية اخري لا مقتضي للزوم دفع القيمة مع امكان دفع العين و لو بعد مدة.

نعم يمكن أن يقال ان المشتري

له خيار الفسخ بواسطة التأخير لا اجبار المديون علي دفع القيمة اللهم الا أن يتعذر دفع الكلي و صار بحيث لا يمكن دفع مصداق منه فطبعا تصل النوبة الي البدل.

«قوله قدس سره: و قد يتوهم انه يلزم من ذلك جواز مطالبة الطعام و ان كان ازيد قيمة»

الظاهر ان التوهم المذكور في محله اذ لو فرض ان الدائن يكون له حق المطالبة فلا فرق بين الصورتين فلاحظ.

«قوله قدس سره: فالظاهر وجوب الطعام عليه»

الامر كما أفاده فان المفروض ان الدين قد حلّ اجله و المديون يمكنه الوفاء فيجب عليه و يجوز للدائن مطالبته و اللّه العالم.

الفرع الثاني أن يكون ما عليه قرضا

افاد قدس سره ان الدائن لا يستحق المطالبة بالمثل مع اختلاف القيمة لانها انما يستحقها في بلد القرض فالزامه بالدفع في غيره اضرار.

______________________________

(1) الوسائل الباب 11 من ابواب السلف الحديث 7.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 150

و يرد عليه أولا ان حديث لا ضرر لا يكون حاكما علي ادلة الاحكام بل مفاده النهي عن الاضرار.

و ثانيا ان ضرر الدائن يعارضه ضرر المديون بالصبر و لا ترجيح و الذي يختلج بالبال أن يقال انه يجوز مطالبة المديون بنفس العين بعد حلول الاجل و لا مقتضي للانتقال الي القيمة.

ثم انه لا نتصور المثل في المقام اذ المفروض ان الدين كلي فيدور الامر بين دفع نفس العين و دفع القيمة و بعبارة اخري: اما يوجد فرد الكلي في الخارج و اما لا يوجد أما علي الاول فما يتحقق به الرد مصداق ذلك الكلي لا مثله.

و أما علي الثاني فتكون القيمة متعينة فلا مورد يدور الامر فيه بين الامرين فلاحظ.

و صفوة القول انه يجوز مطالبة المديون بنفس العين اذ المفروض حلول الاجل الا

أن يشترط حين العقد اشتراط الدفع بكونه في بلد القرض و يأذن المقرض للمقترض أن لا يدفع الدين في غير بلد القرض.

ثم انه لا وجه لوصول النوبة الي القيمة الا مع فرض عدم امكان وجود الطبيعة في الخارج فانه في هذا الفرض تصل النوبة الي القيمة و الميزان في القيمة بلد المطالبة و الا فلا مقتضي لها.

الفرع الثالث: أن يكون الاستقرار بواسطة الغصب

و في هذه الصورة يكون للمالك مطالبة المديون بنفس العين فان كان المتالف مثليا يجب دفعه و لو كان قيميا تجب القيمة و لو كان قيمة المغصوب اقل قيمة في بلد الغصب.

و لا مجال للاخذ بدليل لا ضرر اذ يرد علي الاستدلال به أولا ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 151

مفاده النهي لا النفي و ثانيا ان ضرر المديون باداء الاكثر يعارض بضرر الدائن بالصبر و لا مرجح.

و ثالثا ان دليل لا ضرر لا يتقدم علي الدليل الذي يكون مفاده الضرر و لذا نري ان الحج و الخمس و الزكاة و امثالها واجبة و تكون ادلتها مخصصة لدليل لا ضرر و يؤيد المدعي بما اشتهر بين الاصحاب من أن الغاصب يؤخذ باشق الاحوال. و علي الجملة مع امكان تأدية مصداق ذلك الكلي يجب و علي تقدير عدم امكانه تصل النوبة الي القيمة فلاحظ.

و الحمد للّه و له الشكر و قد وقع الفراغ من كتابة هذا التعليق في ليلة الاحد الحادي و العشرين من شهر ذي حجة الحرام من السنة 1415 بعد الهجرة علي مهاجرها آلاف التحية و الثناء في بلدة قم المقدسة عش اهل بيت العصمة و الطهارة و السلام علينا و علي عباد اللّه الصالحين و رحمة اللّه و بركاته.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 4، ص: 152

[الفوائد التي تكون موجبة لتجديد النظر في كثير من الفروع الاستنباطية]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّه رب العالمين اما بعد فقد سألني بعض الافاضل ان اضمّ الي كتابنا عمدة المطالب جملة من الفوائد التي خطرت ببالي القاصر طوال سنين كي ينتفع بها رواد الفضيلة و العلم و حيث كان المطلوب أمرا حسنا و ذات اهمية أجبت و لذا قمت بهذه المهمة و اذكر تلك الفوائد التي تكون موجبة لتجديد النظر في كثير من الفروع الاستنباطية و ما توفيقي الا باللّه عليه توكلت و إليه انيب.

الفائدة الأولي: ان المرجح في باب التعادل و الترجيح منحصر في الأحدثية

اشارة

و تفصيل هذا الاجمال انه لو وقع التعارض بين الحديثين بالتباين الكلي أو الجزئي و لا يكون احدهما قابلا لرفع اليد به عن الاخر فمقتضي القاعدة الاولية التساقط اذ المفروض عدم امكان الجمع بينهما و عدم جواز ترجيح احدهما علي الاخر بلا مرجح فالقاعدة تقتضي تساقطهما فهل يكون مقتضي الدليل الثانوي التوقف أو التخيير أو الترجيح بالمرجح الموجود في احد الطرفين أو الاحتياط أو غير ذلك؟

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 153

و الروايات الواردة في هذا المقام مختلفة
الطائفة الاولي ما يدل علي وجوب التوقف:

منها ما رواه عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما- الي أن قال: فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا- خ) فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقهما و أصدقهما في الحديث و اورعهما و لا يلتفت الي ما يحكم به الاخر.

قال: فقلت فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل (ليس يتفاضل) واحد منهما علي صاحبه قال: فقال: ينظر الي ما كان من رواياتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه- الي أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة.

قلت: جعلت فداك ان رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا احد الخبرين موافقا للعامة و

الاخر مخالفا لهم بايّ الخبرين يؤخذ.

فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت: جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال: ينظر الي ما هو إليه أميل حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر.

قلت: فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجئه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 154

حتي تلقي إمامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات «1».

و الراوي الاول في الحديث غير معتبر فان عمر بن حنظلة لم يوثق مضافا الي كون الحديث مختصا بزمان امكان الوصول الي الامام عليه السلام.

و منها مرسل الطبرسي: روي سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الاخذ به و الاخر ينهانا عنه قال: لا تعمل بواحد منهما حتي تلقي صاحبك فتسأله عنه قال قلت: لا بدّ من أن نعمل باحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة «2».

و المرسل لا اعتبار به مضافا الي اختصاصه بزمان امكان الوصول الي الامام عليه السلام.

و منها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي ابن محمد ان محمد بن علي بن عيسي كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك و أجدادك صلوات اللّه عليهم قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به علي اختلافه أو الرد أليك فيما اختلف فيه فكتب عليه السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم تعلموا فردوه إلينا «3».

و غاية ما يستفاد منه التوقف فيكون قابلا لان يقيد بما يدل علي

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 1.

(2) جامع الاحاديث ج 1 ص 266 الحديث 32.

(3) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 36.

عمدة المطالب في التعليق

علي المكاسب، ج 4، ص: 155

ترجيح احد الطرفين بالمرجح الخارجي.

و بعبارة اخري علم انه علي فرض تمامية الدليل علي التوقف لا بدّ من تقييده بما يدل علي الترجيح بالمرجح.

اضف الي ذلك كله ان غاية ما يستفاد من الطائفة المشار إليها انه لا يجوز الاخذ باحد الطرفين و الحكم به لكن لا تنافي بين عدم الاخذ باحدهما و الاخذ بالدليل اللفظي الاخر من عموم أو اطلاق ان كان و الا فبالاصل العملي بمقتضاه فلاحظ.

الطائفة الثانية: ما يدل علي التخيير

منها ما أرسله في الاحتجاج روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام انه قال: قلت:

للرضا عليه السلام تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة قال: ما جاءك عنه (عنا- خ ل) فقسه علي كتاب اللّه عز و جل و أحاديثنا فان كان يشبهها فهو منا و ان لم يشبهها فليس منا.

قلت يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحق فقال: اذا لم تعلم فموسع عليك بايهما أخذت «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه ابن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي تري القائم فترده عليه «2».

و فيه ان الرواية لا ترتبط بالمقام فان المستفاد منها اعتبار قول الثقة و لا تعرض فيها للتعارض فلاحظ.

______________________________

(1) جامع الاحاديث ج 1 ص 260 الحديث 20.

(2) نفس المصدر الحديث 21.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 156

و منها مرفوعة العلامة الي زرارة بن اعين قال: سألت الباقر عليه السلام فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبايهما آخذ قال عليه السلام: يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك و دع الشاذ النادر.

فقلت: انهما معا مشهوران مرويان مأثوران

عنكم فقال عليه السلام: خذ بقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك.

فقلت: انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال عليه السلام: انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه و خذ بما خالفهم قلت: ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليه السلام: اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك و اترك ما خالف الاحتياط.

فقلت: انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع فقال عليه السلام: اذا فتخير احدهما فتأخذ به و تدع الاخر «1» و المرفوعة لا اعتبار بها.

و منها ما ارسله الكليني في ديباجة الكتاب: فاعلم يا اخي ارشدك اللّه انه لا يسع احدا تمييز شي ء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه الاعلي ما أطلقه (اطلعه- خ ل) العالم عليه السلام بقوله: اعرضوها علي كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه جل و عز اقبلوه (فخذوه- خ ل) و ما خالف كتاب اللّه عز و جل فردوه.

و قوله عليه السلام: دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم و قوله عليه السلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه و نحن لا نعرف من جميع ذلك الا اقله و لا نجد شيئا أحوط و لا أوسع من رد علم ذلك كله الي العالم عليه السلام و قبول ما وسع من الامر فيه

______________________________

(1) جامع الاحاديث ج 1 ص 255 الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 157

بقوله بايما اخذتم من باب التسليم وسعكم «1» و المرسل لا اعتبار به.

و منها ما رواه ابن مهزيار قوله: «فروي بعضهم أن صلّهما في المحمل و روي بعضهم لا تصلهما الا علي الارض فاعلمني كيف تصنع انت لأقتدي بك في ذلك

فوقع عليه السلام: موسع عليك باية عملت «2».

و هذه الرواية لا يستفاد منها المدعي بل المستفاد منها التخيير في الاتيان بالنافلة بين الامرين فلا ترتبط بما نحن فيه.

و منها ما رواه سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمر بأخذه و الاخر ينهاه عنه كيف يصنع قال: يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه «3».

و المستفاد من الرواية عدم الجزم باحد الطرفين و تأخير الامر الي أن يصل الي من يخبره بواقع الامر و الي ذلك الزمان في سعة أي لا يكون الزام لا بطرف الفعل و لا بطرف الترك فلا ترتبط الرواية بالمقام مضافا الي أن الحكم يختص بزمان الحضور.

و منها جواب مكاتبة الحميري الي صاحب الزمان عليه السلام الي أن قال عليه السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما فاذا انتقل من حالة الي اخري فعليه التكبير و أما الاخر فانه روي انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك التشهد الاول يجري هذا المجري

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 3.

(2) جامع الاحاديث ج 1 ص 269 في ذيل حديث 42.

(3) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 158

و بايهما أخذت من باب التسليم كان صوابا «1».

و فيه انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص و لا وجه لاسرائه الي غير مورده لعدم المقتضي للاسراء مضافا الي أن مقتضي القاعدة في مورد الرواية تخصيص العموم بالخصوص و عدم ملاحظة النسبة و اجراء التعارض

علي خلاف القاعدة.

فكيف يمكن التعدي عن المورد فان مقتضي الجمع بين الحديثين أن يقيد الحديث الاول بالحديث الثاني و لكن الامام عليه السلام امر بغير النحو المذكور و أمره مطاع و لكن لا يتعدي عن المورد.

و منها ما عن الفقه الرضوي عليه السلام و النفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايام حيضها الي أن قال: و قد روي ثمانية عشر يوما و روي ثلاثة و عشرون يوما و بأي هذه الاحاديث اخذ من جهة التسليم جاز «2». و لا اعتبار بالحديث سندا.

فالنتيجة انه لا دليل علي التخيير و علي فرض وجود دليل عليه علي نحو الاطلاق لا بد من أن يقيد بما يدل علي الترجيح بالمرجح.

ثم انه علي القول به هل يكون ابتدائيا أو استمراريا يمكن القول بالاستمرار لوجهين احدهما استصحاب التخيير فان مقتضاه بقائه.

ثانيهما: اطلاق دليل التخيير فانه في كل زمان يصدق التعارض و مع صدقه يترتب عليه حكمه اعني التخيير.

و يرد علي الوجه الأول عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي بالمعارضة و أما الوجه الثاني فالظاهر انه تام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 39.

(2) مستدرك الوسائل ج 17 الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 12.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 159

الطائفة الثالثة: ما يدل علي الاحتياط

منها ما رواه العلامة «1».

و هذه الرواية لا اعتبار بها سندا.

الطائفة الرابعة: ما يدل علي الترجيح بمخالفة القوم.

منها ما رواه الحسين بن السري قال: قال ابو عبد اللّه عليه السلام: اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم «2» و الحديث ضعيف بالارسال و بغيره.

و منها ما رواه الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح عليه السلام: هل يسعنا فيما ورد علينا منكم الا التسليم لكم فقال: لا و اللّه لا يسعكم الا التسليم لنا فقلت: فيروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام شي ء و يروي عنه خلافه فبايهما نأخذ فقال: خذ بما خالف القوم و ما وافق القوم فاجتنبه «3».

و الحديث ضعيف بأبي البركات فانه مخدوش كما ستعرف ان شاء اللّه تعالي.

و منها ما رواه محمد بن عبد اللّه قال: قلت للرضا عليه السلام كيف نصنع بالخبرين المختلفين فقال: اذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا الي ما يخالف منهما العامة فخذوه و انظروا الي ما يوافق اخبارهم فدعوه «4».

و الحديث ضعيف سندا و منها ما ارسله الكليني «5» و المرسل لا اعتبار به.

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 156.

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 30.

(3) نفس المصدر الحديث 31.

(4) نفس المصدر الحديث 34.

(5) قد تقدم ذكر الحديث في ص 156.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 160

الطائفة الخامسة: ما يدل علي الترجيح بموافقة الكتاب.

منها رواه حسن بن الجهم «1» و هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

و منها ما رواه احمد بن الحسن الميثمي انه سأل الرضا عليه السلام في حديث طويل الي أن قال عليه السلام: فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما علي كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب «2» و الحديث ضعيف سندا.

الطائفة السادسة: ما يدل علي الترجيح بموافقة الكتاب أولا و بمخالفة القوم ثانيا.

لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قال الصادق عليه السلام: اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما علي كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالف كتاب اللّه فردوه فان لم تجدوهما في كتاب اللّه فاعرضوهما علي أخبار العامة فما وافق أخبارهم فذروه و ما خالف أخبارهم فخذوه «3».

و عبّر سيدنا الاستاد عن هذه الرواية بالصحيحة «4» و الحال ان الامر ليس كذلك فان من جملة رجال السند أبا البركات و قال سيدنا الاستاد في رجاله:

قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين: الشيخ ابو البركات علي ابن الحسين الجوزي الحلي عالم صالح محدث يروي عن أبي جعفر ابن بابويه «5».

______________________________

(1) قد تقدم ذكر الحديث في ص 155.

(2) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 21.

(3) نفس المصدر الحديث 29.

(4) مصباح الاصول ج 3 ص 415.

(5) معجم رجال الحديث ج 11 ص 375.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 161

و يرد علي سيدنا الاستاد أولا: ان الحر قدس سره من المتأخرين و سيدنا الاستاد لا يري اعتبار توثيقهم الا أن يقال انه ما الفرق بين توثيق المتقدم و المتأخر فان الفصل الزماني الطويل ان كان مانعا عن الحجية فتوثيق النجاشي للرواة الاسبقين غير معتبر و ان لم يكن مضرا فلا وجه

لعدم الاعتبار.

و يمكن ان يقال في وجه الفرق: ان المتقدمين كالنجاشي و اضرابه كانوا مجدين علي وجدان مدارك وثاقة الرجال فكيف يمكن أن لا يجدوا المدرك و المتأخرين عنهم يجدون فيعلم ان توثيق الحر و اضرابه اجتهادي و حدسي لا حسي فلا أثر له. و لكن بنينا اخيرا ان توثيق المتأخر كتوثيق المتقدم اذا كان ناشيا عن الحس يكون معتبرا.

و ثانيا: ان الحرّ لم يوثق الرجل و لم يقل انه ثقة بل قال «صالح»

و الحال ان ديدن الرجالين في الرجال التصريح بالوثاقة و لا يكتفون في التوثيق بالتعبير عن الموثق بقولهم «ديّن» أو «صالح» و لاثبات هذه الدعوي نذكر عدة موارد منهم المفيد فان العلامة و النجاشي و الشيخ صرحوا بكونه ثقة.

و منهم الطوسي فان العلامة و النجاشي صرحا بوثاقته. و منهم الكليني فان العلامة و الشيخ و النجاشي صرحوا بوثاقته و منهم زرارة فقد صرح العلامة و النجاشي و الشيخ بوثاقته.

و منهم الشيخ علي بن عبد الصمد التميمي قال الشيخ منتجب الدين في فهرسته: ديّن ثقة و منهم قطب الدين سعيد بن هبة اللّه قال منتجب الدين في حقه، فقيه عين صالح ثقة.

و منهم علي بن عبد العالي قال الحر في ترجمته: كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 162

جليل القدر عظيم الشأن فريدا في عصره.

فنري انهم يصرحون بالوثاقة في موارد تراجمهم فان الحرّ فرق بين الموردين بالتصريح بالوثاقة في احد الموردين مع تصريحه بكونه ورعا و لم يذكر الوثاقة في الاخر و اكتفي بقوله صالح.

ان قلت: اذا لم يكن شخص ثقة كيف يمكن أن يقال في حقه صالح؟ قلت لا يبعد

انه اذا كان شخص بحسب الظاهر يصلي و يصوم و يحضر المجالس الدينيّة و يبكي لذكر مصائب الائمة عليهم السلام يصح أن يقال انه صالح اي ظاهر الصلاح.

و الذي يدل علي صحة هذه المقالة ان الشهادة بالصلاح لا تكون شهادة بالعدالة فعلي هذا الاساس لا يكون التعبير المذكور توثيقا و لا اقل من عدم امكان الجزم به.

و ثالثا: ان الحرّ قدس سره قال في الفائدة الثانية عشرة من فوائده في الخاتمة من الوسائل «و انما نذكر هنا من يستفاد من وجوده في السند قرينة علي صحة النقل و ثبوته و اعتماده و ذلك اقسام.

و قد يجتمع منها اثنان فصاعدا.

منها من نص علمائنا علي ثقته مع صحة عقيدته، و منها من نصوا علي مدحه و جلالته و ان لم يوثقوه مع كونه من أصحابنا الخ.

فيمكن أن يكون قوله فلان صالح مستندا الي نص العلماء بجلالته و مدحه فكيف يمكن الاعتماد علي قوله في حق الرجل «صالح» و يجزم بكونه ثقة مستندا الي شهادة الحرّ.

و رابعا: انه قابل في كلامه في هذا المقام بين التوثيق و المدح فان المدح بمجرده لا يكون توثيقا بصريح عبارته فلا يكون قوله

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 163

فلان صالح توثيقا.

و خامسا: ان الحرّ قدس سره قال في جملة من كلامه و منها من وقع الاختلاف في توثيقه و تضعيفه فان كان توثيقه أرجح فوجوده في السند قرينة الخ.

فانه يظهر من هذه العبارة انه يجتهد في مقام الاعتماد و كون الشخص ثقة، و من الظاهر انه لا اعتبار باجتهاد الشاهد في مقام الشهادة.

و سادسا ان الحر قدس سره قال في الفائدة الثامنة من كتاب امل الامل ج 1 ص 17

اعلم انني تتبّعت احوال علمائنا المتأخرين جهدي بعد ما كانت اسمائهم و احوالهم و مؤلفاتهم متفرقة متشتتة في كتبهم و اجازاتهم و غيرها و سمعت كثيرا منها من افواه مشايخنا و معاصرينا الخ.

و قال في الفائدة العاشر ص 18 في ذكر الكتب التي انقل منها اعلم انّي نقلت في هذا الكتاب من فهرست الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد اللّه ابن بابويه الي ان قال.

و قد نقلت أيضا من تاريخ ابن خلكان من نسخة بخط مؤلفه و من يتيمة الدهر للثعالبي و من دمية القصر لابي الحسن الباخرزي و من طبقات الادباء لعبد الرحمن بن محمد الانباري و هؤلاء الاربعة من العامة لكن مدحهم لعلماء الامامية بعيد عن التهمة.

و قد ذكر نظير هذه العبارة في المجلد الثاني من كتاب امل الامل (تذكرة المتبحرين) ص 369.

فتري ان توثيقات الحر و توصيفاته للرواة علي اي اساس فالنتيجة ان شهادة الحر بوثاقة احدا و توصيفه شخصا بكونه صالحا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 164

مثلا لا يترتب عليه اثر فيكون الحديث الّذي محل الشاهد في مقام الترجيح ساقطا عن الاعتبار فلا دليل علي ترجيح احد المتعارضين بموافقة الكتاب و لا بمخالفة العامة.

الطائفة السابعة: ما يدل علي الترجيح بالاحدثية.

منها ما رواه ابو عمرو الكناني قال: قال لي ابو عبد اللّه عليه السلام: يا با عمرو أ رأيت لو حدثتك بحديث أو افتيتك بفتيا ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو افتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تأخذ؟ قلت: بأحدثهما و ادع الاخر فقال: قد أصبت يا أبا عمرو أبي اللّه الا أن يعبد سرا، أما و اللّه لئن فعلتم ذلك انه لخير لي و لكم أبي اللّه عز و

جل لنا في دينه الا التقية «1».

و منها ما ارسله الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أ رأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ؟ كنت آخذ بالاخير فقال لي: رحمك اللّه «3» و المرسل لا اعتبار به.

و منها مرسل الكليني و في حديث آخر خذوا بالاحدث «4» و الحديث ضعيف سندا بالارسال.

و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 17.

(3) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 7.

(4) نفس المصدر الحديث 9.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 165

قلت له: ما بال اقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله لا يتهمون بالكذب فيجي ء منكم خلافه قال: ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن «1».

و مقتضي هذه الرواية ان الاعتبار بالحديث الثاني فالاحدث حجة و ناسخ للمتقدم.

و اورد عليه سيدنا الاستاد بأن ضرورة المذهب علي عدم امكان نسخ القرآن أو السنة بالخبر الظني فلا بد من كون الخبر مقطوع الصدور و مقطوع الصدور خارج عن محل الكلام و ان كان المراد من النسخ التخصيص أو التقييد فلا كلام في تخصيص العام و تقييد الاطلاق بالمخصص و المقيد.

و يرد عليه أولا انه لم يفرض في الحديث كون الوارد عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم مقطوع الصدور بل مطلق من هذه الجهة و الميزان الكلي الاخذ بالإطلاق و رفع اليد عنه بالمقدار الذي علم بعدم ارادته. فنقول: نقيد نسخ الاول بالثاني بصورة عدم كون الاول مقطوع الصدور.

و ثانيا ان

الميزان الكلي الاخذ بإطلاق الجواب لا بخصوص السؤال، و الجواب في الحديث مطلق فان قوله عليه السلام: الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن مطلق شامل لكون كلا الخبرين من النبي الاكرام أو كليهما من غيره أو يكون احدهما عن النبي صلي اللّه عليه و آله و سلم و الاخر عن الامام عليه السلام.

________________________________________

قمّي، سيد تقي طباطبايي، عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، 4 جلد، كتابفروشي محلاتي، قم - ايران، اول، 1413 ه ق عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب؛ ج 4، ص: 165

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضي الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 166

و علي جميع التقادير يكون كلاهما مقطوعي الصدور أو مظنوني الصدور أو بالاختلاف، فبالمقدار الذي قامت ضرورة المذهب علي خلافه ترفع اليد و في الباقي يؤخذ بالدليل و يلتزم به.

و منها: ما رواه منصور بن حازم قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: ما بالي اسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال: انا نجيب الناس علي الزيادة و النقصان.

قال قلت: فاخبرني عن أصحاب رسول اللّه صدقوا علي محمد صلي اللّه عليه و آله أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا.

قال: قلت فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أ ما تعلم ان الرجل كان يأتي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الاحاديث بعضها بعضا «1».

و يمكن الاستدلال بهذه الرواية علي المدعي بتقريبين: التقريب الاول: انه عليه السلام قال في جواب السائل أو لا «انا نجيب الناس علي الزيادة و النقصان» و يفهم العرف ان الميزان بالمتأخر من الجواب.

التقريب الثاني: انه

عليه السلام قال في آخر كلامه «فنسخت الاحاديث بعضها بعضا» بنحو العام الاستغراقي فالاحاديث كلها نبويا كان الخبر أو غيره ينسخ كما ينسخ القرآن.

______________________________

(1) الاصول من الكافي ج 1 ص 65 الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 167

التقريب الثالث: أن نفرض كون الألف و اللام في كلامه الاخير للعهد و الاشارة الي الاخبار النبوية و لكن نقول: العرف يفهم من مجموع الكلام صدرا و ذيلا ان الميزان بالخبر الثاني و هذا هو المطلوب و المدعي في المقام.

الفائدة الثانية: [العلم الإجمالي لا ينجز إلا في بعض الأطراف]

اشارة

ان المشهور عند القوم تنجز العلم الاجمالي بالنسبة الي جميع الاطراف و الحق ان العلم الاجمالي لا ينجز الا في بعضها و لا مانع عن جريان الاصل في بقية الاطراف تخييرا و تفصيل هذا الاجمال و هو جريان الاصل في احد الطرفين أو الاطراف بنحو التخيير انّ

التخيير يتصور علي صور:
الصورة الأولي: التخيير الاصولي

كالتخيير في باب الاخذ باحد الخبرين المتعارضين فان المجتهد يأخذ باحد المتعارضين و يفتي علي طبقه و هذا النحو من التخيير لا مانع منه ثبوتا و لكن لا دليل عليه في مقام الاثبات.

الصورة الثانية: التخيير الوارد في مورد المتزاحمين

فان مثله أيضا غير جائز في المقام فان باب التزاحم متقوم بتكليفين متزاحمين بحيث لا يمكن الجمع بين امتثالهما فتكون النتيجة التخيير و أما في المقام فحيث ان المكلف يقدر علي الامتثال القطعي بالاجتناب عن جميع الاطراف فذلك التخيير اجنبي عن المقام أيضا.

الصورة الثالثة: التخيير العقلي

الثابت بضميمة الدليل الشرعي من جهة الاقتصار علي القدر المتيقن في رفع اليد عن ظواهر الادلة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 168

كما لو دلّ دليل علي وجوب اكرام كل عالم و علمنا عدم وجوب اكرام زيد العالم و بكر العالم تعيينا لكن يحتمل وجوب اكرامهما تخييرا فلا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن.

بأن نقول مقتضي اطلاق دليل الوجوب وجوب اكرام كل منهما علي الاطلاق و لكن نعلم بأن اكرام كل منهما يقتضي عدم وجوب اكرام الاخر و نشك في سقوط الوجوب عن كل واحد عند ترك اكرام الآخر و مقتضي اطلاق الدليل رفع اليد عنه في الجملة فنلتزم بوجوب اكرام كل واحد منهما عند ترك الاخر و عدم وجوبه عند فعل الاكرام بالنسبة الي الاخر.

اذا عرفت ما تقدم نقول:

ما يمكن أن يقال في تقريب منع شمول دليل الاصل أو الامارة لكلا الطرفين أو الاطراف أو قيل وجوه:
الوجه الأول: ما عن الميرزا النائيني

بأن الاطلاق اذا كان غير ممكن فالتقييد مثله اذ التقابل بين الاطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة و اذا استحال احد المتقابلين بالعدم و الملكة استحال الطرف الآخر فلا يمكن انطباق الصورة الثالثة علي المقام.

و لكن ذكرنا مرارا ان التقابل بين الاطلاق و التقييد بالتضاد مضافا الي أن استحالة احدهما تستلزم وجوب الاخر لاستحالة الاهمال في الواقع.

و الحق ان استحالة احد المتقابلين بالتقابل المذكور في جملة من الموارد توجب وجوب الطرف الاخر مثلا افتقار الممكن الي الواجب واجب و الحال ان غناه عنه محال و افتقار الباري الي مخلوقه

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 169

محال و غناه عنه واجب و أيضا علم المخلوق بالخالق محال و جهله به واجب و جهل الواجب بالممكن محال و علمه به واجب فهذا الوجه غير وجيه.

الوجه الثاني: ان ترخيص كل من الطرفين بشرط ترك الطرف الآخر يوجب الجمع في الترخيص

فان المكلف اذا ترك كلا الطرفين يتحقق الشرط من كلا الجانبين فيكون ارتكاب كليهما جائزا و كيف يمكن أن يجوز الشارع الاقدس ارتكاب الحرام.

و يرد عليه انه لا يتوجه محذور لا من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهي أما من ناحية المبدأ فلأنا ذكرنا مرارا انه لا تناقض و لا تضاد بين الاحكام الشرعية فانها من باب الاعتبار و الاعتبار خفيف المئونة و ذكرنا أيضا ان الحكم الواقعي تابع للملاك في المتعلق و الحكم الظاهري تابع للملاك في نفس الجعل فلا اشكال من هذه الناحية.

و اما من ناحية المنتهي فما دام المكلف تاركا لكلا الطرفين لا يصدر عنه العصيان و مع ارتكاب احد الطرفين لا يجوز له ارتكاب الطرف الاخر فلا محذور من هذه الناحية أيضا.

و ان شئت قلت: المحذور في الترخيص في الجمع لا في الجمع بين الترخيصين

كما ان الامر كذلك في الترتب فانه في صورة عصيان الامر بالاهم يجمع المولي بين الحكمين لا أنه يأمر بالجمع بين الضدين و كم فرق بين المقامين.

الوجه الثالث: انه لا بدّ من احتمال تطابق الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي

و الحال انه لا يحتمل فان الحكم الواقعي اما الحلية أو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 170

الحرمة مثلا و علي كلا التقديرين يكون الحكم مطلقا و أما الحلية الظاهرية فهي مقيدة فلا تطابق.

و فيه انه لا دليل علي الاشتراط المذكور و انما اللازم احتمال سنخية الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي و هذا الشرط متحقق في المقام.

الوجه الرابع: ان لازم القول المذكور شمول دليل الاصل من أول الامر

فيما يكون تضاد بين الطرفين و لا يمكن الجمع بينهما و الحال انه ليس الامر كذلك.

و فيه ان الوجه الاخير أردإ الوجوه فان الوجه المذكور يؤيد و يدل علي المطلوب فان التقييد في بقية الموارد جعلي و التعليق اعتباري و في المقام ضروري.

فانقدح بما ذكرنا انه لا مانع من الالتزام بجواز ارتكاب احد الطرفين مع ترك الطرف الاخر و لا اشكال لا من ناحية المبدأ و لا من ناحية المنتهي.

و يؤيد هذه المقالة ان المحقق التنكابني قدس سره نقل في كتابه إيضاح الفرائد في شرح الرسائل انه التزم بها المقدس الاردبيلي و تلميذه صاحب المدارك و جماعة من الاعلام.

فتحصل مما تقدم ان جريان اصل النافي في كل من الطرفين بشرط ترك الاخر لا مانع فيه و يظهر من التقريب المذكور انه لو كان كل من طرفي العلم الاجمالي مورد الاصل المثبت للتكليف فلا تصل النوبة الي القول بعدم التنجيز مثلا لو كان هناك انا آن كلاهما نجسان ثم علمنا بطهارة احدهما لا اشكال في جريان استصحاب النجاسة في كل من الطرفين و لا تصل النوبة الي اصالة الطهارة أو

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 171

الحل و في الحقيقة المنجز في المقام الدليل الشرعي في كل من الطرفين لا العلم الاجمالي.

ثم انه هل فرق فيما ذكرنا

بين الشبهة الموضوعية و الحكمية أو يختص بالشبهة الموضوعية الحق عدم الاختصاص لعدم وجه له فلو علم اجمالا بحرمة احد أمرين يجوز اجراء الاصل في كل من الطرفين بشرط ترك الطرف الاخر.

ثم انه هل يختص التقريب المذكور بالشبهة التحريمية أم يشمل الشبهة الوجوبية الحق هو الثاني فلا مانع من جريان الاصل في كل من الطرفين بشرط اتيان الاخر.

ثم انه هل يختص ما ذكرنا بالاصل أو يشمل الامارة الحق هو الثاني فان علمنا بحرمة احد أمرين و قامت الامارة علي الاباحة في كل من الطرفين لا مانع من الاخذ بكل واحد منهما بشرط ترك الاخر فلاحظ.

و في المقام شبهة قويّة لا بدّ من دفعها و هي انه علم اجمالا بوجوب احد فعلين كما لو علم بوجوب احدي الصلاتين اما الظهر و اما الجمعة و فرض ان المكلف أتي بالظهر مثلا يكون مقتضي الاستصحاب بقاء الالزام فيجب بحكم العقل الاتيان بالفرد الثاني كي تفرغ الذمّة من الاشتغال.

أقول: تارة يتعلق الالزام بامر معين كما لو علم المكلف بوجوب صلاة الظهر ثم شك في انه هل أتي بها أم لا؟ يكون مقتضي الاصل أي الاستصحاب عدم الاتيان، فيلزم الامتثال.

و بعبارة أخري الشك في سقوط ذلك الالزام مسبب من الشك في الاتيان بها و مقتضي الاستصحاب عدمه.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 172

و أما في مورد العلم الاجمالي فتعلق الالزام بالفرد الاخر غير معلوم فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه، اذ ثبوت الامر من أول الامر مشكوك فيه فلا يقين سابق كي يستصحب و استصحاب بقاء الالزام بما تعلق به علي اجماله لا يثبت تعلقه بذلك الفرد الا علي القول بالمثبت.

مضافا الي أنّه لو قلنا بجريان الاستصحاب في الالزام

و بحكم العقل لا بدّ من الخروج عن العهدة نقول يعارضه استصحاب عدم تعلق الالزام بذلك الفرد و بعد التعارض و التساقط تصل النوبة الي قبح العقاب بلا بيان.

و بعبارة واضحة: مقتضي استصحاب بقاء الالزام حكم العقل بلزوم الفراغ و مقتضي عدم تعلق الالزام بذلك الفرد عدم لزوم الاتيان به فبالتعارض يسقط كلا الاستصحابين عن الاعتبار.

و لكن مع ذلك كله في النفس شي ء و هو انه للاشكال في أن المكلف يعلم باشتغال ذمته حدوثا و يشك في فراغها و مقتضي الاشتغال اليقيني البراءة كذلك و هي لا تحصل الا بالاحتياط التام.

ان قلت: قبح العقاب بلا بيان يقتضي عدم لزوم الاحتياط اذ البيان لا يتم بالنسبة الي المجموع.

قلت: لا اشكال في تمامية البيان بالنسبة الي الفرد الاجمالي و البراءة منه مشكوكة الحصول و لكن يترتب علي هذا عدم جريان البراءة في الاقل و الاكثر الارتباطيين اذ لا فرق بين المقامين من هذه الجهة.

و ببيان واضح ان مقتضي الاشتغال في كلا الموردين لزوم الاحتياط و علي هذا اشتهر بينهم ان الاشتغال اليقيني يقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 173

البراءة كذلك و علي المسلك المنصور أن المرجع استصحاب عدم الاتيان بالمأمور به.

و صفوة القول انه مع الشك في السقوط يكون المرجع عدم الاتيان بالمسقط. ان قلت: في الاقل و الاكثر الارتباطيين نعلم بتعلق الالزام بالاقل، اذ لا اشكال في تعلق الوجوب به و لو ضمنا و أما الاكثر فلا نعلم بتعلق الالزام به، فيجري فيه الاصل بلا معارض.

قلت: الوجوب الضمني لا اساس له فانّه خيال محض و ينحصر الوجوب بما تعلق بالكل اي المركب و لكن مع ذلك كله يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة أن

يقال: بعد الاتيان بأحد الفردين لا يجب الاتيان بالفرد الاخر.

و يمكن تقريب المدعي بانّ المولي هل حكم بحكم يكون باقيا بعد الاتيان باحد الفردين أم لا؟ مقتضي الاستصحاب عدمه، فلا يقين بشي ء كي يستصحب بقائه فان الاشتغال بغير المأتي به مشكوك فيه و بالمأتي به حصل الفراغ منه.

و بتقريب آخر نشك في اشتغال الذمة بالفرد الاخر و الاصل عدم الاشتغال.

و بتقريب ثالث: نشك ان ذلك الفرد هل يكون مأمورا به أم لا؟

و الاصل عدم كونه كذلك.

و بتقريب رابع: نقول تنجيز العلم الاجمالي بتعارض الاصول و لولاه لا يكون منجزا فاذا أتي المكلف باحدي الصلاتين كالظهر مثلا نجري الاصل في الاخري بلا معارض كما لو علمنا بنجاسة احد إناءين فاريق احدهما و انعدم بحيث لا يكون له أثر لا مانع من جريان الاصل في الاناء الاخر اذ لا معارض له فلاحظ.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 174

ان قلت: اذا فرضنا عدم جريان الاصل في احد الطرفين للمعارضة كيف يجري بعد ذلك و كيف يعود بعد سقوطه؟

قلت: هذه مغالطة فان عدم جريان الاصل عند المعارضة في احد الطرفين لعدم شمول الدليل اياه للمانع العقلي و أما بعد خروجه عن طرف المعارضة فلا مانع عن الاخذ بالدليل.

و ان شئت فقل بالتخصيص خرج هذا المقدار عن تحت دليل الاصل و أما الزائد فلا. مثلا لو شك المكلف في حلية حيوان قبل قدرته علي اكله لا تجري اصالة الحلية و أما اذا صار مورد الابتلاء و صار قادرا علي أكله تجري اصالة الحلّ بلا اشكال و الحال انّ الشك الموجود في الزمان المتأخر عين الشك الذي كان قبلا فوحدة الشك لا تقتضي عدم الجريان.

و الوجه فيما ذكرنا انّا

لا نقول الاصل الساقط يعود بل نقول المقتضي للجريان موجود في جميع الاحوال لكن المانع يمنع عن الجريان في بعض الاحوال دون الباقي. فان المولي لو قال: اكرم العلماء و في دليل آخر قال لا تكرم الفساق منهم و كان زيد العالم عادلا في يوم السبت ثم صار فاسقا يوم الاحد ثم عادت عدالته يوم الاثنين، يشمله دليل وجوب الاكرام يوم السبت و يوم الاثنين و لا يشمله يوم الاحد.

و هذا معني قولنا «الضرورات تقدر بقدرها». ان قلت: ما المانع من جريان الاستصحاب و الحكم ببقاء ما في الذمة و يترتب عليه وجوب الاتيان بالجمعة بعد الاتيان بالظهر. قلت: يعارضه استصحاب عدم وجوب الجمعة و يتساقطان و بعد ذلك تصل النوبة الي البراءة و قبح العقاب بلا بيان ان قلت: قاعدة الاشتغال تقتضي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 175

وجوب الاتيان بالجمعة فلا مجال للبراءة. قلت: ان المفروض ان المكلف لا يعلم بشغل زائد للذمة، و بعبارة اخري من اوّل الامر لا يعلم المكلف بشي ء معين كي يقال يلزم التخلص منه بل يعلم اجمالا بالاشتغال. أضف الي ذلك ان حديث الرفع بعد تعارض الاستصحابين محكم لاحظ ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: رفع عن أمتي تسعة أشياء، الخطأ و النسيان و ما أكرهوا عليه و ما لا يعلمون الحديث «1».

و بعد جريان البراءة عن وجوب الجمعة لا يبقي مجال لحكم العقل و الزامه.

الفائدة الثالثة: ان دلالة صيغة الأمر علي الوجوب بالإطلاق المقامي

بخلاف ما أفاده سيدنا الاستاد حيث ادعي ان وجه الدلالة حكم العقل بتقريب: ان المولي اذا اعتبر فعلا في ذمة المكلف و ابرز حبه

الي أن يفعل المكلف الفعل الفلاني و لم ينصب قرينة علي جواز الترك يحكم العقل بلزوم الامتثال فلا يكون الوجوب من المداليل اللفظية بل من المداليل السياقية بحكم العقل.

و يرد عليه أولا: النقض بأنه لو قام دليل مجمل و لم يعلم منه المراد و تردد أمر المولي بين كونه وجوبيا أو ندبيا فهل يحكم سيدنا الاستاد بالوجوب و الحال ان اجمال النص أو تعارضه أو فقدانه موضوع لجريان البراءة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 56 من ابواب جهاد النفس و ما يناسبه الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 176

و ثانيا: انه لا وجه لهذا الادعاء و لا موجب لحكم العقل مع الشك في أن المولي أوجب أو لم يوجب مع ان قبح العقاب بلا بيان يقتضي عدم الوجوب و يوجب البراءة عن الالزام.

فالحق أن يقال ان الصيغة موضوعة لابراز اعتبار الفعل في الذمة غاية الامر لو كان المولي في مقام البيان و لم ينصب قرينة علي الندب يستفاد من كلامه الوجوب.

و ان شئت قلت: الاهمال لا يعقل في الواقع فاذا اعتبر المولي فعلا في الذمة فاما يجوز و يرخص في الترك أو لا يرخص فاذا رخص يكون التكليف ندبيا، و اذا لم يرخص يكون وجوبيا فلو كان في مقام البيان و لم يرخص يكون مقتضي الاطلاق المقامي هو الوجوب.

و عليه لا مانع من أن يقال ان الندب و التكليف الاستحبابي مركب من اعتبار الفعل في الذمة مع الترخيص في الترك فعلي هذا لا تكون الصيغة موضوعة لخصوص الوجوب بل موضوعة لابراز الاعتبار الجامع بين الامرين.

و صفوة القول: ان المولي لو استعمل الصيغة و قال «صل» يكون مقتضي اطلاق المقامي الالزام حيث لم ينصب قرينة علي

الترخيص في الترك كما ان مقتضاه عدم الهزل و المزاح و الامتحان و السخرية و التهديد و التعجيز الي غيره فان كل واحد من هذه المذكورات و ان كان ممكنا ثبوتا لكن بدون قيام القرينة و البيان لا مجال لحمل الكلام عليه.

و ان شئت قلت: ان كان احتمال الامور المذكورة مانعا عن حمل الكلام علي إرادة الالزام و التحريك نحو العمل لانسد باب الافادة و الاستفادة.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 177

و صفوة القول: ان إرادة كل واحد من الامور المذكورة تحتاج الي معونة فلو كان المولي في مقام البيان و لم ينصب قرينة علي مراده يستفاد من كلامه ان الداعي له الزام الفعل.

الفائدة الرابعة: ان مضمرات سماعة و أضرابه لا تكون حجة

فلا اعتبار بتلك المضمرات، كما ان الشيخ قدس سره اشار الي هذا في التهذيب و قال ان سماعة قال: سألته و لم يذكر المسئول بعينه و يحتمل أن يكون قد سأل غير الامام فأجابه بذلك و اذا احتمل ما قلنا لم يكن فيه حجة علينا «1».

و تفصيل هذا الاجمال انه تارة يكون الراوي له جلالة و مكانة لا يضمر الا عن المعصوم عليه السلام كزرارة و اضرابه و اما اذا لم يكن شيعيا أو كان و لم يكن اثني عشريا او كان و لكن يحتمل في حقه الاضمار عن غير المعصوم لا يكون حديثه المضمر مؤثرا.

الفائدة الخامسة: ان دليل وجوب الوفاء بالعقود لا يمكن أن يكون دليلا علي الصحة

بل يكون ارشادا الي اللزوم فلا مجال للاستدلال به علي صحة العقد و تفصيل هذا الاجمال ان وجوب الوفاء المستفاد من الآية ليس وجوبا تكليفيا اذ من الظاهر ان الفسخ ليس محرما شرعا فيكون مفاد الآية ارشادا الي اللزوم.

______________________________

(1) التهذيب ج 1 الباب الاول ذيل حديث 35 ص 16.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 178

و عليه نقول: الاهمال غير معقول في الواقع فالعقد الذي حكم بلزومه اما يكون خصوص الصحيح أو الاعم منه و من الفاسد أو خصوص الفاسد؟ لا سبيل الي الثاني و الثالث فيكون الشق الاول متعينا فيلزم فرض العقد صحيحا كي يترتب عليه اللزوم.

و علي الجملة الآية الشريفة لا يمكن جعلها دليلا علي صحة العقود بل الآية دليل علي لزوم العقد الذي فرض كونه صحيحا في الرتبة السابقة.

ان قلت: بعد الحكم باللزوم تستفاد الصحة بالملازمة. قلت:

هذا التقريب انّما يتم في القضية الخارجية حيث يحكم المولي بلزوم العقد الفلاني فيكون صحيحا بالملازمة و اما في القضية الحقيقية- كما هي كذلك في الاحكام الشرعية- فيفرض الموضوع

في الخارج فلا محالة تجري فيها الشقوق المتقدمة و قد تقدم ان الاهمال و الاطلاق لا يمكن الالتزام بهما فيختص الحكم بخصوص الصحيح فلاحظ.

الفائدة السادسة: [عدم اعتبار رواية يكون في سندها مشترك في طبقة واحدة او احتمل الاتحاد]

ان الرواية التي يكون في سندها من يكون مشتركا بين شخصين أو أشخاص كلاهما أو كلهم في طبقة واحدة أو احتمل الاتحاد و لا يكون كلاهما أو كلهم ثقات لا تكون الرواية معتبرة مثلا نري ان الكليني قدس سره في موارد كثيرة جدا يروي الحديث عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد و لا ندري المراد من احمد بن محمد لا يمكن الحكم بكون الحديث معتبرا و لا مجال لحمل لفظ احمد بن محمد علي ابن عيسي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 179

مع ان محمد بن يحيي يروي عنه و عن احمد بن محمد بلا تذييله بلفظ ابن عيسي.

و قد أوردنا هذا الايراد علي سيدنا الاستاد قدس سره و أجاب بأن تمييز المشتركات يحصل بالممارسة.

و الحق ان هذه الجملة ليس تحتها شي ء فان الممارسة لا تفيد شيئا بل الممارسة أرشدتنا الي خلاف ما رامه و كلما يدقق الفقيه في هذا المجال يصير الامر اصعب عليه فان تمييز المشتركات أمر غير ممكن.

اللهم الا أن يحصل في مورد القطع بكون الراوي الفلان ابن فلان و هذا القطع لا يفيد لغير القاطع.

و بعبارة اخري قطع شخصي و لا يكون قابلا لاثبات الامر لغير القاطع و من الظاهر ان القطع من اي سبب يحصل و في كل مورد تحقق يكون حجة و الحجية ذاتية له.

و كان سيدنا الاستاد قدس سره ينقل عن المرحوم الميرزا علي آقا الشيرازي قدس سره كان يقول اذا أفتي الشيخ الانصاري و الميرزا الشيرازي المجدد و الميرزا محمد

تقي الشيرازي بحكم شرعي انا اقطع بكونه مطابقا مع متن الواقع و هل يفيد لغيره شيئا؟

كلا ثم كلا و علي هذا الاساس تسقط جملة كثيرة من الروايات عن الاعتبار فلا بد من رفع اليد عنها و العمل بالعام أو الاطلاق الفوقاني ان كان و الا تصل النوبة الي الاصل العملي.

هذا و لكن بعد مضي مدة من تقرير الاشكال و تثبيته جدّ و اجتهد زميلنا قرة عيني الشيخ عباس الحاجياني و بني علي أنّ الاشكال المذكور غير وارد.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 180

بتقريب: ان مقتضي بناء العقلاء بحسب الظهور العرفي حمل المطلق علي الفرد الشائع في الاستعمال مثلا لو كان في بلد من البلاد شخصان كل منهما مسمّي بالسيد اسماعيل و لكن يراد من اللفظ في الغالب في الاستعمال الذي يكون نجفيا و علي نحو الندرة و الاتفاق يراد منه الشخص الاخر، لا اشكال في حمل اللفظ مجردا عن القرينة علي النجفي و لا يبقون في التحير و الترديد.

و بعبارة اخري: نفس عدم القرينة علي التعيين، قرينة علي إرادة النجفي و علي هذا الاساس نقول: اذا روي الكليني عن احمد ابن محمد بواسطة محمد بن يحيي أو بواسطة العدة يحمل علي المردد بين احمد بن محمد بن عيسي و احمد بن محمد بن خالد.

و ببيان آخر: لم يذكر في كتب الرجال احمد بن محمد بلا تعيين بل كل من يكون مسمّي بهذا الاسم مذيّل بذيل يكون مميزا عن غيره مثلا نري ان الاردبيلي قدس سره في جامع الروات هكذا ذكر احمد ابن محمد بن ابراهيم و احمد بن محمد بن ابراهيم الارمني و احمد ابن محمد ابو بشر السراج و احمد بن محمد

ابو عبد اللّه الآملي و احمد ابن محمد بن أبي غراب و احمد بن محمد بن أبي نصر زيد و احمد ابن محمد بن أبي نصر و احمد بن محمد بن أبي نصر صاحب الانزل و احمد بن محمد بن احمد ابو علي و احمد بن محمد بن احمد بن طرخان و احمد بن محمد الاردبيلي و احمد بن محمد بن احمد بن طاهر و احمد بن محمد البارقي و احمد بن محمد بن حسام و احمد بن محمد البصري و احمد بن محمد بن بندار و احمد بن محمد بن جعفر و احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد و احمد بن محمد بن الحسين و احمد بن محمد بن الحسين بن الحسن و احمد بن محمد بن الحسين

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 181

ابن سعيد و احمد بن محمد الحضين و احمد بن محمد بن فارد و احمد بن محمد بن ربيع و احمد بن محمد بن رميم و احمد بن محمد بن زياد و احمد بن محمد بن زيد و احمد بن محمد المعروف و احمد بن محمد السري و احمد بن محمد بن سعيد و احمد بن محمد الدينوري و احمد بن محمد بن داود و احمد بن محمد بن سلمة و احمد بن محمد ابن سليمان و احمد بن محمد بن الصائغ و احمد بن محمد بن عاصم و احمد بن محمد بن عبد اللّه بن الزبير و احمد بن محمد بن عبد اللّه بن مروان و احمد بن محمد بن عبيد القمي و احمد بن محمد بن عبيد اللّه القمي و أحمد بن محمّد بن علي و

احمد بن محمّد بن علي الكوفي و احمد بن محمّد بن عمار و احمد بن محمّد بن عمرو و احمد بن محمد عمر و احمد بن محمد بن عمر بن موسي و احمد بن محمّد بن عياش و احمد بن محمّد بن عيسي و احمد بن محمّد بن عيسي الفراء و احمد بن محمّد بن عيسي القسري و احمد بن محمد الكوفي و احمد بن محمد بن مسلمة و احمد بن محمد بن مطهر و احمد بن محمد المقري و احمد بن محمد بن موسي و احمد بن محمد النجاشي و احمد بن محمد الوهركيني و احمد بن محمد بن ميثم و احمد بن محمد بن يحيي و احمد بن محمد ابن يحيي العطار و احمد بن محمد بن يحيي الفارسي و احمد بن محمد بن يعقوب.

و حيث ان الشائع في نقل الروايات و الاحاديث مردد بين جماعة ثقات و من ناحية اخري المطلق ينصرف الي الشائع في الاستعمال لا نبقي متحيرين و نحكم باعتبار السند و بعبارة اخري بعد فحص روايات الكافي نري ان الغالب المسمي بهذا الاسم الواقع في السند

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 182

المشار إليه اما اضيف لفظ محمد الي عيسي و اما اضيف الي خالد و يكون المضاف الي غير الرجلين اقل قليل فبمقتضي انصراف المطلق الي الشائع الغالب لا بدّ من حمل المطلق اي ما لا يكون لفظ محمد مضافا يحمل علي إرادة احد الرجلين اذ الامر مردد بينهما و المفروض وثاقة كليهما فيكون السند تاما و اذا تم التقريب المذكور نقول لو فرض انه كان هذا الاسم في سند رواية بغير السند المذكور اعم من أن

يكون الراوي الكليني او الشيخ او الصدوق او غيرهم و كان قابلا لان يكون المراد احد الرجلين أيضا نحمل اللفظ علي إرادة احدهما اذ بحسب الزمان اما يكون النقل مقارنا لزمان الانصراف و اما يكون مقدما و اما يكون متأخرا اما علي الاول فظاهر و اما علي الثاني او الثالث فببركة الاستصحاب الجاري في امثال المقام اي الاصل اللفظي العقلائي نحكم بثبوت الانصراف في ذلك الزمان أيضا و تكون النتيجة ما ذكرنا فلاحظ.

الفائدة السابعة: [لا يفيد سند عن ثقة لم يذكر الراوي الذي قبله]

انا نري الشيخ أو الصدوق له طريق الي الراوي الفلاني كزرارة مثلا و قد بيّن في المشيخة و الطريق تام و لكن نري ان الصدوق في الفقيه ربما يقول قال زرارة و اخري يقول روي عن زرارة و الطريق يفيدنا اذا كان بصيغة معلومة و أما لو كان النقل علي النحو الثاني اي بالمجهول فلا يكون السند تاما و ربما يشتبه الناظر و يتخيل ان الطريق صحيح و الحال ان الرواية في أحد الفرضين تكون مرسلة فلا بد من التدقيق في هذه الجهة و لا يكتفي المراجع الي كتاب الوسائل بقول الحرّ بل لا بدّ من مراجعة نفس المرجع.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 183

الفائدة الثامنة: ان جريان قاعدة لا تعاد يختص بما بعد الصلاة

و لا تشمل القاعدة اذا التفت المصلي بالاخلال في الاثناء و تفصيل هذا الاجمال ان الاعادة انما تتحقق بالوجود الثاني للطبيعة فما دام المركب الاعتباري كالصلاة مثلا لم يتحقق في الخارج و لم يتم لا يصدق عنوان الاعادة مثلا لو كان المصلي في الركوع و التفت الي أنه لم يأت بالفاتحة و السورة تكون صلاته باطلة علي طبق القاعدة الاولية و لا يقال له اعد الصلاة بل يقال له استأنف الصلاة فلا بد من تخصيص جريان القاعدة بصورة اتمام الصلاة و يؤيد ما ذكرنا ما أشار إليه المحقق الهمداني قدس سره «1».

الفائدة التاسعة: ان المستفاد من حديث لا ضرر النهي عن الاضرار لا النفي

و تفصيل هذا الاجمال ما افاده شيخ الشريعة و هو أن يكون المراد بالجملة النهي عن الضرر و الاضرار.

و بعبارة اخري الجملة الخبرية استعملت في مقام الانشاء و اريد من النفي النهي كما ان الامر كذلك في قوله تعالي «فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» «2».

و قال سيدنا الاستاد- علي ما في التقرير- ان حمل النفي علي النهي و حمل الجملة الخبرية علي الانشائية يتوقف علي وجود قرينة

______________________________

(1) لاحظ مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص 533.

(2) البقرة/ 197.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 184

و لا قرينة في المقام و لا يقاس ما نحن فيه بقوله تعالي في سورة البقرة حيث انه لا اشكال في تحقق الامور الثلاثة في الخارج و هي الرفث و الفسوق و الجدال فيكون المراد من النفي النهي.

اذا عرفت ما تقدم نقول لا اشكال في أن الظواهر حجة و لا بدّ من العمل بها ما لم يقم علي خلافها دليل هذا من ناحية و من ناحية اخري لا اشكال في تحقق الضرر و الضرار في

الخارج فلا يمكن حمل الجملة اي قوله صلي اللّه عليه و آله «لا ضرر و لا ضرار» علي الاخبار للزوم الكذب.

مضافا الي أن شأن الشارع بيان الاحكام و تشريعها لا الاخبار عن الامور التكوينية الخارجية فيحمل كلامه علي الانشاء و قد تقدم منا في بحث الانشاء و الاخبار ان الجملة الخبرية وضعت بحسب تعهد الواضع لافهام ان المتكلم في مقام ابراز الحكاية عن الخارج لكن الدواعي لهذا الابراز مختلفة.

كما ان صيغة الامر وضعت بحسب التعهد لابراز ان المتكلم في مقام بيان ابراز اعتبار اللابدية في ذمة المكلف لكن الدواعي مختلفة و علي هذا الاساس لا تكون الجملة الخبرية مستعملة في غير معناها بل دائما تستعمل في معناها لكن الداعي للاخبار ربما يكون الحكاية عما في الخارج و ربما يكون الداعي البعث كما في قوله عليه السلام يعيد و يتوضأ الي غيره من موارد استعمال الجملة الخبرية بداعي الانشاء و المقام كذلك بل يكون آكد في البعث و الزجر فكأن المولي يري ان المأمور به متحقق في الخارج و كأنه يري صفحة الوجود خالية عن المنهي عنه فقوله صلي اللّه عليه و آله «لا ضرر و لا ضرار» زجر عن ايراد الضرر بالغير و عن الضرار و الاضرار.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 185

و يؤكد المدعي ان الجملة الاسمية الخبرية قد أريد منها الانشاء في جملة من الموارد و أليك عدة منها:

منها قوله تعالي «فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ» «1» و منها قوله تعالي «أَنْ تَقُولَ لٰا مِسٰاسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً» «2».

و قوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم «3». و قوله عليه السلام:

ان المشورة لا تكون الا بحدودها

«4».

و قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم خمسة يجتنبون علي كل حال «5» و قوله عليه السلام ستة لا يسلم عليهم «6» و قوله عليه السلام ستة لا ينبغي ان يسلّم عليهم «7».

و قوله عليه السلام من اخلاق المؤمن الانفاق علي قدر الاقتار و التوسع علي قدر التوسع و انصاف الناس و ابتداؤه اياهم بالسلام عليهم «8».

و قوله عليه السلام: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم اولي الناس باللّه و برسوله من بدأ بالسلام «9».

و قوله عليه السلام ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام و البادي بالسلام اولي باللّه و برسوله «10».

______________________________

(1) البقرة/ 197.

(2) طه/ 97.

(3) الوسائل الباب 6 من ابواب الخيار الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل الباب 22 من ابواب احكام العشرة الحديث 8.

(5) الوسائل الباب 28 من ابواب أحكام العشرة الحديث 4.

(6) نفس المصدر الباب 28 الحديث 5.

(7) الوسائل الباب 28 من ابواب العشرة الحديث 6.

(8) الوسائل الباب 32 من ابواب أحكام العشرة الحديث 2.

(9) نفس المصدر الحديث 3.

(10) الوسائل الباب 33 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 186

و قوله عليه السلام: البخيل من بخل بالسلام «1» و قوله عليه السلام السلام تطوع و الرد فريضة «2».

و قوله عليه السلام ان اللّه عز و جل يحبّ افشاء السلام «3».

و قوله عليه السلام من التواضع ان تسلّم علي من لقيت «4».

و قوله صلي اللّه عليه و آله يا علي ثلاث كفارات: افشاء السلام و اطعام الطعام و الصلاة بالليل و الناس نيام 5.

و قوله عليه السلام البخيل من بخل بالسلام «6».

و قوله عليه السلام: ثلاث درجات افشاء السلام

و اطعام الطعام و الصلاة بالليل و الناس نيام «7».

و قوله عليه السلام: من التواضع ان تسلم من لقيت 8.

و قوله عليه السلام: ان أعجز الناس من عجز عن الدعاء و ان ابخل الناس من بخل بالسلام «9».

و قول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم: خمس لا ادعهنّ حتّي الممات «10».

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث.

(2) نفس المصدر الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 34 من ابواب العشرة الحديث 1.

(4) (4 و 5) نفس المصدر الحديث 4 و 5.

(6) نفس المصدر الحديث 6.

(7) (7 و 8) نفس المصدر الحديث 8 و 9.

(9) نفس المصدر الحديث 10.

(10) الوسائل الباب 35 من ابواب أحكام العشرة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 187

و قول النبي صلي اللّه عليه و آله قال: خمس لست بتاركهنّ حتي الممات «1».

و قوله عليه السلام: ثلاثة لا يسلمون «2».

و قوله عليه السلام: ليس من الانصاف مطالبة الاخوان بالانصاف «3».

و قوله عليه السلام في كتابه الي المأمون: الصلاة علي النبي صلي اللّه عليه و آله واجبة في كل موطن و عند العطاس و الذبائح و غير ذلك «4».

الي غيرها من الروايات فكما تري ان الموارد المذكورة المشار إليها و غيرها استعملت الجملة الخبرية الاسمية في مقام الانشاء فلا يكون الحمل المذكور في المقام أمرا بعيدا و مستنكرا و غير متعارف.

و يؤيد المدعي و يؤكده انه جملة من مهرة الفن فهموا النهي عن الجملة المذكورة الدالة علي عدم الضرر.

ففي النهاية الاثيرية لا ضرر اي لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيئا من حقه و الضرار فعال من الاضرار أي لا يجازيه علي اضراره بادخال الضرر عليه.

و عن لسان العرب لا ضرر اي لا يضر

الرجل لا ضرار اي لا يضار كل منهما صاحبه.

و عن الدرّ المنثور للسيوطي لا ضرر اي لا يضر الرجل اخاه و عن تاج العروس قريب منه.

______________________________

(1) الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 56 من ابواب العشرة الحديث 3.

(4) الوسائل الباب 64 من هذه الابواب الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 188

و قال الطريحي في مجمع البحرين بعد ما نقل حديث لا ضرر و لا ضرار في الاسلام اي لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيئا من حقه و الضرار فعال من الضرر اي لا يجازيه علي اضراره بادخال الضرر عليه الخ.

فالنتيجة ان المستفاد من الحديث حرمة الاضرار و الضرر بالغير علي نحو العموم و التخصيص يحتاج الي الدليل و يؤيد المدعي و يؤكده جملة من النصوص الواردة في الموارد الخاصة الدالة علي حرمة الاضرار في تلك الموارد.

نعم لا يستفاد من الحديث حرمة الاضرار بالنفس فان الظاهر بحكم العرف النهي عن الاضرار بالغير و الشاهد لما نقول تفسير مهرة الفن فانهم كما تري نصوا علي أن المراد منه حرمة الاضرار بالغير.

فالنتيجة ان الحديث الشريف لا يكون شارحا و ناظرا الي ادلة الاحكام كما اشتهر بين القوم و ليس مفاده نفي الاحكام الضررية في الشريعة بل مفاده حرمة الاضرار بالغير و النهي عنه و الظاهر ان الدليل الدال علي حرمة الاضرار بالنحو الشامل لكل مورد منحصر في الحديث الشريف.

و يتضح المدعي ان الحديث الشريف متضمن لقوله صلي اللّه عليه و آله و لا ضرار فعلي ما نقول الامر ظاهر و هو ان المراد من الحديث النهي عن الضرر و عن الضرار و أما علي مسلك القوم نسأل ما المراد من

نفي الضرار.

و بعبارة واضحة: نسلم مقالة المشهور و نقول قوله صلي اللّه عليه و آله لا ضرر ناظر الي نفي الوجوب عن الوضوء الضرري و لكن ما المراد من قوله لا ضرار فان اي حكم من الاحكام الشرعية يكون مصداقا للضرار كي يرتفع و في اي مورد الشارع الاقدس يتعدي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 189

بالنسبة الي عباده كي يكون مرتفعا و هذا أيضا اكبر شاهد علي أن الصحيح ما ذهب إليه شيخ الشريعة.

و قال سيدنا الاستاد في هذا المقام ان المراد من الجملة الاولي النفي اي نفي الاحكام الضررية و نفي الاحكام الضررية علي نحو الحقيقة.

و الجملة الثانية أيضا نفي لكن النتيجة النهي هذا ما افاده في المقام و هل يمكن مساعدته فانه خلاف الظاهر و بعبارة اخري: وحدة السياق تقتضي عدم التفكيك بين الفقرتين و ما أفاده تفكيك اذ الجملة الاولي اخبارية و الجملة الثانية انشائية.

و الحق ما ذكرنا من أن المستفاد من الحديث حرمة الضرر بالغير علي نحو الاطلاق نعم وردت جملة من الادلة في مقام حرمة الاضرار و لكن ليس مدلول تلك الادلة عاما شاملا لكل مورد و أليك جملة منها:

منها قوله تعالي «وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لٰا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً لِتَعْتَدُوا» «1».

و منها قوله تعالي «وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ وَ عَلَي الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لٰا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلّٰا وُسْعَهٰا لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» «2».

و منها قوله تعالي «وَ لٰا يُضَارَّ كٰاتِبٌ وَ لٰا شَهِيدٌ» «3».

______________________________

(1) البقرة/ 231.

(2) البقرة/ 233.

(3) البقرة/ 282.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب،

ج 4، ص: 190

و منها قوله تعالي «غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللّٰهِ» «1».

و منها قوله تعالي «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» «2».

و منها جملة من النصوص منها ما عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه عز و جل «لا تضارّ والدة بولدها و لا مولود له بولده» فقال كانت المراضع مما تدفع احداهن الرجل اذا اراد الجماع تقول: لا ادعك اني اخاف ان احبل فاقتل ولدي هذا الّذي ارضعه و كان الرجل تدعوه المرأة فيقول:

اني اخاف ان اجامعك فاقتل ولدي فيدفعها فلا يجامعها فنهي اللّه عز و جل عن ذلك أن يضارّ الرجل المرأة و المرأة الرجل «3».

و منها ما عن محمد بن الحسن (الحسين) قال: كتبت الي أبي محمد عليه السلام رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة اخري الي قرية له كم يكون بينهما في البعد حتي لا تضر احداهما بالاخري في الارض اذا كانت صلبة أو رخوة فوقع عليه السلام:

علي حسب ان لا تضرّ احداهما بالاخري ان شاء اللّه «4».

و منها ما عن محمد بن الحسين قال كتبت الي أبي محمد عليه السلام رجل كانت له رحي علي نهر قرية و القرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق الي قريته الماء في غير هذا النهر و يعطل هذه

______________________________

(1) النساء/ 12.

(2) الطلاق/ 6.

(3) الوسائل الباب 72 من ابواب احكام الاولاد الحديث 1.

(4) الوسائل الباب 14 من ابواب احياء الموات.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 191

الرحي أله ذلك أم لا فوقع عليه السلام: يتقي اللّه و يعمل في ذلك بالمعروف و لا يضر اخاه المؤمن

«1».

و منها ما عن عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل أتي جبلا فشق فيه قناة فذهبت الاخري بماء قناة الاول قال: فقال:

يتقاسمان «يتقايسان» بحقائب البئر ليلة فينظر ايتهما اضرت بصاحبتها فان رأيت الاخيرة أضرت بالاولي فلتعور «2».

و منها ما عن الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد نحوه و زاد:

و قضي رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله بذلك و قال ان كانت الاولي اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة علي الاول سبيل «3».

و منها ما عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال ان الجار كالنفس غير مضار و لا اثم «4».

و منها ما عن الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان قال:

جاء في الحديث ان الضرار في الوصية من الكبائر «5».

و منها ما عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع فاشتراه بعشرة دراهم و اشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد فقضي ان البعير برأيه فبلغ ثمنه «ثمانية» دنانير قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما

______________________________

(1) عين المصدر الباب 15 الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 16 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

(3) نفس المصدر الحديث 2.

(4) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 2.

(5) الوسائل الباب 8 من ابواب الوصية الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 192

بلغ فان قال أريد الرأس و الجلد فليس له ذلك هذا الضرار و قد أعطي حقه اذا أعطي الخمس «1».

الفائدة العاشرة: انه لا مجال لإثبات صحة غير البيع بقوله تعالي «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ»

و تفصيل هذا الاجمال انه لم يثبت كون لفظ التجارة موضوعة لمطلق المعاملات بل يستفاد من قول بعض اهل اللغة اختصاص اللفظ بخصوص البيع.

ان قلت:

يستفاد من قوله تعالي «رِجٰالٌ لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ» «2» ان التجارة غير البيع اذ حمل العطف علي التفسيري خلاف الظاهر. قلت: هذا التقريب لا يثبت التعدد اذ غاية ما يمكن أن يقال ان العطف يقتضي الاثنينية و من الظاهر ان الاستعمال اعم من الحقيقة فمجرد كون المراد من التجارة اعم من المراد من البيع لا يثبت كون لفظ التجارة اعم بحسب اللغة.

الفائدة الحادية عشر: ان تعارض الاستصحاب الجاري في الجعل مع الاستصحاب الجاري في المجعول لا يختص بالشبهة الحكمية الكلية

بل التعارض بين الامرين حاصل في جملة من الشبهات الموضوعية و الميزان الكلي انه كلما شك في بقاء الحكم و عدمه من ناحية الشك في تحقق الرافع

______________________________

(1) الوسائل الباب 22 من ابواب بيع الحيوان الحديث 1.

(2) النور/ 37.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 193

لا مجال للتعارض بل يجري استصحاب عدم حدوث الرافع كالحدث بالنسبة الي الطهارة الحدثية و حدوث النجاسة عند الشك في بقاء الطهارة الخبثية.

و في مثل هذه الموارد لا يجري الاستصحاب في الحكم بل يجري الاصل في عدم الرافع و أما اذا شك في بقاء المجعول أعم من أن يكون في الحكم الكلي أو الجزئي يقع التعارض بين الاصل الجاري في الجعل مع الاصل الجاري في المجعول فلو شك في أن المدة المجعولة للزوجية الانقطاعية شهر أو شهران يكون مقتضي استصحاب الزوجية بقائها و مقتضي استصحاب عدم جعل الزائد عدمها فلاحظ.

الفائدة الثانية عشر: ان المشهور عند القوم كون قاعدة التجاوز قاعدة مستقلة في قبال قاعدة الفراغ

و الحق انه لا دليل علي قاعدة التجاوز و لا بدّ من النظر في نصوص الباب كي نري اي مقدار يمكن أن يستفاد منها و هل يمكن الاستدلال بها علي كلتا القاعدتين أو يختص الدليل بإحداهما؟

فنقول: من النصوص الواردة في المقام ما رواه زرارة قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة؟

قال: يمضي، قلت رجل شك في الاذان و الاقامة و قد كبّر؟

قال: يمضي، قلت رجل شك في التكبير و قد قرأ؟ قال: يمضي قلت:

شك في القراءة و قد ركع؟ قال: يمضي: قلت شك في الركوع و قد سجد؟ قال يمضي علي صلاته ثم قال: يا زرارة اذا خرجت من شي ء

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 194

ثم دخلت في غيره فشكك

ليس بشي ء «1».

و هذه الرواية تامة سندا.

و اما من حيث الدلالة فالمستفاد منها ان المكلف اذا شك في صحة شي ء و فساده بعد دخوله في غير ذلك الشي ء فلا اثر لشكه.

و لا يشمل الحديث صورة الشك في اصل الوجود بل الظاهر من الحديث لو لم يكن صريحه انه لو شك في شي ء بعد خروجه عن عين ذلك الشي ء لا يعتني بشكه و لا يدل علي بيان حكم الخروج عن محله و الحمل علي الخروج عن المحل خلاف الظاهر.

فلو شك المكلف في أن البسملة التي أتي بها هل تحققت صحيحة أم لا؟ يحكم بصحتها و أما اذا شك في اصل وجودها فلا تكون الرواية المذكورة متكفلة للحكم باتيانها بل مقتضي الاستصحاب عدم الاتيان بها فهذه الرواية يختص بقاعدة الفراغ و لا تشمل قاعدة التجاوز.

ان قلت: الخروج عن الشي ء لا يجتمع مع الشك فيه اذ كيف يمكن أن يكون الخروج مفروضا و مع ذلك يكون ما خرج منه مشكوكا فيه.

قلت: اذا كان الشك في صحة ما خرج منه يتم الامر فان المكلف يدخل في الغسل و يعلم بعد ذلك انه اغتسل و خرج منه و أتي به و لكن يشك في أنه أتي به علي ما هو المقرر أم لا فالحق ما ذكرنا.

و من تلك النصوص ما رواه زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: اذا كنت قاعدا علي وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا؟ فاعد عليهما و علي جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من ابواب الخلل الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 195

تمسحه ممّا سمي اللّه ما دمت في حال الوضوء.

فاذا قمت من الوضوء

و فرغت منه و قد صرت في حال اخري في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّي اللّه ممّا اوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شي ء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه و علي ظهر قدميك فان لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك و امض في صلاتك و ان تيقنت انك لم تتم وضوئك فأعد علي ما تركت يقينا حتي تأتي علي الوضوء «1» الحديث.

و المستفاد من هذه الرواية انه لو شك المكلف في الوضوء و دخل في حالة اخري يكون وضوئه صحيحا و لا يعتني بشكه فيكون الحديث دالا علي قاعدة الفراغ بالنسبة الي مورد خاص.

و من تلك النصوص ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء انما الشك اذا كنت في شي ء لم تجزه «2».

و المراد من الضمير الذي اضيف إليه لفظ غير اما الوضوء و اما الجزء الذي شك فيه أما علي الاول فيكون مفاد الحديث عين الحديث الاول.

و أما علي الثاني فيكون مفاده خلاف الاجماع و التسالم علي عدم جريان القاعدة في أثناء الوضوء بل خلاف ما يستفاد من الرواية الاولي من الباب و علي كلا التقديرين يكون ذيل الحديث دالا علي كبري كلية

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من ابواب الوضوء الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 196

سارية في جميع الابواب فان المستفاد من الذيل ان المكلف اذا تجاوز عن شي ء و شك فيه لا يعتني به و حمل التجاوز علي التجاوز عن المحل

خلاف الظاهر.

و من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال يمضي علي صلاته و لا يعيد «1».

و المستفاد من الحديث جريان قاعدة الفراغ في الصلاة فيما شك فيها من حيث الوضوء و عدمه.

و من تلك النصوص ما رواه بكير بن اعين قال: قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك «2».

و المستفاد من هذا الحديث اعتبار قاعدة الفراغ بالنسبة الي الوضوء بعد الفراغ منه و من ذيل الحديث يستفاد ضابط كلي و ميزان عام جار في جميع الموارد فان العلة تعمم كما انها تخصص فيفهم من الحديث اعتبار قاعدة الفراغ علي الاطلاق لكنه ضعيف سندا.

و من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام انه قال: اذا شك الرجل بعد ما صلي فلم يدر أثلاثا صلي أم اربعا و كان يقينه حين انصرف انه كان قد اتم لم يعد الصلاة و كان حين انصرف أقرب الي الحق منه بعد ذلك «3» و تستفاد من هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 42 من ابواب الوضوء الحديث 5.

(2) الوسائل الباب 42 من ابواب الوضوء الحديث 7.

(3) الوسائل الباب 27، من ابواب الخلل الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 197

قاعدة كلية دالة علي جريان قاعدة الفراغ في جميع الموارد و منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه فيه مما قد مضي فامضه كما هو «1».

فان هذه الرواية تدل بالعموم الوضعي علي قاعدة الفراغ اذ الظاهر بل الصريح من قوله عليه

السلام «مضي» انه عليه السلام فرض مضي نفس المشكوك فيه فيكون الشك في صحة المشكوك فيه فتكون الرواية دالة علي جريان قاعدة الفراغ علي النحو الكلي.

و من تلك النصوص ما رواه اسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض و ان شك في السجود بعد ما قام فليمض كل شي ء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه «2».

فان هذه الرواية بالعموم الوضعي تدل علي قاعدة الفراغ بالتقريب المتقدم ذكره آنفا اذ المستفاد من ذيل الحديث فرض تحقق المشكوك فيه اذ قد عبر بعنوان التجاوز عنه و هذا العنوان لا يصدق الا مع فرض اصل الوجود و الشك في صحته و فساده.

و اما اذا شك في اصل الوجود فلا بد من حمل التجاوز علي التجاوز عن المحل.

مضافا الي ان صدق التجاوز عنه و الدخول في غيره لا يمكن الا مع فرض تحقق اصل الوجود اذ مع عدم الوجود لا يصدق التجاوز لا عنه و لا عن محله أما التجاوز عنه فلعدم وجوده فرضا و أما عن محله

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 15 من ابواب السجود الحديث 4.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 198

فلأن المفروض ان التجاوز عن المحل لا يصدق و لا يتحقق الا بالدخول في الغير فالجمع بين التجاوز و الدخول في الغير يدل علي فرض أصل الوجود و الشك في صحته و فساده.

و من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال: فقال: لا يعيد و

لا شي ء عليه «1».

و المستفاد من هذه الرواية انه لو فرغ المكلف من صلاته ثم شك فيها فلا اثر لشكه فالمستفاد من الرواية قاعدة الفراغ بالنسبة الي الصلاة بعد الفراغ عنها.

و من تلك النصوص ما رواه محمد بن مسلم أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال: كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد «2».

و المستفاد من الحديث بالعموم الوضعي جريان قاعدة الفراغ في الصلاة بعد الفراغ عنها.

هذه روايات الباب و لا يستفاد منها جريان قاعدة التجاوز لا بالخصوص و لا بالإطلاق و العموم بل كلها راجعة الي قاعدة الفراغ.

نعم قد وردت جملة من النصوص في الباب الثالث عشر من ابواب الركوع تدل علي جريان قاعدة التجاوز في خصوص الشك في الركوع و لكن لا تستفاد من تلك النصوص قاعدة كلية سارية في جميع الابواب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من ابواب الخلل الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 199

و مقتضي القاعدة الاولية الحكم بالعدم اذ الشك في وجود شي ء و عدمه موضوع للاستصحاب فلا بد من التدارك مثلا لو شرع في السورة و شك في الفاتحة يجب الاتيان بها للاستصحاب.

هذا فيما يمكن التدارك و بقاء محل تدارك ما شك فيه. و اما مع عدم بقاء المحل فتارة يكون الشك بعد الفراغ عن الصلاة و اخري يكون الشك في الاثناء أما اذا كان بعد الفراغ فلا تجب الاعادة.

و اما اذا كان الشك في الاثناء فاما نقول بجريان قاعدة لا تعاد في الاثناء كما هو المشهور عند القوم و اما لا نقول اما علي الاول فالكلام هو الكلام.

و أما علي الثاني فلا مناص عن الاعادة اذ مقتضي

الاستصحاب عدم الاتيان بالمشكوك فيه و المفروض عدم جريان قاعدة لا تعاد فلا بد في احراز الامتثال من الاعادة.

الفائدة الثالثة عشر: الحق أن ما اشتهر بين القوم من الأخذ بقاعدة الاشتغال لا أساس له

و قاعدة الاشتغال لا تكون قاعدة في قبال بقية الاصول بل الحق أن يقال تارة يكون الشك في مرحلة ثبوت التكليف و اخري في مرحلة السقوط اما في مرحلة الثبوت فالمرجع اصل البراءة و استصحاب عدم التكليف و أما في مرحلة السقوط فالمرجع استصحاب بقائه و عدم اتيانه و امتثاله فعلي كلا التقديرين لا تصل النوبة الي الاشتغال و الامر دائر بين المرحلتين و لا ثالث فلاحظ و اغتنم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 200

الفائدة الرابعة عشر: ان انقلاب النسبة الذي ذهب إليه جملة من الاعاظم غير تام

و تفصيل هذا الاجمال انه لو كان التعارض بين أزيد من الدليلين فهل القاعدة تقتضي أن تلاحظ الادلة و انها اي شي ء تقتضي أو يلزم ملاحظة نسبة بعضها مع بعض ثم ملاحظة النسبة مع البعض الاخر.

مثلا اذا ورد في دليل «اكرم العلماء» و في دليل آخر لا يجب اكرام العلماء و في دليل ثالث لا تكرم الفساق من العلماء فهل تلاحظ نسبة الدليلين الاولين في حد نفسهما و تكون النتيجة التساقط لاجل كون النسبة التباين الجزئي.

أو القاعدة تقتضي تخصيص قول اكرم العلماء بقوله لا تكرم الفساق من العلماء و بعد تخصيص العام الاول بهذا النحو تكون النسبة الي العام الثاني نسبة الخاص الي العام و لذا يخصص العام الثاني بالعام الاول بعد انقلاب النسبة من التباين الي العموم و الخصوص المطلقين؟

ذهب جملة من الاساطين الي عدم الانقلاب و ذهب سيدنا الاستاد الي الانقلاب و ابتني ما ذهب إليه علي مقدمتين:

المقدمة الاولي: ان لكل لفظ ثلاث دلالات الدلالة الاولي الدلالة الانسية التي تتحقق من كثرة استعمال اللفظ الفلاني في المعني الكذائي و المراد من هذه الدلالة انتقال الذهن من سماع اللفظ الي معناه كانتقال الذهن من سماع لفظ الماء

الي الجسم السيال و هذه الدلالة ناشية من كثرة استعمال اللفظ في معناه.

الدلالة الثانية: دلالة اللفظ علي كون المتكلم مريدا للمعني الفلاني و تسمي هذه الدلالة بالدلالة الوضعية و تحقق هذه الدلالة يتوقف علي عدم قيام قرينة علي ان المتكلم لم يرد المعني

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 201

الفلاني كما ان الامر كذلك في قول القائل رأيت اسدا يرمي فان لفظ يرمي قرينة علي عدم إرادة المتكلم من لفظ الاسد الحيوان المفترس.

الدلالة الثالثة: الدلالة التصديقية أي التصديق بأن المتكلم اراد بالارادة الجدية المعني الفلاني و بعبارة اخري: تطابق الإرادة الوضعية مع الإرادة الجدية و هذه الدلالة متوقفة علي عدم قيام دليل و قرينة علي الخلاف.

المقدمة الثانية: ان التعارض لا يتحقق الا بعد فرض كون كلا المتعارضين في حد نفسهما حجة و اما مع سقوط واحد منهما عن الحجية أو كليهما فلا يبقي مجال للتعارض.

و بعبارة اخري: التعارض فرع التكافؤ و أما مع عدمه فلا تعارض اذا عرفت المقدمتين تعرف وضوح انقلاب النسبة.

و ببيان واضح: ان التصديق بانقلاب النسبة لا يحتاج الي أزيد من تصورها.

و يرد عليه أولا: ان الامر لو كان بهذا المقدار من الوضوح فما الوجه في وقوعه مورد البحث و القيل و القال و كيف يكون كذلك و الحال ان مثل الشيخ و صاحب الكفاية ذهبا الي خلافه و الحال ان لهما اليد البيضاء في هذه المسائل.

و ثانيا: انه لا يكون في لحاظ النسبة بين اطراف التعارض ترتب و فصل زماني أو رتبي كي يتم البيان المذكور بل التعارض يقع بين الادلة الثلاثة أو الاربعة في زمان واحد و رتبة واحدة.

فلو قال المولي في دليل اكرم العلماء و في دليل آخر

قال لا يجب اكرام العلماء و في دليل ثالث قال لا تكرم الفساق من العلماء يكون قوله اكرم العلماء معارضا بمعارضين هما قوله لا تكرم الفساق من العلماء و قوله لا يجب اكرام العلماء فلا وجه لملاحظة النسبة أولا بين احد

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 202

العامين و الخاص المعارض له ثم ملاحظة النسبة بين العام المخصص مع العام الاخر كي تنقلب النسبة من التباين الي العموم و الخصوص بل في الرتبة الاولي يسقط ظهور العام به معارضه.

و ان شئت قلت: في زمان واحد قوله اكرم العلماء معارض بدليلين آخرين و مقتضي معارضته بالدليلين سقوطه عن الاعتبار في جميع مدلوله غاية الامر سقوطه عن الاعتبار بالنسبة الي بعض مدلوله بمعارضين و بالنسبة الي بعض مدلوله بمعارض واحد.

الفائدة الخامسة عشر: ان الشرط إذا وقع ضمن العقد الفاسد يكون صحيحا

و يلزم الوفاء به بل اذا صدق عنوان الشرط يجب الوفاء به و لو لم يقع في ضمن العقد كما لو قال زيد اذا قدم مسافري يوم الجمعة اصلي ركعتين يجب عليه الوفاء اذا تحقق المعلق عليه و السر فيه ان المستفاد من قول «المؤمنون عند شروطهم» وجوب العمل بالشرط فالميزان صدق عنوان الشرط فلاحظ و اغتنم.

الفائدة السادسة عشر: [لا اعتبار بتوثيقات مبنية علي الحدس و الاجتهاد]

انه قال سيدنا الأستاد في الأمر الثالث من الامور التي تثبت به وثاقة شخص: «و ممّا تثبت به الوثاقة أو الحسن ان ينص علي ذلك احد الاعلام المتأخرين بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصرا للمخبر أو قريب العصر منه كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين أو ابن شهرآشوب.

و أما في غير ذلك كما في توثيقات ابن طاوس و العلامة و ابن داود و من تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيدا عن عصرهم فلا

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 203

عبرة بها فانها مبنية علي الحدس و الاجتهاد جزما و ذلك فان السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ فأصبح عامة الناس الا قليلا منهم مقلدين يعملون بفتاوي الشيخ و يستدلون بها كما يستدل بالرواية علي ما صرح به الحلي في السرائر و غيره في غيره الي آخر كلامه «1».

اقول: يختلج ببالي القاصر أن ما أفاده لا يكون قابلا لاثبات مراده فان تمام ما أفيد في كلامه ان السلسلة انقطعت و انتهت الي الشيخ و هو قدس سره واسطة بين من تقدم عليه و من تأخر عنه فالنتيجة ان المتأخرين لا يكون لهم طريق حسي فلا محالة يكون توثيقهم مبينا علي الحدس و الاجتهاد.

و من ناحية أخري لا يكون اجتهاد احد حجة لغيره الا لمقلديه فيما

يكون التقليد جائزا هذا غاية ما يستفاد من كلامه في المقام.

و يمكن الايراد عليه بأنه ما المراد من انقطاع السلسلة فان المستفاد مما افاده انقطاع سلسلة الرواة أي لا طريق للمتأخرين الي روايات الرواة الا بواسطة كالشيخ الطوسي و أضرابه و نفرض ان الامر كذلك لكن الكلام ليس في الرواية بل الكلام في التوثيق فأي دليل دلّ علي أن العلامة لم يصل إليه سبب التوثيق حسا و كذا غيره.

مضافا الي ان دلالة ما أفاده علي انحصار طريق الرواية للعلامة و أضرابه فيما ذكروا في اجازاتهم مورد الكلام و المناقشة فان اثبات شي ء لا ينفي ما عداه و أي تناف بين ما أفاده العلامة و بين وجود طريق آخر الي الحديث الفلاني.

و بعبارة أخري يمكن أن يكون طريق العلامة الي الاصول و ارباب الجوامع، الشيخ الطوسي مثلا و لكن ما المانع من أن العلامة سمع جملة من الاحاديث من غير هذه الوسائط.

______________________________

(1) معجم رجال الحديث الجزء الاول ص: 431.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 204

أضف الي ذلك ان سيدنا الاستاد قال في جملة من كلامه «و لا طريق للمتأخرين الي توثيقات رواتها و تضعيفهم غالبا الا الاستنباط و اعمال الرأي و النظر».

فتري أن الاستاد ينكر الحس في الغالب و أما في النادر فلا.

فاذا أمكن في النادر يمكن في الغالب أيضا فان حكم الامثال واحد.

و صفوة القول انه اذا كانت الشهادة ظاهرة في الحس كما هو قائل به و من ناحية اخري احتمل الحس في هذه الاخبارات لم يكن مانع من الاخذ بها.

و مما يؤيد المدعي لو لم يكن دليلا ان العلامة و الشهيد و أضرابهما عارفون بالصناعة و يدرون ان اجتهادهم لا يكون معتبرا

لغيرهم من المجتهدين و مع ذلك يوثقون و يضعفون و لم يستدلوا علي مدعاهم فنفهم ان اخبارهم شهادة حسية و الا فأي اعتبار و أية قيمة لمقالتهم.

و ببيان واضح نسأل ان العلامة مثلا حين يوثق احدا هل يكون ناظرا الي افادة كلامه أم لا؟ لا طريق الي الثاني بعد تمامية اصالة عدم الغفلة و علي الاول هل يري جواز التقليد للمجتهد كلا فلا محالة يكون اخباره حسيا.

و علي الجملة اذا احتمل ان اخبار العلامة و كذا غيره من الثقات اذا أخبروا بوثاقة احد من الرواة و احتمل ان منشأ توثيقهم نقل كابر عن كابر لا نري مانعا من الاخذ بالخبر المذكور فتحصل ممّا تقدم انه لا وجه للتفريق بين المتقدمين و المتأخرين من هذه الجهة و اللّه العالم.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 205

الفائدة السابعة عشر: أنه وقع الكلام بين القوم في جواز ترقيع بدن الإنسان بعضو من أعضاء غيره

اشارة

و يقع الكلام في هذا المقام في

عدة مسائل.
المسألة الأولي في حكم الترقيع من حيث الحكم الشرعي.

فاقول: تارة يفرض البحث في ترقيع شخص بعضو من اعضاء الحيوانات و اخري في ترقيعه بعضو من اعضاء الاناسي و علي الثاني تارة لا يكون المأخوذ منه العضو للترقيع مسلما او بحكم المسلم كالذمي و اخري يكون مسلما أو من يكون بحكمه.

اما لو لم يكن المأخوذ منه انسانا فمقتضي القاعدة و لو ببركة اصالة البراءة الجواز مطلقا اعم من ان يكون المأخوذ منه حيا أو ميتا محلل الاكل أو محرما طاهرا أو نجسا مات حتف انفه أو ذبح علي الوجه الشرعي نعم لو قلنا بحرمة الانتفاع بالميتة لا يجوز فيما يتحقق هذا العنوان الا ان تعارض الحرمة مصلحة اهم كما لو توقف حفظ حياة احد علي ترقيعه بعضو من اعضاء الميتة.

و اما لو كان المأخوذ منه انسانا غير مسلم و لا ذمي فالظاهر الجواز اعم من ان يكون ميتا أو حيا مكرها أو غير مكره اذ قتل الكافر جائز فكيف بايذائه و يمكن ان يقال انه لو منعنا عن الانتفاع بميتة الحيوان لجملة من الاخبار فلا مانع من الاستفادة من ميت الانسان للانصراف مضافا الي انه لا يبعدان يقال انه لا تصدق علي ميت الانسان الميتة بل هو ميت لا ميتة و بملاحظة «1» اللغة يظهر ما ادعيناه.

______________________________

(1) قال في المصباح و الميتة من الحيوان ما مات حتف انفه و اصلها بالتشديد و قيل التزم التشديد في ميتة الاناسي لانه الاصل و التزم التخفيف في غير الاناسي.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 206

و اما لو كان المأخوذ منه مسلما فان كان ميتا فلا يجوز لعدم جواز قطع اعضاء الميت المسلم الا اذا زاحمته مصلحة اهم كما

لو توقفت حياة شخص علي ترقيعه بعضو من أعضاء من الميت و الا لا يجوز اذ حفظ الاعضاء غير واجب كما انه لا يجب تكميل الاعضاء فما افيد في بعض الكلمات من الجواز مطلقا فاسد و ان كان حيا فان لم يكن راضيا بأخذ بعض عضوه فلا يجوز اكراها لان كل شخص مسلط علي نفسه الا ان يزاحمه عنوان اقوي ملاكا من حرمة التصرف في سلطنة الغير و ان كان راضيا فان قلنا بأن قطع الاعضاء حرام حتي علي صاحبها بالاجماع التعبدي فلا يجوز و اما لو قلنا بجوازه فان كان المأخوذ منه عاقلا بالغا فالاقوي الجواز لعدم مانع منه و اما لو كان مجنونا أو صغيرا فلا يجوز اذ رضائهما غير معتبر.

و اما اذا كان المأخوذ منه ذميا فان كان ميتا فيجوز لعدم الحرمة و ان كان حيا فيجري فيه ما قلناه في المسلم.

المسألة الثانية في انه بعد ما رقّع بدن انسان بعضو من اعضاء الغير فهل يكون طاهرا أو نجسا أو فيه تفصيل

الظاهر هو الثالث و تفصيل الكلام ان العضو لو كان من ميت الانسان المسلم بعد غسله أو كان من الحيوان الطاهر بعد ذبحه علي طريق شرعي و رقع به بدن انسان فالظاهر طهارة العضو اذ لا وجه للنجاسة في فرض الكلام و اما لو كان من ميت الانسان الكافر أو المسلم قبل غسله أو كان من الحيوان نجس العين أو طاهر العين لكن لم يذك يكون العضو نجسا فبعد الترقيع لو صار عضوا من البدن المرقع بحيث قطعت اضافته عما اضيف إليه أولا في نظر العرف يكون طاهرا اذ المفروض طهارة بدن المسلم اصالة كما انه لو بقيت الاضافة الاولية بحالها تكون

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 207

النجاسة باقية و لا نحتاج الي استصحاب النجاسة كي يقال بأن

الاستصحاب لا يجري في الاحكام الكليّة للمعارضة و لو اضيف إليهما معا بأن يقال زيد يري بعين الحيوان الفلاني مثلا تكون النجاسة باقية اذ المفروض بقاء الموضوع بحاله و الحكم تابع لموضوعه.

و ربما يقال في هذا الفرض بأن دليل طهارة بدن الانسان المسلم يقتضي طهارة العضو فيقع التعارض بين الدليلين و بعد التساقط يرجع الي اصالة الطهارة اذ استصحاب النجاسة معارض باصالة عدم جعل الزائد علي ما بنينا عليه في محله لكن هذا توهم فاسد و ذلك لان دليل طهارة الانسان لا يدل علي طهارته و لو عرض عليه عنوان من عناوين النجاسة و بعبارة اخري طهارة الاشياء من باب عدم الاقتضاء للنجاسة و المفروض ان المقتضي لها موجود و من المعلوم ان ما لا اقتضاء له لا يعارض ما فيه الاقتضاء و اللّه العالم.

المسألة الثالثة في حكم الصلاة مع العضو المرقع

و البحث فيه يقع علي انحاء:

الاول من ناحية نجاسته و الثاني من ناحية كونه ميتة و الثالث من ناحية كونه مما لا يؤكل لحمه.

اما الكلام من الناحية الاولي ففيما يحكم بطهارة العضو فلا اشكال فيه و اما فيما يحكم بنجاسته فلو كان ما رقع به في الباطن فيمكن القول بالجواز أيضا لعدم دليل علي وجوب ازالة النجاسة عن الباطن أو فقل ان الباطن لا ينجس.

و اما كون العضو الزائد محمولا فعلي فرض عدم جواز الصلاة مع المحمول النجس لا يشمل الدليل فيما كان المحمول في الباطن مضافا الي ان الكلام فيما لا يتم فيه الصلاة

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 208

و اما الكلام من الناحية الثانية فعلي فرض قطع الاضافة الاولية فلا اشكال و اما فيما كانت الاضافة باقيه فلنا ان نقول بالجواز أيضا اذ ما يدل علي

مانعية الميتة يدل علي عدم جواز الصلاة فيها فلو لم يصدق هذا العنوان فلا مانع.

و اما الكلام من الناحية الثالثة اي من جهة كونه مما لا يؤكل لحمه فما قيل في وجه الجواز امور:

الاول ان دليل عدم جواز الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه منصرف عن اجزاء الانسان.

الثاني ان السيرة قائمة علي الجواز.

الثالث حديثا زرارة و عمار ففي الاول «1» عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال سأله ابي و انا حاضر عن الرجل يسقط سنة فأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ قال لا بأس.

و في الثاني «2» عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال لا بأس ان تحمل المرأة صبيها و هي تصلي و ترضعه و هي تتشهد».

أقول: ان الوجوه كلها مخدوشة اما الاول فلان فرض الكلام ليس في خصوص عضو الانسان كي يقال بانصراف الدليل فلو اخذ عضو من الاسد و رقع به هل تجوز الصلاة فيه أم لا.

و اما الثاني فلان السيرة حيث انها ليست دليلا لفظيا لا مجال للاخذ بالإطلاق فلا بد من الاقتصار علي القدر المتيقن منها و من الظاهر انه ليست السيرة قائمة علي ما فيه الكلام.

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من ابواب لباس المصلي الحديث 4.

(2) الوسائل الباب 24 من ابواب قواطع الصلاة الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 209

و اما الثالث فالرواية الاولي ضعيفة بالارسال فلا تكون قابلة للاستناد و اما الثانية فحكم وارد في موضوع خاص بالنسبة الي شخص مخصوص و قد قيد الاطلاق بما رواه «1» ابن جعفر عن اخيه موسي ابن جعفر عليه السلام قال سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الي جنبها هل يصلح لها ان تتناوله

فتحمله و هي قائمة؟

قال لا تحمله و هي قائمة- فان هذه الرواية تدل علي المنع حال القيام فكيف يمكن الاستناد و اما دليل الجواز: فالحق ان يقال انه لا قصور في شمول ادلة المنع و لا فرق بين صدق عنوان الصلاة في غير المأكول و عدمه اذ علم من الدليل ان مجرد مصاحبة جزء غير المأكول موجبا لفساد الصلاة لاحظ ما رواه ابن بكير «2» قال سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السلام في حديث الي أن قال: «فاخرج كتابا زعم انه املاء رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله أن الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد الحديث.

فنقول لو امكن الاجتناب بان لا يصاحب جزء غير المأكول يكون مقتضي الاحتياط عدم الترقيع به و لو لم يمكن فان كان الاجتناب موجبا للهلاك فلا يجب بل يجب الترقيع بجزء غير مأكول اللحم لوجوب حفظ النفس كما انه لو كان الاجتناب حرجيا لا يجب لقاعدة نفي الحرج لكن تجب الصلاة علي تلك الحالة اذ علم من الشرع ان الصلاة لا تترك بحال لاحظ ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من ابواب قواطع الصلاة الحديث: 3.

(2) الوسائل الباب 2 من ابواب لباس المصلي الحديث: 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 210

قال عليه السلام فيه لا تدع الصلاة علي حال فان النبي صلي اللّه عليه و آله قال: الصلاة عماد دينكم «1».

فان المستفاد من هذه الرواية مع ملاحظة التعليل الواقع فيها و مجموع ما دل علي اهمية الصلاة ان الشارع لا يرضي بتركها في حال

من الاحوال و بعبارة واضحة انه لو كان الاجتناب موجبا للهلاك أو كان حرجيا تجب الصلاة مع تلك الحال لعدم سقوطها بحال.

(تتمة لا تخلو عن فائدة) و هي انه لو رقع بدن شخص بجزء من الحيوان

و شك في بقاء الاضافة الي الحيوان المأخوذ منه و عدمه فهل يجري استصحاب بقاء الاضافة أم لا.

الحق هو الاول اما في الشبهة الموضوعية فظاهر اذ اركان الاستصحاب تامة و اما في الشبهة المفهومية فما يمكن ان يقال في وجه عدم جريان الاستصحاب في المقام ان استصحاب بقاء الموضوع بوصف الموضوعية يرجع الي استصحاب الحكم و استصحاب ذات الموضوع اركانه غير تامة اذ الامر دائر بين مقطوع البقاء و مقطوع الزوال فلا شك حتي يجري الاصل.

لكن هذا القول و ان ذهب إليه المشهور غير تام لتحقق اركان الاستصحاب توضيح ذلك ان الاضافة الي الحيوان المأخوذ منه مثلا كانت معلومة و متيقنة و الآن نشك في ان الاضافة باقية أم لا فأيّ ركن من اركان الاستصحاب انهدم اذا لاضافة كانت معلومة

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من ابواب الاستحاضة الحديث 5.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 211

سابقا و هي مشكوكة لاحقا و مقتضي الاصل بقائها فيتحقق الموضوع الشرعي ببركة الاصل و علي هذا الاساس قلنا انه لا مانع من جريان الاستصحاب في عدم تحقق المغرب لو تردد بين استتار القرص و ذهاب الحمرة المشرقية في مسألة الشك في المغرب الشرعي بانه هل يحصل باستتار القرص فقط أو مع ذهاب الحمرة ببيان ان ما يكون غروبا في نظر العرف لم يكن حاصلا قبل ساعة و الآن نشك في حصوله و الاصل يقتضي عدم الحصول.

الفائدة الثامنة عشر: المشهور عند القوم أنه لو شك في نسخ حكم يجري الاستصحاب

و بعبارة اخري الشك في النسخ كالشك في التخصيص فكما انه لو شك في تخصيص العموم الافرادي يحكم بعدمه بالاستصحاب كذلك لو شك في النسخ فان النسخ تخصيص ازماني و الحق عدم تمامية البيان المذكور فان الاخذ بالعموم اعم من ان يكون افراديا

أو زمانيا من باب الامارة العقلائية و لا يرتبط بالاستصحاب و ان شئت قلت لو فرض عدم دليل علي الاستصحاب لا اشكال في حجية اصالة العموم لبناء العقلاء عليه في باب الالفاظ.

الفائدة التاسعة عشر: أنه وقع الكلام عند القوم في المستفاد من حديث من بلغ

و ذهب بعضهم كسيدنا الاستاد قدس سره الي ان مفاد تلك الاخبار الارشاد الي حكم العقل بحسن الانقياد و لا يستفاد منها استحباب العمل و يترتب عليه انه لو اتي المكلف بما بلغه من الثواب بعنوان الامر الاستحبابي

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 212

يكون مشرّعا اقول هل يستفاد من تلك الاخبار ان الاتيان بالعمل محبوب للمولي أم لا و بعبارة واضحة ان الشارع الاقدس رغّب المكلف في الاتيان بوعده اعطائه اياه ذلك الثواب الكذائي فيعلم ان الاتيان به محبوب عنده و بعد ثبوت كونه محبوبا عنده يثبت الاستحباب الشرعي فالحق ان المستفاد من تلك النصوص الاستحباب و المولوية فلاحظ.

الفائدة العشرون: انه وقع الكلام و الاشكال عند بعض الفقهاء كسيدنا الاستاد قدس سره في ملكية الهيئات الحكومية

اشارة

و الوجه في الاشكال ان الملكية تحصل بسبب من الاسباب الشرعية و المتصدي لهذه الاسباب اما هو المالك و اما الوكيل عن المالك و اما الولي عليه و الهيئة الحكومية غير الشرعية لا تكون مالكة كما هو ظاهر و لا تكون وكيلا عن قبل المالك كما هو اظهر و لا وليّ عليه.

و حيث ان هذه المسألة في كمال الاهمية و مورد ابتلاء العموم رأيت ان المناسب بل الراجح التعرض لها و ملاحظة جوانبها فاقول لا اشكال في قابلية الهيئة و المملكة للملكية و الذي يدل علي المدعي ان الاعيان الموقوفة مالكة للاشياء المتعلقة بها كفرش المسجد و قناديله و منبره الي غيرها من متعلقات المسجد و قس علي المسجد الحسينيات و الخانات و الضرائح المقدسة فلا اشكال من هذه الناحية.

انما الكلام في وجه تحقق الملكية بتصرفات الهيئات المسلطة عليها

و يمكن الاستدلال لاثبات نفوذ تصرفات المتصدين بوجوه
الوجه الأول انه لو لم يلتزم بالملكية يلزم الحرج الشديد

بل يلزم

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 213

اختلال النظام لانه لو لم نقل بالملكية لا يجوز الذهاب و الاياب الي جميع الادارات الحكومية بل لا يجوز التصرف في الحسينيات و الخانات و غيرهما من الاماكن العمومية التي بنتها السلطة.

و أيضا لا يجوز التصرف في الوسائط النقلية و قس عليها بقية الامور كالتصرف في البنوك و امثالها و يلزم أيضا بطلان صلاة كل من يصلي في المساجد و المجامع التي بنيت بامر السلطة في الطرق بين البلاد و قس علي ما ذكرنا كثيرا من الامور اللازمة لهذا القول و هل يمكن الالتزام بهذا اللازم؟ كلا ثم كلا.

الوجه الثاني ان السيرة العقلائية من اوّل الخلقة الي زماننا جارية علي معاملة المالكية مع السلطات الحكومية

علي انواعها و لا يختلج ببال احد ان السلطة من انواع الغاصبين و ما يؤخذ منه غصب و حرام و لم يرد عن الشارع الاقدس ردع عن السيرة المذكورة.

و من ناحية اخري ان القوانين العقلائية اذا لم يردع عنها الشارع ينكشف انه امضاها و لذا نقول الظواهر حجة و كذلك قول الثقة الي غيرهما من السيرات العقلائية.

الوجه الثالث: انه يلزم عدم مالكية كل من يضع ماله في البنك

كما هو المعمول في انحاء العالم و يترتب عليه عدم وجوب الخمس اذ لا موضوع له بالنسبة الي النقود من الاوراق و غيرها اذا كانت موضوعة في البنك.

و يلزم أيضا عدم انتقال المبيع الي التاجر و الكاسب اذ اما يشتري المتاع بالنقد الشخصي و إما يشتري بالذمة أما علي الاول فالبيع باطل اذ المفروض ان الثمن غصب و أما علي الثاني فالبيع و ان كان صحيحا لكن لا تفرغ ذمة المشتري بدفع الثمن اذ المفروض ان

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 214

الثمن غصب و مجهول المالك و هذا يقرع الاسماع بل يضحك الثكلي.

الوجه الرابع انه لم يسمع الاشكال و ابداء الشبهة من زمن الكليني و الطوسي و المفيد و الصدوق الي زمان الشيخ الانصاري

و من بعده و كيف يمكن أن تكون هذه النكتة مغفولا عنها بالنسبة الي هؤلاء الاعلام و الاتقياء العظام.

الوجه الخامس: انه حسب النقل ان الرسول الاكرم قبل هدية ملك حبشة و ان المعصومين عليهم السلام كانوا يقبلون عطايا خلفاء الجور

و جوزوا قبول جوائز السلطان الجائر و هل يكون فرق بين ذلك الزمان و الزمان الاخر.

و يستفاد من جملة النصوص جواز الاخذ و حليته منها ما رواه ابو ولاد قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا امرّ به فانزل عليه فيضيفني و يحسن إليّ و ربما أمر لي بالدرهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنّأ و عليه الوزر «1».

و منها ما رواه ابو المعزي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و انا عنده فقال اصلحك اللّه امرّ بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها قال: نعم قلت و احج بها قال نعم «2».

و منها ما رواه داود بن رزين قال قلت لابي الحسن عليه السلام اني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها أو الدابة

______________________________

(1) الوسائل الباب 51: من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 215

الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه قال خذ مثل ذلك و لا تزد عليه «1».

و منها ما رواه محمد بن أبي حمزة عن رجل قال: قلت لابي عبد اللّه عبد اللّه عليه السلام: اشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول ظلمني فقال اشتره «2».

و منها ما رواه معاوية بن وهب قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام: اشتري من العامل الشي ء و أنا اعلم انه يظلم فقال اشتر منه «3».

و منها ما

رواه ابو عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من ابل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم انهم يأخذون منهم اكثر من الحق الذي يجب عليهم قال:

فقال ما الابل الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه «4».

و منها ما رواه جميل بن صالح قال ارادوا بيع تمر عين أبي ابن زياد فاردت ان اشتريه فقلت: حتي استأذن أبا عبد اللّه عليه السلام فامرت مصادف فسأله فقال له قل له فليشتره فانه ان لم يشتره اشتراه غيره «5».

و منها ما رواه احمد بن محمد بن عيسي في (نوادره) عن ابيه قال سئل

______________________________

(1) الوسائل الباب 51: من ابواب ما يكتسب به الحديث 7.

(2) الوسائل الباب 52: من ابواب ما يكتسب به الحديث 3.

(3) نفس المصدر الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) الوسائل الباب 53: من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 216

أبو عبد اللّه عليه السلام عن شراء الخيانة و السرقة قال اذا عرفت ذلك فلا تشتره الا من العمال «1».

و منها ما رواه اسحاق بن عمار قال سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم قال يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه احدا «2».

و منها ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألته عن الرجل أ يشتري من العامل و هو يظلم فقال يشتري منه «3».

و هذه النصوص تدل بوضوح علي جواز التصرف فيما يؤخذ من الجائر و المعاملة معه معاملة الملاك و لا وجه لحمل هذه النصوص علي القضية الخارجية كي لا يمكن الاخذ بإطلاقها فان الظاهر

من لفظ السلطان من يكون مصداقا لهذا المفهوم بلا فرق بين المدعي للخلافة و من لا يكون كذلك.

و اوضح منه ما عبّر عنه بعنوان العامل فان العامل مطلق يصدق علي كل عامل فالنتيجة ان الدولة قابلة للمالكية ثبوتا و بحسب مقام الاثبات تكفي الادلة لكونها مالكة كبقية الملاك فلاحظ.

الفائدة الواحدة و العشرون: الظاهر أن الأصحاب لم يتعرضوا لمسألة وجوب إطاعة الوالدين

في الكتب الفقهية الاستدلالية و لا ريب في أهمية الموضوع و ابتلاء العموم به فجدير بأن نذكر فيه ما خطر ببالنا و استفدناه من الآيات

______________________________

(1) الوسائل الباب 52: من ابواب ما يكتسب به الحديث 6.

(2) الوسائل الباب 53: من ابواب ما يكتسب به الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 3.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 217

و النصوص فنقول قد ورد في جملة من الآيات الايصاء بالاحسان بالوالدين منها قوله تعالي «وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ لٰا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللّٰهَ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» «1» الآية.

فان المستفاد من الآية ان اللّه أخذ الميثاق من بني اسرائيل أن لا يعبدوا الا اللّه و أن يحسنوا بالوالدين و ذي القربي و هو الرحم و اليتامي و المساكين و ان يقولوا للناس حسنا.

و لا اشكال في أنه لا يستفاد من هذه الآية وجوب اطاعتهما بل المستفاد منها رجحان الاحسان إليهما و الاحسان إليهما لا يلازم اطاعتهما فان الاحسان يقابل الإساءة.

و مما يدل علي المدعي ان المستفاد من الآية رجحان الاحسان إليهما و الي ذي القربي و اليتامي و المساكين و من الواضح انه لا يجب اطاعة هؤلاء المذكورين فلا يكون حسن الاحسان مستلزما لوجوب الاطاعة هذا أولا.

و بعبارة اخري: ان وحدة السياق تقتضي عدم الوجوب فلو فرض عدم وجوب غيرها من المذكورين كما هو كذلك فلا يكون اطاعتهما واجبا

أيضا.

الا أن يقال بأن الظاهر من الجملة هو الوجوب و نرفع اليد عنه بمقدار قيام الدليل علي الخلاف لكن يلزم علي هذا تخصيص الاكثر المستهجن فلاحظ.

و ثانيا ان الآية مربوطة ببني اسرائيل و اسراء الحكم الي الامة المرحومة يتوقف علي القول باستصحاب احكام الشرائع السابقة و هو مورد الاشكال و التفصيل موكول الي محله من الاصول.

______________________________

(1) البقرة/ 83.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 218

و منها قوله تعالي «وَ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ لٰا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً وَ بِذِي الْقُرْبيٰ وَ الْيَتٰاميٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْجٰارِ ذِي الْقُرْبيٰ وَ الْجٰارِ الْجُنُبِ وَ الصّٰاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُحِبُّ مَنْ كٰانَ مُخْتٰالًا فَخُوراً» «1».

و قد ظهر مما ذكرنا في الآية الاولي انه لا يستفاد المدعي من هذه الآية أيضا.

و منها قوله تعالي «قُلْ تَعٰالَوْا أَتْلُ مٰا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلّٰا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً» «2».

و قد ظهر مما قدمناه عدم دلالة الآية علي وجوب الاطاعة فلا نعيد.

و منها قوله تعالي «وَ قَضيٰ رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً إِمّٰا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمٰا أَوْ كِلٰاهُمٰا فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لٰا تَنْهَرْهُمٰا وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلًا كَرِيماً» «3» و الكلام فيها هو الكلام و وجوب القول الكريم لهما لا يستلزم وجوب اطاعتهما كما هو ظاهر و بعبارة اخري: كما يحرم أن يقال لهما افّ كذلك يجب القول الكريم لهما فلاحظ.

و منها قوله تعالي «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ لِتُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «4».

______________________________

(1) النساء/ 36.

(2) الانعام/ 151.

(3) الاسراء/

23.

(4) العنكبوت/ 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 219

و هذه الآية ذكر فيها الايصاء بالحسن و المنع عن اطاعتهما في صورة المجاهدة علي الشرك اما بالنسبة الي الجملة الاولي فالكلام فيها هو الكلام و أما بالنسبة الي الجملة الثانية فربما يتوهم ان مقتضي مفهوم الشرط وجوب اطاعتهما في المجاهدة علي غير الشرك.

و لكن لا مجال لهذا التوهم فان الشرط في الآية سيق لبيان الموضوع و لا مفهوم له.

و منها قوله تعالي «وَ إِنْ جٰاهَدٰاكَ عَليٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلٰا تُطِعْهُمٰا وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «1».

و قد ظهر مما مر ان تقريب الاستدلال بمفهوم الشرط غير سديد و يستفاد من قوله تعالي في هذه الآية «وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً» ان الواجب بالنسبة الي الوالدين معاشرتهما بالمعروف نظير قوله تعالي «وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» بالنسبة الي الزوجات فلا يجب علي الولد بالنسبة الي والديه الا الصحبة بما هو المتعارف فلا تجب اطاعتهما علي نحو الاطلاق.

نعم ربما يتفق ان الاطاعة مصداق للصحبة بالمعروف.

و منها قوله تعالي «وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسٰانَ بِوٰالِدَيْهِ إِحْسٰاناً» «2».

و الكلام في هذه الآية هو الكلام في الآيات السابقة المتضمنة للايصاء بالاحسان فالنتيجة ان الآيات بنفسها لا تدل علي وجوب

______________________________

(1) لقمان/ 15.

(2) الاحقاف/ 15.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 220

اطاعتهما بل المستفاد من الكتاب وجوب صحبتهما بالمعروف.

نعم يستفاد من الكتاب ببركة النص حرمة العقوق لاحظ قوله تعالي «وَ بَرًّا بِوٰالِدَتِي وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبّٰاراً شَقِيًّا» «1» و قد عد العقوق من المعاصي الكبيرة في حديث عبد العظيم الحسني قال حدثني ابو جعفر الثاني

عليه السلام قال سمعت ابي يقول سمعت أبي موسي بن جعفر عليه السلام يقول دخل عمرو بن عبيد علي أبي عبد اللّه عليه السلام فلما سلم و جلس تلا هذه الآية «وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ» ثم امسك فقال له ابو عبد اللّه عليه السلام ما اسكتك قال احب ان اعرف الكبائر من كتاب اللّه عز و جل فقال نعم يا عمرو اكبر الكبائر الاشراك باللّه الي أن قال، و منها عقوق الوالدين لان اللّه سبحانه جعل العاق جبارا شقيا «2» الحديث.

مستشهدا بالآية الشريفة و حرمة العقوق من الواضحات التي لا ريب و لا شك فيها و لكن حرمة العقوق لا تستلزم وجوب الاطاعة فان العقوق علي ما يظهر من اللغة هو القطع و الايذاء.

نعم لا مانع من الالتزام بوجوب الاطاعة فيما يكون تركها مستلزما للايذاء و القطع و ترك الاحسان و خلاف المصاحبة بالمعروف.

و تدل جملة من الاخبار علي حرمة العقوق، منها ما رواه حديد ابن حكيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال أدني العقوق افّ و لو علم اللّه عز و جل شيئا أهون منه لنهي عنه «3».

______________________________

(1) مريم/ 32.

(2) الوسائل الباب 46 من ابواب جهاد النفس الحديث 2.

(3) اصول كافي ج 2 ص 348 باب العقوق الحديث 1.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 221

و منها ما رواه عبد اللّه بن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله كن بارا و اقتصر علي الجنة و ان كنت عاقا (فظا) فاقتصر علي النار «1».

و منها ما رواه يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال اذا كان يوم القيامة

كشف غطاء من أغطية الجنة فوجد ريحها من كانت له روح من مسيرة خمسمائة عام الا صنف واحد قلت من هم قال العاق لوالديه 2

و منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله: فوق كل ذي برّ برّ حتي يقتل الرجل في سبيل اللّه فاذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ و ان فوق كل عقوق عقوقا حتي يقتل الرجل احد والديه فاذا فعل ذلك فليس فوقه عقوق «3».

و منها ما رواه سيف بن عميرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من نظر الي ابويه نظر ماقت و هما ظالمان له لم يقبل اللّه له صلاة «4».

و منها ما رواه محمد بن فرات عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قال رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله في كلام له اياكم و عقوق الوالدين فان ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام و لا يجدها عاق و لا قاطع رحم الحديث «5».

______________________________

(1) (1 و 2) نفس المصدر الحديث 2 و 3.

(3) اصول كافي ج 2 ص 348 باب العقوق الحديث 4.

(4) نفس المصدر الحديث 5.

(5) نفس المصدر الحديث 6.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 222

و منها ما رواه ابو البلاد (السلمي) عن أبيه عن جده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال لو علم اللّه شيئا أدني من اف لنهي عنه و هو من ادني العقوق أن ينظر الرجل الي والديه فيحدّ النظر إليهما «1».

و منها ما رواه عبد اللّه بن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان أبي نظر الي رجل و معه ابنه يمشي و الابن متكئ علي

ذراع الأب قال: فما كلّمه أبي عليه السلام مقتا له حتي فارق الدنيا «2».

و الحديث الثاني من الباب يدل علي وجوب البرّ و يدل علي وجوب اطاعتهما ما رواه محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول ان رجلا أتي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه اوصني فقال لٰا تُشْرِكْ بِاللّٰهِ شيئا و ان حرقت بالنار و عذبت الا و قلبك مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ و والديك فاطعهما و برّهما حيين كانا أو ميتين و ان أمراك أن تخرج من اهلك و مالك فافعل فان ذلك من الايمان «3» و لكن الرواية ضعيفة بخالد بن نافع البجلي مضافا الي أنه كيف يمكن أن يلتزم بمفاد الحديث بهذا النحو من الاطلاق اللهم الا أن يقال انه ترفع اليد بالمقدار الذي يقطع بعدم وجوبه و الضرورات تقدر بقدرها.

و قد دلت جملة من الاخبار ان الانسان و ماله لابيه منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن الرجل يحتاج الي مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف، و قال: في كتاب علي عليه السلام ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا الا باذنه

______________________________

(1) اصول كافي ج 2 ص 348 باب العقوق الحديث 7.

(2) نفس المصدر الحديث 8.

(3) اصول كافي ج 2 ص 158 الحديث 2.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 223

و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له أن يقع علي جارية ابنه اذا لم يكن الابن وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل انت و مالك لابيك «1».

و منها ما

رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله قال لرجل انت و مالك لابيك قال أبو جعفر عليه السلام ما احب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج إليه مما لا بدّ منه ان اللّه لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ «2».

و منها ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال قلت لابي عبد اللّه عليه السلام ما يحل للرجل من مال ولده قال قوته بغير سرف اذا اضطر إليه قال: فقلت له فقول رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله للرجل الذي اتاه فقدم أباه فقال له انت و مالك لابيك فقال انما جاء بأبيه الي النبي صلي اللّه عليه و آله فقال يا رسول اللّه هذا أبي و قد ظلمني ميراثي من أمّي فاخبره الأب انه قد أنفقه عليه و علي نفسه و قال انت و مالك لابيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله يحبس الأب للابن «3».

و منها ما رواه محمد بن سنان ان الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: و علة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه و ليس ذلك للولد لان الولد موهوب للوالد في قوله عز و جل «يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ» مع انه المأخوذ بمئونته

______________________________

(1) الوسائل الباب 78 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

(2) نفس المصدر الحديث 2.

(3) نفس المصدر الحديث 8.

عمدة المطالب في التعليق علي المكاسب، ج 4، ص: 224

صغيرا و كبيرا و المنسوب إليه و المدعو له لقوله عز و جل «ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ» و لقول النبي صلي اللّه

عليه و آله انت و مالك لابيك و ليس للوالدة مثل ذلك لا تأخذ من ماله شيئا الا باذنه أو باذن الأب و لان الوالد مأخوذ بنفقة الولد و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها «1».

و لا اشكال في أن هذه الروايات ناظرة الي الحكم الاخلاقي فالنتيجة انه لم يدل دليل لا من الكتاب و لا من السنة علي وجوب اطاعة الوالدين و طريق الاحتياط ظاهر و اللّه العالم بحقائق الامور و عليه التكلان.

______________________________

(1) نفس المصدر الحديث 9.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.